د. صدفة محمد محمود (*)
خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين؛ احتلت إفريقيا مكانةً مركزيةً في السياسة الخارجية البرازيلية مع وصول حزب العمال اليساريّ للسلطة عام 2002م، وذلك استناداً إلى مبادئ الحزب القائمة على أولوية تحقيق استقلالية سياسة البرازيل الخارجية، وما يرتبط بذلك من الحاجة لتنويع خريطة الحلفاء والشركاء الدوليين، وبخاصّة تعزيز العلاقات مع دول الجنوب، وفي مقدمتها الدول الإفريقية.
وفي الإطار؛ شهدت القارة الإفريقية تصاعداً واضحاً للنفوذ البرازيلي، الأمر الذي برز من خلال مؤشراتٍ عدة؛ منها: زيادة التمثيل الدبلوماسي، وتبادل الزيارات رفيعة المستوى، وفي الوقت نفسه؛ سعت البرازيل إلى المساهمة في تحقيق السلام والاستقرار والتنمية في إفريقيا، من خلال المشاركة بنشاطٍ في بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام داخل القارة، وتوسيع نطاق مشاركتها في برامج التعاون الدوليّ من أجل التنمية في إفريقيا، فضلاً عن سعيها إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الدول الإفريقية، مع التركيز على البلدان الإفريقية الناطقة بالبرتغالية ونيجيريا وجنوب إفريقيا.
بناء على ما سبق؛ تسعى هذه الدراسة إلى استعراض أبرز ملامح الدَوْر البرازيليّ في إفريقيا، وذلك من خلال تسليط الضوء على دوافع هذا الدَوْر وأهدافه، وأدواته آلياته، مع تقييم فاعلية الدَوْر البرازيلي في إفريقيا، وأبرز التحديات والعقبات التي تواجهه، وكذلك مستقبل العلاقات بين الجانبَيْن.
أولاً: التطور التاريخيّ للعلاقات البرازيلية الإفريقية:
تعتمد البرازيل في تطوير علاقاتها وتعزيز وجودها في القارة الإفريقية على التاريخ والتراث المشترك بين الطرفَيْن؛ في ظلّ خضوع البرازيل وبعض الدول الإفريقية للاستعمار البرتغالي، ومنها: (الرأس الأخضر، وساوتومي وبرينسيب، وغينيا بيساو، وأنجولا، وموزمبيق)، وفي هذا الإطار؛ كانت البرازيل وجهة استقبالٍ رئيسيةٍ لتجارة الرقيق الإفريقي عبر المحيط الأطلنطي؛ إذ تمّ نقل حوالي 4 ملايين إفريقي للعمل في مزارع البن والسكر بالبرازيل خلال القرنَيْن الخامس عشر والسادس عشر.
ومع انتهاء تجارة الرقيق في البرازيل، في 13 مايو 1888م، حدث تراجع في العلاقات مع القارة الإفريقية؛ حيث قامت البرازيل باتباع سياسات تحبّذ دخول المهاجرين من أوروبا، وخصوصاً من إيطاليا وألمانيا، في ظلّ اتجاهها نحو زيادة إنتاجها من القهوة، والتي تتطلب قوةً عاملةً أكثر مهارة، كما عاد الكثير من الأفارقة إلى مواطنهم الأصلية.
وركزت الجهود الدبلوماسية البرازيلية، في الوقت نفسه، على الانتهاء من المفاوضات الحدودية مع جيرانها في أمريكا الجنوبية، وحلّ أزماتها الداخلية.
وخلال الفترة التي أعقبت الانقلاب العسكريّ في البرازيل عام 1964م؛ رأت النّخبة السياسية أنّ حركات التحرّر الإفريقية ما هي إلا محاولة لزيادة الوجود الشيوعيّ في إفريقيا، لذلك فقد دعمت البرازيل السياسات الاستعمارية التي قام بها الديكتاتور البرتغالي «أنطونيو دي أوليفيرا سالازار» فيما يتعلق بأنجولا وموزمبيق.
وأعقب ذلك حدوث تحسّن في العلاقات البرازيلية الإفريقية خلال سبعينيات القرن العشرين؛ نظراً لحاجة البرازيل لتأمين احتياجاتها من النفط من قِبل بعض الدول الإفريقية، في ظلّ ما شهدته من نموٍّ اقتصاديٍّ متسارع خلال تلك الفترة، ممّا أدى إلى زيادة الصادرات البرازيلية من السلع المصنعة إلى البلدان الإفريقية التي أصبحت سوقاً رئيساً للسلع البرازيلية. إلى جانب دَوْر البرازيل في دعم كفاح بعض الشعوب الإفريقية ضدّ نظام الفصل العنصري، في كلٍّ من جنوب إفريقيا وروديسيا الجنوبية (زيمبابوى حاليّاً)، وقيامها بالاعتراف الفوري في سبعينيات القرن العشرين باستقلال بعض البلدان الإفريقية عن البرتغال.
ومع عودة نظام الحكم الديمقراطيّ في البرازيل عام 1985م؛ واصلت البلاد تطوير علاقاتها التجارية مع الدول الإفريقية، ولكن مع تدهور أوضاع الاقتصاد البرازيليّ خلال حقبة الثمانينيات؛ حدث انخفاضٌ حادٌّ في الصادرات البرازيلية إلى القارة، وكذلك تراجع النفوذ الإفريقيّ فيها، ثم عادت هذه العلاقات للتحسّن خلال تسعينيات القرن العشرين، وبدرجةٍ أكبر خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين(1).
ثانياً: أهداف ودوافع التدخل البرازيلي في إفريقيا:
تتصدّر قائمة الأهداف والأولويات الوطنية للبرازيل ثلاث قضايا رئيسة، هي: الاستقلال القومي، التنمية الاقتصادية، والحصول على مقعدٍ دائمٍ في مجلس الأمن الدولي.
ويمكن تفصيل أبرز دوافع ومحركات الانخراط البرازيلي في إفريقيا فيما يأتي:
1 – تعزيز مكانة البرازيل بوصفها قوة دولية كبرى:
تأتي التحركات الدولية للبرازيل، وبخاصّةٍ تجاه إفريقيا، في إطار استراتيجيةٍ وطنيةٍ أوسع لتدعيم الاستقلال القومي، وتعزيز مكانتها باعتبارها قوةً كبرى على المستوى الدولي، وفي هذا الإطار؛ قامت البرازيل بتبنّي سياسة خارجية نشطة تجاه معظم قضايا القارة الإفريقية، وهو ما يأتي متوافقاً مع مطالب الطرفَيْن بإقامة نظام دوليٍّ أكثر ديمقراطية وعدالة، يراعي مصالح بلدان الجنوب(2).
ونظراً لأنّ الحصول على مقعدٍ دائمٍ في مجلس الأمن الدولي كان هدفاً أساسيّاً من أهداف سياسة البرازيل الخارجية؛ فقد كان محوراً للعديد من المحادثات واللقاءات الثنائية التي جمعت كبار المسؤولين البرازيليّين بغيرهم من مسؤولي الدول الإفريقية، وفي هذا الإطار؛ هدفت البرازيل إلى الاستفادة من الدعم السياسيّ الإفريقيّ لدعم تطلعاتها الدولية، خصوصاً أنّ دول القارة الإفريقية الـ 54 دولة تشكّل قوةً تصويتيةً كبيرة (أكثر من 1/3 الأصوات داخل الجمعية العامّة للأمم المتحدة)، مما دفعها إلى اتخاذ عدة خطوات مهمّة، منها: إلغاء ديون بقيمة 900 مليون دولار مستحقّة على 12 دولة إفريقية عام 2013م، وزيادة التعاون التقني والفني مع البلدان الأقلّ نموّاً داخل القارة(3).
2 – تنويع دوائر الشركاء الاقتصاديّين:
ارتبطت المشاركة البرازيلية النشطة في إفريقيا بشكلٍ وثيقٍ باستراتيجية التنمية على المستوى القومي، وعملت البرازيل على تطويع دبلوماسيتها وسياستها الخارجية لخدمة أهداف التنمية الوطنية واقتصادها القومي، وذلك من خلال الاستفادة من تدعيم العلاقات بإفريقيا في تحسين الأوضاع الاقتصادية الداخلية، والتي تعود بالنفع المباشر على المواطن البرازيلي(4).
وبالإضافة إلى الدوافع الاستراتيجية؛ فقد استندت الدبلوماسية البرازيلية في إفريقيا إلى عدة أهداف ودوافع اقتصادية، منها: ضمان حصتها من الطاقة، حيث إنها تُعدّ من أكثر البلدان المستهلكة للطاقة، فضلاً عن الاستفادة من الثروات الزراعية والمعدنية والسوق الاستهلاكية الضخمة في دول القارة الإفريقية، وبخاصّة مع الاقتصادات الأسرع نموّاً في إفريقيا، وذلك بهدف فتح أسواق جديدة للصادرات البرازيلية، وكذلك إتاحة مزيدٍ من الفرص الاستثمارية أمام شركاتها الوطنية بالقارة الإفريقية، وتقليل انكشاف اقتصادها القوميّ أمام الصدمات الاقتصادية الخارجية من خلال تنويع الشركاء الاقتصاديين(5).
3 – الاستجابة لمطالب داخلية برازيلية:
يعكس الانخراط البرازيليّ في القارة الإفريقية- في أحد أبعاده- استجابة الدولة لتطلعات قطاعٍ كبيرٍ داخل المجتمع، خصوصاً أنّ البرازيل لديها في الوقت الراهن أكبر نسبة من السكان المنحدرين من أصول إفريقية خارج القارة السمراء، وهي ثاني أكبر دولة على مستوى العالم (بعد نيجيريا) ينحدر مواطنوها من أصولٍ إفريقية؛ مما يعكس قوة الروابط الثقافية واللغوية والإنسانية بين الطرفَيْن، والتي شكّلت جانباً من الهوية والثقافة البرازيلية التي تصف علاقتها بإفريقيا بأنها: «شراكة طبيعية»، الأمر الذي يفسّر أنّ أكثر الشركاء الأفارقة، في مجال التعاون الإنمائي البرازيلي، هُم من الدول الناطقة بالبرتغالية التي يتحدث بها غالبية الشعب البرازيلي(6).
وفي هذا الإطار؛ فإنّ دَوْر البرازيل في إفريقيا إنما يأتي– في أحد أبعاده – متوافقاً مع الالتزام الأخلاقيّ والسياسيّ الذي أبدته تجاه دول القارة، باعتبار أنّ مشاركتها في حلّ مشكلات القارة الإفريقية إنما يمثل نوعاً من سداد الدين لملايين الأفارقة الذين أدّوا أدواراً مهمّة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البرازيل، وتتضح هوية البرازيل الإفريقية في وصف الرئيس البرازيلي الأسبق «دا سيلفا» بلاده بأنها: «ليست مجرد دولة لمواطنيها أصول إفريقية، بل إنّ البرازيل دولة إفريقية»(7).
ثالثاً: أدوات وآليات الدَوْر البرازيلي في إفريقيا:
شهدت العلاقات البرازيلية الإفريقية نقلةً نوعيةً منذ تولّي الرئيس البرازيلي الأسبق «لولا دا سيلفا» (2002م–2010م) للسلطة، ومن بعده خليفته «ديلما روسيف» (2011م-2016م) التي انتهجت نهجاً أقلّ حماساً تجاه القارة؛ على خلفية الأزمات الداخلية التي شهدتها البرازيل خلال فترة حكمها.
وقد عملت البرازيل على توظيف واستثمار العديد من الأدوات والآليات لتحقيق أهدافها ومصالحها في القارة الإفريقية، وفي مقدمتها: الدبلوماسية الرئاسية، دبلوماسية المنتديات وبناء التحالفات، هذا إلى جانب أدوات السياسة الخارجية التقليدية، وبخاصّةٍ الاقتصادية والعسكرية منها.
1 – الدبلوماسية الرئاسية:
كانت الدبلوماسية الرئاسية من الأدوات المهمّة التي ساهمت في تدعيم علاقات البرازيل بإفريقيا، والتي تمّ التعبير عنها من خلال تبادل الزيارات رفيعة المستوى، وكذلك طرح بعض المبادرات الدبلوماسية المهمة.
وفي هذا السياق؛ كانت الزيارات الرئاسية آلية مهمّة للدَوْر البرازيلي في القارة؛ إذ رافق العلاقات الدبلوماسية بين البرازيل ودول القارة الإفريقية ما يعرف بـ«دبلوماسية السفر»، والتي قام بها الرئيس البرازيلي الأسبق «لولا دا سيلفا»، الذي زار إفريقيا خلال سنوات حكمه الثماني حوالي اثنتا عشرة مرّة، زار خلالها تسعاً وعشرين دولة إفريقية، ليكون بذلك أكثر رؤساء البرازيل الذين زاروا دول القارة الإفريقية.
وفي المقابل؛ زارت خليفته الرئيسة السابقة «ديلما روسيف»، خلال عامها الأول في الحكم، أربع دول إفريقية، هي: (أنجولا، موزمبيق، جنوب إفريقيا، ونيجيريا)، وفي عام 2013م زارت ثلاث دول، هي: (غينيا الاستوائية، إثيوبيا، جنوب إفريقيا).
وبالمثل؛ تلقت البرازيل 47 زيارة من قادة 27 دولة إفريقية منذ عام 2003م(8).
كذلك اعتمدت البرازيل، في سعيها لتعزيز العلاقات مع الدول الإفريقية، على إقامة شبكةٍ واسعةٍ من البعثات الدبلوماسية، حيث زاد عدد السفارات البرازيلية المقيمة هناك منذ عام 2003م (من 18 إلى 37 سفارة)، متجاوزاً عدد سفارات المملكة المتحدة، كذلك زاد عدد سفارات الدول الإفريقية في برازيليا بأكثر من الضعف (من 16 إلى 34 سفارة)، لتتفوق بذلك على أيّ عاصمةٍ أخرى في الأمريكيتين باستثناء واشنطن العاصمة(9).
2 – دبلوماسية المنتديات:
سعت البرازيل إلى تعزيز علاقاتها بالدول الإفريقية من خلال إقامة التحالفات، وتبنّي ما يُعرف بـ«دبلوماسية المنتديات»، حيث شاركت في إنشاء العديد من المنتديات، الثنائية والثلاثية وكذلك الإقليمية متعددة الأطراف، التي ساهمت في تطوير ليس فقط علاقات البرازيل بل أيضاً علاقات دول أمريكا الجنوبية بدول القارة الإفريقية، وكان من ذلك: قمة إفريقيا-أمريكا الجنوبية (ASA Summit) Africa-South America Summit، التي عُقدت للمرة الأولى عام 2006م، وكذلك منتدى إبسا للحوارIBSA Dialogue Forum)) أو مجموعة الثلاث (G3) عام 2003م (الهند وجنوب إفريقيا والبرازيل)، بالإضافة إلى تجمّع البريكس الذي يضمّ في عضويته كلاًّ من البرازيل وجنوب إفريقيا بالإضافة إلى روسيا والصين، وكذلك مجموعة الدول الناطقة باللغة البرتغالية ((CPLP، والتي تضمّ تسعة أعضاء، من بينهم ست دول إفريقية، هي: (أنجولا، موزمبيق، ساوتومي وبرينسيب، غينيا بيساو، الرأس الأخضر، وغينيا الاستوائية)(10).
هذا إلى جانب شغلها منصب «عضو مراقب» في عددٍ من المنظمات الإقليمية الإفريقية، ومنها: الاتحاد الإفريقي، والجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس (ECOWAS)(11).
3 – الأداة الاقتصادية:
تُعدّ الأداة الاقتصادية من الأدوات الرئيسة في تعزيز العلاقات بين الطرفَيْن؛ إذ شهدت العلاقات الاقتصادية بين البرازيل وإفريقيا نقلةً نوعية، حيث زاد حجم التبادل التجاريّ بأكثر من أربع مرات خلال عشر سنوات، من 6.1 مليارات دولار عام 2003م إلى 28.5 مليار دولار في 2013م، ثمّ انخفض إلى 25.5 مليار دولار عام 2014م. ومن بين الشركاء التجاريّين الرئيسيّين للبرازيل في إفريقيا: كلٌّ من: نيجيريا (32%)، أنجولا (16%)، الجزائر (12%)، جنوب إفريقيا (10%).
وفي عام 2009م؛ بلغ مجموع الاستثمارات البرازيلية في إفريقيا أكثر من 10 مليارات دولار، وكانت (أنجولا، موزمبيق، ليبيا، جنوب إفريقيا) من أهمّ الدول الإفريقية المستقبلة للاستثمارات البرازيلية.
وتستثمر الشركات البرازيلية حاليّاً في 27 بلداً إفريقيا، وخصوصاً في قطاعات النفط والتعدين والزراعة، وكذلك البنية التحتية، وتأتي في مقدمة الشركات البرازيلية العاملة في إفريقيا، شركة «بتروبراس» النفطية، و «فالي دو ريو دوسي» المتخصّصة في قطاع التعدين، وشركة البناء العملاقة «أودبريشت»(12).
كذلك دعمت البرازيل العديد من مبادرات التنمية في إفريقيا، حيث أعربت عن دعمها السياسيّ لمبادرة الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا (النيباد NEPAD)، بوصفها وسيلةً مهمّةً لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية في القارة، وقامت بطرح عدة مبادرات للتعاون مع الدول الإفريقية في مجالات مبادرة النيباد الرئيسة، وفي مقدمتها: الصحة، والأمن الغذائي، ومحاربة الجوع، والتنمية الزراعية والريفية(13).
وفي السياق نفسه؛ تتعاون البرازيل مع الإكواس في عددٍ من المبادرات التي تركّز بصفةٍ خاصّة على معالجة قضايا: الفقر، والأمن الغذائي، والبيئة، والطاقة المتجددة، وبناء القدرات، والحوار السياسي. وقد عُقدت القمّة الأولى بين البرازيل والإكواس بالرأس الأخضر في يوليو 2010م، واتفق خلالها الطرفان على: تعزيز الحوار السياسيّ والتعاون الأمني، بناء الشراكات بين القطاع الخاص، تحسين البنية التحتية، بناء القدرات، التبادل الثقافي. كذلك اتفق الجانبان على تعزيز التجارة الثنائية وتشجيع الاستثمارات المشتركة، وخصوصاً في مجالات الوقود الحيوي والتجهيز الصناعي للمحاصيل الزراعية والسياحة، كما اتفقا على تعميق التعاون في مجال النقل الجوي والطاقة النظيفة المستدامة؛ من خلال دعم أنشطة مركز الطاقة المتجددة التابع للإكواس(14).
4 – المنح والمساعدات:
نفّذت البرازيل مشروعات للتعاون الإنمائي، في إطار استراتيجيتها للتعاون بين بلدان الجنوب، مع (42) من (54) دولة إفريقية، لتصبح بذلك واحدةً من الجهات المانحة الصاعدة في إفريقيا. وفي عام 2010م تلقت إفريقيا حوالي 22% من قيمة التعاون الإنمائيّ الدوليّ للبرازيل، والتي بلغت 701.4 مليون دولار، لتكون بذلك ثاني أهمّ منطقة في هذا المجال بعد أمريكا اللاتينية التي تلقت حوالي 37% من إجمالي مخصّصات التعاون الإنمائي البرازيلي. علاوة على ذلك؛ تمثّل البرازيل شريكاً رئيساً لإفريقيا في مجال التعاون الفنّي والتقني؛ حيث تتلقى تقريباً نصف المساعدات الفنية البرازيلية، حيث زاد عدد اتفاقات التعاون الفنّي البرازيلي مع إفريقيا من 23 اتفاقية عام 2003م؛ إلى 413 اتفاقية عام 2009م(15).
وأثارت البرازيل بنجاحها في تقديم المساعدة للبلدان الإفريقية الشريكة، في كفاحها ضدّ الجوع والفقر، اهتمام العديد من القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، حيث أكد المجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية عام 2011م على: «الدَوْر المتزايد للبرازيل في إفريقيا»، مشيراً إلى أنّ «البرازيل قد أصبحت جزءاً لا يتجزأ من جهود المجتمع الدوليّ للتخفيف من مشكلات الإنتاج الغذائي والجوع»، وأنّ «مشاركة البرازيل المتزايدة في إفريقيا تقدّم نموذجاً مفيداً للحكم الديمقراطيّ والتنمية الاقتصادية»، كذلك أبدت بريطانيا عام 2014م اهتماماً بإقامة «آلية ثلاثية للتعاون والشراكة مع البرازيل في إفريقيا»(16).
كذلك رحّبت الدول الإفريقية بالدَوْر البرازيلي، في ظلّ تبنّيها لنموذجٍ للتعاون الإنمائي يقوم على الشراكة بين متساوين، ورفض مفاهيم الأبوية والمشروطية من قِبل الطرف الذي يقدّم المساعدات؛ من قبيل: الحكم الرشيد وحقوق الإنسان والاعتبارات البيئية والاجتماعية، فضلاً عن تأكيدها أهمية احترام مبادئ السيادة الوطنية وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى(17).
هذا بالإضافة إلى تشارك الطرفَيْن في عددٍ من تحديات التنمية، في ظلّ تشابه المناخ وعوامل البيئة والجغرافيا، وهو ما يُفسح المجال أمام تقاسم أفضل الممارسات، ومشاركةٍ أكبر في المعارف والخبرات في مجالات مختلفة؛ مثل الزراعة وحماية البيئة الطبيعية والمنتجات الحيوانية والتنمية الريفية والصحة والتعليم ونقل التكنولوجيا، كما أنّ ذلك يجعل البرازيل شريكاً مهمّاً في مجال التعاون الإنمائي في القارة الإفريقية مقارنةً بغيرها من الدول.
ويمثّل التعاون الإنمائي البرازيليّ في إفريقيا تكراراً منتظماً لما يُسمّى: «أفضل الممارسات»، و «السياسات الوطنية المبتكرة» محليّاً داخل البرازيل؛ بشأن: مكافحة الفقر، التعليم، الصحة، ومحاولة تطبيقها في الدول الإفريقية، لذلك فإنّ التعاون في مجال التنمية الإنسانية والاجتماعية يمثّل 23% من إجمالي التعاون الإنمائي البرازيلي في إفريقيا، وبخاصّةٍ في مجالات: الزراعة، الصحة، التعليم، التدريب المهني(18).
ومن أبرز مجالات التعاون الإنمائي البرازيلي مع إفريقيا:
– مجال الزراعة: وذلك من خلال برنامج دعم تطوير صناعة القطن C-4، وذلك في أربعة بلدان إفريقية، هي: بنين وبوركينافاسو وتشاد ومالي، بالإضافة إلى توجو. كذلك نجحت وكالة البحوث الزراعية البرازيلية في استخدام التكنولوجيا في تطوير أنواعٍ معيّنةٍ من المحاصيل الزراعية، في زراعة فول الصويا في سيرادو من المرتفعات البرازيلية، وعملت البرازيل على نقل هذه التكنولوجيا إلى البلدان الإفريقية من أجل تطوير غابات السافانا الإفريقية من خلال برنامج ProSavana، الذي يهدف إلى تحويل غابات السافانا إلى مناطق زراعية منتجة، ومن المتوقع أن يغطي هذا المشروع 14 مليون هكتار من الأراضي في موزمبيق.
وفي السياق نفسه؛ أقامت بعض المؤسّسات البرازيلية مشروعات للتعاون في مجال البحوث الزراعية المشتركة، وذلك بهدف بناء وتطوير قدرات مؤسّسات البحوث المحلية، وكان من بينها أن قامت وكالة البحوث الزراعية البرازيلية، بالتعاون مع علماء الأحياء المجهرية في غانا، بتصنيع نوعٍ من الأسمدة البيولوجية قادر على مضاعفة إنتاج اللوبيا بتكلفةٍ أرخص بكثيرٍ من الأسمدة العادية.
– مجال الصحة: وبخاصّةٍ مجال مكافحة فيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، حيث حاولت البرازيل تعزيز التعاون مع إفريقيا، وذلك بفضل النجاحات المحلية التي حققتها في هذا المجال، حيث كانت البرازيل أول دولة نامية توفّر العلاج المجانيّ والشامل للإيدز، كما حقّقت نجاحات واضحة في مجال مكافحة بعض الأمراض المستعصية، ممّا أدى إلى انخفاض معدلات الوفيات والإصابة بالأمراض وحدوث العدوى، كما زادت معدلات البقاء على قيد الحياة، وفي هذا الإطار؛ قامت البرازيل من خلال برنامج Fiocruz للرعاية الصحية بإنشاء مصنعٍ للأدوية في موزمبيق عام 2013م، تُقدّر طاقته الإنتاجية بحوالي 21 صنفاً دوائيّاً.
– مجال التعليم: قام الاتحاد الوطني للتدريب المهني بعددٍ من المشروعات التعليمية، ومن بينها إنشاء وإدارة سبعة مراكز للتدريب المهني في إفريقيا: (أنجولا، الرأس الأخضر، موزمبيق، غينيا بيساو، ساوتومي وبرينسيب) واثنين في جنوب إفريقيا، فضلاً عن توفير التدريب للمدربين والمديرين والموظفين التقنيين. أما برنامج بولسا فاميليا (برنامج التحويلات النقدية المشروطة)؛ فقد حقّق نجاحاً كبيراً داخل البرازيل، وسعت البرازيل إلى تكييفه وتكرار تطبيقه في البلدان الإفريقية(19).
5 – الأداة الأمنية – العسكرية:
سعت البرازيل إلى المساهمة في تحقيق الأمن والاستقرار داخل القارة الإفريقية، وذلك من خلال المشاركة في بعض البعثات الدولية لحفظ السلام في إفريقيا، فبالإضافة إلى القيادة البرازيلية لبعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ تشارك البرازيل في ست بعثات لحفظ السلام الدولية؛ في كلٍّ من: الصحراء الغربية، جمهورية إفريقيا الوسطى، ليبيريا، جنوب السودان، كوت ديفوار، وكذلك منطقة أبيي بالسودان، ومع ذلك؛ فإنّ هذه المشاركات كانت رمزيةً في الغالب، حيث لم يتبعها تقديم دعم ماليٍّ أو مشاركة عددٍ كبيرٍ من الأفراد في عمليات حفظ السلام.
فضلاً عن قيام البرازيل بتنفيذ برامج للتدريب العسكري مع بعض بلدان القارة، وبخاصّة: أنجولا، موزمبيق، ساوتومي وبرينسيب، والرأس الأخضر، وكذلك جنوب إفريقيا، بقيمة بلغت 1.5 مليار دولار بين عامَي 2009م و 2013م، إلى جانب التعاون في مجال تبادل المعلومات والخبرات والتكنولوجيات الحديثة، وبخاصّةٍ في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وتهريب المخدرات.
كما وقّعت البرازيل بين عامَي 2003م و 2014م اتفاقيات للتعاون العسكري مع كلٍّ من: أنجولا، غينيا الاستوائية، غينيا بيساو، موزمبيق، ناميبيا، نيجيريا، ساوتومي وبرينسيب، السنغال، وكذلك جنوب إفريقيا(20).
واحتلّ التعاون في المجال البحريّ بين إفريقيا والبرازيل أهميةً خاصّة، حيث قامت بمناورات بحرية مشتركة مع بعض الدول الإفريقية، كذلك أدت دَوْراً مهمّاً في إنشاء قوة بحرية متطورة في ناميبيا، كما شكّل جنوب المحيط الأطلنطي حلقة وصلٍ مهمّة للتعاون الأمني بين الطرفَيْن، وهو ما انعكس في قيادة البرازيل لمنطقة السلام والتعاون في جنوب المحيط الأطلنطي (ZOPACAS)، التي تضمّ ثلاث دول من أمريكا الجنوبية: (البرازيل، الأرجنتين، أوروجواي)، بالإضافة إلى 21 دولة إفريقية، وذلك بهدف تأمين البرازيل لسيطرتها البحرية على جنوب المحيط الأطلنطي.
بالإضافة إلى تصدير بعض المعدات الدفاعية المتخصّصة للدول الإفريقية، حيث قامت البرازيل منذ عام 2011م ببيع طائرة «سوبر توكانو» إلى: بوركينافاسو، مالي، موريتانيا، غانا، وأنجولا، وتتميز هذه النوعية من الطائرات بالقدرة على التكيف مع ظروف المناخ الاستوائي والمهام العسكرية ذات الصلة بمكافحة التمرّد والإرهاب وتجارة المخدرات في إفريقيا(21).
رابعاً: تحديات وعقبات الدَوْر البرازيلي في إفريقيا:
بعد مرور أكثر من خمس عشرة سنة على الانطلاق الفعليّ لجهود التعاون البرازيلي مع إفريقيا؛ أصبح النفوذ البرازيليّ في القارة الإفريقية مهدّداً بالتراجع، وما زالت هناك العديد من العقبات والقيود الاقتصادية والسياسية التي تُضعف من قدرة البرازيل على البروز باعتبارها شريكاً أساسيّاً في القارة، في ظلّ التنافس القويّ بين العديد من القوى الكبرى والصاعدة في إفريقيا، والتي يأتي في مقدّمتها: الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والصين وروسيا، إضافة إلى إيران وتركيا وماليزيا والهند وكوريا.
وبعض هذه العقبات مستجد نتيجة للتطورات الراهنة التي تشهدها البرازيل، وبعضها له جذور هيكلية، وذلك على النحو الآتي:
1 – المشكلات الداخلية في البرازيل: التي تعيق جهود التخطيط، وتخصيص الموارد اللازمة لمشروعات التعاون مع إفريقيا على المدى الطويل. وتبرز المشكلات الداخلية في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعانيها البرازيل مع تراجع معدّل النمو الاقتصادي وحالة الركود التي بدأت منذ عام 2014م، والتي من المرجّح أن تستمر خلال عام 2017م، ومثل هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة لها تداعيات مهمّة على حجم ميزانية وكالة التعاون، وكذلك وزارتي الخارجية والدفاع، وغيرها من الهيئات المعنية بتعزيز التعاون مع إفريقيا، وبالفعل تواجه وكالة التعاون تخفيضات حادّة في الموارد المتاحة لبرامج ومشروعات التعاون في إفريقيا، وذلك بنسبة 25% بين عامَي 2012م و 2015م. هذا إلى جانب تأثير الأزمة الاقتصادية على خطط التمويل المقررة من قِبل بنك التنمية الوطنية البرازيلي لمشروعات التعاون مع إفريقيا.
وبسبب قيود الميزانية، وضعف معدّل النمو الاقتصادي، خفضت «ديلما روسيف» من مخصّصات التعاون البرازيلي مع دول الجنوب بمقدار النصف، فضلاً عن الإعلان عن تعليق طرح مشروعات جديدة للتعاون مع إفريقيا في الوقت الراهن، والنظر في إغلاق بعض السفارات البرازيلية التي تأسّست حديثاً في دول إفريقية(22).
2 – ضعف الدعم السياسي لمبادرات التعاون البرازيلي مع إفريقيا: تمثّل النخبة السياسية البرازيلية في الوقت الراهن عقبة أمام تعزيز دَوْر البرازيل في إفريقيا؛ فعملية الإقالة المثيرة للجدل للرئيسة السابقة «ديلما روسيف»، وإسناد رئاسة البلاد من بعدها للرئيس «ميشال تامر» في أغسطس 2016م، فضلاً عن فضائح الفساد التي طالت معظم أعضاء النّخبة السياسية، تسبّبت في حالةٍ من عدم الاستقرار السياسي في البلاد، وما ارتبط بذلك من سيادة حالةٍ من عدم الاستقرار الحكومي، حيث شهدت البرازيل خلال العامَيْن الماضيَيْن تغيّر وزير الدفاع ثلاث مرات، إلى جانب تغيّر وزير العلاقات الخارجية أربع مرات خلال السنوات الثلاث الماضية، الأمر الذي يعني أنه من غير المرجّح إفساح المجال لمبادراتٍ جديدة للتعاون مع الدول الإفريقية؛ في ظلّ عدم الاستقرار والتغيّر المستمر في شاغلي كبرى المناصب المسؤولة عن إدارة ملفات الدفاع والخارجية، وما يرتبط بذلك من انقسامٍ وتباينٍ واضح في الرؤى بين سلطات الدولة المختلفة حول أولويات البرازيل وتوجهاتها الخارجية.
ومن الدلائل الواضحة على ذلك: أنّ هناك عدة اتفاقيات للتعاون الدفاعيّ مع الدول الإفريقية لا تزال معلقة في الكونجرس البرازيلي في انتظار التصديق النهائي عليها، فضلاً عن بعض التصريحات الصادرة عن الرئيس ووزراء خارجيته، والتي تكشف عن عدم الدراية الكافية بأهمية العلاقة بالقارة الإفريقية، ففي أحد الأحاديث الصحافية التي أُجريت مع وزير الخارجية البرازيلي السابق «خوسيه سيرا»، في نوفمبر 2016م، عجز عن تذكر أنّ «جنوب إفريقيا» دولةً عضواً في تجمّع البريكس (BRICS) الذي يضمّ في عضويته كذلك البرازيل وروسيا والهند والصين، هذا بالإضافة إلى طلب «خوسيه سيرا» إعادة النظر في السفارات البرازيلية المنشأة حديثاً في إفريقيا، فضلاً عن توقّف انعقاد مؤتمرات القمم رفيعة المستوى، وكان تاريخ آخر قمّة عُقدت لمنتدى إبسا للحوار عام 2011م، بينما كان آخر تاريخ عُقدت فيه قمّة إفريقيا-أمريكا الجنوبية في فبراير 2013م(23).
3 – التشرذم المؤسّسي: معظم التحديات التي تواجه استدامة التعاون البرازيلي مع إفريقيا ذات طبيعة مؤسّسية بالأساس، والتي تتمثل في التشرذم المؤسّسي نتيجة عدم وجود وكالة مركزية قادرة على تخطيط وتنسيق المبادرات المتنوعة للتعاون الإنمائي الدولي، فلا يتم تنفيذ التعاون من قبل الوكالة البرازيلية للتعاون وحدها، ولكن أيضاً من خلال عدة وزارات، بما في ذلك الزراعة والصّحة والتعليم والتنمية الاجتماعية، وكذلك الشركات المملوكة للدولة، وبنك التنمية الاجتماعية البرازيلية، ووكالة تشجيع التجارة والاستثمار البرازيلية إلى جانب بعض الهيئات دون الوطنية.
هذا إلى جانب عدم وجود إطارٍ قانونيٍّ شاملٍ للتحويلات النقدية المباشرة؛ إذ نادراً ما تقوم البرازيل بتقديم مساعدات نقدية مباشرة، حيث تركّز على مسألة نقل التكنولوجيا والمعارف والخبرات، وذلك لأنّ القانون البرازيليّ لا يسمح بالتحويل المباشر للأموال العامّة لحكوماتٍ أخرى إلا من خلال المنظمات الدولية، وغالباً ما يتمّ ذلك من خلال الأمم المتحدة؛ مما يدفع وكالة التعاون البرازيلية إلى اللجوء إلى التحويلات المالية من خلال مكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في البرازيل، ثمّ إعادتها مرة أخرى إلى الوكالة نفسها؛ مما يحدّ من توافر تمويل منتظم لمبادرات التعاون مع إفريقيا، ويؤدي التشرذم المؤسّسي إلى تكرار الجهود وتضاربها أحياناً، كما يقلّل ذلك من درجة الشفافية التي تتمتع بها برامج التعاون، ويُضعف كذلك من جهود التقييم على المدى البعيد(24).
4 – العقبات اللوجستية: التي تتعلق بمدى توافر وسائل النقل التي تعوق زيادة القدرة التنافسية البرازيلية في إفريقيا؛ مما يتطلب الحاجة إلى زيادة عدد طرق الشحن المباشر بين البرازيل والبلدان الإفريقية، إلى جانب تحسين موانئها وخدماتها اللوجستية للطائرات والسفن، فضلاً عن عدم توافر خطوط جوية مباشرة بين الطرفَيْن بالقدر الكافي(25).
خامساً: مستقبل العلاقات البرازيلية الإفريقية:
يكشف تحليل الوضع الراهن للعلاقات البرازيلية الإفريقية عن أنّ مستقبل العلاقات بين الطرفَيْن يحدّدها متغيران رئيسان، أولهما: الوضع الاقتصادي في البرازيل، وثانيهما: الانتخابات الرئاسية البرازيلية المقرّر إجراؤها في 2018م.
ففي حال تحسّن الوضع الاقتصادي في ظلّ توقعات صندوق النقد الدولي بنموّ معدل النمو الاقتصادي في البرازيل بنسبة 1.7%، أو بنسبة 2.2% وفقاً لتوقعات مؤسّسة بلومبرج، بحلول عام 2018م، فإنّ ذلك من شأنه أن يساهم في تشجيع البرازيل على طرح مبادرات جديدة للتعاون مع إفريقيا، وضخ مزيدٍ من الاستثمارات في مشروعات التعاون الإنمائي مع دول القارة.
وفي الوقت نفسه؛ فإنّ حدوث انطلاقة جديدة للعلاقات البرازيلية الإفريقية مرهونٌ بشكلٍ أساسيٍّ بنتيجة الانتخابات الرئاسية التي ستُجرى خلال عام 2018م، وهل ستسفر عن اختيار رئيس برازيلي جديد يسير على نهج الرئيس الأسبق «دا سيلفا»؛ بحيث يسعى إلى تعزيز علاقات بلاده بالقارة الإفريقية، أو أنه سيعمل على إحداث تغيير جذريٍّ في التوجهات الخارجية البرازيلية على نحو ما بدأه الرئيس الحالي ذي التوجهات اليمينية «ميشال تامر»، من التوجّه نحو توطيد العلاقات مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وإعادة النظر في سياسات الشراكة مع دول الجنوب، وفي القلب منها العلاقات مع إفريقيا، والتي ترسخت خلال عهد «دا سيلفا»(26)؛ مما يشير إلى أنّ تعزيز الدَوْر البرازيلي في إفريقيا لا يتطلب فقط تحسّن الأوضاع الاقتصادية بالبرازيل، ولكن أيضاً توافر الإرادة السياسية الراغبة في تطوير العلاقات بين الطرفَيْن.
¬خاتمة:
يتضح من خلال رصد أبرز ملامح العلاقات البرازيلية الإفريقية وتحليلها أنّ البرازيل يمكن أن تمارس دَوْراً مهمّاً في دعم جهود التنمية والأمن في إفريقيا، لأسباب عديدة، منها: قربها الجغرافي وعلاقاتها التاريخية بدول القارة، وكبر الحجم (خامس أكبر دولة على مستوى العالم من حيث عدد السكان والمساحة)، وقوتها الاقتصادية الكبيرة باعتبارها سادس أقوى اقتصاد على مستوى العالم، فضلاً عن النجاحات السياسية التي حقّقتها بعد عقودٍ طويلة من الحكم العسكري الاستبدادي، إلى جانب ارتفاع المستويات التعليمية لمواطنيها، وخبرتها الواسعة في مواجهة المشكلات البيئية الصعبة، والتي تتشابه مع الدول الإفريقية.
وعلى الرغم من ذلك؛ فإنّ حفاظ البرازيل على مكانتها بوصفها قوة صاعدة في إفريقيا مرهونٌ- بدرجةٍ كبيرة- بتوفير التمويل اللازم لزيادة مشروعات التعاون الإنمائي والمنح والمساعدات، وهو ما يصعب تحقّقه في الوقت الراهن.
ويمكن للبرازيل أن تخفّف من التداعيات السلبية لتراجع معدّل النمو الاقتصادي على دَوْرها في إفريقيا، وذلك من خلال تعزيز مبادرات التعاون مع بعض الشركاء الآخرين داخل القارة، وكذلك من خلال الاستفادة من التنوّع الراهن لمجالات التعاون مع بلدان القارة، والتي لا تتطلب بالضرورة ضخ استثمارات كبيرة؛ مثل نقل المعرفة وتبادل الخبرات.
علاوةً على أنّ طرح نموذج التعاون الإنمائي البرازيلي مع إفريقيا، باعتباره يقوم بالأساس على فكرة التضامن بين بلدان الجنوب، من الأمور المثيرة للجدل، ومن الدلائل على ذلك قيام البرازيل بإسناد مهام تنفيذ برامج التعاون للعديد من شركاتها الوطنية، فضلاً عن اهتمام شركاتها الزراعية بالتوسّع في استخدام الإيثانول في إفريقيا (الوقود المستخلص من قصب السكر) لما للبرازيل من خبرةٍ كبيرةٍ فيه، مما يؤدي إلى استهلاك الأرض والعمل ورأس المال، التي كان من الممكن استغلالها لزراعة المحاصيل التي تُساهم في تحقيق الأمن الغذائي لشعوب القارة، أو دعم صغار المزارعين الأفارقة, مما يعني أنّ التعاون تحرّكه المصالح التجارية والاستثمارية الوطنية؛ وليس فقط الرغبة في دعم جهود التنمية في إفريقيا.
هذا بالإضافة إلى المبالغة في التأكيد على مبدأ التراث المشترك، خصوصاً أنّ إفريقيا قارةٌ متنوعة للغاية، وحتى الآن لم يتمّ التوسّع في مجال الدراسات الإفريقية داخل الجامعات ومعاهد البحوث البرازيلية، مما يعني وجود الحاجة إلى معرفة أعمق وفَهْمٍ أفضل من قِبل البرازيل للظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للبلدان الشريكة داخل القارة الإفريقية، والتي لا تشبه مثيلاتها في البرازيل بصورةٍ دائمة.
الهوامش والاحالات :
(*) باحثة متخصّصة في شؤون أمريكا اللاتينية.
(1) Marcus Vinicius de Freitas,” Brazil and Africa: Historic Relations and Future Opportunities”, Policy Brief, February 8, 2016.
(2) Daniel Flemes,”Emerging Middle Powers’ Soft Balancing Strategy: State and Perspectives of the IBSA Dialogue Forum”, GIGA Working Paper, No. 57, Hamburg: German Institute of Global and Area Studies, 2007.
(3) Paulo Roberto De Almedia, “New Powers for Global Change?, Brazil as a Regional Player and an Emerging Global Power: Foreign Policy Strategies and the Impact on the New International Order”. FES, Briefing paper, No.8, July 2007, P.173.
(4) Alfredo Cabral and Priya Shankar, “Brazil Rising: the Prospects of an Emerging Power”, Foresight, 1 July 2011, http://www.policy-network.net/publications_detail.aspx?ID=4026, P.12.
(5) Maag, Isabelle. “Brazil’s Foreign Economic Policy: South –South, North-South or Both?”. FES briefings paper, Geneva, March 2005.
(6) Marcus Vinicius de Freitas, Op.Cit.
(7) Ministry of External Relations, “Brazilian Foreign Policy Handbook”, (Brasilia, 2008), www.funag.gov.br, P.165- 167.
(8) Brazil, Ministry of Foreign Affairs, http://www.itamaraty.gov.br/en/
(9) André de Mello e Souza, “Brazil’s Development Cooperation in Africa: A New Model?”, In: papers of the fifth brics academic forum, BRICS and Africa Partnership for Development, integration and Industrialization , P.99.
(10) من الجدير بالذكر: أنّ خمساً من هذه الدول الإفريقية: (أنجولا – موزمبيق – ساوتومي وبرنسيب – غينيا بيساو – الرأس الأخضر) كانت مستعمرات برتغالية حتى حصولها على الاستقلال، أما الدولة السادسة (غينيا الاستوائية)؛ فقد كانت مستعمرة إسبانية عند استقلالها، ولكنها خضعت للاستعمار البرتغالي في فترة تاريخية سابقة.
(11) Frank Mattheis, “Brazil as a Security and Development Provider in Africa: Consequences and Opportunities for Europe and North America”, IAI WORKING PAPERS 16 | 21 – SEPTEMBER 2016, P.6.
(12) The African Development Bank Group, “Brazil’s Economic Engagement with Africa”, Africa Economic Brief, Vol. 2, Issue 5, 11 May, 2011, PP.2-4.
(13) “joint debate Statement by Mr. Sergio Rodrigues dos Santos Minister Plenipotentiary 17 October 2012: 67th Session of the General Assembly New Partnership for Africa’s Development: progress in implementation and international support 2001-2010: Decade to Roll Back Malaria in Developing Countries”, www.nepad.org/sites/default/files/Brazil.pdf
(14) “ECOWAS, Brazil agree new initiatives to bolster collaboration“,
http://www.panapress.com/ECOWAS,-Brazil-agree-new-initiatives-to-bolster-collaboration–12-538269-100-lang2-index.html
(15) Ibid, P.8.
(16) Paulo Sotero, “Brazil as an Emerging Donor: Huge potential and growing pains”, Special Report, Development Outreach, World Bank Institute, 11 October 2010, elibrary.worldbank.org/…/deor_11_1_18.pdf?.
(17) André de Mello e Souza, “Brazil’s Development Cooperation in Africa: A New Model?”, Op.Cit, PP.98-99.
(18) The World Bank & IPEA, Op.Cit, PP.33-38.
(19) Ibid, PP.102-104.
(20) Frank Mattheis, Op. Cit., P.5.
(21) Ibid”, PP.6-8.
(22) Carolina Milhorance de Castro, “Brazil’s post-Lula foreign policy: Where Does Africa Fit In?”, Afrique contemporaine, Vol. 248, April 2013, PP. 45-59.
(23) When Brazil Minister Forgot South Africa Is A BRICS Member: Is The Party About To End?”, www.roguechiefs.com/2016/11/21/brazil-minister-forgot-south-africa.
(24) André de Mello e Souza, “Brazil’s Development Cooperation in Africa: A New Model?”, Op.Cit, PP.104- 105.
(25) Marcus Vinicius de Freitas, “Brazil and Africa: Historic Relations and Future Opportunities”, Policy Brief, February 8, 2016, http://www.gmfus.org/publications/brazil-and-africa-historic-relations-and-future-opportunities.
(26) Brazil’s new government could signal a new direction for its relationship with African countries, http://blogs.lse.ac.uk/africaatlse/2016/11/07/brazils-new-government-could-signal–
a-new-direction-for-its-relationship-with-african-countries/, November 7th, 2016.