الباحثان في العلوم السياسية:
أحمد جمال الصياد – عاطف محمود دبل
مقدمة:
يمثل نموذجَا قوات (أتميس) في الصومال، و(مينسوما) في مالي تجربتين إفريقيتين في الاستعانة بالقوات الدولية. وقد وثقنا عددًا من الاختلافات بين مكونات تلك القوات في البلدين؛ من حيث طبيعة المكوّن العسكري، والأهداف، وأسلوب رسم النهاية لعمل كلٍّ منهما، فضلًا عن الاختلاف بين منطقتي وجود القوتين في شرق القارة الإفريقية وغربها، والتي لها العديد من المحدِّدات التي يتم مراعاتها في البحث، والتي تجعل من التحليل والموازنة بين كلٍّ منهما مجالًا خصبًا للبحث والدراسة.
ونجد أن قوات أتميس في الصومال كانت تستهدف مساندة القوات الوطنية للجيش من أجل مواجهة تحدّي الإرهاب، وكانت “مينوسما” تتفق في ذلك الهدف، إلى جانب شقّ آخر يتعلق بالطوارق الانفصاليين في شمال مالي.
وبناءً على قيام العلاقة بين البعثة الدولية -التابعة في الأصل للاتحاد الإفريقي- والمؤسسات الوطنية في مقديشو، فقد أثمر ذلك التعاون عن تراجُع مؤشر العمليات الإرهابية والعنف في البلد الإفريقي، فبعد أن كانت الصومال تتصدر قائمة الدول الإفريقية في عدد العمليات وعدد القتلى؛ أخذت بالتراجع المستمر، حتى وصلت للمرحلة التي توجب سحب القوات. كما أثمر التعاون عن ضمان عدم الانزلاق إلى فراغ أمني.
وعلى النقيض من ذلك؛ فقد واجهت “مينوسما” -التابعة في الأصل للأمم المتحدة- تغييرات سياسية داخلية، انعدم على إثرها التعاون مع المؤسسات الداخلية في مالي، وأصبح من غير المقبول استمرارها. وقبل رسم سيناريو منطقي لإحلال قوات وطنية مكانها، تسارع سحب القوات الدولية ليخلق ذلك فراغًا أمنيًّا يُهدّد أمن الدولة والمنطقة بالكامل.
المحور الأول:
نموذج القوات الدولية في الصومال
بدأت بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال (ATMIS) العمل في الأول من شهر أبريل 2022م، وهي مهمة متعددة الأبعاد تشمل الجوانب العسكرية والشرطية والمدنية، بتفويض من الاتحاد الإفريقي وبالتعاون مع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الإفريقي.([1])
وتمت الموافقة على بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال(ATMIS) ، وتم تفويضها مِن قِبَل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بموجب بيان مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الإفريقي للاجتماع رقم 1068، وبقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2628 لعام 2022م.([2])Top of FormBottom of Form
وتعمل القوات بالتعاون مع القوات الصومالية على تأمين المواقع الإستراتيجية في العاصمة منذ عام 2007م، بما في ذلك القصر الرئاسي، ومبنى البرلمان، والمطار، والميناء البحري. وكانت القوات الصومالية تتولى المسؤولية الكاملة عن المقرات الرئيسية للسلطتين التنفيذية والتشريعية للحكومة.
وقد انتهت المرحلة الأولى من انسحاب قوات الاتحاد الإفريقي في يونيو/حزيران 2023م؛ حيث غادر حوالي 2000 جندي من الصومال. وفي سبتمبر2023م طلبت الحكومة الصومالية “مهلة فنية” تمتد لمدة 90 يومًا للانسحاب، بعد انتكاسات عسكرية تورطت فيها المناطق الوسطى ضد مسلحي حركة الشباب الذين يقاتلون الحكومة منذ عام 2007م.([3])
ووفقًا لخطة الانسحاب، تقرر أن تكمل بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال (ATMIS) سحب 4000 فرد نهاية يونيو 2024م. وبدأت البعثة بتسليم قاعدة عملياتها الأمامية في منطقة شبيلي السفلى إلى قوات الأمن الصومالية كجزء من هذه العملية. ومع ذلك، طلبت الحكومة الصومالية جدولًا زمنيًّا معدَّلًا في رسالة إلى مجلس السلم والأمن بتاريخ 16 مايو 2024م؛ حيث اقترحت انسحابًا تدريجيًّا يشمل مغادرة 2000 جندي بحلول نهاية يونيو وخروج دفعة ثانية بحلول سبتمبر 2024م.([4])
ومن المتوقع أن تنتهي بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال (ATMIS) من سحب قواتها والخروج بحلول نهاية العام الحالي 2024م. ومن هنا بدأت المناقشات حول ترتيبات ما بعد ATMIS؛ حيث طلبت الحكومة الصومالية إرسال بعثة متابعة إلى مؤتمر الأمن الصومالي في نيويورك في ديسمبر 2023م. بعد ذلك، قدّمت اقتراحًا إلى مجلس السلم والأمن في مارس 2024م ومجلس الأمن في أبريل 2024م. لتشمل مهام البعثة توفير دعم للاستقرار الأمني، وتسهيل أولويات بناء الدولة، وتأمين المراكز السكانية الإستراتيجية والبنية التحتية الحيوية.
في البداية، كان الاقتراح يهدف إلى الاحتفاظ بالأعضاء المتبقين في ATMIS البالغ عددهم 10 آلاف بعد المرحلة الثالثة من عملية السحب. ومع ذلك، تطورت المناقشة منذ ذلك الحين، مما يعكس التغيرات في السياق السياسي والأمني في الصومال والمنطقة، وتخوفات فعلية من الاعتماد بشكل حصري على القوات الوطنية.([5])
وقبل عشرة أشهر من نهاية بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال (أتميس)، التي استمرت لمدة 17 عامًا في الدولة الواقعة في القرن الإفريقي؛ طلبت مقديشو إنشاء مهمة بديلة أصغر خلفًا لقوة الاتحاد الإفريقي. يهدف هذا الاقتراح إلى تأسيس قوة حماية انتقالية للمجتمعين المحلي والدولي في البلاد بعد انسحاب أتميس.Top of FormBottom of Form
هنا أدركت منظمة شرق إفريقيا أن حكومة الصومال الفيدرالية تُفكّر في تأثير الانسحاب القادم لجنود بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال (أتميس). وقدّمت الحكومة طلبًا في ديسمبر من العام الماضي في نيويورك، لإنشاء مهمة جديدة كقوة حماية ما بعد المرحلة الانتقالية، تستهدف دعم المجتمعات المحلية والإقليمية بالتعاون مع المجتمع الدولي.
مآلات وتحديات استقرار الحالة الأمنية:
انسحاب قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي يشكل مخاطر على الصومال من عدة جوانب. من جهة، قد يؤدي الانسحاب إلى تخفيف الضغط على حركة الشباب في وقتٍ حَرِج، ولا يمكن القضاء على هذه المخاطر بشكل كامل. علاوةً على ذلك، يمنح انسحاب قوات الاتحاد الإفريقي ساحة معركة وميزة دعائية لحركة الشباب. كما أنه يقلل من الدعم المقدَّم للقوات الصومالية التي تحاول الدفاع ضد هجمات الحركة. هناك أيضًا خطر أن تكون القوات الصومالية المتمركزة في قواعد العمليات السابقة للاتحاد الإفريقي مُعرَّضة بشكل خاص لهجمات من حركة الشباب.
تقليل هذه المخاطر، يوجب على السلطات الصومالية والاتحاد الإفريقي اتخاذ خطوات تشمل تعزيز القدرات الأمنية الصومالية، وتوفير الدعم الدولي المستمر، وتعزيز التنسيق الفعَّال بين القوات المحلية والدولية. كما يجب أن تتبنَّى إستراتيجيات لحماية القواعد العسكرية، وتعزيز الأمن في المناطق الحيوية للحفاظ على الاستقرار والأمن في الصومال بعد انسحاب قوات الاتحاد الإفريقي.([6](
لتجنُّب خلق فراغ أمني نتيجة انسحاب قوات الأمن الصومالية؛ يعمل الجيش الصومالي بجدّ على تعزيز مواقعه بعد عامٍ من شنّ هجوم كبير لطرد حركة الشباب من معاقلهم. الجماعة الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة ما زالت تسيطر على نسبة كبيرة من أراضي الصومال، ورغم العمليات العسكرية واسعة النطاق، نجحت الحكومة في مقديشو في استعادة مواقع في ولايتي غالمودوغ وهيرشابيل وسط البلاد، لكنَّ هذه الإنجازات العسكرية دفعت المسلحين المتطرفين إلى ارتكاب هجمات انتقامية دامية في المدن، بما في ذلك العاصمة.([7](
وفي محاولة لتعزيز الأمن والاستقرار في الصومال، وافق مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الإفريقي على نشر بعثة جديدة بقيادة الاتحاد الإفريقي (20 يونيو) خلال اجتماعه (رقم 1217) في أديس أبابا. تهدف البعثة الجديدة -التي من المقرر أن تحل محل بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال (ATMIS) بانتهاء ولايتها في ديسمبر 2024م-، إلى دعم حكومة الصومال الفيدرالية في جهودها لإضعاف حركة الشباب، وتوفير الأمن، وتعزيز بناء الدولة. هذا القرار يمثل خطوة مهمة في التزام الاتحاد الإفريقي المستمر بالسلام والاستقرار في المنطقة.
ستركز البعثة الجديدة على دعم الحكومة الفيدرالية الصومالية، والمشاركة في عمليات مكافحة الإرهاب، وضمان انتقال سلس للمسؤوليات الأمنية إلى القوات الصومالية. وأكد المجلس على أهمية وجود هياكل اتصال وقيادة وسيطرة واضحة، بالإضافة إلى تبادل منتظم للمعلومات. كما وكلت مفوضية الاتحاد الإفريقي بوضع مفهوم للعمليات يحدد حجم ونطاق وتفويض البعثة الجديدة، بهدف ضمان انتقال سلس بعد انسحاب قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي.([8](
المحور الثاني:
نموذج القوات الدولية في مالي
يرجع إنشاء قوات مينوسما لعام 2012م، وهو العام الذي تعرَّضت فيه مالي لحركة متمردي الطوارق، تلك الحركة التي تهدف للانفصال بالجزء الشمالي من البلاد وتكوين دولة مستقلة، والتي أطلقت عليها حركة التمرد (أزواد)، ليتبع ذلك قرار مجلس الأمن رقم 2100 بتكوين بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد (مينوسما)، وذلك في أبريل 2013م، وتهدف تلك البعثة لدعم القوات الوطنية التي تحارب المتمردين في مالي، وقد تم نشر قوات مينوسما بشكل فعلي في يوليو 2013م، والتي اتخذت من العاصمة باماكو مقرًّا رئيسيًّا لها، وكانت تضمّ ما يقارب من 15200 جندي في مالي، وهو ما يجعلها من أكبر بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في العالم.([9])
وبحلول العام 2020م وبعد سيطرة الجيش على مقاليد الحكم في مالي، اتضح ميل باماكو للجانب الروسي بشكل أكبر، وعليه بدأت العلاقات بين مالي والدول الغربية في التدهور، ونتيجة لذلك طالب المجلس العسكري الحاكم بسحب بعثة مينوسما، فصدر قرار مجلس الأمن الذي أنهى تفويض البعثة الأممية في يونيو 2023م، وحدد لها فترة للانسحاب التدريجي يكون في موعد آخره ديسمبر 2023م، لتسلُّم بعثة مينوسما آخر معسكراتها للسلطات الوطنية في مدينة تمبكتو الكبيرة، وتشير التقديرات أن البعثة الأممية في مالي تكبَّدت خسائر منذ إنشائها عام 2013م، وحتى سبتمبر 2023م بمقتل 275 فردًا من عناصرها.([10])
وبتتبُّع مؤشر العمليات الإرهابية في مالي في الأشهر الأخيرة من عام 2023م، وهي آخر فترة لوجود قوات مينوسما في باماكو، نجد أن أكثر من عملية إرهابية تمت في مالي، ففي يوليو نصبت الجماعات الإرهابية كمينًا بين قريتي نارا وجوير، استهدف ذلك الكمين القوات الوطنية، مما أدَّى لمقتل جندي وإصابة اثنين آخرين، وفي 4 أغسطس قُتِلَ عدد من الجنود التابعين للقوات الوطنية في منطقة ميناكا شمال مالي، وفي 5 أغسطس قامت القوات الإرهابية بهجومين في وسط مالي راح نتيجة ذلك الهجوم 17 شخصًا وإصابة اثنين آخرين.
وفي الأيام الأولى من سبتمبر من نفس السنة، قُتِلَ ما يقارب من 49 مدنيًّا و15 جنديًّا نتيجةً للهجمات الإرهابية في شمال شرق مالي. وفي 17 سبتمبر قامت الجماعات الإرهابية بهجمات تركزت في شمال البلاد نتج عن تلك الهجمات مقتل 5 جنود ماليين، وإصابة 20 آخرين، إضافة إلى 11 مفقودًا في صفوف الجيش المالي. وكانت تلك الهجمات متركزة في منطقة “ليري” الواقعة في شمال مالي.
ما سبق كان أبرز العمليات الإرهابية في الفترة الأخيرة لوجود البعثة الأممية (مينوسما) في مالي، وحسب التقديرات راح ضحية العمليات الإرهابية في هذه الفترة قرابة 130 قتيلاً، هو رقم يدلّ على نشاط الجماعات الإرهابية في مالي.([11])
أما مؤشر العمليات الإرهابية في مالي خلال الربع الأول من عام 2024م، وهي الفترة التي تمثل الأشهر الأولى لخروج البعث الأممية (مينوسما)، فالعمليات الإرهابية في أشهر (يناير- فبراير- مارس) راح ضحيتها 55 قتيلاً، وكان تركيز الهجمات الإرهابية على الأهداف العسكرية بواقع 11 هدفًا عسكريًّا وهدفين مدنيين، وتمت أغلب العمليات السابقة بواسطة إيسواب وجماعة نصرة الإسلام.([12])
محاولات رأب الصدع في مالي:
يعاني البلد الإفريقي بشدة من الوضع الأمني الهشّ؛ وذلك نتيجة لانسحاب أكثر من قوة دولية من بماكو، وعلى رأسها البعثة الأممية مينوسما، فخروج القوات الدولية خلَق حالةً من الفراغ الأمني، كما أثرت الانسحابات المتتالية للقوات الدولية بالسلب على جهود مكافحة الإرهاب. وقد استغلت الجماعات الإرهابية تلك الحالة لتزيد من نشاطها ومن عملياتها الإرهابية، بالإضافة لاستمرار أزمة حركة (أزواد) الانفصالية المتمركزة في شمال البلاد، وهو ما ترتب عليه مزيد من تدهور الاستقرار والوضع الأمني في مالي.([13])
وفي 6 يوليو 2024م، أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو عن تحالُف يضم الدول السابقة في اتحاد كونفدرالي تحت مسمى (كونفدرالية دول الساحل)، وهو خطوة تزيد من تدهور العلاقات بين دول كونفدرالية الساحل ومجموعة الإيكواس.
وهو ما عبَّر عنه عبد الرحمن تشياني -رئيس المجلس الانتقالي في النيجر- قائلاً: “إن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) التي تأسست منذ ما يقرب من 50 عامًا أصبحت “تهديدًا لدولنا”. وأضاف: “سنقوم بإنشاء نظام للشعوب بديلاً عن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا التي تُملي عليها قوى غريبة عن إفريقيا توجيهاتها وتعليماتها”([14]).
تلك الخطوة تعبّر عن التدهور الكبير الذي أصاب العلاقة بين باماكو والعواصم الغربية، وهو ما يعني مزيدًا من التقارب مع روسيا وذراعها العسكري في إفريقيا “قوات فاجنر”؛ حيث تعتمد عليها مالي حاليًّا بجانب قواتها الوطنية لمكافحة الإرهاب، ومواجهة تمرُّد الطوارق؛ فحالة الفراغ الأمني الناتجة عن انسحاب القوات الدولية تمثل فرصة أمام موسكو لزيادة نفوذها في غرب إفريقيا، لكنَّها تمثل أيضًا فرصةً للجماعات الإرهابية لزيادة نشاطها وعملياتها وتوسُّعها في نفس المنطقة من قارة إفريقيا.
المحور الثالث:
مقارنة بين النموذجين الإفريقيين في استقبال القوات الدولية
يتضح الاختلاف بين النموذجين في ثلاثة فوارق:
أولاً: الفارق في طبيعة القوات (اتحاد إفريقي- أمم متحدة)، والأهداف:
يكمن الفارق بين طبيعة قوات أتميس ومينوسما، أن الأولى قوات تابعة للاتحاد الإفريقي، فبعثة أتميس هي امتداد لقوات أميصوم التي أنشأها الاتحاد الإفريقي عام 2006م، وذلك بعد سيطرة المحاكم الإسلامية على العاصمة مقديشو، وكانت أبرز مهامها مساعدة القوات الصومالية في مواجهة الجماعات المتطرفة، وعلى رأسها حركة الشباب، وخلق مسارات آمنة لوصول المساعدات الإنسانية، بالإضافة لمساعدة قوات الأمن الصومالية وتدريبها بما يُمكّنها من أن تحقق أداءً قتاليًّا أفضل أمام تلك الجماعات. جدير بالذكر أن قوات أتميس تسلمت مهام بعثة أميصوم في أبريل 2022م، وذلك عملاً بقرار مجلس السلم والأمن الإفريقي رقم 1068، وهذا لمساعدة القوات الأمنية الصومالية في تسلم المهام الأمنية لحماية البلاد ومجابهة الإرهاب، تنفيذًا لخطة انتقالية من شأنها أن تدعم استقرار الصومال.([15])
أما عن قوات مينوسما، فترجع حيثيات تكوينها للعام 2012م، وذلك مع بداية أزمة الطوارق التي باتت تهدد مالي بالانفصال بالجزء الشمالي بالبلاد واستقلال “أزواد” عن مالي، وهو ما استجاب له مجلس الأمن بتكوين قوات مينوسما بموجب القرار 2100، وذلك لدعم السلطات في باماكو لتحقيق الاستقرار والأمن، وحماية المدنيين، وكذلك تعزيز الحوار تمهيدًا للمصالحة بين أطراف الأزمة في مالي، بالإضافة لمساعدة قوات الأمن في مجابهة الإرهاب، وإعادة بناء القطاع الأمني في الدولة الإفريقية، علاوةً عن تعزيز وحماية حقوق الإنسان.([16])
ثانيًا: الفارق في طبيعة العلاقات بين القوات المسلحة الوطنية والقوات الدولية
بالنظر لطبيعة العلاقة بين القوات الوطنية في الصومال والبعثة الإفريقية، نجد أن قوات الاتحاد الإفريقي حققت عدة إنجازات، سواء كانت بعثة أميصوم أو امتدادها في قوات أتميس؛ فقد تمكنت من إخراج حركة الشباب من العاصمة الصومالية عام 2011م، وهو ما مهَّد لاحقًا لتشكيل الحكومة والبرلمان في الصومال، ويعني ذلك أن هذه القوات ساعدت في خلق بيئة سياسية تتَّسم بنوع من الاستقرار والإيجابية، وانطلاقًا من العاصمة مقديشو تمكَّنت القوات الإفريقية من استعادة السيطرة على إقليمي شبيلي السفلى والوسطى، إضافةً إلى مساعدة الشرطة الصومالية عن طريق تدريبها، وتوفير المعدات اللازمة لها حتى تتمكن من أداء مهامها وحفظ الأمن، فجهود بعثة الاتحاد الإفريقي أسهمت -بالإضافة لخلق بيئة إيجابية سياسية في الصومال- في تأمين المقار الحكومية والمرافق المهمة في مقديشو مثل المطار والميناء أيضًا.([17])
وبالرغم أن قوّات الاتحاد الإفريقي لم تتمكن من القضاء على حركة الشباب بشكل كامل؛ إلا أنها أحرزت إنجازات عديدة من شأنها توفير حالة من الاستقرار في الصومال مقارنةً بفترات أخرى تعاظمت فيه الهجمات الإرهابية، لدرجة أن مقديشو نفسها كانت مركزًا للجماعات الإرهابية، فطرد هذه الحركة من العاصمة، بالإضافة للمهام الأخرى التي قامت بها البعثة، وتحقيق عدد من الإنجازات، وهو ما يُعتبر نتاجًا للتعاون بين قوات الاتحاد الإفريقي والقوات الوطنية الصومالية.
أما عن قوات مينوسما، فبالرغم من جهودها منذ وجودها في مالي منذ عام 2013م؛ إلا أنها تعرَّضت لانتقادات شديدة، فبالنظر لأحد أهم أهداف مينوسما هو دعم تنفيذ اتفاق سلام بين السلطات في مالي والحركة الانفصالية في شمال البلاد (أزواد) نجد أن هذا الهدف لم يتم تنفيذه على أرض الواقع، وهذا يتضح من التصريحات الرسمية لتنسيقية الحركات الوطنية الأزوادية المتمثلة في استمرار حربها ضد الجيش المالي، وعلى الرغم من توقيع اتفاق سلام بين الحكومة والحركة الانفصالية عام 2015م بوساطة الجزائر؛ إلا أن أعمال القتال بدأت من جديد بين الانفصاليين والجيش المالي، وذلك في أواخر عام 2023م، وهو ما يعني فشل مينوسما في تحقيق أحد أهم أهدافها المتمثل في تحقيق اتفاق سلام دائم بين السلطات في مالي وبين الانفصاليين شمال البلاد.([18])
وبحسب القاسم واني -قائد بعثة مينوسما- فإن مهمة البعثة صعبة في ظل العنف المتصاعد في مالي، وتنفيذ العمليات في مناطق كبيرة في مالي، بالإضافة لتوقعات عالية من المدنيين الماليين، وهو ما خلق فجوة بين الواقع والمتوقع أدى لحالة من الاستياء من وجود قوات مينوسما، وخاصةً بعد وصول العسكريين للحكم في مالي عام 2020م؛ حيث إن السلطات المالية منذ ذلك العام بدأت في فرض عوائق أمام مينوسما، وذلك مثل حظر السفر لعناصر البعثة، بالإضافة لوضع شروط في حالة استمرار وجود القوات الدولية مثل منع طيران فرنسا من تنفيذ أيّ عمليات في مالي، إضافةً إلى احتجاج السلطات في بماكو على تدخل مينوسما في ملف حقوق الإنسان، والذي يُعدّ أحد مهامها في مالي.([19])
وفي 16 يونيو 2023م ألقى عبد الله ديوب -وزير خارجية مالي- خطابًا أمام مجلس الأمن يطالب فيه بضرورة إنهاء مهام بعثة مينوسما في بلاده، ذلك إلى جانب اتهامه لها بالفشل في أداء مهامها([20]).
مما سبق يتضح أن التعاون بين مينوسما والقوات الوطنية لم يكن بأفضل حال، خاصةً في الفترة الأخيرة، وبالأخص منذ اعتلاء العسكريين سُدّة الحكم في مالي منذ 2020م، كما أنه من الواضح عدم نجاحها في أهم المهام الموكل إليها تنفيذها، وذلك بالرغم من جهودها في محاربة الإرهاب.
ثالثًا: الفارق في رسم سيناريو لما بعد مغادرة القوات الدولية
أبدت الصومال استعدادها لخروج أتميس منها عن طريق زيادة عدد القوات الوطنية للصومال؛ وذلك لاستلام مهام قوات أتميس، بالإضافة للاهتمام بالتدريب والإعداد لأفراد القوات الأمنية مما يُمكِّن هذه القوات من أداء جميع المهام الموكلة إليها سواء كانت دفاعية أو هجومية، وفي إطار ذلك استطاعت الصومال تدريب عدد كبير من الجنود يقارب 23.000 جندي في مصر وأوغندا، بالإضافة لتدريب عدد من قوات المهام الخاصة في دول أخرى.([21])
بالإضافة لطلب الصومال بتشكيل قوة جديدة من الاتحاد الإفريقي تحل محل أتميس، وهو ما وجد تأييدًا من الاتحاد الإفريقي في يونيو الماضي. وعلى الرغم من جهود الصومال لتحمُّل مهام حماية استقرار البلاد ومكافحة الإرهاب؛ إلا أن جهودها قد تكون غير كافية، وتحتاج مزيدًا من الدعم الدولي لإضعاف حركة الشباب، والتمكن من حسم معركتها ضد الإرهاب. كما أن التأييد الإفريقي لتشكيل قوة جديدة جاء بسبب مخاوف من تداعيات خروج أتميس، والتي قد ينتج عنها حالة من الفراغ الأمني ومزيد من الضغط على القوات الوطنية الصومالية، والذي قد تستغله الجماعات المسلحة، وخاصةً حركة الشباب، في زيادة نشاطها وعملياتها في الصومال، مما يشكّل تهديدًا لأمن واستقرار الصومال بشكل خاص، وأمن واستقرار منطقة القرن الإفريقي بشكل عام، ومما سبق قد تشهد الصومال تدخلاً دوليًّا عن طريق تشكيل قوة جديدة تساعد مقديشو في حربها على الإرهاب([22]).
أما عن مالي فيتضح أنها تتجه نحو روسيا كبديل لها عن الحلفاء الغربيين، وخاصةً فرنسا، فنقطة التحول في العلاقة بين مالي والغرب كانت تدهور العلاقات بين باماكو وباريس، وخاصةً بعد تولّي العسكريين السلطة في مالي، فمنذ خروج القوات الفرنسية، تدخَّلت موسكو لسدّ الفراغ الناتج عن خروج باريس، وذلك يتضح في وجود قوات فاجنر الروسية منذ عدة سنوات، ومساعدة مالي في حربها ضد الإرهاب والانفصاليين، وقد سارعت موسكو لتزويد باماكو بمعدات وأسلحة روسية متطورة تساعدها من تحقيق تفوق نوعي ضد الجماعات المتطرفة والحركة الانفصالية في شمال البلاد، وهو ما يُمثّل تغيُّرًا في السياسة الخارجية لمالي التي اتجهت نحو روسيا كحليف بديل لها عن الدول الغربية، وفي مقدمتها فرنسا.
وعلى حد تعبير الصديق آبا -الخبير في الشؤون الإفريقية- فإن “الدعم الروسي أفضل وأكثر فاعلية من الدعم الفرنسي؛ وذلك لأن روسيا قدَّمت لمالي الأسلحة مع خبراء تقنيين لمساعدتها في استخدام هذه الأسلحة، وهو ما منح باماكو المرونة في القتال ضد الإرهاب، وهو ما يوطّد العلاقة بشكل أكبر بين مالي وروسيا، واعتبار موسكو البديل الأفضل من الغرب وبعثاته العسكرية مثل مينسوما”([23]).
وعليه، فالدعم الروسي يلاقي الإشادة من السلطات في باماكو، وخاصةً بعد تحقيق بعض الإنجازات الأمنية بالتعاون مع موسكو مثل انسحاب الطوارق من عدة مناطق شمال مالي، وسيطرة الجيش المالي على كيدال، ذلك الأمر الذي يطرح مزيدًا من فرص التعاون وتعميق العلاقات بين البلدين، وهو ما يمثل زيادة للنفوذ الروسي في إفريقيا. ويتضح ذلك في تصريحات وزير خارجية مالي “عبد الله ديوب” في لقائه بنظيره الروسي “سيرجي لافروف”؛ حيث جاءت أبرز التصريحات في هذا اللقاء التي تدلّ على اتجاه آفاق العلاقة بين موسكو وباماكو لمزيد من التعاون. ومما قاله ديوب: “علينا مواصلة التعاون العسكري مع روسيا وتعزيزه أيضًا مع شركاء آخرين مثل الصين وتركيا”، وهو ما يوضّح آفاق العلاقات بين البلدين المتجهة نحو مزيد من التقارب وتعزيز النفوذ الروسي في مالي وإفريقيا بشكل عام.([24])
خاتمة:
بناءً على التحليل لنماذج قوات “أتميس” في الصومال و”مينسوما” في مالي، يتبين أن الاستعانة بالقوات الدولية كانت استجابةً لتحديات أمنية معقدة في كلا البلدين، ولكن بناء استقرار دائم يظل تحديًا بلا منازع.
في الصومال، نجحت قوات “أتميس” في دعم القوات الوطنية لمكافحة الإرهاب، مما أدى إلى تراجع ملحوظ في معدلات العنف والعمليات الإرهابية، ومع ذلك، تبقى الحاجة إلى استمرار الدعم الدولي لتعزيز القدرات الأمنية المحلية بعد انسحاب البعثة. بالمقابل، في مالي، تعثرت جهود “مينسوما” بسبب التحديات السياسية الداخلية وانعدام التعاون مع المؤسسات المحلية، مما أدى إلى إنشاء فراغ أمني خطير بعد سحب القوات الدولية.
من هنا، تبرز أهمية بناء القدرات المحلية، وتعزيز الشراكة الفعّالة بين الجهات المحلية والدولية كخطوة أساسية للحفاظ على الاستقرار الأمني بعد انسحاب القوات الدولية.
ويجب أن تركّز السياسات المستقبلية على تعزيز الحوكمة، وتعزيز القدرات الأمنية المحلية، بما يعزّز من متانة النظم الأمنية، ويَحُدّ من النزاعات المسلحة المحتملة.
في النهاية؛ إن دراسات النماذج السابقة تعكس أهمية التعاون الدولي المتواصل والاستجابة الشاملة للتحديات الأمنية في السياقات القارية المختلفة.
…………………………………………………….
[1] ATMIS, What is ATMIS?, 2022, https://rb.gy/kfide4
[2] Reliefweb, The African Union Transition Mission in Somalia, 2022, https://rb.gy/d48rcu
[3] VOA, AU Mission in Somalia Resumes Drawdown After 3-Month Pause, 2023, https://rb.gy/xsmwjv
[4] Amaniafrica, INSIGHTS ON THE PEACE AND SECURITY COUNCIL (PSC), 2024, https://rb.gy/56antq
[5] Security council report, Somalia: Vote on the AU Transition Mission in Somalia (ATMIS)*, 2024, https://rb.gy/71q07u
[6] The conversation, AU peacekeepers are leaving Somalia: what needs to happen to keep the peace, 2023, https://tinyurl.com/bdd4tf73
[7] Le monde, In Somalia, plans to withdraw African Union troops raise fears of a security vacuum, 2023, https://tinyurl.com/548sw6vh
[8] The report, AU endorses new peace keeping mission for post-ATMIS Somalia, 2024, https://tinyurl.com/yvaxmk3u
[9] – حكيم ألادي نجم الدين، خروج مينوسما من مالي: دلالات الخطوة وارتباطها بأوروبا وأسيا، الميادين، تاريخ النشر 5/7/2023، تاريخ الوصول 6/7/2024م. https://shorturl.at/9SknW
[10] – قوات حفظ السلام تبدأ الانسحاب من مالي، الجزيرة، تاريخ النشر 28/9/2023، تاريخ الوصول 6/7/2024. https://shorturl.at/vFYjj
-[11] مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، تقرير بعنوان: عدسة العمليات الإرهابية وأعمال العنف في إفريقيا الربع الثالث من 2023، تاريخ الوصول 6/7/2024. https://shorturl.at/VQSmB
[12] – مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، تقرير بعنوان: عدسة العمليات الإرهابية وأعمال العنف في إفريقيا خلال الربع الأول من 2024، تاريخ الوصول 6/7/2024. https://shorturl.at/BGeeP
[13] – أحمد شعبان، تحذيرات من تزايد نشاط الجماعات الإرهابية في مالي، مركز الاتحاد، تاريخ النشر 7/5/2024، تاريخ الوصول 7/7/2024.
https://shorturl.at/O0Od4
[14]– Sky news AR ثلاث دول إفريقية تعلن توحدها ضمن كونفدرالية دول الساحل، تاريخ النشر 7/7/2024، تاريخ الوصول 7/7/2024.
[15] – الجزيرة، انسحاب قوات حفظ السلام من الصومال.. السياقات والإنجازات والتحديات، تاريخ النشر 25/2/2024، تاريخ الوصول 7/7/2024.
https://shorturl.at/AOBnj
[16] UNmissons.org, ABOUT MINUSMA, accessed on 7/7/2024.
https://shorturl.at/OQBY0
[17] – الجزيرة، انسحاب قوات حفظ السلام من الصومال.. السياقات والإنجازات والتحديات، مرجع سابق.
[18]– Sky news ar، تنسيقية أزواد: حربنا ضد جيش مالي ستدخل مرحلة جديدة، تاريخ النشر 24/1/2024، تاريخ الوصول 8/7/2024.
https://shorturl.at/MuLZi
[19] – Swissinfo.ch، انتهاء مهمة الأمم المتحدة في مالي رسميا بعد وجود دام عشر سنوات، تاريخ النشر 11/12/2023، تاريخ الوصول 8/7/2024. https://shorturl.at/7NrTp
[20] – الجزيرة، بعد إلحاح باماكو.. مجلس الأمن الدولي ينهي بعثة الأمم المتحدة في مالي، تاريخ النشر 30/6/2023، تاريخ الوصول 8/7/2024.
[21] – الجزيرة، انسحاب قوات حفظ السلام من الصومال.. السياقات والإنجازات والتحديات، مرجع سابق.
[22] – الشرق، الاتحاد الإفريقي يؤيد تشكيل قوة جديدة لمحاربة المتشددين في الصومال، تاريخ النشر 22/6/2024، تاريخ الوصول 8/7/2024.
[23] – الشرق، روسيا تملأ الفراغ الفرنسي في مالي: حضور عسكري ودعم اقتصادي، تاريخ النشر 21/5/2022، تاريخ الوصول 8/7/2024.
[24]– RT AR، مالي تشيد بالتقدم الأمني الذي حققته بمساعدة روسيا، تاريخ النشر 28/2/2024، تاريخ الوصول 8/7/2024.