بسام المسلماني (*)
“بين نفي القاهرة وتأكيد أديس أبابا” تغيب حقيقة دعم النظام المصري لقوى المعارضة الإثيوبية K ويأتي هذا التناقض في التصريحات والمواقف في ظل تصاعد الأزمة بين الحكومة الإثيوبية وجبهة الأورومو المعارضة لتزيد من تسخين وتعقيدات الموقف بين مصر وإثيوبيا.
البداية كانت عبر منابر إعلامية أثيوبية من بينها التلفزيون الرسمي حيث قال تقرير بثه التليفزيون إن «القاهرة تدعم جبهة «أورومو» (المحظورة في إثيوبيا) في محاولة لزعزعة استقرارها. وعزت تلك التقارير موقف القاهرة إلى الرغبة في تعطيل بناء سد النهضة الإثيوبي الذي تُجرى مفاوضات ثلاثية بين مصر وإثيوبيا والسودان في شأنه.
واستند التلفزيون الإثيوبي في اتهاماته إلى مقطع فيديو لمؤتمر عقدته «جبهة تحرير أورومو» يظهر فيه أعضاء من الجبهة يرفعون علمها، ويتوسطهم رئيس «المنظمة الوطنية المتحدة لحقوق الإنسان» محمد عبد النعيم، متشحاً بعلم الجبهة ويُلقي كلمة باللغة العربية على المؤتمر وبجواره مُترجم.
وقال عبد النعيم في الفيديو: «ستُشكل حكومة الأورومو وتحكم البلاد. شعب الأورومو الذي ناضل كثيراً من أجل أرضه ووطنه وتم تهجيره وقمعه، لا بد أن ينتصر ويسترد أرضه. الكلام لا ينتهي عن شعب الأورومو، الذي تربطه بشعب مصر حضارة وثقافة منذ قديم الأزل. نحن نتضامن قلباً وقالباً مع شعب الأورومو، وباسمي واسم حقوق الإنسان ندافع عن هذا الشعب. أشكركم على الدعوة الكريمة، وأرسل رسالة لرئيس جبهة الأورومو لأهنئه وأقول إن الأورومو ستنتصر. أورومو ومصر يد واحدة. تحيا مصر تحيا الأورومو».
المواقف الدبلوماسية:
وبعد بث هذه الفيديوهات ، دخل السلك الدبلوماسي على الخط ، حيث سارع وزير الدولة الإثيوبي للشؤون الخارجية برهاني كرستوس باستدعاء السفير المصري لدى أديس أبابا أبو بكر حفني، للتشاور.
وقال الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية في مصر، أحمد أبو زيد تعقيبا على الموقف الإثيوبي : إن وزير الدولة الإثيوبي للشؤون الخارجية طلب مقابلة السفير المصري لـ”الاستفسار عن حقيقة ما تم تداوله من مقاطع مصورة تظهر شخصاً يتحدث باللهجة المصرية مع تجمع يعتقد البعض بأنه من المنتمين لعرقية الأورومو في إثيوبيا”.
وأضاف أن «السفير المصري أكد في لقائه مع المسؤول الإثيوبي أن مصر لا تتدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، لا سيما الدول الشقيقة مثل إثيوبيا، وأن ما تم تداوله من مقاطع مصورة أو أخبار مرسلة لا يمت للواقع بصلة، وأنه لا يجب استبعاد وجود أطراف تسعى إلى زرع الفتنة والوقيعة بين مصر وإثيوبيا»، لافتاً إلى ما شهدته الأشهر الأخيرة من تطور ملحوظ وبناء ثقة في العلاقات المصرية – الإثيوبية تأسيساً على المصالح المشتركة بين البلدين والعلاقات التاريخية على مستوى الشعبين.
وأكد أبو زيد أن اللقاء الذي جمع بين السفير المصري ووزير الدولة الإثيوبي للشؤون الخارجية «عكس إدراكاً مشتركاً لأهمية الحفاظ على الزخم الإيجابي في العلاقات الثنائية»، وعدم إتاحة الفرصة لأي طرف للوقيعة بين البلدين. وأعرب عن تمنيات حكومة وشعب مصر «بعودة الاستقرار» إلى إثيوبيا في أسرع وقت.
لكن بعد ساعات من التوضيح المصري، استمرت أديس أبابا على موقفها ، إذ اتهمت إثيوبيا بشكل رسمي عناصر أجنبية بــ” تسليح وتدريب وتمويل” مجموعات مسؤولة عن اندلاع الاضطرابات.
وقال الناطق باسم الحكومة الإثيوبية “جيتاتشو رضا “: “إن دولاً متورطة مباشرةً في تسليح تلك العناصر وتمويلها وتدريبها. وذكر إريتريا ومصر بوصفهما «مصدرين لدعم العصابات المسلحة»” ، بحسب قوله .
وقال: «من المحتمل أن تلك العناصر التي تؤيد المسلحين في الداخل تعمل من دون دعم حكومي رسمي، وليست أطرافاً رسمية».
ورد الناطق باسم الخارجية المصرية على تلك التهم بإعادة التأكيد على “احترام مصر الكامل للسيادة الإثيوبية وعدم تدخلها في شؤونها الداخلية”. وصرح بأنه “تجرى حالياً اتصالات رفيعة المستوى بين البلدين للتأكيد على أهمية الحفاظ على الزخم الإيجابي والمكتسبات التي تحققت في العلاقات الثنائية خلال الفترة الماضية، وضرورة اليقظة أمام أي محاولات تستهدف الإضرار بالعلاقات الأخوية بين حكومتي وشعبي مصر وإثيوبيا”.
وأضاف أن “الاتصالات الجارية تعكس إدراكاً مشتركاً لخصوصية العلاقة بين البلدين والمصالح والمصير المشترك بينهما”، على حد قوله.
وأفيد بأن مسؤولين مصريين أكدوا في اتصالات مع نظرائهم الإثيوبيين أن الفيديو المنشور “لا يمكن من خلاله استخلاص أي نتائج تدعم الاتهامات الإثيوبية، باعتبار أن المتحدث المصري فيه لا علاقة له بالحكومة المصرية ولا منصب رسمي له”.
الموقف المصري غير الرسمي
في مقابل الموقف الرسمي المصري الذي حرص على امتصاص الغضب الإثيوبي وتهدئة الموقف ، فإن عدد من المسئولين السابقين والنخب المصرية عبروا عن دعمهم لدعم المعارضة الإثيوبية ، فقد صرح الدكتور نصر الدين علام، وزير الري الأسبق، والذي كان يشرف بشكل مباشر على ملف سد النهضة والمفاوضات مع إثيوبيا ، : بأن “الليونة” في التعامل مع إثيوبيا خلال مفاوضات سد النهضة أعطاها الجرأة لتفعل ما تفعله الآن، متسائلاً: “على أي أساس يتم استدعاء السفير المصري وأين ما يثبت صدق ادعائهم”؟.
وحول استضافة مصر للاجئين من جبهة “الأورومو” المعارضة، اعتبر علام أن هذا الموقف طبيعيا ومن شيم مصر استضافة المطاردين من بلادهم .
وقال “لو كان لمصر موقف قوي في قضية سد النهضة ما كانت إثيوبيا تتجرأ عليها بهذه الطريقة”.
من جانبه، قال المهندس إبراهيم الفيومي، صاحب مشروع ربط نهر الكونغو بالنيل، فعبر تأييده للأورومو واصفا الحكومة الإثيوبية بالمغتصبة للسلطة معتبرًا أن موقف الخارجية من الأزمة “هيّ وشأنها، أما مصر فعليها ألا تكرر تجربة فلسطين، خصوصًا وأن إثيوبيا تحكمها أقلية مغتصبة للسلطة” ، بحسب قوله.
انتقادات إثيوبية:
أكد الاعلامي الاثيوبي ، رئيس تحرير صحيفة العلم “أيوب قده” أن هناك دلائل مؤكدة على دعم مصر السيسي لـ”جبهة أورومو” المعارضة ، لزعزعة استقرار الدولة الاثيوبية
وقال قده في مقال كتبه بالصحيفة أن أحد أصدقائه ويدعى “صديق محمد صالح”، من دولة إريتريا مقيم في السويد كان في زيارة للقاهرة ،وقد شاهد خلال زيارته عدد من المعارضين التابعين لجبهة تحرير أورومو في إحدى الاجتماعات في العاصمة المصرية.
ونقل قده عن صالح قوله : حينها تحدثت مع أحد المصريين عن الغرض من هذه الاجتماعات، فقال لي: “سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا سوف نقف حجر عثرة في طريق بناء هذا السد “!!.
وأضاف رئيس تحرير صحيفة العلم : ” في شهر مارس الماضي شارك ما يقرب من ألف شخص من مجموعات تابعة لجبهة تحرير أورومو ، في احتفاليّة ضخمة داخل أحد النوادي بشرق القاهرة أقيمت في الذكرى الثانية لتدشين شبكة الإعلام الأورومية المناهضة للحكومة الإثيوبية لضرب التنمية وعرقلة عملية بناء سد النهضة الإثيوبي “.
وفي الاحتفاليّة الضخمة الّتي أقامها ناشطو جبهة تحرير أورومو في القاهرة تحدّث رئيس شبكة الأورومو الإعلاميّة “جاور محمد” عن ضرورة استمرار انتفاضة الأورومو ضدّ سياسات الحكومة الإثيوبيّة والحزب الحاكم، متّهماً الحكومة باتّخاذ سياسات ممنهجة ضدّ الأورومو والاستيلاء على أراضيهم”.
تابع قده قائلا: ” في مقابلة لـ”المونيتور” مع الناشط السياسيّ الإثيوبيّ المعارض وأحد منظّمي الاحتفاليّة المقامة في القاهرة جالاما جولوما، قال: “القاهرة الآن هي أكثر البلدان الآمنة أمام الأوروميّين المعارضين للنظام في إثيوبيا”.
وقال قده انه “خلال لقاء انعقد على هامش القمة الإفريقية في العاصمة الرواندية كيغالي في يوليو الماضي، أثار رئيس وزراء إثيوبيا هيل ماريام دسالين مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، دعم مصر للمعارضة الإثيوبية بعد تسريبات نشرتها وسائل إعلام إثيوبية، حول انتقال المعارضة من أسمرة إلى القاهرة، وهو ما نفاه الرئيس ، والشهر الماضي اتهم دسالين عبر مؤتمر صحفي دولاً (لم يسمها) بالسعي إلى منع إثيوبيا من الاستفادة من مواردها الطبيعية.
حقيقة الدعم المصري للمعارضة
ويرى مراقبون أن مصر تدعم المعارضة بشكل غير رسمي من خلال بعض القوى الشعبية والمدنية المصرية القريبة من السلطة ، ويمكن فهم هذا الموقف من خلال تصريحات المسئولين المصرين الذين لم ينفوا إقامة احتفالية جبهة تحرير أورومو في القاهرة لكنهم أكدوا أن الشخصيات المصرية التي شاركت في الاحتفالية ليست في الحكومة المصرية أو في أي منصب رسمي.
ويؤكد المراقبون أنه من الصعب على دولة مثل مصر – يُحكم النظام الحاكم سيطرته عليها بشكل كامل ولا يسمح بالمعارضة – أن تقام احتفالية مثل هذه دون الرجوع إليه وموافقته عليها ، فضلا عن دعمها.
ويشيرون إلى أن المعارضة الإثيوبية أحد الأدوات الهامة في يد الحكومة المصرية التي يمكن من خلالها الضغط على حكومة ماريام دسالين ، بشأن خلاف بلاده مع مصر حول سد النهضة ، خاصة في ظل ضعف أوراق الضغط المصرية بعد توقيعها وثيقة إعلان مبادئ لسد “النهضة” .
وكان الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” ونظيره السوداني “عمر البشير” ورئيس وزراء إثيوبيا “هايلى ماريام ديسالين” خلال قمتهم في الخرطوم وقعا ، في مارس من عام 2015 ، وثيقة إعلان مبادئ لسد “النهضة” ، واعتبر هذا التوقيع إقرارا رسميا مصريا بشرعية سد “النهضة”.
وليست هذه هي المرة الأولى التي تتهم فيها أثيوبيا القاهرة بدعم الأورومو ، ففي نوفمبر 2010، اتهم رئيس الوزراء الإثيوبي السابق “ملس زيناوي ” ، مصر باحتمال لجوئها إلى العمل العسكري ضد بلاده بسبب الخلاف على مياه النيل، وبأنها تدعم جماعات متمردة ضد نظام الحكم في أديس أبابا، وهو الأمر الذي أثار دهشة القاهرة التي اعتبرت تلك الاتهامات عارية عن الصحة.
وقال زيناوي : إن مصر لا يمكنها أن تكسب حربا مع إثيوبيا على مياه نهر النيل، وإنها تدعم جماعات متمردة في محاولة لزعزعة استقرار البلاد.
ونفى المتحدث باسم الخارجية المصرية – وقتها- “حسام زكي” اتهامات رئيس الوزراء الإثيوبي ، وقال إن الاتهامات التي تضمنتها تصريحات زيناوي بشأن استغلال مصر لمجموعات متمردة ضد النظام الحاكم في إثيوبيا، هي اتهامات عارية عن الصحة، مؤكدا حرص مصر على توصل النظام في أديس أبابا إلى توفير الأجواء المناسبة التي تحول دون استفادة أي طرف من وجود هذه الجماعات.
إقليم أوروميا
ويتمتع إقليم “أوروميا” بحكم شبه ذاتي، ويتبع الكونفيدرالية الإثيوبية المكونة من 9 أقاليم، والتي بدأت الحكم الفيدرالي عام 1991، بعد سقوط نظام منغستو هايلي ماريام. وتعد “الأورومو” أكبر القوميات الإثيوبية، وتشكل نحو 38% من مجموع سكان إثيوبيا البالغ 95 مليون نسمة.
ويدين أكثر من ثلثي الأوروميين بالدين الإسلامي، ويشكلون مركز ثقل بشري كبيرًا للمسلمين في الجمهورية الإثيوبية، إذ يشكل المسلمون 56% من السكان، ويشكل الأورومو منهم قرابة النصف.
وشهد إقليم “أوروميا” تظاهرات عنيفة في ديسمبر 2015، وأغسطس 2016، سقط فيها قتلى وجرحى، بعد اعتراض المحتجين على خطط حكومية لتوسيع حدود العاصمة، لتشمل عددًا من مناطق الإقليم، معتبرين أن الخطة “تستهدف تهجير مزارعين من قومية (الأورومو)”.
والأحد الماضي، تحول الاحتفال بـ”مهرجان إريشا”، الذي نُظم في مدينة “دبرزيت”، بإقليم “أوروميا”، إلى وقفة احتجاجية مناوئة للسلطات؛ إذ طالب المشاركون فيه الحكومة بتوفير أجواء من الحرية والديمقراطية في البلاد.
وبعد أن غادر أعيان وشيوخ القبائل مكان الاحتفال، تدافع محتجون وكسروا الحاجز الذي أقامته عناصر الشرطة بين المنصة المخصصة لكبار الزوار والجماهير؛ ما دفع رجال الأمن إلى إطلاق أعيرة نارية في الهواء لتفريق المحتجين؛ الأمر الذي تسبب بحدوث تدافع أسفر عن مقتل 56 شخصا، حسب الرواية الحكومية.
بينما تقول المعارضة إن الضحايا سقطوا “برصاص حي” أطلقته قوات الأمن.
وأعلنت الحكومة حالة الطوارئ في البلاد يوم الأحد ، وذكر جيتاتشو رضا المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية أن حالة الطوارئ ومدتها ستة أشهر أعلنت لتحسين التنسيق بين قوات الأمن في مواجهة “العناصر” التي تنوي استهداف المدنيين والبنية التحتية والاستثمارات الخاصة.
(*) كاتب وباحث مصري ، مدير تحرير موقع قراءات إفريقية.