تُعدّ المصادر العربية هي الأساس في التعرُّف على تاريخ بلدان وممالك إفريقيا جنوب الصحراء؛ فقد كان للمؤرخين والرَّحَّالة المسلمين، من العرب والبربر، قصب السَّبق في تعريف العالم بتلك الأصقاع التي كانت مجهولة لديه، “وتكفى الإشارة إلى أن محمد بن موسى الخوارزمي -المتوفى سنة 844م- هو الذي أضاف مملكة غانة إلى خريطة بطليموس التي وضعها في منتصف القرن الثاني الميلادي، التي كانت حدودها الجنوبية تقف فقط عند “جزر كناريا” التي أطلق عليها اسم (جزر السعادة)”([1]).
وما تزال مؤلفات الاصطخري، وابن بطوطة، واليعقوبي، والإدريسي، وابن حوقل، تفتح نافذةً للناس في هذه الأزمان، على تاريخ القارة السمراء، بثقافتها ومدائنها، وعظمة حضارتها، وأحوال المعاش فيها.
وبالنسبة للمصادر الأجنبية؛ فإن أوروبا لم تكن تعرف كثيرًا عن ذلك العالم، قبل بَدْء حملاتها البحرية التي أسمتها بـ”الكشوف الجغرافية”، ومع ذلك لا تكاد تجد شيئًا يُذْكَر في العصر الوسيط، رغم أن حركة الكشوف بدأت منذ القرن الخامس عشر الميلادي. ولم يبدأ إسهام المؤلفات الغربية إلا في فترة متأخرة جدًّا، تبدأ بالقرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، عندما بدأ مَن سمّوا بالمكتشفين من أمثال جيمس بروس، وديفيد ليفنجستون، وهنريك بارت، يجوبون أصقاع إفريقيا، ويتعرفون على نهر النيجر، ويكتشفون الغابات الاستوائية، والبحيرات التي ينبع منها النيل.
ولذلك تُعتبر المؤلفات العربية، والروايات الشفاهية، هي المصادر الوحيدة المتوفرة، لدى المؤرخين، للفترات التاريخية التي تقع ضمن ما يسمى بالعصر الوسيط، ولهذا أعلن ألفونس جوبي (A. Gouilly)، أنه “بالإسلام يبدأ العصر التاريخي لإفريقيا”، وهو يعني بذلك “أنه بمجيء العرب المسلمين إلى شمال إفريقيا، واتصالهم بإفريقيا السوداء جنوب الصحراء، بدأ تدوينهم لتاريخ المنطقة، وبذلك دخلت البلاد مرحلة التاريخ المكتوب”.([2])
ملاحظات على المصادر العربية القديمة:
لا بد من ملاحظة ما في المصادر العربية من إشكالات متعلقة بمدى المعرفة الجغرافية والأنثروبولوجية السائدة في العصور التي كُتبت فيها تلك المُؤلَّفات، فعندما يجد القارئ في بعض المصادر، حديثًا عجائبيًّا يشتبك بالأساطير، عند الكلام عن بعض المناطق، مثل إشارة ابن خرداذبة إلى أن “أرض الحبشة تبعد عن السودان، مسيرة سبع سنين”([3])، أو ما ورد في كتاب البلدان من أن الذهب ينبت بأرض غانة مثل ما ينبت الجزر([4])، فإنه يجب أن يُدرك، أن تلك الأساطير كانت في ذلك الوقت هي التفسيرات المنطقية الوحيدة، لمناطق مجهولة.. ويُضاف إلى ذلك أن بعض المتقدمين ممن كتبوا عن بلاد السودان، إنما اعتمدوا على شهادات سماعية عربية، ولم يزوروا أو يعاينوا تلك البلاد.
ومن الملاحظات كذلك، أن أغلب المصادر العربية، كانت تحاول أن تُقدّم توصيفًا تاريخيًّا، أو جغرافيًّا لكل العالم القديم، وما فيه من ممالك ومدن وبلدان، ولم تُصنَّف بالخصوص عن إفريقيا السوداء، ولذلك نجد أن أغلب تلك المُؤلَّفات تحمل أسماء تشير إلى ذلك المعنى، مثل “صورة الأرض” لابن حوقل، و”معجم البلدان” لياقوت الحموي، و”المسالك الممالك” للإصطخري، و”المسالك والممالك” لابن حوقل كذلك، و”كتاب البلدان” لليعقوبي. ولا نكاد نجد مؤلفات خُصّصت لبلاد إفريقيا السوداء، إلا النذر اليسير مثل “تاريخ السودان” للسعدي، ووصف إفريقيا للحسن الوزان.
وبالجملة، فيما يتعلق بالمصادر التاريخية العربية عن إفريقيا جنوب الصحراء؛ فإننا نجد أنفسنا إزَاء نوعين من المصادر:
الأول/ هو الروايات الشفهية
التي أُخِذَتْ عن أهل البلاد الأصليين أنفسهم، أو من الوافدين المسلمين من العرب والبربر، الذين تردَّدوا على البلاد للتجارة والزيارة، وأحيانًا للعمل والاستقرار، وفي هذا الصدد تأتي الإشارات التي أوردها مؤرخون مُتقدّمون في مصنَّفاتهم، مثل ابن عبد الحكم المصري في “فتوح مصر والمغرب”، الذي أشار إلى فتح السوس وبلاد السودان، في عصر الولاة بالمغرب، وابن الصغير صاحب كتاب “أخبار الأئمة الرستميين”، الذي تناول السودان ضمن إشارته للعلاقات بين المغرب وبلاد السودان.
والثاني/ هو كتابات الجغرافيين العرب والرحَّالة:
الذين صنَّفوا عن أحوال البلدان والممالك التي مروا بها، أو استوطنوها، مثل المسعودي في “مروج الذهب ومعادن الجوهر”، وابن حوقل في “المسالك والممالك”، والشريف الإدريسي في “نزهة المشتاق إلى اختراق الآفاق”، وياقوت الحموي في “معجم البلدان”، وأبي سعيد الغرناطي في “جغرافية الأقاليم السبعة”.
ويميل الباحثون في التاريخ، إلى تقسيم المصادر، باستخدام الخط الزمني، إلى فترتين:
الفترة الأولى:
تبدأ من القرن العاشر الميلادي، وتنتهي بالقرن الرابع عشر الميلادي، وهي فترة تتميز بالإشارات المقتضبة، في بعض المؤلفات، والنقل عن المصادر الأخرى. وأهم المؤرخين والجغرافيين الذين دوَّنوا لنا معالم تلك الفترة:
1- البكري؛ أبو عبد الله عبد العزيز بن محمد بن أيوب بن عمرو الأندلسي، المتوفى سنة 1094م، أقدم الجغرافيين الأندلسيين المعروفين، صاحب كتاب (المسالك والممالك)، الذي جمع فيه ما سمعه من التجار ورجال القوافل، عن مملكة غانا، ونظامها السياسي والاجتماعي، وأشار إلى مكانة المسلمين العظيمة في تلك الدولة الوثنية([5]).
2- أبو الحسن علي بن سعيد بن موسى الغرناطي (1214- 1286م)، صاحب كتاب (الجغرافيا) أو (جغرافية الأقاليم السبعة)، وأتى فيه على ذِكْر بلاد الزنج؛ حيث تحدَّث عن مقديشو وبربرة وسفالا، وتحدث عن بلاد الأحباش، وذكر النيل، وبلاد النوبة([6]).
3- المسعودي؛ أبو الحسن علي بن الحسين بن علي، المتوفى سنة 957م، صاحب كتاب (مروج الذهب ومعادن الجوهر)([7])، وهو من أشهر الرحالة المؤرخين العرب وأقدمهم، قال عنه ابن النديم في “الفهرست”: إنه من ولد الصحابي عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-([8]). ويُعتبر المسعودي من أوائل من أعطوا تفاصيل عن شرق إفريقيا، وذلك أنه زار (مدغشقر) بنفسه، ثم جمع كثيرًا من المعلومات حول المناطق الأخرى في الشرق الإفريقي، وامتاز بها عن غيره من الرحالة والتجار.([9])
4- الشريف الإدريسي؛ أبو عبد الله محمد بن عبد الله العالي بأمر الله، (1100 -1166م)، صاحب كتاب (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق)، لا يُعرف الكثير عن سيرته، غير أنه وُلِدَ في سبتة في أسرة من الأشراف ينتهي نسبه إلى شجرة النبوة، وعاش في صقلية حتى وفاته، مخطوفًا، أيام الحروب الصليبية، لدى ملكي النورمان (روجرز الثاني) أو (رجار) كما في المصادر العربية([10])، وخليفته (غيوم).
وقد صنَّف كتابه (نزهة المشتاق) بناء على رغبة الملك روجرز الثاني، الذي كان مُولعًا بالحضارة العربية وعلوم العرب، كما وضع له أيضًا خريطة للعالم، ومن جملة ما ذكر عن إفريقيا في نزهة المشتاق، أحوال المناخ في جنوب خط الاستواء، وزنوج شرق إفريقيا الذين يستخرجون الحديد ويبيعونه، وتحدَّث عن مدنها مثل، كلوة، وماليندة، وسفالة، وبراوة وبركة.. كما تحدث عن التجارة المزدهرة في غرب إفريقيا، وتحدَّث عن مملكة غانا، وعاصمتها كمبي صالح، ومدى الحضارة والثراء الذي كان فيها.
الفترة الثانية:
وتبدأ من القرن الرابع عشر، وتستمر حتى القرن الثامن عشر الميلادي، وتتميز هذه المرحلة، بانتشار المعرفة عن السودان الغربي، خاصةً بعد ظهور الممالك العظيمة مثل مملكة مالي الإسلامية، التي اعتبرت نفسها جزءًا من بلاد الإسلام، وسعت لمدّ جسور الصلة بينها وبين بلدان المسلمين في المغرب والمشرق. وتميزت الكتابات في هذه الفترة بالنضج والتفصيل، والاعتماد أكثر على المعاينة والمعايشة، وقد ظهر عدد من المؤرخين، أخرجوا لنا مصنَّفات نفيسة أخذت مكانها بوصفها من أهم مصادر المعرفة عن إفريقيا، ومنهم:
1- شمس الدين محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي، الشهير بابن بطوطة (703هـ – 779هـ) الموافق (1304م – 1377م)، في كتابه المسمى “تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار”، الذي دوَّن فيه رحلاته الثماني، التي استغرقت 29 عامًا، في الفترة بين عامي (725هـ- 754هـ)، وهو ما يقابل بالميلادي (1326- 1353م). ورغم ما في الكتاب من المبالغات، إلا أنه دوَّن لنا معلومات مهمة عن السودان الغربي، والأوسط، وبلاد الزنج. وفي رحلته الثامنة قضى ابن بطوطة عامين (1352- 1354م) في بلاد السودان، وحكى فيها مشاهداته في مدن السودان، وإمبراطورية مالي، ومَن قابلهم مِن الشخصيات، وما استحسنه من عادات السودانيين، وما استقبحه منها([11]).
2- عبد الرحمن بن خلدون (732- 808هـ) الموافق (1332- 1406م)، في كتابه المسمى بـ”العبر في ديوان المبتدأ والخبر”، ويتميز بالعلمية وتحرّي الدقة، والنقد لبعض المرويات التاريخية المتوارثة، مثل “لعنة حام” التي كانت السبب في عمارة إفريقيا. وقد عقد فصلًا كاملًا عن بلاد السودان، تحت عنوان (الخبر عن ملوك السودان المجاورين للمغرب من وراء هؤلاء الملثمين ووصف أحوالهم والإلمام بما اتصل بنا من دولهم).
3- عبد الرحمن بن عبد الله بن عمران السعدي (1005 -1063هـ) الموافق (1596- 1655م)، صاحب كتاب “تاريخ السودان”، وهو من أبناء السودان، فقد وُلِدَ في تمبكتو، وعايش آخر أيام ازدهارها، كما شهد اضمحلالها، بعد أن غزاها “السعديين” في نهاية القرن السادس عشر الميلادي.. وقد ابتدأ تأليف كتابه في العام 1055هـ الموافق 1653م، ووافته المنية قبل أن يُكمله.
وقد اهتم السعدي في كتابه، بذكر الممالك الإسلامية التي نشأت في السودان الغربي، حتى أيامه، كما تطرَّق لنشأة المدن الإسلامية ونشأتها في السودان الغربي، بالإضافة إلى الترجمة لما يقارب مائتي عالم سوداني، عاشوا في تلك المنطقة، وألفوا المصنفات.
4- شهاب الدين أحمد بن ماجد، الشهير بأسد البحر، المتوفى سنة (904هـ) الموافق (1493م)، ولا يُعرَف بالتحديد تاريخ مولده، وهو البحار الجغرافي العربي المسلم المعروف، مخترع البوصلة، وهو الذي ساعد البحار البرتغالي “فاسكو دا جاما” الذي يُوصَف بالمكتشف في الوصول من رأس الرجاء الصالح إلى الهند. وقد صنَّف ابن ماجد كتابه (الفوائد في أصول علم البحر والقواعد)، وتحدَّث فيه بالتفصيل عن سواحل شرق إفريقيا حتى سوفالا في الجنوب.
5- القاضي محمد بن محمود كعت، المتوفى سنة (1002هـ) الموافق (1593م)، قاضي تمبكتو وفقيهها، صاحب كتاب (تاريخ الفتاش في أخبار البلدان والجيوش وأكابر الناس، وذكر وقائع التكرور وعظائم الأمور، تفريق أنساب العبيد والأحرار)، وقد دوَّن في هذا الكتاب، كما ذكر في عنوانه، أخبار الممالك والبلدان، والوقائع والحروب، وترجم فيه لأكابر العلماء، وتناول كثيرًا من الجوانب التاريخية، وفصَّل فيه أخبار سقوط تمبكتو في يد الحكم المغربي، واندثار حضارتها، وكان ذلك قبل سنتين من وفاته، ثم جاء بعض أحفاده، وأضافوا إليه ست سنوات أخرى.
6- الحسن بن محمد الوزان الغرناطي، المعروف عند الأوروبيين بـ(ليون الإفريقي)، (900- 963هـ) الموافق (1489– 1552م)، صاحب كتاب (وصف إفريقيا)، الذي وصل إلينا باللغة الإيطالية، ثم تُرجم إلى العربية وإلى عدة لغات أخرى؛ وذلك أنه كتبه عندما كان في الأَسْر لدى بابا الفاتيكان. ويُعتبر الوزان حلقة الوصل بين مصادر المعرفة العربية والأوروبية، فهو ابن غرناطة الذي نزح، عند سقوطها، مع أسرته وهو طفل صغير، إلى المغرب العربي، واستقر في فاس؛ حيث نشأ فيها وشبَّ، وعمل في بلاط سلطانها، الذي اهتم به لثقافته العالية، فأوكل إليه مهام السفارات، الأمر الذي أهَّله ليجوب البلاد شرقها وغربها، ويعلم من أحوالها الكثير، ولكنه خلال أسفاره تلك سقط في أَسْر القراصنة الإيطاليين، الذين قدَّموه هدية إلى البابا ليون العاشر في روما، الذي أجبره على اعتناق النصرانية، وعمَّده كاثوليكيًّا باسم (جوهانيس ليوروميديسيس) وليعرف فيما بعد باسم ليون الإفريقي.. وفي روما عاش الوزان، وصنَّف معظم كتبه التي من أشهرها “وصف إفريقيا”. واختلفت الأقوال في خاتمة حياته، بين من يرى أنه عاد إلى المغرب؛ حيث رجع إلى إسلامه، ومن يرى أنه مات في روما وظل على النصرانية، التي لم يُتأكد أنه كان يُظهرها ويبطن الإسلام، أم اعتنقها حقيقةً.
ويُعتبر كتاب وصف إفريقيا كتابًا مرجعيًّا، لدى المؤرخين العرب، والأوروبيين على حد سواء، فيما يتعلق بتاريخ إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، خلال القرن السادس عشر الميلادي؛ حيث حوى تفاصيل كثيرة عن الجغرافيا والسياسة والحكم، وأحوال الممالك، والاقتصاد، والعادات والتقاليد، وأسماء القبائل، وغيرها.
7- أبو القاسم محمد بن علي النصيبي المشهور بابن حوقل، المتوفى سنة (977هـ) الموافق سنة (1566م)، وهو رحالة مشرقي من العراق، بدأ رحلاته من بغداد فزار معظم بلاد الإسلام، ودوَّن ملاحظاته فيها، وكتب عن أحوالها، ورسم الخرائط، وأخرج للناس كتابين من أهم المصادر؛ الأول (صورة الأرض)، والثاني (المسالك والممالك) الذي يتميز عن غيره باعتماده على المشاهدة، وحوى أكثر بلاد الإسلام، التي وضع مِن ضِمْنها بلاد السودان، وبلاد الزنج، وصحَّح كثيرًا مما ورد في كتاب الإصطخري المسمى (مسالك الممالك) من معلومات وخرائط. خاصةً أن الرجلين كانا متعاصرَيْن، وقد التقيا.
الخلاصة:
لقد كان للعلماء المسلمين، عربًا كانوا أم أفارقة، فضل السبق في التدوين المعرفي عن إفريقيا، ومؤلفاتهم في الجغرافيا والتاريخ هي التي وضعت اللبنات الأولى للحقل المعرفي المعروف الآن بالدراسات الإفريقية.
إن أوروبا، والغرب بصفة عامة، مدينة للعلماء المسلمين بكامل معرفتها عن إفريقيا، فهي لم تهتمّ بإفريقيا جنوب الصحراء، إلا في وقت متأخر نسبيًّا، يُؤرّخ له بنهاية القرن الخامس عشر الميلادي، حين بدأت أحلام الإمبراطوريات تُراود ملوك أوروبا، وطمعوا في اكتشاف طرق بحرية جديدة للتجارة غير الطرق القديمة التي يسيطر عليها المسلمون، مثل طريق الهند القديم، وبدأت نزواتهم البحرية، التي أطلق عليها باحثوهم، فيما بعد، اسم “الكشوف الجغرافية”، وحتى هذه كانوا فيها عيالًا على المسلمين، ففاسكو دا جاما الذي طاف حول رأس الرجاء الصالح، هو في الحقيقة لم يصل إلى مبتغاه مغامرة، بل بإرشاد من الجغرافي المسلم أمير البحر أحمد بن ماجد!
وما تركه داجاما، ومِن قبله بارتميلو دياز، كان نذرًا يسيرًا، لم يتعدَّ ما دوَّنوه في تقاريرهم ومذكراتهم عن سواحل إفريقيا التي مروا بها. في حين كانت المؤلفات الضخمة التي كتبها الجغرافيون العرب لملوك أوروبا، مثل “نزهة المشتاق” الذي كتبه الإدريسي لملك صقلية عندما كان أسيرًا، سِفْرًا ضخمًا زاخرًا بالمعرفة والمعلومات عن أصقاع الدنيا، ومنها عدد من بلدان إفريقيا، وكان كتاب (وصف إفريقيا) للوزان باللغة الإيطالية، بحثًا تأسيسيًّا للمعرفة حول إفريقيا اعتمد عليها الأوروبيون فيما بعد.
ويمكن القول: إن المعرفة حول إفريقيا نمت نموًّا طبيعيًّا في كنف علم التاريخ والجغرافية لدى المسلمين، حتى صارت فيما بعدُ حقلًا معرفيًّا مستقلًّا تحت مسمى “الدراسات الإفريقية”، وذلك بعد أن انضمَّت إليها مجهودات الباحثين الغربيين، وفي مقدمتهم الرحالة والجغرافيون والإنثروبولوجيون الأوروبيون الذين وفدوا إلى إفريقيا ضمن طلائع الاستعمار، ووظَّفوا عِلْمهم وأبحاثهم في خدمة الأغراض الاستعمارية… بينما كان جهد العلماء المسلمين جهدًا علميًّا خالصًا من أجل المعرفة وحدها.
……………………………………..
[1] – عثمان بناني، السودان الغربي عند ابن بطوطة وابن خلدون، مجلة دعوة الحق الصادرة عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية، العدد 269 أبريل، مايو 1988م.
[2] – أحمد الشكري، المصادر العربية المتعلقة ببلاد السودان فيما بين القرن الثامن ومطلع القرن الخامس عشر للميلاد. بحث في ندوة التواصل الثقافي والاجتماعي بين الأقطار الإفريقية على جانبي الصحراء، تطوان: كلية الدعوة الإسلامية، 1998م.
[3] – ابن خرداذبة: المسالك والممالك. ليدن، 1889م. (تحقيق دي كوجي). ص: 93.
[4] – ابن الفقيه: مختصر كتاب البلدان، ليدن، 1985م. (تحقيق دي كوجي). ص87.
[5] – عبد القادر زباديه، دراسة عن إفريقيا جنوب الصحراء في مآثر ومؤلفات العرب والمسلمين، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، ص 148.
[6] – المصدر السابق، ص 149.
[7] – أبو الحسن المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر، المكتبة العصرية، بيروت 2005م، ج1 ص6.
[8] – أبو الفرج محمد بن إسحاق ابن النديم، الفهرست، بتحقيق إبراهيم رمضان، دار المعرفة، بيروت، 1997م، ج1 ص188.
[9] – أحمد الشكري، مصدر سابق، 1998م، ص (158).
[10] – ابن أيبك الصفدي، والوافي بالوفيات، تحقيق أحمد الأرناؤوط، دار إحياء التراث، بيروت 2000م، ج1 ص138.
[11] – عبد القادر زباديه، مصدر سابق، ص (111).