محمد الشعراوي
باحث ماجستير متخصّص في الإعلام والذكاء الاصطناعي
رغم الصراعات والنزاعات العديدة التي شهدتها إفريقيا في السنوات الأخيرة، وسقوط آلاف الضحايا؛ إلا أنّ ما يصل عن هذه الصراعات أقل بكثير من الواقع، بل إنّ هناك العديد منها تَمُرّ دون أن يتم نشر المعلومات والأخبار الكافية عنها، ممَّا أدَّى إلى إطلاق اسم “الصراعات المنسية” على حروب إفريقيا.
وفي الوقت الذي يجب أن يصبح فيه الإعلام المصدر الرئيسي للمعلومات للجمهور؛ إلا أنه على أرض الواقع يواجه الإعلام الإفريقي قصورًا في تغطية هذه الصراعات؛ فوفقًا للعديد من الدراسات، ارتفعت وتيرة الصراعات في إفريقيا دون أن تأخذ التغطية الإعلامية المناسبة لحجم هذه الصراعات، بالتزامن مع الحرب الروسية الأوكرانية التي نالت الشهرة والاهتمام الأكبر في العالم.
وبينما تُعدّ الصراعات في إفريقيا الأقل اهتمامًا على أجندة الإعلام الدولي في مقابل صراعات أخرى في العالم، إلا أنه يظل هناك تساؤلات رئيسية هي: هل يُعدّ قصور الإعلام الإفريقي في تغطية هذه الصراعات بشكل مناسب سببًا رئيسيًّا في عدم معرفة العالم بها؟ وما هي الحلول الممكنة لمواجهة هذا القصور؟ وهل وسائل الإعلام في إفريقيا أداة لتعزيز السلام والاستقرار أم وسيلة لتأجيج الصراعات؟
أزمة شرق الكونغو كنموذج لقصور الإعلام الإفريقي في تغطية الصراعات:
تُعدّ أزمة شرق الكونغو واحدة من أطول وأعقد الأزمات الإنسانية في إفريقيا؛ حيث يعاني ملايين المدنيين بسبب النزاعات المستمرة بين القوات الحكومية وحركة 23 مارس، فضلاً عن الانتهاكات العنيفة لحقوق الإنسان، والتي أودت بحياة الآلاف، وأجبرت مئات الآلاف على النزوح من ديارهم. ورغم أن هذه الأزمة تمتدّ لعقود، فإن الإعلام الإفريقي يُواجه تحديات كبيرة في تغطية وتوثيق أحداثها بالشكل الذي يعكس الواقع بشكل دقيق. لذا، تُعدّ أزمة شرق الكونغو نموذجًا لقصور الإعلام الإفريقي في متابعة الصراعات وتغطيتها بشكل يتناسب مع حجم المعاناة والدمار الذي تشهده المنطقة.
ولعل من أبرز أسباب قصور الإعلام الإفريقي في تغطية أزمة شرق الكونغو ما يلي:
1-المخاطر الأمنية التي يتعرض لها الصحفيون: تغطية الصراعات في مناطق مثل شرق الكونغو تُمثّل تحديًا كبيرًا للصحفيين؛ إذ تشهد هذه المناطق قتالًا مستمرًّا بين القوات الحكومية والمجموعات المسلحة؛ حيث إن الصحفيين في هذه المناطق يتعرضون لمخاطر كبيرة؛ من بينها: القتل والخطف، والاعتقال، مما يجعل من الصعب تغطية الأحداث بحرية، بالإضافة إلى ذلك، فقد يتعرض الصحفيون للتهديد مِن قِبَل الفاعلين المحليين الذين يسعون لاحتكار الرواية الإعلامية بما يتوافق مع مصالحهم.([1])
2-القيود السياسية والرقابة: في الكونغو تواجه وسائل الإعلام المحلية رقابة شديدة من الحكومة، مما يؤثر على قدرتها في تغطية الصراع الدائر بشكل مستقل، في ظل وجود رقابة شديدة من الحكومة لتوجيه التقارير والأخبار بطريقة تدعم مواقف النظام الحاكم، مما يُعيق تقديم صورة واضحة وواقعية عما يحدث في مناطق النزاع، وتشويه الحقائق أو تقييد الصحفيين عن تغطية التفاصيل الدقيقة للنزاع.([2])
3-نقص الموارد والتقنيات المتقدمة: تواجه وسائل الإعلام في الكونغو نقصًا كبيرًا في الموارد المالية والمعدات اللازمة لتغطية الصراعات بشكل دقيق وفعَّال، فضلًا عن نقص في البنية التحتية والموارد مثل كاميرات الفيديو المتطورة، الطائرات بدون طيار، أو حتى الصحفيين المُدرّبين تدريبًا متقدمًا على تغطية النزاعات المسلحة.([3])
4-صعوبة الوصول إلى المعلومات والمناطق المتأثرة: أحد أكبر التحديات التي تواجه الإعلام الإفريقي في تغطية الأزمة هي صعوبة الوصول إلى المناطق المتأثرة بالنزاع. شرق الكونغو، على وجه الخصوص، منطقة شاسعة وتعاني من تدهور البنية التحتية، بما في ذلك الطرق غير الممهدة وانعدام وسائل النقل الحديثة، هذا يجعل من الصعب على الصحفيين الوصول إلى المناطق التي تشهد أعمال عنف، مما يؤدي إلى تغطية غير كاملة للأحداث.([4])
ويمكن القول: إن التغطية الإعلامية لهذه الأزمة لها بُعْدان رئيسان؛ البعد الأول: نقص التغطية الإعلامية للأزمة في شرق الكونغو له تأثيرات بعيدة المدى على الوعي العالمي، فعلى الرغم من أن الأزمة تؤثر على حياة ملايين الأشخاص، إلا أن العالم الخارجي لا يعرف الكثير عن المعاناة التي يعيشها الشعب الكونغولي. هذا القصور في الإعلام يُسهم في تقليص الضغط الدولي على المجتمع الدولي للقيام بدور فعَّال في إنهاء الصراع. علاوة على ذلك، فإن نقص المعلومات الدقيقة يَعُوق جهود المجتمع الدولي في تقديم مساعدات إنسانية مستدامة.
البعد الثاني: التركيز الإعلامي المحدود مِن قِبَل الإعلام الإفريقي، بشكل عام؛ حيث إنه غالبًا ما يعاني من التركيز على الأزمات العالمية الأكثر شهرة، ويتم تفضيل تغطية الأزمات في الشرق الأوسط وأوروبا وأماكن أخرى على حساب النزاعات في إفريقيا، ممَّا يؤدي إلى قلة التغطية الإعلامية للقضايا الإفريقية، وعلى رأسها أزمة شرق الكونغو، هذا النقص في التغطية الإعلامية يُعزّز العزلة العالمية ويزيد من صعوبة إيجاد حلول فاعلة للنزاع.
أزمة تكلفة التغطية الإعلامية في مناطق النزاعات بالقارة السمراء:
تُعدّ تكلفة التغطية الإعلامية في مناطق النزاعات الإفريقية من التحديات الكبيرة التي تُواجه وسائل الإعلام، سواء كانت محلية أو دولية، هذه التكاليف تتفاوت بحسب نوع النزاع والمنطقة الجغرافية والبنية التحتية والمخاطر الأمنية، مما يجعل من الصعب على الصحفيين ووسائل الإعلام القيام بتغطية شاملة ودقيقة للأحداث؛ حيث تتطلب التغطية الإعلامية في هذه المناطق موارد كبيرة وجهودًا إضافية لتحقيق تغطية دقيقة وموثوقة.
وتزداد تكلفة التغطية الإعلامية بسبب التحديات اللوجستية المتعلقة بالوصول إلى مناطق النزاع، فكثير من المناطق التي تشهد صراعات في إفريقيا، مثل مناطق شرق الكونغو أو السودان وجنوب السودان، تكون صعبة الوصول بسبب ضعف البنية التحتية، مما يجعل الوصول إلى مناطق النزاع أمرًا مكلفًا وصعبًا؛ حيث يحتاج الصحفيون إلى استئجار طائرات هليكوبتر أو سيارات دفع رباعي للتنقل بين المناطق المتأثرة بالنزاع، هذه التكاليف اللوجستية تمثل عبئًا إضافيًّا على وسائل الإعلام التي تحاول نقل الأحداث من المناطق النائية، بالإضافة إلى تكلفة الإقامة والطعام للصحفيين في هذه المناطق غير المستقرة.([5])
كما أن التغطية في هذه المناطق تتطلب معدات متخصصة مثل كاميرات الفيديو عالية الجودة، هواتف الأقمار الصناعية، وأجهزة الإرسال المتقدّمة. هذه المعدات ضرورية لتوثيق الأحداث على الأرض ونقل التقارير بشكل سريع وآمِن. كما أن استخدام التقنيات الحديثة مثل الطائرات بدون طيار (الدرونز) لتغطية الأحداث من زاوية جوية يتطلب استثمارًا كبيرًا في التكنولوجيا الحديثة؛ حيث تمثل تكلفة هذه المعدات وصيانتها عبئًا ماليًّا إضافيًّا على وسائل الإعلام التي تحاول تغطية الأحداث بدقة وواقعية، وذلك في الوقت الذي تعاني فيه وسائل الإعلام في إفريقيا من الافتقار إلى التمويل الكافي لتغطية النزاعات المستمرة، وغالبًا ما تجد صعوبة في تخصيص ميزانيات كبيرة لتغطية النزاعات.([6])
قطع الإنترنت سلاح في يد الحكومات الإفريقية لحَجْب المعلومات:
يُعتبر قطع الإنترنت في العديد من الدول الإفريقية من الأساليب التي تلجأ إليها الحكومات للسيطرة على تدفق المعلومات وحجب الأخبار، خاصةً في فترات الأزمات أو الأوقات التي تشهد احتجاجات سياسية أو صراعات داخلية، رغم أن الإنترنت أصبح جزءًا أساسيًّا من الحياة اليومية للمواطنين في عدد كبير من دول القارة، إلا أن بعض الحكومات تَستخدمه كأداة لإخفاء الحقائق، تقييد حرية التعبير، أو للحدّ من التنسيق بين المعارضة والمجتمع المدني، كما أنها غالبًا ما تقوم بتنفيذ هذا الإجراء بسرعة ودون إشعار مسبق، مما يصعب توثيق الانتهاكات.([7])
ومن أمثلة ذلك في فبراير 2025م، حينما أصدرت جنوب السودان أمرًا لمُزوّدي خدمة الإنترنت يقضي بحجب منصات التواصل الاجتماعي بما فيها فيسبوك وتيك توك، لمدة 90 يومًا بعد اندلاع احتجاجات عنيفة عقب مقتل مواطنين من جنوب السودان في السودان (ومع الضغط الشعبي ألغت جنوب السودان هذا القرار).([8])
وتعطي بعض الحكومات الإفريقية التي تقطع الإنترنت في أوقات الصراعات مبررات مثل الحفاظ على الأمن القومي أو منع العنف، على سبيل المثال. وفي بعض الدول التي تشهد اضطرابات سياسية، قد تقوم السلطات بقطع الإنترنت بشكل جزئي أو كامل للحدّ من قدرة الناس على التواصل وتنسيق الاحتجاجات، كما أن بعض الحكومات قد تلجأ إلى قطع الإنترنت لتقليل الضغط الإعلامي أو حجب الصور والفيديوهات التي قد تُسجّل الأحداث وتفضح الانتهاكات الحقوقية التي يتعرَّض لها بعض المواطنين.([9])
ولقطع الإنترنت تداعيات كبيرة على الحياة اليومية للمواطنين؛ إذ يوقف تدفق المعلومات ويُعطّل القدرة على التواصل مع العالم الخارجي، كما يؤثر على الأعمال التجارية، التعليم، والخدمات الأساسية التي تعتمد على الإنترنت، مثل الخدمات المصرفية والتجارة الإلكترونية، ففي بعض الحالات، يُستخدم قطع الإنترنت كأداة لمعاقبة المجتمعات التي تعارض الحكومة، كما أن قطع الإنترنت لا يُؤثّر فقط على الحياة السياسية والاجتماعية، بل له أيضًا عواقب اقتصادية كبيرة، هناك دراسات تشير إلى أن قطع الإنترنت يمكن أن يُكلّف الاقتصاد الوطني خسائر ضخمة؛ حيث إن الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على الإنترنت في عملياتها اليومية تتعرض لخسائر فادحة، بالإضافة إلى تضرُّر قطاع التجارة الإلكترونية والخدمات الرقمية.([10])
هل وسائل الإعلام في إفريقيا أداة لتعزيز السلام أم وسيلة لتأجيج الصراعات؟
يعكس دور وسائل الإعلام في القارة الإفريقية تعقيد الواقع الاجتماعي والسياسي؛ لذلك فإن في معظم حالات النزاع في إفريقيا يتم استخدام الإعلام مِن قِبَل كافة أطراف النزاع كوسيلة لتأجيج الصراع، بدلاً من أن يكون أداة للتفاهم والسلام، ويمكن ذِكْر بعض الأسباب الرئيسية التي تجعل الإعلام الإفريقي في بعض الأحيان يُستخدَم في تأجيج الصراعات:
1-التحريض على العنف: في بعض الحالات، تُستخدم وسائل الإعلام لنشر خطابات تحريضية ضد مجموعات عرقية أو دينية معينة، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تصعيد النزاعات العرقية أو الطائفية، ومن الأمثلة البارزة على ذلك هو دور وسائل الإعلام في الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994م؛ حيث استخدمت محطات الراديو والصحف لنشر خطاب كراهية ضد التوتسيين، مما أسهم في تأجيج العنف ضدّهم، كما أنه في الفترة التي تلت بداية الصراع في منطقة تيجراي بإثيوبيا في عام 2020م، استخدمت وسائل الإعلام الرسمية التابعة للحكومة الإثيوبية وبعض وسائل الإعلام المحلية التابعة للجماعات الإثنية الأخرى، ومنها إثنية الأمهرية، خطابات تحريضية في بعض الأحيان، وذلك من تصوير أعضاء جماعة التيجراي كـ”إرهابيين” أو “خونة” و”أعداء الدولة”، كما قامت وسائل الإعلام بتحفيز ممارسة العنف بشكل مباشر أو غير مباشر عبر التحريض على قتل المدنيين في تيجراي، وإشعال نيران الكراهية على منصات الإعلام.([11])
2-التلاعب بالمعلومات ونشر الأخبار الزائفة: في العديد من الحالات، يتم نشر معلومات مُضلّلة من خلال وسائل الإعلام، مما يزيد من تفاقم النزاعات، في بعض الأحيان، يتم نشر تقارير لا أساس لها من الصحة أو تكون مغرضة تهدف إلى تشويه صورة مجموعة معينة أو تحريض الناس ضد الحكومة أو المعارضة، الأخبار الزائفة تُعزّز مشاعر الخوف والعداء، مما يؤدي إلى مزيد من التوترات. ويمكن التطرق في إطار ذلك للحرب في السودان، وذلك من استخدام كلّ من الجيش السوداني بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، وسائل الإعلام الخاصة بهم في الترويج للانتصارات على الأرض وتوجيه رسائل تحريضية ضد الطرف الآخر.
3-تعبئة الجماهير لأغراض سياسية أو عرقية: وسائل الإعلام في بعض الدول الإفريقية تُستخدم مِن قِبَل الحكومات أو الجماعات السياسية لتحقيق أهداف معينة، سواء كانت سياسية أو عرقية، ويمكن أن يتم استغلال الإعلام للترويج لأيديولوجيات معينة أو لتعبئة الجماهير ضد خصوم سياسيين أو عرقيين. في مثل هذه الحالات، قد يتم تحوير الحقائق واستخدام الإعلام كأداة لتأجيج النزاع السياسي أو العرقي.([12])
4-الاستقطاب الإعلامي والافتقار إلى المهنية: في بعض المناطق الإفريقية، تكون وسائل الإعلام غير مستقلة وتخضع للرقابة أو السيطرة مِن قِبَل أطراف سياسية معينة، مما يجعلها وسيلة لنقل وجهات نظر معينة دون تقديم صورة موضوعية للواقع، هذا الاستقطاب الإعلامي يمكن أن يخلق هوة بين الفئات المختلفة في المجتمع، مما يزيد من التوترات ويؤدي إلى انفجار الصراعات.([13])
5-نشر خطاب الكراهية: حيث تقوم عدد من وسائل الإعلام الإفريقية بنشر خطاب الكراهية على نطاق واسع، سواء من خلال الصحافة المكتوبة أو الإذاعة أو وسائل التواصل الاجتماعي. هذا الخطاب يُعزّز الانقسامات العرقية أو الدينية ويُشجّع على العنف، في بعض الحالات، قد يتم تمويل وسائل الإعلام المتورطة في نشر هذا النوع من الخطاب مِن قِبَل أطراف خارجية تسعى لتحقيق أهداف سياسية، وتضخيم الخلافات السياسية أو لتشويه صورة الفئات المتنازعة، مما يؤدي إلى استمرار العنف، في العديد من الحالات، تقوم وسائل الإعلام بنقل تقارير دون التحقق من صحتها أو تتبنَّى روايات منحازة، مما يُعمِّق الهُوَّة بين الأطراف المتنازعة.([14])
6-دور وسائل التواصل الاجتماعي: في السنوات الأخيرة، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة هامة في نشر المعلومات والآراء، لكنّها في بعض الأحيان تُسهم في تأجيج الصراعات من خلال نشر المحتويات العاطفية والمضللة، قد تستخدم هذه المنصات لنشر مقاطع فيديو أو أخبار غير دقيقة تدعو إلى العنف أو تشجّع على الكراهية ضد فئات معينة من المجتمع، في بعض الأحيان، تكون هذه المنصات أدوات للحملات الدعائية التي تهدف إلى تأجيج المشاعر السلبية وتعميق الانقسامات.([15])
هل الحل في الذكاء الاصطناعي؟
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دورًا حاسمًا في تحسين تغطية النزاعات والكوارث في إفريقيا؛ من خلال تقديم أدوات وتقنيات مبتكرة تُسهم في تعزيز جمع المعلومات وتحليلها ونشرها بشكل أكثر فعالية، بما في ذلك:
1-الطائرات المسيرة (الدرونز) المزودة بالذكاء الاصطناعي: تُستخدم هذه الطائرات في جمع البيانات والصور في مناطق النزاع والكوارث، مما يُتيح للصحفيين الحصول على معلومات دقيقة دون تعريض حياتهم للخطر، على سبيل المثال، تم استخدام طائرات مُسيَّرة مزودة بالذكاء الاصطناعي في كينيا لمراقبة الفيضانات وتقديم تقارير حيَّة عن الأضرار، مما ساعد في تنسيق جهود الإغاثة بشكل أكثر فعالية، وتوعية السكان بالمخاطر.([16])
2-التنبؤ بالتصعيد: باستخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، يمكن التنبؤ بمناطق النزاع المحتملة أو التصعيد في مناطق معينة، وهذا يُتيح للمؤسسات الإعلامية والمساعدات الإنسانية أن تكون أكثر استعدادًا لاتخاذ الإجراءات اللازمة قبل وقوع الأحداث. ففي نيجيريا تم استخدام تقنيات تحليل البيانات للتنبؤ بمناطق تفشّي العنف، مما أتاح لوسائل الإعلام تقديم تقارير استباقية وتحذيرات للجمهور، وأسهم في تعزيز الوعي العام واتخاذ التدابير الوقائية.([17])
3-التحقق من المعلومات: تساعد خوارزميات الذكاء الاصطناعي في التحقق من صحة المعلومات المتداولة، مما يُقلّل من انتشار الأخبار الكاذبة خلال الأزمات، ففي جنوب إفريقيا، اعتمدت بعض المؤسسات الإعلامية على أدوات تعتمد على الذكاء الاصطناعي للتحقق من صحة الصور ومقاطع الفيديو المتعلقة بأحداث العنف والاضطرابات، مما ساعَد في الحدّ من انتشار الأخبار الكاذبة وتعزيز مصداقية التغطية الإعلامية. ولكن على الرغم من الفوائد العديدة، تواجه تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الإعلام الإفريقي تحديات، مثل نقص البنية التحتية التقنية، والحاجة إلى تدريب الكوادر البشرية، وقضايا الخصوصية والأخلاقيات.([18])
4-الاستجابة السريعة للأزمات: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في تحسين استجابة الفِرَق الإنسانية والصحفية في المناطق المتأثرة بالنزاعات والكوارث. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية لتحديد المناطق الأكثر تضررًا أو التي تحتاج إلى مساعدة عاجلة، ما يُتيح للمنظمات إرسال فرق الإغاثة بشكل أسرع وأكثر دقة.
وختامًا يمكن القول:
إن مستقبل الإعلام في إفريقيا يعتمد على قدرة الحكومات والمجتمع الدولي على دعم حرية الصحافة، وتمكين الصحفيين من أداء دورهم دون قيود، والاستفادة من الأدوات الرقمية الحديثة لضمان وصول المعلومات إلى الجمهور، كما أن تعزيز ثقافة صحافة السلام يمكن أن يُسهم بشكلٍ فعَّال في حل النزاعات وتعزيز الحوار بين المجتمعات المتصارعة، وفي ظل التقدم المستمر في تقنيات الإعلام، فإن تبنّي حلول مثل الذكاء الاصطناعي، الطائرات المسيّرة، والتحقق الرقمي من الأخبار، سيكون ضروريًّا لضمان تغطية إعلامية دقيقة وموثوقة في أوقات الأزمات، ومن هنا، يبقى الإعلام أداة قوية قادرة على التأثير في مسار النزاعات، إما بتعزيز التفاهم والسلام، أو بالمساهمة في تعقيد الأوضاع إذا لم يُستخدَم بمهنية ومسؤولية.
……………………………….
[1] Journalists covering eastern DRC conflict face death threats, censorship, CPJ Africa Program Staff, January 30, 2025 , available at
[2] DRC: Regulatory body accused of press intimidation, Reliefweb, 4 Feb 2025, available at
https://reliefweb.int/report/democratic-republic-congo/drc-regulatory-body-accused-press-intimidation
[3] Op.cit.
[4] Escalating violent conflict in eastern DRC: journalists and HRDs targeted; censorship and internet cuts, Monitor, 7Mar2025, available at
https://monitor.civicus.org/explore/escalating-violent-conflict-in-eastern-drc-journalists-and-hrds-targeted-censorship-and-internet-cuts/
[5] Suzanne S. LaPierre, It’s time to recognize and change the media’s costly Africa bias, Digitalcontentnext, October 28, 2024, Available at
[6] Negative stereotypes in international media cost Africa £3.2bn a year – report, Theguardian, 17 Oct 2024, available at
https://www.theguardian.com/global-development/2024/oct/17/media-stereotypes-africa-higher-interest-report-payments-on-sovereign-debt
[7] Khanyi Mlaba, Africa’s Internet Shutdowns: Where, Why, and How Do They Happen?, globalcitizen, May 9, 2024, available at
https://www.globalcitizen.org/en/content/africa-internet-shutdowns-impact-human-rights/
[8] South Sudan orders temporary ban on social media over violence in neighboring Sudan, apnews, january 22, 2025, available at
https://apnews.com/article/sudan-south-sudan-violence-social-media-ban-3ee3235942478fd8f2fa47b14015b84c
[9] Op.cit.
[10] Africa in 2023: internet shutdowns attack democracy, Accessnow, 26 August 2024, available at
https://www.accessnow.org/press-release/africa-keepiton-internet-shutdowns-2023-en/
[11] Africa Media Review for January 30, 2025, Africa Center For Strategic Studies, 2025, available at
[12] Desmond Onyemechi Okocha, Mass Media and Politics in Africa: A Qualitative Appraisal (London:Palgrave Macmillan, Volume I, 2024), PP5-10.
[13] Op.cit.
[14] Christopher Isike and Sharon Adetutu Omotoso, Reporting Africa: The Role of the Media in (Un) Shaping Democratic Agenda (Berlin: researchgate, 2024),PP12-17.
[15] Johannes Bhanye and others, Social Media in the African Context (Berlin :springer, 2023),PP20-24.
[16] Theodora Dame Adjin-Tettey and others, The Role of Artificial Intelligence in Contemporary Journalism Practice in Two African Countries (Bazel:mdpi, 2024),PP5-10.
[17] Looking into the future: Artificial intelligence and its impact on peace and security in Africa, Amaniafrica, 12 June 2024, available at
https://amaniafrica-et.org/looking-into-the-future-artificial-intelligence-and-its-impact-on-peace-and-security-in-africa/?print=print
[18] Op.cit.