د. رضوى زكريا رضوان
باحثة متخصصة في الشؤون الإفريقية
الاقتصاد الأزرق المستدام هو نَهْج طَرَحه المجتمع الدولي لمراعاة سلامة المحيطات في إطار سعيه إلى تحقيق التوازن بين الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة: الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
ويُعدّ الاقتصاد الأزرق من أهم أنواع الاقتصادات؛ فهو اقتصاد قائم على التعاون والمرونة، ومراعاة الفرص مع الترابط المتبادل بين الدول.
ويعتمد نموّ الاقتصاد الأزرق على الاستثمارات التي تُقلّل من انبعاثات الكربون والتلوث، كما يهتم الاقتصاد الأزرق بتعزيز كفاءة الطاقة، وتسخير قوة رأس المال الطبيعي والفوائد التي تُوفّرها هذه النظم البيئية، إلى جانب حماية التنوع البيولوجي في المناطق المستهدَفة.
ويمكن تعريف “الاقتصاد الأزرق المستدام” بأنه “الاقتصاد الذي يُوفّر فوائد اجتماعية واقتصادية للأجيال الحالية والمستقبلية، ويستعيد ويحمي ويحافظ على النظم البيئية المتنوعة والمنتجة والمرنة، كما يستند إلى التقنيات النظيفة والطاقة المتجددة وتدفقات الموارد”([1]).
تعريف التعدين البحري وأهميته الإستراتيجية:
وفي هذا السياق يُعتبر التعدين في قاع البحار جزءًا مهمًّا من الاقتصاد الأزرق؛ حيث يمكن تعريفه بأنه عملية إنتاج واستخراج ومعالجة الموارد غير الحية في قاع البحر أو مياه البحر.
جدير بالذكر أن قاع البحر يتشكل من ثلاثة رواسب معدنية بحرية رئيسية بما في ذلك العقيدات المتعددة المعادن، والكبريتيدات متعددة المعادن أو كبريتيدات قاع البحر، وقشور الحديد والمنجنيز الغنية بالكوبالت. وفي حين أن البحر الأحمر والمحيط الهندي يحتويان على رواسب كبريتيد ضخمة، فإن الأجزاء الغربية والجنوبية الغربية من إفريقيا تحتوي على رواسب من العقيدات متعددة المعادن والقشور الغنية بالكوبالت. بالإضافة إلى أن بعض هذه المعادن عليها طلب مرتفع للغاية مِن قِبَل الشركات ذات التقنية العالية وتقنيات الطاقة النظيفة. ولذلك فمن منظور النظام الإيكولوجي البحري الكبير في إفريقيا هناك منطقتان مثيرتان للاهتمام، وهما المياه العميقة على الحافة البحرية للنظام الإيكولوجي البحري الكبير لتيار بنجيلا قبالة جنوب غرب إفريقيا، ومنطقة المياه العميقة للنظام الإيكولوجي البحري الكبير لتيار أجولهاس قبالة جنوب غرب إفريقيا.
جدير بالذكر أنه ولسنوات عديدة كان استغلال التعدين البحري محدودًا في المناطق الضحلة بالقرب من الشواطئ (أقل من 50 مترًا في عمق المياه) لاستخراج الماس والقصدير والمغنيسيوم والملح والكبريت والذهب والمعادن الثقيلة. ولكن مع نفاد المعادن الداخلية أصبح التوجُّه لاستغلال المسطحات المائية العميقة أكثر؛ حيث يُنظَر إلى الفوسفات ورواسب الكبريتيد الضخمة وعقيدات المنغنيز والبلاتين والقشور الغنية بالكوبالت باعتبارها آفاقًا مستقبلية محتملة.
فعلى سبيل المثال، تُعدّ ناميبيا الواقعة على حدود النظام الإيكولوجي البحري الكبير لتيار بنجيلا واحدة من الدول الإفريقية التي بدأت التعدين البحري في الستينيات. ومع تراجع التعدين البري لديها، فإنها تتحرك بقوة لاستغلال التعدين القائم على المحيط. نتيجة لذلك، أنتجت شركة تعدين الماس البحري في البلاد والحكومة الناميبية في عام 2017م ما يقرب من 1.378 مليون قيراط من الماس. وتشمل الدول الرئيسية ذات إمكانات التعدين في قاع البحار جنوب إفريقيا وناميبيا التي تَحُدّ منطقة تيار بنجيلا، وموزمبيق التي تَحُدّ منطقة تيار أجولهاس، والسنغال التي تحد منطقة تيار جزر الكناري.( ([2]
وبما أن استخراج المعادن من مياه البحر يعتبر مشروعًا صديقًا للبيئة أكثر من التعدين الأرضي؛ فإن هذا قد يُشكِّل فرصًا اقتصادية هائلة لإفريقيا؛ حيث إن بعض المعادن المهمة والتي يمكن تعريفها بأنها معادن ضرورية لاقتصاد الدولة أو لأغراض الدفاع الوطني توجد في مياه البحر بكثرة. وعلى الجانب الآخر فغالبًا ما تتعرض هذه المعادن المهمة لصعوبات في التوفر والإمداد على الرغم من أهميتها لتطوير ونشر تقنيات الطاقة النظيفة والتطبيقات العسكرية المتقدمة والاستخدامات المدنية والصناعية الأساسية.([3])
كما أن استغلال الموارد المعدنية البحرية منظَّم على عدد من المستويات: العالمية والإقليمية والوطنية، فعلى المستوى العالمي فإن أهم أداة قابلة للتطبيق هي اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، والتي توفر قواعد وأسسًا عالمية وإقليمية للتعاون. أما على المستوى الوطني فالتشريعات التي تحكم الصناعات الاستخراجية البحرية الرئيسية (أي التعدين الكلي) معقدة للغاية وتخضع جزئيًّا للسلطات الوطنية([4]).
كما يشير التعدين في أعماق البحار إلى استخراج الرواسب المعدنية من أعماق البحار، وعلى الرغم من أن وجود احتياطيات كبيرة من المعادن في قاع البحار العميق كان معروفًا منذ عدة عقود، إلا أن الاستخراج التجاري في هذه الأعماق لم يبدأ بعدُ. وقد أدَّى الطلب المتزايد المتوقع على المعادن والفلزات للاستخدام في قطاعي التكنولوجيا والطاقة الخضراء فضلًا عن الاهتمام الجيوسياسي المتزايد بتأمين احتياطي إستراتيجي من المعادن الرئيسية إلى زيادة الاهتمام باستكشاف الموارد المعدنية الموجودة في قاع البحار العميقة. وفي الوقت نفسه، أدَّى الطلب المتزايد على المعادن في السوق العالمية إلى زيادة أسعار المعادن؛ مما أدى إلى السعي نحو تطوير صناعة التعدين في قاع البحار([5]).
الإطار القانوني والتنظيمي:
تعترف السلطة الدولية لقاع البحار بالمنطقة ومواردها باعتبارها آلية تبادل معلومات؛ حيث تعتبر السلطة الدولية لقاع البحار المعدلة بموجب اتفاقية عام 1994م مسؤولة عن تنظيم ومراقبة جميع الأنشطة المتعلقة بالموارد المعدنية في المنطقة. وهي مسؤولة أيضًا عن حماية البيئة البحرية في المنطقة، وتعزيز وتشجيع إجراء البحوث العلمية هناك بالإضافة لتنسيق ونشر النتائج. وعلى الرغم من المخاوف بشأن التأثير البيئي المحتمل للتعدين في قاع البحار العميقة، فقد أحرزت السلطة الدولية لقاع البحار تقدمًا كبيرًا في صياغة اللوائح القائمة على الاتفاقية الدولية لقاع البحار لضمان تطوير التعدين في قاع البحار العميقة بطريقة مستدامة بيئيًّا([6]).
كما حددت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS) قاع البحر كنطاق خارج نطاق الولاية الوطنية لأي بلد على أنه “المنطقة”. علاوة على ذلك، فإن المنطقة ومواردها هي “تراث مشترك للبشرية”، يجب إدارتها لصالح الجميع([7]). ولذلك فقد تم إنشاء السلطة الدولية لقاع البحار (ISA) لتنظيم الاستغلال التجاري المحتمل للموارد المعدنية في المياه الدولية. وتتخذ السلطة الدولية لقاع البحار من جامايكا مقرًّا لها؛ فهي تدير مخزونات الموارد القيمة، وتمنح تراخيص الاستكشاف للتعدين في قاع البحار العميق في هذه المياه. كما تقوم السلطة الدولية لقاع البحار أيضًا بضمان توزيع أرباح شركات التعدين البحري بشكل عادل بين جميع البلدان وخاصة الدول النامية غير الساحلية.
وتقسم اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار المحيطات إلى عدد من الولايات القضائية؛ حيث تختلف الأسس القانونية لاستكشاف واستخراج الرواسب المحتملة اعتمادًا على مكان وجودها. وقد دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في عام 1994م، ويُنظر إليها على أنها “دستور المحيطات”. فهي تعرف المحيطات بأنها “التراث المشترك للبشرية”، مؤكدة على أهمية حمايتها. كما أن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار هي التي تحكم العديد من الأنشطة التي تجري في المحيطات بما في ذلك صيد الأسماك والشحن والبحث العلمي البحري وحماية البيئة ووضع الكابلات والأنابيب وإنتاج النفط والغاز وتعدين قاع البحار العميقة.
جدير بالذكر أنه بحلول شهر أبريل عام 2015م انضمت إلى الاتفاقية 166 دولة من إجمالي 193 دولة عضو في الأمم المتحدة، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي. ومن بينها العديد من دول المحيط الهادئ بما في ذلك بابوا غينيا الجديدة وفيجي. على الجانب الآخر لم ينضم عدد من الدول ذات النفوذ السياسي مثل الولايات المتحدة كما لم ينضم أيضًا عدد من الدول النامية الغنية بالموارد الطبيعية مثل بيرو. ويبدو أن أسباب عدم توقيع الدول على الاتفاقية المتعددة ناتج عن أن بعض هذه الدول متورطة في نزاعات حول حقوق الاستخدام والقضايا الإقليمية.([8])
أهمية إفريقيا في سياق التعدين البحري العالمي:
تتمتع موارد الطاقة المستدامة والموارد المعدنية البحرية الإفريقية بإمكانية تقديم مساهمات كبيرة في أهداف التنمية الاقتصادية الإفريقية من خلال خلق فرص العمل، والمساهمة في الناتج المحلي الإجمالي للدول المجاورة للنظم البيئية البحرية السبعة الكبرى في إفريقيا؛ بما يشمل تيار جزر الكناري، والبحر الأبيض المتوسط، والبحر الأحمر، والتيار الساحلي الصومالي، وتيار أجولهاس، وتيار بنجيلا وتيار غينيا([9]).
وقد قدمت إفريقيا مساهمة حيوية في إنشاء نظام التعدين في قاع البحار العميق بموجب اتفاقية قانون البحار خاصةً بعد اعتماد الاتفاقية؛ حيث لعبت إفريقيا دورًا نشطًا في تطوير نظام التعدين في قاع البحار العميقة. وعلى الرغم من ذلك فما يزال على البلدان الإفريقية أن تنفّذ خطة عمل واضحة لتحويل الأفكار المقدمة في صكوك الاقتصاد الأزرق الإفريقي إلى أفعال. وقد اهتمت عشر دول إفريقية بتنفيذ القرار الذي أدَّى إلى قيام الجمعية العامة للأمم المتحدة بإنشاء لجنة مخصصة ولجنة دائمة لدراسة الاستخدامات السلمية لقاع البحار والمحيطات خارج نطاق الولاية الوطنية([10]). هذه الدول هي مصر وغانا وكينيا وليبيا ومدغشقر ونيجيريا والسنغال والصومال والسودان وتونس([11]). وقد طوَّرت الهيئة الدولية لقاع البحار مجموعة من المبادرات لتشجيع إفريقيا على المشاركة بشكل أكبر في إدارة قاع البحر كما تلعب مجموعتها الإفريقية دورًا نشطًا في تطوير لوائح إدارة قاع البحر للمنطقة([12]).
كما أبرمت سلطة ISA عقدًا مع كيانات حكومية وشركات خاصة برعاية دول من مناطق مختلفة من العالم لاستكشاف القارة الإفريقية([13]). وأيضًا أنشأت السلطة الدولية لقاع البحار مشروع موارد قاع البحار العميقة في إفريقيا للوفاء بالتزام طوعي قطعته خلال مؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات لعام 2017م لتعزيز التعاون الدولي والإقليمي لدعم التنمية المستدامة للاقتصاد الأزرق في إفريقيا.
ويتم تنفيذ هذا المشروع بالاشتراك مع الاتحاد الإفريقي والوكالة النرويجية للتعاون الإنمائي؛ حيث تلتزم السلطة الدولية لقاع البحار العميقة بتنظيم خمس ورش عمل، واحدة في كل منطقة فرعية إفريقية لزيادة الوعي بأهمية الجرف القاري الإفريقي والمنطقة المجاورة. كما تناقش ورش العمل أيضًا الإستراتيجيات التي من شأنها مساعدة الدول الإفريقية بما في ذلك الدول غير الساحلية، ومواطنيها على بناء الخبرة اللازمة للمشاركة في أنشطة إدارة موارد قاع البحار العميقة في المنطقة، وتعزيز الاستخدام المستدام للمناطق البحرية حول القارة.
كما قامت ISA بمبادرات إضافية في عام 2021م للاستجابة لاحتياجات تنمية القدرات المحددة للدول الإفريقية، ومن بين هذه المبادرات ندوات عبر الإنترنت متخصصة في مجال البحث العلمي البحري (“سلسلة معلومات MSR لإفريقيا”). وقد تم نشر ثلاث وثائق رئيسية تشرح المتطلبات الأساسية الواردة في LOSC لأقل البلدان نموًّا والبلدان النامية غير الساحلية والدول الجزرية الصغيرة النامية بما في ذلك الدول الإفريقية([14]).
أما بالنسبة للاتحاد الإفريقي، فقد تبنى في عام 2014م نهجًا متكاملًا طويل الأمد للتعامل مع الأنهار والبحيرات داخل القارة والمحيطات المجاورة لها، وأطلق عليها إستراتيجية إفريقيا البحرية المتكاملة لعام 2050م. ومع ذلك، فقد فشل في الانخراط في أنشطة التعدين في قاع البحار العميقة في المنطقة على الرغم من حقيقة أن اتفاقية الأمم المتحدة لقاع البحار تنص على أنه ينبغي تشجيع المشاركة الفعَّالة للدول النامية هناك.
وقد أعرب الاتحاد الإفريقي منذ ذلك الحين عن استعداده لمعالجة هذه الفجوة في إستراتيجيته ففي عام 2015م اعتمدت أجندة 2063م، وهي إطار إستراتيجي للتحول الاجتماعي والاقتصادي للقارة في السنوات الخمسين المقبلة. وتستند هذه الرؤية طويلة الأجل -التي تتألف من سبع بنود- إلى برامج النمو والتنمية القارية، وتحاول تسريع تنفيذها وتستشهد بـ“التعدين في قاع البحار العميقة” DSM في إطار البند الأول، بعنوان “إفريقيا مزدهرة قائمة على النمو الشامل والتنمية المستدامة”.
وقد تم التأكيد على أهمية الاقتصاد الأزرق، وتم ذكر DSM باعتبارها “واحدة من مناطق النمو الأزرق الحاسمة”، والتي تدعم من بين أمور أخرى “استغلال الموارد المعدنية وغيرها من الموارد في أعماق البحار”. كما يؤكد على ضرورة أن يكون لإفريقيا “حصتها المشروعة من الموارد المشتركة العالمية (الأرض والمحيطات والفضاء)، والتي تشمل بالطبع المنطقة.
وأيضًا اعتمد الاتحاد الإفريقي الميثاق الإفريقي للأمن البحري والسلامة والتنمية في إفريقيا (ميثاق لومي) في قمة استثنائية عُقدت في لومي، توجو، في عام 2016م. وقد كان الهدف من القمة تغيير قضية التعامل مع الاقتصاد الأزرق من قانون غير إلزامي إلى نهج أكثر إلزامًا. ومع ذلك فعندما تم اعتماد الميثاق شعر رؤساء الدول والحكومات المجتمعون بأن بعض اللجان الفنية المتخصصة التابعة للاتحاد الإفريقي لم تُتح لها الفرصة للمشاركة في إنشائه، وخاصة الجوانب المتعلقة بالتنمية([15]).
وفي مؤتمر الاقتصاد الأزرق المستدام لعام 2018م، الذي نظمته كينيا وكندا واليابان بشكل مشترك، وعُقد في نيروبي، طلب الاتحاد الإفريقي من بين أمور أخرى “مساعدة الدول الإفريقية في بناء القدرات في استغلال أعماق البحار”. وفي أعقاب المؤتمر، وجَّهت إدارة الزراعة والتنمية الريفية والاقتصاد الأزرق والبيئة المستدامة في مفوضية الاتحاد الإفريقي مكتبها الفني لتطوير إستراتيجية الاقتصاد الأزرق الإفريقي.
وقد وضعت اللجنة الفنية المتخصصة التابعة للاتحاد الإفريقي المعنية بالزراعة والتنمية الريفية والمياه والبيئة هذه الإستراتيجية، والتي حددت إدارة الطلب على المياه في المنطقة باعتبارها إحدى الحدود الجديدة للاقتصاد الأزرق ذات الإمكانات الهائلة، كما حددت فجوة في الخبرة الإفريقية في هذا المجال.
ووفقًا للإستراتيجية؛ يمكن استخدام موارد إدارة الطلب على المياه لإنشاء قارة مزدهرة إذا حددت “أهدافًا واضحة مع معالم ملموسة”. وحددت أهدافًا إستراتيجية معينة لمشاركة إفريقيا في إدارة الطلب على المياه، مثل الحاجة إلى تلبية الطلب المتزايد على المعادن، وتسخير إمكانات إدارة الطلب على المياه كصناعة مبتكرة من خلال البحث والتطوير. وقد دعت إلى إنشاء إطار تنظيمي مناسب وضرورة التعامل مع إدارة ميناء البحر الأبيض المتوسط بطريقة مستدامة ومسؤولة بيئيًّا، فضلًا عن الحاجة إلى بناء القدرات ونقل المعرفة([16]).
الآثار الاقتصادية والاجتماعية للتعدين البحري:
بشكل عام نجد أنه إذا كان من المقرر النظر في التعدين الشامل لقاع البحر، فيجب موازنة المكاسب المالية، وخلق فرص العمل للمجتمعات المحلية مقابل العواقب الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية للتغيير الدائم للمواد المستخرجة من قاع البحر وخطر فقدان التنوع البيولوجي والآثار البيئية المحتملة والاضطرابات في موارد مصائد الأسماك.
ونظرًا لأن التعدين في قاع البحر من شأنه أن يُخلِّف تأثيرات كبيرة على مخزون الأسماك، فمن المحتمل أنه قد يؤثر أيضًا على الإيرادات والوظائف وسبل العيش المرتبطة بصناعة صيد الأسماك. وبالتالي، فمن المهم فَهْم المساهمات الاجتماعية والاقتصادية لصيد الأسماك، والنظر في عملية اتخاذ القرار بشأن التعدين في قاع البحر([17]).
كذلك قد يؤثر فقدان الوصول المؤقت إلى المناطق البحرية بشكل مباشر على قدرة المستخدمين الآخرين على القيام بأنشطتهم الاقتصادية الخاصة بهم بشكل فعَّال؛ مما يؤدي إلى انخفاض العائدات الاقتصادية عن المعدل الطبيعي. وإن الضرر الذي يلحق بالموائل والخسائر الناتجة للتنوع البيولوجي في تلك المناطق يقلل من قدرتها على دعم القطاعات الإنتاجية الأخرى([18]).
ومن التأثيرات الايجابية المحتملة زيادة الإيرادات للصناعة والحكومة والمجتمع، ولذا تعتبر مصدرًا للعملة الأجنبية، وكذلك قد يؤدي لانخفاض الضغط على الموارد القائمة على الأرض، وتجنب التأثيرات الاجتماعية لاستخراج الموارد على الأرض بما في ذلك الموارد النفيسة. كما يمكنها توفير فرص العمل للمجتمع المحلي مصحوبًا بتدفق العمال إلى الصناعة الجديدة وخاصة لمجتمعات الجزر الصغيرة.( ([19]
ومن التأثيرات الاجتماعية السلبية: التدهور البيئي الذي التي يؤثر سلبًا على سبل العيش، وأيضًا قد تؤدي التطورات واسعة النطاق إلى فقدان الوصول إلى مناطق ساحلية معينة؛ مما يؤثر بشكل مباشر على سبل العيش، فعلى سبيل المثال: فقدان الوصول إلى المواقع ذات الأهمية الثقافية أو عدم القدرة على القيام بالأنشطة الاقتصادية. كما قد يتسبَّب في إلحاق الضرر بالمواقع التراثية المهمة ثقافيًّا، هذا بالإضافة للإزعاج الناجم عن أضواء البناء والضوضاء والغبار الذي قد يُسبِّب إزعاجًا. وكذلك خطر فقدان المواقع الثقافية والتغيرات والخسارة في توزيع الموارد (الغذاء، الأراضي، … إلخ)، وأيضًا تجاهل وخسارة المعرفة التقليدية.
ونظرًا لأن معظم التعدين البحري يحدث حاليًا بالقرب من الشاطئ؛ فقد كان هناك قلق كبير بشأن التأثير المحتمل للتعدين على المواقع الأثرية. وقد ثبت أن أنشطة التعدين وخاصة تجريف الكتل تُلْحِق أضرارًا لا رجعة فيها بالتراث الثقافي تحت الماء بما في ذلك حطام السفن ومواقع تحطم الطائرات ومواقع ما قبل التاريخ المغمورة بالمياه([20]).
كما أن للتعدين البحري بعض التأثيرات على بقية قطاعات الاقتصاد الأزرق، ومنها التأثير على صيد الأسماك بسبب الترسيب والتلوث في عمود الماء الذي قد يؤدي إلى تقليل مخزون الأسماك السطحية (مثل سمك التونة) كما أن أيّ نشاط تعدين على الجبال البحرية لديه القدرة على التعارض مع أنشطة الصيد. وقد تكون هناك عواقب أخرى غير متوقعة لدورات حياة الأسماك بسبب أضرار قاع البحر وأعمدة الرواسب. كما أنه من المحتمل أن يؤدي التعدين في أعماق البحار إلى انقراض أنواع لم يتم اكتشافها بعدُ، مما قد يزيل احتمالات العثور على أدوية جديدة
بالإضافة لذلك نجد أن الكابلات البحرية التي تُشكّل العمود الفقري للاتصالات الدولية ممتدة عبر العديد من مناطق قاع البحر العميق؛ حيث تم منح تراخيص التعدين الاستكشافي من قبل ISA، كما نجد أن المسؤولية والعواقب القانونية التي قد تنجم عن أنشطة التعدين التي تُلحق الضرر بهذه الكابلات عن غير قصد غير واضحة وغير مجربة([21]).
الآثار البيئية:
وفي هذا الإطار نجد أن الرواسب البحرية الضخمة في مناطق التنقيب من شأنها أن تُخلِّف تأثيرات دائمة وغير قابلة للإصلاح على قاع البحر؛ حيث إن تدمير الموائل البحرية والتغيير الدائم لها أمرٌ لا مفرّ منه في ضوء نوع التعدين المقترح، والتي تؤدي إلى التدمير المباشر للنظم الإيكولوجية لقاع البحر، والتي تُشكِّل اللبنات الأساسية للنظم الإيكولوجية البحرية، وأيضًا التدمير المباشر لموائل التكاثر والتغذية لأنواع الأسماك، والتي يُعتَبر العديد منها مُهمًّا للنواحي التجارية. وكذلك دفن وخنق الكائنات البحرية سواء في منطقة التعدين أو المناطق المحيطة بها وإطلاق المواد الخطرة مثل المواد المُشعّة والميثان وكبريتيد الهيدروجين والمعادن الثقيلة المحبوسة في قاع البحر وانخفاض اختراق الضوء، وبالتالي التمثيل الضوئي للنباتات البحرية تُعدّ من الآثار البيئية المحتملة للتنقيب البحري. وقد يكون تدمير الموائل والتغييرات البيئية الناتجة في المناطق الملغومة دائمًا؛ حيث إن التعافي إلى حالات ما قبل الاضطراب لن يحدث إلا على فترات زمنية جيولوجية كبيرة([22]).
كما أن إزالة الرواسب المعدنية والرواسب الأساسية من شأنه أن يؤدي إلى خسارة مباشرة للكائنات الحية من تلك الموائل، وقد يتسبب في انقراض محلي للأنواع المعزولة وراثيًّا، والتي قد يكون لها خصائص حيوية نشطة قد تكون مفيدة للبشرية. وقد تشمل التأثيرات الأخرى على الحياة البحرية التأثيرات على السلوك من ضعف الرؤية، وتأثيرات المواد الكيميائية المتاحة بيولوجيًّا من خلال الاضطراب والتأثيرات على الكائنات الحية التي تسبح بحرية مثل العوالق الحيوانية([23]).
كما يمكن أن يؤدي اضطراب الرواسب إلى تعريض الكائنات البحرية لزيادة العكارة وتركيزات الرواسب المرتفعة، ويمكن أن يؤدي هذا إلى تقليل توفر الضوء مما قد يؤثر على الكائنات الحية الضوئية مثل العوالق النباتية. كما يمكن أن يؤدي المد والجزر والتيارات إلى نشر أعمدة العكارة والرواسب خارج منطقة المنجم، ويمكن أن يصاحب ذلك تغييرات في كيمياء المياه والتلوث([24]).
وقد تحدث أيضًا تغييرات في تركيب حجم حبيبات الرواسب؛ فعلى سبيل المثال تبين أن تعدين الماس على الجرف القاري في ناميبيا على عمق 130 مترًا قد أدى إلى تغيير الرواسب السطحية في منطقة التعدين من رواسب متجانسة ومرتبة جيدًا في السابق، إلى طين أكثر تباينًا ورملًا خشنًا وحصًى. ويرجع هذا إلى أنه كجزء من المعالجة على متن السفينة يتم التخلص من الحصى والمخلفات على الجانب. كما تؤثر التغييرات طويلة الأمد أو الدائمة في خصائص حجم حبيبات الرواسب على عوامل أخرى مثل المحتوى العضوي وكيمياء المسام، والماء، ووفرة الميكروبات، وتكوينها([25]).
وتشمل التأثيرات المحتملة الأقل توثيقًا الضوضاء تحت الماء؛ حيث إن التجريف ينتج صوتًا مستمرًّا عريض النطاق ومنخفض التردد، وقد أشارت الدراسات إلى أن التجريف يمكن أن يؤدي إلى رد فعل تجنبي لدى الثدييات البحرية، كما أن الأسماك البحرية يمكنها اكتشاف ضوضاء التجريف على مسافات كبيرة، وقد تصطدم الحيوانات والطيور البحرية بالسفن العاملة أو تتشابك معها، كما أن الاصطدامات بالثدييات البحرية ممكنة([26]).
وقد تتسبب الضوضاء الزلزالية في حدوث أضرار مادية للأنسجة وتعطل الاتصال بما في ذلك إتلاف أجهزة السمع مثل القوقعة وحصوات الأذن والمثانة الهوائية، مما يؤدي إلى ضعف التكاثر مما يزيد بدوره من التعرض للافتراس. ويؤدي تعديل أو فقدان موائل قاع البحر عن طريق الاختناق والتلوث الناجم عن التعدين إلى نفوق الكائنات الحية وتغير البيئة، والتي يمكن أن تستمر في الأمد البعيد، اعتمادًا على موقع المنطقة المتأثرة([27]).
إن التأثير الأعظم المتوقع المرتبط بنشاط التعدين هو تدمير موائل قاع البحر ونفوق الحيوانات المرتبطة بها والتي تنمو على هذه الركائز (على سبيل المثال: الشعاب المرجانية والإسفنج في المياه العميقة، والتي تنمو ببطء شديد وطويلة العمر)، فضلًا عن تفتيت وتعديل الموائل المتبقية من خلال تغيير تكوين المعادن والرواسب، والعمليات البيوكيميائية. وفي كثير من الحالات، تكون الكائنات الحية المرتبطة برواسب معدنية محددة (على سبيل المثال: أنظمة التنفيس الحراري المائي وحقول العقيدات) فريدة من نوعها بسبب العزلة الجغرافية.
وقد يؤدي أيّ نشاط تعديني إلى انقراض هذه الكائنات الحية والخسارة الدائمة للمواد الوراثية الفريدة في أعماق البحار والتي يعتقد الخبراء أنه يمكن استخدامها يومًا ما لإنشاء مضادات حيوية جديدة وأدوية مضادة للسرطان ومكملات غذائية. وفي حالة العقيدات، فإن خسارة الموائل هذه مضاعفة فبالإضافة إلى إزالة المواد الموجودة في قاع البحر توفر العقيدات نفسها موطنًا فريدًا لتجمعات محددة من الكائنات الحية، ولأن العقيدات تستغرق ملايين السنين لتتشكل، فإن خسارة مثل هذه الموائل ستكون دائمة في الأساس.
وقد يكون لتجفيف المياه تأثير تعكر الماء مما يؤدي إلى تأثيرات موضعية على الإنتاجية الأولية، وربما تقليل مستويات الأكسجين. بالإضافة إلى ذلك، ستكون مياه البحر مختلفة في التركيب عما كانت عليه عندما تم جمعها مع الخام، ومن المرجح أن تحتوي على مستويات مختلفة من الملوحة ودرجة الحرارة وكميات ضئيلة من المواد الكيميائية السامة، وقد يخلق تناول المياه الملوثة مِن قِبَل الكائنات الحية إمكانية للتراكم البيولوجي من خلال سلسلة الغذاء. بالإضافة إلى ذلك، أثيرت مخاوف بشأن تأثير تصريف المياه على مستوى أوسع من خدمات النظم الإيكولوجية للمحيطات العالمية مثل مصائد الأسماك ودورة الكربون وتنظيم المناخ وإزالة السموم ودورة المغذيات التي لم يتم فهم أو تحديد قيمتها في أعالي البحار وأعماق المحيطات بشكل كامل بعد، ولكنها قد تكون كبيرة([28]).
وهناك مصدر آخر للقلق يتعلق بإطلاق الكربون المخزن من رواسب قاع البحر. فوفقًا لبحث حديث؛ تخزن الرواسب البحرية ضعف كمية الكربون العضوي التي تخزنها التربة الأرضية تقريبًا. وتمثل الرواسب في مناطق الهاوية أو الحوض 79% من الكربون الموجود في الرواسب البحرية العالمية، وبالتالي فهي تمثل مصدرًا كبيرًا ومهمًّا للكربون على مستوى العالم. ومع ذلك، فإن الافتقار إلى الحماية للكربون البحري يجعله عرضة للاضطرابات البشرية التي يمكن أن تؤدي إلى إعادة تمعدنه إلى ثاني أكسيد الكربون، مما يؤدي إلى تفاقم آثار تغير المناخ([29]).
ناميبيا كنموذج للتعدين البحري في إفريقيا:
تُعدّ ناميبيا واحدة من أوائل الدول التي أصدرت تراخيص التعدين فيما يتعلق بالتعدين في أعماق البحار. وقد اكتشفت الدراسات التي أجريت في سبعينيات القرن العشرين كميات كبيرة من رواسب الفوسفات. وتتجلى أهمية التعدين في قاع البحر في الاقتصاد الأزرق في ناميبيا من خلال وضع البلاد باعتبارها “مصنعًا للفوسفات”. ويرجع هذا إلى الصعود الاستثنائي لنظام بنجيلا البيئي، وهو تيار محيطي عابر للحدود يمتد من جنوب إفريقيا في الجنوب إلى أنجولا في الشمال، ويمر عبر ناميبيا.([30])
ولقد تم العثور على هذه الرواسب في أعماق تتراوح بين 180 و300 متر تحت مستوى سطح البحر. في عام 2011م، أصدرت الحكومة الناميبية تراخيص بشأن استغلال موارد الفوسفات في قاع البحر بعد تقييمات الأثر البيئي اللازمة. كانت خطة العمل التي برزت هي خطة شركة Namibian Marine Phosphates (NMP)، وهي مشروع مشترك تم تشكيله في عام 2008م بين شركتين مقرهما أستراليا، Minemakers وUnion Resources، وشركة Tungeni Investments ومقرها ناميبيا.([31])
وفي مارس عام 2012م تم تقديم تقرير تقييم الأثر البيئي وخطة الإدارة البيئية لمشروع فوسفات ساندبيبر، والذي اقترح تجريف الرواسب الغنية بالفوسفات جنوب خليج والفيس، ناميبيا على أعماق تتراوح بين 180 و300 متر. وخططت الشركة لاستخراج 5,5 مليون طن من الرواسب البحرية الغنية بالفوسفات على أساس سنوي، لأكثر من 20 عامًا. وحدد تقييم الأثر البيئي التأثيرات السلبية المحتملة منخفضة المستوى بما في ذلك التغيرات البيوكيميائية، وفقدان الموائل القاعية، وفقدان التنوع البيولوجي والتأثيرات التراكمية([32]).
وبصرف النظر عن موارد الفوسفات، فإن قاع البحر في ناميبيا مليء بالعناصر الأرضية النادرة؛ حيث احتفظت بيئة المحيط بالمعادن مثل النحاس والنيكل والمنجنيز وغيرها بأحجام كبيرة جدًّا وجودة أعلى من معظم موارد الأرض([33]).
كما تم استخراج أول قطع من الماس من قاع البحر في المياه الضحلة قبالة ساحل ناميبيا منذ حوالي 110 أعوام. ومع ذلك، فقد استغرق الأمر 50 عامًا أخرى قبل أن تبدأ بعض عمليات استخراج الماس من قاع البحر بشكل منهجي في المياه الناميبية في أوائل الستينيات. تلا ذلك فترة من الاستكشاف التفصيلي وتطوير أدوات التعدين؛ مما جعل ناميبيا تبرز كدولة رائدة في تعدين الماس البحري في أواخر الثمانينيات. وفي الوقت الحاضر يشارك أسطول من سبع سفن تعدين واستكشاف حديثة في استعادة أكثر من ثلاثة أرباع إنتاج ناميبيا من الماس.
ونظرًا لأن الماس لا يوجد فقط على الشاطئ، بل وأيضًا في الرواسب البحرية، فقد تطورت صناعة تعدين الماس البحرية عالية التقنية الفريدة في ناميبيا، مما جعل البلاد رائدة العالم من الناحية التكنولوجية في تعدين الماس البحري. لذلك يُشار أحيانًا إلى الساحل الناميبي باسم ساحل الماس([34]).
جدير بالذكر أنه في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين، حصل شخص يُدعى يوهان فيفييه على امتياز لاستكشاف الماس قبالة سواحل ناميبيا، في الأجزاء الضحلة عن طريق جمع الحصى وفرزها على الشاطئ. وفي عام 1958م، تم استخراج 39 ماسة تزن 21.5 قيراطًا في المجموع بهذه الطريقة، وقد كانت هذه أول ماسات بحرية يتم استخراجها على الإطلاق. وبحلول عام 1961م، تم اكتشاف أدلة قاطعة على وجود الماس في قاع البحر. وفي الفترة ما بين عامي 1961 و1965م كانت هذه أول محاولة لمعالجة للتعدين في قاع البحر بشكل منهجي وعلى نطاق واسع.
وبحلول منتصف عام 1963م غطت الامتيازات الساحل بأكمله من نهر أورانج إلى نهر كونين. وفي عام 1978م وفي الشهر الأول من الإنتاج تم إنتاج 337 قيراطًا بمتوسط حجم حجر يبلغ 0,87 قيراط. وبحلول عام 1980م، حققت شركة Dawn Diamonds التابعة لـ Princep ربحًا سنويًّا تجاوز 2 مليون دولار أمريكي. علاوة على ذلك، حصل Princep على حق استكشاف واستخراج الماس من المياه الإقليمية لـ12 جزيرة جنوب إفريقية قبالة ساحل ناميبيا. وعلى أساس هذه الحقوق، أسَّست Prinsep في عام 1983م شركة Ocean Diamond Mining (ODM، وبحلول نوفمبر 1986م جمعت ما مجموعه 6051 قيراطًا من الماس([35]).
وفي يوليو 1975م، بدأ برنامج استكشاف المياه العميقة. وبحلول أوائل عام 1977م، تم أخذ ما مجموعه 3297 عينة في أعماق مياه تصل إلى 90 مترًا. ولكن تبين أنها ليست كبيرة بما يكفي لتبرير الاستثمارات الكبرى في تكنولوجيا التعدين البحري. بين عامي 1977 و1982م، تم أخذ 9228 عينة في أعماق مياه تتراوح بين 100 و135 مترًا في منطقة بين نهر أورانج ونقطة دياز. لم تكشف العينات عن وجود الماس فحسب، بل إنها مكَّنت الجيولوجيين أيضًا من تطوير فهم كامل للطبيعة الجيولوجية للرواسب، بما في ذلك الاستنتاجات المستخلصة بالإشارة إلى التغيرات في مستوى سطح البحر والمناخ القديم، وهو أمر مهم للغاية لآليات نقل الماس وترسيبه.([36])
بحلول عام 1983، أصبح من الواضح أنه تم العثور على رواسب من الماس البحري من الطراز العالمي قبالة سواحل ناميبيا، ومع ذلك، فقد كانت الرواسب على عمق يصل إلى أكثر من 100 متر تحت مستوى سطح البحر، وتطلب استثمارًا هائلًا لتطوير تكنولوجيا التعدين البحري المناسبة([37]).
وبعد استقلال ناميبيا، واصلت شركة دي بيرز مارين أعمال الاستكشاف في مناطق الامتياز، وفي عام 2005م، تجاوز إنتاج De Beers Marine Namibia البحري إنتاج Namdeb البري لأول مرة. ونتيجة لذلك، أصبحت De Beers Marine Namibia شركة تعدين الماس الرائدة في البلاد؛ حيث أنتجت 922000 قيراط في عام 2005م وحده. وفي العام التالي، تجاوز الإنتاج البحري مليون قيراط لأول مرة. وتم تحقيق إنتاج قياسي بلغ 1.1 مليون قيراط في عام 2012م([38]).
كما تم إنفاق أكثر من 15 مليون دولار ناميبي سنويًّا على برنامج الرصد البيئي، والذي يتم إجراؤه بواسطة علماء بحريين مستقلين، ويتم تقييمه مِن قِبَل لجنة استشارية مستقلة من الأكاديميين والعلماء في المنطقة. ويتم قياس نجاح برنامج الرصد البيئي من خلال معدلات أخذ العينات والجودة التي تم تحقيقها أثناء حملات أخذ العينات، وتوسيع نطاق معرفة التنوع البيولوجي، وإثبات التعافي مقابل هدف إعادة التأهيل. بعد التحليل، تتم مشاركة عينات قاع البحر مع كيانات محلية أخرى مثل جامعة ناميبيا ووزارة الثروة السمكية والموارد البحرية، لتسهيل التعليم وبناء القدرات وتدريب وتطوير الباحثين البحريين المحليين داخل ناميبيا([39]).
وتجدر الإشارة إلى أن تطبيق أساليب التعدين عالية التقنية والمراقبة الدقيقة يسمح بتقليل التأثيرات على البيئة وتحقيق التوازن بين الأولويات الاجتماعية والاقتصادية والحفاظ على البيئة والتعايش مع القطاعات الأخرى مثل صناعة صيد الأسماك. ويُعدّ تعدين الماس البحري جزءًا لا يتجزأ من إستراتيجية التنمية الوطنية في ناميبيا. ويمكنه أن يلعب دورًا رئيسيًّا في التحول الهيكلي والتقدم الاقتصادي المستدام والتنمية الاجتماعية من خلال دعم إستراتيجية الاقتصاد الأزرق الإفريقي الناشئة، والتي تتوافق أيضًا تمامًا مع أجندة الاتحاد الإفريقي 2063م، والتي تهدف إلى تحسين استخدام موارد إفريقيا لصالح الجميع.
تحديات التعدين البحري:
إن التحديات التي تواجه تنفيذ موارد التعدين في قاع البحار العميقة ومياه البحر تشبه الطاقة الزرقاء، والتي يمكن تلخيصها على النحو التالي:
- عدم معرفة إمكانات التعدين في المحيطات بشكل كافٍ، على الرغم من وجود إمكانات تقريبية للغاية للمعادن، سواء في قاع البحار العميقة أو مياه البحر، إلا أنها ليست دقيقة. وعلاوة على ذلك، نظرًا لكونها منطقة ناشئة، فهناك العديد من المجهول، ولا يوجد تقييم أساسي مفصل يُوفّر حالة وإمكانات الموارد المعدنية.
- عدم وجود إطار تنظيمي، على الرغم من اهتمام العديد من البلاد باستكشاف التعدين في المحيطات، إلا أنه بسبب الافتقار إلى الإطار التنظيمي، لا يمكن تشجيع مثل هذه المبادرات على المضي قدمًا. وبالتالي، هناك حاجة إلى تطوير الإطار التنظيمي ونظام الترخيص والاستكشاف.
- عدم وجود خطط إستراتيجية، يتطلب التعدين في قاع البحار العميقة أيضًا تخطيطًا طويل المدى؛ حيث لا توجد لدى معظم البلدان إرشادات حول كيفية المضي قدمًا.
- عدم توفر القيمة الاقتصادية؛ حيث إن الجدوى الاقتصادية لأيّ تعدين هي شرط أساسي للتنفيذ، ومن أجل استخراج مثل هذه الإمكانات، فإن المعرفة المحتملة بقيمتها النقدية أمر بالغ الأهمية. وبالتالي، يجب تقييم التقييم الاقتصادي لإمكاناتها، وكيف تُسهم في التنمية الاقتصادية الوطنية.
- عدم وجود خطط إدارة بيئية؛ حيث يتطلب التعدين في قاع البحار العميقة توفّر إرشادات سياسية صارمة تحمي البيئة البحرية والسلع والخدمات بما في ذلك مصايد الأسماك وجودة المياه والسياحة. ووفقًا للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN)، فإن اللوائح قيد التطوير في هيئة قاع البحار الدولية (ISA) لإدارة التعدين في أعماق البحار تعتبر غير كافية لمنع الضرر الذي لا رجعة فيه للنظم البيئية البحرية. وبالتالي، فإن لوائح تقييم الأثر البيئي الخاصة بالتعدين في قاع البحار العميقة تحتاج أيضًا إلى أن تكون صارمة للغاية لحماية البيئة البحرية([40]).
توصيات:
يُعدّ التعدين في أعماق البحار، وفي مياه البحر من المناطق الجديدة المتطورة التي تتطلب نهجًا جديدًا وإستراتيجيات تدخُّل مبتكرة لكل من النظم الإيكولوجية البحرية الصغيرة السبعة في إفريقيا، والتي تشمل: تيار جزر الكناري، والبحر الأبيض المتوسط، والبحر الأحمر، والتيار الساحلي الصومالي، وتيار أجولهاس، وتيار بنجيلا، وتيار غينيا. وتشمل بعض التدخلات المقترحة ما يلي:
- الإطار التنظيمي: ينبغي تطوير الإطار التنظيمي فيما يتعلق بإصدار التراخيص للاستكشاف والتعدين، الأمر الذي من شأنه أن يسرع عملية الاستكشاف ويقلل من المخاطر.
- تقييم إمكانات التعدين: تحديد إمكانات التعدين في أعماق البحار، وإجراء تقييم اقتصادي لها لتحديد إمكانات مساهمتها الاقتصادية الوطنية.
- وضع خطة إدارة بيئية: إجراء مسوحات بيئية وتطوير إستراتيجيات تنظيمية وتخفيفية فعَّالة للحد من آثار التعدين في أعماق البحار. ويشمل ذلك أيضًا إجراء دراسات أساسية شاملة ينبغي إجراؤها لتحسين فهمنا للنظام البيئي لقاع البحار العميقة.
- إشراك شركات التعدين: حتى تتمكن من التأكد من أنها تخلق فرص عمل محلية، وليس التركيز على استغلال الموارد الطبيعية. أصبح هذا مصدر قلق؛ حيث يمكن للشركات استخدام تقنيات التعدين المبتكرة دون الحاجة إلى البقاء لفترة طويلة في الموقع.([41])
- تلبية الطلب المتزايد على الموارد المعدنية لتحقيق الرخاء الاقتصادي؛ نظرًا لأن المعادن الموجودة في قاع البحار العميقة ومياه البحر يمكن أن تلعب دورًا مهمًّا في الرخاء الاقتصادي للقارة، فإن تطوير الأطر التنظيمية، وخطط التعدين في قاع البحار على المدى الطويل، والإدارة البحرية المتكاملة، وإجراءات التأثير الاجتماعي والبيئي الفعّالة، وتعزيز القدرات البشرية والتنظيمية والمؤسسية، وتعزيز التعاون الإقليمي، ونقل التكنولوجيا؛ هي بعض الأمور المطلوبة لتحقيق الفوائد المرجوة([42]).
…………………………………
[1] – Harmful Marine Extractives: Understanding the risks & impacts of financing non-renewable extractive industries, Deep-Sea Mining, UN Environment Programme’s Sustainable Blue Economy Finance Initiative (UNEP FI SBE), United Nations Environment Programme, 2022, p. 11
[2] – Asmerom M. Gilau, Pierre Failler, Economic Assessment of Sustainable Blue Energy and Marine Mining Resources Linked to African Large Marine Ecosystems, Environmental Development, Volume 36, September 2020, p. 8
[3] – Asmerom M. Gilau, Pierre Failler, Op.Cit., p. 10
[4] – Baker, E., Lamarche, G., Gaill, F., Narayanaswamy, B., Parr, J., Raharimananirina, C., Santos, R. S., Sharma, R., & Tuhumwire, J.. Offshore mining industries. In First Global Marine Assessment (1 ed., Vol. 1, pp. 1-34). Oceans and Law of the Sea, United Nations, 2016, p. 1
[5] – Harmful Marine Extractives:Op.Cit., p. 18
[6] – Edwin Egede, From apathy to action, Africa’s role in deep seabed mining, ISS (institute for security studies), Africa Report 39, June 2022, p. 5
[7] – بوبي جو دوبوش, مادلين وارنر، العمل من أجل وقف DSM: أهدافنا للسلطة الدولية لقاع البحار وما بعدها، The ocean foundation، أغسطس 2022
[8] – Deep Seabed Mining Treasure chest or another Pandora’s box?, In focus: the Pacific, Deep seabed mining in the Pacific – a concern for MISEREOR, MISEREOR IHR HILFSWERK, DIScUSSION PApER, P. 4
[9] – Asmerom M. Gilau, Pierre Failler, Op.Cit., p. 1
[10] – Edwin Egede, Op.Cit., p. 2
[11] – Ibid, p. 3
[12] -Ibid, p. 2
[13] -, p. 5 Ibid
[14] -, p.7 Ibid
[15] – Ibid., p.8
[16] – Ibid., p.9
[17] – Marine phosphate mining, South African context, FACT SHEET 2, p. 4
[18] – Harmful Marine Extractives: Op.Cit., p. 31
[19] – Baker, E., Lamarche, G., Gaill, F., Narayanaswamy, Op.Cit. , p. 17
[20] – Ibid., p. 11
[21] – Harmful Marine Extractives: Op.Cit., p. 32
[22] – Marine phosphate mining, Op.Cit, p. 5
[23] – Harmful Marine Extractives:Op.Cit., p. 28
[24] – Baker, E., Lamarche, G., Gaill, F., Narayanaswamy, B.,Op.Cit., p. 10
[25] – Ibid, p. 11
[26] – Ibid., p. 11
[27] – Sean Fennessy, OFFSHORE MINING, in: Goble, B.J. and van der Elst, R.P. (eds.) 2022. State of the Coast: KwaZulu-Natal – A review of the state of KwaZulu-Natal’s coastal zone. KwaZulu-Natal Department of Economic Development, Tourism and Environmental Affairs, Pietermaritzburg, p. 187
[28] – Harmful Marine Extractives: Op.Cit., p. 24
[29] – Ibid., p. 25
[30] – Carver, Rosanna, Lessons for blue degrowth from Namibia’s emerging blue economy, Sustainability Science, Volume 15, 2020,
[31] – Fani Sakellariadou and others, Seabed mining and blue growth: exploring the potential of marine mineral deposits as a sustainable source of rare earth elements, IUPAC Technical Report, Pure and Applied Chemistry, 2022
[32] – Baker, E., Lamarche, G., Gaill, F., Narayanaswamy, B., Op.Cit, p. 22
[33] – Heidi Vella, Marine mining: lessons from Namibia, Mining technology, 2020
[34] – Gabi I.C. Schneider, Marine diamond mining in the Benguela Current Large Marine Ecosystem: The case of Namibia , Environmental Development, Volume 36, December 2020, 100579, p. 1
[35] – Ibid., p. 3 – 4
[36] – Ibid., p. 4 – 5
[37] – Ibid., p. 5
[38] – Ibid., p. 7
[39] – Ibid., p. 12
[40] – Asmerom M. Gilau, Pierre Failler,Op.Cit., p. 14
[41] – Ibid., p. 17
[42] – Harmful Marine Extractives: Op.Cit., p. 9