تمهيد:
إن لشهر رمضان المبارك تأثيرات ملحوظة على أنماط الاستهلاك والإنتاج في العديد من بلدان قارة إفريقيا التي يوجد مِن بين كل ثلاثة أشخاص مِن سكانها مسلم واحد؛ حيث يتَّسم شهر رمضان بزيادة كبيرة في استهلاك المواد الغذائية، التي تؤدي إلى تغييرات ملحوظة في السوق، مما يؤدي إلى حدوث انتعاشة في بعض القطاعات، بالإضافة إلى تزايد معدلات هدر الطعام، وذلك من ناحية الطلب، مع انخفاض الإنتاجية من ناحية العرض، وهو ما يُؤثِّر على بعض القطاعات بالسلب.
غير أنه تنشأ خلال هذا الشهر الكريم، روح التكاتف والعطاء، من خلال المبادرات المجتمعية، ويشهد استعدادات حكومية لتحقيق الأمن الغذائي.
ومن هنا أحاول من خلال هذه المقالة، الوقوف على التأثيرات المختلفة للطقوس الرمضانية في إفريقيا جنوب الصحراء خلال شهر رمضان على الاستهلاك والإنتاج، والصحة، مع عرض بعض المبادرات الخيرية المختلفة خلال الشهر الكريم؛ وذلك من خلال المحاور التالية:
- أولًا: نمط الاستهلاك الغذائي خلال شهر رمضان في إفريقيا جنوب الصحراء.
- ثانيًا: تأثير شهر رمضان على المبيعات والإنتاج في إفريقيا جنوب الصحراء.
- ثالثًا: الاستعدادات الحكومية لشهر رمضان في إفريقيا جنوب الصحراء.
- رابعًا: المبادرات المجتمعية خلال شهر رمضان: أمثلة من إفريقيا جنوب الصحراء.
- خامسًا: التأثيرات الصحية لأنماط الاستهلاك خلال شهر رمضان في إفريقيا جنوب الصحراء.
- سادسًا: زيادة هدر الطعام خلال شهر رمضان في إفريقيا جنوب الصحراء.
أولًا: نمط الاستهلاك الغذائي خلال شهر رمضان في إفريقيا جنوب الصحراء
خلال شهر رمضان يزداد التركيز على الطعام؛ حيث يقوم تجار التجزئة للمواد الغذائية بتخزين المنتجات قبل شهر على الأقل؛ استعدادًا للطلب الزائد عليها. وتمتد ساعات العمل في محلات السوبر ماركت والهايبر ماركت إلى منتصف الليل، وتميل إلى تقديم عروض وتخفيضات خاصة بشهر رمضان. وليس من قبيل المصادفة أن تكون الإعلانات عن الأطعمة والمشروبات ضخمة خلال شهر رمضان.
وعلى الرغم من أن رمضان هو شهر الصيام، فإن استهلاك الطعام خلال فترة “الإفطار” إلى “السحور” يتجاوز نمط الاستهلاك الطبيعي. ولا تزيد فواتير الطعام بنسبة 50-100% خلال شهر رمضان فحسب، بل تشير التقارير إلى أن 83% من الأُسَر تُغيِّر عادات استهلاكها للطعام خلال الشهر. وتشير التقديرات إلى أن استهلاك الطعام في رمضان يمثل 15% من الإنفاق السنوي على الطعام.
ومن بين السلع الأكثر استهلاكًا: التمور والمكسرات ومنتجات الألبان. ويزيد استهلاك الخبز والدجاج والفواكه المجفّفة بنسبة 63% و66.5% و25% على التوالي، مقارنةً بالأشهر الأخرى من العام. وتأتي منتجات الألبان، مثل الزبادي والجبن واللبن، من بين أعلى المبيعات.([1])
وتقوم الأُسَر بشراء كميات أكبر من الطعام استعدادًا للإفطار، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار؛ حيث يرتفع استهلاك الخضروات واللحوم والحلويات بشكل ملحوظ. وفي عام 2022م، توصل استطلاع أجري في مجموعة من البلدان الإفريقية إلى أن نفقات الطعام في ثلاثة من أصل خمسة بلدان هي نفسها في رمضان السباق؛ حيث أظهر المتوسط الإفريقي أن 44% من المستجيبين سينفقون نفس المبلغ. و42% من الناس سينفقون أكثر، ويميل المستهلكون إلى إنفاق المزيد على الأطباق الفاخرة والأطعمة المستوردة للاستمتاع بها أثناء الإفطار.([2])
على سبيل المثال، يمكن أن يرتفع الطلب على منتجات اللحوم، مثل لحم البقر ولحم الضأن والدجاج، بنحو 50% مقارنة بالأشهر العادية.([3]) بالإضافة إلى ذلك، أفادت العديد من الأُسَر بزيادة بنسبة 30-100% في إنفاقها على الطعام خلال هذا الشهر.([4])
كما أصبحت الألعاب الإلكترونية بارزة بشكل متزايد خلال الشهر؛ حيث أظهر بحث عن شهر رمضان 2023م أجرته شركة Digital Turbine أن 51٪ من الأشخاص في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا سيقضون وقتًا أطول في لعب الألعاب عبر الهاتف المحمول خلال الشهر، بينما سيقضي أكثر من 71٪ في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وقتًا أطول أو متساويًا في اللعب.([5])
ثانيًا: تأثير شهر رمضان على المبيعات والإنتاج في إفريقيا جنوب الصحراء
يختلف تأثير شهر رمضان في إفريقيا جنوب الصحراء على الإنتاج عبر القطاعات المختلفة. ويؤدي الالتزام بالصيام إلى تغييرات في ساعات العمل ومستويات الإنتاجية والنشاط الاقتصادي. وذلك في بعض القطاعات، وخاصة تلك التي تعتمد على العمل اليدوي أو الزراعة؛ حيث تنخفض الإنتاجية بسبب التعب والتغيرات في أنماط الأكل. وعلى العكس، تشهد الصناعات مثل الأغذية والمشروبات زيادة في الطلب كما ذكرنا. ويؤكد هذا التقلب على الطبيعة المزدوجة للتأثير الاقتصادي لشهر رمضان، مما يدل على زيادة مؤقتة في قطاعات محددة جنبًا إلى جنب مع انخفاض في قطاعات أخرى؛ حيث تنخفض الإنتاجية خلال الشهر من 35٪ إلى 50٪ بسبب تقصير ساعات العمل، وعدم القدرة على التركيز مع عدم الوصول إلى الطعام أو المشروبات حتى غروب الشمس وقلة ساعات النوم. وهو مثل جميع الاحتفالات الدينية، تجاري للغاية؛ وفرصة لتسويق المنتجات؛ حيث تشهد شركات البيع بالتجزئة والضيافة زيادة حادة في المبيعات. ففي بعض الدول، تظل غالبية المطاعم والمقاهي مفتوحة لساعات متأخرة حتى منتصف الليل للسحور. تقليديًّا، يخرج الناس بعد الإفطار بشكل خاص للتواصل الاجتماعي وتناول الطعام في الخارج والاستمتاع بالسحور مع الأصدقاء والعائلة؛ حيث يرى رجال الأعمال أنه وقت الحذر وقلة الإنتاجية، ولكن أيضًا وقت الفرص، وخاصة بالنسبة لصناعات الأغذية والتجزئة والضيافة.([6])
كما أن توقيت شهر رمضان يؤثر بشكل كبير على نمو الناتج المحلي الإجمالي، وخاصة في البلدان البعيدة عن خط الاستواء؛ حيث وُجد أن فترات الصيام الأطول قد تؤدي إلى انخفاض الإنتاجية الاقتصادية، في حين أن فترات الصيام الأقصر قد تؤدي إلى زيادة النمو. غير أن الشهر الفضيل يُعزّز الرفاهية بين المسلمين، مما يخلق مفارقة؛ حيث يُبلّغ الأفراد عن مستويات أعلى من السعادة حتى في ظل القيود الاقتصادية. وهذا يشير إلى أن الأبعاد الاجتماعية والروحية لشهر رمضان قد تُوفّر فوائد تعويضية تخفف من الآثار الاقتصادية السلبية([7]).
وعلاوة على ذلك، تلعب أسواق المواد الغذائية التقليدية في المناطق الحضرية دورًا حاسمًا في اقتصادات الأُسَر ذات الدخل المنخفض خلال الشهر؛ حيث تُعَدّ هذه الأسواق مصادر حيوية لإمكانية الوصول إلى الغذاء وتوفير فرص العمل للعديد من البائعين، وخاصة النساء، اللاتي يمثلن نسبة كبيرة من البائعين غير الرسميين في مدن جنوب الصحراء. وغالبًا ما تُقدِّم هذه الأسواق ساعات عمل مرنة، والتي تستوعب الروتين اليومي المتغير خلال شهر رمضان، مما يجعلها ضرورية للمستهلكين منخفضي الدخل الذين يسعون إلى خيارات غذائية بأسعار معقولة. ومع ذلك، يمكن لمنافذ البيع بالتجزئة الحديثة أن تُحوِّل -عن غير قصد- الأنماط الغذائية نحو الأطعمة غير الصحية، مما يؤثر على التغذية خلال الشهر.([8])
ويمكن أن يكون لشهر رمضان تأثير ضارّ على المبيعات عندما يتزامن مع فترة ذروة المنتج الموسمي. فمثلاً تنخفض مبيعات المشروبات عادةً مع توقف الاستهلاك أثناء النهار؛ حيث تغلق المقاهي والمطاعم والمتاجر، وينخفض الاستهلاك ليلاً أيضًا بسبب تشجيع الشهر على الطهارة الشخصية والتقوى. ويلتزم العديد من شاربي الكحول المحتملين بأمر الإسلام ضد استهلاك الكحول، مؤقتًا على الأقل. فضلاً عن ازدهار بعض السلع بما في ذلك سلة عيد الفطر، والملابس الإسلامية، والفواكه والوجبات السريعة، وغيرها.([9])
وفيما يلي بعض النقاط الرئيسية حول رمضان 2025م:([10])
- يُعدّ الشهر فترة مهمة للشركات، مع تأثير ملحوظ على إنفاق المستهلكين ونمو التجارة الإلكترونية؛ حيث يشعر العديد من المتسوقين براحة أكبر مع التجارة الإلكترونية، وخاصة خلال شهر رمضان، عندما يصبح الوقت والراحة عوامل رئيسية. وتعكس الزيادة الإجمالية بنسبة 7.4٪ في المبيعات عبر الإنترنت هذا التحول.
- ويسهم شهر رمضان بنحو 19٪ من المبيعات السنوية للسلع الاستهلاكية سريعة الحركة؛ حيث تلاحظ في رمضان 2024م نموًّا في القيمة بنسبة 26.5٪، مما يعني أن الإنفاق الإجمالي زاد بشكل كبير مقارنة بالعام السابق. وكان هناك أيضًا نموّ في مبيعات الوحدات بنسبة 5.4٪، مما يشير إلى أن حجم المنتجات المباعة نما أيضًا، وإن كان أبطأ من الزيادة في القيمة.
- هيمن قطاع الأغذية بوضوح في عام 2024م، مما يعكس أولويات وسلوك المستهلك. وأسهمت فئات الأغذية بنسبة 81.6% من المبيعات، في حين أسهمت فئات غير الأغذية بنسبة 18.4%. كما تم إطلاق أكثر من 500 وحدة تخزين جديدة للأغذية وغير الأغذية بين رمضان 2024م ورمضان 2023م في كل دولة.
- تتعزز بشكل كبير المبيعات في قطاعَي التكنولوجيا والسلع المعمرة؛ حيث يمثلان 13-16٪ من المبيعات السنوية. بينما شهدت منتجات التحكُّم في مناخ المنزل نموًّا كبيرًا بسبب المناخ والوقت الممتد الذي يقضيه الناس في المنزل، وشهدت الإلكترونيات الاستهلاكية انخفاضًا؛ حيث ركز المستهلكون أكثر على المشتريات الأساسية، وانتظار شراء بعض المبيعات والكماليات لما بعد رمضان.
ثالثًا: الاستعدادات الحكومية لشهر رمضان في إفريقيا جنوب الصحراء
إن دور الحكومة في الاستعداد لشهر رمضان في إفريقيا جنوب الصحراء أمر بالغ الأهمية؛ لأنه يُشكّل تجارب الملايين خلال هذا الوقت المقدس. ومن خلال معالجة المخاوف الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، فإن هذه الاستعدادات لا تُعزّز فقط الاحتفال بشهر رمضان، بل تُسهم أيضًا في تحقيق الأهداف الأوسع للرعاية الاجتماعية ومرونة المجتمع في المنطقة. وتشمل الاستعدادات الحكومية لشهر رمضان في إفريقيا جنوب الصحراء مجموعة من المبادرات التي تهدف إلى دعم الاحتياجات الروحية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات المسلمة. وبينما ينخرط الملايين في جميع أنحاء المنطقة في الصيام من الفجر حتى غروب الشمس، تدرك الحكومات أهمية تيسير المساعدات الإنسانية، وضمان الأمن الغذائي، وتعزيز برامج الرعاية الاجتماعية؛ للتخفيف من التحديات التي تواجهها الفئات الضعيفة. ويوضح إشراك السلطات المحلية والمنظمات الدينية والمبادرات المجتمعية التزامًا أوسع بتعزيز الانسجام والتماسك الاجتماعي، فضلاً عن معالجة المشكلات الاقتصادية التي تفاقمت بسبب التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة.([11])
يتميز الاحتفال بالشهر الكريم بتجمعات الإفطار الجماعية والحوارات بين الأديان والاحتفالات الثقافية، وكلها تعمل على تعزيز الروابط المجتمعية. ومع ذلك، غالبًا ما تتعقد هذه الجهود بسبب التهديدات الأمنية والتحديات الاجتماعية والاقتصادية، وخاصة في المناطق المتضررة من الصراع؛ حيث قد يكون الوصول إلى الخدمات الأساسية مُعرَّضًا للخطر([12])، وفي استجابة لذلك، تُنفّذ الحكومات تدابير مثل تثبيت أسعار المواد الغذائية، وبرامج المساعدات النقدية، وآليات التنسيق لتقديم المساعدات الإنسانية لضمان تلبية احتياجات السكان خلال الشهر.([13])
وفي سياق التفاوتات القائمة وعدم الاستقرار السياسي في المنطقة، ومع تعرض العديد من المجتمعات لزيادة الطلب على الغذاء خلال الشهر، تصبح تحديات تخصيص الموارد والتفاوتات الاقتصادية أكثر وضوحًا. وتتطلب تدخلات سياسية لتعزيز الإنتاجية ودعم الفئات الضعيفة، وضمان تقاسم فوائد الأنشطة الاقتصادية بشكل عادل بين مختلف الفئات الاجتماعية والاقتصادية.([14])
رابعًا: المبادرات المجتمعية خلال شهر رمضان: أمثلة من إفريقيا جنوب الصحراء
في سياق ارتفاع الأسعار وزيادة الاستهلاك، تُواجه الأُسَر ذات الدخل المحدود ضغوطًا اقتصادية أكبر خلال شهر رمضان. فقد تضطر هذه الأُسَر إلى تقليل كميات الطعام التي يشترونها أو تغيير عاداتهم الغذائية بسبب ارتفاع الأسعار. واستجابةً لهذه التحديات، تقوم الحكومات والمنظمات غير الحكومية بإطلاق مبادرات لدعم الفئات الضعيفة خلال الشهر. تشمل توزيع المواد الغذائية بأسعار مخفضة أو تقديم مساعدات غذائية للأسر المحتاجة؛ لضمان عدم تفاقم أزمة الجوع.
وتشمل المبادرات المجتمعية خلال شهر رمضان في إفريقيا جنوب الصحراء مجموعة متنوعة من الممارسات التي تهدف إلى تعزيز الصحة والتعليم والرفاهة الاجتماعية، من أهمها ما يلي:
-العمل الخيري وتعبئة الموارد وتوزيعها لتحقيق الأمن الغذائي:
يُعدّ العمل الخيري المجتمعي جانبًا مهمًّا من مبادرات رمضان؛ حيث يجتمع أعضاء محليون لجمع الأموال والموارد للمشاريع المجتمعية، فخلال الكوارث، نجحت المجتمعات في تعبئة أكثر من 30 ألف دولار لدعم بعضها البعض، مما يوضح قوة العمل الجماعي في معالجة الاحتياجات العاجلة. ولا يعمل هذا النهج الشعبي لتخصيص الموارد على تعزيز الروابط المجتمعية فحسب، بل يعمل أيضًا على تمكين الأفراد من تولي مسؤولية أهداف التنمية الخاصة بهم.([15])
ويُعدّ الأمن الغذائي مصدر قلق مُلِحّ، وخاصةً خلال شهر رمضان عندما يتم التركيز على العطاء الخيري. وغالبًا ما تبدأ المنظمات المجتمعية برامج توزيع الأغذية لدعم الفئات السكانية الضعيفة. فمثلاً تضمن المبادرات التي تُوفّر حزمًا غذائية ومياهًا نظيفة للمدارس حصول الأطفال على التغذية اللازمة خلال هذا الوقت الحرج. وتُعدّ هذه البرامج حيوية في تخفيف الجوع، وتعزيز الصحة بين أفراد المجتمع الأكثر حرمانًا، مما يُوضِّح روح الرحمة في رمضان والجهد الجماعي لدعم المحتاجين.([16])
ففي تنزانيا، تبرعت شركة QNET بالمواد الغذائية ولوازم النظافة، وقدمت الدعم المالي لدار أيتام Mazizini في زنجبار، ودار أيتام Chakuwama في دار السلام، وفي لاجوس، نيجيريا، تواصلت الشركة مع دار أيتام باب السلام، وهو مركز يركز على إيواء الأطفال من الأسر المسلمة منذ عام 1990؛ حيث تبرعت بالمواد الغذائية والمؤن ولوازم النظافة. وفي غانا، نظمت جلسة إفطار في مستشفى محلي يقع في كوماسي. كما عملت مع مسجد محلي في أبيدجان، ساحل العاج، لجمع عدد كبير من الصائمين معًا لتناول وجبة الإفطار. وشهد التجمع حضور العديد من الأُسَر في الإفطار الجماعي، إلى جانب صلاة القيام في المسجد.([17])
كما أن التعاون بين أعضاء الديانات المختلفة يُشكِّل عنصرًا أساسيًّا في بناء السلام. وقد نظَّمت مؤسسة السلام العالمي في نيجيريا، بالشراكة مع الكنيسة والمجتمع في كادونا والجمعية الدولية لوعي كريشنا في جوس، برنامج إطعام رمضان لعدة أيام في ولايات العاصمة الفيدرالية وكادونا وبلاتو. وفي 27 مارس و2 أبريل و4 أبريل 2024م، أطعم البرنامج ما يُقدَّر بنحو 2100 مسلم في المواقع الثلاثة.([18])
-المبادرات المتعلقة بالصحة:
غالبًا ما تركز تلك المبادرات على معالجة الأمراض السائدة وتحسين معرفة الصحة بشكل عام. على سبيل المثال، يشارك أعضاء المجتمع في جهود التوعية لتعزيز الوعي بأمراض مثل داء البلهارسيا، والتي تشمل استخدام وسائل الإعلام لإعلام السكان عن تفشّي الأمراض والتدابير الوقائية. وكانت ورش العمل التشاركية ومناقشات المجموعات البؤرية فعَّالة في جمع ردود الفعل من أعضاء المجتمع فيما يتعلق بالتدخلات الصحية، مما يسمح بإستراتيجيات مُصمَّمة تتوافق مع الاحتياجات المحلية.([19])
إن إحدى الطرق التي يمكنك من خلالها تجسيد جوهر الصدقة خلال هذا الوقت المبارك هي إعطاء المياه النظيفة لشعب إفريقيا؛ حيث إن شرب المياه غير النظيفة يُعرِّض الملايين من الناس لخطر الإصابة بالأمراض الضارة. وعندما لا تكون المياه وفيرة، لا يتمكن المزارعون من زراعة ما يكفي من الغذاء لإعالة مجتمعاتهم وبيعه للآخرين، مما يؤدي إلى زيادة الجوع وإضعاف الاقتصاد المحلي.
وهناك كميات هائلة من المياه النظيفة في إفريقيا جنوب الصحراء. ومع ذلك، توجد معظمها تحت الأرض، ويجب الوصول إليها عن طريق الأنابيب المحفورة في الأرض. وهذا مشروع مكلف للغاية بالنسبة لمعظم المجتمعات الريفية الصغيرة في البلدان النامية مثل تشاد والكاميرون ونيجيريا وتنزانيا وأوغندا وكينيا. ولكن بمساعدة منظمات مثل Embrace Relief، يقوم المتبرعون بالمساعدة في تغيير حياة الناس في شهر رمضان، من خلال ضمان الوصول إلى المياه الآمنة والمستدامة. ومنذ عام 2013م، شرعت المنظمة في برنامج طموح لبناء آبار مياه جديدة وإعادة بناء الآبار المهجورة في إفريقيا. وقامت ببناء أو إعادة بناء أكثر من 850 بئرًا، ممَّا يُوفّر المياه النظيفة لما يقرب من مليون شخص. ويُعدّ الحصول على المياه النظيفة حاجة إنسانية أساسية، ومع ذلك يعيش أكثر من 300 مليون شخص في إفريقيا جنوب الصحراء باستمرار في ندرة المياه. ([20])
-مبادرات الاستدامة البيئية:
بالإضافة إلى الصحة والتعليم، غالبًا ما تُؤكّد المبادرات المجتمعية خلال شهر رمضان على الممارسات المستدامة. ويمكن أن يُؤدّي تعزيز الأساليب الصديقة للبيئة في الزراعة وإدارة المياه إلى تقليل التدهور البيئي بشكل كبير مع تعزيز مرونة المجتمع. وتشمل الجهود برامج تدريبية للمزارعين على تقنيات الزراعة المستدامة، والتي يمكن أن تساعد في تأمين مصادر الغذاء للمجتمعات مع الحفاظ على التوازن البيئي. تعكس هذه المبادرات نهجًا شاملاً لتنمية المجتمع؛ حيث تتشابك الصحة البيئية مع صحة الإنسان والحيوان، ومن خلال هذه المبادرات المتنوعة، تُجسّد المجتمعات في المنطقة خلال شهر رمضان الجهود الجماعية الرامية إلى تعزيز الرفاهية. ([21])
-البرامج التعليمية:
تلعب المبادرات التعليمية خلال شهر رمضان أيضًا دورًا مهمًّا في تمكين المجتمعات. وغالبًا ما تشرك البرامج الشباب في البحث العملي التشاركي الذي يهدف إلى تعزيز التنمية التعليمية. على سبيل المثال، شارك التلاميذ بنشاط في الأنشطة المدرسية المتعلقة بالصحة، مثل إنشاء الموادّ الترويجية وإجراء ممسوحات الأسر، وبالتالي العمل كعوامل تغيير داخل مجتمعاتهم([22]). وقد لُوحظ أن دمج أعضاء المجتمع في عمليات صنع القرار المتعلقة بالمشاريع التعليمية يُعزّز الملكية المحلية والاستدامة، ويُشجّع بشكل أكبر على تطوير المبادرات التي تُعالج الحواجز التعليمية المحددة([23])
خامسًا: التأثيرات الصحية لأنماط الاستهلاك خلال شهر رمضان في إفريقيا جنوب الصحراء
خلال شهر رمضان، تتغير العادات الغذائية بشكل كبير؛ حيث غالبًا ما تكون وجبات الإفطار التقليدية غنية بالكربوهيدرات والسكريات. في حين أن هذه الوجبات تهدف إلى استعادة مستويات الطاقة بعد الصيام، ولذا فإن الاعتماد المفرط على الأطعمة السكرية والمصنعة يمكن أن يؤدي إلى أنماط أكل غير صحية، بما في ذلك ارتفاع مستويات السكر في الدم، وسوء جودة النظام الغذائي بشكل عام([24]).
ويجب أن يشمل الإفطار المتوازن الكربوهيدرات المعقدة والبروتينات والترطيب، ومع ذلك قد يتجاهل العديد من الأفراد هذه العناصر الغذائية لصالح الخيارات المفرطة.([25]) ويمكن أن يؤدي هذا التحوُّل في أنماط الاستهلاك إلى مضاعفات صحية، خاصة بين أولئك الذين يواجهون بالفعل تحديات تتعلق بانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية.([26])
وبهدف تقييم التعديلات الغذائية للمسلمين النيجيريين خلال شهر رمضان والتغيرات المرتبطة بها في وزن الجسم والحالة الصحية؛ أجريت دراسة مقطعية على شبكة الإنترنت بين المسلمين النيجيريين البالغين. قام المسح بتقييم العوامل الاجتماعية والديموغرافية والعادات الغذائية وسلوكيات الأكل واختيارات الطعام والتغيرات المتصورة في الوزن والحالة الصحية. وتم استخدام نموذج الانحدار اللوجستي لتقييم المتنبئين بتغير الوزن والحالة الصحية المتصورة. كان هناك 770 مشاركًا، 62.9٪ منهم من النساء، تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عامًا بمتوسط عمر 27.7 ± 6.4 سنة. تم استهلاك الفاكهة والتمور والأطعمة محلية الصنع ومنتجات الألبان والخضروات بشكل متكرر. وكان هناك عدد أقل من مشروبات الطاقة والمعجنات والوجبات الخفيفة المالحة والمشروبات الغازية أو المحلاة التي تم استهلاكها خلال شهر رمضان مقارنة بما قبل ذلك. وقد ذكر أكثر من نصف المشاركين (54.6%، 95% فاصل الثقة: 51.0-58.9%) وزنهم خلال شهر رمضان، وحافظ 37.0% (95% فاصل الثقة: 17.4-38.6%) على وزنهم، واكتسب 8.4% (95% فاصل الثقة: 6.6-10.6%) وزنًا خلال الشهر. وأفاد ما يقرب من جميع المشاركين (97.3%، 95% فاصل الثقة: 95.8-98.3%) أنهم يتمتعون بصحة جيدة خلال شهر رمضان، وأفاد 2.7% (95% فاصل الثقة: 1.7-4.1%) أنهم يعانون من حالة صحية أسوأ خلال الشهر. وكان هناك فقدان كبير للوزن وتغيير غذائي صحي مرتبط بصيام شهر رمضان في نيجيريا. ([27])
سادسًا: زيادة هدر الطعام خلال شهر رمضان في إفريقيا جنوب الصحراء
تزداد معدلات إهدار الطعام في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بشكل ملحوظ خلال شهر رمضان، وتشير الأبحاث إلى أن ما يصل إلى 30% من الطعام يُهدَر خلال هذه الفترة مقارنة بالأشهر الأخرى، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى الإفراط في الشراء والإفراط في إعداد وجبات فاخرة للإفطار. وهذا الاتجاه مثير للقلق؛ لأنه يعكس فجوة كبيرة بين قِيَم الاعتدال والامتنان التي تُشكّل جوهر شهر رمضان وسلوكيات الاستهلاك الفعلية التي تظهر خلال الشهر. وفي نهاية المطاف، كان من الممكن أن يُخفّف الطعام المهمل من الجوع في منطقة؛ حيث يؤثر انعدام الأمن الغذائي على الملايين([28]).
وتُسهم الديناميكيات الاجتماعية والثقافية لشهر رمضان في ارتفاع مستويات الهدر هذه؛ حيث تقوم العديد من الأُسَر بإعداد المزيد من الطعام أكثر من اللازم للاحتفال بالتجمعات الجماعية، مما يؤدي غالبًا إلى وجود بقايا كبيرة لا يتم تناولها. بالإضافة إلى ذلك، تلعب الأسر ذات الدخل المرتفع وقطاع الضيافة دورًا حاسمًا في هذه الزيادة؛ حيث تؤدي عروض البوفيه المفتوح الباهظة إلى تفاقم المشكلة. وفي دول مثل مصر، تُظهر الدراسات أن ما يصل إلى 60٪ من الطعام المُعدّ خلال شهر رمضان يُهدَر، مما يؤكد التناقض المقلق مع التعاليم الروحية لهذا الشهر.([29])
والآثار البيئية لهذا الهدر وخيمة؛ حيث يُسهم بشكل كبير في انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري من خلال تحلل الطعام المهمل في مكبات النفايات، مما يُطلق غاز الميثان، وهو غاز أقوى من ثاني أكسيد الكربون([30]).
ومن الناحية الاقتصادية؛ يُمثّل هدر الطعام خسارة مذهلة للموارد؛ حيث يُقدّر أن 37٪ من الغذاء المنتج في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إما يضيع أو يُهدَر، مما يترجم إلى خسائر مالية كبيرة للمزارعين وحالة متزايدة من انعدام الأمن الغذائي لملايين البشر.([31])
خلال شهر رمضان المبارك، يزداد هدر الغذاء بشكل كبير في البلدان ذات الأغلبية المسلمة، مما يعكس اتجاهًا مقلقًا في أنماط الاستهلاك والسلوكيات الاجتماعية. وتشير الدراسات إلى أن ما يقرب من 15-25٪ من الطعام الذي يتم شراؤه أو إعداده خلال هذه الفترة يتم التخلُّص منه، مما يؤدي إلى كميات كبيرة من النفايات التي يمكن أن تُخفِّف من الجوع في المناطق الفقيرة.([32])
ختامًا:
بشكل عام، يتضح أن شهر رمضان له تأثيرات معقّدة على الاستهلاك والإنتاج في إفريقيا جنوب الصحراء؛ حيث يتطلب التوازن بين تلبية الاحتياجات الغذائية المتزايدة وضمان استدامة الإنتاج. فضلاً عن وجود مبادرات خيرية تمثل روح التآخي بين المسلمين، وممارسات أخرى تتنافى مع الغرض من الصيام، وهي زيادة الإنفاق الغذائي وهدر الطعام.
………………………………………….
[1] ) Aya Yousef, The economic impact of Ramadan on the food sector.at: https://www.hlb.global/the-economic-impact-of-ramadan-on-the-food-sector/
[2] ) https://www.statista.com/statistics/1332299/ramadan-food-expenses-this-year-compared-to-last-year-in-africa/
[3] ) Rehan Ahmad, An Urgent Call to Reduce Food Wastage in Ramadan, April 11, 2022.at: https://www.ecomena.org/food-wastage-ramadan/
[4] ) theexchange.africa, UNEP report sounds the alarm on Africa’s growing food waste crisis,at: https://theexchange.africa/countries/africas-growing-food-waste-crisis/
[5] ) gouldstudio, Designing for Ramadan 2025, Jan 26, 2025.at: https://www.gouldstudio.com/insights/designing-for-ramadan-2025
[6] ) Aya Yousef, Op.cit.
[7] ) theislamiceconomist, xploring Iftar Traditions Around the Globe, April 1, 2024.at: https://theislamiceconomist.org/knowledge-centre-interviews/exploring-iftar-traditions-around-the-globe/
[8] ) foreignaffairs, Counting Ramadan, July 14, 2015.at: https://www.foreignaffairs.com/world/counting-ramadan
[9]) Omolabake Fasogbon, How Businesses Can Thrive During Ramadan,at: https://www.thisdaylive.com/index.php/2025/02/22/how-businesses-can-thrive-during-ramadan/
[10] ) zawya, Nielsen, IQ to unveil key consumer insights with Ramadan Advent Calendar 2025. February 27, 2025.at: https://www.zawya.com/en/press-release/companies-news/nielseniq-to-unveil-key-consumer-insights-with-ramadan-advent-calendar-2025-mmnsbvk5
[11] ) Aamer Yaqub, what is the Significance of Iftar Gatherings in Muslim Communities? 2024-03-27.at: https://www.halaltimes.com/what-is-the-significance-of-iftar-gatherings-in-muslim-communities/
[12] ) embracerelief, Celebrating Ramadan Globally: Unique Traditions and Unity
March 06, 2024.at: https://www.embracerelief.org/celebrating-ramadan-globally-unique-traditions-and-unity/
[13] ) Ama Nunoo, from moon watching to lantern-lighting, here are five Ramadan traditions in Africa. April 17, 2021, at: https://face2faceafrica.com/article/from-moon-watching-to-lantern-lighting-here-are-five-ramadan-traditions-in-africa
[14] ) African Business, How African businesses survived the Ramadan fast, July 7th, 2016.at: https://african.business/2016/07/economy/african-businesses-survived-ramadan-fast
[15] ) Zewdie Birhanu Koricha and etal, Community engagement in research addressing infectious diseases of poverty in sub-Saharan Africa: A qualitative systematic review.at: https://journals.plos.org/globalpublichealth/article?id=10.1371/journal.pgph.0003167
[16] ) theimpactspace, Top 4 Challenges Faced by communities in Sub-Saharan Africa
May 22, 2024.at: https://theimpactspace.org/top-4-challenges-faced-by-communities-in-sub-saharan-africa/
[17] ) aetoswire, QNET marks the month of Ramadan through global initiatives, 06. May 2022.at: https://aetoswire.com/en/news/qnet-marks-the-month-of-ramadan-through-global-initiatives
[18] ) Robin McDonough, Promoting Unity and Solidarity through Ramadan Feeding Program in Nigeria, April 14, 2024.at: https://globalpeace.org/promoting-unity-and-solidarity-through-ramadan-feeding-program-in-nigeria/
[19] ) https://www.embracerelief.org/donation/international-hunger-relief-ramadan-africa
[20] ) embracerelief, Empower Lives This Ramadan: Donate to Build Water Wells in Africa December 19, 2023.at: https://www.embracerelief.org/empower-lives-this-ramadan-donate-to-build-water-wells-in-africa/
[21] ) Sangong, S., Saah, F.I. & Bain, L.E.aoap.cit.
[22] ) https://www.embracerelief.org/donation/international-hunger-relief-ramadan-africa
[23] ) Sangong, S., Saah, F.I. & Bain, L.E. Effective community engagement in one health research in Sub-Saharan Africa: a systematic review. One Health Outlook 7, 4 (2025). https://doi.org/10.1186/s42522-024-00126-4
[24] ) ciaaf, Impacts of food importations dependency on food security in sub-saharan Africa, 21 Oct , 2021.at: https://www.ciaaf.org/english/impacts-of-food-importations-dependency-on-food-security-in-sub-saharan-africa/
[25] ) Dr. Alina Gabdulbarova, nutritional Foods for Suhoor and Iftar: Boost Your Energy During Ramadan, 18th February 2025.at: https://firstresponsehealthcare.com/blog/qa/nutritional-foods-for-suhoor-and-iftar-boost-your-energy-during-ramadan/
[26] ) qiratulquran, The Tradition of Community Iftars During Ramadan.at: https://www.qiratulquran.com/the-tradition-of-community-iftars-during-ramadan/
[27] ) Sahabi Kabir Sulaiman and etal, Nigerian Muslim’s Perceptions of Changes in Diet, Weight, and Health Status during Ramadan: A Nationwide Cross-Sectional Study .at: https://www.mdpi.com/1660-4601/19/21/14340
[28] ) Salman Zafar, Food Waste and the Spirit of Ramadan, March 23, 2023.at: https://www.ecomena.org/food-waste-and-the-spirit-of-ramadan/
[29] ) Muhammad, Ramadan, month of overconsumption and….waste,, March 22, 2024.at: https://www.understanding-islam.com/ramadan-month-of-overconsumption-and-waste/
[30] ) Hassan, S.H. and Low, E.C. (2024), “Spur of the moment: the unintended consequences of excessive food purchases and food waste during Ramadan”, British Food Journal, Vol. 126 No. 7, pp. 2732-2745. https://doi.org/10.1108/BFJ-10-2023-0917
[31] ) Rehan Ahmad, Op.cit.
[32] ) Salman Zafar.Op.cit.