ساعدت فاجنر روسيا في استعادة دورها في إفريقيا بعد الحرب الباردة في المنطقة بأقل تكلفة ممكنة، وساهمت في تحقيق الرغبة الروسية الطامحة نحو إثبات أنها لاعب قوي في المنظومة الدولية، وبأنها تتّجه نحو التأكيد على التعددية القطبية، وأن إفريقيا هي بوابة نحو الانطلاق في مواجهة النفوذ الغربي الدولي.
وظلت فاجنر تلعب هذا الدور، ودخلت ليس فقط في المجال الأمني، بل ساعدت روسيا في أن تصل إلى الموارد الاقتصادية للقارة، وظلت لاعبًا أساسيًّا في سياسة روسيا نحو إفريقيا، إلى أن وقع التمرد الذي قاده زعيم فاجنر السابق “يفجيني بريجوجين” في يونيو 2023م على الحكومة الروسية، والذي انتهى بعد تدخُّل رئيس بيلاروسيا، وعمل على إيقاف هذا التمرد، وقام بنقل عناصر فاجنر إلى بلاده.
رأت الحكومة الروسية في ذلك التحرك بداية النهاية نحو ضرورة تقليص الاعتماد على الشركات العسكرية الخاصة وسياسة اللامركزية للوجود العسكري خارجيًّا؛ فمنذ ذلك التاريخ بدأت روسيا في التحرك نحو إعادة النظر في قانون تأسيس الشركات العسكرية، وكان مجلس الدوما الروسي قد أعلن عن إعداد مشروع قانون بشأن أنشطة الشركات العسكرية الخاصة، واعتبر أن ذلك بمثابة جرس إنذار حول دور الشركات العسكرية وخطورتها حال عصيانها أوامر السلطات الرسمية الروسية.
أعلنت روسيا عن تشكيل ما يسمى بـ(الفيلق الإفريقي)، والذي تم اعتباره محاولة روسية من أجل التعامل مع إرث “بريجوجين” في إفريقيا؛ حيث تسعى روسيا إلى التخلي عن سياسة اللامركزية التي كانت تتمتع بها فاجنر في إفريقيا، والاعتماد على سياسة أخرى تُمكّنها من السيطرة على مقاليد عمل هذه الشركات، لذلك تسعى روسيا إلى تعزيز وجودها في إفريقيا بنفس الآليات، ولكن مع اختلاف في أسلوب الإدارة.
وبشكل عام تناقش هذه الورقة الحديث الروسي عن فيلق إفريقيا من حيث طبيعة التشكيل وأهدافه والسيناريوهات المحتملة على ظهوره بالنسبة للمصالح الروسية والغربية.
أولًا: تشكيل الفيلق الإفريقي
أعلنت شركة (كوفاني) الروسية العاملة في إنتاج الأسلحة أن روسيا في طريقها نحو حرمان الغرب من أيّ موارد في إفريقيا، جاء ذلك الإعلان في أغسطس 2023م، وأضافت: إن هناك أسلحة متطورة روسية ستذهب لعدد من الدول الإفريقية([1]).
إضافةً إلى ذلك، تشير التقارير إلى أن روسيا اتجهت قبل تمرد فاجنر نحو استراتيجية تقوم على تجنيد عناصر إفريقية للعمل تحت إمرة الشركات الروسية، بالإضافة إلى نقل (2000) عنصر روسي نحو إفريقيا؛ لتوزيعهم في أماكن مختلفة من القارة، باتجاه دول جنوب الصحراء الكبرى، واستبدال عدد من قيادات الشركة في الدول الإفريقية، وهو ما عارضه “بريجوجين”، متهمًا الحكومة الروسية في ذلك الوقت بأنها لا تدعمه بالشكل الكافي، وكان ذلك إحدى نقاط الخلاف مع الحكومة الروسية([2](.
ونظرًا للدور الذي كانت تقوم به فاجنر في إفريقيا؛ فقد فكرت روسيا في ضرورة البحث عن بديل أو على الأقل إنشاء كيان آخر كفاجنر يمكن أن يلعب نفس الدور، ولكن مع وجود مركزية أقوى، ويكون خاضعًا تحت سلطة الدولة بشكل مباشر، لذلك اتجه التفكير الروسي نحو تفكيك فاجنر لمجموعة من الشركات العسكرية الصغيرة([3])، وتحرير عقود لعناصر فاجنر في إفريقيا مع وزارة الدفاع.
لذلك، وكجزء من إستراتيجية العمل الروسي في إفريقيا؛ أعلنت روسيا عن تشكيل ما يُعرَف بـ”الفيلق الإفريقي أو فيلق إفريقيا”، والذي يشير إلى تشكيل عسكري روسي يهدف تعزيز الوجود العسكري الروسي في إفريقيا، كخطوة نحو تأمين مصالحها في إفريقيا، وعدم تركيز كافة ثِقلها الأمني ومصالحها في يد شركة فاجنر.
وانطلقت بوادر تشكيل هذا الفيلق وانتشاره في إفريقيا من خلال الزيارات التي قام بها مسؤولون عسكريون روس نحو القارة، وتحديدًا دول الساحل الإفريقي، كانت بدايتها في أغسطس 2023م عندما قام نائب وزير الدفاع الروسي “يونس بك يفكوروف” بزيارة الدول الإفريقية التي تنتشر فيها قوات فاجنر، وهي بوركينا فاسو وإفريقيا الوسطى ومالي، وإلى جانب هذه الزيارة أجرى اللواء “أندريه أفريانوف” نائب رئيس العمليات السرية في المخابرات العسكرية الروسية، زيارةً أخرى لإفريقيا شملت هذه الدول([4](، إضافةً لزيارة “يفكوروف” في 2 ديسمبر 2023م، والتي شملت دول مالي وبوركينافاسو والنيجر.
وقد جاء الإعلان الأول عن تشكيل هذا الفيلق عبر تطبيق تليجرام أيضًا، وذلك في منشور للمدون العسكري “دوما جور” القريب من وزارة الدفاع، معلنًا عن تشكيل جديد لروسيا سيظهر في إفريقيا قريبًا بعد الزيارة التي قام بها نائب وزير الدفاع الروسي “يونس بك يفكوروف”([5]).
وإنه سيكون الجناح المسلح الجديد لروسيا في القارة، وسيرتبط مباشرة بوزارة الدفاع، وقد بدأت عملية التجنيد لهذا الكيان الروسي الجديد في ديسمبر 2023م، ليس في إفريقيا، بل في روسيا أيضًا عبر القنوات العسكرية التابعة لروسيا على تطبيق التيلجرام؛ حيث عرض على المتقدمين “الخدمة تحت إشراف قادة أكفاء من ذوي الخبرة القتالية”.
وأعلنت روسيا أن هذا الفيلق سيكون جاهزًا للعمل في إفريقيا بحلول صيف 2024م، وسينتشر في عدد من الدول الإفريقية كبوركينا فاسو ومالي وجمهورية إفريقيا الوسطى والنيجر. وبشكل عام فإن هذا الفيلق سيكون تشكيله قائمًا على النحو التالي:
1- سيضم هذا التشكيل عناصر من دول إفريقية، بالإضافة إلى عناصر من شركة فاجنر ومقاتلين آخرين تركوا الشركة بعد حادثة مقتل قائدها “يفغيني بريغوجين”.
2- الفيلق مرتبط بشكل مباشر مالي وتنظيمي بوزارة الدفاع الروسية والحرس الرئاسي الروسي، بعد تعديل قانوني سمح للحرس الرئاسي بأن يشرف على التشكيلات العسكرية في الخارج.
3- يتلقى عناصره الرواتب بالعملات الأجنبية، وسيحصلون على الرعاية الطبية، وجميع الامتيازات الاجتماعية، ومبالغ مالية أولية تقدر بـ (3100) دولار شهريًّا([6]).
4- سيتم تدريب هذه العناصر في روسيا كخطوة أولية لحين البحث عن مناطق يمكن أن تعتمد عليها روسيا في إفريقيا كمعسكرات تدريب لهذه العناصر قبل إرسالهم للدول الإفريقية، وذلك تحت إشراف مباشر من وزارة الدفاع؛ حيث سيشرف عليها “يونس بك يفكوروف” نائب وزير الدفاع الروسي.
5- سيتم تجهيز الفيلق بأحدث المعدات العسكرية كالدبابات وقِطَع المدفعية والطائرات دون طيار، والمركبات القتالية المدرعة([7]).
6- تتكون من قادة قتاليين “ذوي خبرة” يشرفون على وحدات “النخبة” التابعة للجيش الروسي أو الشركات العسكرية الخاصة، وقادة خدموا سابقًا في مناصب قيادية في فاجنر.
7- حدّد الفيلق بعض القيود على المتقدمين؛ أحدها أن الأفراد الذين يقاتلون في أوكرانيا لا يمكنهم الانتقال للفيلق، ولا يمكن للأفراد في الحرس الوطني الروسي الانتقال أيضًا قبل انتهاء مدة خدمتهم([8](.
ثانيًا: أهداف الفيلق:
تسعى روسيا من جراء تشكيل هذا الفيلق إلى تحقيق مجوعة من الأهداف كالتالي:
1- دمج عمليات مجموعة فاجنر في إفريقيا:
مؤخرًا، ازدادت الجهود الروسية في تعزيز وجودها وتأثيرها في عدد من دول الساحل ووسط إفريقيا؛ حيث كانت روسيا حاضرة في 30 دولة إفريقية، ويبدو أن هذا الوجود مُهمّ لروسيا، ولا يمكن أن تتخلَّى عنه بسهولة؛ حيث أدَّت الخلافات التي ظهرت بين قائد فاجنر والحكومة الروسية إلى اتخاذ -كما سبقت الإشارة إلى ذلك- نهج إصلاحي كبير من أجل السيطرة على فاجنر، وتحديد صلاحياتها في إفريقيا، وتشير تقارير غربية أن “الفيلق الإفريقي” محاولة روسية لخلق منافس قويّ لفاجنر، واستيعاب أنشطته بعد ذلك([9](.
2- تعزيز التعاون الأمني مع الدول الإفريقية:
أدَّى تمرُّد فاجنر إلى إثارة المخاوف بشأن مستقبل روسيا الأمني في إفريقيا؛ حيث شاركت مجموعة فاجنر الروسية بشكل كبير في العديد من البلدان الإفريقية، بما في ذلك جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي، وأصبح لهذه القوات قواعد عسكرية، وتعاون مشترك مع الدول الإفريقية في مجالات عدة؛ وهو ما بات يُهدِّد التوجُّه الأمني الذي اعتمدت عليه روسيا في إفريقيا، والذي يسير نحو زيادة حجم الصادرات العسكرية الروسية نحو إفريقيا؛ حيث ترغب روسيا في مزيد من السيطرة الأمنية على الدول الإفريقية خاصةً في مجال تصدير الأسلحة الذي وصلت نسبة انتشاره في إفريقيا إلى (26%)؛ وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، وذلك في الفترة من 2018م وحتى 2022م([10])، وإجمالي 49% من حجم الصادرات نحو إفريقيا، وهو ما دفَع روسيا مؤخرًا، ومنذ القمة الروسية الإفريقية الأخيرة التي عُقدت في سان بطرسبرج إلى إعلانها السعي نحو زيادة مشاركة مستشارين عسكريين تابعين لوزارة الدفاع الروسية في تقديم الدعم للدول الإفريقية، وبخاصة في منطقة الساحل، وهو يجعلنا نعتبر أن تشكيل فيلق إفريقيا، والإعلان عنه يأتي كجزء من هذا التوجه العسكري الجديد.
3- تعزيز الوجود الإستراتيجي والاستفادة من التحالفات الجديدة:
تكشف جغرافيا هذه الزيارات التمهيدية لتشكيل فيلق إفريقيا عن طبيعة الانتشار المتوقع لعناصره، والأهداف التي تسعى روسيا إلى تحقيقها من خلاله، وبخاصة التركيز على منطقة الساحل، والتي تغطّي جزءًا مهمًّا من الجغرافيا الإفريقية، يبدأ من مالي الغنية بالموارد وبوركينا فاسو والنيجر وجمهورية إفريقيا الوسطى، وهي دول كانت مستعمرات فرنسية، شهدت مؤخرًا حالة من السخط العام تجاه فرنسا.
حيث تريد روسيا استغلال إعادة توازنات والتحالفات الجديدة بين الدول الإفريقية بهدف التوسع نحو إقامة علاقات أكثر تعاونية مع دول إفريقيا، كان آخرها الإعلان عن خروج بوركينا فاسو والنيجر من مجموعة دول الساحل في ديسمبر 2023م، ومن قبلها مالي في مايو 2022م، بالإضافة إلى تشكيل تحالف جديد تحت اسم “تحالف دول الساحل”، والذي يتكون من دول مالي بوركينافاسو النيجر([11]).
ويؤدي التوسع في مزيد من التحالفات البينية بين الدول الإفريقية المُناهِضَة لفرنسا إلى تعزيز الدور الروسي، ويخلق شبكة مؤيدة لها ستكون هذه الدول بحاجة لمساعدات ونقل خبرات عسكرية وأمنية، وهو ما تتطلع روسيا لتحقيقه عبر هذا الفيلق؛ إذ تشير التقارير إلى أن روسيا كانت قد ساعدت في تشكيل “تحالف دول الساحل”، والذي يضم دول مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وذلك كنوع من مواجهة الإيكواس وسياساته تجاه النيجر بعد الانقلاب الذي وقع وأطاح بالرئيس السابق محمد بازووم في يوليو 2023م.
ثالثًا: سيناريوهات مستقبلية
تنفي روسيا أن يكون الفيلق الإفريقي قائمًا على تهديد الدول الإفريقية، أو زعزعة استقرارها، خاصةً في الفترة الحالية التي تمر بها الدول الإفريقية بحالة من عدم الاستقرار وانتشار ظاهرة الانقلابات العسكرية، وذلك بعد تعليقٍ صدَر من “إيجور كوروتشينكو” الخبير العسكري الروسي والمقرب من وزارة الدفاع بقوله: “سيتعين على الفيلق تنفيذ عمليات عسكرية واسعة النطاق في القارة الإفريقية؛ لدعم البلدان التي تسعى إلى التخلص نهائيًّا من التبعية الاستعمارية الجديدة، وتطهير الوجود الغربي، والحصول على السيادة الكاملة”؛ حيث من المتوقع أن يثير تشكيله ترقُّب الدول الغربية، خاصةً فرنسا التي تشهد دول مستعمراتها السابقة تمددًا روسيًّا كبيرًا ساهم في تراجُع نفوذها، بل وانتهائه.
وتشير بعض التقديرات إلى أن الهدف من تشكيل هذا الفيلق هو دعم روسيا في مزيد من التوسع في إفريقيا، خاصةً على الجانب العسكري والأمني، وذلك بالنظر إلى مستوى التسليح المتوقع لهذا الفيلق وبأنه سيتم تجهيزه بأحدث الأسلحة من دبابات وطائرات ومدافع.
وبشكل عام، يمكن الإشارة إلى أبرز السيناريوهات المستقبلية لهذا الفيلق وتأثيراته الأمنية كالتالي:
1- تصاعُد حدة الصراع على القارة بين روسيا والغرب:
قد يؤدي تشكيل هذا الفيلق إلى تصاعُد التوتر بين روسيا والغرب، خاصةً إذا تمَّ اعتبار أن الفيلق الإفريقي يُمثل تهديدًا للمصالح الغربية في إفريقيا، ويعمل على تعزيز مكانة روسيا في إفريقيا، وجعلها لاعبًا أكثر أهمية في القارة([12](.
وقد يكون لذلك عواقب وخيمة على التوازن الجيوسياسي في إفريقيا، خاصةً أن هناك تخوفات غربية ترى في الفيلق وسيلة نحو توسع روسيا في مناطق الانقلابات الجديدة في غرب إفريقيا، وبخاصة النيجر وبوركينا فاسو ومالي. وتستند هذه الرؤى بالمواقف الروسية والتحركات على الأرض؛ حيث بدأت روسيا تُمهِّد الطريق لهذا الفيلق.
إذ شهدت العاصمة البوركينية واجادوجو وصول وفد روسي في 10 نوفمبر 2023م، وقاموا بزيارة أحد المختبرات التابعة للدولة والعاملة في مجال إنتاج المواد المضادة للحمى النزفية الفيروسية في مدينة بوبو ديولاسو، ثاني أكبر مدن البلاد، كما أن التلفزيون الرسمي قبلها بأيام قام بنشر تقرير عن الحرب ضد الإرهاب التي تشنّها الدولة في المنطقة الشمالية الوسطى، ظهر فيه نقيب يرتدي شعارين كبيرين لفاجنر([13]).
كما تهتم روسيا أيضًا اهتمامًا واضحًا بالنيجر؛ حيث يحكم المجلس العسكري، وقد ندّدت السلطات في 4ديسمبر 2023م باتفاقيات الدفاع التي تربطها بالاتحاد الأوروبي، وفي اليوم نفسه التقى نائب وزير الدفاع الروسي “يونس بك يفكوروف” في نيامي بالجنرال “عبد الرحمن تعشيانني”، رئيس النيجر، والجنرال “ساليفو مودي”، وزير الدفاع، وشهدت الاجتماعات “تعزيز التعاون بين البلدين في مجال الدفاع”؛ حيث علقت تقارير وقتها على هذه الزيارات بالقول: إن روسيا تُروّج لإستراتيجية جديدة لتوسيع نفوذها على حساب الغرب([14](، وبأنها تأمل في توسيع نطاق نفوذها في إفريقيا؛ حيث أدت الانقلابات العسكرية إلى فراغ في السلطة.
2- تعزيز مكانة روسيا في السيطرة على قطاعي التعدين والطاقة في إفريقيا:
لقد ساعدت إستراتيجية فاجنر روسيا في السيطرة على قطاع التعدين في إفريقيا، مما يعني أن روسيا في هذا الإطار ستَّتجه نحو الحفاظ على إرث “بريجوجين” وسياسته في التعامل مع مناطق الموارد في إفريقيا، فعلى سبيل المثال ساهَم فاجنر في السيطرة على موارد الذهب في إفريقيا الوسطى([15](.
وهذا يجعل من غير المرجّح أن توقف روسيا فاجنر، وتُنهي وجودها في إفريقيا كأداة للسياسة الخارجية الروسية، وسيكون دور الفيلق الإفريقي مكمِّلاً لدور فاجنر في هذا الإطار عبر مساهمته في توفير الحماية للشركات الروسية العاملة في مجال الطاقة والتعدين، خاصةً أن روسيا باتت لاعبًا أساسيًّا في هذا القطاع، بالإضافة إلى أن طبيعة الدول التي من المتوقع أن ينتشر فيها هذا الفيلق غنية بالمعادن والثروات كالنيجر ومالي وبوركينا فاسو وإفريقيا الوسطى. والأخيرة أعلنت عن استعدادها للتعاون مع روسيا لاستخراج الألماس من أرضيها، وذلك بعد مشاورات أجراها السفير الروسي هناك “ألكسندر بيكانتوف” مع الحكومة في شهر فبراير 2023م، في إشارةٍ إلى مزيد من التوسع الروسي نحو إقامة علاقات اقتصادية كبرى مع إفريقيا.
يثير سعي روسيا لاستخراج الموارد وإقامة الشراكات التجارية والعسكرية القلق الغربي؛ لأنه من الممكن أن يزعزع الهيمنة الغربية في هذه المناطق، خاصةً أن نجاح روسيا في السيطرة على الموارد في إفريقيا سيسمح لها بتصاعد دورها، وسيكون لذلك تأثير بشكل غير مباشر على الغرب؛ من خلال قدرة روسيا على التأثير في القرار الاقتصادي الخارجي لهذه الدول، وتحديد طبيعة العلاقات مع الدول الغربية.
3- التأثير على الأمن والاستقرار الإقليمي:
هناك مخاوف من أن يؤدي الفيلق الإفريقي إلى التأثير على أمن الدول الإفريقية، خاصةً أنه من المتوقع أن يضم عناصر إفريقية ستكون مُدرَّبة على أعلى التقنيات والمهام العسكرية، مما قد يكون لهؤلاء تأثيرات على درجة الأمن ومستواه في الدول التي ينتمون إليها قد تصل إلى حد تشكيل عصابات إجرامية تهدد السلم العام في مناطق انتشارهم خاصة في حال قيامهم بالانشقاق أو الخروج عن الفيلق، وقد يصل الأمر إلى حد التأثير على السلم والأمن لدول الجوار في ظل الحدود المفتوحة بين الدول الإفريقية جنوب الصحراء وفي منطقة الساحل، مما قد يدعم ذلك من عمليات التجارة غير المشروعة والهجرة غير الشرعية.
وختامًا، يمكن القول: إن نجاح روسيا في تعزيز الفيلق الإفريقي يتوقف في مدى قدرتها على توفير الدعم المطلوب له عسكريًّا وماديًّا، بالإضافة إلى قدراتها على خلق قدر من التنسيق والتوافق بين مهام فاجنر من جهة، وهذا الفيلق من جهة أخرى، خاصةً أن روسيا أعلنت عن أنها لن تُنْهِي عمليات فاجنر في إفريقيا خاصةً على المدى القريب، وستتوجَّه نحو الاعتماد على إستراتيجيات فاجنر التي أثبتت نجاحها، كالوجود بالقرب من مناطق الثروات في الدول الإفريقية. ويُعتبر هذا التوجه الأكثر ترجيحًا خاصةً أن الشركة بعد مقتل “بريغوجين” خضعت بشكل مباشر لسيطرة وزارة الدفاع الروسية، وبالتالي فإن الحكومة الروسية هي المسؤولة عن تنسيق دورها وتوزيع المسؤوليات والمهام بداخلها.
وفي سياق السياسة بوتينية، والديناميكيات التي تتكشف حول نفوذ روسيا المتزايد في إفريقيا، ترسم هذه التطورات صورة لطموحات روسيا وإستراتيجياتها العالمية الماضية فيها نحو إقامة شراكات وتعاون مع بعض الدول الإفريقية في مجالات متعددة؛ مثل: الأمن، والتنمية الاقتصادية، والطاقة، ولذا فإن الفيلق الإفريقي الروسي يُعدّ جزءًا من هذه الإستراتيجية الطموحة التي ستجد صدامًا غربيًّا سيؤدي إلى تصاعد التوترات مع الدول الغربية وزيادة المنافسة الجيوسياسية في إفريقيا.
…………………………………….
المصادر:
[1]– شركات عسكرية روسية تتنافس على إرث بريجوجين، الشرق، 6 سبتمبر2023م، متاح على الرابط التالي: https://t.ly/Fw-Em
[2] Andrés González, What Russian military companies could replace the Wagner Group in Africa?, LISA News, September 13th, 2023,at: https://rb.gy/dg4aga
[3] After the Death of Prigozhin, What is the Future of the Wagner Group?, The Soufan Center, AUGUST 28, 2023,at: https://t.ly/kXWZZ
[4] Mikhail Ivanov, Routes of The African Corps. why Russia is Expanding its Military Presence in Africa, African Initiative, 21 NOV 2023,at: https://t.ly/NTHOw
[5] Africa Corps, the new label of the Russian presence in the Sahel, paudal, December 16, 2023,at: https://t.ly/4rEKv
[6]– يرتقب نشره في خمس دول… هل تعتزم روسيا استبدال مجموعة فاغنر بـ “الفيلق الإفريقي”؟، إذاعة مونت كارلو الدولية، 25-12-2023م، متاح على الرابط التالي: https://rb.gy/gq8g65
[7] A new Russian military formation in Africa with the same name as a Nazi unit is trying to recruit former Wagner fighters and Ukraine war vets, Business insider, Dec 22, 2023,at: https://rb.gy/spmjw4
[8] Idem.
[9] RUSSIAN OFFENSIVE CAMPAIGN ASSESSMENT, NOVEMBER 20, 2023, The Institute for the Study of War,at: https://shorturl.at/xGY04
[10] Mikhail Ivanov,op.cit.
[11]– أحمد عسكر، تداعيات انسحاب بوركينا فاسو والنيجر من مجموعة دول الساحل، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، 11 -12-2023م، متاح على الرابط التالي: https://t.ly/WWA9Q
[12] David Brennan, Russia Launches ‘Africa Corps’ as Putin Looks to Hurt US, News Week, Nov 21, 2023,at: https://rb.gy/rz36cb
[13] Russia expands in the Sahel with its new brand: Africa Corps, The Limited Times, 12/23/2023,at: https://rb.gy/o0jdpj
[14] Idem.
[15] Russian Offensive Campaign Assessment, December 4, 2023, critical threats , at: https://shorturl.at/JX489