بقلم: فيليسيتي جيلو
ترجمة: سيدي. م. ويدراوغو
الأفكار العامة:
- ضرورة تعزيز وتفعيل مؤسسات الدول الإفريقية لترسيخ قِيَم الديمقراطية والتعددية.
- الأزمات ناجمة عن اختلال الدول الذي يُعرقل إنشاء أنظمة حكم خاضعة للمساءلة.
- شهدت جميع مناطق إفريقيا انهيارًا مدنيًّا أو عسكريًّا لنظام الدولة.
- الشعوب الإفريقية بين مطرقة التطلع إلى الديمقراطية وسندان رداءة الأنظمة الديمقراطية.
- التحديات المرتبطة بالتحول الديمقراطي أدت إلى تعقيد بناء الدولة في إفريقيا.
- تحتاج القارة إلى دول قوية ذات مؤسسات فعَّالة لكي تزدهر الديمقراطية والتعددية في إفريقيا.
مقدمة:
كثيرًا ما تُعزَى العديد من الأزمات الإفريقية المتعلقة بالحكم والأمن إلى غياب الديمقراطية. لكن هل هذا صحيح حقًّا؟ ألا تنتج الأزمات عن اختلال الدول الذي يعوق إنشاء أنظمة حكم خاضعة للمساءلة؟ فقد ظهرت الانقلابات والتغييرات غير الدستورية للحكومات مجددًا على المشهد السياسي في إفريقيا بعد عقدين من التوقف. هذا التراجع هو نتيجة لضغوط البيئة الدولية والآليات المعيارية للاتحاد الإفريقي والجماعات الاقتصادية الإقليمية.
كما شهدت جميع مناطق إفريقيا، في غضون العقد الماضي، انهيارًا مدنيًّا أو عسكريًّا لنظام الدولة؛ إذ تعمل المجالس العسكرية، التي تحظى بدعم شعبي واضح، على تمديد الفترات الانتقالية إلى أجلٍ غير مسمّى، ما يَجُرّ عمليات الوساطة الإقليمية والقارية إلى أزمة غير مسبوقة.
ودفعت هذه العلامات على انهيار أنظمة الأمن الجماعي بالعديد من المراقبين إلى الاستنتاج بأن إفريقيا تمرّ بأزمة ديمقراطية، ورغم ذلك يفتقر هذا التحليل إلى شمولية الأسباب والدوافع.
تطلُّع الأفارقة إلى الديمقراطية والشعور بخيبة أمل إزاء نوعية أنظمتهم:
أولاً: كشفت تحقيقات أفروباروميتر أن الأفارقة ما زالوا يؤيدون الديمقراطية إلى حد كبير. ويتطلّع معظمهم إلى العيش في ظل الديمقراطية، لكنّهم يشعرون بخيبة أمل إزاء نوعية الأنظمة الديمقراطية. وعلى الرغم من امتلاك العديد من البلدان الإفريقية الأُسُس الديمقراطية الانتخابية، إلا أن الديمقراطية الليبرالية لا تزال غير متطورة.
ثانيًا: ستتأثر تصورات النجاح الديمقراطي بالبعد الانتخابي؛ فقبل انقلابَي 2020 و2021م، كانت مالي تُعتبر منذ فترة طويلة نموذجًا للديمقراطية في غرب إفريقيا. بَيْد أن قدرة البلد على إجراء انتخابات سلمية ونقل السلطة هي التي حظيت بالثناء وليس إنشاء مؤسسات فعَّالة تقوم على المشاركة الديمقراطية والمساءلة.
هذا الوضع يُفسِّر انعدام ثقة الشعب العميق بالسياسيين. ويُلقي معظم الماليين اللوم على الطبقة السياسية لإخفاقاتها في مجالات الأمن والتنمية الاقتصادية والاجتماعية على الرغم من العمليات الانتخابية الشفافة نسبيًّا.
وطالما تم تحميل الديمقراطية مسؤولية الإخفاقات التي تقع ضمن اختصاص الدولة. لكنَّ الديمقراطية ليست سوى أداة تتطلب هيكلاً أساسيًّا لممارسة الحكم الرشيد في إدارة شؤون الدولة. ولتوضيح الصورة باستخدام استعارة الكمبيوتر، تعتبر الدولة الأجهزة أو نظام التشغيل، في حين أن الديمقراطية هي البرمجيات، ويمكن أن يؤدي استخدام البرامج الأكثر تطورًا على نظام تشغيل قديم إلى حدوث أعطال خطيرة.
من جهة أخرى تعاني الدول الإفريقية، التي لا تزال شابَّة، من المشكلات المتأصلة في بناء الدولة. تاريخيًّا، كان هذا البناء في كثير من الأحيان معقدًا وعنيفًا، ومتنازعًا عليه وغير متوقَّع؛ خاصةً عندما تكون هناك أشكال متعددة من الحكم والسلطة.
التحديات المرتبطة بالتحول الديمقراطي تسبَّبت في تعقيد بناء الدولة في إفريقيا:
يعكس توسُّع حركات التمرد في بعض دول الساحل ضعف السيطرة الإقليمية لحكوماتها. فبعد مرور 64 عامًا على الاستقلال، لا تزال العديد من الدول، ولا سيما في مناطق الساحل الشاسعة، تفتقر إلى السيطرة الكاملة على أراضيها. يجعلهم هذا الوضع عُرضة للتمرد، لا سيما في المناطق الحدودية أو النائية.
يكشف البحث المستقبلي لإفريقيا أن القادة الأفارقة يكافحون من أجل فرض سلطة الدولة، ورغم ذلك، نادرًا ما كانت عملية تشكيل الدولة شاملة أو تشاركية.
وعلى الرغم من أن معظم الحكومات تمكَّنت من فرض سلطة الدولة على أراضيها، إلا أن نهجها يفتقر إلى الاتساق. فقد بالغت في الاستثمار في قوات الدفاع -غالبًا لحماية أنظمتها-، وأهملت وظائف الدولة التي تربط المواطنين بالوطن من خلال الخدمة العامة.
غالبًا ما تفتقر الدولة إلى البنية التحتية للنقل، والوجود الوظيفي للدولة، خاصةً في المناطق النائية، وسيادة القانون المتماسكة. إن تعزيز قدرات الدولة يعني تحسين فعالية الحكومة وإرساء احتكار مشروع للقوة. ويجب أن يسبق تطبيق القانون أو يُصاحب إنشاء قدرات إدارية لتقديم خدمات منتظمة.
ضرورة تبنّي الدول الإفريقية للقدرات والمؤسسات ودمج الجهود في الوقت نفسه:
إنّ الاقتصادات الضعيفة تَحُدّ من الإيرادات العامة، وتُقلّل من قدرة الدولة على توفير السلع العامة الكافية، مما يخلق أرضًا خصبة للعنف.
وتشير الأبحاث إلى أنه في بعض البلدان التي تشهد صراعات، يَنظر المواطنون إلى الدولة على أنها مؤسسة للابتزاز والقمع وليست للخدمات، مما يؤدي إلى طمس الحدود بين مسؤولي الدولة والجماعات المسلحة.
في مواجهة الشباب المتنامي والمتصل بالسكان في المناطق الحضرية الذين يطالبون بحقوقهم، ويطالبون بالخدمات، والموارد الضريبية المحدودة، وظروف الحصول على التمويل الدولي غير المواتية، تجد الحكومات الإفريقية نفسها في كثير من الأحيان في طريق مسدود.
من شأن إرساء الديمقراطية أن يُشجّع على ظهور دول قوية، متجذرة بقوة في مناطق محددة وبشكل ملموس.
رغم ذلك، فإن التحديات التي تُواجه بناء الديمقراطية قد عقَّدت بناء الدولة في إفريقيا. بدلاً من خلق مجتمعات شاملة للجميع، فإن التحوُّل إلى الديمقراطية، الذي كثيرًا ما يكون مصحوبًا بطموحات الجهات الفاعلة السياسية، أدى في بعض الأحيان إلى تفاقم الانقسامات الاجتماعية.
تعاني الدول الإفريقية -إلى جانب معاناتها من الضعف الداخلي- من صعوبة في تعزيز أُطُر الأمن الجماعي في الاتحاد الإفريقي والجماعات الاقتصادية الإقليمية. تعكس أزمة التعددية في القارة أيضًا هشاشة الدول الإفريقية؛ حيث لا يمكن لمجموعة ضعيفة من الدول أن تُولد منظمات إقليمية وقارية قوية.
فالديمقراطية تتطلب وجود دول قوية ذات مؤسسات فعَّالة، وهو ما تفتقر إليه إفريقيا. ويتعين على الحكومات أن تبنّى في الوقت نفسه قدراتها ومؤسساتها وشمولها، دون أن يكون لديها ترف التحرك على مراحل.
يعتمد مستقبل الاتحاد الإفريقي والجماعات الاقتصادية الإقليمية بشكل أساسي على تعزيز قدرة الدول على تشكيل كيانات فعَّالة، وهو شرط أساسي للتعاون المستدام بين البلدان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال:
https://issafrica.org/fr/iss-today/crise-de-la-democratie-ou-crise-de-l-etat-en-afrique