ما زالت إفريقيا جنوب الصحراء تعاني ظروفاً معيشية متدنية، حيث يعاني ثلث تعداد سكانها الجوع، ويموت نحو سدس عدد أطفالها قبل سنّ الخامسة، برغم استمرار الزيادة السكانية في الكثير من دولها، وما زال الركود الاقتصادي، وانخفاض مستويات المعيشة، سائداً في أغلب مناطقها، وهو الوضع نفسه الذي كان سائداً منذ عقد سابق من الزمان، مما يعني إخفاق كلّ المحاولات التي بذلتها دول القارة، والمؤسسات المالية الدولية، لرفع معدلات النمو الاقتصادي، وإنجاح تجارب التنمية، وتحسين مستويات معيشة أبناء القارة.
وعلى مدى عقدين كاملين بُذلت العديد من المحاولات لاختزال الفقر في إفريقيا، إلا أنها أخفقت جميعاً في تحقيق أهدافها، واستمرت هوّة الفقر التي تفصل بين القارة الإفريقية وباقي دول العالم في الاتساع، حيث تنقسم الدول الإفريقية ما بين دول منخفضة الدخل (وهي الأغلبية، حيث يبلغ عددها 40 دولة إفريقية)، وتبلغ حصّة الفرد فيها 745 دولاراً أو أقلّ سنوياً من إجمالي الدخل القومي، وفقاً لإحصاء عام 2001م، ودول متوسطة الدخل (ويبلغ عددها 14دولة)(1) ، وتتراوح فيها حصّة الفرد من إجمالي الدخل القومي ما بين 746 إلى 9205 دولارات في عام 2001م (2).
وتبدو خطورة هذا الوضع إذا عرفنا أنّ التقديرات المعتدلة تطلب أن تحقق الاقتصاديات الإفريقية معدلات نمو لا تقلّ عن 7% للحدّ من الفقر بصورة كبيـرة، وفي ظلّ ظروف إفريقيا الاقتصادية الحالية يُعَدّ هذا تحدياً كبيراً في ضوء أهداف الألفية الجديدة، وتتلخص في: اختزال الفقر والجوع، وتحقيق تعليم ابتدائي عالمي، وتطوير المساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة، وتخفيض نسبة الوفيات بين الأطفال، وتحسين الصحة الإنجابية، ومحاربة الإيدز، والملاريا، وغيرها من الأمراض، ودعم البيئة المستدامة، وتطوير شراكة عالمية للتنمية(3) .
في إطار كلّ هذه الظروف ظهرت إستراتيجية اختزال الفقرPoverty Reduction Strategic Papers ، والتي تُعَدّ الإطار الأساس الذي تمنح المؤسسات المالية الدولية على أساسها القروض للدول الفقيرة، وفي الوقت نفسه تمثّل هذه الإستراتيجية فرصة لزيادة المشاركة الشعبية في صنع القرار، وتمنح الدول المقترضة الفرصة لصياغة إستراتيجية ذاتية لاختزال الفقر، تتناسب مع ظروفها وأوضاعها الداخلية.
وبناءً على ما سبق؛ تحاول الورقة تحليل إستراتيجية اختزال الفقر، وما إذا كان من الممكن اعتبارها حلاً مناسباً لاختزال ظاهرة الفقر في الدول النامية بما يتناسب مع الأوضاع الداخلية لهذه الدول، أو أنّ هذا الحلّ يُعَدّ تكراراً لحلول سابقة، مثل برامج التكيف الهيكلي، والتي حاولت المؤسسات المالية الدولية فرضها بما لا يتناسب مع الأوضاع الداخلية في الدول المطبقة لها.
وتنقسم الورقة إلى ثلاثة أجزاء، حيث يتناول الجزء الأول: تعريفاً لمفهوم الفقر ولظاهرة الفقر في القارة الإفريقية، ويتناول الجزء الثاني: المعوقات التي تعترض طريق التنمية في القارة الإفريقية، بينما يتناول الجزء الثالث: إستراتيجية اختزال الفقر.
أولاً: ظاهرة الفقر في السياق الإفريقي:
على الرغم من النجاح النّسبي الذي حقّقته القارة الإفريقية في رفع مستوى معيشة الأفراد، إلا أنّ حصّة إفريقيا ممن يعيشون تحت خط الفقر (أي مَن يحصلون على أقلّ من دولار أمريكي يومياً) ما زالت هي الأكبر، حيث يقدّر عدد هؤلاء بحوالي 522 مليوناً في جنوب آسيا في عام 1998م، بالمقارنة بما يقرب من 291 مليوناً في إفريقيا جنوب الصحراء، و 278 مليوناً في شرق آسيا ومنطقة المحيط الهادي.
وعلى الرغم من الجهود المضنية التي بذلتها دول القارة لخفض نسبة هؤلاء، إلا أنّ النجاح كان نسبياً، حيث تمكنت القارة من خفض نسبة مَن يعيشون تحت خط الفقر بواقع 1,4% فقط في الفترة من 1990م وحتى 1998م، وهي نسبة ضئيلة إذا ما قورنت بالنجاح الذي حقّقته القارة الآسيوية، حيث انخفضت النسبة بواقع 4% في منطقة جنوب آسيا، و 12,3% في منطقة شرق آسيا، وهو ما يعني أنّ نسبة مَن يحصلون على أقلّ من دولار أمريكي يومياً قد زادت من 19% في عام 1990م إلى 24% في عام 1998م (4) (انظر الجدول الآتي).
جدول (1)
نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر(5)
نسبة مَن يعيشون تحت خط الفقر |
نمو الدخل القومي الحقيقي
معدل الدخل القومي للفرد |
|||
1990
|
1998 |
التغيير
1990- 1998 |
1990 – 1999 ( معدل سنوي) |
|
شرق آسيا والمحيط الهادي | 27,6 | 15,3 | – 12,3 | 5,9 |
أوربا الشرقية ووسط آسيا | 1,6 | 5,1 | 3,6 | – 2,3 |
الشرق الأوسط وشمال إفريقيا | 2,4 | 2,0 | – 0,4 | – 0,1 |
جنوب آسيا | 44,0 | 40,0 | – 4,0 | 3,2 |
إفريقيا جنوب الصحراء | 47,7 | 46,3 | – 1,4 | – 0,2 |
وعلى الرغم من ارتفاع إنتاج الغذاء في الفترة من عام 1980م إلى عام 1995م في مناطق الدول النامية بنسبة 27% في آسيا، و 12% في أمريكا اللاتينية؛ فقد انخفض في إفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 8%، وبرغم انخفاض انتشار الجوع في آسيا فإن ثلث سكان إفريقيا ما زالوا يعيشون في ظلّ الجوع الشديد، والنسبة في ازدياد مستمر.