مريم عبد الحي علي فراج
باحثة مهتمة بالشأن الإفريقي
تقديم:
تُعَدُّ ظاهرة الإرهاب واحدةً من أبرز التهديدات التي تُهدِّد أمن وسلامة الإنسان بشكل مباشر؛ حيث تستهدف الأفراد بغرض إحداث حالة من الفوضى والاضطراب، والتأثير على القرارات السياسية عبر ترهيب صانعي السياسات.
وفي هذا السياق يُقدِّم تقرير مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2024م، تحليلاً ورؤيةً متعمقةً حول إستراتيجيات الإرهاب ودوافعه، ويتجاوز التركيز التقليدي ليشمل أيضًا تفاصيل دقيقة حول ضحايا الهجمات، سواء كانوا عسكريين أو مدنيين، والأهداف المستهدَفة، والمناطق الأكثر تعرُّضًا لتلك العمليات الإرهابية؛ حيث يُركز التقرير على تقديم تفسير متكامل للظاهرة، بما في ذلك الجهات الخفية التي تدعم وتُموِّل الأنشطة الإرهابية، والأهداف الإستراتيجية طويلة الأمد التي تسعى الجماعات الإرهابية لتحقيقها.
وفي هذا السياق، تُعَدُّ منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، ولا سيما منطقة الساحل الإفريقي، من بين المناطق الأكثر تأثرًا بالإرهاب؛ حيث تتسم هذه المنطقة بارتفاع معدلات الحوادث الإرهابية وتنوُّع أساليب الهجمات، مما يجعلها نقطة محورية للبحث والتحليل. لذا، يُعتَبر من الضروري دراسة وتحليل الأبعاد المختلفة لهذه الظاهرة في المنطقة، من خلال ما يلي:
أولًا: تحليل مؤشر الإرهاب العالمي: “المفهوم، الأهداف، والمنهجية“
أصدر معهد الاقتصاد والسلام الدولي النسخة الحادية عشرة من مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2024م، وهو تقرير سنوي يُنشَر باللغة الإنجليزية منذ عام 2012م. ويعتمد التقرير بشكل رئيسي على قاعدة بيانات Dragonfly’s Terrorism Tracker كمصدر أساسي للبيانات، بالإضافة إلى مصادر أخرى، ليقدّم تحليلًا شاملًا لأهم الاتجاهات والأنماط العالمية المرتبطة بالإرهاب. ويُركّز المؤشر على دراسة الأبعاد المتعدّدة للإرهاب، بما في ذلك الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تسهم في تفشّيه، فضلًا عن طبيعته الديناميكية التي تتطور مع الزمن. كما يُعدّ التقرير أداة تحليلية مهمة لفهم كيفية تطوُّر الظاهرة الإرهابية وتأثيراتها المتغيرة على مستوى العالم.
يُحلِّل مؤشر الإرهاب العالمي تأثير الإرهاب على 163 دولة، مما يعني تغطيته لنحو 99.7% من سكان العالم. ويُعرَّف مؤشر الإرهابعلى أنه “التهديد المنظَّم من خلال استخدام العنف مِن قِبَل فاعلين غير دوليين، لخدمة مصالح معينة، بهدف تحقيق أهداف سياسية، أيديولوجية، ودينية، وللتأثير على سلوك الدول وقراراتها”.
منهجية مؤشر الإرهاب العالمي:
تعتمد منهجية مؤشر الإرهاب العالمي -لتقييم وتصنيف 163 دولة- على أربعة عشر مؤشرًا فرعيًّا يتم ترجيحها على مدار خمس سنوات. ويُستند في حساب التقييم النهائي لكل دولة إلى النتائج التي تُسجَّل في العناصر التالية:
– إجمالي عدد الحوادث الإرهابية خلال سنة معينة.
– عدد الوفيات الناتجة عن الإرهاب خلال السنة المحددة.
– عدد الإصابات جراء الهجمات الإرهابية في ذات العام.
– عدد الرهائن المحتجزين نتيجة الهجمات الإرهابية خلال العام ذاته.
تُحدّد درجات الترجيح لكل من هذه العناصر على مقياس يتراوح بين 0 و3. يتم ضرب نتائج كل عنصر في قيمته المقررة، ومِن ثَم يتم تجميع هذه القِيَم للحصول على التقييم النهائي للدولة. تشمل قِيَم الترجيح: (1) لإجمالي عدد الحوادث، و(3) لعدد الوفيات، و(0.5) لعدد الإصابات، و(0.5) لعدد الرهائن المحتجزين.
ولحساب متوسط الوزن للآثار الناجمة عن الحوادث الإرهابية خلال خمس سنوات، يتم أخذ الحوادث السابقة لكل دولة في الاعتبار وفقًا لمبادرة التصنيف العالمي. وتُخصص الأوزان النسبية كالتالي: (1) للحوادث في السنة الرابعة، (2) للسنة الثالثة، (4) للسنة الثانية، (8) للسنة الماضية، و(16) للسنة الحالية.
علاوةً على ذلك، عالَج المؤشر تحديات فنية متعلقة بعدم تساوي الجرائم الإرهابية وفقًا للولايات القضائية والنطاق الجغرافي. ولتصحيح هذه الانحرافات، يتم استخدام النطاق اللوغاريتمي على مقياس من 1 إلى 10؛ حيث يُحدد الحد الأدنى كمقياس 0، والحد الأقصى كمقياس 10. ويتم حساب درجة النطاق لكل دولة بطرح القيمة الأدنى من القيمة القصوى، مما يُتيح تحديد مدى تأثير الإرهاب بشكل دقيق وشامل.
ثانيًا: تحليل تصنيف دول إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر الإرهاب العالمي 2023م
يتناول هذا المحور دراسة وتحليل موقع إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر الإرهاب العالمي، مع التركيز على تأثيراته في منطقة الساحل الإفريقي، وخاصةً في غرب إفريقيا. يشمل التحليل تقييم ترتيب الدول ومستويات التحسن والتدهور في تقييم الإرهاب لهذا العام. كما يتناول استعراض أبرز الجماعات الإرهابية الأكثر نشاطًا في منطقة جنوب الصحراء الكبرى، بالإضافة إلى تحديد أكثر العمليات دموية في المنطقة، والدول الأكثر تأثرًا بحوادث الإرهاب والوفيات المرتبطة بها، وهو ما يمكن تناوله على النحو الآتي بيانه:
الجدول (1)
تصنيف دول إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر الإرهاب العالمي 2024م
الجدول من تصميم الباحثة وفقًا للبيانات المدرَجة في مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2024م
شهدت منطقة إفريقيا جنوب الصحراء تدهورًا طفيفًا في متوسط تقييم مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2023م. أما بخصوص التدهور العام بين عامي 2022 و2023م؛ فقد سجَّلت عشر دول في إفريقيا جنوب الصحراء تراجعًا في أدائها، من بين 28 دولة على مستوى العالم. كما احتلت خمس دول من المنطقة المراتب العشر الأولى كأكثر الدول تأثرًا بالإرهاب خلال عام 2023م.
وعلى الرغم من هذا التراجع، إلا أن النشاط الإرهابي في المنطقة تباين بشكل ملحوظ؛ حيث سجَّلت 15 دولة تحسنًا في مؤشرها. كما أضاف التقرير أن هناك 22 دولة في إفريقيا جنوب الصحراء حقَّقت تقييمًا قدره صفر في مؤشر الإرهاب، مما يعني أنها لم تسجل أيّ حادث إرهابي خلال السنوات الخمس الماضية.
أما عن الهجمات الإرهابية في إفريقيا جنوب الصحراء، فقد انخفض عددها في المنطقة إلى 1205 هجمات مقارنةً بـ1368 في عام 2022م، بتراجع نسبته 12%. كما أضاف المؤشر أن عدد الوفيات ارتفع بنسبة 21% ليصل إلى 4916 حالة وفاة في عام 2023م، مقارنةً بـ4066 في العام السابق، مما يعكس زيادةً في فتك الهجمات الإرهابية.
وعلى جانب الدول المتأثرة بارتفاع معدل الوفيات، كانت كل من بوركينا فاسو، النيجر، جمهورية الكونغو الديمقراطية، وأوغندا من بين الدول التي شهدت أكبر زيادة. كما احتلت بوركينا فاسو الصدارة في إفريقيا جنوب الصحراء؛ حيث سجَّلت زيادة بنسبة 68% في عدد الوفيات مقارنةً بعام 2022م؛ حيث ارتفع عدد الوفيات إلى 1907 في عام 2023م، وهو أعلى عدد لوفيات الإرهاب على مستوى العالم لهذا العام، مما جعلها الأسوأ تصنيفًا عالميًّا في مؤشر الإرهاب لعام 2023م.
أما بخصوص نِسَب الوفيات في إفريقيا جنوب الصحراء، فقد نُسب 59% من الوفيات في بوركينا فاسو إلى جماعات مجهولة أو غير محددة، بينما تم نسبة 41% منها إلى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) وتنظيم الدولة (IS). وأشار المؤشر إلى أن هذه الزيادة تأتي جزءًا من تصاعد أوسع في النشاط الإرهابي بمنطقة الساحل، مع تسجيل زيادات مشابهة في النيجر ومالي.
وعلى جانب تقييمات دول إفريقيا جنوب الصحراء الأخرى، سجَّلت أنغولا أسوأ تدهور في مؤشر الإرهاب لعام 2023م بعد أن شهدت أول هجوم منذ 2018م وأول وفيات مرتبطة بالإرهاب منذ 2010م؛ حيث أسفر الهجوم عن مقتل خمسة أشخاص، بينهم ثلاثة جنود ومدنيان برازيليان.
كما احتلت أوغندا المرتبة الثانية في التدهور داخل إفريقيا جنوب الصحراء بسبب عدم تسجيلها أيّ هجمات في العام السابق؛ حيث شهدت عودة نشاط تنظيم الدولة الذي نفَّذ جميع الهجمات الخمسة، وأسفر عن 42 حالة وفاة.
وعلى الجانب الآخر، سجَّلت بنين وتوغو في إفريقيا جنوب الصحراء تدهورًا مستمرًّا؛ بسبب أعمال العنف القادمة من منطقة الساحل، مع تنفيذ 35 هجومًا ووفاة 90 شخصًا بسبب جماعات مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وتنظيم الدولة في غرب إفريقيا.
أما عن الدول التي شهدت تحسنًا في مؤشر الإرهاب؛ فقد تحسنت تنزانيا بشكل ملحوظ بعدم تسجيل أيّ حوادث إرهابية للعام الثاني على التوالي في إفريقيا جنوب الصحراء، وهو ما ينطبق أيضًا على بوروندي وكوت ديفوار، بينما لم تسجل رواندا أي حوادث إرهابية للعام الرابع على التوالي.
الجدول (2)
يوضح أسوأ الحوادث الإرهابية في إفريقيا جنوب الصحراء/ مؤشر الإرهاب العالمي 2024م
الجدول من تصميم الباحثة وفقًا للبيانات المدرجة في مؤشر الإرهاب العالمي 2024م
يُظهر الجدول السابق أسوأ الحوادث الإرهابية التي شهدتها منطقة إفريقيا جنوب الصحراء وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2024م؛ حيث يتضح أن الهجمات الإرهابية في المنطقة قد تركَّزت بشكل رئيسي في دول مثل النيجر، بوركينا فاسو، مالي، نيجيريا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وقد تنوعت طبيعة الهجمات؛ حيث جاءت معظمها في شكل سطو مسلح نفَّذته جماعات إرهابية بارزة مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وتنظيم الدولة (داعش) وتنظيم الدولة في غرب إفريقيا (ISWA). بالإضافة إلى ذلك، استخدمت حركة الشباب الصومالية التفجيرات كوسيلة أساسية، لا سيما في الهجمات التي نُفِّذت في الصومال.
كما تُظهر البيانات أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين كانت مسؤولة عن الهجمات الأكثر دموية؛ حيث نفذت هجمات في مناطق مثل تيلابيري في النيجر، جاو في مالي، والشمال في بوركينا فاسو، مخلّفة وراءها ما يصل إلى 200 ضحية في النيجر و70 ضحية في بوركينا فاسو.
وعلى الجانب الآخر، برز تنظيم داعش كأحد أكثر التنظيمات الإرهابية فتكًا؛ حيث نفَّذ عمليات دموية في مالي والنيجر، مما أدَّى إلى عدد كبير من الضحايا.
أما في نيجيريا، فقد نفَّذت جماعة بوكو حرام العديد من الهجمات التي زادت من تفاقم الوضع الأمني، جنبًا إلى جنب مع هجمات مِن قِبَل جماعات مسلحة غير معروفة الهوية، مما أسفَر عن وقوع عشرات الوفيات.
وبشكل عام يُظهر الجدول أن غالبية الهجمات الإرهابية الأكثر دموية تركزت في غرب إفريقيا؛ حيث تُعاني هذه الدول من توتر أمني متزايد نتيجة لتصاعد نشاط الجماعات الإرهابية. وهذا بدَوْره يشكل تحدّيًا كبيرًا للاستقرار والتنمية في هذه المنطقة.
الشكل (1)
يوضح وفيات الدول بواسطة الإرهاب/ مؤشر الإرهاب العالمي 2024م
المصدر: مؤشر الإرهاب العالمي 2024م
يوضّح الشكل السابق النِّسب المئوية لوفيات الإرهاب في الدول الأكثر تأثرًا خلال عام 2023م؛ حيث تشير البيانات إلى أن دول إفريقيا جنوب الصحراء كانت الأكثر تعرُّضًا للهجمات الإرهابية، مما أسفر عن أعلى نِسَب وفيات جراء تلك الحوادث على مستوى العالم.
فقد جاءت بوركينا فاسو في صدارة الدول الأكثر تأثرًا بالإرهاب؛ حيث سجَّلت نسبة 23% من إجمالي الوفيات العالمية بسبب الإرهاب. هذه النسبة تجعل بوركينا فاسو الدولة الأكثر تضررًا من الإرهاب عالميًّا وفقًا لمؤشر الإرهاب لهذا العام؛ حيث تشهد بوركينا فاسو تصاعدًا ملحوظًا في نشاط الإرهاب، مما يبرزها كمنطقة ذات خطورة عالية.
كما جاءت مالي في المرتبة الثالثة، مسجِّلة نسبة 9% من إجمالي وفيات الإرهاب العالمية، مما يعكس الوضع الأمني المتدهور في البلاد. كما سجَّلت نيجيريا نسبة 6% من إجمالي الوفيات العالمية للإرهاب لتحتل المرتبة السادسة، ثم أعقبها النيجر لتسجل نسبة 6% من إجمالي وفيات الإرهاب العالمية، وأخيرًا الصومال لتسجل نسبة 5% من إجمالي الوفيات العالمية.
سجَّلت إفريقيا جنوب الصحراء أكبر عدد من الوفيات بسبب الإرهاب بين جميع المناطق للسنة السابعة على التوالي، مع زيادة قدرها 21% مقارنة بعام 2022م. ومع ذلك، فإن معظم تأثير الإرهاب في المنطقة يتركز في منطقة الساخل الوسطى، خمس من بين الدول العشر الأكثر تأثرًا بالإرهاب تقع في منطقة الساخل.
وكان عام 2023م هو الأول الذي تتصدر فيه دولة من إفريقيا جنوب الصحراء مؤشر الإرهاب العالمي (GTI)؛ حيث سجلت بوركينا فاسو زيادة بنسبة 68% في الوفيات خلال العام الماضي. وهناك بعض المؤشرات على أن النشاط الإرهابي في منطقة الساحل بدأ ينتشر إلى الدول المجاورة؛ حيث سجَّلت كل من بنين وتوغو أكثر من 40 وفاة جراء الإرهاب لأول مرة.
الشكل (2)
يوضح أخطر الجماعات الإرهابية لعام 2024م/ مؤشر الإرهاب العالمي
المصدر: مؤشر الإرهاب العالمي 2024م
يوضح الشكل السابق، الجماعات المسلحة والجماعات الإرهابية الأكثر فتكًا وتأثيرًا على مستوى العالم؛ وذلك وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2024م. ومن بين هذه الجماعات، برزت الجماعات الإفريقية كأبرز المساهمين في تصاعد الإرهاب خلال الفترة من 2007 إلى 2023م. ومن أهم تلك الجماعات: “جبهة نصرة الإسلام والمسلمين”، “حركة الشباب الصومالية”، و”تنظيم الدولة”. وقد سجَّلت هذه التنظيمات الثلاثة أعلى معدلات للوفيات في إفريقيا جنوب الصحراء، ولا سيما في منطقة الساحل الإفريقي، خلال عام 2023م. بناءً على ذلك، يستحق التركيز على تلك الجماعات الإرهابية وفقًا لما أورده مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2024م، مع تسليط الضوء على تأثيرها العميق في دول المنطقة، وما تسبَّبت به من فوضى واضطراب في غرب الساحل الإفريقي، وذلك من خلال الآتي:
- تنظيم الدولة
ظل تنظيم الدولة (داعش) أكثر الجماعات الإرهابية فتكًا في العالم حتى عام 2023؛ حيث تسبَّب في مقتل 1,636 شخصًا، رغم تراجع نشاطه بنسبة 17% مقارنةً بالعام السابق. ورغم انخفاض عملياته بشكل ملحوظ منذ ذروته في عام 2016م، لا يزال التنظيم يحتفظ بحضوره في عدة مناطق، أبرزها سوريا ونيجيريا ومنطقة الساحل الإفريقي. نشأ داعش كفرع من تنظيم القاعدة في العراق وسوريا عام 1999م، واستغل الغزو الأمريكي للعراق في 2003م للمشاركة في التمرد هناك. توسَّع نشاط التنظيم ليشمل مناطق خارج الشرق الأوسط من خلال جماعات تابعة له، مثل تنظيم خراسان في أفغانستان وباكستان، وولاية غرب إفريقيا التي تنشط في منطقة الساحل. وعلى الرغم من تراجع عدد الهجمات إلى 470 في 2023م مقارنة بـ717 في العام السابق، إلا أن التنظيم واصل التنظيم تنفيذ عمليات كبيرة، كان أبرزها كمين في بوركينا فاسو أسفر عن مقتل 71 جنديًّا. ويظل استهداف العسكريين الأكثر شيوعًا في هجمات داعش؛ حيث بلغت الهجمات المسلحة 331 هجومًا في 2023م، مما أدَّى إلى ارتفاع معدل الوفيات إلى 3.5 لكل هجوم.
- حركة الشباب الصومالية
في عام 2023م، كانت جماعة الشباب رابع أكثر الجماعات الإرهابية فتكًا؛ حيث تسبَّبت في مقتل 499 شخصًا عبر 227 هجومًا. ويُعدّ هذا العام هو التاسع على التوالي الذي تتسبَّب فيه الجماعة بأكثر من 400 وفاة و100 هجوم سنويًّا. تأسست الجماعة كفرع لتنظيم القاعدة في الصومال وكينيا، وتهدف إلى إقامة دولة خاصة في الصومال. على الرغم من التقدم المبدئي الذي حقَّقته الحكومة الصومالية في استعادة الأراضي التي سيطرت عليها الجماعة، واجهت الحكومة تحديات كبيرة في النصف الثاني من 2023م، مما دفَعها لطلب تأجيل انسحاب القوات الإفريقية.
شهدت أعداد الوفيات المنسوبة إلى حركة الشباب انخفاضًا بنسبة 38% مقارنةً بالعام السابق؛ حيث كانت الوفيات في الصومال تمثل 86% من الإجمالي، في حين شهدت كينيا زيادة في عدد الوفيات إلى أعلى مستوى منذ 2019م. تعكس هذه الزيادة في كينيا التحديات الأمنية التي تُواجهها البلاد، بما في ذلك ثغرات أمنية على الحدود مع الصومال وتغييرات في القيادة الأمنية.
توزَّعت الهجمات بشكل رئيسي على القوات العسكرية، وهو ما يمثل 41% من الهجمات، تليها الهجمات على المدنيين بنسبة 22%. تظل التفجيرات والهجمات المسلحة هي الأساليب الأكثر استخدامًا مِن قِبَل الجماعة؛ حيث سجَّلت التفجيرات نسبة كبيرة من الوفيات بنسبة 69% من إجمالي الوفيات المنسوبة للجماعة. وشهدت الهجمات التي استهدفت القواعد العسكرية في الصومال وعمليات القصف في كينيا أيضًا زيادة ملحوظة في عدد الضحايا.
- جماعة نصرة الإسلام والمسلمين
في عام 2023م، كانت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين ثالث أكثر الجماعات الإرهابية فتكًا؛ حيث تسبَّبت في مقتل 1,099 شخصًا عبر 112 هجومًا. شهد نشاط الجماعة زيادة ملحوظة مقارنةً بالعام السابق؛ حيث تضاعف عدد الوفيات الناتجة عن عملياتها، مع ارتفاع معدل القتلى لكل هجوم إلى 9.8 شخصًا. وتأسست جماعة النصرة في عام 2017م كتحالف لجماعات مسلحة في منطقة الساحل بإفريقيا جنوب الصحراء، واستغلت الجماعة الفجوات الأمنية وسوء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لتعزيز وجودها وتجنيد الأتباع، خاصةً في شمال ووسط مالي. ومع انسحاب القوات الغربية من المنطقة، توسعت جماعة النصرة في السيطرة على الأراضي، خاصةً في بوركينا فاسو، التي فقدت حكومتها السيطرة على حوالي 40% من أراضيها. وقد شهدت هجمات جماعة النصرة في بوركينا فاسو ومالي ارتفاعًا حادًّا في عدد القتلى، رغم ثبات عدد الهجمات؛ حيث أصبحت الهجمات مسلحة بالسلاح الأكثر فتكًا، وسجَّلت زيادة كبيرة في عدد الوفيات الناجمة عنها بنسبة تزيد على ثلاثة أضعاف منذ عام 2022م.
الجدول (3)
الدول الإفريقية الأكثر تضررًا من حوادث الإرهاب (2011_2023م)
الجدول من تصميم الباحثة وفقًا للبيانات المدرجة في مؤشر الإرهاب العالمي 2024م
يتضمن هذا الجدول الدول الإفريقية الأكثر تضررًا من حوادث الإرهاب على مدار الست سنوات الماضية، وحلت في المرتبة الأولى لهذا العام بوركينا فاسو؛ حيث تصدرت قائمة الدول الأكثر تأثرًا بالإرهاب، متفوقة على مالي. وتعتبر هذه المرتبة هي الأعلى التي تسجّلها بوركينا فاسو على المؤشر، مما يعكس تصاعد النشاط الإرهابي بشكل كبير في منطقة الساحل. هذا الترتيب يُظهر التدهور الحادّ في الوضع الأمني في البلاد، التي كانت تسجل 114 حادثًا إرهابيًّا في عام 2011م، ولكنها شهدت زيادة ملحوظة في السنوات الأخيرة.
كما احتلت مالي المرتبة الثانية ضمن دول إفريقيا جنوب الصحراء الأكثر تضررًا من حوادث الإرهاب؛ مما يعكس استمرار تفاقم الوضع الأمني في البلاد؛ حيث كان عدد الحوادث الإرهابية في مالي قد انخفض بشكل ملحوظ من 40 حادثًا في 2011م إلى 3 حوادث في 2023م، مما يشير إلى استمرار التحديات الأمنية رغم التحسن النسبي في الأرقام.
وتليها دولة الصومال التي تحتل المرتبة الثالثة ضمن الدول الأكثر تضررًا من إفريقيا جنوب الصحراء من حوادث الإرهاب؛ إلا أن الصومال قد تحسَّنت أربع مراتب لتصل إلى المركز السابع، مما يشير إلى تحسن نسبي في الوضع الأمني هناك. ومع ذلك، سجلت الصومال زيادة في عدد الحوادث الإرهابية من 3 حوادث سنويًّا في السنوات السابقة إلى 7 حوادث في 2023م.
وتأتي نيجيريا لتحتل المرتبة الرابعة بعد الصومال ضمن الدول الأكثر تضررًا من الإرهاب لعام 2023م؛ حيث سجلت 8 حوادث إرهابية في 2023م، وشهدت استقرارًا نسبيًّا في وضعها الأمني مقارنةً بالسنوات السابقة. وأخيرًا تأتي النيجر لتحتل المرتبة الخامسة، ضمن الدول الأكثر تأثرًا بالإرهاب في إفريقيا جنوب الصحراء، فقد استقرت عند 10 حوادث في 2023م بعد انخفاض كبير من 50 حادثًا في 2011، مما يعكس تحسنًا نسبيًّا.
ومقارنةً بعام 2011م، شهدت هذه الدول (بوركينا فاسو، مالي، والنيجر) تدهورًا ملحوظًا في التصنيف؛ حيث كانت خارج قائمة العشرين دولة الأكثر تأثرًا بالإرهاب في ذلك الوقت. ويُظهر هذا التدهور التحول الكبير في بؤرة الإرهاب إلى منطقة الساحل، مع زيادة النشاط الإرهابي في هذه البلدان بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.
الشكل (3)
يوضح الاتجاهات في عدد وفيات الإرهاب حسب المناطق (2007 –2023م)/ مؤشر الإرهاب 2024م
المصدر: مؤشر الإرهاب العالمي 2024م
يوضح الشكل السابق الاتجهات في عدد وفيات الإرهاب بحسب المناطق خلال الفترة من عام 2007 إلى عام 2023م، وكان من ضمنها منطقة إفريقيا جنوب الصحراء؛ حيث سجَّلت منذ عام 2017م، أعلى عدد من الوفيات بسبب الإرهاب سنويًّا، مما يشير إلى استمرار تفاقم النشاط الإرهابي في هذه المنطقة. ولعل هذه الظاهرة تعكس تصاعدًا مستمرًّا في حدَّة الصراعات والأزمات الأمنية في إفريقيا جنوب الصحراء.
تقييم المؤشر:
يتسم مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2024م بعدة عناصر قوة تسهم في جعله مرجعًا رئيسيًّا لتحليل التهديدات الإرهابية؛ حيث يعتمد المؤشر على بيانات شاملة ومحدَّثة تغطّي مختلف المناطق، مما يُعزّز دقته في تتبع الأنشطة الإرهابية على مستوى العالم. كما يتميز المؤشر بمنهجيته الواضحة التي تسمح بإجراء مقارنات دقيقة بين الدول، إلى جانب قدرته على تقديم رؤى تحليلية تساعد في فهم تأثير الإرهاب على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ومع ذلك، يُؤخَذ على المؤشر بعض الجوانب التي قد تَحُدّ من شموليته. على سبيل المثال، قد يؤدي اعتماده الكبير على البيانات الكمية إلى إغفال بعض الفوارق الثقافية والسياسية بين الدول، مما قد يؤثر على دقة التحليل في بعض الحالات. كما أن تنوع مصادر البيانات قد يتسبَّب في تفاوت مستوى الدقة بين المناطق المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، تُواجه المنهجية المستخدَمة تحديًا في بعض الأحيان في التفريق بين الإرهاب وأشكال أخرى من العنف السياسي، مما قد يؤثر على ترتيب بعض الدول بطرق قد لا تعكس بالضرورة تعقيدات الواقع الميداني.
وختامًا، استنادًا إلى تحليل مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2024م، يظهر بوضوح أن منطقة إفريقيا جنوب الصحراء قد شهدت تدهورًا ملحوظًا في تقييمها العام؛ وذلك نتيجةً لتفاقم حدة العمليات الإرهابية في منطقة الساحل الإفريقي. فقد تصدرت دول مثل بوركينا فاسو، والصومال، ومالي، ونيجيريا، والنيجر قائمة الدول الأكثر تأثرًا بالإرهاب؛ حيث ارتفعت مؤشرات الإنذار إلى مستويات عالية، بفعل العمليات الإرهابية التي أسفرت عن أعداد كبيرة من الضحايا.
وتُعتبر تنظيمات مثل “داعش”، وتنظيم الدولة لغرب إفريقيا، وجبهة نصرة الإسلام والمسلمين، وحركة الشباب الصومالية، من أبرز الكيانات الإرهابية الأكثر دمويةً في المنطقة؛ حيث أظهرت فعاليتها في تصعيد حدة العنف في إفريقيا جنوب الصحراء، وبشكل خاص في منطقة الساحل. وقد سجَّلت المنطقة وقوع الحوادث الأكثر دموية عالميًّا؛ حيث راح ضحيتها ما يقارب 1000 شخص في كلٍّ من بوركينا فاسو، والنيجر، ومالي، ونيجيريا.