مرت أربع سنوات على انقلاب عام 2017م في زيمبابوي؛ حيث أجبر الجيشُ الرئيسَ السابق “روبرت موغابي” على مغادرة السلطة. ونُصِّب “إيمرسون منانغاغوا” -زعيم حزب “الاتحاد الوطني الإفريقي الزيمبابوي – الجبهة الوطنية” (ZANU–PF)- حاكمًا ورئيس دولة زيمبابوي.
وكانت الآمال بعد وصول “منانغاغوا” إلى الرئاسة أن البلاد ستتجاوز الظروف التي ساءت تحت إدارة سلفه “موغابي” الذي دام 37 عامًا. ولكن اتجاهات الأمور في العامين الماضيين تعطي انطباعات متناقضة تجاه نظام ما بعد الانقلاب ونهج “منانغاغوا” في القيادة.
وبالرغم من أن النظام الحالي لحزب “زانو بي إف” يتَّسم بالاستمرارية في نواحٍ عديدة، والتغييرات في مجالات أخرى، إلا أن هناك مخاوف من أن تتوجه الإدارة الحالية نحو عسكرة الدولة والمجتمع الزيمبابوي وزيادة إغلاق مساحة المجتمع المدني في ظل تداعيات وباء كورونا.
“منانغاغوا” وعسكرة الدولة الزيمبابوية:
شهد العامان الماضيان زيادة الانتهاكات التي استهدفت منتقدي الحكومة في زيمبابوي, بمن فيهم محامو حقوق الإنسان، ونشطاء المجتمع المدني، وحزب المعارضة الرئيسي، ووسائل الإعلام المستقلة. وقد انتقد كل من “تحالف الأزمة في زيمبابوي”([1]) وأعضاء المؤتمر الوطني الإفريقي بجنوب إفريقيا([2]) حزبَ “زانو بي إف” الحاكم، واتهماه باستخدام عمليات الخطف وغزو الممتلكات والاعتقالات التعسفية والتعذيب لسحق المعارضة.
وأشارت دراسة إلى أن زيمبابوي تنحدر نحو الديكتاتورية العسكرية تحت قيادة “منانغاغوا” الذي استغلَّ الأغلبية البرلمانية لحزبه والتي تبلغ ثلثي الأصوات لتغيير القانون والسيطرة على القضاء. ولا يزال التغيير الذي شهدته البلاد منذ عام 2017م ضيئلة مع فشل التدابير المعلنة لتحسين حياة المواطنين وكبح جماح الفساد، وإظهار الالتزام بالعدالة وحقوق الإنسان، واحترام سيادة القانون. وقد تلاشت الآمال التي رافقت إدارة “منانغاغوا” كنظام مغاير لعهد “موغابي”؛ حيث تصاعد العنف في 2018 و2019م نتيجة قمع الاحتجاجات ضد انتهاكات حقوق الإنسان, بينما المعارضون يُبْدُون مخاوفهم من انتخابات 2023م وشفافيتها في ظل الانتهاكات الحكومية الحالية([3]).
جدير بالذكر أن الرئيس “منانغاغوا” متَّهم بتمكين الفساد والاستيلاء على الدولة لتحقيق مكاسب مالية وسياسية. ولذلك واجهت مقالته مؤخرًا لشبكة الجزيرة([4]) حول جهود زيمبابوي لمعالجة تغيُّر المناخ انتقاداتٍ لاذعة؛ إذ تجاهل الرئيس “منانغاغوا” عقبات الإجراءات التي تمارسها حكومته في الوضع الراهن في زيمبابوي, واستدل على أن العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على زيمبابوي هي العقبات الرئيسية أمام تطوير البلاد وتنفيذ أجندة حكومته التقدمية.
النمو الاقتصادي المختلط:
رسم الرئيس “منانغاغوا” في مقالته لـ”الجزيرة إجراءات حكومته ونواياها بشكل إيجابيّ، وصرّح عن خطته لتطوير زيمبابوي إلى “دولة متوسطة الدخل بحلول نهاية العقد الحالي، مما يساعد الآلاف على تجاوز الفقر، ويحفّز الابتكار، ويسمح لزيمبابوي مرة أخرى أن تلعب دورًا رائدًا في القارة الإفريقية”([5]).
وبالرغم من إنجازات حكومته التي عدّدتها “منانغاغوا” والتقدم الذي قال: إن البلاد أحرزته منذ وصوله إلى السلطة, بما في ذلك “العديد من الإصلاحات المطلوبة التي تشمل تقديم تعويضات لأصحاب الأراضي الذين صُودرت ممتلكاتهم في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ومعالجة الفساد”؛ إلا أن الواقع المعيشي للزيمبابويين يخالف ما عدّده الرئيس في مقالته([6]).
فمن ناحية؛ كان لُبّ الأزمة الاقتصادية الزيمبابوية هو تقلّب العملة الذي بلغ ذروة التضخم في عام 2008م. ولا تزال أزمة العملة من العوامل التي تؤثر مباشرة في عامة الزمبابويين. وقد ألغت البلاد في عام 2009م في أعقاب التضخم المفرط استخدام الدولار الزيمبابوي (ZWD) التي كانت العملة الرسمية منذ عام 1980م حتى 2009م, وتبنّت عدة عملات إقليمية وعالمية. ومن أجل الحدّ من التقلّب استبدل بنك الاحتياطي الزيمبابوي (البنك المركزي) في بداية عام 2019م نظامَ العملات المتعددة بعملة جديدة سُمِّيت مرة أخرى بالدولار الزيمبابوي التي كانت اليوم المناقصة الوحيدة والقانونية في البلاد.
وقد أشارت التقارير الحكومية ومؤشرات كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى أن زيمبابوي تسجل نجاحات في معدل التضخم ومعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي وتطوير البنية التحتية منذ عام 2020م؛ إذ أحكمت البلاد قبضتها على المعروض النقدي، وأوقف البنك الاحتياطي طباعة النقد. وكانت النتيجة أن انخفض معدل التضخم من الرقم الثلاثي (838 في المئة) في يوليو 2020م إلى 51.5 في المئة في سبتمبر 2021م.
ومن حيث الناتج المحلي الإجمالي؛ تُعدّ زيمبابوي من بين الأسرع نموًّا في القارة, ويتوقع أن يصل نموها في عام 2021م إلى 7.8 في المئة اعتمادًا على ميزان البلاد التجاري الذي تدعمه صادرات التبغ والنيكل والذهب، والتي تتأثر أيضًا بأزمة العملة.
جدير بالذكر أن البنك الاحتياطي في يونيو 2020م أعلن نظام مزاد للعملات الأجنبية بهدف تحرير سوق العملات الأجنبية، وللحفاظ على السيطرة على سعر الصرف. ومع ذلك أفاد معهد الدراسات الأمنية أن هذه الخطوة لم تَحلّ المشاكل المتعلقة بسعر الصرف, خاصةً وأن البنك الاحتياطي يخصّص من خلال نظام المزاد العملاتِ الأجنبية التي يصادرها من المصدرين. ولجأ البنك الاحتياطي أيضًا إلى توقيف وتجميد الحسابات المصرفية لمستخدمي أسعار الصرف خارج نظام المزاد أو الذين تمكنوا من استغلال الفجوات في نظام المزاد لصالحهم. وبالتالي تتسع الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والسوق الموازية التي تعتمد عليها الشركات في تسعير البضائع. بل وتعتبر السوق الموازية قريبة إلى القيمة الحقيقية للعملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي([7]).
وهناك من يرأى أن التحديات الاقتصادية في زيمبابوي أصبحت مسيّسة؛ نظرًا لنهج القيادة الحالية وتعاملها مع القضايا الاقتصادية, ونظرًا لسيطرة الحزب الحاكم في الاقتصاد والسياسة النقدية. إضافةً إلى سياسات مناهضة للسوق، والتي تؤشّر في التجارات الصغيرة، وتعزز انتشار الفساد، وتهدد رؤية 2030 للرئيس “منانغاغوا”.
وفيما يتعلق بحلّ أزمة العملة؛ فإن بعض الاقتصاديين يقترحون على الحكومة السماح لسعر الصرف بحرية التعويم، وأن تحدد سعرها قوى السوق دون سيطرة الحكومة. ولكن اقتصاديين آخرين اعترضوا على هذا المقترح. بينما أفادت دراسات إلى أن نجاح أي سياسة نقدية اقتصادية ستحتاج إلى الانضباط المالي والإرادة السياسية لضمان استقلالية البنك الاحتياطي (المركزي).
ويستنتج من التفاؤل المحلي والدولي الوارد في تقرير كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بشأن زيمبابوي؛ أن النموّ الذي تسجّله البلاد غير مستدامة بعدُ, وأن الأرقام الإيجابية لم تؤثّر حتى الآن بشكل إيجابي في حياة الزيمبابويين وظروف المواطنين العاديين.
“زانو بي إف” وانتخابات 2023م:
كشف Afrobarometer في استطلاع 2021م أن حزب “زانو بي إف” الحاكم في زيمبابوي يفقد قوته لدى الزيمبابويين. وهذا الاستطلاع يتوافق مع نتائج انتخابات 2018م عندما فاز الحزب برئاسة زيمبابوي بهامش ضئيل للغاية, ويعبّر عن الواقع على الأرض بالنسبة للمواطنين؛ إذ أشار المواطنون في الدراسة إلى أن الأمور أسوأ بكثير مقارنة بعام 2017م, وأن نسبة الوصول إلى الدخل النقدي لم يتغير بشكل كبير([8]). ويتفق الاستطلاع أيضًا مع تقرير البنك الدولي الذي أشار إلى أن ما يقرب من 50 في المئة من الزيمبابويين “فقراء للغاية”.
وأفاد الاستطلاع أيضًا إلى تدهور ثقة الزيمبابويين تجاه الحكومة منذ عام 2017م؛ إذ تراجع شعبية حزب “زانو بي إف” الحاكم، بينما ترتفع شعبية الحزب المعارض “الحركة من أجل التغيير الديمقراطي” (MDC). ويعني هذا أن ما سيحدّد الفائز في انتخابات 2023م القادمة يكمن في نسبة “المتحفظين” الذين سيصوّتون لصالح “حركة التغيير الديمقراطي” (بقيادة “نيلسون تشاميسا) ونسبة “المتحفظين” الذين سيصوّتون ضد حزب “زانو-بي إف” الحاكم. هذا إلى جانب الحرب الباردة الجارية بين الرئيس زيمبابوي “منانغاغوا” ونائبه “كونستانتينو تشيوينغا”؛ حيث يعارض حلفاء “تشيوينغا” داخل “زانو بي إف” تأييد “منانغاغوا” لخوض انتخابات عام 2023م([9]).
يُضاف إلى ما سبق أنه لا يمكن الجزم بأن انعدام الثقة السياسية سيحدد نتائج عام 2021م, خاصة في ظل تراجع شعبية الرئاسة بين المواطنين العاديين مقارنةً بمناصب سياسية ذات استراتيجية أخرى. كما أن حوالي 64 في المئة من الزيمبابويين يرون أن الرئيس السابق “موغابي” جدير بالثقة، بينما يثق حوالي 48 في المئة فقط في الرئيس “منانغاغوا”, ما يعني أن انتخابات 2023م ستكون الأعلى تنافسية واحتدامًا؛ نظرًا للتكتيكات التي قد ينتهجها “زانو-بي إف” لمواجهة تحدِّي حزب المعارضة الرئيسية.
وعليه, سيتعيّن على “زانو-بي إف” إعادة ترتيب بيته وداخله, ومعالجة واقع الاقتصاد السياسي في زيمبابوي؛ كي يتمكن من الفوز في الانتخابات القادمة. كما أنه سيتعين على أعضاء “مجموعة التنمية لجنوب إفريقيا” (التي تمثل 16 دولة في إفريقيا الجنوبية) أن تلعب دورًا في الخطط السياسية والاقتصادية المستقبلية لزيمبابوي؛ كي تسترد مكانتها الاستراتيجية في المنطقة. وعلى الأطراف الدولية استمرار دعم مبادرة القيادة الإفريقية والحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية مع تعزيز خيارات التعليم والاستثمار في تكنولوجيات الزراعة الجديدة في زيمبابوي، وتحفيز التجارة البينية الإفريقية.
[1] – Crisis Coalition Implores Zanu PF to Desist from Acts of Violence:
[2] – Zimbabwe is in crisis – SACP, unlike ANC, slams Zanu-PF over ‘growing authoritarianism’:
[3] – Helliker, K., & Chikozho Mazarire, G. (2021). Mnangagwa’s Zimbabwe: Crisis? What Crisis? Journal of Asian and African Studies, 56(2), 171–175.
[4] – Emmerson Mnangagwa (2021). Zimbabwe is set on tackling climate change. Aljazeera:
[5] – المصدر السابق.
[6] – Tafi Mhaka (2021). The hypocrisy of Emmerson Mnangagwa. Aljazeera:
[7] – Institute for Security Studies (2021). Currency crisis could undo Zimbabwe’s early progress:
[8] – Afrobarometer (2021). Findings from Afrobarometer Round 8 survey in Zimbabwe:
[9] – Farai Shawn Matiashe (2021). Zimbabwe: Is Zanu PF imploding ahead of the 2023 elections?. The Africa Report: