د. صبحي رمضان فرج سعد*
الماء هو أحد الموارد المائية المتجددة على كوكب الأرض، وبالرغم من ذلك فإنّ المتاح منه للاستخدام – على محدوديته – تكتنفه مصاعب عديدة، تتسم بالتعقيد الشديد والأهمية الشديدة، بعضها يرتبط بالحجم والخصائص، وبعضها الآخر يرتبط بالتغيرات البيئية التي زادت وتيرتها خلال الآونة الأخيرة، وثالث يتصل بفاعلية أنظمة الإدارة المائية الحالية وطبيعة العلاقات بين الدول ذات المورد المشترك.
مقدمة:
تُعد البحيرات إحدى صور المياه السطحية، وأحد أهم الموارد الطبيعية في العالم، ويبلغ الحجم الكلي لمياه البحيرات 125 ألف كم3، تمثّل 1,4% من إجمالي حجم المياه العذبة السائلة.
وتتنوع القيمة الاقتصادية لـلبحيرات، حيث يُستغل العذب منها في أغراض رَيّ الأراضي الزراعية، خصوصاً في الأقاليم الجغرافية الجافّة، كذلك تُستخدم كخزانات مائية قائمة بذاتها، أو على مجاري مائية نهرية، قد تُستغل عبر السدود المقامة عليها في إنتاج الطاقة الكهرومائية، كما تُعد البحيرات مصايد سمكية مهمّة، وأحد شرايين النقل الرابطة.
هذا إلى جانب القيمة الجمالية للبحيرات، والتي تسهم في تشجيع النشاط السياحي والترويحي من خلال جذب الاستثمارات وتشييد المنتجعات على ضفافها، بالإضافة إلى إسهامها في حفظ التنوّع الحيوي ودعم الأنظمة الإيكولوجية للبيئات والمجتمعات الأرضية.
ويبلغ إجمالي عدد البحيرات في العالم نحو 50 ألف بحيرة طبيعية، وقرابة 7500 بحيرة صناعية[1]، وتأتي قارة إفريقيا في صدارة قارات العالم من حيث نسبة المياه العذبة المخزنة في البحيرات، حيث استأثرت بمفردها على 34,7% من حجمها العالمي[2].
جدول (1)
التوزيع العددي والنسبي للبحيرات الإفريقية
القطر |
عدد البحيرات |
النسبة المئوية |
أوغندا |
69 |
10,0% |
كينيا |
64 |
9,5% |
الكاميرون |
59 |
8,7% |
تنزانيا |
49 |
7,2% |
إثيوبيا |
46 |
6,8% |
جنوب إفريقيا |
37 |
5,5% |
رواندا |
29 |
4,3% |
غانا |
29 |
4,3% |
المغرب |
26 |
3,8% |
مدغشقر |
25 |
3,7% |
مصر |
16 |
2,4% |
نيجيريا |
16 |
2,4% |
مالي |
15 |
2,2% |
تونس |
15 |
2,2% |
زائير |
15 |
2,2% |
مالاوي |
13 |
1,9% |
بتسوانا |
12 |
1,8% |
الجابون |
8 |
1,2% |
أخرى |
134 |
19,9% |
المجموع |
677 |
100% |
Source: World Lakes Network) 2004(
ويتباين نصيب الدول الإفريقية من حيث عدد البحيرات الواقعة في حيّز أراضيها والنسبة العددية التي تمثّلها، فقد بلغ مجموع بحيرات القارة 677 بحيرة، استأثرت خمس دول – أربع منها في شرقي القارة، وهي: (أوغندا، وكينيا، وتنزانيا، وإثيوبيا)، وواحدة بغربي القارة، وهي: (الكاميرون) – بـ 287 بحيرة، مثّلت 42,2%، انظر: جدول (1)، وشكل (1).
شكل (1): البحيرات في قارة إفريقيا
وتأتي في صدارة بحيرات القارة من حيث الأهمية:
1 – (بحيرة فيكتوريا): بشرقي القارة الإفريقية، تُعد ثاني أكبر بحيرة عذبة في العالم، مساحتها (68870 كم2).
2- (بحيرة تنجانيقا): في الجزء الجنوبي من الأخدود الإفريقي العظيم بشرقي القارة، مساحتها (32900 كم2)، وتُعد ثاني أعمق بحيرة في العالم.
3 – (بحيرة نياسا): في الأخدود الإفريقي العظيم بشرقي القارة الإفريقية، مساحتها (22490 كم2).
4 – (بحيرة تشاد): بوسط إفريقيا، مساحتها (17800 كم2).
5 – (بحيرة ناصر) الصناعية: خلف السدّ العالي على نهر النيل بجنوب مصر وشمال السودان، مساحتها (12900 كم2).
6 – (بحيرة فولتا) الصناعية: على نهر الفولتا في جنوب شرقي غانا، مساحتها (8482 كم2).
7 – (بحيرة ماي-ندومبي) الصناعية: على نهر لوتوي في غربي جمهورية الكنغو الديمقراطية، مساحتها (8300 كم2).
8 – (بحيرة توركانا): في الأخدود الإفريقي العظيم بشرقي القارة الإفريقية، مساحتها (7100 كم2).
9 – (بحيرة كاريبا) الصناعية: على نهر زامبيزي على حدود زامبيا مع زيمبابوي، مساحتها (5310 كم2).
وتشهد العديد من البحيرات الإفريقية تغيرات بيئية بالغة، وتدخلات بشرية جائرة، وسوء استغلال، وأساليب إدارة تتسم في أغلبها بالعشوائية، وهو ما يترتب عليه اختلالات جزئية أو كلية بالأنظمة الإيكولوجية لهذه البحيرات.
أولاً: العمليات والتغيرات البيئية الطبيعية:
بحيرة كيفو Kivu :
تسهم العمليات الطبيعية – كالثورانات البركانية – بدور مهمٍّ في إحداث تغيّرات جوهرية في الخصائص الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية للبحيرات، ويعرض الشكل (2) مرئية تُظهر تدفقات الصهير البركاني عقب ثوران بركان نييراجونجو Mt. Nyiragongo (2002م)، ويتبين من خلالها انسياب جزء منها باتجاه بحيرة كيفو.
شكل (2): بحيرة كيفو عقب ثوران Mt.Nyiragongo (2002م)
بحيرة سنجور Songor:
تتعرض البحيرات واللاجونات الساحلية لتأثيرات الموقع الجغرافي، على سبيل المثال بحيرة سنجور، وهي إحدى اللاجونات الساحلية المالحة في غانا، وكانت البحيرة موطناً لأنواع عديدة من الأسماك، وأنواع من السلاحف البحرية المهدّدة بالانقراض، مثل السلحفاة الخضراء وسلحفاة رايدلي الزيتونية، إلى جانب العديد من أنواع الطيور.
وقد ظهرت في مرئية عام 1990م كتلة مياه زرقاء متماسكة تمتد في مساحة 74 كم2، لكنها في مرئية عام 2000م ظهرت وكأنها ظلٌّ متلاش لسالفتها؛ ويعود ذلك في جانبه الأكبر إلى الإنتاج الكثيف للملح والتبخّر عند الطرف الغربي للبحيرة.
بحيرة سانت لوسيا St.Lucia:
تقع بحيرة سانت لوسيا في جنوب إفريقيا تحت وطأة تأثيرات حركة المدّ البحري لمياه المحيط الهندي، حيث تشكّل البحيرة جزءاً من مصبّ سانت لوسيا، وهو ما يتسبب في ارتفاع نسب الملوحة بالبحيرة ارتفاعاً كبيراً في بعض السنوات، خصوصاً بالقطاعات الشمالية للبحيرة، وهو ما يؤدي إلى القضاء على أعداد كبيرة من النباتات والكائنات الحية بالبحيرة.
ثانياً: التلوث وتدهور نوعية المياه:
تشهد العديد من بحيرات القارة الإفريقية قدراً كبيراً من الملوثات التي تتنوع مصادرها، فبعضها ضفافي، كمخلفات الصرف الصناعي والزراعي والصحي، وبعضها الآخر يرتبط بأنشطة المسطح البحيري، كمخلفات مركبات النقل والسفن السياحية ونشاط الصيد.
بحيرة فيكتوريا:
تتصدر بحيرة فيكتوريا قائمة البحيرات الإفريقية التي تقع تحت وطأة التهديدات البشرية، فهي ثاني أكبر بحيرات المياه العذبة في العالم، ويتقاسم مسطحها المائي ثلاثة أقطار، يقع في كينيا 4113 كم2 (6%)، وفي أوغندا 31001 كم2 (45%)، وفي تنزانيا 33756 كم2 (49%)، وتتسع مساحة الحوض البحيري لتصل إلى 180.950 كم2، ويدخل فيه أجزاء من جمهوريتي رواندا وبوروندي[3].
ويعتمد على البحيرة نحو 33 مليون نسمة، حيث تُعد رابطاً نقلياً مهمّاً يصل بين الأقطار المطلة عليها، وخزاناً مائياً، ومصدراً رئيساً للإمداد المائي، بالإضافة إلى كونها مصدراً للإنتاج السمكي الذي تصل كميته إلى نحو 750.000 طن متري سنوياً.
وتشهد المناطق الضفافية للبحيرة معدلات نموٍّ سكاني مرتفعة تزيد على 6% سنوياً، وهي الأعلى على الإطلاق بالعالم، ويبيّن الشكل (3) تطور الكثافة السكانية بمنطقة الحوض، ويظهر من خلاله ارتفاعها بشكل واضح بالقطاعات الشمالية، والشمالية الشرقية، والجنوبية.
شكل (3): تطور الكثافة السكانية بحوض بحيرة فيكتوريا خلال الفترة (1960م – 2015م)
وتتعرض البحيرة لظاهرة (الإثراء الغذائي) Eutrophication؛ وما يترتب عليها من نموٍّ زائد للنباتات المائية والطحالب التي تقلل من جودة الحالة النوعية للمياه، بالإضافة إلى ما ينتج عنها من روائـح منفّرة؛ نتيجة الطحالب والمواد العضوية الطافية المتعفنة، والتي تصبح بيئة ملائمة لتكاثر الحشرات.
ويرتبط (الإثراء الغذائي) بالتدفقات ذات المحتوى العـــالي من المغذيات؛ حيث يبلغ إجمالي ما يصل إلى البحيرة من عنصري النيتروجين والفوسفور 208.160 و 38.303 طناً / سنوياً، تسهم تدفقات المجاري المائية النهرية والإرسابات الهوائية فيها بنسبة 72,85% و 78,56% من الحمولة الإجمالية للعنصرين على التوالي.
وتتّسبب مياه الصرف الصحي غير المعالجة التي تتلقاها البحيرة في تلوثها بكتريولوجياً؛ وهو ما يؤثر سلباً في الكائنات الحية المائية، وجودة مياه الشرب، فضلاً عن الأمراض المنقولة بالمياه كالتيفود والكوليرا وغيرهما، وخصوصاً مع غياب الوعي البيئي والممارسات الصحية السليمة.
وتتفاقم المشكلة مع ارتفاع معدلات النمو السكاني بالحواضر المطلة على البحيرة، والتي تتراوح بين 5 – 10% سنوياً، بينما يتراوح المتوسط العام بين 2 – 4% في معظم أجزاء الحوض.
كما تتلقى البحيرة كميات كبيرة من الملوثات الكيميائية، حيث تفرغ بها كميات كبيرة من نفايات التعدين والمخلفات الصناعية والبترولية والطبية وغيرها، وتغيب تماماً أعمال معالجة هذه المخلفات بقطاعي أوغندا وتنزانيا، وإن كان أغلبها يُعالج بالقطاع الكيني.
وتُظهر الدراسات الحديثة أنّ أسماك (بحيرة فيكتوريا) تحتوي على مستويات متباينة من المبيدات الكلورية العضوية المتبقية؛ الناتجة عن مخلفات الكيماويات الزراعية التي تنتقل من المــزارع عبر الأنهار لتســـتقر بالبحيرة.
بحيرات مصر الشمالية:
أجريت دراسة في مصر (2008م) على ثلاث من بحيرات مصر الشمالية (إدكو، ﺍﻟﺒﺭﻟﺱ، ﺍﻟﻤﻨﺯﻟﺔ)؛ وذلك لتقييم ﺩﺭﺠﺔ ﺍﻟﺘﻠﻭﺙ ﺒﻬﺎ، ﺤﻴﺙ ﺘﻡّ ﺘﻘﺩﻴﺭ ﻤﺘﺒﻘﻴﺎﺕ ﺒﻌﺽ ﺍﻟﻌﻨﺎﺼﺭ ﺍﻟﺜﻘﻴﻠﺔ في ﻤﻴﺎﻩ ﻭﺭﺴﻭﺒﻴﺎﺕ القاع ﻭﺃﺴـﻤﺎﻙ البلطي النيلي ﺍﻟﺴﺎﺌﺩﺓ في ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺒﺤﻴﺭﺍﺕ.
وقد كشفت الدراسة عن ارتفاع ﺘركيزات الحديد وﺍﻟﻤﻨﺠﻨﻴﺯ والكادميوم ﻭﺍﻟﺭﺼﺎﺹ في ﻤﻴﺎﻩ (ﺒﺤﻴﺭﺓ ﺍﻟﻤﻨﺯﻟﺔ)، ﻭﺍﻟﻤﻨﺠﻨﻴﺯ ﻭﺍﻟﺭﺼﺎﺹ في (ﺒﺤﻴﺭﺓ ﺍﻟﺒﺭﻟﺱ)، متجاوزة ﺍﻟﺤﺩ ﺍﻷﻗﺼﻰ ﺍﻟﻤﺴﻤﻭﺡ ﺒﻪ دولياً، ويعود ﺫﻟﻙ للكميات الكبيرة ﻤﻥ ﺍﻟﻤﺨﻠﻔﺎﺕ التي ﺘﺼل ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺤﻴﺭﺓ ﻋﻥ ﻁﺭﻴﻕ ﻤﺼﺎﺭﻑ (ﺒﺤﺭ ﺍﻟﺒﻘـﺭ، وﺒﺤـﺭ ﺤـﺎﺩﻭﺱ، وبحر ﺭﻤﺴﻴﺱ).
كما جاء تركيز ﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻥ ﺍﻟﺜﻘﻴﻠﺔ في ﺭﺴﻭﺒﻴﺎﺕ ﺍﻟﻘﺎﻉ ﺃﻋﻠﻰ كثيراً ﻤﻨﻪ في ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ، وسجّلت ﺭﺴﻭﺒﻴﺎﺕ (ﺒﺤﻴﺭﺓ ﺍﻟﻤﻨﺯﻟﺔ) ﺃﻋﻠﻰ ﻤﺴﺘﻭﻯ ﻟﻠﺘﻠﻭﺙ ﺒﺎﻟﻤﻌﺎﺩﻥ ﺍﻟﺜﻘﻴﻠﺔ، فقد ﺘﺠﺎﻭﺯ ﻤﺴﺘﻭﻯ عنصري ﺍﻟﻨﺤﺎﺱ والكادميوم في ﺭﺴﻭﺒﻴﺎﺕ البحيرة، ﻭﺍﻟﻤﻨﺠﻨﻴﺯ في ﺭﺴﻭﺒﻴﺎﺕ (ﺒﺤﻴﺭﺓ إدكو)، الحدود المصرح بها عالمياً.
وأظهرت الدراسة أيضاً ﺃﻥ تراكم ﺍﻟﻌﻨﺎﺼﺭ ﺍﻟﺜﻘﻴﻠـﺔ (ﺍﻟﺤﺩﻴـﺩ، ﺍﻟﺯﻨـﻙ، ﺍﻟﻨﺤـﺎﺱ، ﺍﻟﻤﻨﺠﻨﻴـﺯ، الكادميوم، ﺍﻟﺭﺼﺎﺹ) في ﺃﻨﺴﺠﺔ ﺍﻷﺴﻤﺎﻙ ﺍﻟﻤﺠﻤﻌﺔ ﻤﻥ (ﺒﺤﻴﺭﺓ ﺍﻟﻤﻨﺯﻟﺔ) ﺃﻋﻠﻰ ﻤﻥ مثيلاتها في (ﺒﺤﻴـﺭﺓ ﺍﻟﺒـﺭﻟﺱ) ﻭ (ﺒﺤﻴﺭﺓ إدكو)، وقد ﻓﺎﻕ تركيز عنصري الكادميوم والرصاص في عضلات ﺍﻷﺴﻤﺎﻙ ﺍﻟﻤﺠﻤﻌﺔ ﻤﻥ (ﺒﺤﻴﺭﺓ ﺍﻟﻤﻨﺯﻟﺔ) – في ﻤﻨﻁﻘﺔ ﺍﻟﻤﺼﺎﺭﻑ ﺠﻨﻭﺏ ﺸـﺭﻕ ﺍﻟﺒﺤﻴـﺭﺓ – ﺍﻟﺤـﺩ ﺍﻷﻗﺼﻰ ﺍﻟﻤﺴﻤﻭﺡ ﺒﻪ، ﻭﻟﺫﻟﻙ ﺘﻌد ﺃﺴﻤﺎﻙ البلطي ﺍﻟﻨﻴلي في هذه المنطقة ﻏﻴﺭ ﺼﺎﻟحة للاستهلاك ﺍﻵﺩمي[4].
ثالثاً: غزو الأنواع الغريبة، واختلال توازن الأنظمة الإيكولوجية البحيرية:
تعاني العديد من بحيرات القارة خطر الأنواع الغازية، وهي أنواع غير موجودة طبيعياً في البيئة المحلية، ولكنها تدخلها إمّا عفوياً وإمّا بشكل مقصود، وهو ما يشكّل خطراً على التنوع الحيوي، ويهدد الأنواع الأصلية Native Species التي تعيش بها.
ورد النيل (ياسنت الماء) Water Hyacinth:
تشهد العديد من المسطحات المائية بقارة إفريقيا غزواً لنبات ورد النيل أو الياسنت، وهو نبات موطنه الأصلي أمريكا الجنوبية، حيث ينمو على ضفاف الأنهار وفي المياه الضحلة، ثم لا يلبث أن ينتشر في المياه العميقة، يساعد على ذلك تكاثره الخضري (اللاجنسي) بالتجزئة، وسرعان ما يتحول إلى جزيرة عائمة من النباتات المتشابكة، والتي تصل مساحتها إلى مئات بل آلاف الأمتار المربعة.
ويؤدي انتشاره إلى إعاقة الملاحة النهرية وسدّ المجاري المائية والقنوات المستخدمة في الريّ، كما ينشأ عنه ضغطاً كبيراً على الجسور العائمة المنصوبة على الأنهار؛ مما يؤدي إلى إزاحتها وتحطمها، ومن مخاطره أيضاً أنه يحجب وصول ضوء الشمس إلى الهائمات النباتية، التي تشكّل القاعدة الأساسية في النظام الغذائي للهائمات الحيوانية والأسماك؛ مما يسبب خللاً في التوازن الدقيق للشبكة الغذائية، ومن أسوأ مخاطره تسببه في تبخّر كميات كبيرة من المياه، خصوصاً في المياه الراكدة أو قليلة الجريان، كما يوفر في مصر بيئة مائية جيدة للقواقع الحاملة لطفيليات مرض البلهارسيا.
ويكبّد ورد النيل القارة الإفريقية خسائر اقتصادية كبيرة، قدّرت بنحو 100 مليون دولار سنوياً[5]، في الوقت الذي تفتقد فيه أغلب هذه البلدان إلى سياسات الإدارة وطرق التحكم البيئي التي تمكّنها من مكافحة هذه الحشائش الغازية، فما تلبث أن تكافح نوع حتى يظهر آخر.
والشكل (4) مرئية فضائية لـ (بحيرة شيفرو) التي تمثّل مصدر الإمداد المائي لـ هراري (عاصمة زيمبابوي)، ففي الوقت الذي تمكنت فيه الأجهزة من إنقاص المساحة المائية التي يشغلها النبات بالمسطح البحيري من 42% عام 1976م إلى 22% عام 2000م، ما لبث أن عـــاود غزوه للبــحيرة من جــديد، بدءاً من عام 2005م، حيــــــث غزا الياسنت يرافقه عشب (الجرجير الضفدعي)، Hydrocotyle Ranunculoide مساحات كبيرة من البحيرة، وهو ما أظهرته بوضوح المرئية الحـديثة للبحيرة (أكتوبر 2012م).
شكل (4): الغزو، والتحكم، وعودة الغزو المائي لحشائش (ياسنت الماء) في بحيرة شيفرو (زيمبابوي)
ومن النباتات المائية الطافية الأخرى نبات (السلفينيا) Salvinia mollesta الذي غزا (بحيرة كاريبا) في 1970م، و (بحيرة نيفاشا) في 1980م.
وهناك بعض النباتات المائية الغريبــة الأخــرى، مثــــل (خـــــس الماء) Pistia stratiotes، و (الأزولا) Azolla filiculoides، و (الميريوفيلوم) Myirophyllum aquaticum، التي تتميز بقدرتها على النمو والازدهار بكثافة، خصوصاً مع ارتفاع تركيز المغذيات بالمياه.
أسـماك البياض النيلي:
كما تعاني مياه البحيرات الإفريقية غزو العديد من الأنواع الحية الحيوانية الغريبة، لعـلّ من أهمـها أســــــماك البياض النيلي Lates niloticus Nile perch، وهي أسماك يبلغ وزنها 440 رطلاً، ويزيد طولها على 6 أقدام، وهي واحدة من أفضل الأمثلة على الآثار السلبية للأسماك الغازية على الأنظمة الإيكولوجية المائية[6]، وقد أُدخلت إلى بحيرة فيكتوريا عام 1954م بواسطة البريطانيين، وأصبحت مصدر دخل لحوالي ثلاثة ملايين مواطن بمنطقة بحيرة فيكتوريا التنزانية (في نهاية عام 2005م)، وقد تسببت في انقراض عدة مئات من الأنواع المحلية، إلا أنّ أعدادها تراجعت خلال السنوات الأخيرة تحت ضغط الصيد الجائر بالبحيرة.
رابعاً: الانكماش والتجفيف:
أ – أثر السدود ومنشآت التحكم المائي – تراجع وانكماش بحيرتي تشاد وتوركانا:
بحيرة تشاد:
تقع بحيرة تشاد بإقليم الساحل الإفريقي، ويعيش بحوض البحيرة قرابة 46 مليون نسمة، يشكّل القطاع النيجيري 7,5% من مساحة الحوض، إلا أنه يعيش به 26 مليون نسمة، ويقطن في قطاع جمهورية تشاد نحو 10 ملايين نسمة، وفي قطاع النيجر أقل من 3 ملايين نسمة، وفي قطاع السودان والكاميرون يقطن حوالي 2,5 مليون نسمة بكلٍّ منهما[7].
وتتلقى البحيرة قرابة 43% فقط من كميات المطر بالحوض البحيري، ويعود ذلك لارتفاع معدلات التبخر التي تتسبب في فقد نحو ثلثها – نظراً لظروف الموقع الجغرافي بالأطراف الجنوبية للصحراء الكبرى الإفريقية، حيث تتجاوز درجة الحرارة 40 درجة مئوية -، وهو ما يلقي بظلاله على حالة التوازن المائي بالحوض، فبرغم أنّ النيجر تشكّل بمفردها قرابة ربع مساحة الحوض؛ فإنها لا تتلقى سوى 5,5% من كمية التساقط، وتفقد ما يزيد عليها من خلال التبخّر[8].
شكل (5): التطور المساحي لبحيرة تشاد خلال الفترة (1973م – 2010م)
وخلال الفترة من 1963م حتى 2001م تناقصت مساحة البحيرة[9] من 23.000 كم2 إلى 304 كم2، بنسبة تناقص بلغت 98,7%[10] انظر الشكل (5).
وتأتي معظم مياه البحيرة (85 – 90%) عبر نهر شاري-لوجون Chari–Logone، بالإضافة إلى إمدادات نهر كومادوجو يوب Komadougou Yobe والتساقط المباشر[11]. وقد تعرّض تصريف النهر الأول للتناقص بنسبة 75% منذ عام 1965م؛ نتيجة لظروف الجفاف وإجراءات تحويل المجرى، وتشير بعض الدراسات إلى تأثير السحب المائي لأغراض الريّ من النهر.
كما تعرضت إمدادات نهر كومادوجو للتناقص الشديد نتيجة للأعداد الكبيرة من السدود الأرضية التي أقيمت على مجاري المياه أعالي النهر (قرابة 23 سدّاً)، والتي أسهمت في تناقص إمداداتها من 7 كم3 / سنوياً إلى 0,45 كم3 / سنوياً[12].
هذا بجانب الزيادة السكانية الكبيرة ومعدلات النمو المرتفعة بحوض النهر، فقد تضاعف عدد السكان بالحوض خلال الفترة (1960م – 1990م) ، وتأتي هذه الزيادة مصحوبة بطلب متزايد على المياه، وخصوصاً لصالح النشاط الزراعي، الذي يعتمد عليه 60% من السكان بمنطقة الحوض، فقد تضاعفت الاحتياجات المائية اللازمة للريّ خلال الفترة من (1983م – 1994م) بمقدار أربع مرات[13]، وهو ما أدى بدوره إلى زيادة التوترات بين المزارعين والرعاة وصائدي الأسماك في الدول الإفريقية الأربع التي تطلّ على البحيرة.
بحيرة توركانا:
ومن الأمثلة الأخرى في هذا الصدد ما تشهده بحيرة توركانا أو (رودولف سابقاً)، والتي تُعد رابع البحيرات الإفريقية من حيث الحجم، وتمتد في أربع دول إفريقية، هي: (إثيوبيا، كينيا، جنوب السودان، أوغندا)، ويصل طولها إلى 250 كم، ويتراوح عرضها بين 15 – 30 كم، لتبلغ مساحتها نحو 7000 كم2، انظر شكل (6).
شكل (6): الموقع الجغرافي لبحيرة توركانا وحوضها، والمجاري الدنيا للأنهار التي تصبّ بها (أومو، تركويل، كريو)
ويصل قرابة 80% من التدفقات المائية إلى البحيرة من خلال نهر أومو Omo، الذي يجري من الشمال إلى الجنوب عبر الأراضي الإثيوبية لنحو 1000 كم، قبل انتهائه إلى البحيرة جنوباً، بينما تأتي بقية التدفقات عبر رافدي البحيرة الجنوبيّين: تركويل Turkwel، كريو Kerio .
وتُعد بحيرة توركانا بحيرة مغلقة؛ نظراً لعدم وجود منافذ سطحية لمياهها، ومعدلات تسريبها المحدودة، ويؤدي الفاقد بالتبخّر إلى تناقص منسوب المياه بالبحيرة بمقدار 2,4م، بينما لا تزيد كميات التساقط بالبحيرة على 200 ملليمتر/ سنوياً[14].
ولا شك سوف يؤثر تشييد مشروعات إنتاج الطاقة الكهرومائية داخل حوض نهر أومو بإثيوبيا (المشيدة على نهر جيبي Gibe) في كمية التدفقات المائية وانتظام وصولها إلى بحيرة توركانا.
وتتمثل أهم هذه المشروعات فيما يأتي:
1 – مشروع جيبي الأول (Gibe I): بدأ بناء هذا الســــــدّ سنة 1986م، وتوقف العمل فيه سنة 1990م، وتمّ استئنافه سنة 2000م، وقد اكتمل بناؤه سنة 2004م، ويبلغ ارتفاع السدّ 40 متراً، ويُنتج 184 ميجاوات من الطاقة الكهربائية.
2 – مشروع جيبي الثاني (Gibe II): يتكون هذا المشـــروع مـــن نفق مائي طوله 26 كم، لتحويل مياه المشروع الأول إلى نهر أومو، وقد اكتمل هذا المشروع سنة 2010م، ويُنتج 420 ميجاوات من الطاقة الكهربائية.
3 – مشروع جيبي الثالث (Gibe III): بـــــدأ العمل في هذا المشـروع سنة 2006م، بتكلفة أكثر من ملياري دولار، بارتفاع يبلغ 243 متراً، لإنتاج 1870 ميجاوات من الطاقة الكهربائية، ويتوقع أن يحجز خلفه 14,7 مليار متر مكعب من المياه كحدٍّ أقصى، وهو ما يعادل مجموع التدفقات المائية السنوية لنهر أومو، وسيجري إتمام إنشائه في نهاية عام 2014م، وتقدّر متوسطات التصريف المائي التي ستصل للخزان بنحو 438م3 / ثانية.
وتجــري في الوقت الحالي دراسات فنية لتنفيــــذ مشــروعي جيبي الرابع والخامس (Gibe IV, V) لإنتاج 1500 ميجاوات و 600 ميجاوات من الطاقة الكهربائية بكلٍّ منهما على التوالي.
ووفقاً للدراسة التي أجـــــراها برنامـــــج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) عــن التأثيرات البيئية للسدّ في بيئة البحيرة – اعتماداً على بيانات الأقمار الصناعية والنماذج الإحصائية والهيدروليكية – فقد تبين ما يأتي[15]:
– يبلغ منسوب المياه بخزان السدّ في مستوى التشغيل الأدنى 201م خلال فترة تتراوح بين ثمانية إلى عشرة أشهر عقب التشغيل، وفي أثناء هذه الفترة ستبلغ معدلات التدفق المائي إلى البحيرة 42% من المعدل الطبيعي؛ حيث إنّ الحوض الأعلى للسدّ يسهم بنحو 58% من جملة التدفقات المائية إلى البحيرة، وهي النسبة التي ستختزن خلف السدّ.
– عقب فترة التشغيل الأولى (8 – 10 أشهر) ينخفض معدل التدفق المائي إلى البحيرة ليصل إلى 640م3 / ثانية، بمقدار 10م3 / ثانية، كذلك، عقب فترة التشغيل الأولى ينخفض منسوب سطح البحيرة بمقدار متر واحد؛ نتيجة انخفاض التدفقات المائية، وبعد انتهاء هذه الفترة يواصل منسوب سطح البحيرة انخفاضه إلى 1,8م خلال 12 سنة.
– أظهر تحليل بيانات الفاقد المائي الناتج عن التبخّر والنتح خلال الفترة (2001م – 2009م) أنّ مشروع السدين الأول والثالث (III & Gibe I) سوف يبلغ فاقدهما المائي نتيجة التبخّر 1,34م و 1,46م / سنة على التوالي، كما ستفقد البحيرة نتيجة السبب نفسه ما يزيد على 2,4م/ سنة.
– ترتبط التغيرات في خط الشاطئ البحيري بالتباينات في منسوب سطح البحيرة المائي، وقد أظهرت الدراسة (نقاطاً ساخنة) Hot Spots تتعرض لتراجع خط الشاطئ بمعدلات كبيرة، وقد تمثلت بالأساس في دلتا نهر أومو بالشمال، ودلتا نهري تركويل وكريو بالشاطئ الغربي للبحيرة.
وقد واجه مشروع (جيبي الثالث Gibe III) احتجاجات محلية وعالمية كبيرة؛ بحجة أنه سيغرق أراضي واسعة، ويتسبب في تهجير 50 ألفاً من قبائل التوركانا، إضافة إلى تأثيراته السلبية في بيئة البحيرة[16]، فسوف يُحدث إنشاء السدّ اختلالاً في وظائف الأنظمة الإيكولوجية وخدماتها بالضفاف والدالات النهرية والمصايد السمكية البحيرية، إلى جانب إخلاله بحالة التنوع الحيوي، وبخاصة الأضرار التي ستصيب واحد من أضخم التماسيح النيلية البرية بالعالم.
وتسببت هذه الاحتجاجات في إحجام بعض الممولين عن المشاركة، وهو ما أجّل تشغيله، حيث كان مخططاً له أن يكتمل في 2011م.
ب – التجفيف والإطماء (بحيرة المنزلة بمصر نموذجاً):
تواجه البحيرات الشمالية الواقعة على ساحل دلتا النيل بمصر مشكلة التجفيف والإطماء، حيث تناقصت مساحة البحيرات الأربع الواقعة بساحل الدلتا الشمالي والشمالي الغربي (المنزلة، البرلس، مريوط، إدكو) من 2696 كم2 عام 1913م إلى 1761 كم2 عام 1997م، بنسبة 34,7%، بمعدل 11,1 كم2 / سنوياً، وفقاً لوازة البيئة المصرية[17].
وتمثّل بحيرة المنزلة أحد أكبر البحيرات الطبيعية المصرية وأهمها، وهي مصدر لما يزيد على ربع الإنتاج السمكي (27,2%) للبحيرات الداخلية والشمالية والمنخفضات الساحلية المصرية، إلا أنها تشهد ارتفاعاً في معدلات الإطماء – الناتج عن مخلفات الصرف الصحي وإرسابات المصارف – كما تشهد استقطاع مساحات كبيرة منها لإنشاء المزارع السمكية، وهو ما أسهم في تقطع أوصال البحيرة وركود المياه بها، هذا بالإضافة إلى ردم مساحات كبيرة منها وتجفيفها، من أجل استصلاحها زراعياً، أو لإنشاء تجمّعات سكنية جديدة.
شكل (7): تغيرات اللاندسكيب الأرضي بقطاع بحيرة المنزلة خلال الفترة (1973م – 2003م)
وتظهر المرئيات الفضائية خلال الفترة (1973م – 2003م)، كما في الشكل (7)، تناقص المساحة الكلية للبحيرة من 1441 كم2 عام 1973م إلى 679 كم2 عام 2003م؛ بنسبة تناقص 52,9%، بمعدل 25,4 كم2 / سنوياً، وانخفضت مساحة المسطح المائي للبحيرة من 1070 كم2 إلى 491 كم2؛ بنسبة تناقص 54,1% خلال الفترة نفسها.
خامساً: تراجع الإنتاج السمكي:
يقدّر الاتحاد العالمي لصون الطبيعة (IUCN) أنّ 30% من أسماك المياه العذبة، ونحو 800 نوع من الأنواع الحية الأخرى، على حافة الانقراض في البحيرات الإفريقية[18].
وعلى خلفية دراسة أعدها الاتحاد، استغرقت خمسة أعوام، تمّ خلالها دراسة 5167 نوعاً من الكائنات التي تعيش في المياه العذبة، وجد الباحثون أنّ 21% من الكائنات من أسماك ورخويات مهددة بالانقراض، ومن أصل 191 نوعاً من الأسماك التي تمّت دراستها صُنّفت 45% من الكائنات المائية في (بحيرة فيكتوريا) و 11 نوعاً من الأسماك في (بحيرة بارومبي مبو) Mbo Barombi بالكاميرون ككائنات مهددة بالانقراض[19].
يأتي ذلك في الوقت الذي يعول فيه القطاع السمكي بالقارة الإفريقية نحو 300 ألف نسمة، وبحسب منظمة الأغذية والزراعة العالمية FAO فإنّ 70% من البروتين الحيواني الذي يتحصل عليه السكان هو بروتين سمكي، كما تدعم البحيرات الإفريقية مصـايد الأســـماك الداخليـة بنسبة تتراوح بين 16 – 17%.
وتعاني المصايد البحيرية خلال السنوات الأخيرة أخطار الصيد الجائر وتناقص المخزون السمكي، فوفقاً لـ (اتحاد مصايد بحيرة فيكتوريا LVFO ) تناقصت الكتلة الحيوية الكلية لأسماك البياض النيـــلي من 1,4 مليون طــــن (92% من الكتلة الحيوية الإجمالية للبحيرة) في عام 1999م إلى 367.800 طن (18% من الكتلة الحيوية للبحيرة)[20].
وقد شهدت البحيرة زيادة في أعداد الصيادين من 84 ألف صياد خلال عام 1990م – 1991م إلى 122 ألف صياد في عام 2000م، وارتبط ذلك بشكل كبير بالتغيّر الحادث في تكنولوجيا الصيد؛ وهو ما أدى إلى تعدد المصانع السمكية بضفاف البحيرة واشتداد المنافسة فيما بينها، والذي أسهم في ارتفاع كميات الصيد بشكل مطّرد، لينعكس سلباً على الزريعة السمكية؛ ومن ثمّ قدرة البحيرة على الإمداد[21]، نظراً لاتباع طرق ووسائل صيد غير قانونية، كاستخدام شباك مخالفة، وإقامة سدود وأحواش داخل الجسم المائي للبحيرة وغيرها[22]، بالإضافة إلى تلوث مياه البحيرة والانتشار الواسع لنبات ورد النيل بها.
كذلك تناقص الإنتاج السمكي في (بحيرة تنجانيقا) – التي تتقاسمها جمهورية الكونغو الديمقراطية وتنزانيا وزامبيا وبوروندي – خلال الأعوام الثمانين الماضية بنسبة 30%، حيث ترتفع الكثافة السكانية بضفافها، ويقع مسطحها تحت وطأة الضغط والاستغلال الزائد[23]، وهو ما يفاقم من مشكلات الغذاء والفقر بحوض البحيرة، حيث يعتمد 25 – 40% من السكان عليها كمصدر للبروتين الحيواني.
كما شهد المخزون السمكي في (بحيرة مالاوي) – التي تتقاسمها مالاوي وموزمبيق وتنزانيا – انخفاضاً واضحاً خلال العقدين الأخيرين بنسبة تزيد على 90%، حيث انخفض من 30 ألف إلى ألفي طن متري في العام، ويرجع سبب ذلك إلى ارتفاع كثافة السكان بضفاف البحيرة – فهناك نحو 1,5 مليون مالاويّ يعتمدون على البحيرة كمصدر للغذاء، ويستخدمونها وسيلة للنقل -، بالإضافة إلى الصيد الجائر، وانخفاض منسوب سطح البحيرة لقرابة المترين[24].
وفي مصر؛ تراجع الإنتاج السمكي للبحيرات الشمالية (المنزلة، البرلس، إدكو، مريوط) من 40% من إجمالي الإنتاج السمكي المصري في عام 1991م إلى 11,16% فقط عام 2006م[25].
سادساً: التغيّرات المناخية وآثارها في بيئة البحيرات الإفريقية:
سوف تشهد العديد من البحيرات الإفريقية سلسلة من التأثيرات المرتبطة بظروف التغيّر المناخي، والتي تمثّل الأنشطة البشرية العامل الرئيس المسؤول عنها.
وتتميز البحيرات الكبرى الإفريقية بحساسيتها لعوامل التغيّر المناخي، فارتفاع درجة الحرارة يؤدي إلى زيادة الفاقد من المياه بالتبخّر، يزيد من ذلك وجود مؤشرات على تناقص حجم التساقط المائي بأحواض هذه البحيرات، وتشير القياسات إلى ارتفاع درجات الحرارة بالأقاليم المدارية بمقدار 0,5 درجة مئوية عام 1980م عمّا كانت عليه بالقرن السابق، وارتفاعها بمقدار 0,3 درجة مئوية خلال الفترة من 1951م – 1980م[26].
وقد ارتفعت درجات الحرارة في بحيرة فيكتوريا بمقدار 0,5 درجة في مطلع عام 1990م مقارنة بما كانت عليه عام 1960م، في الوقت الذي تتوقع فيه السيناريوهات المناخية الحالية أنّ أي ارتفاع بسيط في درجات الحرارة والتوازن المائي بالنطاق المداري يمكن أن يُحدث تغييرات فجائية في مناسيب المياه وأنظمة الامتزاج والإنتاجية[27].
كما كشفت القياسات التي أجريت على (بحيرة تنجانيقا) خلال السنوات المائة الأخيرة عن ارتفاع درجة الحرارة بمياه البحيرة بمعدل 0,1 درجة مئوية كلّ عشر سنوات، وهو ما أثّر ويؤثر في حالة الاستقرار الإيكولوجي بالبحيرة، وتسبّب في فقد البحيرة لنحو 20% من إنتاجاتها البيولوجية[28].
وكما أنّ للتغيرات المناخية تأثيرات سلبية في بعض المناطق؛ فإنه قد ينجم عنها بعض التأثيرات الإيجابية في مناطق أخرى، ففي مصر؛ كشفت إحدى الدراسات عن الأثر المحتمل للتغيّرات المناخية على معدلات البخر المائي لـ (بحيرة السد العالي)، فمن المتوقّع تناقص التبخير السّنوي من البحيرة خلال الفترة من 2007م حتى 2017م بمقدار 0,5 ملليمتر – أي 0,5 مليار ماء متر مكعّب في كلّ مساحة البحيرة -، وحيث إنّ كمية البخر الحالية هي 10 مليارات متر مكعّب، فمن المتوقع أن تصل إلى 9,5 مليارات متر مكعب في نهاية عام 2017م[29].
خاتمة:
بناءً على ما سبق؛ فإنّ الوضع الحالي لبحيرات القارة يستدعي اتخاذ العديد من التدابير لحمايتها واستدامة أنظمتها، لعل من أهمها:
– وقف جميع مظاهر التلوث المائي، وتنظيم أنشطة الصيد، وإخضاع مشروعات التنمية بضفاف البحيرات لعمليات تقييم ومراجعة بيئية.
– الحفاظ على التنوع الحيوي للبحيرات، والمكافحة الحيوية للأنواع الغريبة الغازية.
– تأسيس مناطق محمية داخل أحواض المياه التي تصرف على البحيرات، وإنشاء إدارة آلية للاستخدام المستدام للبحيرات ومصادرها.
– على الدول التي تتقاسم أحواض مائية اتباع نهج مشترك لإدارة الموارد المائية الحوضية إدارة متكاملة.
– أخذ التدابير اللازمة للتكيف مع التغيّرات المناخية المتوقعة، والتخطيط لتفادي التأثيرات السلبية الناشئة عنها.
– الارتقاء بالمستوى المعيشي والوعي البيئي للسكان في أحواض البحيرات، مع تطوير المشاركات بين السلطات الحكومية والمواطنين والمؤسسات الخاصة، خصوصاً في مناطق البحيرات التي تقع تحت التهديد.
* مدرس جغرافية البيئة – كلية الآداب / جامعة المنوفية – مصر، من مؤلفاته: (جغرافية المياه العذبة: الإمكانات، التحديات، استراتيجيات التنمية)، مطابع الحنفي الحديثة، شبين الكوم، 2012م.
[1] Ryanzhin, S.V, Global statistics for surface area and water storage of natural world lakes. Verh. Internet, Verein. Limnol, vol, 2004.
[2] Shiklomanov, I.A, Rodda, J.C, World Water Resources at the Beginning of the Twenty- First Century, International Hydrology Series, UNESCO & Cambridge University Press, 2003, p 16.
[3] UNEP/USGS, Impacts on Africa’s Lakes-Case Studies of Africa’s Changing Lakes, p 29.
[4] Saeed, S.M, Shaker, I.M, Assessment of Heavy Metals Pollution in Water and Sediments and Their Effect on Oreochromis Niloticus in the Northern Delta Lakes, Egypt, 8thInternational Symposium on Tilapia in Aquaculture, 2008.
[5] UNEP 2003 a, McNeely and others 2001, GISP 2004.
[6] http://www.invasivefish.com.
[7] SEDAC – 2010.
[8] UNEP, Loc. Cit.
[9] FAO, Adaptive water management in the Lake Chad basin: Addressing current challenges and adapting to future needs. Stockholm: World water week, August 16 – 22, 2009.
[10] تباينت مساحة المسطح المائي لـ (بحيرة تشاد) تبايناً كبيراً عبر الأزمنة المختلفة، فمنذ 50000 سنة تكونت بحيرة تشاد القديمة كبحيرة مياه عذبة داخلية، وكانت تشغل مساحة تقدّر بحوالي مليوني كم2، ومنذ 2500 – 5000 سنة وصل منسوب البحيرة إلى حدود وضعه في منتصف القرن العشرين، مع تذبذبه من فترة لأخرى، وكان أسرع معدل تناقص شهدته البحيرة خلال الفترة (1972م – 1987م)، حيث انخفضت مساحة البحيرة من 16884 كم2 إلى 1746 كم2.
[11] UNEP, Africa Water Atlas, Op. Cit, p 48.
[12] UNEP / USGS, Impacts on Africa’s Lakes-Case Studies of Africa’s Changing Lakes.
[13] انظر: (GEF, 2002).
[14] UNEP, 2013: UNEP, Global Environmental Alert Service (GEAS) ,Balancing Economic Development and Protecting the Cradle of Mankind – Lake Turkana Basin, June 2013.
[15] UNEP, UNEP Global Environmental Alert Service (GEAS), Balancing Economic Development and Protecting the Cradle of Mankind – Lake Turkana Basin, June 2013.
[16] عبد العزيز خالد فضل الله: مخاطر (سدّ النهضة) الإثيوبي بين الحقيقة والإثارة، صحيفة المرصد السوداني الإلكترونية – 19 يوليو 2013م.
[17] وزارة الدولة لشؤون البيئة، جهاز شؤون البيئة، التقرير السنوي لحالة البيئة في مصر، 2005م، ص 74.
[18] IUCN, Freshwater Biodiversity Assessment Programme, Centre for Mediterranean Cooperation, 2004.
[20] SmartFish Programme – Indian Ocean Commission (IOC), Implementation of a Regional Fisheries Strategy For The Eastern-Southern Africa and India Ocean Region, Assessment of IUU, Activities on Lake Victoria, June 2012.
[21] Odada, E.O, et al, Mitigation of Environmental Problems in Lake Victoria, East Africa: Causal Chain and Policy Options Analyses, Ambio Vol. 33 No. 1,2- Feb. 2004, pp 14 – 15.
[22] Odada,E.O, et al, Op.Cit, p 16.
[23] Science Museum of Minnesota/UNEP/Wildchimpanzees.org.
[25] الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية (مصر)، 2006م.
[26] IPCC 1996, WG II, Box 10 – 1.
[27] IPCC 1996, Op. Cit.
[28]Borre, L, Warming Lakes: Climate Change Threatens the Ecological Stability of Lake Tanganyika, Water Currents, March 7, 2013. Available at: (http://newswatch.nationalgeographic.com).
[29] Dawod, M. A. & El-Rafy, M. A., Effect of the Climatic Change on Nasser Lake Evaporation in Egypt, Egyptian Meteorological Authority- Meteorological Research Bulletin -ISSN 1687- 1014-Vol-21-2006.