نِهاد محمود
باحثة دكتوراه بكليّة الدراسات الإفريقيّة العُليا- جامعة القاهرة
على مدى ما يقارب عقدًا من الزمن منذ أن أطلق الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) International Telecommunication Union المؤشِّر العالمي للأمن السيبراني (GCI) Global Cybersecurity Index لأول مرة في عام 2015م؛ تصاعد الزخم حول مفهوم الأمن السيبراني، والمؤشر العالمي المَعنيّ بقياسه، والذي سعى إلى قياس الالتزامات التي قطعتها 193 دولة –وهي عدد الدول الأعضاء في الاتحاد بالإضافة إلى دولة فلسطين- في مجال الأمن السيبراني؛ لمساعدتهم في تحديد المجالات الأشد احتياجًا للتطوير في هذا السياق، وتشجيع البلدان على اتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك؛ من خلال إذكاء الوعي بحالة الأمن السيبراني.
وعلى مدار هذا الوقت أصبح حوالي 2.5 مليار شخص لديهم إمكانية الوصول إلى الإنترنت. كما شهدت السنوات العشر الماضية تطورًا كبيرًا في مشهد الأمن السيبراني، مدفوعًا جزئيًّا بظهور تقنيات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence (AI)، وتقنية سلسلة الكتل “البلوك تشين” Block chain([1])، وقدرات الحوسبة الكمومية Quantum Computing.([2])
وفي ظل كل هذا كان هناك ثابت واحد، ألا وهو أهمية ودور العنصر البشري، وعليه تُعدّ جهود الأمن السيبراني والاستخدام المسؤول للتكنولوجيا الرقمية من قِبَل الأفراد أمرًا بالغ الأهمية، وخصوصًا في تشكيل مستقبل هذا المجال، والعمل نحو الاستخدام الهادف له في جميع أرجاء العالم. ومع تطور مخاطر الأمن السيبراني، يحاول المؤشر العالمي للأمن السيبراني تطوير وتكييف بياناته لإعطاء لمحة أكثر دقة عن تدابير الأمن السيبراني التي تتخذها البُلدان الـ194 التي يشملها المؤشِّر.
ومع تزايد الحاجة إلى فضاء سيبراني آمِن عن ذي قبل، خاصةً مع الاعتماد بشكل متزايد على تقنيات الحياة الرقمية تبرز أهمية مؤشر الأمن السيبراني العالمي -أو كما يُعرَف بالرقم القياسي العالمي للأمن السيبراني-، والذي نسعى في هذا المقال إلى قراءة النسخة الأحدث منه، الصادرة في عام 2024م– Global Cybersecurity Index 2024؛ من خلال مبادرة الاتحاد الدولي الاتصالات التابع للأمم المتحدة International Telecommunication Union، سواء فيما يتعلق بالقراءة العالميّة لدول العالم أو بالتركيز على حالة بُلدان إفريقيا جنوب الصحراء بالمؤشِّر الذي يحاول تقييم الجهود الوطنية بالتزامات الدول بالأمن السيبراني والتأثيرات الناتجة عن ذلك، وهو ما يُسهِم في تعزيز مكانة الدول في هذه الجهود، بالاستفادة مما وَرد في المؤشر بجميع ركائزه الخمسة (القانونيّة- التقنيّة- التنظيميّة- تنمية القدرات- التعاون).
واستنادًا لما تقدَّم سيتم تقسيم أفكار المقال (المَعني بدراسة الأمن السيبراني ومؤشِّره) وفقًا للمحاور التالية:
- المحور الأول: الأمن السيبراني: المفهوم والأهميّة.
- المحور الثاني: المؤشِّر العالمي للأمن السيبراني 2024م: التأسيس والمنهجيّة الحسابيّة والركائز الرئيسية.
- المحور الثالث: المؤشِّر العالمي للأمن السيبراني 2024م: قراءة عالميّة.
- المحور الرابع: حالة بُلدان إفريقيا جنوب الصحراء في المؤشِّر العالمي للأمن السيبراني لعام 2024م.
- خُلاصات واستنتاجات.
المحور الأول: الأمن السيبراني: المفهوم والأهميّة
في هذا الإطار يناقش المحور الأول ماهيّة الأمن السيبراني (المدلول)، ولماذا تصاعد الاهتمام بهذا المفهوم خلال الآونة الأخيرة، إلى حد إصدار مؤشِّر عالمي (دوري) يدور بشكل أساسي حول المفهوم، وما يتصل به من تعقيدات، والآليات الملائمة لتعزيز الجهود في كافة المجالات ذات الصلة بالأمن السيبراني، وذلك كما يلي:
أولًا: المفهوم
يُشار إلى الأمن السيبراني بوصفه آليات ووسائل حماية الشبكات والأجهزة والبيانات من الوصول غير المُصَرَّح به، أو الاستخدام الإجرامي، وضمان السرية والسلامة لهذه البيانات والمعلومات. وعليه تتمثل الوظيفة الأساسية للأمن السيبراني في حماية الأجهزة التي نستخدمها جميعًا (الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والأجهزة اللوحية وأجهزة الكمبيوتر)، والخدمات التي نصل إليها -سواء عبر الإنترنت أو في العمل- من السرقة أو التلف.([1])
ثانيًا: الأهميّة
يجد المتتبع للوضع الراهن وما تشهده القوى الكبرى وغيرها من هجمات سيبرانية تُحَقق أضرارًا بالغة لمصالحهم على عدة أصعدة (سياسية، اقتصادية، إنسانية، … إلخ) أنه ليس من المستغرَب تصاعد الحديث عن أهمية الأمن السيبراني، خصوصًا خلال العقد الأخير، لا سيّما بالنظر إلى أن الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر والإنترنت أصبحت جزءًا أساسيًّا من نمط الحياة الحاليّة، لدرجة أنه بات من الصعب تخيُّل كيف يمكن العمل أو العيش من دونها. فكل شيء الآن أصبح يعتمد على أجهزة الكمبيوتر والإنترنت والاتصالات (مثل البريد الإلكتروني، والهواتف الذكية، والأجهزة اللوحية)، والترفيه (كألعاب الفيديو التفاعلية، ووسائل التواصل الاجتماعي، والتطبيقات)، والنقل (مثل أنظمة الملاحة)، والتسوق (كالتسوق عبر الإنترنت وبطاقات الائتمان)، والطب (مثل المعدات الطبية والسجلات الطبية)، والقائمة تطول. لذا أصبح من المهم أكثر من أيّ وقت مضى اتخاذ خطوات لمنع مجرمي الإنترنت من الاستيلاء على حساباتنا وبياناتنا وأجهزتنا (كأفراد وجماعات، ودول، وفاعلين من دون الدولة، وهيئات ومنظمات حكومية وغير حكومية، وغيرهم).([2])
المحور الثاني: المؤشِّر العالمي للأمن السيبراني 2024م: التأسيس والمنهجيّة الحسابيّة والركائز الرئيسية
نستعرض هنا أبرز ما يتعلق بالمؤشِّر العالمي للأمن السيبراني الذي صدر لأول مرة في عام 2015م، والمنهجيّة الحسابيّة التي يقوم عليها، كما نعرج إلى نطاق الأقاليم والمناطق التي يغطيها، والأهداف التي يسعى لتحقيقها، إضافة إلى الركائز (التدابير) الأساسية التي يقوم عليها في قياس الأمن السيبراني، وغيرها من الجوانب المتعلقة بالمؤشر العالمي، بما يُمَكِّن من وضع أساس جيد نستطيع من خلاله فَهم المؤشر ومنهجيته، ومِن ثَمَّ نتائجه ومُخرجاته.
أولًا: التأسيس
صدرت النسخة الأولى من المؤشِّر العالمي للأمن السيبراني -كما ذكرنا أعلاه- في عام 2015م، ثم تم إصدار 4 نسخ أخرى، في أعوام: 2017، 2019، 2021م، وصولًا لنسخته الأحدث الصادرة عام 2024م، التي تتميز بمشاركة قياسية من قِبَل البلدان على مستوى العالم (194 دولة)، ويعتبر هذا الإصدار (الخامس منذ إطلاق المؤشر) وفقًا لما ذكره واضعوه “الأكثر دقة حتى الآن”، بين كافة الإصدارات السابقة.
ونقول: إنه الأكثر دقة؛ لأن في نسخة هذا العام تم الحصول على تعاون وثيق بين 172 دولة والقائمين على المؤشر، وهو الرقم الأعلى على الإطلاق مقارنةً بالنُّسَخ السابقة؛ حيث تعاون المؤشر في إصدار عام 2015م مع 105 دُوَل، وفي 2017م تم التعاون مع 136 دولة، بينما في نسخة عام 2019م تعاون واضعو المؤشر مع 155 دولة، أما في إصدار عام 2021م فكان عدد الدول المُتعاونة 169 دولة، بما يعني أن إصدار عام 2024م هو الأكثر تعاونًا وإسهامًا من دول المؤشِّر مع القائمين عليه. كما أنه قد تم التحقق من دقة كل إسهام قدَّمته البلدان المُشارِكة للقائمين على المؤشر (من حيث أبرز ما أبرمته من تشريعات، وما حققته بشكل عام من تطورات ذات صلة بالأمن السيبراني). ونتيجة لهذا، يُمكِن لمُستخدمي المؤشِّر أن يشعروا بالثقة في جودته وإمكانية تطبيقه والاستفادة منه. حتى إن الدول الأعضاء بالمؤشر تدمج المقاييس القائمة على مؤشر الأمن السيبراني العالمي في خططها وأنشطتها الوطنية.
جدول رقم (1)
عدد البُلدان التي وفّرت وسيلة اتصال لواضعي مؤشر الأمن السيبراني (للرد على الاستبيان والتساؤلات ذات الصلة بالمؤشر) والسنوات المُستهدَفة لجمع البيانات، منذ أول إصدار للمؤشِّر وإلى الآن (2015-2024م)
الجدول من تصميم الباحثة استنادًا للمؤشِّر العالمي للأمن السيبراني بنسخته الإنجليزيّة لعام 2024م، ص129.
ثانيًا: المنهجيّة الحسابيّة
يركز الإصدار الخامس للمؤشر على استبيان الرقم القياسي العالمي للأمن السيبراني (GCI) والذي يشمل خمسة مجالات رئيسية؛ تتضمن: التدابير القانونية والتقنية والتنظيمية، وتدابير تنمية القدرات، والتدابير التعاونية، وهي تشمل ما مجموعه 20 مؤشرًا رئيسيًّا، مع 64 مؤشرًا فرعيًّا و28 مؤشرًا دون فرعي، استنادًا إلى 83 سؤالًا. وتهدف الأسئلة إلى تحقيق التوازن بين الجزئيات ذات المغزى في التزامات الأمن السيبراني، إضافةً لمنظور أكثر عموميَّة. هذا ويتم اختيار المؤشرات على أساس ما يلي من اعتبارات:
- صلتها بركائز البرنامج العالمي للأمن السيبراني الخمسة (القانونية والتقنية وغيرها) سالفة البيان.
- صلتها بمجال تطبيق الرقم القياسي العالمي للأمن السيبراني وإطاره المفاهيمي.
- قدرة الدول الأعضاء على الإجابة عن الأسئلة بدقة.
- إمكانية التحقق من المؤشرات عبر البيانات الثانوية المُقدّمة للاتحاد الدولي للاتصالات.
وبشكل عام يُصاغ الرقم القياسي العالمي للأمن السيبراني (GCI) استنادًا إلى البيانات المُقَدَّمة من أعضاء الاتحاد الدولي للاتصالات، بما في ذلك الأفراد المهتمون بالأمن السيبراني والخبراء وأصحاب المصلحة في هذه الصناعة؛ بوصفهم شركاء مساهمين.
واستكمالًا للحديث عن الرقم القياسي العالمي للأمن السيبراني فهو مؤشر مُرَكَّب من المؤشرات الأساسية والفرعية ودون الفرعية -كما أوضحنا أعلاه-، ويقيس ما يلي:
- نوع ومستوى ومدى التقدُّم المُحرَز في أنشطة الأمن السيبراني داخل البلدان مقارنةً مع البلدان الأخرى.
- التقدم المُحقَّق في التزام البلدان بالأمن السيبراني من منظور عالمي.
- التقدم المُحرَز في أنشطة الأمن السيبراني من منظور إقليمي.
- فجوة الأمن السيبراني (أي: الفرق بين البلدان والمناطق من حيث مستوى مشاركتها في مبادرات واتفاقيات الأمن السيبراني).
- وتمثل هذه التدابير مُجتَمعةً مستوى التزامات البلد في مجال الأمن السيبراني.
ثالثًا: النطاق والأهداف
يُقَسِّم المؤشر العالم وفقًا لـ6 مناطق رئيسية؛ وهي: (إفريقيا- الأمريكيتان- الدول العربية- آسيا والمحيط الهادئ- منطقة كومنولث الدول المستقلة- أوروبا)، علمًا بأن كل منطقة يتم تقسيم دولها إلى 5 فئات على أساس مدى التزامها بجهود الأمن السيبراني في الركائز الخمس للمؤشر مُجتَمِعَةً (القانونية والتقنية والتنظيمية وتنمية القدرات والتعاون)؛ حيث يبدأ التصنيف الأول بالدول النموذجية “الرائدة” في الالتزام بالأمن السيبراني، ثم ينتقل للتصنيف الثاني؛ حيث الدول المتقدمة في خطوات الالتزام بالأمن السيبراني، أما التصنيف الثالث فيركز على “الدول في مرحلة التأسيس”، ويشمل التصنيف الرابع الدول في مرحلة التطور، أما التصنيف الخامس فيجمع الدول التي تبدأ خطواتها الأولى في بناء الالتزام بالأمن السيبراني (كما سيوضح الجدول التالي).
جدول رقم (2)
تصنيف المؤشِّر العالمي للأمن السيبراني لبلدان العالم وفقًا لخمسة فئات من الأعلى التزامًا بالأمن السيبراني (دول قائدة) وصولًا للأقل التزامًا (دول في مرحلة البناء)
علمًا بأن التقدير من (صفر – 100) يُمَثِّل إجمالي درجات الدولة في الركائز الخمس لمؤشر الأمن السيبراني العالمي (مُجتَمِعَة)؛ حيث يُقَدَّر الحد الأقصى لكل ركيزة بـ20 درجة، وعليه يكون إجمالي الخمس ركائز معًا 100 درجة، بناءً عليها يُحَدد موقع الدولة بالمؤشر بإحدى فئات المؤشر الخمسة.
الجدول من تصميم الباحثة استنادًا لمؤشر الأمن السيبراني العالمي في نسخته الإنجليزيّة لعام 2024م.
وعليه تتخذ هذه الدول (الأقل خبرة) الدول الرائدة نموذجًا لها من أجل الالتزام بجهود الأمن السيبراني للوصول لنتائج أكثر تقدُّمًا. وبتعبير آخر توفّر هذه التصنيفات “الفئات” المساعدة للبلدان التي تقع في التصنيفات المتأخرة لفَهم التحديات الموجودة لديها وبناءً عليه تحدد نماذجها التي ستحتذي بها لتطوير أدائها في الإطار المَعني بالتزامات الأمن السيبراني.
أما على صعيد الأهداف، فيسعى المؤشر العالمي إلى تعزيز ثقافة عالمية للالتزام الأمن السيبراني، كما يهدف الرقم القياسي العالمي للأمن السيبراني إلى مساعدة البُلدان في تحديد مجالات القوة النسبية في إدارة الأمن السيبراني والجريمة السيبرانية لديها، بالإضافة إلى تحديد مجالات التحسين، وتشجيعها على اتخاذ تدابير استباقية نحو مزيد من التطوير والابتكار في تلك المجالات.
رابعًا: الركائز والدعائم الرئيسيّة
فيما يخص الركائز الخمس الرئيسية (مجالات التركيز) للمؤشِّر العالمي للأمن السيبراني؛ يعتمد المؤشر في تقييم مستوى الأمن السيبراني في البلدان التي يتم التركيز عليها (194 دولة) على خمسة مقاييس (تدابير) رئيسية، وهم:
1- التدابير القانونية: تدابير قائمة على وجود أُطُر قانونية تتناول الأمن السيبراني والجريمة السيبرانية. وتأذن هذه التدابير القانونية بإنشاء آليات استجابة لتجريم الأفعال التي تنتهك الأمن السيبراني، والتحقيق في الجرائم ذات الصلة ومقاضاة مرتكبيها، وإنشاء أُطُر مؤسسية لإدارة الأمن السيبراني وتنظيمه. علمًا بأن الهدف الأساسي هو وضع تشريعات كافية لمواءمة الممارسات ذات الصلة بالأمن السيبراني على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، وتعزيز أنظمة الأمن السيبراني، وتبسيط الأطر الدولية لمكافحة الجريمة السيبرانية.
2- التدابير التقنيّة: وتسعى لقياس مدى تنفيذ القدرات التقنية من خلال الوكالات الوطنية والقطاعية داخل الدولة. ونشير هنا إلى أنه لا يمكن أن يزدهر تطوير واستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بكفاءة إلا في بيئة من الثقة والأمن. ولذلك تحتاج الدول إلى امتلاك القدرات التقنية لتكون قادرة على تحديد المخاطر والتهديدات السيبرانية وكشفها وحمايتها والاستجابة إزائها على نحوٍ فعَّال، بما في ذلك من القدرة على التعافي من مثل أيّ هجمات سيبرانية مُحتملة، فضلًا عن تعزيز تبادل المعلومات وتقييم وتنفيذ الممارسات الجيدة للأمن السيبراني وتدابير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الآمنة.
3- التدابير التنظيميّة: تشمل هذه التدابير تحديد أهداف الأمن السيبراني والخطط الإستراتيجية، فضلًا عن التحديد الرسمي للأدوار والمسؤوليات المؤسسيّة لضمان تنفيذ الأهداف وتحقيقها. ويؤكد المؤشر أنه لا غنى عن هذه التدابير لتأسيس وضع فعَّال للأمن السيبراني. ويتعيَّن على الدولة أن تحدد أهدافًا إستراتيجية طويلة المدى، إلى جانب خطة شاملة للتنفيذ وكذلك قياس ما تم تنفيذه. ويجب أن تكون الوكالات الوطنية حاضرة لتنفيذ الإستراتيجية وتقييم النتائج. وبدون إستراتيجية وطنية أو نموذج حوكمة أو هيئة إشرافية، ستصبح الجهود المبذولة في مختلف القطاعات متضاربة، ما قد يقوِّض من الجهود المبذولة للحصول على تنسيق فعّال في تطوير الأمن السيبراني.
4- تدابير تنمية القدرات: وتشمل إطلاق حملات لإذكاء الوعي العام بالأمن السيبراني، واعتماد المهنيين (الكوادر المُدرَّبة) في مجال الأمن السيبراني، وكذلك إطلاق دورات للتدريب المهني في مجال الأمن السيبراني، والبرامج التعليمية أو المناهج الأكاديمية، والتي تصدر جميعها شهادات موثقة لما وصل إليه لهؤلاء المتدربين، وما إلى ذلك من حملات لزيادة الوعي بالأمن السيبراني. ونشير هنا إلى أن هذه الركيزة (تنمية القدرات) تُعدّ جزءًا لا يتجزأ من الركائز الثلاث (القانونية والتقنية والتنظيمية)؛ حيث إنه من الخطأ التعامل مع الأمن السيبراني من منظور تكنولوجي فقط، خاصةً مع وجود العديد من التكاليف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المترتبة على جرائمه. وعليه فإن تنمية القدرات البشرية والمؤسسيّة تُعدّ أمرًا أساسيًّا لزيادة الوعي والمعرفة والدراية الفنية عبر القطاعات ذات الصلة؛ من أجل إيجاد حلول منهجية ومناسبة لتطوير أداء المهنيين المؤهلين.
5- التدابير التعاونيّة: تهدف لقياس الشراكات بين الوكالات والشركات والبلدان. نظرًا للمستوى غير المسبوق من الترابط بين الدول، ويُعدّ الأمن السيبراني مسؤولية مشتركة وتحديًا عابرًا للحدود الوطنية. وبناءً عليه يؤدي تضافر جهود التعاون (الوطنية والإقليمية والدولية، الحكومية وغير الحكومية) إلى تطوير قدرات أقوى بكثير في مجال الأمن السيبراني، مما يساعد على التخفيف من المخاطر السيبرانية ورفع إمكانية التحقق من المحفزات التي تقف وراءها، بما يؤدي لتعزيز القدرة لإيجاد الآليات الأكثر ملاءمة للتعامل مع مثل هذه المخاطر.
شكل رقم (1)
الركائز الخمس لمؤشِّر الأمن السيبراني العالمي 2024م
المصدر: مؤشر الأمن السيبراني العالمي لعام 2024م، ص1.
خامسًا: قيود أمام المؤشِّر العالمي
من جهة أخرى بخصوص القيود التي واجهت المؤشر فقد تمثَّلت بشكلٍ أساسي في رفض بعض الدول توفير جهة اتصال تُمَكِّن واضعي المؤشر من الوصول للبيانات والمعلومات اللازمة لهم، أو عدم ردهم من الأساس على الاستفسارات والاستبيان الخاص بالمؤشِّر. لكن نشير إلى أنه في حال لم يتلقَّ القائمون على المؤشر ردًّا من دولة ما، فإنه يتم اللجوء إلى إحدى الجهات المؤسسية داخل الدولة، المسجلة لدى دليل الاتحاد الدولي للاتصالات، كما أن هذا القيد يقل شيئًا فشيئًا مع تزايد البلدان التي تُوَفِّر بالفعل قنوات اتصال مع المؤشر، وهو ما يتضح بتصاعد عدد البلدان من 105 دول في إصدار عام 2015م، إلى 172 دولة (من أصل 194) خلال نسخة عام 2024م، قدّموا المساعدة لواضعي المؤشر، كما ذكرنا بالجدول السابق. [جدول رقم (1)- عدد البُلدان التي وفّرت وسيلة للاتصال مع واضعي مؤشر الأمن السيبراني وسنوات جمع البيانات (2015-2024م)].
المحور الثالث: المؤشِّر العالمي للأمن السيبراني 2024م.. قراءة عالميّة
نحاول في هذا الإطار عرض أبرز النتائج والملاحظات من خلال التصنيفات التي وردت حول جهود الأمن السيبراني وفقًا للمناطق الستة التي يغطيها المؤشر العالمي وهم: (إفريقيا- الأمريكيّتان- الدول العربية- آسيا والمحيط الهادئ- منطقة كومنولث الدول المستقلة- أوروبا)، وأبرز ما حققوه من نتائج، وبخاصة على صعيد المقاييس القانونية؛ لكونها النتائج الأبرز والأفضل داخل المؤشر بين معظم بُلدان العالم التي شملها المؤشر.
أولًا: موقع (المناطق الستة) وفقًا للفئات الخمسة المُصَنِّفَة لالتزام الدول بالأمن السيبراني
في البداية صنَّف المؤشر العالمي للأمن السيبراني جهود مكافحة الجريمة السيبرانية والالتزام بالأمن السيبراني في دول العالم (الست مناطق كما ذكرنا أعلاه) وفقًا لـ6 مستويات (تصنيفات)، من الأعلى أو الأكثر التزامًا بالأمن السيبراني، وصولًا للدول الأقل في مرحلة بناء الأمن السيبراني، وذلك على حسب مجموع ما تحصَّلت عليه الدولة من إجمالي مقاييس المؤشر الـ5 (القانونية والتقنية والتنظيمية وبناء القدرات والتعاون)؛ حيث يجمع التصنيف الأول الدول التي وقع إجمالي تقديرها في مقاييس الأمن السيبراني الخمسة بين 95-100 درجة، فيما يجمع المستوى الثاني الدول التي حصلت على درجات من 85-95 درجة، ويجمع التصنيف الثالث تقديرات من 55-85 درجة، بينما يشمل التصنيف الرابع تقديرات من 20- 55 درجة، وفي التصنيف الأخير يجمع البلدان التي تحصَّلت على تقدير من صفر -20 درجة. وهو ما ذكرناه أعلاه بالفعل في المحور الثاني من المقال، لكن نتطرق الآن إلى موقع المناطق الست وفقًا للتصنيفات الخمسة، كما سيوضح الشكل التالي:
شكل رقم (2)
تصنيف أداء الدول فيما يتعلق بجهود الالتزام بالأمن السيبراني وفقًا للمنطقة والفئات الخمس (دول قائد أو نموذج، دول في مرحلة التقدّم، دول في مرحلة التأسيس، دول في مرحلة التطور، دول في مرحلة البناء)، وعدد الدول التي وقعت في كل فئة من الفئات الخمس
(يشير حرف T إلى الفئة، بمعنى أن T1 يعني الفئة الأولى، وهكذا لكل الفئات الخمس)
المصدر: مؤشر الأمن السيبراني العالمي في نسخته الإنجليزيّة لعام 2024م، ص5.
ثانيًا: تصنيف بُلدان العالم في ضوء الالتزام بالأمن السيبراني وفقًا للفئات الخمس
وبخصوص موقع كل دولة من دول العالم (بعيدًا عن تصنيف المناطق الست) وفقًا إلى الفئات الخمس (سواء كانت دولة رائدة في الالتزام بالأمن السيبراني أو في مرحلة التقدّم أو التأسيس أو التطور أو البناء)، وذلك على مستوى العالم، وهذا ما يوضحه الجدول التالي:
جدول رقم (3)
تصنيف بُلدان العالم بين الفئات الخمس وفقًا لمستوى الأمن السيبراني الذي تتمتع به الدولة، والذي يبدأ من الفئة الأولى “الدول النموذج”، مرورًا بالفئة الثانية “دول في مرحلة التقدّم”، والفئة الثالثة “دول في مرحلة التأسيس”، والفئة الرابعة “دول في مرحلة التطور”، وصولًا للفئة الخامسة “الدول في مرحلة البناء”، وهو التصنيف الأقل بين التصنيفات الخمسة
علمًا بأن تقدير الدولة من (صفر-100 درجة)، يشير إلى ما تحصَّلت عليه الدولة من مجموع التدابير الخمسة للمؤشر معًا (القانونية والتقنية والتنظيمية وتنمية القدرات والتعاون).
الجدول من تصميم الباحثة استنادًا للتصنيفات المُدرَجة بمؤشر الأمن السيبراني العالمي في نسخته الإنجليزيّة لعام 2024م، ص ص 24-25.
استنادًا إلى الجدول والشكل السابقين أعلاه يمكن الإشارة إلى ما يلي:
لدى كل منطقة تقريبًا بلدان يشهد أداؤها ارتفاعًا في جهود الالتزام بالأمن السيبراني وأخرى منخفضة الأداء. وقد وضعت هذه النسخة من المؤشر 46 دولة في المستوى الأول (T1)، وهو أعلى مستوى بين الفئات الخمس. من جهة أخرى يأتي جزء كبير من الحركة إلى T1 من بلدان في أوروبا وآسيا والمحيط الهادئ والدول العربية وإفريقيا. وقد حققت هذه البلدان بالفعل تطورات كبيرة عبر الركائز الخمس للمؤشر العالمي للأمن السيبراني، لا سيما مع ما تم ملاحظته خلال هذا الإصدار الأخير.
يبين الجدول وقوع 29 دولة في التصنيف الثاني و14 دولة في التصنيف الأخير (الخامس)، بينما تم وضع معظم البلدان (105 دول) في تصنيفَي T3 وT4، حيث وقعت 49 دولة في التصنيف الثالث، فيما وقعت 56 دولة في التصنيف الرابع. وهو ما يمثل العديد من البلدان التي تعمل على توسيع الخدمات الرقمية وزيادة أعداد الأفراد الذين يمكنهم الوصول الإنترنت، لكن لا يزال أمام هذه الدول الكثير من العمل الذي يتعين القيام به، خاصةً أن العديد منهم يعاني من فجوة كبيرة في القدرات السيبرانية؛ فبالرغم من أنها تتطلع إلى تعزيز أمنها السيبراني؛ إلا أنها تُواجه قيودًا فيما يتعلق بقلة الموارد والإمكانات اللازمة من حيث التوظيف للكوادر الماهرة والوصول إلى المعدات المطلوبة والتمويل المستدام.
وعند مقارنة درجات الرقم القياسي العالمي للأمن السيبراني بالتطور العام لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT)، تجدر الإشارة إلى أن الدرجات لا تتماشى بالضرورة مع الرقم القياسي لتنمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (IDI) الصادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات. بمعنى أن هناك العديد من البلدان النشطة في مجال الأمن السيبراني، ولكن لا يزال لديها مستوى أقل من تطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ما يدل على أنها في وضع جيد لإنشاء فضاء سيبراني آمِن وجدير بالثقة عندما يتصل الأفراد بالإنترنت، لكن لا يسير تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لديها بالوتيرة ذاتها. على العكس من ذلك، فهناك بُلدان ربما تكون قد أعطت الأولوية للتطوير الأوَّلي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات على جهود الأمن السيبراني؛ لأنها تواجه موارد محدودة، إلا أنها تخاطر بفضاء سيبراني أقل أمانًا وأقل مرونة للأشخاص الذين يستخدمون الإنترنت بالفعل.
ثالثًا: الأمن السيبراني وفقًا للتدابير القانونية
من جهة أخرى، وفيما يتعلق بما حققته الدول وفقًا لمقاييس المؤشر الـ5، فنشير هنا إلى ما تم إنجازه في المقاييس القانونية أولًا؛ وذلك لأن أغلب دول العالم قد حققت نتائج وتطورات إيجابية للغاية (وهو ما يوضحه الشكل التالي)، لكن نُذَكِّر فقط -كما ذكرنا أعلاه- بأن المقاييس أو التدابير القانونية تعني وجود أطر قانونية ذات صلة بالأمن السيبراني ومكافحة الجرائم السيبرانية، وإنشاء آليات استجابة لتجريم الأفعال التي تنتهك الأمن السيبراني، والتحقيق في الجرائم ذات الصلة ومقاضاة مرتكبيها، وإنشاء أُطُر مؤسسية لإدارة الأمن السيبراني وتنظيمه.
شكل رقم (3)
تقدير المناطق الستة للعالم (منطقة كومنولث الدول المستقلة، الأمريكيتان، إفريقيا، الدول العربية، أوروبا، آسيا والمحيط الهادئ) بالمؤشر العالمي للأمن السيبراني وفقًا للتدابير القانونية
علمًا بأن كل دائرة ملونة تشير إلى دولة حققت نتائج في التدابير القانونية (من صفر إلى 20 درجة كحد أقصى)، كما أنه كلما ارتفع تقدير الدولة دلَّ ذلك على نتائجها الإيجابية المُحرَزة في الجوانب القانونية المتعلقة بمكافحة الجريمة السيبرانية وتحقيق الأمن السيبراني؛ كمواءمة قوانينها الوطنية مع الاتفاقيات والقوانين الدولية ذات الصلة بالأمن السيبراني.
المصدر: المؤشر العالمي للأمن السيبراني في نسخته الإنجليزيّة لعام 2024م، ص 6.
رابعًا: الأمن السيبراني وفقًا للتدابير التقنيّة
في إطار الحديث عن التدابير التقنية يذكر المؤشر العالمي أنه إلى جانب التدابير القانونية، تلعب التكنولوجيا دورًا محوريًّا كخط دفاع ضد الجهات الفاعلة المتسببة بهجمات ضارة عبر الإنترنت، وعليه تتطلب آليات الأمن السيبراني القوية مزيجًا من الأفراد الأكفاء والعمليات والإجراءات الموثقة جيدًا وكذلك القدرات التكنولوجية. بما يعمل على إعداد البلدان وتمكينها من منع جرائم الأمن السيبراني وحمايتها والاستجابة لها بفعالية.
واستكمالًا لمناقشة الجوانب التقنية بالمؤشر يوضح الشكل التالي ما تحصّلت عليه دول كل منطقة من المناطق الستة التي يُقَسمها المؤشر إلى (منطقة كومنولث الدول المستقلة، الأمريكيّتين، إفريقيا، الدول العربية، أوروبا، آسيا والمحيط الهادئ) وفقًا لهذه الجوانب (التقنية)، بتقدير يتراوح بين صفر إلى 20 درجة كحد أقصى على الالتزام بالمعايير التقنيّة التي تقع ضمن مرتكزات المؤشر العالمي.
شكل رقم (4)
تقدير المناطق الستة للعالم (وهي: منطقة كومنولث الدول المستقلة، الأمريكيتان، إفريقيا، الدول العربية، أوروبا، آسيا والمحيط الهادئ) بمؤشر الأمن السيبراني العالمي 2024م وفقًا للتدابير التقنيّة
علمًا بأن كل دائرة تمثل دولة من دول كل منطقة، ويبين الشكل تقدير ما تحصّلت عليه كل دولة وفقًا للتدابير التقنية (من صفر – 20 درجة كحد أقصى دالّ على الالتزام بجهود الأمن السيبراني في النواحي التقنية).
المصدر: المؤشر العالمي للأمن السيبراني في نسخته الإنجليزيّة لعام 2024م، ص8.
خامسًا: الأمن السيبراني وفقًا لتدابير تنمية القُدرَات
في هذا الإطار المعني بتنمية القدرات يمثل خلق ثقافة بشأن الأمن السيبراني تحديًا مستمرًّا لجميع البلدان، لكن رغم ذلك وفقًا لما ذكره المؤشر، يجري إعداد أو دعم حملات للتوعية في هذا الشأن، والتي تسعى إلى رفع الوعي بين مُستخدمي الإنترنت بشأن الوعي بمخاطر الأمن السيبراني. وفي هذا الإطار يشير الإصدار الحالي لعام 2024م من المؤشر إلى تصاعد عدد الدول التي لديها حملات توعية سيبرانية موجَّهة تتجاوز عامة السكان على مستوى العالم؛ حيث وصل عددهم إلى 152 دولة على مستوى العالم (من أصل 194 دولة يشملها المؤشر)، كما سيوضح الشكل التالي.
شكل رقم (5)
أعداد الدول التي لديها حملات إلكترونية للتوعية السيبرانية تستهدف مجموعات تتجاوز عامة السكان على مستوى العالم
المصدر: المؤشر العالمي للأمن السيبراني في نسخته الإنجليزية لعام 2024م، ص 18.
سادسًا: الأمن السيبراني وفقًا للتدابير التعاونية (التوقيع على الاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف)
فيما يتعلق بمدى مُشاركة دول العالم باتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف ذات صلة بالأمن السيبراني من حيث تنمية القدرات أو تداول المعلومات الخاصة بالأمن السيبراني، فيوضحها الشكل التالي:
شكل رقم (6)
النسبة المئوية للمناطق الستة وفقًا لمشاركتها في أي اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف حول تنمية القدرات أو تبادل المعلومات
المصدر: المؤشر العالمي للأمن السيبراني في نسخته الإنجليزيّة لعام 2024م، ص21.
ومن الشكل المُبَيَّن أعلاه يمكن الإشارة إلى ما يلي:
- على الصعيد الأوروبي وفيما يتعلق بنسبة الدول بهذه المنطقة التي تُشَكِّل جزءًا من أيّ اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف؛ فقد حصلت على نسبة 98% للدول المُشَارِكة في اتفاقيات تنمية القدرات على وجه التحديد، وكذلك النسبة نفسها (98%) لاتفاقيات تبادل المعلومات، ذات الصلة بالأمن السيبراني.
- أما منطقة كومنولث الدول المستقلة فقد حصلت على 100% لنسبة دوَلها المُشارِكة في اتفاقيات تنمية القدرات، و89% في نسبة دوَلها المُشارِكة باتفاقيات تبادل المعلومات.
- وعلى صعيد منطقة آسيا والمحيط الهادئ فقد حصلت على نسب 84% و87% في اتفاقيات تنمية القدرات وتبادل المعلومات على الترتيب.
- بينما حصلت الدول العربية على 77% في كلٍّ من المُشاركة في اتفاقيات تنمية القدرات وتبادل المعلومات.
- وفيما يخص الأمريكيتيّن فقد وصلت نسبة دولها المُشارِكة في اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف إلى 91% فيما يتعلق باتفاقيات تنمية القدرات، و94% في اتفاقيات تبادل المعلومات.
- وبالانتقال إلى إفريقيا؛ فقد قُدِّرَت نسبة دوَلها التي شاركت باتفاقيات تنمية القدرات بـ95%، فيما وصلت نسبة التوقيع على اتفاقيات تبادل المعلومات إلى 93%.
- وفي الأخير نشير إلى أن جميع الاتفاقيات للمناطق الست ذات صلة بالأمن السيبراني، كما أنها تشمل الاتفاقيات الثنائية أو متعددة الأطراف.
المحور الرابع: حالة بُلدان إفريقيا جنوب الصحراء في المؤشِّر العالمي للأمن السيبراني لعام 2024م
نتطرق في هذا الإطار إلى شقَّيْن أساسيّين تناولهما المؤشر على صعيد إفريقيا جنوب الصحراء؛ أولهما: موقع إفريقيا جنوب الصحراء وفقًا لفئات المؤشر الخمسة (من الأكثر التزامًا بالأمن السيبراني إلى الأقل)، ثانيهما: تقديرات كل دولة من دول إفريقيا جنوب الصحراء وفقًا للركائز الرئيسية الخمسة لمؤشر الأمن السيبراني العالمي (القانونيّة والتقنيّة والتنظيميّة وتنمية القدرات والتعاون)، ونستعرض كلا الجانبين على النحو التالي:
أولًا: إفريقيا جنوب الصحراء في ضوء الفئات الخمس للمؤشِّر العالمي (القيادة- التقدُّم- التأسيس- التطور- البناء)
فيما يتعلق بحالة بُلدان إفريقيا جنوب الصحراء؛ يُقَسِّمها المؤشر إلى 5 فئات (تصنيفات)، بدءًا من الدول القائد في التصنيف الأول، والدول بمرحلة التقدم في التصنيف الثاني، والدول في مرحلة التأسيس (التصنيف الثالث)، وأخرى في مرحلة التطور (التصنيف الرابع)، وصولًا للخامسة التي تم تصنيفها في مرحلة البناء، وهو التصنيف الأقل، بين التصنيفات الخمسة، كما أوردنا سابقًا في التصنيفات ذات الصلة بالصعيد العالمي، لكن نركز الآن على التصنيف ذاته على مستوى بُلدان إفريقيا جنوب الصحراء، كما يوضح الجدول التالي:
جدول رقم (4)
موقع بُلدان إفريقيا جنوب الصحراء وفقًا للفئات الخمس لمؤشر الأمن السيبراني العالمي (من الدول الرائدة والمتقدمة في جهود الأمن السيبراني وصولًا للدول الأقل حيث المراحل المبكرة “البناء”)
الجدول من تصميم الباحثة استنادًا إلى بيانات المؤشِّر العالمي للأمن السيبراني في نسخته الإنجليزيّة لعام 2024م، ص 26.
ثانيًا: إفريقيا جنوب الصحراء وفقًا للتدابير الخمسة لمؤشر الأمن السيبراني العالمي 2024م
من ناحية أخرى تطرق المؤشِّر إلى كل دولة من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء على حدة، لتوضيح جهود كل دولة في مجالات العمل الخمسة للمؤشر (الركائز الرئيسية)، والتي شملت التدابير القانونية (وهي التدابير الأعلى على الإطلاق في النتائج المحرزة من الدول سواء على مستوى إفريقيا أو العالم)، والتدابير التقنية والتنظيمية وتنمية القدرات والتعاون. وهو ما يُوضّحه الجدول التالي على نحو أكثر تفصيلًا. مع العلم بأن تقدير 20 درجة يمثل أقصى ما يمكن أن تُحرزه الدولة في أيّ مقياس من مقاييس المؤشر الخمسة، ولذا نجد أنه كلما اقتربت الدولة من رقم 20 دلَّ ذلك على تقدُّم جهودها المبذولة في هذا المقياس، مثل موريشيوس التي تحصَّلت على 20 درجة في كل مقياس من مقاييس المؤشر الخمسة (بإجمالي 100 درجة)، لذا فهي تُصَنَّف ضمن الدول النموذج (القائد) في إطار هذه الجهود، كما هو مبين بالجدول أعلاه (رقم 4).
جدول رقم (5)
تقديرات بُلدان إفريقيا جنوب الصحراء وفقًا للتدابير (الركائز) الخمسة لمؤشر الأمن السيبراني العالمي 2024م
علمًا بأن الدرجة النهائية لكل مقياس هي 20 درجة، بمعنى أنه كلما اقتربت درجة الدولة في كل ركيزة للمؤشر من 20 درجة، دلَّ ذلك على تصاعد التزامها في جهود الأمن السيبراني، والعكس بالعكس (كما ذكرنا أعلاه).
الجدول من تصميم الباحثة استنادًا للبيانات المُدرَجة بالمؤشر العالمي للأمن السيبراني في نسخته الإنجليزيّة لعام 2024م، ص ص 30-51.
خُلاصات واستنتاجات:
عقب استعراض أبرز ما يتصل بالمؤشر العالمي للأمن السيبراني في نسخته الصادرة عام 2024م، بدءًا من مفهومه ومنهجيّته، وحالة العالم وإفريقيا جنوب الصحراء بالمؤشِّر، يمكن الإشارة إلى عددٍ من النقاط (وفقًا لما ورد بالمؤشِّر)، على النحو التالي:
في البداية يذكر مؤشر الأمن السيبراني العالمي لعام 2024م أنه منذ عام 2021م، اتخذت الدول، على اختلاف مناطقها، في المتوسط المزيد من الإجراءات المتعلقة بالأمن السيبراني وحسَّنت التزاماتها تجاهه. وارتفع متوسط النتيجة العالمية للدول إلى 65.7/100. وعبر ركائز مؤشر الأمن السيبراني العالمي الخمسة سالفة البيان (القانونية، التقنية، التنظيمية، تنمية القدرات، التعاون)، حققت معظم الدول أفضل نتائجها في الركائز القانونية. وعلى النقيض من ذلك، كانت أضعف النتائج في تنمية القدرات والمقاييس التقنيّة، بمعنى أن هاتين الركيزتين كانتا الأصعب على الدول في تحقيق نتائج إيجابية، مقارنة بالركيزة القانونية التي حققت بها الدول نتائج أكثر تطورًا.
من جهة أخرى ومع بروز الأمن السيبراني بقوة كضرورة إستراتيجية للحكومات والأفراد، وكذلك للقطاعات الحيوية وغير الحيوية في المجتمع، أصبح قياس الجهود المبذولة لتحسين الأمن السيبراني حجر الأساس للحكومات في دفع عجلة التنمية في هذا المجال. ومثَّل مؤشر الأمن السيبراني أساسًا مهمًّا في هذه الجهود، من خلال تقييم التدابير التي اتخذتها البلدان على المستوى الوطني لتحسين التزاماتها بالأمن السيبراني. بناءً على مجالات العمل الخمسة المحددة في أجندة الأمن السيبراني العالمية لعام 2008م، أي التدابير القانونية والتدابير التقنية والإجرائية والهياكل التنظيمية وبناء القدرات والتعاون الدولي، ومن خلال مقارنة الجهود التي تبذلها البلدان بمخرجات الأمن السيبراني، تستطيع البلدان والشركات ومنظمات المجتمع المدني تحديد ما إذا كانت الجهود القائمة تحتاج إلى إعادة النظر فيها أو تعزيزها، وكيفية تحديد أولويات التدخلات المستقبلية، وكيفية البدء في تقييم فعالية هذه التدابير.
وفي حين أن ارتفاع مبادرات الاهتمام الأمن السيبراني أمر مشجّع، إلا أن الخطوة التالية الحاسمة للدول تكمن في ضمان فعالية هذه الجهود. إن مجرد الالتزام بالعمل ليس كافيًا، فثمة حاجة إلى التأكد من تنفيذ الالتزامات السيبرانية بجودة وجدية عالية التأثير؛ كتطوير الأُطُر القانونية ذات الصلة بالأمن السيراني، كما يجب أن تكون قابلة للتطبيق وملائمة للوضع الراهن بالدولة، وكذلك إنشاء فرق فنية للاستجابة للحوادث الطارئة، ومعالجة نقص الكوادر المهرة، وتعزيز التعاون بين الدول لا سيما الدول التي قطعت خطوات جيدة مقابل الدول التي لا تزال تخطو خطواتها الأولى. وهو مكوّن لا غنى عنه خاصةً في معالجة الطبيعة العابرة للحدود الوطنية للتهديدات السيبرانية. وتُسَهِّل المساعي التعاونية تبادل أفضل الممارسات والاستخبارات والموارد، وتعزيز المرونة فيما يتعلق بهذه الممارسات السيبرانية الجماعية. ومع ذلك، للاستفادة الكاملة من فوائد التعاون الدولي، من الضروري دعم تطوير القدرات اللازمة للمشاركة بشكل هادف في الجهود التعاونية.
ونظرًا لطبيعة مشهد الأمن السيبراني المتغير، هناك دائمًا مساحة للنمو والصقل والتكيّف لكافة مجالات الأمن السيبراني، بغضّ النظر عن درجة الرقم القياسي العالمي للأمن السيبراني للبلد. وفي حين أن تقدير “100/100” يعكس التزامًا قويًّا بالأمن السيبراني، فإن هذا لا يعني أنه لا يلزم بذل المزيد من العمل من حيث اعتماد تدابير مناسبة للأمن السيبراني استجابةً لبيئات التشغيل المتغيرة في البلدان والنظام الإيكولوجي المتطور للأمن السيبراني.
إجمالًا؛ يتكشَّف من خلال ما سبق، وما يؤكدِّه المؤشر؛ أن الأمن السيبراني قضية إنمائية بحق، وأن ثمة حاجة مُلِحَّة لمعالجة فجوة القدرات السيبرانية بين الدول المتقدمة ونظيرتها النامية؛ من خلال تعزيز المعرفة بالأمن السيبراني وكافة جوانبه، والارتقاء بالمهارات وبناء الكفاءات ذات الصلة (ويبذل المؤشر بالفعل الكثير من الجهد لسدّ هذه الفجوة، وبخاصة من خلال تصنيف الدول لفئات أكثر خبرة “قائد”، ودول أخرى في أوضاع متوسطة، وصولًا لدول في مراحل مبكرة تحتاج للدعم ونقل الخبرات)، خاصةً أن العالَم بالفعل بحاجة إلى سدّ هذه الفجوة من خلال البحث في جذورها للوصول للسبل الأكثر ملاءمة؛ كتنمية البنية التحتية الرقمية والمهارات الرقمية والموارد في العالم النامي.
وعليه يقول واضعو المؤشر: “نأمل أن يظل المؤشر العالمي للأمن السيبراني أداة مفيدة لتنمية قدرات الحكومات وواضعي السياسات وخبراء الأمن السيبراني والهيئات الأكاديمية في تحديد المجالات الأشد حاجة للتطوير، وتسليط الضوء على أفضل الممارسات لتعزيز الأمن السيبراني على الصعيد الوطني، ومن ثمَّ على الصعيدين الإقليمي والعالمي“.
…………………………………..
([1]) What is cyber security?, National Cyber Security Centre, Retrieved from: https://www.ncsc.gov.uk/section/about-ncsc/what-is-cyber-security & “What is Cybersecurity?”, America Cyber Defense Agency, Feb 2021. Retrieved from: https://www.cisa.gov/news-events/news/what-cybersecurity
“Global Cybersecurity Index 2024- 5th Edition”, International Telecommunication Union (ITU Publications), 2024. Retrieved from: https://www.itu.int/dms_pub/itu-d/opb/hdb/d-hdb-gci.01-2024-pdf-e.pdf
([1]) تعتبر تقنية Block chain أو “سلسلة الكتل” آلية متقدمة لقواعد البيانات تسمح بمشاركة المعلومات بشكلٍ شفّاف داخل شبكة أعمال. تخزن قاعدة بيانات سلسلة الكتل البيانات في كتل مرتبطة ببعضها في سلسلة. وتعد البيانات متسقة زمنيًّا لأنه لا يمكنك حذف السلسلة أو تعديلها من دون توافق من الشبكة. ونتيجة لذلك، يمكنك استخدام تقنية سلسلة الكتل لإنشاء سجل حسابات غير قابل للتغيير أو ثابت لتتبع الطلبات والمدفوعات والحسابات والمعاملات الأخرى. يحتوي النظام على آليات مدمجة تمنع إدخالات المعاملات غير المصرح بها وتُنشئ تناسقًا في طريقة العرض المشتركة لهذه المعاملات.
([2]) تُعدّ الحوسبة الكمومية مجالًا متعدد التخصصات؛ يشمل جوانب علوم الكمبيوتر والفيزياء والرياضيات التي تستخدم ميكانيكا الكمّ بهدف حل المشكلات المعقَّدة بسرعة أكبر من أجهزة الكمبيوتر التقليدية. كما يشمل مجال الحوسبة الكمومية بحوثًا حول الأجهزة وتطوير التطبيقات.