بدأ تصاعد التوتر في العلاقات بين الإدارة الأمريكية الجديدة وحكومة جنوب إفريقيا، بعد أن قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الأحد الموافق 2 فبراير 2025م، بالتهديد بقطع التمويل عن حكومة جنوب إفريقيا، وذلك خلال منشور قام بكتابته على موقع التواصل الاجتماعي “تروث سوشيال” الذي يمتلكه، مُتّهمًا الحكومة في جنوب إفريقيا بأنها تقوم بمصادرة الأراضي، وتُعامل فئات معينة من مواطنيها بشكل سيئ للغاية، مُتّهمًا كذلك وسائل الإعلام في جنوب إفريقيا بأنها يسارية ومتطرفة وتتغافل عن ذِكْر تلك الأمور، معلنًا أن هناك انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تحدث هناك أمام أعين الجميع، وأن الولايات المتحدة لن تتسامح مع هذه التصرفات، وأنها سوف تتحرَّك وتتخذ الإجراءات اللازمة، مضيفًا أنه سيقطع كل التمويل المستقبلي المُخصَّص لجنوب إفريقيا؛ حتى يتم الانتهاء من التحقيق الكامل في هذا الوضع.
وكانت هذه التصريحات والتهديدات من الرئيس الأمريكي ترامب بمثابة العاصفة التي أدّت إلى حدوث حالة من التوتر في العلاقات بين البلدين.
ورغم ارتكاز ترامب على موضوع قانون نزع الملكية الجديد في جنوب إفريقيا وادعائه -دون دليل- وجود عمليات مصادرة للأراضي؛ إلا أنه توجد مجموعة من الأسباب الأخرى بجانب هذا السبب وراء توتر العلاقات بين إدارة ترامب وحكومة جنوب إفريقيا، كما أن هذه التصريحات أسفرت عن حدوث مجموعة من التداعيات عقب صدورها، كما يتوقع أن يكون لها تداعيات مستقبلية على مسار العلاقات بين البلدين.
ومن خلال هذه الدراسة يمكن عرض الأسباب والتداعيات والمآلات المستقبلية لتوتر العلاقات بين الإدارة الأمريكية الجديدة وحكومة جنوب إفريقيا، وذلك من خلال النقاط التالية:
أولًا: أسباب توتر العلاقات بين إدارة ترامب الجديدة وحكومة جنوب إفريقيا:
توجد مجموعة من الأسباب وراء توتُّر العلاقات بين الإدارة الأمريكية الجديدة بزعامة دونالد ترامب وحكومة جنوب إفريقي، وتتمثل تلك الأسباب فيما يلي:
1- تبنّي ترامب لرؤية الملياردير الأمريكي إيلون ماسك المتعلّقة بقانون نزع الملكية:
لقد وُلِدَ الملياردير الأمريكي إيلون ماسك في بريتوريا بجنوب إفريقيا عام 1971م لعائلة “ماسك” الثرية، ونشأ في ظل نظام الفصل العنصري، ولكنَّه هاجَر بعد ذلك إلى كندا، وحصل على جنسيتها، ثم هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية ودرس بها، ثم حصل على جنسيتها في 2002م، وعلى أراضيها طوَّر ماسك أنشطته الاقتصادية المختلفة، حتى صار أغنى رجل أعمال في العالم، واعتمادًا على ثروته فقد اقترب من الساسة والقادة الأمريكيين في كلٍّ من الحزب الجمهوري والديمقراطي وفقًا لمصالحه الخاصة، حتى قام أخيرًا بدعم ترامب خلال حملته الانتخابية ماليًّا وصوتيًّا ودعائيًّا.
ومع فوز ترامب بالرئاسة، فقد قام بتعيين ماسك في منصب المدير التنفيذي لإدارة كفاءة الحكومة (DOGE)كموظف حكومي خاص، مع اعتباره صديقًا مقربًا يمكن الاعتماد عليه وتبني أفكاره؛ حيث يتقارب الرجلان ترامب وماسك في العديد من الأفكار العنصرية، وعلى رأسها فكرة تفوق البيض.
ونظرًا لأن إيلون ماسك لا يزال والده وأسرته البيضاء تعيش في جنوب إفريقيا؛ فإنه يهتم بما يحدث في جنوب إفريقيا من تطورات، وخاصةً ما يتعلق بقانون إصلاح تملك الأراضي ونزع الملكية؛ حيث تبنَّت حكومة جنوب إفريقيا في 23 يناير الماضي قانونًا جديدًا لنزع الملكية، يهدف إلى إعادة إرساء قدر معين من المساواة في عمليات تملك الأراضي في جنوب إفريقيا؛ حيث إنه لا تزال الأقلية البيضاء تمتلك بشكل رئيسي نحو ثلاثة أرباع الأراضي في البلاد رغم مرور ثلاثين عامًا على نهاية نظام الفصل العنصري، ونظرًا لأن هذا القانون لا يتوافق مع مصالح إيلون ماسك وعائلته، فضلًا عن عدم توافقه مع تصوراته العنصرية والرأسمالية التي تُحابي البيض على حساب السود أصحاب الأرض الأصليين، فقد جدَّد ادعاءاته التي صرَّح بها من قبل والمتمثلة في قوله: “إن القانون الجديد عنصري، وإن هناك دعوات لاستهداف المواطنين البيض في جنوب إفريقيا”، كما ادعى في 2023م أن هناك مساعي إلى إبادتهم بصورة جماعية مِن قِبَل السود.
وقد استغل إيلون ماسك علاقاته مع الرئيس الأمريكي ترامب بعد عودته للبيت الأبيض، وكذلك استغل منصبه الجديد في الإدارة الأمريكية، لكي يضغط على حكومة جنوب إفريقيا لكي تتراجع عن تطبيق هذا القانون، مستخدمًا فكرة قطع التمويل الذي تُقدّمه أمريكا لجنوب إفريقيا لكي تتراجع عن هذا القانون الإصلاحي، ولهذا فقد تكون تصريحات الرئيس الأمريكي التي هدَّد بها جنوب إفريقيا كانت بمثابة استجابة لطلب شخصي من إيلون ماسك الذي كان من أكثر الشخصيات التي موَّلت حملة ترامب الانتخابية، مع أن هذه التصريحات ليست جديدة على ترامب؛ حيث كان قد صرَّح في 2018م خلال ولايته الأولى بأن أمريكا ستُحقق في عمليات قتل واسعة النطاق للمزارعين البيض في جنوب إفريقيا والاستيلاء على أراضيهم ومصادرتها، وردَّت جنوب إفريقيا حينها بأن تصريحات ترامب كانت مُضلّلة.([1])
2-خلاف إيلون ماسك مع حكومة جنوب إفريقيا بشأن شروط ترخيص ستارلينك:
نظرًا لاعتراض إيلون ماسك على قوانين وشروط الترخيص التي تتبناها حكومة جنوب إفريقيا، مع عدم موافقتها على منح إيلون ماسك تصريحًا رسميًّا في جنوب إفريقيا لتشغيل خدمة ستارلينك التابعة لشركة سبيس إكس المملوكة لإيلون ماسك، والتي تعمل في مجال توفير خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، وحتى الآن هناك خلاف بين هيئة الاتصالات المستقلة في جنوب إفريقيا (ICASA) وإيلون ماسك؛ حيث تعتبر الهيئة أن تشغيل خدمة ستارلينك في جنوب إفريقيا غير قانوني.
ويستلزم لمنح التصاريح اللازمة للتشغيل ضرورة الموافقة على الشروط التنظيمية الخاصة بدولة جنوب إفريقيا، وعلى رأسها أن توافق الشركات متعددة الجنسيات الراغبة في العمل بجنوب إفريقيا على تخصيص ما لا يقل عن 30% من أسهم المشروع للشركات المملوكة للسود، وذلك استجابة للمادة 3/2 من قانون الاتصالات الإلكترونية في جنوب إفريقيا.
وتهدف تلك الشروط إلى معالجة أوجه عدم المساواة التاريخية التي تعرض لها السود في جنوب إفريقيا؛ حيث إنه حتى عام 2019م كانت نسبة الشركات التي يسيطر عليها السود في جنوب إفريقيا 3% فقط، كما أن البيض يشغلون نحو 62% من جميع المناصب الإدارية العليا في جنوب إفريقيا رغم أنهم أقلية، بينما يشغل نظراؤهم السود نحو 17% من المناصب، وذلك وفقًا لتقرير لجنة المساواة في التوظيف الصادر في عام 2023م. وتسعى العديد من التشريعات والقوانين في جنوب إفريقيا لمعالجة تلك التفاوتات، ووضع حدّ لانتشار عدم المساواة، وهو ما يرفضه إيلون ماسك الذي يدافع عن فكرة الرأسمالية غير المقيدة.([2])
وينتقد ماسك أيضًا قوانين وإستراتيجية التمكين الاقتصادي واسع النطاق للسود (B-BBEE) التي تعمل على تعزيز التحول الاقتصادي والمشاركة الاقتصادية للسود في جنوب إفريقيا، معتبرًا أنها بمثابة عائق أمام الاستثمارات الأجنبية في جنوب إفريقيا. وفي شهر فبراير الجاري انسحبت شركة سبيس إكس التابعة لإيلون ماسك من جلسات النقاش والاستماع مع هيئة الاتصالات المستقلة (ICASA)؛ حيث وجَّهت الشركة إخطارًا إلى هيئة الاتصالات يوم 5 فبراير الجاري أبلغتها فيه أنها لن تشارك بعد الآن في النقاشات التي ستقام بينهما مستقبلًا.
ومن المحتمل أن يكون إيلون ماسك استخدم قربه من ترامب للضغط على جنوب إفريقيا من خلال استخدام قانون نزع الملكية كذريعة لتعليق المساعدات، حتى يجعل الحكومة تتنازل عن الشروط التي لا يقبلها وتمنحه التصاريح اللازمة لتشغيل خدمة ستارلينك رسميًّا في جنوب إفريقيا، وهو ما يعني أن ماسك يقوم باستغلال نفوذه داخل الإدارة الأمريكية والإضرار بمصالح حكومة وشعب جنوب إفريقيا من أجل تحقيق مصالحه الرأسمالية الخاصة. ومن المتفقين مع وجهة النظر هذه السناتور الأمريكي كريس مورفي، الذي أعلن أن مصالح إيلون ماسك التجارية تُعيد تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية، مضيفًا أنه ليس من الصعب فهم الأمور، فنظرًا لرفض جنوب إفريقيا ترخيص مشروع ستارلينك التابع لماسك فقد شنَّ على حكومتها حملة انتقامية لحملهم على التراجع عن القرار، وهو ما سيجعل سياسة أمريكا الخارجية مجرد تكتيكات تجارية للمليارديرات، مختتمًا حديثه بعبارة “يا له من فساد مفجع!”([3])
3-قيام منظمة أفريفوروم الأفريكانية بالضغط على واشنطن لإدانة قانون نزع الملكية
حيث قامت منظمة أفري فوروم “AfriForum” -وهي جماعة ضغط أفريكانية غير حكومية تعمل على حماية مصالح المزارعين البيض في جنوب إفريقيا بشدة، وتتبنَّى الأفكار اليمنية والقومية البيضاء وخاصة القومية الأفريكانية-، بشنّ حملة دولية وخاصة في واشنطن ضد حكومة جنوب إفريقيا، وذلك بعد أن وقَّع رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا على قانون نزع الملكية في 23 يناير الماضي. وقد ادعت هذه المنظمة أن القانون الجديد لا يضمن حماية حقوق الملكية، كما دعت إلى توقيع عقوبات على رئيس جنوب إفريقيا وآخرين من أعضاء حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، كما قال كالي كرييل الرئيس التنفيذي للمنظمة: إن توقيع قانون نزع الملكية فضلاً عن إنفاذ القوانين العنصرية القائمة في البلاد، سيكون له آثار سلبية خطيرة على ثقة المستثمرين في جنوب إفريقيا.
وتعارض المنظمة أيضًا من بين أمور أخرى، تمكين السود اقتصاديًّا، وتطبيق لوائح العمل الإيجابي، وتهميش اللغة الأفريكانية على حدّ وصفها؛ حيث ترى أن تعديل قانون اللغات المدرسية الجديد في جنوب إفريقيا قد يؤثر على مستقبل اللغة الأفريكانية، مع قيام عناصر تنتمي لهذه المنظمة بترويج نظريات مؤامرة وحملات تضليل تنص على وجود خطاب تحريضي ضد الأفريكانيين، وانتشار القتل الوحشي للمزارعين البيض، كما تدّعي جماعات قومية بيضاء أخرى وجود مخططات تسعى إلى التطهير العرقي العنيف للمزارعين البيض في جنوب إفريقيا وإبادتهم جماعيًّا على يد العصابات السوداء المسلحة.
وقد قام كلّ مِن كالي كرييل وإرنست رويتس زعماء هذه المنظمة بتنظيم حملات ضغط عالمية سابقًا من أجل الحفاظ على هيمنة البيض مع تصويرهم أنهم أقلية مستضعَفة في جنوب إفريقيا أمام المجتمع الدولي، كما قاموا بزيارة عدة دول غربية سابقًا، ومن بينها الولايات المتحدة؛ حيث إنهم قاموا في 2018م بجولة داخل أمريكا، والتقوا بمراكز أبحاث محافظة من بينها معهد كاتو، ووكالة المساعدات الدولية الحكومية، ومستشار ترامب للأمن، بجانب لقائهم بتاكر كارلسون الذي كان يعمل في قناة فوكس نيوز، والذي بثّ حلقات حول عمليات قتل المزارعين البيض في جنوب إفريقيا؛ لنشر هذه الادعاءات داخل أمريكا، وطالب أيضًا زعماء هذه المنظمة من المملكة المتحدة؛ لكونها هي المستعمر السابق لجنوب إفريقيا، بممارسة ضغوط على حكومة جنوب إفريقيا للتخلي عن فكرة قانون إصلاح توزيع الأراضي ونزع الملكية.([4])
وبجانب هذه المنظمة، توجد منظمة سويد لاندز “Suidlanders”، والتي تَعني “سكان الجنوب” باللغة الأفريكانية؛ حيث قام سيمون روش وأندريه كوتزي الأعضاء في هذه المنظمة بزيارة للولايات المتحدة استمرت لمدة 6 شهور في 2017م، وقاموا بمقابلة مجموعة من الناشطين اليمينيين المتطرفين، بما فيهم ديفيد ديوك الزعيم السابق لجماعة كو كلوكس كلان، وأحد داعمي ترامب، بجانب اجتماعهم مع العديد من دعاة تفوُّق العرق الأبيض والمتعاطفين مع أفكارهم العنصرية، مع تنظيمهم مظاهرات يمينية في عدة دول بما فيها أستراليا، طالبوا خلالها بالاعتراف بوجود إبادة جماعية للبيض في جنوب إفريقيا، وتنظيم سلسلة من جرائم القتل تجاههم، وهو ما دفع وزير الداخلية الأسترالي السابق بيتر داتون إلى التصريح بأنه يدرس منح المزارعين البيض في جنوب إفريقيا إمكانية الحصول على تأشيرات سريعة؛ لأنهم يتعرَّضون للاضطهاد ويحتاجون للمساعدة، وهو ما أثار غضب حكومة جنوب إفريقيا حينها، علمًا بأن الإحصاءات الرسمية تظهر أن أكبر ضحايا جرائم العنف في جنوب إفريقيا هم من السود الفقراء.([5])
ونظرا لأن هذه المنظمات تعتنق أفكار القومية البيضاء، والتي تتوافق مع تصورات وأفكار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي قد تكون قدَّمت له دعمًا ماديًّا وحشدًا تصويتيًّا في الانتخابات الأمريكية، فلهذا استجاب لمطالبها الجديدة، وقام بممارسة هذه الضغوط على حكومة جنوب إفريقيا.
4-قيام حكومة جنوب إفريقيا بدعم القضية الفلسطينية ومقاضاة «إسرائيل»:
لقد لعبت حكومة جنوب إفريقيا موقفًا مشرفًا منذ بداية العدوان الصهيوني على قطاع غزة؛ حيث أدانت الجرائم الصهيونية والمجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال تجاه المدنيين في غزة وفلسطين، بل وقادت جنوب إفريقيا حراكًا دوليًّا من أجل محاكمة «إسرائيل» أمام محكمة العدل الدولية، واتهمت «إسرائيل» بارتكاب جريمة إبادة جماعية في قطاع غزة، فضلًا عن اتهام «إسرائيل» بأنها بمثابة نظام فصل عنصري، وأن سلوك الحكومة الإسرائيلية ضد فلسطين يعكس تصرفات حكومة الفصل العنصري السابقة في جنوب إفريقيا، مع استمرار حكومة جنوب إفريقيا عن حشدها الدولي من أجل دعم فلسطين ورفع المعاناة عن شعبها.
وقد أدَّت هذه المواقف الداعمة لفلسطين، والرافضة لجرائم الكيان الصهيوني إلى غضب الإدارة الأمريكية، وخاصة الإدارة الجديدة لترامب من حكومة جنوب إفريقيا، وذلك بسبب الدعم الأمريكي لـ«إسرائيل»، كما نفت واشنطن مرارًا وتكرارًا أيّ تلميح يصف جرائم «إسرائيل» بأنها ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، ولهذا فإن تهديدات ترامب لحكومة جنوب إفريقيا تُعبِّر عن رفضها الآن بشكل مباشر لمواقف جنوب إفريقيا المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ومحاولة التأثير على جنوب إفريقيا ومنعها مستقبلًا من دعم الشعب الفلسطيني، في ظل تعنُّت الإدارة الأمريكية الجديدة ومحاولتها تصفية القضية الفلسطينية، من خلال مقترحات التهجير القسري للشعب الفلسطيني عن أرضه التاريخية، وقد لجأ ترامب لاستخدام موضوع قانون نزع الملكية في البداية كمحاولة منه لعدم الإفصاح عن كل الأسباب التي دفعته لتلك التصريحات المعادية لجنوب إفريقيا حتى صرح مؤخرًا بأن جنوب إفريقيا اتخذت مواقف عدائية تجاه الولايات المتحدة وحلفائها، ومن بين ذلك اتهام «إسرائيل» وليس حماس بالإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية، وتأتي هذه التصريحات بعد أيام من لقاء رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في واشنطن، وهو ما يشير إلى وجود دور إسرائيلي دفع ترامب للقرارات التي اتخذها ضد حكومة جنوب إفريقيا.([6])
5-دعم جنوب إفريقيا لتعامل مجموعة البريكس بالعملات المحلية بدلاً من الدولار:
حيث إن جنوب إفريقيا تُعدّ عضوًا فاعلًا في مجموعة البريكس، التي تتهم الدول الغربية بالهيمنة على المؤسسات الدولية المهمة في العالم، وتدعو إلى إصلاح المؤسسات الدولية، وكذلك إصلاح النظام العالمي وخاصة النظام المالي والنقدي، وتسعى إلى وضع حدّ لهيمنة الدولار من خلال إنشاء عملة البريكس لتكون عملة بديلة يمكن استخدامها في مدفوعات التجارة الدولية بدلًا من الدولار.
ومن جانب ترامب فقد هدَّد في ديسمبر الماضي بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الدول الأعضاء في مجموعة بريكس إذا قررت تلك الدول التخلي عن الدولار الأمريكي في التجارة الدولية، وردًّا على ذلك فقد أعلنت حكومة جنوب إفريقيا عقب تهديدات ترامب بأن التقارير التي تتحدث عن إطلاق عملة جديدة لمجموعة البريكس للتنافس مع الدولار الأمريكي غير حقيقية، وأن المناقشات الحقيقية داخل مجموعة البريكس تركز على تعزيز التجارة بين الدول الأعضاء باستخدام عملاتها الوطنية، كما أن جنوب إفريقيا تدعم الاستخدام المتزايد للعملات الوطنية في التجارة الدولية والمعاملات المالية؛ للتخفيف من تأثير تقلبات أسعار الصرف الأجنبي، ورغم هذه التصريحات الصادرة من جنوب إفريقيا فلا تزال إدارة ترامب متشككة في نوايا جنوب إفريقيا في ظل دعمها لتوسيع وتصاعد مجموعة البريكس على المستوى الدولي والإقليمي.([7])
6-تقارب حكومة جنوب إفريقيا مع روسيا رغم استمرار حربها على أوكرانيا:
يُعدّ التقارب الذي تقوم به حكومة جنوب إفريقيا بزعامة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي مع روسيا، وعدم مبالاتها بالموقف الأمريكي منها، أحد أسباب قيام ترامب بقطع التمويل المستقبلي لجنوب إفريقيا؛ حيث نجد أنه في ظل العقوبات الأمريكية والغربية المفروضة على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا، فقد كانت العلاقات بين جنوب إفريقيا وروسيا تتسم بالتقارب سواء على مستوى التعاون داخل مجموعة بريكس أو حتى على المستوى الثنائي.
وقد تعرَّضت جنوب إفريقيا للنقد بسبب استقبالها سفنًا حربية وطائرات عسكرية روسية، رغم تصاعد الحرب الروسية مع أوكرانيا، بجانب مشاركة جنوب إفريقيا في مناورة بحرية مشتركة مع روسيا والصين في ذكرى غزو أوكرانيا، وهو ما جعل العديد من دول الغرب، وخاصة أمريكا تصف تطبيع العلاقات بين روسيا وجنوب إفريقيا بمثابة التعاون مع دولة استبدادية، مع اتهام بوتين باستخدام دول مجموعة البريكس، ومن ضمنها جنوب إفريقيا لإضفاء الشرعية على غزوه لأوكرانيا، ولعل العلاقات التاريخية بين روسيا وجنوب إفريقيا وعلى رأسها الدعم الروسي المُقدَّم لحركات التحرر والمقاومة ضد حكومة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا التي كانت مدعومة مِن قِبَل العديد من الإدارات الأمريكية من بين العوامل التي جعلت جنوب إفريقيا تتغاضى عن مسألة الصراع بين الغرب وروسيا بسبب حربها مع أوكرانيا، وتعزز علاقاتها مع روسيا.([8])
7-تغيير حكومة جنوب إفريقيا لطريقة تعاملها مع تايوان والتقارب مع الصين وإيران:
لقد كانت العلاقات بين جنوب إفريقيا وتايوان علاقات تاريخية، وخاصةً خلال فترة حكم نظام الفصل العنصري لجنوب إفريقيا، والذي كان يعترف بتايوان، وأقام معها علاقات دبلوماسية في عام 1949م، وتم تبادل الدعم بينهما، وظلت الأمور على ذلك الوضع حتى سقوط نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا عام 1994م. ومِن ثَم قام رئيس جنوب إفريقيا في يناير 1998م بالاعتراف بجمهورية الصين الشعبية وفقًا لمبدأ الصين الواحدة، وأن تايوان جزء من الصين، ومِن ثَم انتهت العلاقات الدبلوماسية مع تايوان، مع الحفاظ على العلاقات التجارية فيما بينهما، مع وجود مكاتب اتصال تعمل كسفارات بحكم الأمر الواقع في كلا البلدين، ولكن منذ أبريل 2024م أمرت الحكومة في جنوب إفريقيا تايوان بنقل مكتبها التمثيلي الذي هو بمثابة سفارة فعلية من العاصمة بريتوريا إلى مكان آخر، وإعادة تسميته بمكتب تجاري، وأضافت أن مسألة نقل مكتبها من العاصمة غير قابل للتفاوض، وسيتم غلقه نهائيًّا؛ إذا لم تتمثل تايوان.
وفي أواخر يناير 2024م أرسلت حكومة جنوب إفريقيا خطابًا إلى تايوان تطالبها فيه مجددًا بمغادرة ونقل مكتبها في العاصمة بريتوريا قبل نهاية شهر مارس القادم، وإعادة تسميته بمكتب تجاري، وقد تم تفسير الخطوات المتَّخذة من جنوب إفريقيا بأنها مدفوعة بضغوطات من الصين؛ حيث أعلنت تايوان أن الصين تقوم بممارسة ضغوط خطيرة ضدها في جنوب إفريقيا، ومن جانب الصين فقد أشاد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية بموقف جنوب إفريقيا لاحترامها مبدأ الصين واحدة، شاكرًا لجنوب إفريقيا وواصفًا لها بأنها صديق وشريك جيد للصين.([9])
وقد أدَّت هذه الخطوات التي اتخذتها جنوب إفريقيا ضد تايوان إلى إثارة حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية التي ترفع راية دعم تايوان في خضم حريها التجارية والسياسية مع الصين؛ حيث انتقد عضوان بمجلس الشيوخ الأمريكي في 4 فبراير الجاري طلب جنوب إفريقيا المتجدد بنقل المكتب التمثيلي لتايوان من العاصمة بريتوريا، كما انتقد السيناتور الجمهوري تيد كروز هذه الخطوة، قائلاً: إن جنوب إفريقيا تبذل قصارى جهدها لعزل الولايات المتحدة وحلفائها، ووصف الجدول الزمني لنقل تايوان من بريتوريا بأنه مقلق للغاية، مدعيًا أنه يُقوّض مصالح الأمن القومي الأمريكي، ويؤدي إلى تصعيد التوترات بين واشنطن وبريتوريا. كما تعهد كروز الذي يرأس اللجنة الفرعية المعنية بإفريقيا في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بالتحقيق في المسألة إلى جانب قرارات أخرى مثيرة للقلق اتخذتها جنوب إفريقيا، وفي ذات السياق أعربت السناتور الجمهورية مارشا بلاكبيرن عن مشاعر مماثلة، وحثت الولايات المتحدة على الوقوف مع تايوان والتصدي لجنوب إفريقيا، واتهمت جنوب إفريقيا بالعمل مع الصين لإخضاع تايوان.([10])
ونظرًا للتقارب الجنوب إفريقي مع الصين خلال الفترة الأخيرة سياسيًّا واقتصاديًّا، بجانب تقارب جنوب إفريقيا مع إيران أيضًا، وخاصة بعد انضمامها لمجموعة البريكس، فضلًا عن توقيع حكومة جنوب إفريقيا اتفاقية تعاون مع إيران في أغسطس 2023م تقضي بقيام وزارة النفط الإيرانية بتطوير وتجهيز خمس مصافٍ في جنوب إفريقيا من خلال التعاون معها فنيًّا وهندسيًّا. وقد أثار ذلك التقارب مع أعداء الولايات المتحدة غضب الإدارة الأمريكية، وجعل علاقاتها مع جنوب إفريقيا متوترة، بل أشار الأمر التنفيذي الذي وقَّعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد جنوب إفريقيا، إلى هذا السبب؛ حيث جعل عملية إعادة تنشيط جنوب إفريقيا لعلاقاتها مع إيران لتطوير العلاقات التجارية والعسكرية والنووية من ضمن الأسباب المؤدية لتعليق المساعدات؛ حيث ترى الإدارة الأمريكية أن تعاون جنوب إفريقيا مع إيران يُعدّ من قبيل دعم الإرهاب والنظم الاستبدادية في العالم، في حين نفى وزير خارجية جنوب إفريقيا وجود أيّ برامج تعاون نووي مع إيران رغم وجود علاقات جيدة بين الطرفين.
8-تبني جنوب إفريقيا لقضايا تتعارض مع توجهات ترامب في قمة مجموعة العشرين المرتقبة:
لقد تسلَّم رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا رئاسة مجموعة العشرين خلال الجلسة الختامية التي انعقدت في البرازيل في أواخر عام 2024م، وتُعدّ جنوب إفريقيا هي آخر دولة عضو في المجموعة تتولى الرئاسة الدورية لها، كما أنها أول دولة إفريقية تترأس مجموعة العشرين، وستستضيف جنوب إفريقيا نحو 130 اجتماعًا ومنتدًى على مدار عام 2025م، وذلك قبل موعد انعقاد قمة رؤساء الدول والحكومات المقرر عقدها في جوهانسبرج في نوفمبر 2025م، وتتبنى حكومة جنوب إفريقيا جدول أعمال خلال رئاستها لمجموعة العشرين يركز على مجموعة من الأهداف والقضايا التي تهم دول القارة الإفريقية وبلدان الجنوب، وعلى رأسها تداعيات قضية تغيُّر المناخ، والعمل على تبنّي سياسات اقتصادية تقوم على استخدام تقنيات أقل ضررًا بمناخ الكوكب، ومن بينها تسريع استخدام الطاقة النظيفة كالطاقة الشمسية في كافة دول العالم، فضلًا عن تبنّي جنوب إفريقيا لقضية تسريع عمليات تخفيف الديون عن البلدان النامية، ووضع حدّ لعدم المساواة والفقر والجوع والبطالة والتخلف، بجانب إعلان رئيس جنوب إفريقيا عن رغبته في استخدام رئاسة بلاده لمجموعة العشرين لدعم استخدام المعادن الحيوية في دول القارة لتكون مُحرِّكًا للنمو والتنمية في إفريقيا، ونظرًا لأن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي ستتولى الرئاسة الدورية لمجموعة العشرين في العام القادم فإنها لا تتفق مع الأجندة التي تتبناها جنوب إفريقيا، خاصة أن الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة ترامب لا تريد الالتزام بقضية التغيرات المناخية، وتسعى إلى إطلاق العنان لقطاع الطاقة الأمريكي، والبدء في مشروعات جديدة في قطاع النفط والغاز الأمريكي وخاصة النفط الصخري، معتبرين مشروعات الطاقة جزءًا من الأمن القومي الأمريكي الذي يستلزم بسط نفوذ أمريكا على قطاع الطاقة عالميًّا، كما أن أجندة جنوب إفريقيا المتعلقة بتسريع عمليات تخفيف الديون عن البلدان النامية تتعارض أيضًا مع نهج ترامب الانعزالي الذي يهتم بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية أولًا، دون مراعاته للأوضاع الاقتصادية الصعبة في الدول النامية. بل إن إدارة ترامب كانت ولا تزال تقوم بتفكيك برامج دعم التنوع والمساواة والإدماج في مختلف أنحاء الحكومة الأمريكية، والتي كانت مخصصة لمساعدة الفئات المهمشة؛ حيث ترى إدارة ترامب أن هذه البرامج معادية لفكرة الاستحقاق، ولهذا فمن بين الأسباب التي أدَّت إلى توتر العلاقات بين إدارة ترامب وحكومة جنوب إفريقيا تناقض وجهات النظر واختلاف المصالح داخل مجموعة العشرين.([11])
9-دعم جنوب إفريقيا للكونغو الديمقراطية على حساب رواندا حليفة ترامب:
يُعدّ الدور الذي تلعبه حكومة جنوب إفريقيا بقيادة الرئيس سيريل رامافوزا في دعم جمهورية الكونغو الديمقراطية خلال الصراع الدائر الآن في شرق الكونغو، واتهامها لرواندا بدعم متمردي حركة 23 مارس، مع إدانتها لمقتل 14 جنديًّا من قوات حفظ السلام العاملين في الكونغو، ممن يحملون جنسية جنوب إفريقيا على يد المتمردين المدعومين من رواندا، مع إدانة حكومة جنوب إفريقيا أيضًا لهجمات المتمردين معتبرةً أنها تنتهك وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بموجب عملية لواندا؛ من بين الأسباب المؤدية لتوتر العلاقات مع إدارة ترامب، وإن كان هذا السبب يأتي في مؤخرة الأسباب وأضعفها وفقًا للأوزان النسبية للأسباب السابقة، ومع استمرار الصراع وإدانة رواندا مِن قِبَل جنوب إفريقيا؛ فقد اندلعت حرب كلامية بين رئيس رواندا ورئيس جنوب إفريقيا؛ حيث صرح رئيس جنوب إفريقيا بأن أيّ هجمات أخرى على قوات جنوب إفريقيا العاملة في شرق الكونغو ستكون بمثابة إعلان حرب، في حين رد عليه بول كاجامي رئيس رواندا؛ حيث اتهم جنوب إفريقيا بالتعاون مع الميلشيات الموجودة في الكونغو، والتي لها علاقات بمرتكبي الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994م، كما هدَّد كاجامي جنوب إفريقيا بأنه على استعداد للمواجهة معها إذا لزم الأمر، ونظرًا لعلاقات المصالح التي تجمع بين الرئيس الأمريكي ترامب والرئيس الرواندي بول كاجامي؛ فهناك دلالات توحي بأن قيام جنوب إفريقيا بدعم الكونغو كان من ضمن الأسباب الدافعة لتوتر العلاقات مع إدارة ترامب، ويتضح ذلك من تقليل ترامب من الصراع المسلح في شرق الكونغو، واصفًا إياه بأنه مشكلة خطيرة للغاية عندما تم توجيه سؤال له حول الصراع خلال مؤتمر صحفي مبتعدًا عن إدانة دور رواندا في الصراع أو التحدث علنًا عن الصراع بصورة واضحة، وهو ما جعل البعض يُصرِّح بوجود تحالف بين ترامب وكاجامي؛ حيث يسعى كل منهما للتنصل من القواعد الدولية التي وضعت بعد الحرب العالمية الثانية، والتي تقضي بتسوية النزاعات بطرق سلمية بعيدًا عن الدخول في الحروب مع احترام سيادة الدول وحدودها، وهو ما لا يتوافق مع تطلعات ترامب في الاستيلاء على كندا، وجرينلاند، وقناة بنما، وقطاع غزة، وتطلعات بول كاجامي للمرة الثالثة خلال ثلاثين عامًا للاستيلاء على المنطقة الشمالية الشرقية في جمهورية الكونغو الديمقراطية لنهب الموارد المعدنية الموجودة بكثافة في تلك المنطقة.
ويتضح تبادل الدعم بين ترامب وكاجامي من خلال تصريح كاجامي مؤخرًا الذي دعم فيه مساعي ترامب لإغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)؛ على الرغم من أن رواندا من بين الدول المستفيدة من برامج المساعدات التي تقدمها الوكالة، قائلًا: إن الرئيس ترامب لديه طريقة غير تقليدية في القيام بالأشياء، وأنا أتفق معه تمامًا في العديد من الأشياء.([12])
ثانيًا: تداعيات توتر العلاقات بين إدارة ترامب الجديدة وجنوب إفريقيا:
لقد أدى أسفر توتر العلاقات بين الإدارة الأمريكية الجديدة بزعامة ترامب وحكومة جنوب إفريقيا إلى مجموعة من التداعيات وردود الفعل من كلا الطرفين، ويمكن عرض هذه التداعيات فيما يلي:
أ-التداعيات وردود الفعل على الجانب الأمريكي:
1-إصدار أمر تنفيذي يقضي بتجميد المساعدات المقدمة لجنوب إفريقيا:
حيث قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم 7 فبراير الجاري بتوقيع أمر تنفيذي يقضي بتجميد المساعدات المقدمة لجنوب إفريقيا، وذلك بدعوى تجاهل جنوب إفريقيا لحقوق مواطنيها، وإصدارها لقانون نزع الملكية لتمكين الحكومة من الاستيلاء على الممتلكات الزراعية للأقليات العرقية الأفريكانية دون تعويض، بجانب اتهام الحكومة بتبنّي سياسات مخصصة للإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص في التوظيف والتعليم والأعمال التجارية، مع اتهامها بتبنّي خطاب الكراهية ودعم الإجراءات التي تُغذِّي العنف ضد مُلّاك الأراضي بصورة عنصرية، فضلًا عن اتهام ترامب لحكومة جنوب إفريقيا باتخاذ مواقف عدوانية تجاه الولايات المتحدة وحلفائها بما في ذلك اتهام «إسرائيل»، وليس حماس بالإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية، وإعادة تنشيط علاقتها مع إيران لتطوير الترتيبات التجارية والعسكرية والنووية. كما أضاف الأمر التنفيذي أن الولايات المتحدة لن تدعم ارتكاب حكومة جنوب إفريقيا في انتهاكات حقوق الإنسان في بلدها، وتقويضها للسياسة الخارجية لأمريكا؛ مما يُشكِّل تهديدًا للأمن القومي لأمريكا وحلفائها وشركائها الأفارقة ومصالحها.([13])
2-تشجيع إدارة ترامب لإعادة توطين اللاجئين الأفريكانيين من جنوب إفريقيا:
حيث إن الأمر التنفيذي الذي اتخذه ترامب قضَى أيضًا بتشجيع الولايات المتحدة لإعادة توطين اللاجئين الأفريكانيين القادمين من جنوب إفريقيا بدعوى خضوعهم لممارسات ظالمة وغير أخلاقية متمثلة في التمييز العنصري الذي ترعاه حكومة جنوب إفريقيا، بما في ذلك مصادرة الأراضي والممتلكات الخاصة بهم بطريقة عنصرية، وقد منح الأمر التنفيذي كلًّا من وزير الخارجية الأمريكي ووزير الأمن الداخلي اتخاذ الخطوات المناسبة لإعادة توطين اللاجئين من هذه الفئات لاعتبارات الإغاثة الإنسانية، بما في ذلك قبول إعادة توطينهم من خلال برنامج قبول اللاجئين في الولايات المتحدة للأفارقة من ضحايا التميز العنصري غير العادل من جنوب إفريقيا.([14])
3-إعلان وزير الخارجية الأمريكي عن مقاطعته لاجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين:
حيث أعلن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو يوم 5 فبراير الجاري عن مقاطعته وعدم حضوره لاجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين المقرر عقده يومي 20 و21 فبراير الجاري في جوهانسبرج بجنوب إفريقيا، كما برر ذلك بأن جنوب إفريقيا تفعل أشياء سيئة للغاية، منها مصادرة الممتلكات، واستخدام مجموعة العشرين لتعزيز التضامن والمساواة والاستدامة. أو بعبارة أخرى تدعم التنوُّع والإنصاف ومكافحة تغيُّر المناخ، ومن جانب وزارة الخارجية في جنوب إفريقيا؛ فقد ردَّت على تصريحات وزير الخارجية الأمريكي بقولها: إنه لا يوجد لديهم حالات نزع ملكية تعسُّفي للأراضي أو الممتلكات الخاصة، وإن القانون الذي تم إقراره مؤخرًا مُشابه لقوانين نزع الملكية العامة في العديد من دول العالم. ومن جانبه سارع السفير الصيني في جنوب إفريقيا بالتصريح بأن بلاده تتطلع إلى قمة مجموعة العشرين التي تستضيفها جنوب إفريقيا، وذلك عقب تصريحات وزير الخارجية الأمريكي بمقاطعته لاجتماع وزراء الخارجية في جنوب إفريقيا، كما قام أنطونيو كوستا رئيس المجلس الأوروبي بإجراء اتصال برئيس جنوب إفريقيا مُعربًا عن دعم الاتحاد الأوروبي لاجتماعات مجموعة العشرين، مقدِّمًا له مزيدًا من التطمينات.([15])
ب-التداعيات وردود الفعل من جانب جنوب إفريقيا:
1-نفي حكومة جنوب إفريقيا لاتهامات ترامب وتوضيح أهداف قانون نزع الملكية:
حيث أصدر رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا بيانا في 3 فبراير 2025م، نفى فيه اتهامات ترامب لجنوب إفريقيا، قائلاً: “إن جنوب إفريقيا ديمقراطية دستورية متجذرة بعمق، ومتمسكة بسيادة القانون والعدالة والمساواة، ولم تصادر الحكومة أيّ أراضي”. كما أوضح أن قانون نزع الملكية الجديد ليس أداة للمصادرة، بل هو عملية قانونية مفروضة دستوريًّا تضمن وصول الجمهور إلى الأراضي بطريقة عادلة ومنصفة وفقًا لتوجهات الدستور، مضيفًا أن جنوب إفريقيا مثلها مثل أمريكا والعديد من الدول التي لديها قوانين تنظم مسألة نزع الملكية بالتوازن بين الحاجة إلى الاستخدام العام للأراضي وحماية حقوق أصحاب الممتلكات.
وبجانب ما سبق؛ فقد سعى رئيس جنوب إفريقيا إلى منع تصاعد الخلاف في وجهات النظر، وذلك من خلال تصريحه في نفس البيان بأنه يتطلع للتعاون مع إدارة ترامب بشأن السياسات المتعلقة بالإصلاح الزراعي والقضايا ذات الاهتمام المشترك؛ من خلال تبادل الفهم الأفضل والمشترك لهذه المسائل، وفضلاً عن ذلك فقد قلَّل رئيس جنوب إفريقيا من المساعدات التي هدَّد ترامب بقطعها؛ حيث قال: “إن أمريكا ستظل شريكًا إستراتيجيًّا وسياسيًّا وتجاريًّا رئيسيًّا لجنوب إفريقيا، وباستثناء مساعدات برنامج المساعدات الطارئة للإغاثة من الإيدز التي تشكل 17% من برنامج جنوب إفريقيا لمكافحة الإيدز؛ لا تتلقى جنوب إفريقيا أيّ تمويل آخر من الولايات المتحدة.([16])
وخلال خطاب حالة الأمة لرئيس جنوب إفريقيا يوم 6 فبراير 2025م؛ أكد على أن رؤية الحكومة تقوم على إرادة الشعب؛ بحيث يتم تقاسم الأراضي بين أولئك الذين يعملون فيها، ويشارك الشعب في ثروات البلاد وفقًا لمبدأ المساواة أمام القانون، منتقدًا النزعة القومية التي تسعى لتحقيق مصالح ضيقة، رافضًا التراجع وعدم الاستسلام للتنمر، والدفاع بصوت واحد عن المصلحة الوطنية والسيادة والديمقراطية. مُذكِّرًا بنظام الفصل العنصري الذي ارتكب جرائم ضد الإنسانية، وحرم الناس من حقوقهم واستولى على أراضيهم وسبل عيشهم وسعى إلى تجريدهم من كرامتهم الإنسانية.
كما أدانت وزارة الخارجية بجنوب إفريقيا الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب بقطع المساعدات، ووصفته بأنه يفتقر إلى الدقة الواقعية، ولا يعترف بالتاريخ المؤلم لجنوب إفريقيا خلال المرحلة الاستعمارية ونظام الفصل العنصري، وفي بيان لها قالت وزارة الخارجية بجنوب إفريقيا: إنه من المفارقات أن الأمر التنفيذي لترامب يمنح وضع اللاجئ في الولايات المتحدة لمجموعة في جنوب إفريقيا تظل من بين أكثر الاشخاص تميُّزًا اقتصاديًّا، بينما يتم ترحيل الأشخاص الضعفاء في الولايات المتحدة إلى أجزاء أخرى من العالم وحرمانهم من اللجوء على الرغم من الصعوبات الاقتصادية، كما صرح أيضًا وزير الخارجية بأن جنوب إفريقيا تسعى للتواصل مع الولايات المتحدة لإقناعها بحقائق الأمور إذا كانت على استعداد للتواصل والإقناع.
ومن جانبه، فقد هدَّد جويدي مانتاشي -وزير المعادن في جنوب إفريقيا- خلال مشاركته في مؤتمر التعدين الإفريقي الذي استضافته كيب تاون في 3 فبراير الجاري بمشاركة أكثر من 115 دولة، بوقف تصدير المعادن إلى الولايات المتحدة؛ ردًّا على تهديدات ترامب بوقف المساعدات لجنوب إفريقيا؛ حيث تستورد أمريكا من جنوب إفريقيا مجموعة متنوعة من المعادن، بما فيها الذهب والماس والبلاتين والمنجنيز وخام الحديد والكروميت. وقد حثّ وزير المعادن باقي دول القارة الإفريقية التي يعتقد أنها تحتوي على 30% من معادن العالم، على وقف تصدير المعادن لأمريكا إذا أوقف ترامب المساعدات المُقدَّمة لصناعة التعدين في إفريقيا، قائلاً لهم: “نحن لسنا متسولين، ويجب استخدام الثروات المعدنية كوسيلة ضغط على إدارة ترامب”. ويُذكر أنه قد انتشرت بعض الشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإلكترونية التي تفيد قيام جنوب إفريقيا بتعليق عمل الشركات الأمريكية العاملة في جنوب إفريقيا، وكذلك وقف تصدير المعادن للولايات المتحدة، لكن تم نفي هذه الشائعات، والتأكيد على أنها غير حقيقية.([17])
كما أشار حزب المؤتمر الوطني الإفريقي -الحزب الأكبر في الائتلاف الحاكم بحكومة الوحدة الوطنية الحاكمة الذي يتزعمه الرئيس رامافوزا- إلى أن ترامب يعمل على تضخيم المعلومات المضللة التي تُروّجها منظمة “أفري فوروم” التي يقودها الأفريكانيون، متهمًا تلك المنظمة بأن لديها أجندة عنصرية.
وفي السياق ذاته، أوضح العديد من داعمي حكومة جنوب إفريقيا الأهداف التي يسعى إلى تطبيقها هذا القانون، والمتمثلة في محاولة علاج التفاوتات العنصرية في ملكية الأراضي في جنوب إفريقيا؛ حيث إنه خلال فترة الاستعمار البريطاني قام الحكام البريطانيون بمنح معظم الأراضي الزراعية إلى البيض، وذلك بعد إصدار قانون أراضي السكان الأصليين في عام 1913م، والذي تم بموجبه منع امتلاك السود للأراضي بنسبة تزيد عن 7% فقط، ثم تم تعديل تلك النسبة لاحقًا إلى 13%، وفي عام 1950م استولى الحزب الوطني خلال حقبة الفصل العنصري على نحو 85% من الأراضي، مع إجبار أكثر من 3.5 مليون مواطن من السود على النزوح عن أراضيهم ومنازلهم، ومع سقوط نظام الفصل العنصري في عام 1994م فقد سعت الحكومة إلى إعادة توزيع الأراضي على أساس نظام طوعي وفقًا لمبدأ البائع الراغب والمشتري الراغب (WSWB) الذي يُلْزِم الدولة بمسألة دفع التعويضات، غير أن هذه السياسة لم تُحقِّق الإصلاحات المرجوة رغم مرور ثلاثة عقود على انتهاء نظام الفصل العنصري.
وقد كشفت أول مراجعة شاملة للأراضي في جنوب إفريقيا في عام 2017م أن الأقلية البيضاء من السكان تمتلك 72% من المزارع والممتلكات الزراعية بشكل فردي رغم أنهم يشكلون ما يقارب 7.2% من مجموع سكان البلاد، في حين يمتلك المواطنون من ذوي الأعراق المختلطة الذين يُشار إليها رسميًّا باسم الملونين 15% من الأراضي، بينما يمتلك السكان الهنود 5% من الأراضي، في حين لا يمتلك سكان جنوب إفريقيا الأصليين من السود إلا 4% فقط من الأراضي في جنوب إفريقيا؛ رغم أنهم يُشكِّلون نحو 81% من سكان جنوب إفريقيا البالغ عددهم 63 مليون نسمة، وهو ما يجعلهم يشعرون بالإحباط بسبب طول المدة التي استغرقتها عملية إصلاح تملك الأراضي.
كما كشفت دراسة أجرتها لجنة حقوق الإنسان في جنوب إفريقيا في عام 2021م أن 1% من البيض يعيشون في فقر، مقارنةً بنسبة 64% من السود، وهو ما يُعبِّر عن المأساة التي يعيش فيها السود، ولذلك تبنَّت حكومة جنوب إفريقيا هذا القانون باعتباره ضرورة أخلاقية واجتماعية واقتصادية، وكذلك من أجل تحقيق وعود حزب المؤتمر الوطني الإفريقي التي أعلنها عند توليه السلطة في عام 1994م، والمتمثلة في إعادة توزيع 30% من المزارع البالغ عددها نحو 60 ألف مزرعة على المزارعين السود، وهو ما لم يتحقق حتى الآن وكان الإخفاق في تحقيق هذا الوعد من بين الأسباب المؤدية إلى تراجع أداء حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في انتخابات 2024م، والتي فقد خلالها الأغلبية التي حافظ عليها لسنوات، كما تسعى الحكومة من خلال تبنّي هذا القانون إلى تحقيق أهداف خطة التنمية الوطنية لجنوب إفريقيا 2030م والرامية إلى الحد من التفاوت والقضاء على الفقر وتحقيق الوحدة والمساواة بين مواطني جنوب إفريقيا.([18])
وبالإضافة لكل ما سبق؛ فإن القانون الجديد الذي تم تبنيه بعد سلسلة مداولات ومشاورات عامة استمرت لمدة خمس سنوات يتبنى مجموعة من الضوابط لعمليات نزع الملكية؛ حيث يسمح بنزع ملكية الأراضي للأغراض العامة والمصلحة العامة فقط من أجل استخدامها في بناء المدارس أو المساكن بأسعار معقولة؛ حيث توجد بعض المناطق السكنية صغيرة المساحة مكتظة بالسكان الذين يصل عددهم إلى 7 آلاف مواطن أسود في حين تحيط بهم مساحات شاسعة من الأراضي الخاوية وغير المُستغلَّة مملوكة للبيض، ولا يمكن استخدامها لحل أزمة التكدس السكني للسود في مثل تلك المناطق، بل يقوم أصحاب هذه الأراضي من البيض بمنع الماشية المملوكة للسود من الرعي في أراضيهم تضييقًا عليهم.
كما منح هذا القانون أجهزة الدولة -على جميع المستويات المحلية والإقليمية والوطنية- سلطة نزع ملكية الأراضي وفقًا للمادة 25/2 من دستور جنوب إفريقيا، مع إلزام القانون للجهة المختصة بنزع الملكية بالدخول في مفاوضات مع مالك العقار، ومحاولة التوصل إلى اتفاق معه بشأن الاستحواذ على العقار المعني قبل اللجوء إلى نزع الملكية، وهو ما يعني أن القانون لا يسمح بمصادرة الأراضي بشكل تعسُّفي، بل يتعين التوصل إلى اتفاق مع مالك الأرض أولًا، وكذلك لا تتم عملية مصادرة الأراضي إلا من خلال المحاكم المستقلة في جنوب إفريقيا، وفيما يخص مسألة مصادرة الأراضي دون تعويض فهي تتم في بعض الظروف الضيقة، والتي من بينها عدم قيام مالك الأرض باستخدامها بطريقة منتجة مثل الأراضي غير المستغلة أو المهجورة مع عدم وجود نية لتطويرها أو جني الأموال منها، أو عندما تُشكِّل تلك العقارات المهملة خطرًا على الأشخاص، علمًا بأن السياسات المتعلقة بالأراضي في جنوب إفريقيا منذ نهاية الفصل العنصري لم تتضمن مطلقًا الاستيلاء القسري على الأراضي المملوكة للبيض.
ويشير الخبير القانوني تيمبيكا نجوكايتوبي إلى أن الهدف من هذا القانون هو اكتمال الحرية؛ لأن الوعد بالتحرُّر الاقتصادي للسود لم يتحقق، كما أضاف أن القانون الجديد يتطلب 17 خطوة قبل أن تتم عملية مصادرة الأراضي، وفضلًا عما سبق، فإن مسألة الاستيلاء على الأراضي دون قواعد لا تَحظى بدعم العديد من مواطني جنوب إفريقيا من جميع الأعراق، بما فيهم السود ومسؤولو الحكومة؛ وذلك خوفًا من التداعيات السلبية التي وقعت في دولة زيمبابوي عقب عمليات الاستيلاء على الأراضي على نطاق واسع؛ حيث تم طرد نحو 4 آلاف من كبار ملاك الأراضي البيض بالقوة في زيمبابوي بناء على قرارات حكومة روبرت موجابي بهدف تصحيح التفاوتات الموروثة عن الاستعمار البريطاني في زيمبابوي. لكن عملية توزيع الأراضي لم تكن مدروسة جيدًا؛ حيث تم منح الأراضي للمقربين من النظام والمزارعين الذين لا يملكون المعدات أو الخبرة، وهو ما أدَّى إلى حدوث حالة من انهيار الانتاج الزراعي أعقبها حالة من الانهيار الاقتصادي وهجرة ملايين المواطنين من البلاد، وتراجع المستثمرين.([19])
2-الحديث مع إيلون ماسك وإرسال وفود حكومية وحزبية إلى واشنطن:
نظرًا لإدراك حكومة جنوب إفريقيا أن إيلون ماسك هو المُحرّك الأساسي لهجوم ترامب ضد قرارات وسياسات جنوب إفريقيا، خاصةً بعد تصريحه عبر حسابه على منصة “إكس” التي يمتلكها، ومهاجمته لرئيس جنوب إفريقيا بقوله: “لماذا لديكم قوانين ملكية عنصرية صريحة؟”، فقد تم تنظيم مكالمة بين رئيس جنوب إفريقيا وإيلون ماسك بواسطة والد إيلون ماسك المقيم في جنوب إفريقيا، وذلك مساء 3 فبراير؛ حيث صرح مستشار رئيس جنوب إفريقيا أن إرول ماسك والد إيلون ماسك وهو مهندس يبلغ من العمر 78 عامًا يعيش في فيلا ساحلية فاخرة بالقرب من كيب تاون، قد نظَّم عملية الاتصال بين رئيس جنوب إفريقيا وابنه، وعقب هذه المحادثة صرح المتحدث باسم رئيس جنوب إفريقيا أن الرئيس رامافوزا عبَّر لماسك عن قلقه من تداول معلومات مضللة تُغذّي مزاعم الرئيس الأمريكي ترامب بشأن استيلاء على الأراضي، بخلاف الحقيقة، وقد أكد رامافوزا لماسك عدم وجود أي عمليات مصادرة للأراضي، محاولًا تعزيز فهمه للحقائق، والتخلي عن تبني نظريات المؤامرة المُضلّلة التي تُروّج أفكارًا غير حقيقية؛ لأن جنوب إفريقيا لديها قِيَم دستورية تحترم سيادة القانون والعدالة والإنصاف والمساواة.([20])
وفي السياق ذاته، أعلنت بعض صحف جنوب إفريقيا عن نية رئيس جنوب إفريقيا إرسال وفد رفيع المستوى إلى كلّ دول العالم لتوضيح حقيقة السياسات الداخلية في جنوب إفريقيا، وكذلك إرسال وفد يتكون من مسؤولين حكوميين كبار وقادة أعمال إلى واشنطن العاصمة للتفاوض مع ترامب، وتوضيح الحقائق لإعادة النظر في قراره، والعمل مع أصحاب المصلحة لتسوية القضايا المطروحة، وعلى الجانب الآخر فقد أعلن حزب التحالف الديمقراطي DA)) المنخرط في حكومة الوحدة الوطنية أنه سيرسل وفدًا خاصًّا لواشنطن للتواصل مع صُنّاع القرار الأمريكيين؛ لوقف المواجهة الدبلوماسية بين البلدين.
ورغم رغبة جنوب إفريقيا في وقف تصاعد التوتر عن طريق إرسال تلك الوفود لواشنطن؛ إلا أنه يُنظَر لتلك المحاولة على أنه غير مجدية؛ لأن صانعي القرار في أمريكا يريدون من جنوب إفريقيا سَحْب شكواها ضد «إسرائيل» في محكمة العدل الدولية، وكذلك سحب قانون نزع الملكية والتراجع عنه، وهي شروط صعبة قد لا تقبل بها حكومة جنوب إفريقيا، مما يوحي بأن التوتر بينهما قد يتصاعد؛ لأن الإدارة الأمريكية الجديدة التي تتولى زمام الأمور يهيمن عليها الساسة اليمنيون الرجعيون الذين يتولون مهمة مهاجمة أيّ دولة يعتقد أنها تقف إلى جانب أعداء الولايات المتحدة.([21])
وحتى الآن لم تُسفر محاولات هذه الوفود عن التوصل إلى نتيجة لوقف التوتر أو رفع العقوبات، بل صرح وزير خارجية جنوب إفريقيا بأن الولايات المتحدة لم تَرُدّ على محاولات مناقشة الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب، وذلك رغم محاولة بعثة جنوب إفريقيا الدبلوماسية في واشنطن للتواصل والتفاوض رسميًّا معهم، دون وجود رد حتى الآن. وأضاف الوزير أنه يأمل أن تجد واشنطن الوقت لإجراء مناقشة مع بلاده، مؤكدًا مواصلة مساعيهم لإجراء المحادثات مع واشنطن، مع قيام بلاده بالتخطيط لجميع السيناريوهات، مشددًا أن سياسة إصلاح الأراضي وقضيتها ضد «إسرائيل» غير قابلة للتفاوض، بجانب إعلانه عدم التراجع عن موضوع قمة مجموعة العشرين المخصص للحديث عن التضامن والمساواة والاستدامة الذي اقترحته بلاده، لأن دول مجموعة العشرين وافقت عليه، ولن ينشغلوا بموقف الولايات المتحدة الرافض له، وأعلن أيضًا أن الصين متضامنة معهم، وأنها مستعدة لتقديم الدعم فيما يتعلق بأيّ علاقات تجارية أو تحديات تواجه جنوب إفريقيا.([22])
3-رفض الجماعات الأفريكانية مقترح ترامب بإعادة توطينهم في أمريكا:
حيث أعلنت الجماعات الأفريكانية الذين أغلبهم من ذوي البشرة البيضاء من أحفاد المستوطنين الهولنديين والفرنسيين الأوائل الذين يمتلكون غالبية الأراضي الزراعية في جنوب إفريقيا، بما فيهم تلك الجماعات التي ضغطت على إدارة ترامب لفرض عقوبات على جنوب إفريقيا، ومن بينهم منظمة “أفري فوروم” عن رفضهم لفكرة إعادة إيوائهم وتوطينهم في أمريكا كلاجئين هاربين من الاضطهاد في جنوب إفريقيا؛ لأن ذلك يتناقض مع مطالب جماعات الضغط اليمنية البيضاء التي تريد الوصول إلى السلطة السياسية في جنوب إفريقيا، مدعية وجود ظلم واقع عليها متمثل في هيمنة حكم الأغلبية السوداء على مقاليد السلطة في جنوب إفريقيا، كما صرح كالي كرييل الرئيس التنفيذي لمنظمة “أفري فوروم” بأن الهجرة لا تُقدّم سوى فرصة للأفريكانيين الذين هم على استعداد للمخاطرة بالتضحية بالهوية الثقافية لأحفادهم كأفريكانيين، وهو ما يُعدّ ثمنًا باهظًا للغاية.
وبشكل منفصل أعلنت حركة التضامن التي تضم “أفري فوروم” ونقابة التضامن، والتي قالت: إنها تمثل حوالي 600 ألف أسرة أفريكانية ومليوني فرد عن التزامهم بالبقاء في جنوب إفريقيا، مضيفين أنهم قد يختلفون مع حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، لكنهم يحبون جنوب إفريقيا، قائلين: إنه في أيّ مجتمع هناك أفراد يرغبون في الهجرة، لكن إعادة الأفريكانيين كلاجئين ليس حلًّا بالنسبة لهم. كما رفض ممثلو منطقة “أورانيا” -وهي منطقة يسكنها الأفريكان فقط وتقع في قلب البلاد- عرض ترامب كذلك، رافضين فكرة العيش كلاجئين في أمريكا. لكن تلك المنظمات رحَّبت بدعم ومساعدة الولايات المتحدة في جنوب إفريقيا، كما صرح إرنست فان زيل رئيس العلاقات العامة في منظمة أفري فوروم بأنهم سيكتبون إلى واشنطن من أجل فرض عقوبات أمريكية على أعضاء حزب المؤتمر الوطني الإفريقي بدلًا من التدابير العقابية المفروضة على المقيمين في جنوب إفريقيا، بجانب إعلان المنظمة أنها ستُقدّم طلبًا لتعديل قانون نزع الملكية لحماية حقوق الملكية، ورغم هذا الرفض المُعلَن مِن قِبَل الجماعات البيضاء لمقترح ترامب باللجوء لأمريكا، إلا أنه في أعقاب صدور الأمر التنفيذي لترامب وصل أكثر من 20 ألف استفسار إلى غرفة التجارة لجنوب إفريقيا في الولايات المتحدة (SACCUSA) من أجل مغادرة جنوب إفريقيا والسعي إلى إعادة توطينهم في الولايات المتحدة، وصرح نيل دايموند رئيس الغرفة بأن هذا الرقم قد يزيد إلى أكثر من 50 ألف شخص.([23])
4-إعلان جنوب إفريقيا عن مواصلتها لدعم القضية الفلسطينية:
حيث أعلن وزير خارجية جنوب إفريقيا رونالد لامولا أنه لا توجد فرصة لسحب بلاده قضية الإبادة الجماعية ضد «إسرائيل» أمام محكمة العدل الدولية، رغم صدور الأمر التنفيذي للولايات المتحدة القاضي بوقف المساعدات عن جنوب إفريقيا؛ لمعاقبتها على موقفها الداعم للقضية الفلسطينية، واعتبار ذلك موقفًا عدوانيًّا تجاه «إسرائيل» حليفة الولايات المتحدة.
كما أضاف وزير خارجية جنوب إفريقيا بأن التمسك بالمبادئ له عواقب في بعض الأحيان، لكنهم سيظلون ثابتين على موقفهم، وهذا مُهِمّ للعالم ولسيادة القانون، هذا ورغم أن محكمة العدل الدولية قد فرضت تدابير طارئة تأمر «إسرائيل» بالحد من الضرر فلا يزال الحكم النهائي في القضية معلقًا، ولم يصدر حتى الآن، وهناك ضغوط كبيرة على جنوب إفريقيا من أجل التنازل وسحب هذه القضية، ومنعها من مواصلة دورها في دعم القضية الفلسطينية، إلا أن رئيس جنوب إفريقيا تعهَّد خلال خطاب حالة الأمة الذي ألقاه مؤخرًا عن استمرار تضامنها مع الشعب الفلسطيني الذي عانَى لعقود من الاحتلال غير القانوني، ويمر الآن بمعاناة لا تُوصَف، معلنًا أن بلاده تصرفت وفقًا لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، ودعمها لمبدأ احترام السلامة الإقليمية وسيادة جميع الدول والشعوب.([24])
وفي 31 يناير المنصرم أعلنت جنوب إفريقيا عن تشكيل مجموعة لاهاي مع 8 دول أخرى ليس من بينهم أي دولة عربية، وتتمثل هذه الدول في كلٍّ من (جنوب إفريقيا، ناميبيا، السنغال، ماليزيا، هندوراس، كولومبيا، تشيلي، بليز، بوليفيا)؛ حيث قرروا العمل معًا والتضامن مع فلسطين؛ من خلال تبني مجموعة من الالتزامات والتدابير القانونية والاقتصادية والدبلوماسية بصورة مشتركة ومنسَّقة، وتهدف لمحاسبة «إسرائيل» على انتهاكاتها للقانون الدولي؛ وذلك ردًّا على ضغوط الكونجرس الأمريكي على المؤسسات القانونية الدولية وعلى شرعية أحكامها.
كذلك تهدف مجموعة لاهاي إلى الدفاع عن مبادئ العدالة والمساواة وحقوق الإنسان في ظل تصاعد انتهاك الدول القوية للعدالة دون عقاب، وقد تأسست المجموعة في لاهاي بهولندا، وهي مقر كل من محكمة العدل الدولية التي هي جهاز تابع للأمم المتحدة تنظر في النزاعات بين الدول، والمحكمة الجنائية الدولية، وهي المحكمة الدولية الأولى والوحيدة ذات الاختصاص القضائي لمحاكمة الأفراد على الجرائم الدولية، وقد كانت المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت قرارًا في نوفمبر الماضي يقضي باعتقال رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير الأمن السابق يؤاف جالانت، وهو ما جعل ترامب يصدر قرارًا في فبراير الجاري يقضي بتوقيع عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، واصفًا قيامها بإجراء تحقيقات غير مشروعة ولا أساس لها تستهدف أمريكا وحليفتها «إسرائيل»، بجانب إساءة استخدام سلطاتها، وأمر بتجميد الأصول وحظر السفر ضد مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية وموظفيها وأفراد عائلتهم وكل شخص ساعد في تحقيقات المحكمة، وقد أسفرت تلك القرارات عن كشف الوجه القبيح لإدارة ترامب التي تُعدّ الأكثر يمينية في تاريخ أمريكا والأكثر تأييدًا للصهيونية، وتستخدم كل قوتها لمعاقبة داعمي فلسطين من دول ومؤسسات دولية.([25])
5-حدوث حالة من التوتر السياسي وتصاعد الانقسام الاجتماعي داخل جنوب إفريقيا:
فرغم التماسك المستمر حتى الآن داخل حكومة الوحدة الوطنية المكونة من ائتلاف يضم عشرة أحزاب بزعامة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، ورفضها لاتهامات ترامب؛ إلا أن جون ستينهويزن وزير الزراعة الحالي وزعيم حزب التحالف الديمقراطي DA)) الذي يهيمن عليه البيض غالبًا، وهو ثاني أكبر حزب في الائتلاف الحاكم؛ حيث حصل على عدد 6 وزارات، قد ألقى باللوم على حزب المؤتمر الوطني الإفريقي (ANC) الذي يتزعم حكومة الوحدة الوطنية، متهمًا إياه بتصعيد الاحتكاك مع واشنطن، من خلال تقاربه مع روسيا والتعاملات مع إيران، مؤكدًا على أهمية إصلاح جنوب إفريقيا لعلاقاتها مع إدارة ترامب بشكل عاجل، وذلك بدعوى أن الولايات المتحدة تمثل أحد أكبر الشركاء التجاريين لجنوب إفريقيا وأكبر اقتصاد في العالم، والخلاف معها يُشكِّل خطرًا واضحًا على أجندة التوظيف والنمو، ويَضُرّ بكل القطاعات بدءًا من الزراعة حتى الاستثمار، كما قام التحالف الديمقراطي DA))، بتقديم طعن قضائي إلى المحكمة العليا ضد قانون نزع الملكية، ووصفه بأنه غير دستوري من الناحيتين الموضوعية والإجرائية، وذلك يوم 7 فبراير الجاري.([26])
ومن جانب حزب الحرية إنكاثا IFP))، وهو حزب محافظ يهيمن عليه الزولو؛ فقد انتقد قانون نزع الملكية، وذلك خوفًا من أن يؤدي إلى تقويض ملكية الزولو للأراضي الكبيرة التي يسيطرون عليها.
وعلى الجانب الآخر فقد قام حزب رمح الأمة MK)) الذي يتزعمه رئيس جنوب إفريقيا السابق جاكوب زوما، وهو أحد أحزاب المعارضة المنخرطين في تحالف الكتلة التقدمية ((PC، برفع شكوى جنائية ضد منظمة “أفري فوروم”، متهمًا إياها بالخيانة ونشر معلومات مضللة ونشر أكاذيب أثَّرت على قرار ترامب بوقف المساعدات عن جنوب إفريقيا؛ حيث مارست المنظمة ضغوطًا في وسائل الإعلام الأمريكي ودوائر صنع القرار الأمريكي من أجل التصدي لحكومة جنوب إفريقيا وقانون نزع الملكية، وقد أدَّت قرارات ترامب إلى تفاقم الانقسامات الصارخة بشأن القضايا العنصرية التي لا تزال قائمة في جنوب إفريقيا، والتي تسمح بوجود تفاوت اقتصادي شديد بين المجموعات الإثنية المختلفة داخل البلاد.
ونظرًا لأن حزب رمح الأمة MK)) من الأحزاب الشعبوية التي تدعو بقوة إلى إعادة توزيع الأراضي؛ فقد ارتفعت شعبيته منذ تأسيسه، ولذلك يؤيد قانون نزع الملكية، وقد قام أنصار الحزب بتقديم الشكوى ضد منظمة “أفري فوروم” في مركز الشرطة المركزي في كيب تاون، وغنَّى العشرات من أنصار الحزب أغاني الحرية المُناهِضَة للفصل العنصري، وهم يرتدون الملابس العسكرية. كما أشار زعيم الحزب في البرلمان إلى أن أعضاء المنظمة ارتكبوا الخيانة ويتآمرون ضد الحكومة. كما أن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي ألقى باللوم على منظمة “أفري فوروم” بسبب تصرفاتها، رغم أنه لم يتخذ أيّ إجراء قانوني ضد المنظمة. ومن جانبه، فقد رفض “كالي كريل” -الرئيس التنفيذي لمنظمة أفري فوروم- تهمة الخيانة ووصفها بالسخيفة، مدعيًا أن واجب المجتمع المدني تسليط الضوء على التشريعات والإجراءات التي تُهدِّد رفاهية المواطنين والدولة.([27])
وفي السياق ذاته، فقد كان جوليوس ماليما زعيم حزب مقاتلي الحرية الاقتصادية EFF))، -وهو حزب شيوعي قومي ومؤيد بقوة لإعادة توزيع الأراضي على السود عن طريق عمليات التأميم والتوزيع العادل للأراضي من جديد-، محلًا للنقد والهجوم مِن قِبَل الملياردير إيلون ماسك؛ حيث دعا ماسك إلى معاقبة ماليما، وإصدار مذكرة اعتقال دولية ضده لدعمه العلني لمصادرة الأراضي دون تعويض. وقد رد ماليما على اتهامات ماسك بأنه يُقاتل نيابة عن حقوق الأفارقة السود، ويذكر أن حزب ماليما لم يكن راضيًا عن قانون نزع الملكية، ووصفه بأنه مجرد تهرب تشريعي من جانب الحزب الحاكم؛ حيث لدى الحزب تطلعات أكبر بشأن عملية الاستيلاء على الأراضي من المزارعين البيض، وتأميم مناجم الذهب والبلاتين في جنوب إفريقيا، وهذا القانون في نظرهم لا يؤدي إلى تحقيق الإصلاح الزراعي الجذري الذي تحتاج إليه جنوب إفريقيا بشكل عاجل.
ورغم حالة التوتر هذه داخل حكومة الوحدة الوطنية الني يشكلها الائتلاف الحاكم إلا أنها لا تزال مستقرة حتى الآن، ورغم غضب حزب التحالف الديمقراطي DA))، ونقده لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي (ANC)، إلا أنه يدرك أنه في حالة انسحابه من حكومة الوحدة الوطنية، قد يلجأ حزب المؤتمر الوطني الإفريقي بوصفه حزب الأكثرية داخل الائتلاف إلى التحالف مع أحزاب المعارضة داخل البرلمان ومن بينها حزب مقاتلي الحرية الاقتصادية EFF))، وأحزاب تحالف الكتلة التقدمية ( (PCالمعارضة، وبالتالي تشكيل حكومة جديدة يهيمن عليها الأحزاب الداعمة لقانون نزع الملكية وعمليات إعادة توزيع الأراضي وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة للسود، وهو ما يُعرَف بتحالف يوم القيامة الذي لا تريد الأحزاب التي يهيمن عليها البيض تشكيله.([28])
6-وجود مخاوف من حدوث تداعيات اقتصادية واجتماعية نتيجة للعقوبات الأمريكية:
رغم تقليل حكومة جنوب إفريقيا لأهمية المساعدات التي تحصل عليها من الولايات المتحدة الأمريكية، والإعلان عن أن التمويل الوحيد الذي حصلت عليه جنوب إفريقيا من أمريكا كان من خلال مبادرة بيبفار PEPFAR)) الصحية، والتي كانت تمول ما نسبته 17% من برنامج مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية الإيدز في جنوب إفريقيا، وهذه المساعدات بلغت قيمتها نحو 440 مليون دولار في عام 2023م وفقًا لبيانات الحكومة الأمريكية، وبلغت قيمتها 453 مليون دولار في عام 2024م، إلا أنه مع إعلان وقف المساعدات وجدت حالة من المخاوف في جنوب إفريقيا على المستوى الحكومي والقطاع الخاص، بل وعلى المستوى الشعبي؛ حيث صرَّح رئيس جنوب إفريقيا الذي يحاول تعزيز الأوضاع الاقتصادية، ويجذب الاستثمارات أن الاجراءات الأمريكية ضد بلاده تمثل تحديًا خطيرًا.
كما أن قيمة عملة جنوب إفريقيا الراند كانت قد انخفضت بنحو 9% مقابل الدولار الأمريكي خلال ذروة حالة التوتر بين البلدين، بجانب انخفاض قيمة الأسهم والسندات الحكومية بسبب قلق المستثمرين بشأن مستقبل العلاقات بين البلدين، وارتفعت تكلفة التأمين على الديون في جنوب إفريقيا ضد التخلف عن السداد إلى أعلى مستوياتها.
كما تضررت أيضًا العديد من البرامج الصحية والجمعيات والعيادات الصحية المتخصصة في مكافحة فيروس الإيدز نتيجة لتوقف المساعدات، ونظرًا لأن الولايات المتحدة هي ثاني أكبر شريك تصديري لجنوب إفريقيا؛ فقد دعا البعض الحكومة إلى التعامل بحكمة مع حالة التوتر؛ حيث إن جنوب إفريقيا لديها فائض تجاري قدره 36 مليار راند مع الولايات المتحدة، كما صرحت نقابة التضامن في جنوب إفريقيا بأن التجارة مع الولايات المتحدة وفَّرت فرص عمل في عام 2024م لنحو 426 ألف مواطن جنوب إفريقي، كما أن نحو 93 ألف مواطن يعتمدون على قانون النمو والفرص في إفريقيا من أجل أمنهم الوظيفي، وكذلك بلغت قيمة البضائع التي صدَّرتها جنوب إفريقيا إلى أمريكا في 2024م نحو 157 مليار راند، وكانت أكبر الصادرات لأمريكا تتمثل في المعادن الثمينة والمركبات، كما استوردت جنوب إفريقيا بضائع من أمريكا في نفس العام بقيمة 120 مليار راند، وأهم تلك الواردات الطائرات والآلات والمركبات والمنتجات المعدنية.([29])
ونظرًا لأهمية العلاقات الاقتصادية بين البلدين فإن المخاوف تتصاعد، وخاصةً من احتمالات قيام إدارة ترامب بحرمان جنوب إفريقيا من الاستفادة من قانون النمو والفرص في إفريقيا (AGOA)، وهذا القانون يمنح البلدان في إفريقيا جنوب الصحراء تفضيلات تجارية؛ حيث يمنحها حق وصول منتجاتها إلى السوق الأمريكية مع إعفائها من الرسوم الجمركية، بشرط أن يتمتع الشركاء التجاريون باحترام حقوق الإنسان، وسيادة القانون، والتعددية السياسية، وتبني نظام اقتصاد السوق.
وتُعدّ جنوب إفريقيا من الدول المستفيدة من هذا القانون؛ حيث تستفيد 22% من صادرات جنوب إفريقيا من هذا القانون، ونظرًا لأنه من المقرر تجديد هذا القانون في سبتمبر المقبل 2025م، يخشى البعض أن تقوم إدارة ترامب بحرمان جنوب إفريقيا من الاستفادة من هذا القانون، وهو ما سيؤدي إلى تضرُّر السلع المستفيدة من هذا القانون؛ حيث يُسهم قانون النمو والفرص بشكل كبير في اقتصاد جنوب إفريقيا والحرمان منه سيسبب الكثير من المشاكل الاقتصادية في كافة القطاعات، وخاصة في القطاع الزراعي، بجانب خشية آخرون من قيام إدارة ترامب بإضافة رسوم جمركية على بضائع جنوب إفريقيا قد تصل نسبتها 25%، وجعلها وسيلة للضغط على جنوب إفريقيا لتخضع لشروطها.
وأخيرًا يخشى آخرون من قيام الولايات المتحدة بتوقيع عقوبات على حكومة جنوب إفريقيا أو بعض الشخصيات المؤيدة لقانون نزع الملكية في حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، أو حزب مقاتلي الحرية الاقتصادية بموجب قانون ماجنيتسكي الذي يعطي الحكومة الأمريكية حق فرض عقوبات على منتهكي حقوق الإنسان في كافة أنحاء العالم؛ من خلال تجميد أصولهم، وحظرهم من دخول الولايات المتحدة، بجانب عقوبات أخرى، ونظرًا لاتهام ترامب لحكومة جنوب إفريقيا بانتهاك حقوق الإنسان خلال تبريره قطع المساعدات؛ فهناك مخاوف من استخدامه قانون ماجنيتسكي لتوقيع عقوبات على حكومة جنوب إفريقيا للضغط عليها.([30])
ثالثا: المآلات المستقبلية لتوتر العلاقات بين إدارة ترامب وحكومة جنوب إفريقيا:
إن المتتبع لمسيرة العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وجنوب إفريقيا يعلم أنها لم تكن ودودة للغاية في كل الأوقات، بل كانت تتأرجح بين الصعود والهبوط، فخلال فترة حكم الفصل العنصري كانت أمريكا تدعم البيض الذين يتولون قيادة نظام الفصل العنصري ضد السود أصحاب الأرض، وهو ما جعل حركات المقاومة تلجأ إلى روسيا للاعتماد عليها في مكافحة نظام الفصل العنصري، ومع سقوط حكومة الفصل العنصري، وتولي حكومة مانديلا قيادة البلاد؛ ظلت الولايات المتحدة تدرج اسم الزعيم نيلسون مانديلا وحزب المؤتمر الوطني الإفريقي على قائمة الإرهاب الأمريكية حتى عام 2008م، لكن بعد وفاة الزعيم نيلسون مانديلا في ديسمبر 2013م قام الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالمشاركة في جنازته، ومع صعود زوما للسلطة في جنوب إفريقيا حدثت بعض التوترات التي أثرت على مسار العلاقات، ومع تولي ترامب للسلطة للمرة الأولى في 2017م تصاعدت هذه التوترات، وأخيرًا في ظل عودة ترامب للمرة الثانية للبيت الأبيض فقد تدهورت العلاقات لدرجة غير مسبوقة بين البلدين.
ولعل المآلات المستقبلية لتوتر العلاقات بين البلدين يمكن عرضها وفقًا للسيناريوهات التالية:
السيناريو الأول: سيناريو التصعيد
نظرًا لتمسك جنوب إفريقيا بقانون نزع الملكية، وإعلانها أنه غير قابل للتفاوض، وكذلك إعلانها رفض سحب قضيتها ضد «إسرائيل» من أمام محكمة العدل الدولية، مع إرسالها في نفس الوقت وفودًا حكومية للتفاوض مع الإدارة الأمريكية، وعدم قدرتها على إقناع ترامب وإدارته بالتخلّي عن فكرة قطع المساعدات حتى الآن، فمن المحتمل أن تتبنَّى إدارة ترامب سيناريو التصعيد، وتقوم بفرض تعريفات جمركية على صادرات جنوب إفريقيا إلى الولايات المتحدة قد تصل نسبتها إلى 25% كخطوة أولى، ثم تفرض عقوبات على بعض أعضاء حكومة جنوب إفريقيا وحزب المؤتمر الوطني الإفريقي والأحزاب المؤيدة لقانون نزع الملكية، وذلك بموجب قانون ماجنيتسكي كخطوة ثانية، ثم قد تقوم بحرمان جنوب إفريقيا من الاستفادة من قانون النمو والفرص (AGOA) كخطوة ثالثة.
بل ليس من المستبعَد أن تعمل الولايات المتحدة على إحداث انقسام وتوتر كبير داخل حكومة الوحدة الوطنية الائتلافية وإسقاطها من أجل إضعاف حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، وإسقاط الرئيس سيريل رامافوزا نفسه وإخراجه من سُدَّة الحكم، وفي حالة تبنّي هذا السيناريو سوف تنجم العديد من المشكلات السياسية والاقتصادية في جنوب إفريقيا، وهو ما قد يجعل حكومة جنوب إفريقيا تلجأ لفكرة المواجهة، وتقوم بمنع تصدير المعادن إلى الولايات المتحدة، بل يمكن أن تطرد الشركات الأمريكية العاملة في البلاد، وكذلك يمكن أن تُغيِّر قانون نزع الملكية بما يسمح للحكومة بالتوسع في نزع الأراضي من البيض بصورة أكبر وأسرع دون تعويض كوسيلة للرد على الولايات المتحدة.
السيناريو الثاني: سيناريو التطبيع
وقد يحدث هذا السيناريو في حالة قدرة حكومة جنوب إفريقيا على الجلوس مع إدارة ترامب وصانعي القرار فيها، وعلى رأسهم إيلون ماسك، ومناقشة القضايا العالقة بين الطرفين، والتوصل إلى تسوية مناسبة تُحقّق أهداف الطرفين، وذلك من خلال قيام جنوب إفريقيا بتقديم بعض التنازلات في مقابل رفع العقوبات عنها، ولكن بصورة لا تُحرج حكومة جنوب إفريقيا أمام الرأي العام المحلي والدولي، وقد يأتي على رأس هذه التنازلات منح إيلون ماسك رخصة تشغيل خدمة ستارلينك في جنوب إفريقيا دون التزمه بقوانين تمكين السود، بطريقة قانونية تجعله يتخطى الشروط المطلوبة بأيّ طريقة ما، وكذلك قد يكون التنازل الثاني متعلقًا بفتح الباب لإعادة مناقشة قانون نزع الملكية وتعديل بعض النصوص المختلف عليها، وذلك عن طريق القضاء والبرلمان.
أما التنازل الثالث فقد يكون متعلقًا بعدم انسحاب جنوب إفريقيا من قضيتها أمام محكمة العدل الدولية ضد «إسرائيل»، لكن القيام بدلًا من ذلك بإهمال متابعة القضية، وعدم الجدية فيها، وذلك حتى لا يتم إحراج جنوب إفريقيا أمام الرأي العام الدولي والمحلي، وأنها خضعت لضغوط ترامب، فضلًا عن التزام جنوب إفريقيا بتبنّي سياسة خارجية تتوافق مع توجهات ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي سيتم رفع العقوبات المفروضة عليها، وتطبيع وعودة العلاقات بين البلدين كما كانت.
السيناريو الثالث: بقاء الوضع على ما هو عليه
حيث يشير هذا السيناريو إلى استمرارية الوضع القائم الآن بين البلدين على ما هو عليه دون حدوث تغيرات جديدة خلال الفترة القادمة، وذلك في حالة عجز جنوب إفريقيا عن الوصول إلى مفاوضات ناجحة مع إدارة ترامب، مع استمرار إدارة ترامب على قرار وقف المساعدات دون تصعيد الموقف للضغط على جنوب إفريقيا أطول فترة ممكنة ليجعلها تقدم تنازلات من نفسها دون دخول الادارة الأمريكية معها في مفاوضات قد تلزمها بالموافقة على تقديم تعهدات لجنوب إفريقيا.
وفي حالة حدوث هذا السيناريو فقد تطول أو تقصر المدة التي يستمر فيها؛ لأن قرار وقف المساعدات الذي اتخذه ترامب يأتي في إطار تبنّيه لفكرة الوقف الشامل للمساعدات الخارجية بصورة عامة وإعادة تخصيصها للداخل الأمريكي، مع إدراك الإدارة الأمريكية أيضًا أن قرار وقف المساعدات لجنوب إفريقيا قد جاء محاباة لمصلحة إيلون ماسك للحصول على ترخيص خدمة ستارلينك في جنوب إفريقيا، وبالتالي لا توجد حاجة لتصعيد الموقف ضد جنوب إفريقيا في الفترة المقبلة؛ لأنها تُعدّ من أهم دول القارة الإفريقية للولايات المتحدة الأمريكية، وتعتمد عليها في تحقيق الكثير من المصالح، ولذلك ليس من المحتمل أن تتخلَّى عن كامل علاقاتها مع جنوب إفريقيا، وتتركها للصين وروسيا بسهولة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإحالات والهوامش:
)[1](– GERALD IMRAY ; ” How Trump’s pledge to punish South Africa reflects Musk’s criticism of his homeland ” , at , https://apnews.com/article/trump-elon-musk-south-africa-aid-freeze-69f81617f8aea157eac0cc021e1b1556 , 4/2/2025.
)[2](– Fred Meintjes ; ” South Africa scrambles to reverse Trump decisions ” , at , https://www.fruitnet.com/eurofruit/south-africa-scrambles-to-reverse-trump-decisions/264994.article , 10/2/2025.
)[3](– Nosmot Gbadamosi ; ” Trump vs. South Africa ” , at , https://foreignpolicy.com/2025/02/12/south-africa-trump-musk-afrikaners-refugees-ramaphosa-anc , 12/2/2025.
)[4](– Carien du Plessis ; ” Trump is wrong on South African land grabs, despite controversy over expropriation law ” , at , https://www.theafricareport.com/375597/trump-is-wrong-on-south-african-land-grabs-despite-controversy-over-expropriation-law , 4/2/2025 .
)[5](-David McKenzie ; ” They’re prepping for a race war. And they see Trump as their ‘ray of hope ” , at , https://edition.cnn.com/interactive/2018/11/africa/south-africa-suidlanders-intl .
)[6](-“No Chance’ – South Africa Remains Firm on ICJ Case despite Trump’s Actions ” , at , https://www.palestinechronicle.com/no-chance-south-africa-remains-firm-on-icj-case-despite-trumps-actions , 12/2/2025 .
)[7](– Jon Shelton ; ” South Africa rejects Trump’s land ‘confiscation’ claim ” , at , https://www.dw.com/en/south-africa-rejects-trumps-land-confiscation-claim/a-71491321 , 3/2/2025.
)[8](-“White victimhood to G20: What’s behind Trump’s attacks on South Africa?” , at , https://www.aljazeera.com/news/2025/2/10/white-victimhood-to-g20-whats-behind-trumps-attacks-on-south-africa , 10/2/2025 .
)[9](–” Taiwan says South Africa gives March deadline to move office from Pretoria” , at , https://www.reuters.com/world/taiwan-says-safrica-gives-march-deadline-move-office-pretoria-2025-02-03 , 3/2/2025 .
)[10](–” U.S. senators condemn South Africa’s push to relocate Taiwan office ” , at , https://focustaiwan.tw/politics/202502050009 , 5/2/2025 .
)[11](-David Ehl ; ” South Africa chairs G20: Ambitious plans, geopolitical woes ” , at , https://www.dw.com/en/south-africa-chairs-g20-ambitious-plans-geopolitical-woes/a-71172773 , 29/12/2024 .
)[12](– Sertan Sanderson ; ” DRC crisis: What does it mean for South Africa? ” , at , https://www.dw.com/en/what-does-the-drc-crisis-mean-for-south-africas-regional-influence/a-71494418 , 4/2/2025 .
)[13](– Kanishka Singh ; ” Trump signs order to cut funding for South Africa ” , at , https://www.reuters.com/world/us/trump-signs-executive-order-aimed-south-africa-white-house-official-says-2025-02-07 , 8/2/2025 .
)[14](– “Afrikaner groups in South Africa decline Trump’s resettlement plan ” , at , https://www.voanews.com/a/white-south-africans-reject-trump-s-resettlement-plan/7967974.html , 8/2/2025 .
)[15](– Kanishka Singh ; ” US top diplomat Rubio will not attend G20 meeting in South Africa ” , at , https://www.reuters.com/world/us-top-diplomat-rubio-will-not-attend-g20-meet-south-africa-2025-02-06 , 6/2/2025 ,
)[16](– BRIAN ORUTA ; ” Ramaphosa to Trump: Keep off our affairs ” , at , https://www.the-star.co.ke/news/africa/2025-02-03-ramaphosa-to-trump-keep-off-our-affairs , 3/2/2025.
)[17](-Khanyisile Ngcobo ; ” Trump threatens to cut funding for South Africa over land policy ” , at , https://www.bbc.com/news/articles/cn01z1yy0jno , 3/2/2025 .
)[18](– Lauren Kent ; ” South Africa does have a history of racist land inequality. Just not in the way Trump and Musk are portraying ” , at , https://edition.cnn.com/2025/02/11/africa/south-africa-land-aid-freeze-trump-intl/index.html , 11/2/2025 .
)[19](–” Donald Trump accuse l’Afrique du Sud de confiscation de terres et dit interrompre « tout financement ” , at , https://www.lemonde.fr/afrique/article/2025/02/03/donald-trump-accuse-l-afrique-du-sud-de-confiscation-de-terres-et-dit-interrompre-tout-financement_6529149_3212.html , 3/2/2025 .
)[20](– ” South African leader spoke to Elon Musk about misinformation after Trump attack ” , at , https://www.reuters.com/world/africa/south-african-leader-spoke-elon-musk-about-misinformation-after-trump-attack-2025-02-04 , 4/2/2025 .
)[21](– Mashudu Sadike ; ” South Africa scrambles to resolve diplomatic standoff with US ” , at , https://www.iol.co.za/news/politics/south-africa-scrambles-to-resolve-diplomatic-standoff-with-us-59647692-d3bd-40ac-a95e-507f35053e00 , 9/2/2025.
)[22](– Nellie Peyton ; ” South Africa says silence from US on bid for talks, China pledges support ” , at , https://www.reuters.com/world/africa/south-africa-says-us-has-not-responded-attempts-engage-after-trump-order-2025-02-17 , 17/2/2025.
)[23](– Olivia Kumwenda ; ” No thanks’: White South Africans turn down Trump’s immigration offer ” , at , https://www.reuters.com/world/africa/no-thanks-white-south-africans-turn-down-trumps-immigration-offer-2025-02-09 , 9/2/2025 .
)[24](– Joseph Chirume ; ” South Africa vows continued support for Palestine despite Trump threats ” , at , https://www.newarab.com/news/south-africa-vows-support-palestine-despite-trump-threats , 7/2/2025 .
)[25](-“ Nine countries launch legal action against Israel over Gaza war ” , at , https://www.newarab.com/news/nine-states-launch-legal-action-against-israel-over-gaza-war , 31/1/2025.
)[26](– Mayeni Jones ; ” South Africa law at centre of Trump row challenged in court ” , at , https://www.bbc.com/news/articles/cj3e6ypk7xdo , 10/2/2025 .
)[27](– Wendell Roelf ; ” South African party accuses white group of treason over Trump attack ” , at , https://www.reuters.com/world/africa/south-african-party-accuses-white-group-treason-over-trump-attack-2025-02-10 , 10/2/2025 .
)[28](-” South Africa’s unity government steady after stormy start ” , at , https://www.voanews.com/a/south-africa-s-unity-government-steady-after-stormy-start/7963593.html , 5/2/2025 .
)[29](– Yeshiel Panchia ; ” How badly will US sanctions hurt South Africa?” , at , https://www.dailymaverick.co.za/article/2025-02-09-how-badly-will-us-funding-cut-hurt-south-africa , 9/2/2025 .
)[30](– Anita Powell ; ” Trump takes aim at new South African land expropriation law ” , at , https://www.voanews.com/a/trump-takes-aim-at-new-south-african-land-expropriation-law/7963443.html , 4/2/2025 .