الكاتب: Ибраим Диань
ترجمة: مروة أحمد عبدالعليم
تاريخ النشر: 20-9-2024م
نشر موقع المنتدى الروسي “فالداى Валдай” للمناقشة؛ تقريرًا من جزأين كتبه Ибраим Диань إبراهيم ديان، تناول فيه تأملاته حول تشكيل التعددية القطبية، ودور القارة الإفريقية في هذه العملية، وأشار إلى أن إفريقيا ليست في حاجة إلى الصدقات والتعاليم، فهي تحرَّكت وتتقدَّم، قد تخطئ نعم، ولكنها تتقدم بثبات، وهكذا يتعلم الانسان من الأخطاء، ويصبح أقوى بعد المرض، فإفريقيا تحتضن التنوع من خلال العودة إلى جذورها.
مقدمة:
يُعدّ عام 2022م مثل الأعوام 1917 و1945 و1991م، لحظة حاسمة في تاريخ البشرية. ومع ذلك، فعلى عكس القرن الماضي، عندما نمت الأيديولوجية الاشتراكية/الشيوعية، وتوسَّعت وانهارت كبديل للهيمنة الغربية؛ فإن العاصفة الجيوسياسية في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين تضرب أساس الهيمنة الغربية.
إحياء عالم مُتعدِّد الأقطاب:
“مهما طال الليل فإن الفجر قادم” – مثل إفريقي.
أكثر من أيّ وقتٍ مضى خلال القرون الخمسة الماضية، تتحدَّى الأغلبية العالمية الهيمنة الغربية في عدة مجالات في وقت واحد؛ بما يشمل المجالات الاقتصادية والروحية والعسكرية والاجتماعية والتكنولوجية، وغيرها.
إن نموذج التنمية في العالم الغربي، القائم على المقاربة الطفيلية لجميع موارد العالم (البشرية والمالية والمواد الخام، وغيرها)، غير قادر على التكيُّف مع المقاربة التكافلية التي يجب على جميع الأطراف المساومة فيها (وفق مبدأ “أنت لي، وأنا لك”، وليس على الإطلاق “الكل بالنسبة لي، وبقايا الطعام لك”)، ونتيجةً لهذا فإن الغرب يُواجه خيارًا وجوديًّا؛ فإما أن يُحافظ على هيمنته الحالية بأيّ ثمن، أو أن يتحول إلى تكتل “نظامي” من البلدان التي يتعين عليها أن تتاجر مع بقية البشرية على أساس أكثر عدالة.
قد يبدو السلوك الغربي غير عقلاني؛ حيث يتَّخذ الاتحاد الأوروبي خطوات من شأنها أن تُقوِّض اقتصاده، وتتخلَّى البلدان عن سياسات الحياد التي خَدَمتها لعقودٍ أو حتى قرون، وتستخدم الولايات المتحدة الدولار سلاحًا اقتصاديًّا، على الرغم من أن هذا يُقوِّض بشكل خطير الثقة في أصولها الرئيسية.
لماذا؟ ألا يرون الأضرار التي لحقت باقتصادهم وبالرفاهية الاجتماعية لشعبهم؟ بالطبع يفعلون ذلك، لكن بالنسبة للطبقة الحاكمة الغربية نحن نتحدَّث عن معركة من أجل الحياة والموت. الأقنعة معطلة. يجب سحق روسيا، ويجب تحييد الصين، وبعد ذلك ستعود الأغلبية العالمية إلى النظام السابق، وستبقى الهيمنة الغربية لقرن آخر على الأقل.
هذا ويدرك الأفارقة المخاطر في هذه اللعبة. تاريخيًّا، هم أحد الشعوب القليلة التي واجهت التجريد الكامل من إنسانيتهم؛ فقد تم تبرير العبودية بحقيقة أن الأفارقة ليس لديهم روح، وهذا جعل من الممكن اعتبارها “سلعة” على الرغم من أن العبودية لم تكن تُمارَس حصريًّا على الأوروبيين، إلا أن تجارة الرقيق الأوروبية، التي استمرت لأكثر من 400 عام، وصلت إلى أبعاد صناعية وأثَّرت بعمق على الاقتصادات والثقافات والسكان في إفريقيا.
علاوةً على ذلك، فخلال 100 عام من الاستعمار، حُرِمَ الأفارقة من أراضيهم وثقافاتهم، وتعرَّض بعضهم للإبادة وبعضهم للطرد، كما أدَّى الجشع الأوروبي إلى إبادة جماعية مماثلة لإبادة السكان الأصليين في أمريكا. ومن حُسْن الحظ أن إفريقيا احتفظت بالقدر الكافي من سكانها الأصليين وثقافتها الأصلية حتى تظل إفريقية، حتى لو لم تسترد بعدُ حصّتها من سكان العالم التي كانت تحتفظ بها قبل تجارة الرقيق الأوروبية.
مساهمة إفريقيا في تاريخ البشرية:
“إلى أن يتعلم الأسد الكتابة، سيظل التاريخ يُمجّد الصياد” – مثل إفريقي.
على الرغم من المحاولات المنتظمة لتحدّي هذا الإجماع العلمي، فإن إفريقيا تعتبر اليوم مَهْد الإنسانية، إن بعض مشاكل الإجماع سببها فرضيات علمية، وهو أمر مفهوم؛ لأن العلم يتطوَّر من خلال مواجهة “الحقائق المقبولة بشكل عام”، ورفضها أحيانًا، وتأكيدها أحيانًا، كليًّا أو جزئيًّا. لكنّ الأفكار التي تتحدى الاعتراف بإفريقيا تعتمد في كثير من الأحيان على أيديولوجية التفوق: “هؤلاء الأفارقة البدائيون لا يمكن أن يكونوا أسلافنا، نحن مختلفون، نحن أعلى! وإذا كان الأمر كذلك، فلنا الحق في الاستيلاء على أيّ موارد إفريقية (السكان، الأراضي، المعادن، المياه، وما إلى ذلك).
إن السياسات التي تُمجِّد استعباد الشعوب الإفريقية، واستعمار إفريقيا، تبرّر الآن أيضًا نَهْب موارد إفريقيا بفرضية مفادها أن هذه القارة، التي أنجبت الإنسانية، عالقة بطريقة أو بأخرى في الماضي، وغير قادرة على تطوير نفسها، وليس لديها القدرة على الابتكار، ناهيك عن نظامها المُتخلّف للقيم الروحية. وبسبب سيطرة الغرب الجماعي على المعلومات، انتشر الخداع والافتراءات في جميع أنحاء العالم على مدى القرون الماضية، مما أدَّى إلى خلق وتعزيز والحفاظ على الانقسام بين الدول المضطهدة والتقليل من أهمية المشاكل الداخلية للمجتمعات الغربية.
بينما تزامنت إعادة اكتشاف مصر القديمة مع تأسيس الهيمنة العسكرية الغربية العالمية وإعلان “واجبها الحضاري” لتبرير الإبادة الجماعية لعشرات الملايين من البشر حول العالم. ولذلك تم تعريف مصر القديمة على أنها حضارة يونانية رومانية في إفريقيا. ومع مرور الوقت، تراكمت الأدلة العلمية التي تثبت أنها كانت حضارة إفريقية أصلية أثَّرت في الحضارتين اليونانية الرومانية والعربية، ولكنها تفاعلت أيضًا مع الثقافات الأخرى، وأثرتها مساهمات الشعوب من مختلف أنحاء العالم.
إن مساهمات مصر القديمة في العلوم والهندسة والطب والفلسفة والدين والجوانب الأخرى للتطور العام للحضارة الإنسانية هائلة، وتستمر في التأثير على الإنسانية حتى اليوم.
بالإضافة إلى حقيقة أن إفريقيا هي مهد الحضارة المصرية القديمة، فقد تم أيضًا وضع أُسُس الزراعة والمعادن في إفريقيا.
ففي الوقت الذي تفتخر فرنسا بإعلان حقوق الإنسان في القرن الثامن عشر، أصبح هذا الإعلان عاملًا مهمًّا في التنظيم الحديث للتفاعلات الاجتماعية في المجتمعات الغربية، وبمثابة مساهمة كبيرة في الحضارة الإنسانية.
ومع ذلك، فقبل أكثر من خمسة قرون في غرب إفريقيا، أُعلن ميثاق ماندين عام 1236م، والذي لم يشمل حقوق الرجال والنساء فقط (الإعلان الفرنسي الأصلي لحقوق الإنسان لم يشمل النساء)، بل أيضًا حقوق الحيوانات والطبيعة، وبالتالي توسيع نطاق القانون. وهكذا، قبل خمسمائة عام من ظهور أوروبا، كانت حقوق الإنسان والمبادئ البيئية والاقتصاد المسؤول قد ترسخت بالفعل في إفريقيا.
إذا تحدثنا عن الاقتصاد والمالية؛ فإن أغنى رجل على الإطلاق هو “كانكان مانسا موسى”، الذي حكم إمبراطورية مالي من عام 1312 إلى 1337م، وقُدِّرت ثروته الشخصية بأموال اليوم بأكثر من 400 مليار دولار، وفي عهده أصبحت إمبراطورية مالي من أغنى الدول في العالم. كما قام “مانسا موسى” بتوسيع مسجد سانكور، الذي بُنِيَ عام 988م، مما أدَّى إلى إنشاء ثاني أقدم جامعة في تمبكتو في العالم، كما تأسست أول جامعة في العالم في إفريقيا عام 857-859م في مدينة القرويين بفاس (المغرب).
وفي بداية القرن الرابع عشر، أرسل حاكم مالي رحلة استكشافية لاكتشاف أمريكا، وهناك جدل حول ما إذا كانت البعثة قد وصلت إلى الأمريكتين، لكنّ الحدث يُسلِّط الضوء على مساهمات إفريقيا في التراث العلمي والتكنولوجي والاقتصادي والثقافي للإنسانية.
لذا فمن الضروري ليس فقط تبديد المفاهيم الخاطئة حول التاريخ الإفريقي، بل وأيضًا العمل بنشاط على فَضْح التشوهات السلبية المتعلقة بالدول ذات الأغلبية العالمية، ونقوم في الوقت نفسه بتصحيح مساهمة أوروبا الغربية في التنمية البشرية إلى نسبتها الحقيقية.
إن هذه الخطوة ضرورية للتوفيق بين الدول التي كانت تابعة ذات يوم، ولضمان تفاعل أكثر صحة بين شعوب العالم، فبدون الاحترام المتبادل والتفاهم بين الناس، سيكون من الصعب بناء إنسانية أكثر شمولًا وإنصافًا.
“أنت اليوم تجلس في الظل؛ لأن شخصًا آخر زرع شجرة ذات يوم” – مثل إفريقي.
من الماضي إلى المستقبل: إفريقيا تتطور وتعود إلى جذورها
الماضي لا يمكن تغييره، ولكن يمكننا أن نتعلم منه، إن ما تتوقعه إفريقيا، وخاصة جيل الشباب الصاعد، هو أن تُعامَل باحترامٍ وعدلٍ.
“لا تنظر أين سقطت، بل أين انزلقت” – مثل إفريقي.
عندما يتعلق الأمر بمساهمات إفريقيا الحالية، فإن أول ما يتبادر إلى ذهن معظم الناس هو الثروة المعدنية التي تتمتع بها القارة، وهناك موضوع مشترك آخر هو إمكانات الأراضي الصالحة للزراعة، ولكن لا يقال سوى القليل جدًّا من الإيجابيات عن الأفارقة، وبدلًا من ذلك، فمثل الأسطوانة المكسورة، هناك انتقادات مستمرة: الأفارقة فاسدون، والأفارقة ليس لديهم إحساس بالدولة، والقبلية، والمهاجرون، والأفارقة ينجبون عددًا كبيرًا جدًّا من الأطفال، وأغبياء، وغير مسؤولين، وما إلى ذلك.
هذه الاتهامات التي يتم تداولها منذ ستين عامًا، يستخدمها المسؤولون والعسكريون الغربيون مُبرِّرًا لنشر وجود عسكري في إفريقيا؛ من أجل إنقاذ الأفارقة من عدم كفاءة قادتهم، وحماية الحدود الأوروبية من الهجرة “المتوحشة” وهمجية الجماعات الإرهابية من القارة الإفريقية!
قبل 400 عام، في بلدان أوروبا الغربية، كان من “الأخلاق الدينية” قتل وأَسْر وترحيل وبيع الأطفال والنساء والرجال من إفريقيا؛ لأنه كان يُعتَقد أنهم بلا روح، وبالتالي ليسوا أكثر من مجرد سلع تجارية وبعد 200 عام، ارتقى الأفارقة إلى مرتبة “المتوحشين” الذين يجب “تنويرهم” بالحضارة الأوروبية ولذلك كان من المُبرَّر الاستيلاء على موارد إفريقيا والسيطرة على سكانها.
لذا قبل مناقشة مساهمة إفريقيا في العالم الناشئ متعدد الأقطاب، من الضروري أن نفضح بعض الأساطير. فعلى الرغم من أن إفريقيا لا تزال تعاني من الفقر، إلا أن القارة تتمتع بالمرونة، ومن منظور تاريخي، فإن وتيرة التقدم الاجتماعي في إفريقيا لم يَسْبق لها مثيل.
لماذا إذن الفقر والعنف والفساد؟
لأن نقطة البداية منخفضة للغاية. على سبيل المثال، في جمهورية الكونغو الديمقراطية، بعد قرن من “التنوير” على يد بلجيكا الاستعمارية التي ذبحت الملايين من الكونغوليين من أجل الربح، لم يكن لديها أكثر من عشرة خريجين جامعيين عند الاستقلال. وفي الوقت نفسه، كانت لديها حدود إشكالية للغاية أنشأتها القوة الاستعمارية، وكان سكانها يتحدثون 242 لغة مختلفة، وينتمون إلى العديد من المجموعات العرقية المختلطة بشكلٍ مُصطَنع.
إننا لا نتغاضى عن افتراس النخبة، وعدم كفاءة القيادة التي كانت وما زالت موجودة في القارة الإفريقية، ولكن يجب على الطفل أن يتحمَّل أمراض الطفولة حتى يكبر قويًّا. وفي إفريقيا، لم تكتمل بعدُ عملية إعادة بناء الدول، ولكنها تسير في الاتجاه الصحيح، على الرغم من أن وسائل الإعلام الغربية تتعمد تصويرها على أنها قارة العنف، والتعصب “القَبَلي”، ومعدلات المواليد غير المسؤولة، والفساد الشامل.
ما الذي يمكن أن تُقدّمه إفريقيا للعالم الناشئ مُتعدّد الأقطاب؟
“المعرفة بدون حكمة كالماء في الرمل” – مثل إفريقي.
لأولئك المستعدين للاستماع وطرح الأسئلة: إن إفريقيا قادرة على أن تتقاسم مع الإنسانية الحديثة ثروة من الخبرة، التي أثبتت جدواها على مدى آلاف السنين، بما في ذلك المفاهيم الفلسفية، والأساليب الثقافية، والمعرفة المنهجية، وخطط التحكيم العامة.
وتعتمد الفلسفات الأساسية لإفريقيا على التوازن بين المجتمع والبيئة والفرد. تقليديًّا، تعتبر الطبيعة على قيد الحياة وتتطلب أرواح البحيرات والبحار والغابات الاهتمام والحذر؛ وممثلو العشيرة أو المجموعات القبلية ملزمون بحماية الطواطم الخاصة بهم (الحيوانات والأشجار والحشرات).
وتؤكد هذه المفاهيم الفلسفية على التفاعل الاجتماعي، وتوزيع الثروة، والأمن الجماعي، وقدسية الحياة بجميع أشكالها، كما ترفض المعتقدات الإفريقية الأساسية المبادئ الغربية الحديثة المتمثلة في التراكم الطائش والجشع الجامح واستغلال الناس والطبيعة.
علاوةً على ذلك، فإنهم يستبدلون البحث عن الإجماع بدكتاتورية الأغلبية “الديمقراطية”؛ حيث تفرض نسبة 50% من الأصوات +1 إرادتها على النصف الآخر من المجتمع.
إن شجرة البالافيرا، التي استخفت بها القوى الاستعمارية كثيرًا، هي في الواقع آلية اجتماعية لضمان أن الأقلية التي تختلف مع الأغلبية حول أيّ قضية لن تعارض العملية، في حين أن الأغلبية ستؤكد للأقلية أن آراءها ستُؤخَذ بعين الاعتبار.. والهدف من هذا المفهوم هو ضمان عدم وجود فائزين أو خاسرين والانتقال بسلاسة من قرارٍ إلى آخر.
كما تتمتع إفريقيا بأكبر تنوع ثقافي في العالم وثاني أكبر تجمُّع لغويّ بعد آسيا (30%، في حين أن أوروبا لديها 4%): إن العيش المتناغم معًا هو الدعامة الأساسية لمجتمعات غرب إفريقيا، ويتم الحفاظ على التسامح النشط من خلال “العلاقات المرحة” بين المجموعات العرقية، وهو ما يُسهِّله حقيقة أن الغالبية العظمى من الأفارقة يتحدثون لغتين على الأقل، وفي كثير من الأحيان ثلاث أو أربع لغات.
“القرابة المرحة” هي علاقة بين مجموعتين عرقيتين أو عشائريتين؛ حيث يُسمح لأفراد مجموعة واحدة -وفي بعض الحالات تشجيعهم- بمضايقة المجموعة الأخرى أو السخرية منها، والتي، من جانبها، لا ينبغي الإساءة إليها، وهذا يسمح، في حالة التوتر، بنزع فتيل المواقف التي قد تؤدي إلى عواقب وخيمة.
في السنغال، يُشكّل السلام أولوية اجتماعية “كل شيء ممكن في السلام”، “الرجل هو دواء الرجل” – تختلف الأمثال السنغالية بشكل حادّ عن أقوال أوروبا الغربية “فَرِّق تَسُد”، “الرجل ذئب للإنسان”.
لقد ساعدت مجموعة من المبادئ التقليدية العديد من البلدان الإفريقية في لحظات حرجة من تاريخها، مثل عملية المصالحة بعد الإبادة الجماعية في رواندا، أو بعد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وقد سمحت نفس القِيَم الأساسية لـOMVS (منظمة تنمية حوض نهر السنغال) بتطوير نموذج فريد لتقاسم موارد المياه على أساس الحاجة بدلًا من المساهمة المالية. ومن الممكن أن تكون هذه المبادئ بمثابة الأساس لنماذج اقتصادية بديلة تسمح لأغلبية العالم بالحصول على مستوى معين من الثروة مع الحفاظ على البيئة.
إنهم يمثلون بديلًا للنموذج الغربي الذي يقوم على منع الإنجاب في أغلب دول العالم من أجل السماح لـ “المليار الذهبي” بالحفاظ على امتيازاتهم وأسلوب حياتهم، على الرغم من أنهم المسؤولون الأولون عن الكوارث البيئية وعدم المساواة الاقتصادية في العالم.
“الصحة هي الثروة” – مثل إفريقي.
بعد العصور المظلمة، بدأت مجتمعات أوروبا الغربية في تغيير منهجيتها العلمية، والانتقال من النهج الشمولي إلى تجزئة الأشياء والحقائق والإجراءات التكنولوجية.
وقد حقَّقت هذه المنهجية، المطبَّقة على مختلف قطاعات اقتصاد أوروبا الغربية، نجاحًا ملموسًا، خاصةً في مجال الخدمات اللوجستية العسكرية والبحرية، مما سمح لأوروبا الغربية بالتفوق عسكريًّا على القوى الاقتصادية التقليدية في ذلك الوقت (الصين والإمبراطورية العثمانية، وغيرها)، ولذلك، على مدى عدة قرون، لفرض نظرتهم للعالم ومبادئهم الثقافية على بقية العالم.
في قطاع الصحة، أدَّى التقدم السريع والكبير (التطعيم والصرف الصحي) إلى ضمان النمو السريع لسكان أوروبا الغربية، فضلاً عن تحسين صحتهم.
ومع ذلك، ففي القرن الحادي والعشرين، وصلت الرعاية الصحية المستوحاة من أوروبا الغربية إلى حدودها القصوى بطريقتين؛ أحدها أساسي: الكل لا يكون دائمًا مجرد مجموع أجزائه. والثاني له طبيعة اجتماعية. وأصبحت الرعاية الصحية جزءًا من الصناعة المالية، وبالتالي فهي مدفوعة بشكل أساسي بالربح، وليس بأولويات صحة الإنسان.
وتُشكّل أزمة كوفيد-19 مثالًا مثاليًّا لهذا الانحراف الأخلاقي، لقد تم تطعيم السكان الغربيين بلقاحات غير مُختَبَرة بشكلٍ كافٍ، وفي بعض الحالات غير آمِنَة، ليس مرة واحدة، ولا مرتين، بل في بعض الأحيان ما يصل إلى أربع مرات، وتم الحصول على الموافقات من خلال “ممارسة الضغوط” بحجة حالة الطوارئ الاجتماعية (لو حدث هذا في إفريقيا لكان قد اعتُبِرَ فسادًا ورشوة).
وباسم الربح، تُرك سكان الجنوب العالمي (فقراء للغاية لدرجة أنهم لا يستطيعون شراء اللقاحات “الصحيحة”) ليموتوا، فقد مُنِعَ بيع اللقاحات غير الغربية، وتشوهت العلاجات البديلة مصداقيتها، ولم يتم تعليق حقوق الملكية الفكرية (ربما لأن حياة الملايين من الأغلبية العالمية لم تكن تفوق الاعتبارات المالية).
في ضوء هذه القيود، أصبح من الأهمية بمكان إعادة النظر في نموذج الرعاية الصحية للأغلبية العالمية، واستكشاف أنظمة طبية محلية بديلة.
لقد ظل دستور الأدوية الإفريقي يُنقذ حياة الأفارقة منذ آلاف السنين، ويعالج المرضى في جميع أنحاء العالم منذ القرن التاسع عشر ومنذ وصول المبشرين الأوائل المكرسين “لإنقاذ النفوس وتنوير الأفارقة”، ثم من خلال ما يسمى بالبحوث الأنثروبولوجية، جمَع المستعمرون وصناعة الأدوية الغربية معرفة السكان المحليين لتصنيع أدوية صيدلانية مماثلة، ونتيجةً لهذا فإننا نعتقد أن الطب الإفريقي، في أحسن الأحوال، عبارة عن مجموعة من وصفات الزوجات القدامى والمعتقدات المشكوك فيها.
في الوقت نفسه، يظل دستور الأدوية الإفريقي غنيًّا بمركبات علاج الالتهابات الفيروسية مثل فيروس نقص المناعة والتهاب الكبد والإيبولا وكوفيد، وغيرها الكثير، كما يحتوي أيضًا على مجموعة واسعة من علاجات البكتيريا والطفيليات والفطريات التي تم تجاهلها أو إخفاء خيارات علاجية عالية القيمة للحماية، أو لأن السوق لم يكن مربحًا بدرجة كافية، وعندما تقترن هذه المركبات الطبية ببروتوكولات السلامة وقدرات التصنيع في معظم الاقتصادات المتقدّمة في العالم، فيمكن إنتاجها بتكلفة معقولة لصالح الجميع.
وبعيدًا عن دستور الأدوية، فإن النهج الشامل الذي تتبناه إفريقيا في التعامل مع الصحة والمنهجية غير الجراحية من شأنه أن يؤدي إلى تحسين جودة الرعاية بشكل كبير. على سبيل المثال، يتم “معالجة” الاضطرابات العقلية في الطب الغربي الحديث إلى حدّ كبير كيميائيًّا، مع آثار جانبية مُنهكة في كثير من الأحيان، بينما يتم علاج المرضى في السنغال من خلال بعض العادات البدائية والتنويم (الغيبوبة العلاجية)، وكما أن تأثيرات الوخز بالإبر الصينية مُعترَف بها، ولكن لا يُفسِّرها الطب الغربي، فقد ثبت أن النشوة العلاجية السنغالية فعَّالة.
إن النظر في المفاهيم الطبية لما يسمى بمجتمعات السكان الأصليين في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى جمع الإحصاءات، سيكشف عن منهجيات فعَّالة جديدة لصالح البشرية.
توقعات إفريقيا:
“الشمس لا تنسى القرية لمجرد أنها صغيرة” – مثل إفريقي.
الماضي هو الماضي، ولا يمكن تغييره، ولكن يمكننا أن نتعلم منه، إن ما تتوقعه إفريقيا، وخاصة جيل الشباب الصاعد، هو أن تعامل باحترام وعدل، فإفريقيا لا تحتاج إلى الصدقات والتعاليم، لقد تحركت وتتقدَّم للأمام، وترتكب الأخطاء، ولكنها تتقدَّم بثبات “الطفل يتعلم من الأخطاء، ويصبح أقوى بعد المرض”.
كما تحتضن إفريقيا التنوُّع من خلال العودة إلى جذورها، إنه مفتوح لأولئك الذين هم على استعداد لاحترام قيمها والتعاون بإخلاص، لقد تم استبعاد قارتنا منذ فترة طويلة، ولكن النموذج تغيَّر الآن.
“إذا كنت تعتقد أنك أصغر من أن تُحْدِث فرقًا، فحَاوِل تجاهل البعوض في الليل”- مثل إفريقي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط الجزء الأول: https://ru.valdaiclub.com/a/highlights/mnogopolyarnyy-mir-afrika-vklad-i-ozhidaniya
رابط الجزء الثاني: https://ru.valdaiclub.com/a/highlights/iz-proshlogo-v-budushchee-afrika/?sphrase_id=754538