آية محسب عبد الحميد مصطفى
باحثة دكتوراه/ معهد البحوث والدراسات الإفريقية ودول حوض النيل – جامعة أسوان
تمهيد:
في 12 يونيو 2025م، شكّل الهجوم الإسرائيلي واسع النطاق على منشآت نووية وعسكرية إيرانية منعطفًا خطيرًا في مسار الصراع الإقليمي بالشرق الأوسط، وسط تزايد التعقيد في بنية النظام الدولي. فبعيدًا عن نطاقه الجغرافي المباشر، ألقى هذا التصعيد العسكري بظلاله على العديد من المناطق، وعلى رأسها إفريقيا جنوب الصحراء، التي باتت أكثر انكشافًا أمام تقلُّبات السياسة الدولية في ظل تزايد ترابط المصالح الأمنية والاقتصادية.
وبالنظر إلى أهمية الشرق الأوسط في معادلة الطاقة العالمية، وموقع إفريقيا الجيوسياسي ضمن خارطة التنافس بين القوى الكبرى؛ أصبح لزامًا تحليل أبعاد هذا التصعيد من زاوية إفريقية.
وتتناول هذه المقالة تحليلًا متعدّد الأبعاد لتداعيات التصعيد الإيراني–الإسرائيلي على إفريقيا جنوب الصحراء؛ من خلال استعراض خلفياته الدولية، وآثاره الاقتصادية والمالية، وانعكاساته على الأمن الإقليمي والتحولات الجيوسياسية، فضلًا عن الموقف الرسمي الإفريقي من الأزمة.
مقدمة:
في ظل التداخل المتزايد بين الملفات الأمنية والاقتصادية العالمية، لم تَعُد إفريقيا جنوب الصحراء بمنأى عن تداعيات الأزمات الجيوسياسية التي تشهدها مناطق أخرى من العالم. وقد مثَّل التصعيد العسكري الخطير بين إسرائيل وإيران في 12 يونيو 2025م، والذي بلغ ذُروته بضربات إسرائيلية استهدفت منشآت نووية وعسكرية داخل العمق الإيراني، لحظة فارقة في مسار النظام الدولي، لما حمَله من رسائل إستراتيجية وتحوُّلات مرتقبة في خرائط التحالفات الإقليمية والدولية.
وبالرغم من وقوع الحدث في قلب الشرق الأوسط؛ إلا أن تداعياته تجاوزت الحدود الجغرافية المباشرة، لتطال إفريقيا جنوب الصحراء، التي أصبحت لاعبًا أكثر تأثيرًا في التوازنات العالمية، سواء بحكم موقعها الجيوسياسي أو وزنها في معادلات الطاقة، وسلاسل الإمداد، والتنافس الدولي على الموارد والشراكات الإستراتيجية.
في هذا السياق، لم يَعُد بالإمكان مقاربة الأزمات الدولية من منظور محلي أو إقليمي ضيّق، بل أصبح لزامًا تبنّي قراءة تحليلية متعددة الأبعاد تستكشف كيف تتقاطع تلك الأزمات مع الديناميكيات الإفريقية، لا سيما في ظل هشاشة بعض اقتصادات القارة، وتزايد اعتمادها على الأسواق الخارجية، وتحديات أمنها البحري والحدودي، وتشتُّت مواقفها السياسية في مواجهة الاستقطاب العالمي المتصاعد.
وعليه، تهدف هذه المقالة إلى تقديم تحليل منهجي لتداعيات التصعيد الإيراني–الإسرائيلي على إفريقيا جنوب الصحراء، من خلال أربعة محاور رئيسة: الخلفيات الدولية للتصعيد، وانعكاساته الاقتصادية والمالية على القارة، وتحديات الأمن الإقليمي والتحولات الجيوسياسية، وصولًا إلى المواقف الرسمية الإفريقية وصدى الحدث داخل القارة. وتختتم المقالة بجملة من التوصيات العملية لتعزيز الاستجابة الإفريقية الجماعية لأزمات النظام الدولي في ظل عالم متعدد الأقطاب.
المحور الأول: خلفيات التصعيد الإيراني–الإسرائيلي وسياقاته الدولية
مثَّل الهجوم الإسرائيلي على المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية في 12 يونيو 2025م تحوُّلًا إستراتيجيًّا خطيرًا في سياق التوترات الإقليمية والدولية. فقد استهدفت الضربات مواقع شديدة الحساسية مثل نطنز وفوردو، وأسفرت عن مقتل عدد من العلماء وكبار القيادات العسكرية، في عمليةٍ وُصفت بأنها أكثر العمليات الإسرائيلية تعقيدًا منذ سنوات. ووفقًا لتحليل معهد دراسة الحرب(ISW) ؛ فإن العملية جاءت بعد أسابيع من التحضيرات الاستخباراتية والهجمات السيبرانية، ما مكَّن إسرائيل من تحييد الدفاعات الإيرانية في وقت قصير. وقد رأت إيران أن هذه الضربات تمثل خرقًا للقانون الدولي وتوعَّدت بالرد.([1])
في السياق ذاته، أشار تقرير لمركزStratfor إلى أن هذه الضربة جاءت عقب تعثُّر المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة في مسقط، مما جعل الخيار العسكري أكثر ترجيحًا لدى القيادة الإسرائيلية. وأوضح أن التقديرات الإسرائيلية كانت ترى في استمرار تخصيب اليورانيوم الإيراني تهديدًا وجوديًّا، ما فرض الرد الوقائي([2]).
أما Atlantic Council فقد رأى أن الضربات الإسرائيلية هدفت إلى “إعادة ضبط قواعد الاشتباك في المنطقة”، وأنها تشكّل رسالة مزدوجة لإيران والولايات المتحدة مفادها أن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء تقدم البرنامج النووي الإيراني، خاصةً مع وجود تقديرات تفيد بوصول تخصيب اليورانيوم إلى مستويات تقترب من الحد اللازم لإنتاج سلاح نووي.([3])
وتشير رويترز إلى أن إيران علَّقت رسميًّا مشاركتها في أيّ مفاوضات نووية جديدة، مُحمِّلة الولايات المتحدة “المسؤولية الكاملة” عن الهجوم بسبب دعمها العسكري والاستخباراتي لإسرائيل([4]).
كما رصدت The Week الأبعاد الأوسع للتصعيد، معتبرةً أن ما حدث ليس مجرد ضربة عسكرية، بل لحظة فارقة قد تُعيد رسم خريطة التحالفات الإقليمية وتفتح الباب أمام سلسلة من الردود في الخليج العربي والبحر الأحمر، مع ما يحمله ذلك من تهديدات محتملة على أمن الطاقة العالمي وخطوط التجارة الدولية.([5])
المحور الثاني: التداعيات الاقتصادية والمالية للتصعيد الإيراني–الإسرائيلي على إفريقيا جنوب الصحراء
في ظل ترابط الأسواق العالمية، أفرز التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران في 12 يونيو 2025م تداعيات اقتصادية عالمية، لم تكن إفريقيا جنوب الصحراء بمنأى عنها. فقد شهدت أسواق النفط العالمية تقلُّبًا حادًّا؛ حيث ارتفعت العقود الآجِلَة لخام برنت بنسبة 7.02% لتصل إلى 74.23 دولارًا للبرميل يوم الجمعة التالي، وهو أعلى مستوى له منذ فبراير، قبل أن تتراجع قليلًا مع نهاية التداولات. يعود هذا الارتفاع بالأساس إلى المخاوف من اتساع رقعة النزاع في منطقة الخليج، خاصةً في ظل التهديد الإيراني بالرد واحتمالية استهداف طرق الملاحة عبر مضيق هرمز، الذي تمر عبره أكثر من 20% من إمدادات النفط البحرية عالميًّا، ما يُعزّز من المخاطر الجيوسياسية المرتبطة بإمدادات الطاقة.([6])
وبالرغم من أن الضربات الإسرائيلية لم تَستهدف البنية التحتية النفطية الإيرانية بشكل مباشر، فإن وجود إيران في منطقة إستراتيجية وحساسة جعل من احتمالية التصعيد تهديدًا فعليًّا لتوازن السوق. وقد أكدت وكالة الطاقة الدولية أن إنتاج إيران من النفط بلغ 3.305 ملايين برميل يوميًّا في أبريل 2025م، ما يُبرز دورها الحيوي في توازن سوق الطاقة العالمية. كما أعلنت الوكالة أنها تحتفظ باحتياطيات طوارئ تُقدَّر بـ1.2 مليار برميل يمكن اللجوء إليها عند الحاجة، ما أسهم في تهدئة الأسواق نسبيًّا.([7])
أما على مستوى القارة، فقد انعكست هذه التطورات سريعًا على العملات وأسواق المال الإفريقية، خصوصًا في الاقتصادات ذات الروابط الوثيقة بالأسواق العالمية. فقد سجل الراند الجنوب إفريقي تراجعًا حادًّا بنسبة أكثر من 1.8% مقابل الدولار الأمريكي خلال ساعات التداول التي أعقبت الضربة، كما تراجعت مؤشرات البورصة في جوهانسبرغ، مع انسحاب المستثمرين من الأصول عالية المخاطر نحو أدوات الملاذ الآمِن كالذهب والسندات الأمريكية.([8])
وفي غانا؛ حيث كان التضخم يتراجع بعد أشهُر من ارتفاع أسعار الوقود، أثار الارتفاع في أسعار النفط حالة جديدة من عدم اليقين؛ حيث يُتوقع أن يؤدي إلى زيادة أسعار الوقود بنسبة 5 إلى 7% خلال أسبوعين، ما يُشكّل ضغطًا متزايدًا على بنك غانا وسعر صرف السيدي، كما قد يُجبر الحكومة على إعادة النظر في سياساتها المالية، خصوصًا ضريبة الوقود الجديدة([9]).
ويمثل هذا التذبذب تحديًا كبيرًا للدول الإفريقية التي تعتمد على استيراد الطاقة؛ حيث يُتوقع أن ترتفع فاتورة الواردات النفطية، مما يزيد من معدلات التضخم ويضغط على أرصدة الحساب الجاري. ومع هشاشة بعض الاقتصادات الإفريقية، لا سيما في منطقة الساحل وشرق إفريقيا، فإن استمرار التصعيد قد يؤدي إلى اضطرابات في الميزانيات العامة وزيادة كلفة الدعم الحكومي للوقود والغذاء، ما يُهدِّد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. كما تتزايد المخاطر المرتبطة بإمدادات الغذاء والسلع بسبب اضطرابات الشحن في البحر الأحمر، الناجمة عن النشاط الحوثي المتصاعد، ما يرفع كلفة التأمين والنقل ويؤثر سلبًا على اقتصادات تعتمد على سلاسل إمداد بحرية مثل السودان وإثيوبيا والصومال. وفي ضوء هذه المستجدات، تُواجه إفريقيا جنوب الصحراء اختبارًا صعبًا في كيفية الاستجابة لصدمات خارجية لا تملك السيطرة عليها، لكنها تؤثر بشكل مباشر على مسار تعافيها الاقتصادي الهشّ.
المحور الثالث: التحوُّلات الجيوسياسية بعد التصعيد الإيراني–الإسرائيلي وانعكاساتها على الأمن الإقليمي في إفريقيا جنوب الصحراء
وفقًا لـThe Africa Report فقد أعادت الضربات الإسرائيلية على البنية التحتية النووية والعسكرية الإيرانية في 12 يونيو 2025م تشكيل خريطة التفاعلات الجيوسياسية في محيط الشرق الأوسط، وامتدت تداعياتها لتطال إفريقيا جنوب الصحراء التي تشهد انكشافًا متزايدًا أمام صراعات القوى الكبرى. فقد مثَّل مقتل عدد من القادة والعلماء النوويين الإيرانيين تصعيدًا خطيرًا، توعّد إثره المرشد الأعلى الإيراني بردّ مُوجِع، مما عزّز احتمالات انزلاق المنطقة إلى صراع أوسع. وبينما انشغلت التحليلات الغربية بمخاطر التصعيد في الخليج، بدأت مؤشرات التأثير تظهر سريعًا في القارة الإفريقية، لا سيما في دول ذات ارتباطات اقتصادية أو دبلوماسية بطهران.
برزت الانعكاسات الجيوسياسية المباشرة في تباين ردود الفعل الإفريقية. فقد أدانت جنوب إفريقيا الضربة الإسرائيلية واعتبرتها انتهاكًا لسيادة إيران، وهو ما يعكس تحالفًا تاريخيًّا متجذرًا. في المقابل، اتخذت فصائل في السودان، بدعم إماراتي، موقفًا متشددًا ضد طهران. هذا التباين يعكس حالة من التصدُّع داخل الكتل الدبلوماسية الإفريقية، مع تصاعد احتمالات إعادة تشكُّل التحالفات وفقًا لمحاور النفوذ الجديد بين الغرب وخصومه. وفي هذا السياق، حذر محللون من أن بعض الدول الإفريقية التي تربطها شراكات إستراتيجية مع إيران، مثل النيجر وبوركينا فاسو، ستواجه ضغوطًا متزايدة في مواقفها الخارجية، لا سيما في ظل اعتمادها المتزامن على تمويلات غربية ومساعدات تنموية بديلة.
من ناحية أخرى، تصاعدت التحديات الأمنية والاقتصادية في شرق إفريقيا على خلفية الاضطرابات في البحر الأحمر، الذي يشهد بالفعل نشاطًا عدائيًّا متصاعدًا مِن قِبَل الحوثيين. وقد دفَع تصاعد المخاطر الجيوسياسية شركات الشحن الدولية إلى تغيير مساراتها نحو رأس الرجاء الصالح، مما أسفَر عن ارتفاع تكاليف النقل وزيادة زمن الشحن، مما يُفاقم الأعباء على الاقتصادات الهشَّة في دول مثل السودان وإثيوبيا والصومال. وتُفاقم هذه التحولات من أزمات الأمن الغذائي وارتفاع أسعار السلع، خاصةً في ظل الاعتماد الكبير لهذه الدول على الواردات عبر الممرات البحرية المضطربة.
علاوةً على ذلك، تُهدّد هذه التطورات بتقويض التغلغل الإيراني الناعم في القارة، والذي تعزَّز منذ جولة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي في يوليو 2023م إلى كينيا وأوغندا وزيمبابوي. وقد سعت طهران من خلالها إلى تقديم نفسها كشريك تنموي غير غربي، يُعزّز استقلالية القرار الإفريقي. ومع اشتداد الاستقطاب الدولي، تواجه هذه الشراكات الآن اختبارًا حرجًا، إذ باتت بعض الدول الإفريقية مدفوعة لإعادة حساباتها الإستراتيجية ضمن نظام دولي أقرب إلى أجواء الحرب الباردة.([10])
في ضوء ما سبق، يتضح أن إفريقيا جنوب الصحراء ليست مجرد متلقٍّ سلبيّ للتفاعلات الجيوسياسية العالمية، بل باتت ميدانًا لتقاطع الإستراتيجيات الإقليمية والدولية. ويكمن التحدّي الأكبر في قدرة الدول الإفريقية على الحفاظ على توازنها الإستراتيجي وسط التحالفات المتغيرة، دون الانزلاق في صراعات لا تمتلك أدوات التأثير فيها، لكنها قد تتحمل تبعاتها الاقتصادية والأمنية الباهظة.
المحور الرابع: الموقف الإفريقي الرسمي وصدى التصعيد داخل القارة
جاء الموقف الإفريقي الرسمي من التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل في 12 يونيو 2025م متَّسمًا بالتحفظ والحيطة؛ حيث دعا رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي محمود علي يوسف إلى “الوقف الفوري للأعمال العدائية”، وحثّ جميع الأطراف على احترام القانون الدولي الإنساني وتفادي توسيع رقعة النزاع، محذرًا من تداعياته على الأمن والاستقرار الدوليين، بما في ذلك إفريقيا([11]).
وقد عكس هذا البيان موقفًا دبلوماسيًّا عامًّا يندرج ضمن السياسة التقليدية للاتحاد الإفريقي القائمة على الحياد وعدم الانحياز، لكنه في الوقت ذاته يُبرز محدودية قدرة المنظمة القارية على لعب دور أكثر فاعلية في التوسط أو التأثير في الأزمات ذات البعد الجيوسياسي الواسع.
ورغم صدور هذا الموقف الموحّد، فإن المواقف الفردية لبعض الحكومات الإفريقية اتسمت بالتباين. فقد التزمت العديد من الدول نهج الحياد الصامت خشية التداعيات السياسية والاقتصادية، في حين أعربت دول أخرى، مثل جنوب إفريقيا ونيجيريا، عن قلقها من تصاعد التوترات وتأثيرها على الأسواق العالمية واستقرار الإقليم.
هذا التفاوت في ردود الفعل يعكس هشاشة الإجماع الإفريقي حول القضايا الدولية الكبرى، ويُظهر محدودية التنسيق بين الدول الأعضاء في المواقف الخارجية، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول فاعلية السياسة الخارجية الإفريقية في ظل عالم متعدد الأقطاب. كما يضع هذا الواقع ضغوطًا إضافية على الاتحاد الإفريقي لتعزيز قدراته المؤسساتية والدبلوماسية من أجل بناء موقف إفريقي جماعي متماسك، خاصةً في الأزمات ذات الارتدادات العالمية.
في ظل تعدُّد مستويات التأثير التي خلَّفها التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل في يونيو 2025م، كان من الضروري رَصْد التداعيات الإفريقية من منظور شامل لا يقتصر على المجال الاقتصادي فحسب، بل يشمل أيضًا الأبعاد الأمنية والدبلوماسية.
ويُظهر الجدول التالي أبرز مظاهر التأثير الفوري وغير المباشر لهذا الحدث على دول إفريقيا جنوب الصحراء، بما يوضح عمق التداخل بين التفاعلات الجيوسياسية العالمية والواقع الإفريقي الهشّ، ويُعزّز الحاجة إلى تحليل متعدد الأبعاد لصياغة استجابات أكثر فاعلية.
يبرز تلخيص الجدول السابق أن إفريقيا جنوب الصحراء لم تعد هامشًا في معادلات الصراع الدولي، بل أصبحت إحدى ساحات التأثر المباشر بالتوترات الكبرى، سواء عبر الأسواق أو الأمن أو الحسابات الإستراتيجية. وتعكس التباينات الواضحة بين الدول المصدرة والمستوردة للطاقة، وبين من تسعى لتوسيع شراكاتها مع قوى مثل إيران، ومن تفضل التزام الحياد، حجم التحدي في بناء موقف إفريقي مُوحّد يحفظ مصالح القارة في عالمٍ يتَّجه بسرعة نحو مزيد من الاستقطاب. ويستدعي هذا الواقع تدعيم البنية المؤسسية للاتحاد الإفريقي، وتطوير آليات استشراف الأزمات وتعزيز المرونة الاقتصادية والسياسية للأقاليم الإفريقية المختلفة.
خاتمة:
تكشف الضربات العسكرية الإسرائيلية على المنشآت الإيرانية في 12 يونيو 2025م عن مدى تعقيد وتشابك التفاعلات الجيوسياسية في عالم اليوم؛ حيث لم تعد أيّ منطقة بمنأى عن تأثير الأزمات الإقليمية والدولية، بما في ذلك إفريقيا جنوب الصحراء. فقد أبرز التصعيد حجم الاعتماد الإفريقي على الأسواق الخارجية في مجالي الطاقة والتمويل، وضعف قدرة المنظومة القارية على التأثير في مسار الأحداث العالمية، فضلًا عن هشاشة البنية الأمنية لبعض الدول أمام تداعيات التوترات العابرة للحدود.
كما أظهرت الأزمة تزايد الضغوط على صانعي القرار الأفارقة في التعامل مع الاستقطاب الدولي المتنامي، والبحث عن توازن دقيق بين الشراكات التقليدية والفرص الجديدة، دون الانزلاق في تحالفات قد تُهدِّد المصالح القومية أو تضعف الاستقلال الإستراتيجي للقارة.
توصيات:
بناءً على ما سبق، تُوصي هذه المقالة بمجموعة من السياسات والخطوات التي من شأنها تعزيز قدرة إفريقيا جنوب الصحراء على الصمود والتفاعل الإستراتيجي مع الأزمات العالمية، ومن أبرزها:
- تعزيز التكامل الاقتصادي الإفريقي: من خلال الإسراع في تفعيل اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA)، بما يُقلّل من الاعتماد المفرط على الأسواق الخارجية، ويُعزّز من مرونة الاقتصادات الإفريقية في مواجهة الصدمات الخارجية، خصوصًا في مجالات الطاقة والغذاء.
- بناء موقف إفريقي دبلوماسي مُوحَّد: عبر دعم آليات التنسيق داخل الاتحاد الإفريقي، وتطوير أدوات استشراف الأزمات العالمية والتفاعل معها بفعالية، بما يُمكِّن القارة من لعب دور أكثر تأثيرًا في القضايا الدولية ذات الانعكاسات الإقليمية.
- تنويع الشراكات الدولية دون التورُّط في المحاور المتصارعة: وذلك من خلال تبنّي سياسة خارجية متوازنة، تسمح بالاستفادة من الفرص المتاحة في ظل التعددية القطبية، دون الوقوع في دائرة التبعية أو الانحياز غير المحسوب لأيّ طرف دولي.
- تحصين الأمن البحري وممرات التجارة الإفريقية: خصوصًا في البحر الأحمر وخليج عدن، عبر تطوير القدرات الوطنية والإقليمية لمواجهة التهديدات غير التقليدية، بالتعاون مع شركاء دوليين دون المساس بالسيادة أو الأولويات الإفريقية.
- تطوير آليات الإنذار المبكّر ورصد الأسواق: من خلال إنشاء مراكز تحليل اقتصادية وأمنية على المستوى القاري، لرَصْد التداعيات الفورية وغير المباشرة للأزمات العالمية، وتقديم التوصيات الوقائية لصانعي السياسات الوطنية.
………………………………………
[1] Institute for the Study of War. (2025, June 13). Iran Update Special Edition: Israeli Strikes on Iran, June 12, 2025. Retrieved from https://www.understandingwar.org/backgrounder/iran-update-special-edition-israeli-strikes-iran-june-13-2025-200-pm-et
[2]Stratfor. (2025, June 12). As U.S.-Iran Nuclear Talks Flounder, Israel Inches Toward Escalation. https://worldview.stratfor.com/article/us-iran-nuclear-talks-flounder-israel-inches-toward-escalation
[3]Atlantic Council. (2025, June 14). Israel’s strikes on Iran are a lesson in strategic surprise. https://www.atlanticcouncil.org/blogs/iransource/by-fusing-intelligence-and-special-operations-israels-strikes-on-iran-are-a-lesson-in-strategic-surprise/
[4]Reuters. (2025, June 13). Iran rules out nuclear talks, blames U.S. for Israel’s attacks. https://www.reuters.com/world/middle-east/iran-rules-out-nuclear-talks-after-israeli-attack-blames-us-2025-06-13/
[5] The Week. (2025, June 13). Four questions that could shape the Middle East’s future after Israel’s strikes on Iran. https://theweek.com/world/middle-east/965812/after-israels-strikes-on-iran-these-four-questions-could-determine-the-middle-easts-future
[6]Reuters. (2025, June 13). South African assets sink on risk aversion after Israel’s strike on Iran. https://www.reuters.com/world/africa/south-african-assets-sink-risk-aversion-after-israels-strike-iran-2025-06-13
Trading Economics. (2025). Brent Crude Oil. https://tradingeconomics.com/commodity/brent-crude-oil
[7] International Energy Agency. (2025). Oil Market Report – June 2025. https://www.iea.org/reports/oil-market-report-june-2025
[8] Reuters. (2025, June 13): Op.Cit.
[9]the Africa Report. (2025, June 13). As Israel bombs Iran, Africa feels the blowback. Retrieved from https://www.theafricareport.com/386095/as-israel-bombs-iran-africa-feels-the-blowback/
[10]The Africa Report. (2025, June 13). As Israel bombs Iran, Africa feels the blowback. Retrieved from: https://www.theafricareport.com/386095/as-israel-bombs-iran-africa-feels-the-blowback/
[11] African Union Commission. (2025, June 13). Press statement by the Chairperson of the African Union Commission on the escalation of hostilities in the Middle East. African Union. Retrieved June 15, 2025, from https://au.int/en/pressreleases/20250613/auc-chairperson-statement-escalation-hostilities-middle-east