الأفكار العامة:
- تسعة حلول مقترحة من ماكينزي للاقتصادات الإفريقية في مواجهة الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة.
- تتراوح الرسوم الجمركية الإضافية المفروضة على 185 دولة مؤخرًا من إدارة ترامب ما بين 10% إلى 50%.
- تُوفّر المقاربة المقترحة السبل لتعزيز التنسيق والاستباق على الرغم من عدم قابلية تطبيقها بصيغتها الحالية.
- ضرورة إعادة النظر في سلاسل التوريد ومخاطر الخسائر القطاعية: السيارات في جنوب إفريقيا، والهيدروكربونات الجزائرية.
- نمذجة السيناريوهات، ضرورة لاستباق سلسلة من المخاطر.
بقلم: كوامي موديست
ترجمة: سيدي.م.ويدراوغو
في مواجهة الرسوم الجمركية الأمريكية الإضافية، يتعين على الاقتصادات الإفريقية، التي أضعفها اعتمادها على الصادرات، أن تُعيد النظر في قدرتها على الصمود. في هذا السياق، يُقدّم نموذج ماكينزي، تسع دعائم إستراتيجية تمثل إطارًا للتوفيق بين الاستجابات الفورية والتحولات الهيكلية، بدايةً من التحسين اللوجستي وصولًا إلى التكامل الإقليمي؛ وذلك من خلال تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية.
إن الرسوم الجمركية الإضافية الأخيرة التي فرضتها إدارة ترامب على 185 دولة، بما في ذلك 51 دولة إفريقية، والتي تتراوح ما بين 10 و50%، تُغرق اقتصادات القارة في منطقة مضطربة، على الرغم من تعليق دونالد ترامب، في 9 أبريل 2025م، الرسوم الجمركية الإضافية لمدة 90 يومًا، باستثناء الصين.
وثمة حاجة مُلِحَّة إلى استجابة منسَّقة بين نهاية قانون النمو والفرص في إفريقيا (AGOA)، وإعادة النظر في سلاسل التوريد ومخاطر الخسائر القطاعية (مثل صناعة السيارات في جنوب إفريقيا، وتجارة الهيدروكربونات في الجزائر).
في هذا السياق، فإن المقاربة التي اقترحها ماكينزي، وهي إنشاء “مركز جيوسياسي بحثي”، تُوفّر إطارًا مناسبًا للبلدان الإفريقية، كما أشار إلى ذلك حمزة إيدام، الخبير المغربي في تدبير الأزمات، في منشور أصدره مؤخرًا.
والترجمة الأكثر دقة للمركز المشار إليه بالفرنسية هي “مركز العصب الجيوسياسي”، وما أراها مثيرة للاهتمام هي المقاربة المنظمة المقترحة للتعامل مع الصدمات الجيوسياسية وسياسات الرسوم الجمركية المربكة على غرار تلك التي فرضتها إدارة ترامب”؛ على حد تعبير حمزة إيدام.
فماذا عن مقاربة ماكينزي؟
في الوثيقة المعنية، تقترح سيندي ليفي، كبيرة الباحثين في مكتب ماكينزي في لندن، ومهير ميسور، شريك في مكتب هيوستن، وشوبهام سينغال، الشريك الرئيسي في مكتب ديترويت، وفارون ماريا، الشريك الرئيسي في مكتب منطقة الخليج، إنشاء “مركز عصبي جيوسياسي”، وهي خلية إستراتيجية مختصة بتنسيق استجابة للمنظمة في مواجهة حالة عدم اليقين.
يعتمد هذا المركز العصبي على تسع ركائز عمل رئيسية، بدءًا من إدارة التدفقات التجارية إلى تحسين المنتج، ونمذجة السيناريوهات، وإدارة التدفق النقدي، وحتى الحوار مع أصحاب المصلحة.
وقد أشار حمزة إيدام إلى “أن هذه المقاربة، وإن لم تكن قابلة للنقل بطبيعتها الحالية؛ إلا أنها توفر سبلًا مفيدة لتعزيز التنسيق والاستباق في سياق الأزمات”.
صدمة التعريفات الجمركية: اختبار صمود للاقتصادات الإفريقية
كما هو معروف جيدًا، فإن التدابير الأمريكية تضرب الاقتصادات الإفريقية بقسوة متفاوتة، مما يكشف عن عيوب هيكلية في النماذج المعتمدة على الصادرات. لا يزال المغرب ومصر، الخاضعان للحدّ الأدنى للمعدل البالغ 10%، يحتفظان بحيّز نِسْبي للمناورة، في حين تعاني جنوب إفريقيا والجزائر (30%)، أو ليسوتو (50%) من تآكل حادّ في القدرات التنافسية. وتواجه صناعة السيارات في جنوب إفريقيا، وهي الدعامة الاقتصادية التي تعتمد 125 ألف وظيفة منها بشكل مباشر على الصادرات إلى الولايات المتحدة، خطر انهيار إنتاجها، ما يُهدِّد قطاعًا يعاني أصلاً من تداعيات التكاليف اللوجستية وتكاليف الطاقة.
ترى الجزائر التي تأتي 95% من عائداتها من المحروقات، أن موقعها في السوق الأمريكية مُهدَّد مِن قِبَل منافسة نيجيريا (14%) ودول الخليج (10%) التي تعتبر أفضل تجهيزًا لاستيعاب التكاليف الإضافية للتعريفات. في حين تخسر ليسوتو -التي فُرِضَ عليها ضريبة بنسبة 50% على صادراتها من المنسوجات-، ميزتها التنافسية التي جعلتها موردًا رئيسيًّا للجينز في السوق الأمريكية.
في المقابل، تَعتبر كينيا -التي فُرِضَ عليها ضرائب بنسبة 10% فقط-، أن هذا التشوّه في التعريفة فرصة غير متوقعة للاستحواذ على حصة في السوق على حساب جيرانها. إن تجزؤ التأثيرات، إلى جانب التعليق الجزئي للتعريفات الجديدة، يعكس التقلب الشديد في السياسات التجارية المعاصرة، ويدفع الحكومات الإفريقية إلى معضلة إستراتيجية: الاستجابة للطوارئ أو إعادة التفكير بشكل عميق في اندماجها في سلاسل القيمة العالمية.
استجابة تتكيف مع التعقيدات الإفريقية:
في مواجهة تجزؤ قدرات إدارة الأزمات في إفريقيا، فإن نهج ماكينزي، الذي يتمحور حول فِرَق شاملة، وآفاق زمنية متعددة، وتحليلات البيانات والدوافع، هو نَهْج إستراتيجي.
تُتيح آليات العمل التسع لـ”مركز العصب الجيوسياسي” التنقل بين الاستجابات الفورية والتحولات الهيكلية. على سبيل المثال، يمكن للجزائر أن تحشد مبادرة “العمليات الجمركية” لتحسين إجراءاتها الجمركية من خلال المستودعات الجمركية، مما يَحُدّ من التأخير المُكلِّف في صادراتها من الصلب.
ومن شأن جنوب إفريقيا، التي تواجه مخاطر نظامية في قطاع السيارات، أن تعمل على تفعيل شبكة تحسين الموردين من خلال تسريع التكامل الإقليمي لسلسلتها اللوجستية من خلال منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (FTAA) ، مما يقلل من اعتمادها على الممرات عالية المخاطر.
وتوازيًا مع ذلك، يمكن لتحالف من البلدان (كينيا وجنوب إفريقيا وغيرها)، من خلال “التزام ستاكهولدر” أن يجمع مناشداته للولايات المتحدة لبدء التفاوض حول إعفاءات محددة الأهداف على غرار الخطوة العاجلة التي أطلقتها ليسوتو.
أصبحت نمذجة السيناريوهات، المحور التحليلي لـ”مركز العصب الجيوسياسي”، ضرورة لتوقع سلسلة من المخاطر. ومن شأن فرض ضريبة إضافية بنسبة 30% على سيارات جنوب إفريقيا، أن يقلل الطلب الأمريكي بنسبة 15% (اعتمادًا على مرونة الأسعار في القطاع)، وهذا سيؤثر بشكل مباشر على خزينة الشركات المصنعة، مما يتطلب مراجعة ميزانيات وإستراتيجيات الحفظ النقدي.
وأخيرًا، فإن الحوار مع أصحاب المصلحة يتجاوز مجرد التنسيق التقني ليصبح ضرورة مؤسسية. ومن شأن الدول الإفريقية أن تستفيد من توحيد أصواتها من خلال الاتحاد الإفريقي، وإنشاء جبهة مشتركة للتفاوض على الشروط الوقائية أو الفترات الانتقالية. ومن شأن التعاون الوثيق مع القطاع الخاص، مثل شركات صناعة السيارات في جنوب إفريقيا التي تُوثّق تأثير التعريفات على العمالة، أن يُعزّز مصداقية المطالبات. ويرى ماكينزي أن الحوار متعدد المستويات، الذي يجمع بين دبلوماسية الدولة وخبرة القطاع، سيكون المفتاح لتحويل الأزمة الأحادية إلى فرصة لإعادة التوازن الاستراتيجي.
تكييف نموذج ماكينزي مع السياق الإفريقي:
إذا كان “مركز العصب الجيوسياسي” يُشكّل إطارًا نظريًّا ذا صلة، فإن تفعيله في إفريقيا يواجه تحديات هيكلية تتطلب تعديلات براغماتية.
تتمثل العقبة الأولى في القدرات التحليلية المحدودة: فغالبية البلدان الإفريقية تفتقر إلى آليات النمذجة المتقدمة (مثل المحاكاة الديناميكية للتدفقات التجارية أو التحليل التنبؤي لرموز HTS “جدول التعريفة الجمركية المنسّق”)، والتي تعتبر ضرورية للتنبؤ بالصدمات التعريفية. لنفترض أن التعاون الإقليمي، من خلال مراكز التميز التابعة لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، من الممكن أن يعمل على تجميع الموارد التقنية وتدريب الخبراء المحليين، وبالتالي تحويل العجز الفردي إلى قوة جماعية.
أما العائق الثاني فهو التفتُّت السياسي: فالتنسيق بين الوزارات (التجارة والمالية والصناعة) لا يزال غير فعَّال في العديد من البلدان. وأخيرًا، يشلّ الاعتماد على المواد الخام البلدان المصدرة الأحادية مثل الجزائر (الهيدروكربونات) أو ليسوتو (المنسوجات)، التي تكافح من أجل تفعيل رافعات التنويع على المدى القصير. بالنسبة لهذه الاقتصادات، فإن الحاجة الملحة إلى الاستجابة للصدمات التعريفية تصطدم بعدم وجود قطاعات بديلة ناضجة، مما يجعل من إعادة توجيه سلاسل القيمة بسرعة أمرًا وهميًّا.
القيود التي تدعو إلى تهجين نموذج ماكينزي، والجمع بين بناء القدرات المحلية، والقيادة السياسية المنسقة، والاستثمار الصبور في التنويع الصناعي.
ومن هذا المنطلق، لا تُسلّط أزمة الرسوم الإضافية الأمريكية الضوء على ضعف النماذج الاقتصادية الإفريقية فقط، ولكن أيضًا عن فرص التحول. كما يذكر حمزة آدم، فإن “نهج ماكينزي المنظم ليس قابلًا للتطبيق كما هو”، ولكنه يلهم ثلاث أولويات: إنشاء خلايا أزمة مشتركة بين الوزارات لمواءمة الاستجابات التكتيكية والإستراتيجية، والاستثمار في الذكاء التجاري لتوقع الصدمات الجيوسياسية وتفاديها، وتعزيز التكامل الإقليمي للحدّ من الاعتماد على الأسواق الخارجية.
في نهاية المطاف، فإن “مركز العصب الجيوسياسي” ليس حلًّا سحريًّا، بل هو حافز لإفريقيا أكثر مرونة، قادرة على تحويل الأزمات إلى رافعات للمرونة الاقتصادية.
الرسوم الإضافية الأمريكية: كيف يمكن للقارة تحويل التهديد إلى فرصة؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال: