لمحة عامة:
يُعدّ “تيكاد” Tokyo International Conference on African Development (TICAD)؛ “مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في إفريقيا”، أو “منتدى التعاون الياباني الإفريقي” منتدًى مفتوحًا وشاملًا يجمع كافة البلدان الإفريقية وشركاء التنمية، بما في ذلك المنظمات الدولية والإقليمية والبلدان المانحة والدول الآسيوية والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، التي تعمل في مجال التنمية في إفريقيا؛ بهدف تعزيز الحوار السياسي رفيع المستوى بين القادة الأفارقة وشركاء التنمية بشأن القضايا المتعلقة بالنمو الاقتصادي والتجارة والاستثمار والتنمية المستدامة والأمن البشري والحوكمة، ودمج الأولويات الإفريقية في جداول أعمال التعاون الدولي للشركاء والمانحين، وحشد الدعم لمبادرات التنمية في القارة، وتوفير مبادئ توجيهية أساسية وشاملة حول التنمية فيها، بالإضافة إلى تعزيز التعاون بين آسيا وإفريقيا، مع التركيز على التنمية في إفريقيا.
ويكمن سرّ تميزه في تركيزه على تعدُّد الأطراف وتعدُّد القطاعات، وترتبط جهوده للنهوض بأهداف التنمية المستدامة في إفريقيا بشكلٍ واضحٍ ببناء السلام، والتطوير الدستوري، وإصلاح نظام العدالة، والحكم الديمقراطي.
ويُلبّي المؤتمر الأولويات الإفريقية على أساس الملكية، وهو مبدأ أساسي للشراكة اليابانية، فبدلاً من مجرد سلسلة مؤتمرات تُعقَد كل ثلاث سنوات، يُمثّل التيكاد عملية المشاركة المستمرة.
وهو أقدم منتدًى من نوعه، يُعنَى بالشراكة الشاملة متعددة الأطراف، وهو ما يُميّزه عن غيره. ويُبرز المؤتمر تضامُن اليابان مع إفريقيا، كما يُعدّ جزءًا من السياسة الخارجية اليابانية لما بعد الحرب، والتي تسعى إلى تنمية هوية دولية يابانية جديدة للسلام، وهناك العديد من الفوائد تجنيها اليابان؛ منها: تعزيز القوة الناعمة اليابانية، واستحداث نماذج وتقنيات التطوير، واكتساب حصة في السوق العالمي والإفريقي، وكسب الدعم الدبلوماسي الإفريقي في المنتديات الدولية، وبناء تحالفات أمنية جديدة لليابان.([1])
وسوف نلقي مزيدًا من الضوء على مؤتمر التيكاد، وتاريخه وموضوعاته، وأهدافه، في العناصر التالية:
- أولاً: نشأة مؤتمر التيكاد.
- ثانيًا: التنظيم والانعقاد والمشاركة.
- ثالثًا: أهداف التيكاد وركائزه الأساسية.
- رابعًا: مؤتمرات التيكاد الثمانية: الخطط والإنجازات.
- خامسًا: ما يميز التيكاد.
أولاً: نشأة مؤتمر التيكاد
تم إطلاق “مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الإفريقية” (تيكاد) عام 1993م، بمبادرة من حكومة اليابان؛ بهدف تعزيز الحوار السياسي رفيع المستوى بين القادة الأفارقة وشركائهم في التنمية، وحشد الدعم لصالح مبادرات التنمية الإفريقية، والتركيز العالمي على أهمية القضايا الإفريقية؛ حيث بدأت فكرة القمَّة عقب انتهاء الحرب الباردة في عصر “إرهاق المساعدات” لحثّ البلدان المتقدمة على الاهتمام بإفريقيا وتقديم المساعدة لها. وقد شكَّل إطلاقه عاملًا محفزًا لإعادة التركيز الدولي على احتياجات التنمية في إفريقيا.
لقد كان التيكاد عنصرًا متطورًا في التزام اليابان طويل الأجل بتعزيز السلام والاستقرار في إفريقيا من خلال الشراكات التعاونية.
وفي هذا السياق، شدَّدت اليابان على أهمية “مِلْكية إفريقيا” لتنميتها وكذلك أهمية “الشراكة” بين إفريقيا والمجتمع الدولي، التي تساعد في تبادل وجهات النظر بين المندوبين في المؤتمر نحو التأكيد على الحاجة إلى المزيد من المساعدة وليس تقليلها من الاقتصادات العالمية الرئيسية.
ولقد تطوَّر التيكاد إلى منتدى عالمي رئيسي لتعزيز التنمية في القارة بموجب مبادئ “الملكية” الإفريقية و”الشراكة” الدولية؛ حيث أصبحت هذه المفاهيم عوامل أساسية في إطلاق الشراكة الاقتصادية الجديدة لتنمية إفريقيا (نيباد). كما أسفرت اجتماعاته عن نتائج رئيسية، لا سيما عندما تستضيف اليابان مجموعة الثماني، كما كانت في عام 2008م. وفي عام 2000م، على سبيل المثال، استضافت اليابان قمة G8 ودعت قادة من عدة دول إفريقية للحضور. والأفكار المقترحة في TICAD II تم تناولها أيضًا مِن قِبَل G8، وتمثلت في إنشاء الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا.([2])
ثانيًا: التنظيم والانعقاد والمشاركة
نظَّمت حكومة اليابان قمة “تيكاد” في نسختها الأولى؛ أما القمم التي تلت فقد عُقِدَت بالتشارك بين خمس أطراف منظمة، وهي اليابان، والأمم المتحدة، وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، والبنك الدولي، ومفوضية الاتحاد الإفريقي.([3])
ومنذ عام 1993م يُعقَد المؤتمر كل خمس سنوات، حتى عام 2013م، ثم أصبح يُعقَد كل ثلاث سنوات بالتناوب بين اليابان ودولة إفريقية. وغالبًا ما تبدو اجتماعات التيكاد وكأنها المنتدى الاقتصادي العالمي؛ حيث يشارك قادة الحكومة وقطاع الأعمال والمجتمع المدني.
وتحدّد كل جولة من جولاته الأولويات وخطط التنفيذ للسنوات الثلاث القادمة. كما تُوفّر وحدة التيكاد داخل المقر الرئيسي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي الدعم الفني للتنفيذ اليومي على المستويين الوطني والإقليمي في الفترات الفاصلة بين المؤتمرات. وتشارك المجتمعات المدنية اليابانية والإفريقية على جميع المستويات من خلال هيئات مثل رابطة إفريقيا اليابانية، ومنتدى الأعمال اليابانية الإفريقية، ومنتدى اليابان وإفريقيا العام الخاص.
ثالثًا: أهداف التيكاد وركائزه الأساسية
منذ انطلاق المؤتمر، وهو يسعى إلى تحقيق الأهداف التالية: ([4])
- تعزيز الحوار السياسي رفيع المستوى بين القادة الأفارقة وشركائهم بشأن القضايا المتعلقة بالنمو الاقتصادي والتجارة والاستثمار والتنمية المستدامة والأمن البشري والحوكمة.
- دمج الأولويات الإفريقية في جداول أعمال التعاون الدولي للشركاء والمانحين.
- حَشْد الدعم لمبادرات التنمية في إفريقيا.
- توفير مبادئ توجيهية أساسية وشاملة حول التنمية في إفريقيا.
- تعزيز التعاون بين آسيا وإفريقيا مع التركيز على التنمية في إفريقيا.
كما يدعم مبدئَي “الملكية الإفريقية الكاملة لمسارها التنموي”، والشراكة الدولية. كما يُعزّز التعاون جنوب – جنوب والتعاون الثلاثي في إطار برامج التنمية الوطنية والإقليمية. ويُعزّز الأمن البشري والتنمية التي تُركِّز على الأشخاص، وذلك بالتوافق مع الأجندة الإفريقية.
ولمراقبة وتقييم تحقيق الأهداف؛ تم إنشاء آلية للمتابعة من ثلاث مستويات (الأمانة العامة المشتركة، لجنة المراقبة المشتركة واجتماعات المتابعة).
ومِن ثَم فهو يرتكز على ثلاث ركائز: المجتمع، والاقتصاد، والسلام والاستقرار من خلال الأمن البشري. تتوافق مجالاتها القطاعية مع الأولويات الإستراتيجية الإفريقية مثل الآلية الإفريقية لاستعراض الأقران وجدول أعمال ٢٠٦٣م؛ حيث عمل المؤتمر مع الاتحاد الإفريقي على مدار ثلاثة عقود على توفير التمويل والمساعدة الفنية لثمانية مراكز تدريب متميزة في مجال حفظ السلام، وانضمت فِرَق تدريب تابعة لقوة الدفاع الذاتي اليابانية (JSDF) إلى ثمانية بعثات من قوات حفظ السلام الإفريقية. كما درَّبت أكثر من ٥٠٠٠ موظف قضائي للمساعدة في إصلاح العدالة وسيادة القانون في ٥٤ دولة، وأرسلت مستشاري قوات الدفاع والأمن المشتركة لدعم القوات الإفريقية في أدوار غير قتالية في بعثات السلام في الصومال ومالي والسودان وجنوب السودان.
كما يُعدّ الحكم الديمقراطي جزءًا أساسيًّا من نموذج المشاركة في التيكاد. ووفقًا لـ”النهج الجديد للسلام والأمن في إفريقيا”، الذي تتبنَّاه منظمة “تيكاد”، فإن الصراعات الإفريقية متجذرة في الطريقة التي تمارس بها السلطة السياسية، والتي تكون في معظمها تعسفية وذات طابع شخصي للغاية. ويمنع هيكل الحكم هذا المؤسسات المستقلة من أداء وظائفها الدستورية. كما أنه يؤدي إلى إقصاء سياسي واقتصادي واجتماعي لقطاعات كبيرة من السكان، وخاصة النساء والشباب، والذين يُشكّلون الأغلبية.
وبالتالي، فإن برامج اليابان مبنية على أربعة عناصر: الإدماج الاجتماعي، ودعم الشباب وبناء القدرات، والأمن البشري والملكية، والإصلاحات المؤسسية والسياسية، ومنها العمليات الانتخابية.([5])
رابعًا: مؤتمرات التيكاد الثمانية: الخطط والإنجازات
حيث تم عقد ثمانية مؤتمرات منذ عام 1993م على مستوى القمة، فضلاً عن اجتماعات على المستوى الوزاري لتحضير وترتيب اجتماع الرؤساء المشاركين، بيانها كالتالي:
تيكاد 1 | طوكيو 1993م: “الملكية والشراكة”
استضافته طوكيو في الفترة من 5 إلى 6 أكتوبر 1993م، وحضرته ثماني وأربعون دولة إفريقية، و12 جهة مانحة، والمفوضية الأوروبية، وثماني منظمات دولية، والعديد من المراقبين. وتم اعتماد إعلان طوكيو بشأن التنمية الإفريقية، وهو دليل للتنمية الإفريقية، والذي أكد على أهمية المساعدة الذاتية لإفريقيا (الملكية) وكذلك الحاجة إلى الدعم الدولي لإفريقيا.
وقد تم تحديد إطار عمله مؤتمر ليكون منصة مفتوحة ومتعددة الأطراف؛ حيث لا تناقش إفريقيا واليابان فحسب بل والمجتمع الدولي أيضًا كيفية تعزيز ودعم التنمية في إفريقيا. مما أسهم في زيادة وعي المجتمع الدولي بأهمية التنمية في إفريقيا، بعد مخاوف من تلاشي هذا الاهتمام مؤقتًا. وهذا هو التفرد القوي لمؤتمر طوكيو الأول عند مقارنته بمنتديات التنمية الإفريقية الأخرى في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والتي كانت ثنائية ومغلقة حتى الآن.([6])
تيكاد 2 | طوكيو 1998م: “الحد من الفقر والاندماج في الاقتصاد العالمي”
بعد خمس سنوات، انعقد مؤتمر طوكيو الثاني في أكتوبر 1998م، تحت عنوان “الحد من الفقر والاندماج في الاقتصاد العالمي”. وشارك في تنظيم المؤتمر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وشاركت فيه 80 دولة و40 منظمة دولية و22 منظمة غير حكومية.
وارتفع عدد رؤساء الدول والحكومات الأفارقة من خمسة إلى خمسة عشر رئيسًا في المؤتمر الأول. وأكدت أجندة طوكيو، التي اعتُمِدَت كوثيقة ختامية، على أهمية الملكية والشراكة العالمية، وأعادت تنظيم القضايا المختلفة التي أُثيرت في مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في ثلاث ركائز أساسية هي “التنمية الاجتماعية والحد من الفقر”، و”التنمية الاقتصادية”، و”الأسس الأساسية للتنمية”. وتم تحديد السياسات والإجراءات ذات الأولوية، بما في ذلك الأهداف الرقمية المحددة، وخاصة في مجال التنمية الاجتماعية. وقد أعرب المجتمِعُون عن التزامهم بالأهداف المتفق عليها والإجراءات ذات الأولوية في المجالات التالية ([7]):
- التنمية الاجتماعية: التعليم والصحة والسكان، والتدابير الرامية إلى مساعدة الفقراء.
- التنمية الاقتصادية: تنمية القطاع الخاص، والتنمية الصناعية، والتنمية الزراعية، والديون الخارجية.
- أُسس التنمية: الحكم الرشيد، ومنع الصراعات، والتنمية بعد الصراعات.
تيكاد 3 | طوكيو 2003م: “الأمن البشري ونمو الاقتصادات الناشئة”
في إطار الاحتفال بالذكرى السنوية العاشرة لانطلاق المؤتمر انعقد من 29 سبتمبر إلى 1 أكتوبر 2003م مؤتمر طوكيو الدولي الثالث للتنمية في إفريقيا، بحضور ثلاثة وعشرين رئيس دولة وحكومة إفريقية، ورؤساء مفوضية الاتحاد الإفريقي، والبنك الدولي. وبعد مرور عشر سنوات على نهاية الحرب الباردة، تراجعت الصراعات الدولية، ولكن تفاقمت الصراعات المحلية والإقليمية. وكانت الجوانب السلبية للعولمة، مثل الإرهاب الدولي، والجريمة، والأمراض المُعدية، تتوسَّع، وأصبحت المشكلات العالمية مثل تغيُّر المناخ وقضايا الطاقة أكثر خطورة. ولمعالجة هذه القضايا، برز مفهوم “الأمن البشري”، الذي يقوم على “حماية” و”تمكين” البشر الأفراد ضد التهديدات التي تتعرَّض لها حياتهم وسبل عيشهم وكرامتهم، في المجتمع الدولي([8]).
وقد أكد إعلان الذكرى العاشرة إنجازات “الملكية” و”الشراكة”، كما قدَّم “القيادة والمشاركة العامة”، و”السلام والحكم الرشيد”، و”الأمن الإنساني”، و”احترام خصوصية إفريقيا وتنوعها وهويتها”؛ باعتبارها بوصلة للمستقبل. وأعرب الإعلان عن دعمه لجهود الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا (نيباد)، وتم تحديد ثلاث ركائز كمجالات ذات أولوية للدعم: “التنمية التي تُركّز على الإنسان”، و”الحد من الفقر من خلال النمو الاقتصادي”، و”أسس التنمية (تعزيز السلام والحكم الرشيد).
وقد شهد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين تغييرات كبرى في الاقتصادات الناشئة؛ فقد حققت الاقتصادات الناشئة مثل مجموعة البريكس تنمية اقتصادية ملحوظة، وبدأت في تنفيذ “التعاون بين بلدان الجنوب” باعتبارها جهات مانحة ناشئة لإفريقيا، ومنتديات التعاون الإنمائي المختلفة، ودخلت إفريقيا ذاتها فترة من النمو السريع على خلفية طفرة الموارد، وخرجت من “العشرين عامًا الضائعة”. وقد أدَّت هذه الظروف إلى تغيير جذري في العلاقة بين المانحين والمتلقين بين البلدان المتقدمة والنامية([9]).
تيكاد 4 | يوكوهاما 2008م: “نحو إفريقيا نابضة بالحياة: قارة الأمل والفرصة”
جمع مؤتمر طوكيو الدولي الرابع الذي انعقد في يوكوهاما باليابان في الفترة من 28 إلى 30 أغسطس 2008م، 51 دولة إفريقية و74 منظمة دولية وإقليمية والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني وشخصيات مرموقة. وكان المؤتمر، الذي عُقد تحت عنوان “نحو إفريقيا نابضة بالحياة: قارة الأمل والفرصة”، قد حدَّد ما يلي: تعزيز النمو الاقتصادي؛ وضمان “الأمن البشري”، بما في ذلك تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، وتعزيز السلام والحكم الرشيد؛ ومعالجة القضايا البيئية وتغيُّر المناخ باعتبارها تحديات رئيسية.
وينص البند الأول على جدول الأعمال، على “تعزيز النمو”، على أن الهدف هو إصلاح البنية الاقتصادية التي تعتمد على السلع الأساسية لتحقيق النمو المستدام في المستقبل. وعلى وجه التحديد، تم ذِكْر أن الطرق لتحقيق هذا الهدف تشمل تنمية الموارد البشرية، وتسريع التنمية الصناعية، والتنمية الزراعية والريفية، والتجارة والاستثمار، وتشجيع السياحة، وما إلى ذلك، مع التركيز على الدور متعدد القطاعات للقطاع الخاص من خلال تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص. واستجابةً للحاجة إلى المراقبة المستمرة لعملية “تيكاد”، تم الإعلان عن إطلاق آلية متابعة تتألف من أمانة ثلاثية المستويات/ لجنة مراقبة مشتركة/ هيكل اجتماع وزاري. وتم الاعلان عن عزم اليابان على مضاعفة صرف المساعدات الإنمائية الرسمية لإفريقيا في غضون خمس سنوات قادمة([10]).
تيكاد 5 | يوكوهاما 2013م: “يدًا بيد مع إفريقيا أكثر ديناميكية”
عُقِدَ في يوكوهاما في الفترة من 1 إلى 3 يونيو. وفي إطار مفهوم “يدًا بيد مع إفريقيا أكثر ديناميكية”، جرت مناقشات نشطة حول اتجاه التنمية الإفريقية بما يتماشى مع الموضوعات الرئيسية. وانعكاسًا لأهمية النمو الذي يقوده القطاع الخاص، عقدت جلسة “حوار مع القطاع الخاص” للمشاركة المباشرة بين القادة الأفارقة وممثلي القطاع الخاص الياباني لأول مرة؛ حيث تم اختيار شعار “من المساعدات إلى الاستثمار”. وتعهَّد رئيس الوزراء الياباني باستثمار 32 مليار دولار من القطاعين العام والخاص في إفريقيا في غضون خمس سنوات قادمة. وتم اعتماد إعلان وخطة عمله للفترة (2013- 2017م).
وقد حدَّد الإعلان -والذي رحَّب بمفوضية الاتحاد الإفريقي كمنظم مشارك-، القضايا الرئيسية المتمثلة في “الاقتصادات القوية والمستدامة”، و”المجتمعات الشاملة والمرنة”، و”السلام والاستقرار”. واستنادًا إلى المبادئ الأساسية المتمثلة في (1) احترام ودعم المبادرات الإفريقية الخاصة، (2) ترسيخ حقوق المرأة والشباب وتوسيع فرص العمل والتعليم، و(3) تعزيز الأمن البشري، ودعا الاعلان إلى (1) تعزيز النمو بقيادة القطاع الخاص، (2) تطوير البنية الأساسية في مجالات الأجهزة (استخدام أموال القطاع الخاص)، والموارد البشرية (تنمية الموارد البشرية الصناعية) والفكر (العلم والتكنولوجيا)، (3) التنمية الزراعية، (4) ضمان المرونة من خلال الوقاية من الكوارث، والاستجابة لتغير المناخ، وإدارة الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي، (5) توفير التعليم الأساسي والخدمات الصحية للجميع، و(6) ترسيخ السلام والاستقرار والحكم الرشيد([11]).
مؤتمر 6 | نيروبي 2016م: “شراكة تيكاد من أجل الرخاء: تعزيز أجندة التنمية المستدامة في إفريقيا”
انعقدت القمة السادسة للتيكاد في نيروبي بكينيا في الفترة من 27 إلى 28 أغسطس 2016م. وهي المرة الأولى التي تُعقَد في إفريقيا منذ إنشائها، وحضرها أكثر من 11000 مشارك، وممثلو 53 دولة إفريقية، وممثلين عن المنظمات الدولية والإقليمية والقطاع الخاص والمجتمع المدني. وخلال السنوات الثلاث بين تيكاد الخامس والسادس، حدثت تغييرات مهمة في إفريقيا. كان أحدها ركود النمو الاقتصادي: حيث تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في إفريقيا، الذي كان مرتفعًا منذ عام 2002م، منذ حوالي عام 2013م. والذي يرجع بشكل مباشر إلى انخفاض أسعار السلع الأساسية. والتغيير الآخر كان الكشف عن الهشاشة السياسية والاجتماعية: الهجوم على مركز تسوق كيني في سبتمبر 2013م، واندلاع الحرب الأهلية في جنوب السودان في ديسمبر من نفس العام، واختطاف الطلاب مِن قِبَل قوات بوكو حرام في نيجيريا، وغيرها من الصراعات والحوادث. كما انتشر وباء الإيبولا في غرب إفريقيا أواخر عام 2013م.
وفي ضوء نقاط الضعف تلك، ركَّز المؤتمر اهتمامه على التدابير الرامية إلى ضمان استدامة النمو. وكان إعلان نيروبي تحت عنوان: “شراكة تيكاد من أجل الرخاء: تعزيز أجندة التنمية المستدامة”. وتم تحديد ثلاثة تحديات ناشئة رئيسية: “انخفاض أسعار السلع الأساسية العالمية”، و”تفشي الإيبولا”، و”التطرف والإرهاب والصراع المسلح وتغير المناخ”. وللتعامل مع هذه القضايا، تم إنشاء ثلاث ركائز جديدة كمجالات ذات أولوية: “تعزيز التحول الاقتصادي البنيوي من خلال التنويع الاقتصادي والتصنيع”، و”تعزيز أنظمة الصحة المرنة من أجل جودة الحياة”، و”تعزيز الاستقرار الاجتماعي من أجل الرخاء المشترك”([12]).
تيكاد 7 | يوكوهاما 2019: “أولويات التنمية في إفريقيا بعد كوفيد 19”.
تحت شعار “إفريقيا ويوكوهاما، تقاسم الشغف بالمستقبل”، استضافت مدينة يوكوهاما للمؤتمر السابع للتيكاد في الفترة من 28 إلى 30 أغسطس 2019م، وكان الموضوع الشامل هو تعزيز التنمية في إفريقيا من خلال الناس والتكنولوجيا والابتكار.
وقد ذكر إعلان المؤتمر بوضوح أن مؤتمر طوكيو يجب أن يكون متوافقًا مع الالتزام الدولي بأهداف التنمية المستدامة. وحدد التحديات العالمية مثل تغير المناخ والكوارث الطبيعية وفقدان التنوُّع البيولوجي والفقر وعدم المساواة والهجرة البشرية والتطرف والإرهاب، وأكَّد على الحاجة إلى التغلُّب على هذه التحديات مع تعزيز وتسريع التنمية والنمو الاقتصادي.
وتشمل التدابير التي تم تحديدها “تسريع التحول الاقتصادي وتحسين بيئة الأعمال من خلال الابتكار ومشاركة القطاع الخاص”، و”تعميق المجتمعات المستدامة والمرنة”، و”تعزيز السلام والاستقرار”. وعلى وجه الخصوص، فيما يتعلق بالتعاون مع القطاع الخاص، يذهب مؤتمر تيكاد 7 إلى أبعد من الماضي من خلال إدراج القطاع الخاص كشريك لأول مرة في التاريخ، كما ركَّز على إمكانات التحول الرقمي والابتكار مِن قِبَل رُوّاد الأعمال الشباب الأفارقة، كما أيَّد موضوعه “تعزيز التنمية في إفريقيا من خلال الناس والتكنولوجيا والابتكار” ([13]).
تيكاد 8 | تونس 2022م: “مناقشة كيفية إنشاء عالم مستدام معًا”
ركّز مؤتمر طوكيو الثامن الذي عُقد في تونس يومي 27 و28 أغسطس على ثلاثة موضوعات: “تحقيق النمو المستدام والشامل مع الحد من التفاوتات الاقتصادية”، و”تحقيق مجتمع مستدام وقادر على الصمود قائم على الأمن الإنساني”، و”بناء السلام والاستقرار المستدامين من خلال دعم جهود إفريقيا”، وحضر المؤتمر قادة وممثلون من 48 دولة إفريقية. وتألف إعلان تونس، من ثلاثة ركائز: 1) الاقتصاد: تحقيق التحول الهيكلي من أجل النمو الاقتصادي المستدام والتنمية الاجتماعية؛ 2) المجتمع: تحقيق مجتمع مرن ومستدام؛ و3) السلام والاستقرار: تحقيق السلام والاستقرار المستدامين. وأكد على أهمية “الاستثمار في الناس”، فضلاً عن أهمية التعددية واحترام السيادة والسلامة الإقليمية وحل النزاعات سلميًّا. ([14])
وقد تعهَّدت اليابان بضخ 30 مليار دولار للتنمية في إفريقيا على مدار ثلاث سنوات مقبلة، منها 130 مليون دولار للأمن الغذائي ومساعدات غذائية بقيمة 300 مليون دولار عبر تمويل مشترك مع البنك الإفريقي للتنمية. وتقديم قروض تبلغ قيمتها نحو 5 مليارات دولار بالتنسيق مع بنك التنمية الإفريقي لتعزيز التنمية الإفريقية المستدامة عن طريق استعادة الصحة المالية. فضلاً عن استثمار قرابة 4 مليارات دولار لدعم إفريقيا لتحقيق النمو الأخضر من خلال التخلص من الكربون ومساعدتها على تعزيز القدرة على إنتاج الغذاء وتدريب الأشخاص في قطاع الزراعة كجزء من علاج أزمة الغذاء التي فاقمتها الحرب الروسية في أوكرانيا. وهدفت تلك النسخة إلى “مناقشة كيفية إنشاء عالم مستدام معًا” في “السياق المعقد لجائحة كوفيد-19 والوضع في أوكرانيا”.([15])
وقد شارك رئيس الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا) في ثلاث جلسات، وقدَّم أمثلة على جهود جايكا: 1) مبادرة ABE (مبادرة التعليم التجاري الإفريقي للشباب)؛ 2) مشروع NINJA (الابتكار القادم مع اليابان)؛ و3) دعم التكنولوجيا المالية من خلال تمويل الاستثمار في القطاع الخاص. كما تم إطلاق المرحلة الخامسة من مبادرة تعزيز المساعدات المقدمة للقطاع الخاص لإفريقيا (EPSA 5)، والتي انطلقت عام 2005م، وقد حققا 7.3 مليار دولار في التعاون المالي. كما وقَّعت جايكا ومنظمة التجارة الخارجية اليابانية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية بيان نوايا لتعزيز التعاون بين المنظمات الأربع ودعم الشراكات التجارية والاستثمار في إفريقيا.([16])
تيكاد 9 | يوكوهاما 2025م
وسيُعقَد مؤتمر طوكيو الدولي التاسع للتنمية الإفريقية في يوكوهاما في الفترة من 20 إلى 22 أغسطس 2025م.([17]) وسوف تُركّز النسخة التاسعة على قضايا وأهداف التنمية المختلفة، بما في ذلك النمو الأخضر وتحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ حيث ستُركّز على أهمية التحول الأخضر، الذي يمكن أن يحقق إزالة الكربون والنمو الاقتصادي. ومن المتوقع أن يكون مؤتمر طوكيو الدولي القادم في عام 2025م بمثابة منصة تلتقي فيها الأفكار المبتكرة وتزدهر الشراكات وتوضع الأسس لمستقبل مشترك مزدهر.([18])
خامسًا: ما يميز التيكاد
على الرغم من أن مؤتمر التيكاد لم يُعقَد في إفريقيا إلا مرتين منذ إنشائه، غير أن هذا النوع من ترتيبات الشراكة يختلف عن غيره من الترتيبات الأخرى، فهو يتَّسم بالآتي:
- التركيز على التنمية الاقتصادية: يختلف تيكاد عن ترتيبات الشراكة الأخرى في إفريقيا من حيث التركيز على التنمية الاقتصادية المستدامة. بينما تُركّز بعض الشراكات الأخرى على المساعدات الإنسانية أو الدعم السياسي. وتسعى تيكاد إلى تعزيز الاستثمارات الخاصة وتطوير البنية التحتية، مما يُسهم في تحقيق نمو اقتصادي حقيقي ومستدام.
- نموذج الشراكة الفريدة: يعتمد نموذج شراكة فريدة يجمع بين القطاعين العام والخاص. يتم تشجيع الشركات اليابانية على الاستثمار في المشاريع الإفريقية، مما يُعزّز من فرص العمل والنمو الاقتصادي. هذا النموذج يختلف عن العديد من الشراكات الأخرى التي قد تكون أكثر تقليدية أو تعتمد بشكل كبير على المساعدات الحكومية.
- الابتكار والتكنولوجيا: يُركّز على الابتكار والتكنولوجيا كعوامل رئيسية لتحفيز التنمية. ويتم تسليط الضوء على أهمية التكنولوجيا الرقمية والابتكار في معالجة التحديات التنموية في إفريقيا، وهو ما قد لا يكون محور اهتمام العديد من الشراكات الأخرى التي تُركّز أكثر على الجوانب التقليدية للتنمية.
- الالتزام طويل الأمد: يعكس التزامًا طويل الأمد مِن قِبَل اليابان تجاه القارة الإفريقية؛ حيث يتم تنظيم القمم بشكلٍ دوريّ وتقديم الدعم المستمر للمشاريع التنموية. هذا الالتزام يُميّزها عن بعض الشراكات الأخرى التي قد تكون أكثر عُرضة للتغيرات السياسية أو الاقتصادية.
- نتائج ملموسة ومتابعة مستمرة: يسعى إلى تحقيق نتائج ملموسة من خلال متابعة مستمرة للمشاريع والمبادرات التي تم إطلاقها خلال القمم السابقة. هذا النوع من المتابعة قد يكون أقل شيوعًا في ترتيبات الشراكة الأخرى، مما يجعل تيكاد نموذجًا يُحتذى به في كيفية إدارة العلاقات الدولية مع الدول الإفريقية.
وقد كان إطلاق مبادرة ABE (دراسات لمنح درجة الماجستير والبرنامج الدولي لمبادرة تعليم إدارة الأعمال الإفريقية)، نتيجة عقد فعاليات تيكاد٥، هي أكثر برامج تيكاد شهرةً. فهي تجلب مئات الطلاب الأفارقة إلى اليابان كل عام للتدريب في أفضل كليات الدراسات العليا في اليابان. إلى جانب برامج المِنَح الدراسية اليابانية الأخرى مثل منحة Japan Africa Dream Scholarship (التي بدأها بنك التنمية الإفريقي) وغيرها. وتدعم هذه المبادرات أيضًا فهم الطلاب اليابانيين لإفريقيا. ويعمل برنامج التدريب على القيادة العالمية، على سبيل المثال، على جلب طلاب الدراسات العليا اليابانيين إلى إفريقيا سنويًّا للتدريب المُوسَّع مباشرة مِن قِبَل المشرفين الأفارقة لتطوير وجهات النظر ومعالجة القضايا من منظور إفريقي.
وتمثل برنامج تيكاد الرئيسي الآخر في “مبادرة تعزيز القطاع الخاص لإفريقيا (EPS٤A)” الذي تم تأسيسه في عام ٢٠٠٥م مِن قِبَل اليابان وبنك التنمية الإفريقي بهدف تطوير القطاع الخاص في إفريقيا. ولقد استثمرت المبادرة أكثر من ١٣ مليار دولار على أساس المناصفة، مما يدل على ملكية إفريقية مشتركة قوية.
كما يُعدّ التيكاد مميزًا أيضًا في تركيزه على بناء السلام، ويقوم مشروع الشراكة الثلاثية للنشر السريع للقدرات الهندسية في إفريقيا (ARDEC) بتدريب بعثات حفظ السلام الأفارقة على صيانة المعدات الثقيلة وخدمتها. من خلال شراكة مع معهد اليونسكو الدولي لبناء القدرات في إفريقيا، كما يدعم أيضًا دمج تعليم السلام في المناهج التعليمية الإفريقية من المدرسة الثانوية إلى المستوى الجامعي. وفي دورة البرنامج الحالية، يُركّز “برنامج توطيد السلام” على دعم الجهات الفاعلة في المجتمع المدني، وتعميم تمكين الشباب والنساء في جميع برامج التنمية، ودعم مؤسسات حقوق الإنسان.([19])
………………………………….
[1] ) Paul Nantulya, The Tokyo International Conference on African Development—Fostering Stability through Peace and Security, August 22, 2022.AT: https://africacenter.org/spotlight/the-tokyo-international-conference-on-african-development-fostering-stability-through-peace-and-security/
[2] ) الهيئة العامة للاستعلامات، منظمة التيكاد، 29 أغسطس 2022م. متاح على الرابط: https://www.sis.gov.eg/Story/240443
[3] ) الموقع الرسمي لتيكاد تونس 2022م، نبذة تاريخية حول تيكاد. متاح على الرابط: https://www.ticad8.tn/content/2?locale=ar
[4] ) الموقع الرسمي لتيكاد تونس 2022، مرجع سبق ذكره.
[5] ) Paul Nantulya.Op.cit.
[6] ) jica, Three Decades of Promoting Ownership and Partnership: A Look at the History of TICAD.at:
https://www.jica.go.jp/english/TICAD/approach/special_report/news_220714.html
[7] ) undp, Tokyo International Conference on African Development Overview,at. https://www.undp.org/africa/ticad/overview
[8] ) jica, Three Decades of Promoting Ownership and Partnership, Op.cit.
[9] ) Idem.
[10] ) jica, Three Decades of Promoting Ownership and Partnership, Op.cit.
[11] ) Idem.
[12] ) jica, Three Decades of Promoting Ownership and Partnership, Op.cit.
[13] ) Idem.
[14] ) jica, The 8th Tokyo International Conference on African Development (TICAD8): Sharing JICA’s efforts in Africa, a continent facing complex crises, 2022.09.29.at: https://www.jica.go.jp/english/information/press/2022/20220929_21.html
[15] ) الجزيرة نت، انطلاق أعمال “تيكاد” في تونس.. اليابان تتعهد بضخ 30 مليار دولار في أفريقيا. متاح على الرابط: https://www.ajnet.me/news/2022/8/27
[16] ) jica, The 8th Tokyo International Conference on African Development.Op.cit.
[17] ) https://www.mofa.go.jp/af/af1/pagewe_000001_00053.html
[18] ) businessyokohama, Yokohama chosen as host city for TICAD 9: A milestone in collaboration with Africa.at:
https://businessyokohama.com/blog/2023/08/16/yokohama-chosen-as-host-city-for-ticad-9-a-milestone-in-collaboration-with-africa/
[19] ) jica, Three Decades of Promoting Ownership and Partnership, Op.cit.