جهاد عمر الخطيب (*)
حالة من الزَّخَم الحقيقي اكتنفت المشهد السياسي الإفريقي في الستينيات من الألفية المنصرمة إثْر استقلال غالبية الدول الإفريقية وخَلاصها من القبضة الاستعمارية. وكان مرجع هذا الزخم الوعود التي أطلقها القادة الأفارقة، آباء الاستقلال، فيما يتصل ببناء دولة وطنية تجمع شمل المكونات المجتمعية قاطبةً على اختلاف ضروبها الثقافية والدينية والعرقية واللغوية. وقد قُوبِلَت تلك الوعود بثورة توقعات وآمال لطالما داعبت خيال الأفارقة في حياة أفضل. بيْدَ أنَّ السياسات التي انتهجتها الزعامات الإفريقية والممارسات التي اضطلعوا بها قد أبت الإتيان بما تشتهيه الأنفس. وبمرور الوقت تنكَّر أولئك القادة للوعود التي أطلقوها آنفًا، وأوصدوا الباب أمام أية محاولات من شأنها أن تحقَّق ما نسجوه لمواطنيهم في خطبهم الرنانة وشعاراتهم الجوفاء.
ولم يألُ القادة الأفارقة جهدًا في تكريس زعامتهم، وبَذْلوا جهودًا مضنيةً بغية الاستئثار بالسلطة السياسية استمرارًا لما يحظوْن به من مكتسبات اقتصادية واجتماعية ترتِّبها المناصب السياسية التي تقلَّدوها، وسلكوا في ذلك كل مسلك. ولعلَّ أبرز الطرائق التي ركن إليها أولئك في دعمهم لسلطانهم، تسييس الإثنية وتعميق الهُوَّة بين مختلف الجماعات القاطنة للدولة لا سيما الدول ذات الطبيعة المجتمعية التعدُّدية استنادًا إلى الإرث الاستعماري الذي أحدث شقاقًا وأسَّس لأنماط تفاعلية يَغْلب عليها الطابع الصراعي بين تلك المكونات وبعضها البعض لتذهب طموحات الاندماج الوطني التي أثيرت في الفترة التالية للاستقلال مباشرةً أدراج الرياح.
ولم تكن الدولة الكينية بمنأى عن ذلك. وعلى هدي تلك المقدمة، تناقش الورقة إشكاليات الوضع السياسي الكيني الراهن بإيلاء القدر الأكبر من الاهتمام إلى ممارسات الطبقة الحاكمة فيما يتعلق بتسييس الإثنية. هذا إلى جانب تسليط الضوء على السياسات الاستعمارية البريطانية التي أوجدت الأساس المتين، إنْ جاز التعبير، لتعميق الانقسامات وتذكية الوعي الكيني بالتمايزات الإثنية فضلاً عن تناوُل ممارسات أخرى تقاطعت فيها جُلّ الطبقات التي تعاقبت على حكم كينيا من قبيل تركيز السلطات جميعها في يد شخص الرئيس، وكذا إقصاء المعارضة والتنكيل بالخصوم السياسيين واستخدام الدولة كمطيَّة لتحقيق الإثراء الفاحش والتراكم الفردي. وكلها عقبات تقف كحجر عثرة ليس فقط أمام المسار الديمقراطي وإنما تقوِّض الاستقرار المجتمعي لأية دولة.
المنهاجية البحثية للدراسة:
وفيما يتصل بالمنهاجية البحثية Methodology التي أمكن الركون إليها، فهي النموذج النُظمي المطوَّر الذي قدَّمه وليام باورز، والذي انطلق من نقد أطروحة ديفيد إيستون فيما يتعلق نموذج المدخلات- المخرجات؛ فإيستون كان يرتئي أن عملية التحويل، أي تحويل المدخلات إلى مخرجات، والتي أطلق عليها الصندوق الأسود Black Box هي عملية محايدة؛ كون النظام السياسي يستقبل المدخلات من البيئة المحلية فقط، ويحولها إلى مخرجات دونما تدخُّل.
بيْدَ أن باورز ارتأى أن عملية التحويل ليست بهذه الحيادية؛ فالنظام السياسي له أهداف وغايات يسعى لتحقيقها ومن ثم قد تُشكِّل هذه الأهداف مدخلاتٍ جديدة (غير نابعة من البيئة المحلية بل نابعة من النظام السياسي ذاته)، وقد تتعارض هكذا مدخلات مع المدخلات النابعة من البيئة المحيطة، فتأتي مدخلات النظام السياسي على شاكلة التوفيق والمواءمة بينهما (1), وقد تشهد تغليبًا أو ترجيحًا لأهداف ومدخلات النظام على مدخلات البيئة. وبالتطبيق على الحالة الكينية، نجد أن جُلّ الأهداف التي يتمحور حولها النظام إنما تتمثَّل بالدرجة الأولى في الحفاظ على السلطة لاستمرار الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي تضفيه السلطة على صاحبها وجماعته الإثنية، ومن ثَمَّ اتجه النظام إلى ممارسات تتعلق بتسييس الإثنية واستغلال سلطاته لتحقيق تراكم رأسمالي. وهذه الممارسات قد أفضت إلى مخرجات تهدِّد كثيرًا المسار الديمقراطي للدولة من قبيل العنف الإثني، وأنماط التصويت الانتخابي الجامدة القائمة على اعتبارات إثنية فضلاً عن استنزاف مقدرات الدولة والنهب “الممنهج” لثرواتها أو بمعنى أدق “الفساد السياسي”.
الإثنية وإشكالية بناء الدولة في كينيا: التعريف بالمفهوم والأبعاد
تعجُّ القارة الإفريقية بصفة عامة وإفريقيا جنوب الصحراء على وجه الخصوص بالجماعات الإثنية، التي تتباين بدرجة كبيرة من حيث اللغة والعادات والتقاليد والثقافة والدين والثقل الديموجرافي. وقد تفرَّقت الأدبيات شِيَعًا فيما يتصل بمفهوم “الإثنية” Ethnicity؛ إذ ركَّز البعض بصورة حصرية على الأبعاد المادية والفسيولوجية للظاهرة، ومرادفة إيَّاها بمفهوم “العِرْق” Race، وفريق آخر قد أَوْلَى القدر الأكبر من الاهتمام صوب الأبعاد الاجتماعية والثقافية للمفهوم الإثنية. فقد عرَّفت الموسوعة البريطانية، على سبيل المثال لا الحصر، الإثنية على أنها جماعة أو فئة اجتماعية يرتبط أفرادها بأواصر عدة مشتركة من العرق واللغة القومية والثقافة. وثمة تعريفات أخرى لمفهوم “الإثنية” تُرداف بينه وبين “الأقلية” Minority. وهذه التعريفات قاطبةً تتلاقى، على اختلاف ضروبها ودلالاتها، في الشق المتعلِّق بالهوية أو مدركات الأفراد لذواتهم؛ فالإثنية رابطة ثقافية اجتماعية تشكِّل الطريق الذي ينظر من خلاله الأفراد لأنفسهم وإلى الآخرين (2).
وبالحديث عن التعددية الإثنية كظاهرة تُميِّز غالبية المجتمعات الإفريقية، نُجْمِل أبرز أبعاد مفهوم “الإثنية” في النقاط التالية:
أولاً: اسم جامع يتم من خلاله تمييز الأفراد المنتمين لجماعة إثنية بعينها عن غيرهم من أفراد الجماعات الأخرى. وفي الأغلب الأعم يُسْتمد هذا الاسم من أحد كبار الأسلاف أو بعض الآلهة (3).
ثانيًا: أسطورة الأصل المشترك، إذ تعمد كل جماعة إثنية إلى خلق أسطورة تدلِّل من خلالها على الأصل المشترك الذي يجمع بين جُلّ أفراد الجماعة الإثنية. وتتسم تلك الأساطير بقدر كبير من التعقيد والتركيب وتتمحور حول الهجرات التي اضطلع بها كبار الأسلاف، والعصور الذهبية للجماعة الإثنية.
ثالثًا: التاريخ المشترك، فإلى جانب الأصل المشترك، هنالك التاريخ أو الماضي (4) الذي يجمع بين مختلف أفراد الجماعة الإثنية، ويحقِّق الارتباط بين مختلف أجيال الجماعة. فالخبرات المتراكمة للجماعة على مرِّ العصور الزمنية تمثِّل وعاءً يمكن من خلاله تفسير مختلف الأحداث على شاكلة محددة وصياغة مدركات الجماعة نحو قضايا بعينها.
رابعًا: الثقافة المميِّزة لأعضاء الجماعة الإثنية عن غيرهم من أعضاء الجماعات الإثنية الأخرى. وهذه الثقافة تشمل اللغة والعادات والتقاليد والملبس وغيرها من المظاهر الثقافية التي تخلق انسجامًا بين أبناء الجماعة الإثنية الواحدة.
خامسًا: الارتباط بإقليم جغرافي محدد، إذ لا بد أن ترتبط الجماعة الإثنية بمساحة جغرافية معينة. وقد تكون تلك المساحة هي الموطن الذي تعيش فيه الجماعة. وفي بعض الأحيان، قد تختلف تلك المساحة الجغرافية عن الموطن الذي تعيش فيه الجماعة الإثنية، وذلك في حالة الجماعات المهاجرة أو قد يكون ذلك نتاجًا للحدود الاصطناعية التي رسمها المستعمر مما أفضى إلى فصل الجماعة الإثنية الواحدة بين العديد من الدول. لكن على أيِّ حال، تظل تلك الرقعة أو المساحة الجغرافية، بما تحمله من قيمة رمزية، عالقة في أذهان الجماعة الإثنية، وإليها تهفو أفئدتها حتى لو حتَّمت عليها الظروف العيش في موطن آخر (5).
سادسًا: شعور عام بالتضامن بين مختلف أبناء الجماعة الإثنية؛ فالتاريخ المشترك والمساحة الجغرافية وأسطورة الأصل المشترك والثقافة تمثِّل أركانًا ودعائمَ أساسية لا بد أن تفعل فعلتها في خلق هوية مشتركة وعقل جمعي يؤلِّف بين أعضاء الجماعة الإثنية. وهذا الشعور العام بالتضامن يتجلَّى بين الفنية والأخرى في مطالب الجماعة وتطلعاتها. ولولا هذا الشعور، لأضحت الإثنية عديمة الجدوى في خلق هوية مشتركة لأتباعها.
والتعددية الإثنية لا تمثِّل بأية حال عائقًا أمام التداول السلمي للسلطة؛ فالتعدد والتنوع هو سنة الله في كونه. بيْدَ أن الإشكالية الحقيقية تكمن في كيفية إدارة هذا التعدد الإثني. وقد طُرِحت قضية إدارة التعددية الإثنية خلال الفترة التالية لاستقلال الدول الإفريقية مباشرةً بُغية الوصول إلى صِيَغ ملائمة يمكن من خلالها إدارة تلك التعددية المجتمعية بكفاءة وفاعلية. الأمر الذي دفَع النُّظُم الحاكمة إلى تبنِّي سياسات رامية إلى تحقيق الاندماج الوطني وصولاً إلى بناء دولة وطنية تنصهر في بوتقتها مختلف الجماعات الإثنية، ويتم في إطارها إعلاء الولاءات الوطنية على غيرها من الولاءات والانتماءات دون الوطنية كالانتماءات الدينية والإثنية والقبلية وغيرها من الانتماءات، التي تتسم بقدر كبير من المحدودية والانغلاق.
وقد تفاوتت السياسات الاندماجية التي عمدت إليها الطبقات الحاكمة تحقيقًا للاندماج الوطني ما بين سياسات اندماجية قسرية وأخرى سلمية طوعية. وهذه السياسات جميعها قد مُنيت بالإخفاق في إدارة التعددية الإثنية حتى السلمية منها؛ ذلك لأنها قد انطوت بالأساس على إجراءات دستورية شكلية أفرغت السياسات المتبعة من مضمونها الحقيقي فيما يتصل باقتسام السلطة Power Sharing وإعمال آليات الديمقراطية التوافقيةConsociational Democracy بما يخلق شعورًا من الأمن والثقة المتبادلة بين مختلف الجماعات الإثنية في إطار الدولة الإفريقية. بل إن الأمر لم يتوقف عند الفشل في بناء الدولة الوطنية فحسب، إنما نجد أنَّ كثير من القادة والزعماء الأفارقة قد سيَّسوا تلك التعددية، واستغلوها كذريعة لتبرير سياساتهم الاستبدادية، فأوصدوا الباب أمام موجات التحوُّل نحو الحكم الرشيد بما يعزِّز استئثارهم، وجماعاتهم، بالسلطة السياسية (6). فأصبحنا بصدد الحديث عمَّا بات يُعْرف بالإثنية المسيَّسة Politicized Ethnicity (7), وتطرَّف القادة الأفارقة في استغلال التعددية الإثنية كحجة للتمادي في “منح” الجماعة الإثنية التي ينتمون لها و”منع” بقية الجماعات الأخرى من الاضطلاع بدور فاعل والمشاركة في العملية السياسية.
وكنتاج منطقي لتلك الممارسات، أضحت المنافسة السياسية في الدول الإفريقية مسألة حياة أو موت؛ فالفائز يفوز بكل شيء Winner take all والطرف الخاسر يخسر كل شيء، وحينما نتحدث عن أطراف المنافسة السياسية، فإن الأمر على أرض الواقع يتخطى مجرد طرف أو شخص المتنافس ليتجاوزه إلى الجماعة الإثنية التي ينتمي لها كلا الطرفيْن الفائز والخاسر، ومن ثَمَّ تحوَّلت العملية السياسية في المجتمعات الإفريقية ذات الطبيعة التعددية إلى صراع على الموارد الاقتصادية، وليس صراعًا على المناصب والمكتسبات السياسية فحسب (8).
وبالنظر إلى الدولة الكينية موضوع الدراسة، يتضح بشكل جليِّ أنها لم تكن بأوفر حظًّا عن غيرها من دول إفريقيا جنوب الصحراء فيما يتعلق ببناء دولة وطنية nation state تنصهر في بوتقتها الجماعات الإثنية التي تشكِّل جميعها التركيبة الديموغرافية لكينيا. ومن ثم ظلت الإثنية حاضرة وبقوة في الحياة السياسية الكينية؛ ولذا تُطْرح إشكالية الاندماج الوطني لا سيما في أعقاب موجات العنف الإثني Ethnic Violence التي تضرب كينيا بين الفنية والأخرى.
وإذا ما سلَّطنا الضوء على التركيبة الإثنية الكينية، نجد أن كينيا تتسم بكونها دولة ذات طبيعة مجتمعية تعددية؛ إذ تزخر بالعديد من الجماعات الإثنية، وأبرزها خمسة جماعات تُعْرف بـالخمسة الكبار The “big-five“، ألا وهي الكيكويو واللوهايا وكالنجين والليو (9), فضلاً عن جماعتي الماساي وناندي. إلى جانب الجماعة الصومالية في شمال وشرق كينيا (10), التي تُعَد أقل الجماعات الكينية شعورًا بالهوية الوطنية، مما أسفر عن بزوغ مطالب انفصالية عدة لتلك الجماعة. الأمر الذي يقلِّل كثيرًا من احتمالات دمج هكذا جماعة في النسيج المجتمعي الكيني.
ورغم أن المرحلة التالية لاستقلال كينيا مباشرة في عام 1963م شهدت خطابًا وطنيًّا يدعو إلى وحدة تلك الجماعات على اختلافها وتأجيج الشعور الوجداني بينها، والتأكيد على ضرورة استيعاب تلك الجماعات جميعها دونما اللجوء إلى أية وسائل قسرية فضلاً عن استمالة الأقليات الصومالية واحتواء مطالبها الانفصالية إلا أن هذا كله لم يؤتِ بثماره؛ ذلك لأن الأمر لم يكن يتجاوز خطب رنَّانة وشعارات جوفاء، واضطلعت الطبقة الحاكمة بممارسات عدة كان من شأنها إيجاد قنوات لتوزيع القيم السياسية والاقتصادية بما يتفق وهوى النظام الحاكم ويتسق ومصالح جماعته الإثنية والجماعات المتحالفة معها، كما ساهمت تلك الممارسات في تذكية الوعي الإثني وتعميق الانقسامات والفوارق الإثنية وتأجيج النزعة العدائية بين مختلف الجماعات.
ومن أبرز الشواهد على ما اقترفته الطبقة الحاكمة في كينيا من توظيف سياسي للصراع الإثني؛ استغلال رئيس كينيا السابق دانييل آرب موي في مارس 1992م لجناح الشباب في حزبه كانو KANU “اتحاد كينيا الوطني الإفريقي”، وإيعازه لفرقة مسلحة من شباب الحزب بمهاجمة مساكن المزارعين والطلاب من جماعة ليو مما أسفر عن سقوط قتيليْن وإصابة العشرات ليندلع صراع إثني بين جماعتي كالنجين، وإليها ينتمي موي، وجماعة ليو. ولم تقتصر المواجهات الدامية على جماعتي كالنجين وليو، بل امتدت لتشمل جماعة كيكويو أيضًا؛ إذ أفضت الاشتباكات بين جماعتي كالنجين وكيكويو إلى وقوع نحو ثمانية قتلى.
وقد تجددت الاشتباكات بين جماعتي الكيكويو وكالنجين مرة أخرى في أبريل من العام ذاته، أي بعد شهر من اندلاع اشتباكات مارس 1992م، لترتفع حصيلة الضحايا إلى 13 قتيلاً ونزوح قرابة ثلاثة آلاف مواطن خارج قراهم. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تجدَّدت المواجهات المسلحة مرة أخرى في عام 1995م للحيلولة دون عودة بعض الأسر النازحة إلى قراهم. وكانت المواجهة آنذاك بين الشرطة الكينية وجماعة مسلحة من جماعة كالنجين واستمرت قرابة أسابيع ثلاث لتسفر عن وقوع عشرة قتلى (11),
وفي أعقاب الإعلان عن فوز مواي كيباكي في انتخابات عام 1997م، اجتاحت البلاد موجة عارمة من العنف الإثني الموجَّه ضد جماعة كيكويو، التي ينتمي إليها كيباكي. وقد بدأت تلك الأعمال العنف الانتقامية في قرية ميرجويت Mirgwit لتنتقل منها إلى قرى أخرى في إقليم الوادي المتصدع. وبطبيعة الحال، اضطلعت بتلك العمليات الهجومية جماعتا كالنجين وسامبورو.
وقد انزلقت كينيا إلى عنف إثني تلا انتخابات ديسمبر 2007م؛ لعلَّه الأشد وطأة والأكثر دموية مما قد أشرنا إليه آنفًا في عهدي موي وكيباكي؛ إذ يكفي أن نذكر في هذا السياق محصلة أحداث العنف الانتخابي في 2007م، والتي أسفرت عن سقوط نحو ألفي قتيل، وتشريد نحو 600 ألف كيني خلال شهرين فقط، وهما يناير وفبراير لعام 2008م؛ أخذًا في الاعتبار محصلة أحداث العنف الإثني التي شهدتها البلاد منذ مطلع تسعينيات الألفية المنصرمة حتى عام 2001م، والتي خلَّفت نحو أربعة آلاف قتيل ونزوح نحو600 ألف آخرين (12).
هذه الشواهد وغيرها تدلِّل بما لا يدع للشك مجالاً على تداعيات الإثنية على الاستقرار السياسي والديمقراطي لكينيا؛ فالإثنية ليست معضلةً في حد ذاتها، بل توظيفها لأغراض احتكار السلطة والمقدرات الاقتصادية في يد الجماعة الإثنية الحاكمة. فمنذ الاستقلال، جعل القادة الكينيون المناصب السياسية والبيروقراطية حكرًا على أعضاء جماعتهم والموالين لهم من أعضاء الجماعات الأخرى (13).
فعلى سبيل المثال، نجد أن رؤساء الهيئات والقطاعات الحيوية في كينيا في وقتنا الحاضر كالبنك المركزي الكيني وشركة كينيا لتوليد الكهرباءKenya Electric Generating Company، وهي أهم شركة تعمل في مجال توليد الطاقة الكهربائية في إقليم شرق إفريقيا، هم أبناء جماعة الكيكويو، وهذا ينصرف إلى ما يمكن أن نُطْلق عليه العلاقات أو السياسات الزبائنية Political Patronage، والتي تُفْضِي في هذه الحالة إلى إثنية المؤسسات السياسية والاقتصادية، ومن ثَمَّ تلقي هذه السياسات بظلالها على عدم المساواة في توزيع القيم السياسية والاقتصادية بين مختلف الجماعات الإثنية، وتحويل جهاز الدولة إلى أداة لمنح الامتيازات للأنصار والموالين إعمالاً لقاعدة “الفائز يفوز بكل شيء” سالفة الذكر (14).
الإرث الاستعماري وتكريس الهوَّة بين الجماعات الإثنية في كينيا:
لكل إشكالية جذور، وليست ثمة مبالغة في إرجاع غالبية إشكاليات دول إفريقيا جنوب الصحراء، بصفة أكثر تحديدًا، إلى الحقبة الاستعمارية التي أحدثت قطيعة في صيرورة التطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للهياكل والكيانات التي سبقت التكالب الاستعماري التقليدي على القارة الإفريقية في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي ومطلع القرن العشرين (15).
وبالإشارة إلى الحالة الكينية محل الدراسة، نجد أن المستعمر البريطاني قد اضطلع بممارسات وانتهج سياسات عدة أذْكت بدرجة كبيرة الوعي الإثني لدى مختلف الجماعات الإثنية القاطنة لكينيا، وكرَّست بدورها لأنماطٍ من التفاعلات التي يطغى عليها الطابع الصراعي بين الإثنيات الكينية وبعضها البعض.
وقبيل قدوم الاستعمار البريطاني إلى كينيا، عاشت القوميات والجماعات الإثنية بشكل مستقل عن بعضها البعض. ولم تشهد كينيا طوال تاريخها قيام حكومة مركزية تُخْضِع لسلطتها مختلف الجماعات الإثنية الكينية في إطار كيان سياسي موحَّد باستثناء منطقة الشريط الساحلي والجزر المواجهة له، والتي خضعت لسلطان زنجار منذ القرن السادس عشر الميلادي حتى القرن التاسع عشر (16).
ولم يحدث التقاء بين تلك الجماعات الإثنية الكينية في الفترة السابقة على الاستعمار سوى في أغراض التجارة والصراع على الموارد كالأراضي الزراعية ومناطق الرعي والمصاهرة. وكانت كل قبيلة أو جماعة إثنية في كينيا تمثِّل مملكة صغيرة محدَّدة بمناطق وحدود معينة تخضع لسلطانها. لكن هذا لا يعني بأية حال أن تلك الجماعات الإثنية الكينية قد عاشت بمعزل عن بعضها البعض بشكل تام أو أنها افتقدت كليةً الشعور بالتضامن والهوية المشتركة؛ إذ كان هناك قدر ضئيل من ذلك الشعور يتجلَّى حينما تواجه تلك الجماعات تهديدًا مشتركًا؛ كالجفاف أو العدوان من إثيوبيا وأوغندا وغيرهما (17). وقد بلغ هذا الشعور بالتضامن ذروته إبَّان ثورة الماو ماو؛ إذ اندلعت هذه الثورة ضد الاحتلال البريطاني بمشاركة جماعات عدة، كان أبرزها: كالنجين وليو ولوهايو وناندي والماساي والكيكويو. وألقت تلك الثورة بظلالها على العقل الجمعي لتلك الجماعات، التي أدركت وحدة المصير وضرورة التكاتف والضامن للتحرر من القبض الاستعمارية.
وبقدوم المستعمر البريطاني، لم يدخر جهدًا في انتهاج سياسة “فرِّق تسد” للتعاطي مع التعددية الإثنية للمجتمع الكيني في الفترة من 1920م حتى استقلال كينيا في عام 1963م (18).
لقد عمد الاستعمار البريطاني في إطار انتهاجه لسياسة الحكم غير المباشر إلى تقوية مركز الزعامات التقليدية الكينية. وكنتيجة منطقية لذلك، زاد الوعي الإثني لدى الجماعات والقبائل وتمكَّن الاستعمار من فرض القبليِّة Tribalism كمفهوم حاكم للعلاقات بين الجماعات الكينية وبعضها البعض (19), ومن ثَمَّ ازدياد حدة التنافس بين تلك الجماعات على الثروة والمكانة بما يُفْقِد تلك الجماعات أية إمكانية تمهِّد السبيل أمام تحالفها ضد المستعمر؛ إذ تنافست الجماعات الإثنية الكينية إبَّان الحقبة الاستعمارية على القيام بدور الوسيط بين الإدارة الاستعمارية وبقية الجماعات. وكانت الجماعة التي يقع عليها الاختيار تحظى بالعديد من المكاسب الاقتصادية والسياسية تتمثَّل في إتاحة التعليم البريطاني لأبنائها بما يمكِّنهم من الانخراط في الجهاز البيروقراطي للمستعمرة، وكذا تجنيدهم في قوات الشرطة والجيش. وقد لعبت جماعة كامبا في كينيا دور الوسيط، ونالت حظًّا وفيرًا من مزايا النهوض بذلك الدور.
هذه الممارسات الاستعمارية السافرة لإحداث شقاق بين الجماعات الإثنية الكينية بما يُفقدها القدرة على التحالف والتضامن لم تتوقف عند هذا الحدِّ فحسب؛ بل عمدت بريطانيا أيضًا إلى ضم المقاطعة الشمالية الشرقية “أنفدي”، والتي يسكنها صوماليون إلى كينيا (20).
وتتصاعد بين الحين والآخر مطالب الجماعة الصومالية بحق تقرير المصير، والتي تُقابَل بالقوة المسلحة من قِبل الحكومة الكينية. الأمر الذي يشكِّل تهديدًا جليًّا للاستقرار السياسي والمجتمعي في كينيا.
لقد ألقت تلك الممارسات الاستعمارية بظلالها على المشهد السياسي الكيني الراهن، وقوَّضت السياسات الرامية إلى تحقيق الاندماج الوطني وتأسيس دولة وطنية. ناهيك عن السياسات والممارسات التي تنتهجها نُظُم الحكم المتعاقبة على كينيا منذ حصولها على الاستقلال، والتي تُكرِّس لمزيد من الاحتقان والعنف الإثني؛ ذلك لأن كل نظام يُمْعِن في تمكين جماعته وإحكام سيطرتها على مفاصل الدولة السياسية والاقتصادية قاطبةً في مقابل تهميش الجماعات الأخرى وقمعها ليس فقط من خلال الأجهزة الأمنية للدولة، وإنما أيضًا من خلال تشجيعه للميليشيات المسلحة التابعة للجماعات الإثنية، وغض الطرف عمَّا تمارسه من عنف وإرهاب فضلاً عن تأجيج الصراع الإثني بشكل قابل للتحكُّم والضبط من قِبل النظام الحاكم.
ومن هنا اصطبغت العملية السياسية الكينية بصبغة إثنية محضة، ويمكن ملاحظة التداعيات السلبية لتسييس الإثنية على المسار الديمقراطي الكيني بوضوح في ظاهرتي التصويت الإثني Ethnic voting؛ فاتجاهات تصويت الناخبين تخضع بالدرجة الأكبر للاعتبارات الإثنية وليس اعتبارات البرامج والفاعلية، وكذا ظاهرة العنف الإثني المصاحب لأية انتخابات تُجْري في كينيا، ومرجعه بالأساس النظر إلى العملية السياسية باعتبارها صراع على الموارد السياسية والاقتصادية بين الجماعات الإثنية. وهذا لا يهدِّد المسار الديمقراطي فحسب بل يقوِّض استقرار أي مجتمع.
ممارسات الطبقة الحاكمة في كينيا: التغليب لقيم الفاعلية
لم تكتفِ الطبقات المتعاقبة على حكم الدولة الكينية بتسييس الولاءات الإثنية وتوظيف التنافس الإثني لضمان احتكارها للسلطة، وتوجيه جُلّ القيم السياسية والاقتصادية لجماعة إثنية بعينها، واستغلال السلطات المخوَّلة لها بحكم ما تتقلَّده من مناصب لمنح المؤيدين وحرمان المعارضين فحسب، ولكنَّها اقترفت، ولا تزال، ممارسات عدة كان من شأنها تغليب قيم الفاعلية على قيم الشرعية؛ أي: انتهاج كافة السياسات واتخاذ التدابير اللازمة بما يضمن الاحتفاظ بمقعدها في السلطة دونما النظر إلى شرعية Legitimacy هكذا ممارسات. وفي هذا الصدد، سيجري تسليط الضوء على أبرز هذه الممارسات التي تقف كحجر عثرة أمام المسار الديمقراطي الكيني:
أولاً: تغوُّل السلطة التنفيذية (غياب التوازن بين السلطات الثلاث):
يتسم نظام الحكم في كينيا بالجمع بين خصائص كلٍّ من النظام الرئاسي والنظام البرلماني على الطريقة الإفريقية؛ فرئيس الدولة يجب أن يكون عضوًا بالبرلمان، وفي الوقت ذاته يجب أن يرشحه أحد الأحزاب السياسية، كي يجري انتخابه بشكل مباشر من قِبل الشعب. كما أن الوزراء يجب أن يكونوا أعضاءً بالبرلمان، وتُعَد الحكومة مسئولة أمام البرلمان الكيني (الجمعية الوطنية) (21).
هذا المزج بين خصائص نظامي الحكم البرلماني والرئاسي أضرَّ كثيرًا بالممارسة السياسية في كينيا؛ كونه أفضى إلى تكريس السلطات قاطبة في شخص رئيس الدولة؛ فرئيس الدولة هو رئيس للحكومة أيضًا وعضو بالبرلمان، كما أنه يتمتَّع بالعديد من السلطات والصلاحيات الأخرى، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، أن معظم المؤسسات الكينية كالقضاء والبرلمان واللجنة الانتخابية Electoral Commission خاضعة لإشراف رئيس الدولة كونه يعيِّن رؤساء تلك الهيئات، كما أن له سلطة حلّ البرلمان فضلاً عن تحكُّمه بالميزانية الفيدرالية. وهذه السلطات مخوَّلة لمنصب رئاسة الدولة منذ الفترة الاستعمارية وإنْ طرأ تغيير طفيف عليها في أعقاب الاستقلال. لكن على أية حال، لا يزال لرئيس الدولة سلطته في تعيين رؤساء ومشرفي الأحياء اللجان المحلية District Commissioners المختصة بتدبير شئون الصحة والتعليم والنقل والمواصلات، والتي تعمل كـ “حكومة ظل” تخضع لهيمنة رئيس الدولة الكينية (22).
ولعلَّ من أبرز الأمثلة الصارخة على تغوُّل السلطة التنفيذية وغياب التوازن بين سلطات الدولة الثلاث، إحكام الرئيس موي قبضته على أعضاء الجمعية الوطنية؛ مما أفضى إلى تعديلهم للدستور الكيني بما يخوِّل الرئيس سلطة تعيين كبار موظفي الدولة المدنيين، وفصلهم؛ مثل المدعي العام، ومحافظ البنك المركزي، والسكرتير الدائم كي يحل محل النص الدستوري الذي يفرض تشكيل لجنة من ثلاثة قضاة للبتّ في تعيين أو فصل شاغلي هذه المناصب المدنية.
لم يتوقف سعي موي الدائم إلى تركيز كل السلطات في يده عند هذا الحد فحسب؛ إذ أعلن في نوفمبر 1986م أن حزب كانو الحاكم له السيادة على البرلمان والمحكمة العليا. وفي الشهر التالي لذلك التاريخ، أعلنت قياد حزب كانو أنَّ الوزراء مسؤولون أمام الحزب ومطالبون بالاجتماع بصفة دورية لتقديم تقارير لقيادة الحزب حول أداء وزاراتهم. أضِفْ إلى ذلك أن الوزراء قد أضحوا مطالبين بالامتثال لما يتخذه الحزب من قرارات (23).
ثانيًا: الدولة كأداة للإثراء والتراكم الفردي
ارتأت مدرسة التحليل الطبقي أنَّ العلاقة بين السلطة السياسية والوضع الاجتماعي والطبقي للفرد في الدول الإفريقية إنما هي علاقة معكوسة؛ فالفرد في تلك الدول تتحدَّد مكانته الاجتماعية وفقًا لموقعه في السلطة وليس العكس. (24)؛ ومن هنا، أضحت العملية السياسية الإفريقية، كما أشرنا آنفًا، لعبة صفرية أو مسألة حياة أو موت؛ ولذا يتعيَّن على الفرد أن يحافظ على موقعه داخل السلطة كي يحافظ على وضعه الاجتماعي والمكتسبات الاقتصادية التي يرتِّبها هذا الموقع، وبالتالي فإن فَقْدَ المنصب السياسي يعني بالضرورة فَقْدَ الوضع الطبقي والاجتماعي للفرد. وهذا المنصب ينبغي الحفاظ عليه مهما تطلَّب الأمر، سواءٌ كانت الوسائل مشروعة أم غير مشروعة. الأهم أن تكون فاعلة للاستمرار في السلطة (25).
وإمعانًا في تحقيق تلك المكتسبات الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بالمنصب السياسي، انطلقت الطبقات الحاكمة في الدول الإفريقية تستغل كافة السلطات المخوَّلة لها للإثراء الفاحش والتراكم الفردي غير المشروع (26), وعلى هذه الشاكلة، استخدمت الطبقة الحاكمة في كينيا الدولة كأداة لاكتناز الثروات وتحقيق التراكم، وأضحت السلطة السياسية الكينية سبيلاً للرخاء المادي وتراكم رأس المال. هذا التراكم الرأسمالي لا يتحقَّق فقط لشخص الرئيس والدائرة المحيطة به وإنما يمتد أيضًا لجماعته الإثنية والموالين له، ومنحهم العديد من الامتيازات كالحصول على عقود وتراخيص للقطاع الخاص ومزايا في ميدان النشاطات التجارية وامتلاك المزارع والفنادق وشركات التأمين والنقل وتجارة الصادرات والواردات (27).
ونتاجًا لاستغلال المنصب السياسي للتربح والكسب غير المشروع، بلغ الفساد السياسي مبلغه في كينيا. ولا أدلَّ على ذلك من النتائج التي توصَّل إليها التقرير؛ الذي قدَّمته مجموعة من الخبراء الدوليين في أبريل 2004م؛ بناءً على خطوة بادرت بها الحكومة الكينية لتقدير حجم الخسائر التي تكبدتها كينيا في إطار النهب “الممنهج” لثروات البلاد ومقدراتها في عهد موي، والتي أفادت بأنَّه أكثر من مليار شلن تم نهبها خلال فترة حكم موي فضلاً عمَّا تمتلكه عائلته من أصول وثروات تنتشر في 28 دولة.
ورغم الوعود التي أطلقها أوهورو كينياتا في أعقاب إعلانه رئيسًا لكينيا في عام 2013م بجعل الحكومة أكثر شفافية ومكافحة الفساد بمختلف صوره لا سيما الفساد السياسي إلا أنه وفقًا لتقرير نشره مجلة فوربس، جاء تصنيف أوهورو كينياتا في المرتبة الـ23 من بين أغنى رجال إفريقيا، وقُدِّرت ثروته بنحو 500 مليون دولار أمريكي (28).
ثالثًا: إقصاء المعارضة والتنكيل بالخصوم السياسيين
كنتاج منطقي لتركيز السلطات الثلاث في يد شخص الرئيس وتغوُّل السلطة التنفيذية على كلا السلطتيْن التشريعية والقضائية، فضلاً عن النظرة السائدة للسلطة السياسية باعتبارها سبيل الرخاء المادي واكتناز الثروات، لم تدخر الطبقات الحاكمة جهدًا في تهميش المعارضين وإقصائهم والتنكيل بهم. ولم يتوقف الأمر عند شخوص المعارضين بل امتدَّ بالتبعية ليشمل جماعاتهم الإثنية. وهذا ما قد أشرنا إليه في السابق من ممارسات وصلت حد دعم الطبقات الحاكمة لميليشيات مسلحة لجماعات إثنية بعينها بُغية الاعتداء على جماعات أخرى مما أسفر عن سقوط آلاف الأبرياء وتهجير آخرين من مواطن إقامتهم.
وثمة شواهد عدة في هذا الصدد؛ أبرزها الطموح الجارف للرئيس موي لتركيز السلطات قاطبًة في يده وإقصاء المنافسين والمعارضين له؛ إذ اضطلع بتزوير أول انتخابات حزبية عامة أُجْريت عقب توليه مقاليد الحكم في عام 1979م؛ للتخلص من منافسيه. وقد أُرْسِلت قوات من وحدة الخدمة المركزية، وهي قوات خاصة لضبط العملية الانتخابية، ودُفِعَ المواطنون دفعًا لمقار اللجان الانتخابية للإدلاء بأصواتهم وتأييد الرئيس موي.
كما لجأ موي أيضًا إلى انتهاج سياسة “العصا والجزرة”، وتمثَّل ذلك في تقديم الامتيازات والقروض المالية للموالين له من جماعات كالنجين والماساي ولوهايا في مقابل حرمان المعارضين وجماعاتهم من مزايا مماثلة، واستئصالهم تدريجيًّا من جُلّ مفاصل الدولة ومؤسساتها السياسية والاقتصادية (29).
وصفوة القول أن التعدُّدية المجتمعية للدولة الكينية لا تُعَدُّ إشكالية في حدِّ ذاتها إنما الإشكالية الرئيسة تكمن في تسييس الإثنية. فتأجيج التمايزات الإثنية، وتذكية الوعي الكيني بها لا يصب بأية حال في صالح دولة وطنية تُعلي من قيمة الهوية الوطنية فوق أية ولاءات ضيقة ومحدودة. ولا مواطنة بدون حقوق وحريات وعدالة تكفل لمختلف المكونات الوقوف على قدم المساواة والمشاركة في العملية السياسية، ولا مواطنة بدون ثقافة تُعلي من قيم الحوار والتسامح وقبول الآخر باعتباره شريكًا في الوطن. ثقافة تعزِّز القناعات بأنه لا سبيل لاستقرار مجتمعي بدون تقاسم حقيقي للسلطة والثروة.
الهوامش والإحالات :
(*) باحثة ماجستير في العلوم السياسية والشؤون الافريقية.
(1) د. نصر محمد عارف، أبستمولوجيا السياسة المقارنة: النموذج المعرفي- النظرية- المنهج (بيروت: مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 2002م)، ص 265.
(2) د. محمد عاشور مهدي، التعددية الإثنية في جنوب إفريقيا (بنغازي: أكاديمية الفكر الجماهيري، 2004م)، ص ص 24-27.
(3) د. أحمد أمل محمد إمام، الإثنية والنظم الحزبية في إفريقيا (دراسة مقارنة) (القاهرة: المكتب العربي للمعارف، 2015م)، ص ص 21،20.
(4) د. محمد عاشور مهدي، مرجع سبق ذكره، ص 27.
(5) د. أحمد أمل محمد إمام، مرجع سبق ذكره، ص 21.
(6) د. صبحي علي محمد قنصوة، “الظروف المحلية ومستقبل الديموقراطية في إفريقيا: دلالات التجربة النيجيرية”، معهد البحوث والدراسات الإفريقية (تحرير)، كتاب صادر عن ندوة مصر وإفريقيا (القاهرة: معهد البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة، 1995م)، ص ص 235-237.
(7) د. أحمد أمل محمد إمام، مرجع سبق ذكره، ص 19.
(8) Daisy Maritim Maina, “How Kenya could move away from the policies of ethnicity”, THE CONVERSATION (Date visit: 10/2/2018, Time visit: 4.00 pm), Available at:
https://theconversation.com/how-kenya-could-move-away-from-the-politics-of-ethnicity-77980
(9) The Election Network, “The role of tribalism in Kenya’s presidential elections”(Date visit: 26/1/2018, Time visit: 1.30 am), Available at:
http://theelectionnetwork.com/2017/05/21/role-tribalism-kenyas-presidential-elections/
(10) د. عبد الستار أبو الحسن عدوي غريب، النظام السياسي في كينيا (القاهرة: المكتب العربي للمعارف، 2015م)، ص 170.
(11) د. أحمد أمل محمد إمام، مرجع سبق ذكره، ص ص 598-606.
(12) Jeffrey Hagenmeier,”Elections in Kenya: Tribalism And Violence Continues To Undermine Democracy”, Day Trading Academy (Date time: 13/2/2018, Time visit: 1.00 am), Available at:
https://daytradingacademy.com/elections-kenya-tribalism-violence-continues-undermine-democracy/
(13) The Election Network, Op.cit.
(14) Stephanie Hanson,”Understanding Kenya’s Politics”, Council on Foreign Relations (Date visit 1/2/2018, Time visit: 7.15 pm), Available at:
https://www.cfr.org/backgrounder/understanding-kenyas-politics
(15) د. محمود محمد أبو العينين، “إفريقيا والتحولات الراهنة في النظام الدولي”، ورقة بحثية مقدمة إلى ندوة بعنوان الجذور التاريخية للمشكلات الإفريقية المعاصرة (القاهرة: معهد البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة)، ص 5.
(16) د. عبد الستار أبو الحسن عدوي غريب، مرجع سبق ذكره، ص 42.
(17) المرجع السابق، ص 170.
(18) The Election Network, Op.cit.
(19) د. أحمد أمل محمد إمام، مرجع سبق ذكره، ص 111.
(20) أنور أحمد ميو، “المشروع الكيني في الصومال”، مركز مقديشو للبحوث والدراسات (تاريخ الزيارة: 1/2/2018م، توقيت الزيارة: السادسة مساءً)، متاح على الرابط التالي: http://cutt.us/4zUe2
(21) د. عبد الستار أبو الحسن عدوي غريب، مرجع سبق ذكره، ص 249.
(22) Stephanie Hanson, Op.cit.
(23) د. عبد الستار أبو الحسن عدوي غريب، مرجع سبق ذكره، ص 250.
(24) ترتئي مدرسة التحليل الطبقي أن النظام السياسي متغير تابع للنظام الاجتماعي، وأن أي مجتمع ينقسم إلى وحدات تراتبية نوعية؛ بمعنى أنه في لحظة معينة لا يضحى الفارق بين الوحدات فارقًا اقتصاديًّا واجتماعيًّا فحسب، بل يتحوَّل إلى فارق نوعي أي تصبح بعض هذه الوحدات، نتيجة لوضعها الاقتصادي والاجتماعي، أقرب للسلطة عن غيرها. ومن ثَمَّ فالوضع الاجتماعي للفرد يحدِّد مدى قُربه أو بُعده عن السلطة السياسية. انظر: د. محمد نصر عارف، مرجع سبق ذكره، ص 209.
(25) د. صبحي علي محمد قنصوة، مرجع سبق ذكره، ص 246.
(26) د. إبراهيم أحمد نصر الدين، دراسات في النظم السياسية الإفريقية، (القاهرة: دار اكتشاف للنشر والتوزيع، 2010)، ص 18.
(27) محمد إدريس عبد العزيز إدريس، “مكافحة الفساد السياسي في إفريقيا: دراسة حالة لدول: جمهورية جنوب إفريقيا- كينيا- غانا”، رسالة مقدَّمة لاستكمال متطلبات الحصول على درجة دكتوراه الفلسفة في الدراسات الإفريقية (القاهرة: معهد البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة، 2017م)، ص 112.
(28) المرجع السابق، ص ص 114-116.
(29) د. عبد الستار أبو الحسن عدوي غريب، مرجع سبق ذكره، ص ص 336- 340.
قائمة المراجع
أولاً: المراجع باللغة العربية
1.د إبراهيم أحمد نصر الدين، دراسات في النظم السياسية الإفريقية (القاهرة: دار اكتشاف للنشر والتوزيع، 2010م).
2. د. أحمد أمل محمد إمام، الإثنية والنظم الحزبية في إفريقيا (دراسة مقارنة) (القاهرة: المكتب العربي للمعارف، 2015).
3. د. صبحي على محمد قنصوة، “الظروف المحلية ومستقبل الديمقراطية في إفريقيا: دلالات التجربة النيجيرية”، معهد البحوث والدراسات الإفريقية (تحرير)، كتاب صادر عن ندوة مصر وإفريقيا (القاهرة: معهد البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة، 1995م).
4. د. عبد الستار أبو الحسن عدوي غريب، النظام السياسي في كينيا (القاهرة: المكتب العربي للمعارف، 2015م).
5. محمد إدريس عبد العزيز إدريس، “مكافحة الفساد السياسي في إفريقيا: دراسة حالة لدول: جمهورية جنوب إفريقيا- كينيا- غانا”، رسالة مقدَّمة لاستكمال متطلبات الحصول على درجة دكتوراه الفلسفة في الدراسات الإفريقية (القاهرة: معهد البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة، 2017م).
6. د. نصر محمد عارف، أبستمولوجيا السياسة المقارنة: النموذج المعرفي- النظرية- المنهج (بيروت: مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 2002م).
7. أنور أحمد ميو، “المشروع الكيني في الصومال”، مركز مقديشو للبحوث والدراسات، متاح على الرابط التالي: http://cutt.us/0mIhy
ثانيًا: المراجع باللغة الإنجليزية
8. Daisy Maritim Maina, “How Kenya could move away from the policies of ethnicity”, THE CONVERSATION, Available at:
https://theconversation.com/how-kenya-could-move-away-from-the-politics-of-ethnicity-77980
9. The Election Network, “The role of tribalism in Kenya’s presidential elections”, Available at:
http://theelectionnetwork.com/2017/05/21/role-tribalism-kenyas-presidential-elections/
10. Jeffrey Hagenmeier,”Elections in Kenya: Tribalism And Violence Continues To Undermine Democracy”, Day Trading Academy, Available at:
https://daytradingacademy.com/elections-kenya-tribalism-violence-continues-undermine-democracy/
11. Stephanie Hanson,”Understanding Kenya’s Politics”, Council on Foreign Relations, Available at:
https://www.cfr.org/backgrounder/understanding-kenyas-politics