أ.د. سلطان فولي حسن(*)
عانت القارة الإفريقية منذ الكشوف الجغرافية التكالب الاستعماري عليها واستنزاف مواردها البشريـة والطبيعية، وذلك بأساليب متعددة كتقديم المساعدات والمنح والقروض المشروطة التي تمثل قيداً للدول الإفريقية، وبعد أن حصلت القارة على استقلالها وتغيرت موازين القوى العالمية بدأت القوى الكبرى تخطط من أجل السيطرة على مواردها وأسواقها؛ مما زاد من معاناتها وتخلفها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي مقارنة بباقي دول العالم الثالث.
أولاً: إفريقيا في زمن العولمة:
لا يوجد إقليم في العالم عانى آثار العولمة كما عانت القارة الإفريقية، حيث تتعدد وتتنوع المشكلات الناجمة عنها وبخاصة في الجوانب الاقتصادية، من مشكلة الديون الثقيلة إلى معاناة القارة من تحرير التجارة، والمنافسة والصراع بين الدول الكبرى على موارد القارة الإفريقية ولا سيما موارد الوقود والطاقة.
والعولمة Globalization هي عملية مستمرة تكشف كل يوم عن وجه جديد من وجوهها المتعددة، وهي سلسلة من الظواهر الاقتصادية بالدرجة الأولى، المتصلة في جوهرها، والتي تشتمل على تحرير الأسواق ورفع القيود عنها، وخصخصة الأصول، وتراجع وظائف الدولة، وانتشار استخدامات التكنولوجيا وأدوات الاتصال وتطبيقاتها، وتوزيع الإنتاج التصنيعي عبر الحدود، وتكامل أسواق رأس المال، حيث تقود العالم إلى التحول من الرأسمالية الصناعية إلى مفهوم العلاقات الاقتصادية لما بعد المرحلة الصناعية.
كما أن العولمة متعددة الأبعاد، فهي سياسية وأيديولوجية واقتصادية، والواقع يشير إلى إمكانية عولمة كثير من الأشياء كالسلع والخدمات والأموال والبشر والمعلومات والتأثيرات البيئية، وكذلك يمكن عولمة الأشياء المجردة كالأفكار والأعراف والممارسات السلوكية والأنماط الثقافية.
وهناك من يرى أن العولمة ما هي إلا فترة محددة من التاريخ، بدأت مع بدء الانفراج في علاقة القطبين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وتدعمت أكثر في نهاية الحرب الباردة وانهيار القطب السوفييتي.
وأن الظواهر والجوانب التي تعد الآن جزءاً من العولمة هي في الأساس ظواهر وجوانب موجودة في فترات سابقة، وكانت في حالة تطور إلى أن وصلت إلى هذا الطور من التطور في الفترة الحالية. وما يركز عليه أصحاب هذا الاتجاه هو أن العولمة جاءت مرحلة تاريخية في أعقاب مرحلة الحرب الباردة.
ويرى فريق آخر أن العولمة هي طريق العالم إلى الفوضى، والذي يؤدي بمن يسير عليه إلى ازدياد البطالة، وانعدام الزمن، وتدهور البيئة، وتفشي الأوبئة والأمراض، وتفشي الفساد، وتفجّر كثير من الصراعات العرقية والطائفية والعنف بشكل عام.
ويُقصد بالعولمة من الناحية الاقتصادية التوسع الكبير في التجارة الدولية والاستثمار والحركة السريعة لتدفق رؤوس الأموال وزيادة الديون. وهذه الظواهر كان من المفترض بها أن تقلل من الفساد وتعمل على زيادة التكامل الاقتصادي، إلا أن ما حدث كان العكس!
ومن الجوانب المهمة في اقتصاديات العولمة هيمنة بعض الشركات والمؤسسات الدولية على أنماط معينة من النشاطات الاقتصادية على مستوى العالم كله، وأغلبها مؤسسات وشركات غربية، ومن الأمثلة على ذلك هيمنة نحو 500 شركة عملاقة عابرة للقارات على 70% من حركة التجارة الدولية، وهيمنة نحو 350 شركة على 40% من التجارة العالمية.
أما عن العولمة السياسية فهي تدخّل القوى الكبرى في سياسات الدول الأقل حجماً منها باستخدام أساليب متعددة وحجج واهية أو زائفة, منها على سبيل المثال المطالبة بالديمقراطية والحريات وإعطاء مساحة للأحزاب وعدالة المحاكمات.
وتؤثر العولمة أيضاً في الجوانب والنواحي الثقافية من خلال نشر الثقافة الغربية والأمريكية، حتى إنها أدت إلى نشر كثير من المصطلحات مثل الأمركة, واتباع الأسلوب الغربي والثقافة الغربية, ومن الأمثلة على ذلك التوسع الكبير في دول العالم الثالث في نمط الغذاء وانتشار ثقافة الوجبات السريعة والمشروبات الغازية (ماكدونالد، بيتزا هت، كوكاكولا).
وقد اعتمدت العولمة بأشكالها المختلفة الاقتصادية والسياسية والثقافية في الانتشار على عدة عوامل, أهمها الصحافة الدولية، ومؤسسات النشر (المسموعة والمرئية)، والتقدم التكنولوجي ولا سيما تكنولوجيا المعلومات، والتوسع الكبير في اسـتخدام الكمبيوتر والأقـمار الصناعية والاتصالات.
وأصبحت العولمة ظاهرة واضحة المعالم وخصوصاً مع نهاية الحرب الباردة وإن كانت تعود في جذورها إلى قرون, ففي الفترة التالية للحرب العالمية الثانية قامت الولايات المتحدة وأتباعها من الدول الغربية المنتصرة في الحرب بوضع إطار جديد للسيطرة على اقتصاديات العالم, وكان من أهم أدواتها الأمم المتحدة, حلف الأطلسي, إنشاء صندوق النقد الدولي, والبنك الدولي, وكذلك إنشاء منظمة التجارة الدولية.
ويضاف إلى ما سبق استخدام كل المؤسسات العالمية في تعزيز العولمة المستدامة, مثل منظمة الصحة العالمية, وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة, ومكتب الأمم المتحدة المعني بالجريمة والمخدرات.
وتميزت تلك المرحلة التي تلت الحرب العالمية الثانية بسيطرة رؤوس أموال الدول الغربية, والهيمنة السياسية للدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة ومجموعة الدول الثماني الكبرى «G 8».
وواجهت إفريقيا زيادة كبيرة في ديون القارة ولا سيما خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي؛ مما دفع المؤسسات الدولية، وبخاصة البنك الدولي وصندوق النقد، إلى مطالبة دول القارة بضرورة إجراء برامج التهيئة الهيكلية (SAP)؛ بهدف مواجهة التضخم, وتنشيط النمو الاقتصادي, وخفض العجز في الميزان التجاري, وإعطاء مساحة للاستثمارات الأجنبية ورأس المال المحلي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وكان الهدف الرئيس من برامج التهيئة الهيكلية في إفريقيا هو الإصلاح الاقتصادي والاندماج في الاقتصاد العولمي؛ من خلال بعض الأدوات مثل الخصخصة, وتصحيح نظم التسويق الزراعي, والتسعير، ولكن ترتب على تطبيقها في التسعينيات في العديد من الدول الإفريقية ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض الأجور الحقيقية، وتعد سيراليون نموذجاً للصراعات الأهلية التي اندلعت في التسعينيات على خلفية تدهور الأوضاع الاقتصادية.
كما أن سياسة الانفتاح والاندماج في ظل عدم التكافؤ تعطي نتائج سلبية كثيرة، وبالنسبة للإصلاح الهيكلي فإن الأزمة الهيكلية في المجتمع تؤثر في مؤسسات العولمة ومنظماتها بالقدر نفسه الذي تؤثر به في الدول؛ كافتقارها إلى كفاءة الإدارة، والمركزية الشديدة، وسيادة القيم الهرمية… إلخ. وتبرز علاقة مؤسسات العولمة بالدولة من جهة وبالمانحين من جهة أخرى.
ثانياً: الولايات المتحدة وإفريقيا:
كان لسقوط حائط برلين وما تبعـه من وحدة الألمانيتين في عام 1989م, وانهيار الاتحاد السوفييتى في عام 1991م ومن ثم نهاية الحرب الباردة, والذي أطلق عليه بعض الكتاب نهاية التاريخ End of History ، تحول العالم إلى عالم أحادي القوى bi-polar world ، تسوده الهيمنة والسيطرة وعدم العدالة، حيث أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية القوة العظمى الأولى في العالم، سواء من الناحية الاقتصادية أو العسكرية, وانفردت بتبني سياسات تحرير التجارة وفتح الأسواق والديمقراطية وحقوق الإنسان كأسس لسياستها الخارجية التي لم يتم تطبيقها بنزاهة أو عدالة كاملة عن عمد منها.
وقد تحددت سياسات الولايات المتحدة الأمريكية تجاه إفريقيا عشية انفرادها كقوة عظمى في الترويج لفكرة نظرية وليست عملية، وذلك حول:
1 – الإصلاح الاقتصادي في إفريقيا، ودمج الاقتصاد الإفريقي في الاقتصاد العالمي.
2 – زيادة التحول الديمقراطي والحريات الفردية.
3 – العمل على زيادة الاستقرار السياسي الداخلي للدول الإفريقية.
أما مجال الإصلاح الاقتصادي فقد لوحظ أن بعض الدول الإفريقية استطاعت تحقيق معدل نمو اقتصادي مقبول، إلا أن النمو الاقتصادي في مثل هذه الدول لم يراع البعد الاجتماعي وكان له آثار جانبية، مثل التأثير في قطاع الصحة والتعليم، وهي من أكثر القطاعات التي تأثرت سلباً.
وكان من أدوات الإصلاح الاقتصادي – كما سبق أن ذكرنا – الخصخصة والتي تم إدارتها بأسلوب فاسد، حيث بيعت الوحدات المملوكة للدولة أو القطاع العام لأتباع الحكومات وأقاربهم ومؤيديهم، وأخفقت الخصخصة في معظم الدول الإفريقية في تحقيق أهم أهدافها وهي جذب الاستثمارات الأجنبية وتوفير رأس المال.
أما الجانب الثاني في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إفريقيا، والذي تمثل في حقوق الإنسان والديمقراطية، فقد تم ربط المساعدات الأمريكية والغربية للدول الإفريقية بمدى الاتجاه نحو تحقيق الديمقراطية وإعطاء مساحة للأحزاب المعارضة ونزاهة الانتخابات وحريات الأشخاص، إلا أن هذه السياسة أيضاً لم تحقق الهدف الرئيس منها، فأثيوبيا على سبيل المثال أقل الدول الإفريقية في الاتجاه نحو الديمقراطية وحريات الأفراد، وهي في الوقت نفسه أكثرها تلقياً للدعم الغربي المادي والمعنوي في إفريقيا جنوب الصحراء باستثناء جمهورية جنوب إفريقيا، ويعد هذا دليلاً على أن القوى العظمى تعمل على تنفيذ استراتيجياتها السياسية واهتماماتها الاقتصادية بغضّ النظر عن النواحي الاجتماعية أو السياسية أو حتى الإيكولوجية.
ولم يتحقق الجانب الثالث من أركان السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية تجاه إفريقيا أيضاً، وهو الخاص بالاستقرار السياسي ونزاهة الحكومات والشفافية وتداول السلطة والقضاء على الفساد، فالفساد لا يزال منتشراً في أغلب الدول الإفريقية، ولا يزال الحكم الديكتاتوري قائماً في العديد من دولها, ومع ذلك تقوم الولايات المتحدة بتدريب القوات الحكومية وإمدادها بالأسلحة في مثل هذه الدول, كما حدث في أثيوبيا وإريتريا وأوغندا، ففي أوغندا هناك حركات تمرد في الشمال، ومع ذلك تقوم أوغندا ورواندا بمساعدة الجماعات المتمردة في الكنغو الديمقراطية.
ثالثاً: السياسة الأوروبية تجاه إفريقيا:
تاريخياً؛ كانت الدول الأوروبية في حاجة ماسة إلى الموارد المختلفة الزراعية والمعدنية والغابية، وكانت حاجتها الأكبر فتح أسواق لتصريف إنتاجها الصناعي.
وقد استفادت الدول الأوروبية من اكتشاف القارة الإفريقية في نقل أعداد كبيرة من الأفارقة الزنوج إلى أمريكا الشمالية للعمل في المزارع والمناجم، وذلك لتوفير المواد الأولية اللازمة للصناعة الأوروبية؛ مما أفقد القارة الإفريقية أعداداً كبيرة من سكانها.
واستفادت الدول الأوروبية من إفريقيا أيضاً بجعلها سوقاً كبيراً لإنتاجها، وبذلك اكتملت أضلاع المثلث المعروف: أيد عاملة من إفريقيا إلى أمريكا لتوفير المادة الأولية، والتي تنتقل إلى أوروبا، ثم إنتاج صناعي من أوروبا يسوّق في إفريقيا.
في المرحلة التالية حدث بين الدول الأوروبية نوع من الصراع الشديد كاد أن يؤدي إلى حروب كبيرة؛ لكنه أدى إلى عـقد ما عُـرف بمؤتمر برلين 1884م – 1885م لتقسيم القارة الإفريقية بين الدول الأوروبية واحتلالها كمستعمرات.
كان للقوى العظمى في ذلك الوقت فرنسا والمملكة المتحدة نصيب الأسد، حيث خرجت الأولى بمجموعة من المستعمرات امتدت على شكل حزام عرض شرقي غربي؛ من السنغال في أقصى الغرب إلى جيبوتي والصومال في أقصى الشرق فيما عرف بدول الأنجلوفون. أما المملكة المتحدة فكان لها هي الأخرى النصيب الأوفر، وكان مختلف الامتداد، حيث أخذ الاتجاه الشمالي الجنوبي؛ من جنوب إفريقيا جنوباً إلى مصر شمالاً.
وحصلت الدول الأوروبية الأخرى على نصيبها من المستعمرات وإن كان أقل من غيره، فمثلاً حصلت بلجيكا على الكنغو، والبرتغال على أنجولا وموزمبيق, وإيطاليا على ليبيا وإريتريا وهكذا.
وقد قامت الدول الأوروبية خلال مدة استعمارها للدول الإفريقية بربط اقتصادياتها بأوروبا بوصفها مصادر للمواد الأولية اللازمة لصناعاتها وأسواقاً لتصريف إنتاجها الصناعي، كما ربطتها بعملاتها، فأصبحت الدول التابعة لفرنسا تتعامل بالفرنك وتُعرف بدول الفرنكفون، بينما الدول التابعة للمملكة المتحدة تُعرف بدول الأنجلوفون.
وقد عملت الدول الغربية على وأد كل محاولة لتغيير نمط الاقتصاد الإفريقي في مستعمراتها أو كل بادرة نحو التصنيع، وذلك حتى تظل هذه المستعمرات تابعة لها وممولاً لصناعاتها ودافعاً لتنميتها وزيادة ثرواتها.
في عقد الستينيات وما تلاه حصلت معظم الدول الإفريقية على استقلالها، واتجه بعضها نحو إحداث نوع من النمو الاقتصادي، إلا أن سياسة الدول الغربية كانت تجتهد في عدم تشجيع مثل هذا الاتجاه حتى تظل إفريقيا مصدراً للمواد الأولية رخيصة الثمن منخفضة القيمة, وتظل سـوقاً للمنتجات الغربية.
فعلى سبيل المثال عندما ظهرت بوادر تنمية صناعية في مصر قبل الاستقلال، بقيادة الاقتصادي المصري العظيم طلعت حرب, وذلك من خلال إنشاء بنك مصر وقيام البنك بتمويل بعض الصناعات وعلى رأسها صناعة الغزل والنسيج؛ قامت بريطانيا بإحباط التجربة والادعاء بأن مصر بلد زراعي وليس صناعياً، وقد حدث الشيء نفسه مع العديد من الدول الإفريقية.
من المعلوم من الناحية الاقتصادية أن السلع الصناعية تكون أكثر قيمة وعائداً في حال تصديرها مصنعة بدلاً من تصديرها في شكل مواد أولية، ومن ثم فإن التصنيع هو الأداة الرئيسة الفاعلة والقادرة على تنمية الدول الإفريقية وخصوصاً وهي تملك أدواته من أيد عاملة ومواد أولية وسوق واسع وكبير، إلا أن تحقيق ذلك ليس في مصلحة الدول الغربية.
وقد قامت سياسة الدول الغربية في المرحلة التالية على ضمان السوق الإفريقي والمواد الأولية المعدنية والزراعية والغابية ومصادر الوقود والطاقة وغيرها؛ من خلال الضغط على الدول الإفريقية من قبل منظمة التجارة العالمية لفتح الأسواق وتحرير التجارة.
وكان من نتائج ذلك التأثير السلبي في الاقتصاد الإفريقي، حيث انهارت الصناعات القليلة التي كانت قائمة، وانخفضت قيمة صادراته الأولية، وزادت بشكل واضح قيمة وارداته، وبمعنى أشمل أصبح الاقتصاد الإفريقي مهمشاً عن الاقتصاد العالمي.
من تحليل البيانات نلاحظ أن صادرات القارة الإفريقية انخفضت من 4,1% في عام 1980م من جملة التجارة الصادرة في العالم إلى نحو 1,6% في عام 2005م, كما انخفض نصيب القارة الإفريقية من حجم الواردات العالمية من 3,2% إلى 1,3% في الفترة نفسها, وكذلك انخفض نصيب القارة الإفريقية من التجارة الدولية خلال الفترة نفسها من 8% إلى 4,4%.
رابعاً: السياسة الصينية تجاه إفريقيا:
يمكن إرجاع الاهتمام الصيني بإفريقيا وبلوغ هذا الاهتمام ذروته في السنوات الأخيرة لسببين رئيسين:
– أن الصين ترى توطيد العلاقات مع إفريقيا من العوامل الرئيسة في بلوغها مرحلة القوة العظمى.
– أنها تهتم بمنافسة الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية على مصادر الطاقة الإفريقية, ولا سيما البترول والغاز الطبيعي وغيرها من الموارد الطبيعية والمعدنية المهمة اللازمة للتنمية الصينية, ولا يمكن إغفال أهمية الأسواق الإفريقية لتسويق الإنتاج الصيني المنافس بقوة للإنتاج الأمريكي والغربي.
وقد أصبحت السياسة الصينية تجاه إفريقيا أكثر نشاطاً في السنوات الأخيرة, وقد اعتمدت الصين في تنفيذها على عاملين أساسيين؛ هما تكريس رؤية الدول الإفريقية للشركات الصينية العاملة في مجالات الطاقة بوصفها أفضل وأقل مخاطرة من الشركات الغربية متعددة الجنسيات.
وهناك الكثير من الدول الإفريقية التي ترى في السياسة الصينية نحو إفريقيا في مجال التنمية أنها الأفضل, وترى في النموذج الصيني في مجال التنمية الاقتصادية والسياسية مثلاً تحتاج الكثير من الدول الإفريقية إلى أن تقتدي به، وخصوصاً للهروب من السياسة الأمريكية والغربية تجاه إفريقيا، والتي لها شروط ضاغطة في مجال التنمية الاقتصادية وتقديم المساعدات، مثل الإصلاح السياسي والحريات وغيرها؛ مما دفع الكثير من الدول الإفريقية إلى قبول المساعدات الصينية التي تُـقدم دون شروط.
ويمكن أن نلخص السياسة الصينية تجاه إفريقيا في:
1 – أن الصين بوصفها قوة عظيمة تختلف في الكثير من الأشياء عن الولايات المتحدة، وفي تفهمها لاحتياجات التنمية الاقتصادية لإفريقيا، ومن أهمها احتياج الأفارقة إلى مساند قوي ضد الغزو التجاري الغربي لإفريقيا من خلال تحرير التجارة.
2 – اتجاه الصين نحو زيادة فاعلية الدول الإفريقية المهمشة، أو التي ليس لها دور مؤثر في المجتمع الدولي، أو الدول التي تعاني صراعات داخلية مثل السودان وزمبابوي وليبيريا.
3 – عدم تدخل الصين في السياسات الداخلية للدول الإفريقية، وكذلك عدم التدخل في المنظمات والتجمعات الإقليمية الإفريقية، وإن كان ذلك لا ينفي تطوير علاقاتها بالأحزاب الاشتراكية، وامتداد نشاطاتها إلى برامج ومشروعات تتعلق بإيجاد وتكوين نخب تابعة لها، ووضعها شروطاً لتعاونها تمس السياسات الداخلية للدول المتعاونة معها.
4 – زيادة زيارات قادة الصين للدول الإفريقية للتفاهم وتوقيع الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية.
وتعتمد الصين في تنفيذ سياساتها تجاه القارة الإفريقية على مجموعة من الأدوات مثل المساعدات، حيث قررت الصين زيادة حجم المعونات المقدمة للدول الإفريقية، والتي زادت من 100 مليون دولار منذ نحو عقد من الزمان إلى نحو 2,7 مليار دولار في الوقت الراهن. كما تعتمد الصين على أن يكون تقديم المساعدات إلى الدول الإفريقية عن طريقها مباشرة بعيداً عن المنظمات الدولية أو الإقليمية.
وتتمثل الأداة الثانية التي تعتمد عليها السياسة الصينية تجاه إفريقيا في زيادة انتشار اللغة والثقافة الصينية، وذلك عن طريق توفير أعداد كبيرة من المنح الدراسية، حيث تم تخصيص نحو 120 ألف منحة دراسية لطلاب أفارقة للدراسة في الصين في عام 2008م؛ بعد أن كانت لا تتجاوز نحو ثمانية آلاف قبل عشر سنوات.
وتعد زيادة التبادل التجاري بين الصين وإفريقيا وقيام الشراكة التجارية بينهما هي الأداة الثالثة في تنفيذ السياسة الصينية تجاه القارة الإفريقية، حيث أصبحت الصين في المرتبة الثالثة من حيث التبادل التجاري بين إفريقيا والعالم، ومن حيث حجم الاستثمار الأجنبي في القارة الإفريقية.
وتمثلت قمة السياسة الصينية الخارجية تجاه إفريقيا في نوفمبر 2006م؛ عندما استضافت الصين 41 رئيساً إفريقياً في لقاء التعاون الصيني الإفريقي، وكان اللقاء الثاني في مصر في عام 2009م.
خامساً: التكالب الدولي على البترول والغاز الإفريقي:
أصبحت القارة الإفريقية من أقاليم العالم المنتجة والمصدرة للبترول والغاز الطبيعي، ومن المأمول زيادة الإنتاج والصادرات في السنوات القليلة القادمة، مع تكثيف عمليات البحث والتنقيب عن البترول والغاز الطبيعي في أقاليم جديدة من القارة الإفريقية.
وكان لموقع القارة الإفريقية المتوسط والقريب من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية دور مهم في زيادة أهمية البترول الإفريقي في سد احتياجاتها من البترول والغاز الطبيعي، لا سيما مع ضعف الاستهلاك الإفريقي ووجود فائض كبير للتصدير.
وتعوّل الصين بدرجة كبيرة على البترول الإفريقي في سد العجز الكبير في إنتاجها من البترول والغاز الطبيعي, إلى جانب نمو وارداتها في السنوات القادمة مع زيادة معدلات النمو الاقتصادى، مما دفع بالصين إلى الدخول بقوة في السيطرة على بعض مناطق إنتاج البترول في إفريقيا، وذلك عن طريق الحصول على عقود امتياز للتنقيب والإنتاج في أقاليم متعددة من القارة الإفريقية، كما هو الحال في السودان ونيجيريا وأنجولا.
وكان السودان أهم مسارح المنافسة بين الشركات الأمريكية والغربية والصينية، حيث حصلت الشركات الأمريكية والغربية والكندية على مناطق امتياز للتنقيب وإنتاج البترول في السودان، إلا أنه في عام 1992م عندما فرضت الحكومة الأمريكية عقوبات على السودان وقامت بإخراج شركاتها البترولية وعلى رأسها شركة شيفرون، وتبعتها الشركات الغربية والكندية؛ قامت الحكومة السودانية بإعطاء مناطق الامتياز السابقة لشركات صينية وآسيوية.
وكانت الشركات الأمريكية والغربية هي المهيمنة على إنتاج البترول في نيجيريا أكبر الدول الإفريقية المنتجة للبترول؛ إلا أن الصين استطاعت الحصول على بعض الامتيازات البترولية في نيجيريا؛ بعد أن قامت بتقديم بعض المساعدات لمد خطوط السكك الحديدية وعمل مشروعات تنمية زراعية. وكذلك الحال في أنجولا التي تعد من أكبر الدول الإفريقية المنتجة للبترول، فقد استطاعت الصين الحصول على بعض مناطق الامتياز للتنقيب والإنتاج بعد أن كان الإنتاج مقصوراً على الشركات الأمريكية والغربية، وذلك بعد أن رفضت الدول الغربية تقديم المساعدات لأنجولا، فحصلت عليها من الصين.
ويمكن القول بأن هناك ارتباطاً بين الدول الإفريقية المنتجة للبترول والدول الاستعمارية الغربية، ولا سيما في الدول التي بدأ إنتاج البترول بها خلال الحقبة الاستعمارية، ومن أوضح الأمثلة على ذلك الجزائر, حيث تهيمن الشركات الفرنسية على النصيب الأكبر من إنتاج البترول بها، وكذلك الحال في تشاد والسنغال.
ففي تشاد حيث تدار حرب أهلية وحركات تمرد ضد الحكومة، استطاعت الحركات المتمردة في عام 2008م الوصول إلى القصر الرئاسي ومحاصرته، وكادت الحكومة أن تسقط لولا تدخل القوات الفرنسية حفاظاً على مصالحها البترولية في تشاد، مما أدى إلى إحباط حركة التمرد.
……………………………………………..
المراجع العربية والأجنبية:
1 – السيد ياسين: العالمية والعولمة. القاهرة. نهضة مصر للطباعة والنشر – 2001م.
2 – جمعية الدعوة الإسلامية العالمية: ندوة العولمة. طرابلس – ليبيا – 1998م.
3 – حمدي عبد الرحمن: إفريقيا وتحديات عصر الهيمنة.. أي مستقبل. القاهرة – مكتبة مدبولي – 2006م.
4 – السياسة الامريكية تجاه إفريقيا من العزلة إلى الشراكة. القاهرة – السياسة الدولية – أبريل 2000م.
5 – قاسم حجاج: العالمية والعولمة.. نحو عالمية متعددة وعولمة إنسانية، دراسة تحليلية مقارنة للمفهومين. الجزائر – نشرة جمعية التراث 3 – 2003م.
6 – محمد عبد القادر حاتم – العولمة ما لها وما عليها. القاهرة – الهيئة العامة للكتاب – 2005م.
7 – محمد صفوت قابيل: الدول النامية والعولمة. القاهرة – دار الحكمة للنشر والتوزيع – 2003م.
8 – معهد البحوث والدراسات الإفريقية: العولمة وأثرها على إفريقيا. مجموعة بحوث مطبوعة – مارس 1999م.
1 – Kagwanja Peter(2009), China’s Hard power in Africa , African Policy Institute, Pretoria, South Africa.
2 – Munene Macharia(2005), Africa and Shifting Global Power Relationship, Fletcher Forum of World Affairs vol. 29, no.2, pp. 117-124.
3 – Nkiwane, Tandeka C.(2001), Africa and International Relations: Regional Lessons For a Global Discourse, International Political Science Review, vol. 22, no. 3, pp. 279-290.
4 – Obi, Cyril I., Scrambling for Oil in West Africa., Nordic Africa Institute, Uppsala at web site:www.esas.2007.aegis-eu.org Date/30/1/2010.
5 – Subramanian, ARvind (2003), is Africa Integrated in the Global Economy, IMF Staff Papers, vol. 50, No.3, pp.352-372.
(*) أستاذ الجغرافيا ووكيل معهد البحوث والدراسات الإفريقية – جامعة القاهرة.