ستيفن موتي[1] – ذي كونفرسيشن[2]
يتشابك إرث كينيا كدولة بشكل عميق مع التأثير الطاغي لزعيمها الأول في حقبة ما بعد الاستقلال جومو كينياتا، الرئيس المؤسس لكينيا الذي توفي في 22 أغسطس 1978 أثناء نومه في قصر الرئاسة بمومباسا، والذي يُصنّف عمومًا على أنه “أبو الأمة”، الذي قاد كينيا المستقلة حديثًا إلى طريق الاستقلال والتنمية، وهي صورة صنعها بعناية؛ حيث كان جومو كينياتا كاتبًا، تتضمن أعماله كتابين تاريخيين وحكاية خرافية ومقالات وسيرة شبه ذاتية [وهي التي تختلط فيها الوقائع الحقيقية مع الخيال]، وفي هذه الأعمال، استخدم استراتيجيات أدبية لبناء هوية وبناء غموض حول إدارته.
لقد خلق صورة الأب الأسطوري للأمة؛ لقد كان كينياتا واحداً من القادة الكينيين البارزين في الكفاح ضد المستعمرين البريطانيين القمعيين قبل أن يقود رفاقه إلى الاستقلال. كانت هذه الصورة تهدف إلى إبهار القراء، وجعلهم يقفون في رهبة منه، كما كان التأثير المقصود هو إخفاء ميوله غير الديمقراطية والانتهازية، والتلاعب بالمشاعر العرقية لحماية قيادة كينيا من أن تصل إليها قيادة من غير عرقه من قبيلة الكيكويو.
بصفتي باحثاً في الأدب، كنت مفتوناً بالطريقة التي يستخدم بها القادة مثل كينياتا الأساطير والمجازات الدينية لتشكيل صورهم والتحكم في كيفية تذكرهم. إن عمل كينياتا – وخاصة كتابه الأنثروبولوجي الرائد “مواجهة جبل كينيا” (1938) والسيرة شبه الذاتية (التي شارك في تأليفها مع موظفيه ونشرت باسمه) المعاناة بلا مرارة: تأسيس الأمة الكينية (1968) – هي شهادة على قوة الأدب وقدرته على تصوير الذات.
في دراستي لكينياتا، أزعم أن الرئيس السابق استخدم الأسطورة بشكل استراتيجي؛ فالأساطير هي سرديات رمزية مرتبطة بالمعتقدات الدينية حول كائنات خارقة أو بطلة أو نصف إلهة من عصر سابق. وقد اعتبر مجتمع كينيا الأمي في ذلك الوقت بناء كينياتا للأساطير على أنه رواية حقيقية للأحداث، وهذا يشبه ما فعله جوليوس نيريري في تنزانيا ويوري موسيفيني في أوغندا في كتابيهما الحرية والوحدة/أوهورو نا أوموجا (1968) وزرع بذرة الخردل (1997)، على التوالي.
إن حقيقة أن جومو كينياتا لا يزال يُذكَر باعتباره أبو كينيا المستقلة هي شهادة على التأثير العميق للأسطورة في تشكيل وكتابة التاريخ، إن قوة الأسطورة في أسر خيال الجماهير جعلتها استراتيجية قوية لكينياتا لتولي السلطة والحفاظ عليها.
مواجهة جبل كينيا:
لقد كانت كينيا مستعمرة بريطانية من عام 1920 إلى عام 1963، وخلال هذه الفترة، اكتسب جومو كينياتا شعبية بسبب موقفه المناهض للاستعمار، فقد دافع عن حقوق واستقلال الكينيين، وكانت كتابات كينياتا بمثابة أداة قوية دفعته إلى زعامة الكيكويو، وقد استخدم هذا المنصب للوصول إلى الزعامة الوطنية عندما حصلت كينيا على استقلالها في عام 1963.
في كتابه “مواجهة جبل كينيا”، الذي نُشر لأول مرة في عام 1938، صاغ كينياتا هويته كمنقذ: رجل لامع حارب المستعمرين البيض الأشرار وبشّر بعصر جديد من الحكم الأسود والاستقلال.
ولكن أثناء كتابته للكتاب، كان قد غاب لمدة 15 عامًا عن السياسة المحلية والوطنية، حيث كان في ذلك الوقت في أوروبا، يدرس ويدرّس. ومن المفارقات أن هذا حمى كينياتا من الصراعات العرقية في كينيا خلال سنوات الاستعمار. حيث صوره غيابه في أعين الكينيين كشخص خالٍ من التحيز العرقي ولم يكن جزءًا من الاقتتال الفصائلي للأحزاب السياسية الجديدة.
أدى هذا التصور إلى استقبال كينياتا استقبال الأبطال عند عودته إلى كينيا في عام 1946؛ فقد أعفته كتاباته أثناء غيابه من التدقيق الشديد حول هويته، ولم يتفاعل الناس إلا مع الشخص الذي صوره في مؤلفاته على أنه هو.
وخلال الفترة الاستعمارية، قدم القوميون الآخرون تضحيات من أجل كينياتا، وأفسحوا له الطريق للسماح له بتولي القيادة. جيمس جيتشورو، على سبيل المثال، الذي أصبح أول وزير مالية كيني، تنحى عن منصبه لصالح كينياتا مرتين: أولاً في عام 1947 من قيادة الاتحاد الإفريقي الكيني، وهو حزب قومي، ثم بعد 15 عامًا من رئاسة الاتحاد الوطني الإفريقي الكيني، والذي أصبح أول حزب حاكم في البلاد.
كان الاستثمار الأدبي الذي وضعه كينياتا في كتابه “في مواجهة جبل كينيا” مؤشرًا مبكرًا على استثماره اللاحق في رعايته لعرقه ولطائفته، وهذا واضح في دفاعه عن “ختان الإناث” كطقوس مرور، ورؤيته لمجتمع تخضع فيه رغبات النساء لرغبات الرجال، ونقتبس من كتابه:
لا يحلم أي رجل جيكويو سليم بالزواج من فتاة لم تخضع لهذه العملية. إنه من المحرمات بالنسبة لرجل جيكويو أن يمارس علاقات جنسية مع زوجه لم تخضع لهذه العملية. (صفحة 132)
يشير هذا الاعتقاد إلى الشوفينية الثقافية وقد يكون علامة مبكرة على وجود زعيم يتبنى موقفًا متشددًا. ومع ذلك، بالنسبة لكينياتا، كان يُظهر أنه يعرف كل شيء. وعندما يتعلق الأمر بزعامته، سمح له هذا التصوير بتأسيس نظام استبدادي يدور حوله وحول حكومته الداخلية. لقد قدم كينياتا نفسه كقائد ناضل ضد قوى الظلام وقهرها وعاد إلى وطنه ليقود تحرير شعبه. ولم تبدأ شخصيته الحقيقية في الظهور إلا في وقت لاحق في فترة ما بعد الاستعمار.
المعاناة بلا مرارة:
بعد أن حصلت كينيا على استقلالها في عام 1963، كانت الجهود المبذولة لإعطاء الأولوية للمصالح الوطنية على المصالح العرقية بعيدة المنال، وخاطر كينياتا بأن يُنظر إليه على أنه مبشّر كاذب، وسعى إلى إحياء الأسطورة التي خلقها، وهذا هو ما كان يهدف إليه في كتاب “المعاناة بلا مرارة”، الذي نُشر في عام 1968.
فقد استخدم كينياتا الأساطير والرموز الدينية لخلق صورة زعيم مضطهد من أجل مصلحة الكينيين، حيث كان يشير إلى معاناته في شمال كينيا حيث احتُجز، فقد اعتُقل كينياتا وخمسة قوميين آخرين واحتجزوا في عام 1952 من قبل البريطانيين لقيادتهم النضال من أجل الاستقلال. في هذا الكتاب، يخلق كينياتا هوية شخص وطني عانى أكثر من أي شخص آخر ولم يفقد الأمل. إن كينياتا يصور نفسه كشخصية تعذبها قوى الاستعمار، فهو يتعرض للعمل الشاق والنظام الغذائي غير الصحي، ويستخدم معاناته للثناء على قيادته، التي تحولت مع الوقت إلى استبدادية، مستخدماً قبضة من حديد لإسكات المعارضة. وفي حين يكافح كينياتا لقيادة الدولة في مرحلة ما بعد الاستعمار نحو مسار التنمية، سعى كتاب “معاناة بلا مرارة” إلى إحياء صورة متخيلة لشخصية البطل الأكبر من الحياة.
إرث معقد:
كانت الأسطورة المخلوقة ذاتيًا من قبل الرئيس السابق عملية معقدة، فقد كانت لديه فكرة مجردة عن صورة الزعيم المثالي، لكن طموحه الشخصي إلى السلطة منعه من أن يكون كذلك، فقد ركز طاقته واهتمامه على إخفاء شخصيته التي شوهها الطموح وراء قناع “أب الأمة”، وفي لعبة القط والفأر مع أولئك الذين انتقدوا قيادته، ضاعت فرصة القيادة الحقيقية والخدمة الحقيقية لبناء الأمة.
…………………………..
[1] محاضر في الأدب، جامعة كينياتا.
[2] ذي كونفرسيشن، 20 أغسطس 2024، على الرابط: https://bit.ly/3yP9A3a .