توطئة تمهيدية:
لم تكن لتظهر المعاقل العلمية، ومحاضرها، وكتاتيبها، في الدول المتعاقبة والمماليك المختلفة في إفريقيا إلا بفضل الأوقاف الإسلامية، التي خلقت بيئة علميَّة ثقافية واعدة، حتى أصبح كافة “تراجمة الملك (الملوك)، وصاحب (وأصحاب) بيت ماله، وأكثر وزرائه ومن يتولون إدارة دواوينه كلهم من المسلمين؛ لأنهم وحدهم الذين كانوا يعرفون القراءة والكتابة بالعربية”([1])، فأحرزت الدول الإفريقية تقدمًا حضاريًّا ملحوظًا؛ نتيجةَ اعتناقها الإسلام([2])، فساهمت الأوقاف في البناء الحضاري، ومناهضة الفقر والجهل، ومكافحة المرض والجوع في كثير من الأصقاع، بإنعاشها للمجالات الاقتصادية القروية خاصةً.
وباستمرار ظهور الدول الإسلامية في كافة ربوع إفريقيا، ظهرت دولة مالي على يد سونجاتا كيتا وعلى أنقاض دولة صوصو الوثنية وغانا الوثنية ثم الإسلامية، وازدهرت بشكل كبير، واعتنت بالعلم والعلماء في عهد كانكو موسى أو موسى بن أبي بكر كما حكى السعدي. وبينما كانت إمبراطورية مالي توشك على المغيب، ظهرت إمبراطورية صنغاي كقوة جديدة تتحكّم في مناطق النيجر الأوسط([3]).
وقبل نهاية القرن الثامن الهجري، الرابع عشر ميلادي، كان الإسلام قد ساد في معظم القبائل التي كانت تعيش في المنطقة الممتدة في جنوب الصحراء الكبرى، ابتداءً من قبيلة الفلاتة، التي تستوطن حوض نهر السنغال من ناحية الغرب، إلى العرب الذين يستوطنون من ناحية الشرق، حتى بحيرة تشاد؛ حيث أصبحت كلّ هذه الأماكن تابعة للعالم الإسلامي([4]).
وقدّمت دولة صنغاي نماذج حيّة في نشر الإسلام، وإقامة العدل، والعناية بالعلم والتعليم، وتنشيط الحياة العلمية والفكرية في بلاد السودان وبين القبائل، وإحياء وتنظيم المساجد والمدارس. ثم نشأت إمبراطوريات ودول فلانيّة([5]) في كلٍّ من فوتا ماسيتا، وفوتا جالون، وفوتا تورو، وصكتو([6])؛ حيث قامت دول الأئمة، أو “الألماميات” وفق النطق الفلاّني، فانتشرت بناء المدارس، وتعميم التعليم، وبناء الجوامع، وحظر الكحول والتبغ والموسيقى والرقص، وفقًا للشريعة الإسلامية، ونصّ نظام الرعاية الاجتماعية، والكفالة الاقتصادية على مراعاة الأرامل والأيتام.
فعُنِيَ الفقهاء أكثر من المؤرخين بموضوع الأحباس، وتداولوه بكثرة في مُصنّفاتهم، خاصةً في كتب النوازل، حتى إن العلاّمة أبو يحيى الونشريشي أفرد مجلّدًا من موسوعته النوازلية للأحباس وأحكامها([7])، فعرّفها من حيث الاصطلاح إمام دار الهجرة مالك بن أنس بأنه: “حبس العين عن التصرفات التمليكية مع بقائها على مِلْك الواقف والتبرع اللازم بريعها على جهة من جهات البر”([8])، ولفقهاء المذاهب فيه تعريفات عدة ينتج عنها ثمرات علمية، لكننا نحتفي بالتعريف المالكي الذي هو مذهب أغلبية الأفارقة.
لقد قال الباري -جلّ جلاله- في محكم تنزيله: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ)([9])، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلّى الله عليه-: “إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له“([10])، فيتمسّك المسلمون بمقتضى هذه النصوص العامة في كل زمان ومكان وفي كل حال وعُرْف.
من هنا كانت الدول الإسلامية المتعاقبة على إفريقيا تحرص على تحبيس الأوقاف في مجالات كثيرة منها:
1- إقامة الكتاتيب والمساجد والمقابر وعمارتها بالرعاية والإصلاح والتطوير.
2- إنشاء المكتبات العامة، وتزويدها بالكتب والأدوات اللازمة.
3- نشر الدعوة الإسلامية بنسخ الكتب وطباعتها وتوزيعها ودعم الدعاة والوعاظ.
4- بناء الملاجئ لإيواء اليتامى واللقطاء، والمهتدين الجدد.
5- إنشاء المصحّات والمشافي([11]) والعيادات، ونافورات المياه، وشق القنوات والترع للمزارع والحقول.
6- إجراء منح على طلبة العلم والأيتام، والأرامل، ووقف أراض وثمار، ومواشٍ على الشيوخ والطلبة.
7- بناء سكنى الطلبة والمعلّمين، وتوسيع المجامع العلميّة، ومراعاة ذوي الاحتياجات الخاصة منهم.
كان للأوقاف في الواقع الإفريقي أهمية وازنة في التكوين العلمي للشباب، مما مكَّنهم من التفاعل الحضاري مع البيئة العلمية المنصرمة بإيجابية، وما تزال تسهم في الاكتفاء المادي لبعض المعاقل العلميّة التي ينفق عليها أهل البلد أو جهات خارجية. مع أن هذا الوقف قد تراجع بشكل كبير في كثير من المناطق الإفريقية، فأصبحت المدارس والحلقات القرآنية، والمحاضر تفرض مبالغ تفطم كثيرًا من أبناء المساكين والأيتام عن الدراسة، أو تُلجئهم إلى العطالة عن الاكتساب العلمي.
وعلى الرغم من أنَّ كثيرًا من الدول المتعاقبة على إفريقيا كانت مسلمة، بدءًا بدول شمال إفريقيا، ودولة غانا المسلمة، ودولة مالي، وصنغاي، والدول الفلاّنية الأربعة الكبرى، وهي فوتا جالون بغينيا، وفوتا مسينا بمالي، وفوت تورو بالسنغال، وصكتو بنيجيريا؛ إلا أن هناك بعض الأسئلة التي تثار حول الوقف؛ منها: هل كانت هذه الدول تعتني بالأوقاف؟ وما أنواع الأوقاف الإفريقية قديمًا وحديثًا؟ وما آثارها العلمية والحضارية ودورها التنموي؟ وما وضعها القانوني والجهات الواقفة؟ سنتحدّث في هذا البحث عن تاريخ الأوقاف في إفريقيا، وأنواعها، وآثارها العلمية والحضارية والتنموية، ووضعها القانوني، بمحاولة التنصيص على الأهمّ منها، وأشكالها النموذجية، وعناصرها الملهمة، وتجلياتها الواقعيّة، وآفاقها العلمية الاستشرافية.
فلقد ترسخ الوعي بأهمية الأوقاف على الصعيد الإفريقي في وقت مبكّر؛ حيث تعددت أوجه الفعل الخيري، وأنماط البر والإحسان، وإيتاء ذي القربى والمساكين، ورعاية الأيتام، وكفالة الأرامل، وتعديد أوجه الصدقة والأعطيات. فكان العامل الأساسي في تكثيرها وترسيخها وانتشارها والحفاظ عليها واستمرارها “نظام القرابة، والأسلمة، وذمة الدين“.
وسنبيّن من خلال هذه الدراسة بوادر نشأة نظام الأوقاف في إفريقيا، من حيث التاريخ، والقيمة الحضارية، وأهميتها في الحياة الاقتصادية والتنموية والاجتماعية، والعلمية والدعوية، التي تعتبر مصدر إثراء في المعطى المفاهيمي التنظيمي للوقف في وضع معالمه الإجرائية.
أولاً: تاريخ الأوقاف وأنواعها في إفريقيا:
الوقف كان مصدر عمران وثراء وتنمية في شتى بقاع القارة السمراء، فالمغاربة مثلاً، عرفوا قدسية الوقف باعتباره من أطيب المكاسب التي تُشكل نظامًا اجتماعيًّا أصيلًا يستمد أسسه من الشريعة الإسلامية، ويهدف إلى تعزيز الروابط بين الأفراد. وعليه فالمغرب كغيره من البلدان الإسلامية، عرف الوقف العام بوصول الفاتحين المسلمين([12])، فكانت المساجد -حسب الدكتور الريسوني- هي طليعة المؤسسات الوقفية التي ظهرت واستقرت بالمغرب([13])؛ حيث يرجع تاريخها إلى أيام عقبة بن نافع الفهري([14])، ثم تعددت المساجد بفعل المبادرات الفردية والجماعية للمحسنين وساهم ذلك بتكثيرها، سواء كان من هبات مالية رصدوها لها، أو ما أوقفوا عليها من ربوع وعقارات. ثم تم بناء جامع القرويين في عهد الأدارسة بفاس، الذي لا يخفى على أحد ما له من الريادة والخصوصية والدلالة العلمية والدينية والثقافية والاجتماعية، وتم كذلك بناء جامع الأندلسيين بفاس، ومسجد باب دكالة بمراكش([15])، واهتم المرابطون بالتعليم ونشره، وأخذوا يقبلون على الكتاتيب والمدارس في شغف، واعتنوا بنشرها في أنحاء المغرب. ولقد كان مؤسسو الدولة من العلماء مثل عبد الله ياسين قد تلقوا العلم في هذه المساجد، وابن تومرت مؤسس دولة الموحدين بالذات حفظ القرآن في المغرب وألَمَّ بقَدْر من علوم الدين واللغة بمسجد قريته إيجلي الواقعة بجبال الأطلس ببلاد السوس قبل مغادرته إلى الشرق. وأوّل خزانة وقفت بالمغرب كانت في عهد الموحّدين([16]).
وأما المرينيون فعمدوا إلى تنظيم الوقف، وتعيين المشرفين عليها بناء على فتاوى الفقهاء، فجعلوا لكل وقف ناظرًا، كما ضبطوا رباع الوقف عن طريق نظام الحوالات الوقفية، كما سعوا إلى إنشاء الكراسي العلمية لتدريس العلوم الدينية والشرعية ووقفوا عليها عقارات ومنقولات، واجتهدوا في جانب المكتبات فشيَّدوها في كافة المدن المغربية، وبنوا المساجد والمستشفيات، وعهدوا بإدارتها لأشهر الأطباء للاعتناء بالمرضى([17]). وانتشر بذلك العلم في عهد الوطاسيين بالكراسي العلمية، وسخرت مداخيل الأحباس للإنفاق على المرضى والمنقطعين، وانتشر إنشاء السقايات بجوار الجوامع في عهد السعديين، فاعتنت الدولة العلوية بالمؤسسات التعليمية، والمساجد، والمدراس، والزوايا، والكتاتيب القرآنية، وأسسوا خزانات علمية، وشحنوها بآلاف من أنفس الكتب، كما قاموا بإحصاء جميع الممتلكات الوقفية وتسجليها في دفاتر رسمية، فانتقل نظام الوقف من مؤسسة النظارة على الوقف إلى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية([18]).
وساهم المراديون في تونس بأوقاف كبرى كانت أقطاب تعمير، منها القصر الذي حبّسه الباي “مراد الأول 1613ــــ1631م على ذريته، والمعروف بتسميته الوقفية بالدار الكبرى أو ما يعرف أيضًا بدار الباي، وكذلك الجامع الذي أنشأه الباي حمودة باشا المرادي 1655م، وألحق به ميضأة والتربة التي دفن بها أفراد العائلة المرادية، وحبس عليهم حوانيت وحمامات وفنادق، وفي الثلث الأخير من القرن السابع عشر، أنشأ الباي “مراد الثاني” سنة 1674م المدرسة المرادية قرب جامع الزيتونة وحبس بعض حوانيت السوق المحيطة بها على المدرسة والطلاب المقيمين بها، وفي نهاية القرن السابع عشر، شيّد الباي “محمد” جامعه الكبير بحي باب السويقة مع إعادة تشكيل المجال الحضري للحي والأحياء القريبة منه ومنها الحارة التي تقطنها الأقلية اليهودية([19]).
وتعتبر الأوقاف من أهم المؤسسات الاقتصادية في البلاد التونسية خلال العصر الحديث، لذا فإن العثمانيين منحوا لأبنائهم الكراغلة مهمة مراقبة الأوقاف العامة، والمتمثلة في الأحباس الخاصة بالمساجد، والزوايا، والأسوار، والحنفيات، فكانت هذه المهام تشكل مصدر دخل لهم([20])، إضافة إلى أن المؤسسات الموجودة في المراكز الحضارية تمتلك أجهزة إدارية لتسيير أحباسها، وتتكون من شهود وعدول وأمناء، بخلاف المؤسسات الريفية، وشمل النوعين أوقاف التعمير والبناء، والمؤسسات الوقفية الاجتماعية مثل حبس الخبز، وحبس التكية، وحبس المرستان، ويُقصَد به المنزل لسكن المرضى والجرحى، وأحباس جلب المياه بحفر الآبار وتوصيل المياه للمدن، وحبس الحمامات، والمقاهي، والفنادق، والأفران المخابز([21])، مع أن جامع الزيتونة والمدرسة الشماعية، تحتوي على أملاك ورباع وعقارات أخرى، وكذلك التكايا تتألف من فنادق، ودور ودكاكين، وبساطين، والأراضي الزراعية.
وانتشرت المؤسسات الوقفية في الجزائر منذ وجود الأتراك فيها؛ حيث عملوا على ذلك في كل الدوائر الإدارية التابعة للحكم العثماني في الفترة الممتدة بين أواخر القرن 15م حتى القرن التاسع 19م([22])، كما اتصفت هذه الفترة بازدياد الطرق الصوفية والزوايا خاصة في المدن أينما كان هناك ما يسمى الوقف الأهلي، والذي تتقاسمه المؤسسات الدينية. أما في الأرياف فقد كان يسودها الوقف الخيري؛ إذ كان يعود مردودها للمساجد والزوايا، وما يلاحظ أنه في سنة 1750م تضاعفت الأوقاف اثني عشرة مرة مقارنة بسنة 1600م، حتى أصبحت الأوقاف تشكل 66% من مجموع الممتلكات العقارية والزراعية([23])، فكان للعثمانيين آنذاك دور مهم في تكريس الأوقاف في الجزائر عبر دوائرها الإدارية، فوصلت الوثائق الوقفية فيها إلى 13583 وثيقة([24])، ومنها الوثائق الشرعية المتعلقة بالأملاك الوقفية، وبالأحكام القضائية المرتبطة بها، وغيرها من سجلات بيت المال، وسبل الخيرات، وودائع بيت المال، وضبط حالات الأملاك، والعقارات الواقفة. ومن المؤسسات الوقفية في البلد، أوقاف الحرمين الشريفين، ومؤسسة سبل الخيرات، وأوقاف المسجد الكبير وكان يشمل 550 وقفًا([25])، وأوقاف مؤسسة بيت المال، وأوقاف الأولياء المرابطين والأشراف وأهل الأندلس، وأوقاف السكنات والمرافق العامة.
ولقد اختار الشيخ محمد المرتضى إمباكي (1340هــ الموافق 1921م) في السنغال مجالات وقفية متعددة لها أهميتها في منطقته، ومنها:
بقطع أرضية مملوكة أو مستأجرة خصَّصها للمعاهد الأزهرية التي أنشأها داخل البلاد وخارجها لتربية أولاد المسلمين وتنشئتهم تنشئة إسلامية متينة. وقد بلغ عدد هذه المعاهد 457 معهدًا يرتادها 52787 طالبًا وطالبة، ويعمل فيها 818 موظفًا وموظفة([26])، وكتاتيب ومساجد بناها من تمويله الخاص وزوّدها بمستلزماتها الضرورية، واختار لها معلمين وأئمة أكفاء، أوجد لهم دخلاً مقبولًا، يقومون بجهود دعوية وتوعوية مباركة، ومخابز من الطراز الحديث ليصرف ريعها على المدارس والمساجد، وشركة نقل بري تستخدم حافلات فاخرة، ووحدات سكنية ألحقت ببعض المعاهد، ومحلات تجارية تابعة لبعض المعاهد خصّص ريعها لدفع فواتير المياه والكهرباء، ومطابع تقوم بطبع الكتب الإسلامية والثقافية النافعة، ومراكز ثقافية واجتماعية أقيمت بقيادته في كثير من دول إفريقيا وأوروبا وفي الولايات المتحدة الأمريكية بهدف إيواء الجاليات المسلمة القادمة إليها، وتعليم أولادهم مبادئ الإسلام، وتنظيم لقاءات فكرية ثقافية، وإحياء الشعائر الدينية([27])، فكان لهذه المشاريع آثار نيّرة في تغيير الجوّ الوقفي في الساحة السنغالية.
وأما في نيجيريا، فقد مضى أكثر من نصف قرن وإدارة الأوقاف وتنظيم أمرها فيها تحت رعاية الجمعيات الخيرية، وهذه الجمعيات نشأت أساسًا لمهمة الدعوة وتنظيم أمور المسلمين ورعاية أوقافهم.. فقد قام زعماء المسلمين من بلاد يروبا في الجنوب بتأسيس جمعية خيرية الأولى في سنة 1923م، باسم أنصار الدين، ثم أسسوا زمرة الإسلام سنة 1926م، ثم نور الدين سنة 1934م، ثم أنصار الإسلام في 1945م، فملأوا المدن والقرى بالمدارس الإسلامية التي جعلت مهمتها تسليح أبناء المسلمين بالثقافة الإنجليزية التي أصبحت ضرورية لأبناء البلاد، مع الإلمام بمبادئ الدين..([28]). كما أنشئت في جنوب نيجيريا جمعيات ومنظمات منها جمعية نصر الإسلام، التي تهدف لنشر الدعوة والتعليم الإسلامي. وتتنوع أوقاف هذه المؤسسات من بين مساجد، ومدارس، ومعاهد وكليات، ومقابر، ومستشفيات، وبيوت وأراضي وسيارات([29])، وولاية زمفرا لها وزارة الشؤون الإسلامية، وتقوم بإنجاز مشاريع صحية، وتربوية في بناء المدارس، وعقارات نحو 52 بيتًا بنتها أو استلمت مفاتيحها، ومشاريع زراعية، ومحاربة الفقر، وبناء المساجد([30])، بمزيد من كونها توظف وتوفر الأعمال للأيدي العاملة باسم الوقف والزكاة.
ولقد كانت في إمبراطورية غانا معالم وقفية إسلامية راقية منها: المسجد الذي بُني قرب القصر ليتسنى لضيوف المسلمين تأدية صلاتهم فيها، واثنا عشر مسجدًا في المركز الإسلامي أو أحياء المسلمين في العاصمة بغانا([31])، ثم أشار البكري إلى مدينة جني الغنية، والتي تكونت من جانبين، أحدهما للمسلمين، بني فيها 11 مسجدًا، وسكنه عدد من الفقهاء والعلماء([32])، وأحد ملوك مالي عمل على بناء المساجد والجوامع وجلب الفقهاء، وبذلك أكسب مكانة عظيمة في بلاد السودان([33])؛ حيث إذا كان يوم الجمعة ولم يبكر الإنسان إلى المسجد لم يجد أين يُصلّي لكثرة الزحام([34]).
وقد ذكر الشنقيطي أن عدد مدارس الصبيان في بداية دخول المغاربة إلى إفريقيا كانت تتراوح ما بين مائة وخمسين ومائة وثمانين مكتبًا، وأن عدد الألواح بالكتاب الذي زاره مائة وثلاثة وعشرون لوحًا، وأن أولياء الأمور كانوا يدفعون حق الأربعاء، وهي رسوم للدراسة غير محددة يدفعونها للمعلم حسب استطاعتهم، وحصل المعلم في ذلك اليوم على 1،725 ودعة([35]).
فتخرّج من الأوقاف الإفريقية كبار من الجهابذة والعلماء الفطاحل مثل الشيخ أحمد بابا التمبوكتي صاحب نيل الابتهاج بتطريز الديباج، وكذلك تاريخ مملكة كانم وسلاطينها، والشيخ عثمان بن فودي وأخوه عبد الله بن فودي([36]) صاحب كتاب ضياء القرآن في معاني التنزيل، وألفية الأصول، والبحر الوسيط، والشيخ محمد بلّو ابن الشيخ عثمان بن فودي صاحب كتاب إنفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور، الذي أوقف مدينة سلام، وأراد أن تكون قيروان زمانها وتمبكتو أوانها، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي صاحب كتاب أضواء البيان، والشيخ أبو يحيى الونشريشي صاحب كتاب المعيار، والشيخ المختار السوسي صاحب كتابي السوس العالم والمعسول، والشيخ آدم عبد الله الإلوري صاحب كتاب الإسلام في نيجيريا، والشيخ السعد الدلني صاحب كتاب معدن السعادة، والشيخ أحمد بمب صاحب كتاب مسالك الجنان، وغيرهم من شيوخ شمال إفريقيا، وجنوبها، وشرقها، ووسطها، وغربها ممن لا يقع تحت حصر.
هذه عبارة، عن جولة سريعة لبيان بعض التواريخ المهمة في الوقف الإفريقي مع التعيين لنوعها وأصنافها من خلال الدولة المغربية، والتونسية، والجزائية، والسنغالية، والنيجيرية، والغانية القديمة؛ حيث إن هذه الأوقاف لا تختلف أنواعها وضروبها في القارة، وإنما تختلف في وجود بعضها دون البعض في عصر من العصور، وفي إمبراطورية من الإمبراطوريات أو في دولة من الدول؛ لأن تشييد الأوقاف إنما يتبع وجود المحسنين، وحاجات الناس إليها، وكذلك النشاط الاقتصادي والديني.
ثانيًا: الدور الحضاري والتنموي للوقف في إفريقيا وآثاره العلمية والدعوية
للوقف في إفريقيا دور بارز في إنعاش الحياة العلمية والاقتصادية والاجتماعية، لتمويله المسعف على معاقل العلم من المحاضر والمدارس والكتاتيب، ومشاركته الاجتماعية في حفر الآبار ومساعدة المرضى والأرامل والأيتام، وانخراطه في المجال الاقتصادي؛ من حيث الاستثمار في الحقول والمزارع والسوق اليومي، مما يسهّل على الأهالي حياتهم في الإنفاق والبيع والشراء. فهو من وجوه البرّ الباعثة للتنمية، حتى اعتبرت الوثائق البحثية الوقفيّة بمثابة لائحة تنظم أساسية شؤون التعليم([37])؛ لأن مكانة العلم في الأمة عظيمة وخاصة في إفريقيا التي تهبّ فيها رياح الفكر الارتقائي إلى ركب الحضارات القوية المتقدمة، والانطباع بالطابع القيمي الأخلاقي، التي ستجعلها فريدة في خدمة أبنائها والإسلام والإنسان بصفة أجمع.
قبل مجيء النظام المدرسي في إفريقيا، لقد كان للخلوة القرآنية والمسجد في القرى مكانة عظيمة في تنمية الثقافة العلمية والدينية، وكذلك كان لمنازل الأثرياء والملوك، والعلماء داخل المدن. فقد كان الطلاب يجتمعون فيها صباح مساء لتلقّي الدروس العلمية في صنوف العلم المتنوعة. فتتلمذ السلطان حمِّي جلِّمي الكانمي 1097ــ1085م في قصره على يد العالم محمد بن ماني الذي اقترن اسمه بدخول الإسلام في بلاد كانم، نظرًا لما قام به من مجهود كبير في تعليم سلاطين المملكة وتدريسهم وتأديب أبنائهم في قصورهم… لقد مُنِحَ لقاء ذلك أراض شاسعة خصبة ليعيش منها وتبقى ملكيتها لأبنائه وسلالته من بعده إلى الأبد([38])، ومن العلماء الذين درسوا في قصور السلاطين الإمام عبد الله دكي بن بكور، وقد درس عليه السلطان نجالما دكو الذي حكم كانم بين 1198ــ 1221م([39]).
ثم استقلّ العلم واحتاج إلى مؤسسات، ومناهج دراسية، ورواتب محددة للأساتذة، وشهادات، وتسلسل هرمي، فساهم في ذلك الوقف الإسلامي بشكل كبير، كما يقول الشيخ مصطفى الزرقا: “استقلت الدراسة العلمية واحتاجت إلى المؤسسات الخاصة، وأجاز الفقهاء أخذ الأجور على التعليم، فاتجه الوقف نحو المؤسسات العلمية، مما نشأ عنه اتجاه جديد في الوقف، وهو وقف الدور والحوانيت بالإيجار، ولم يعد الأمر مقتصرًا على وقف ما يُستغل بالزراعة؛ إذ أصبح تحصيل النقد ضرورة لدفع الأجور والمرتبات، ونشطت بسبب هذا حركة علمية منقطعة النظير، أتت بالعجائب في النتاج العلمي، ونشر الثقافة على أيدي فحول لمعوا في التاريخ الإسلامي وكان معظمهم، من ثمار الوقف”([40])، فبدأ تأسيس المدارس مبكرًا في القارة الإفريقية، ومن جهة المغرب الأقصى؛ حيث أسس السلطان المريني بالمغرب السلطان أبو سعيد عثمان (710ــ731هــ) مدرسة البيضاء في عام 720هـ([41])، ومدرسة الصهريج في عام 723هـ([42])، ومدرسة العطارين عام 725هــ، والمدرسة المصباحية عام 741هــ، والمدرسة المتوكلية (البوعنانية) عام 751هــ([43])، وكل هذه إنما قامت على مشاريع الوقف، وهو ما تؤكده وثيقة التحبيس التي تنص على أن السلطان المريني أبو سعيد عثمان وضع حجر أساسها سنة 723هــ/1323م بحضور مجموعة من الفقهاء والصلحاء([44])، ذكرنا هذه كنماذج لما لا يُحصى من المدارس بعد ذلك مع التكييف والتنويع.
فلعبت المدارس الوقفية أدوارًا لامعة في تربية الناشئة ونشر الإسلام الصحيح في كافة أنحاء القارة الإفريقية، فارتسمت في السنغال في هذا السياق، وفي نظام المدارس معهد دار الأرقم، ويشرف عليها الداعية الشيخ عبد العزيز توري، ومدرسة عبد الله بن مسعود لتعليم القرآن الكريم، وقد تأسست عام 1993م، ومديرها المؤسس هو الشيخ إبراهيم خليل لوح، ومدرسة دار الإيمان لتحفيظ القرآن الكريم والتربية الإسلامية أنشئت عام 1997م، ومؤسسها الشيخ حبيب الله سي([45])، ومدرسة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- لتحفيظ القرآن الكريم، وهي خاصة لتربية البنات، قامت بإنشائها الداعية المربية الحاجة بنت تياو، ومعاهد حركة الفلاح السلفية وهي 52 مركزًا إسلاميًّا على المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، والمؤسسات التعليمية التابعة لجماعة عباد الرحمن، وهي كثيرة منها مدرسة بلال بن رباح -رضي الله عنه- ومعهد الحاج عمر الفوتي. وكذلك المعهد الإسلامي العالي بلوغًا بناه الشيخ عباس صال، والكلية الإفريقية للدراسات الإسلامية أنشأها الدكتور محمد أحمد لوح([46]).
ومع حلول عام 1946م حوّل المشرفون على المدارس التقليدية طريقة التعليم من الكتّاب إلى مدارس حديثة على غرار المدارس الحديثة التي جاء بها الاستعمار([47])، وبنوا أولى المدارس العربية الإسلامية في مالي، وأنشئت في مدينة كاي سنة 1946م على يد الشيخ الحاج محمود باه وسمّاها مدرسة الفلاح، ثم أنشئت مدرسة سبيل الفلاح في مدينة سيقو سنة 1947م، على يد الشيخين الحاج سعد عمر توري، والحاج أبوبكر تيام([48])، وهذه المدارس عبارة عن امتداد للنظام التعليم القرآني مع مناهج جديدة أكسبت التطور العلمي في دولة مالي تنوعًا وإنتاجًا، من حيث تعليم المواد الدينية بجانب اللغات الأجنبية كالفرنسية.
هذه نماذج متواضعة لتجليات الوقف في التعليم الإفريقي فقط، دون الحديث عن رعاية الأيتام، وحفر الآبار، وتنظيم المؤتمرات، وشحن القوافل الدعوية، والاستثمار في الزراعة والتجارة؛ حيث استطاعت الأوقاف الإسلامية في القارة أن تستخلص لنفسها قطاعات رئيسة من النشاط الاقتصادي والاجتماعي، وتموّل بشكل فعّال في قطاع التعليم مذ تأسيس المدارس.
ونمثّل في الجهود الوقف الخارجية في القارة، بجهود وقف المعارف التركية الذي يقدم خدمات التعليم بمختلف المستويات في القارة الإفريقية؛ حيث يصل عدد طلابها إلى 17 ألف و565 طالبًا، عبر 175 مركزًا تعليميًّا منتشرًا في عموم القارة السمراء([49])، فحَفَر وقف الديانة التركي مئات الآبار في أكثر من 12 منطقة في أوغندا، من خلال المشروع الذي أطلق عليه “قطرة حياة”، ساهم به في حلّ أخطر أزمة تهدّد الحياة الأوغندية، وهي أزمة الماء الصالح للشرب. وطبع هذا الوقف المصاحف في نحو من 20 لغة إفريقية، وبنى مسجد جيبوتي في 2019م، كما أقام دورات تدريبية لتأهيل الباحثين والعلماء للقيام بدورهم الدعوي، كما قدمت المساعدات الغذائية في كل من النيجر والسنغال([50]).
الوقف الإفريقي قد تنوّع كثيرًا في مجال التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي والجامعي، وفي حفر الآبار، والغذاء، وعقد الندوات والمؤتمرات، لكنه لم يَصِل حتى الآن إلى بناء المراكز العلمية لخريجي الجامعات التي بنتها نفس الأوقاف، ولا تشتغل في بناء الإعلام، والإنفاق على مختبرات البحث العلمي داخل القارة، ولا في بناء مستشفيات عصرية راقية، ولا في بناء مساكن للأئمة والمؤذنين، ولا في تكييف المساجد وتوفير آلات تهويتها، ولا في تشييد إذاعات القرآن الكريم والفنون الإسلامية العصرية أو إنشاء قنوات تليفزيونية، ولا في مشكلة محو الأميّة والبطالة، والتخلف التقني والمعماري، ولا في الاستثمار في اللوازم المدرسية أو إنشاء جرائد ومجلات وإنشاء بعض الجامعات العصرية، ورعاية المعاهد والكليات، وإنشاء مكتبات عامة عصرية، ولا في إنشاء مراكز تعليم الحاسب الآلي للتعليم لرصد البيات والمعلومات المختلفة وتحليلها، ولا في إنشاء معامل للبحوث الزراعية والصناعية الطبية، ولا في كيفية تحويل النفايات التي تعاني منها الدول الإفريقية كثيرًا إلى أسمدة أو توليد الكهرباء منها، وخاصة أن الشروط والإمكانيات التي تحقق اختلاف مجالات الوقف عن السمة السابقة في العصور الماضية تتجدد كل يوم. فلا بد للوقف الخيري أن يساير الزمان، ويستهدف استمرار التقدم، بتمويل المشاريع الاقتصادية القادرة على مناهضة الفقر والمرض والمجاعة بشكل كلي، دون الركون في الاستهلاك الآني فقط. فتكوين الناس ثم تشغيلهم خير من إطعامهم ليومين ليبقوا جائعين مدى الدهر.
لقد كان للوقف الخيري الإفريقي آثار علمية واقتصادية واجتماعية، سواء من حيث بناء المدارس والجامعات والمساجد والتكوين، ومن حيث التغذية وتوفير المياه، أو من حيث تمويل القوافل الدعوية والمؤتمرات. فإن الوقف قد سدّ حاجات آلاف من فقراء القارة السمراء، ومحتاجيها من الأيتام والأرامل، والمرضى والجرحى، فخلق نوعًا من الانسجام والتعاطف ونشر التعاون والتحاب والتناصر. وخاصةً أن هذا الوقف قد خرّج آلافًا من الباحثين والعلماء سواء داخل البلدان الإفريقية أو بالمِنَح الخارجية، مما أكسب القارة قادة دينيين أكفاء، منهم الأئمة، والدعاة، والمدرسين، بل وبعض موظفي الحكومات والبنوك ممن استفادوا بالدراسة بالمِنَح الداخلية أو الخارجية.
ورغم أن كثيرًا من المدارس بدأت وقفًا ثم انتهت خصوصية ذات رسوم عالية، إلا أن كثيرًا منها حافظت على نظام الوقف المستمر، فاستفاد منها الفقراء، والأيتام، واكتسبوا الاستقلال الفكري، والتحصيل الجيد، واقتدروا على الإنتاج العلمي، والمشاركة الاجتماعية الفعاّلة، وانتفعوا بالكتب الموقوفة، والجوائز والمعاشات من أموال الأوقاف، ولولا هذه الأوقاف لما عرفوا من أين ينطلقون.
ثالثًا: الوضع القانوني للأوقاف في بعض البلدان الإفريقية
إن تطبيق القوانين في أيّ شيء يكون مُشجِّعًا للاستمرار فيه، وخاصةً في الوقف الذي يجب أن يشعر الواقف فيه بأنَّ وقفه سيُحقِّق المقصود منه، وأن الجهة الممنوحة لها سيتم انتفاعها بالوقف، وأن استمراريته مكفولة مسبقًا. لكنْ تعاني الأوقاف الإسلامية عامة والإفريقية خاصةً من مشكلة النظارة على الوقف، مما يؤدي إلى إفساد الجهود المبذولة لتطوير المؤسسة الوقفية، سواءٌ من حيث تطوير ذات الأوقاف، وتطويع التكنولوجيا، والتطبيقات الاستثمارية المعاصرة، ورَصْد جهات التصريف بإستراتيجية حضارية وعلمية.
وهذا ما دفع بكثير من البلدان الإفريقية إلى مراجعة النظر في التقنين الوقفي؛ حيث أنشئت هيئة الأوقاف المصرية بتاريخ 10 أكتوبر 1971م، وصدر القرار الجمهوري رقم 80 لذلك([51]). ونرى في الظهير الشريف رقم 1.09,236 الصادر في 23 فبراير 2010م تقنينًا لمدونة الأوقاف المغربية التي تقع في 170 مادة([52]). وتبنَّى المجلس الوطني (البرلمان) السنغالي قانون الوقف في 24 أبريل 2015م، ويقع هذا القانون في 69 مادة([53]).
وعرفت موريتانيا الوقف المنظم لأول مرة بالمرسوم رقم 119/82 الصادر 8/10/1982م، القاضي بإنشاء “مكتب الأوقاف الموريتاني”، ولقد كان موضوعًا لعدة تعديلات([54])، وصدر قانون الوقف المنقح في تونس بتاريخ 22 فبراير، 2000م، الذي راجع قانون 18 يوليو 1957م([55]). وصدر القانون الوقف الجزائري التمم والمعدل في 22/05/2001م برقم 10/07، وبالقانون 14/12/2002م برقم 02/10، وربطه بالشريعة الإسلامية كإطار عام([56])، وكذلك قانون رقم 47 لسنة 2012م المتعلق بتنظيم وتحديد اختصاصات وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في ليبيا. فهذه الدول الإفريقية نماذج حيّة في التقنين الوقفي، ويمكن للبقية الالتحاق بالركب التقنينني للأوقاف، لتسنّ لنفسها القوانين المنظمة، وتهيكل الأوقاف في مؤسساتها العامرة والساهرة على التنمية الحضارية العمرانية والعلمية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بل في كل المجالات الإنسانية المعاصرة.
الخاتمة:
لم يكن للوقف الإفريقي أن ينتشر ويتنوّع ويتطوّر إلا بوجود نفوس مسلمة عريقة في التوحيد، ومخلصة في الإيمان، ورافضة لمجرد الاختصار بأداء الفرائض، بل سعت إلى التوسُّع نحو الاستثمار في وجوه البرّ والإحسان، واقتطاع جزء من مالها للمشاركة في التنمية الحضارية ومناهضة الفقر، والجوع، والمرض، والجهل، والهشاشة والتدهور. فقام بذلك سلاطين وأمراء، وعلماء وأولياء، وأغنياء صلحاء، وجماعة من الإرادات الخيرية تجمّعت في سبيل النهوض بالمجتمع وإنعاش النشاط الاقتصادي في المجتمع المحلّي الإفريقي، ومن خارج القارة. فتعاقبت الدول الإسلامية على ذلك، واستمرّ الخير كابرًا عن كابر حتى يوم الناس هذا رغم تدهور الضمير الوقفي في غالب البلدان. لكن ما وجوه الوقف المعاصرة في الدول الإفريقية العلمانية؟ وما هو مستقبل الوقف الإسلامي فيها انتشارًا وانحسارًا، وتقنينًا ومأسسة، وتنمية وتنظيما؟ فهذا الأسئلة مشاريع لبحوث قادمة بعون الله تعالى.
وصلّى الله على رسوله المصطفى محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
………………………………………………………
[1]ـ إبراهيم طرخان، إمبراطورية غانا الإسلامية، مصر، الهيئة المصرية للتأليف والنشر، 1970، ص 45.
[2]ـ التكتيك، جميلة محمد، مملكة صنغاي الإسلامية في عهد الأسكيا محمد الكبير 1493ـــــــ 1528م، طرابلس، منشورات جهاد الليبيين، 1998م، ص 157. السعدي، عبد الرحمن، تاريخ السودان، باريس، دوداس وبنوه، 1981م.
[3]ـ ماكيفيدي، كولين. أطلس التاريخ الإفريقي، ترجمة مختار السويسي، مصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1987م، ص 115.
[4]ـ محمد ألفا جالو. الحياة العلمية في دولة صنغاي خلال الفترة 842ــ1000هــ 1464ــ1591م، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في الحضارة والنظم الإسلامية، 1993م، ص17.
[5]ـ الهادي المبروك الدالي: سلسلة من تاريخ قبائل الإفريقية قبائل الفلان دراسة وثائقية، ص16، الهادي المبروك الدالي 2 انظر أيضًا: التاريخ السياسي والاقتصادي لإفريقيا فيما وراء الصحراء من نهاية القرن 15 إلى نهاية القرن 18م، ص 238.
[6]ـ آدم عبد الله الإلوري: الإسلام في نيجيريا والشيخ عثمان بن فوديو الفولاني المجاهد الإسلامي الأكبر بغرب إفريقيا 3 والجد الأعلى للشهيد أحمد بيلو، تق: عبد الحفيظ أولادوسو، القاهرة، دار الكتاب المصري، بيروت، دار الكتاب اللبناني، ص131 ص133.
[7]ـ ينظر: الونشريشي، أبو يحيى، المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب، تخريج مجموعة من الأساتذة، الرباط، دار الغرب الإسلامي، ج5، ص5.
[8]ـ الصاوي، أحمد، بُلغة السالك لأقرب المسالك، بيروت، دار الكتب العلمية، 1995م، ج4، ص97.
[9]ـ الحديد آية 7.
[10]ـ صحيح مسلم، الرقم: 1631.
[11]ـ سرين إمباكي، عبد الرحمان الطوبي، الشيخ محمد المرتضى إمباكي رائد الوقف الإسلامي في السنغال، مؤتمر تيكماطين، 15 و16 شعبان 1430هــ 7و8 أغسطس، 2009م، ص 5.
[12]ـ الريسوني، أحمد. الوقف الخيري الإسلامي مجالاته وأبعاده، منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، إيسسكو، ص 29.
[13]ـ المصدر السابق ص 29.
[14]ـ رقية بلمقدم، أوقاف مكناس في عهد مولاي إسماعيل، الجزء الأول، المغرب، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ص 42.
[15]ـ الوقف بالمغرب، المملكة المغربية، المجلس الأعلى لمراقبة مالية الأوقاف، 2017م.
[16]ـ السعيد بوركبة: دور الوقف في الحياة لثقافية بالمغرب في عهد الدولة العلوية، الجزء الأول ص: 66.
[17]ـ محمد المنوني: ورقات عن الحضارة المغربية في عصر بني مرين: منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط ص: 64.
[18]ـ الوقف بالمغرب، المملكة المغربية، المجلس الأعلى لمراقبة مالية الأوقاف، 2017م.
[19]ـ أحمد السعداوي. تونس في القرن السابع عشر وثائق في الأوقاف في عهد الدايات والبايات المرادين، التونس، كلية الآداب والفنون الإنسانيات بمنوبة، وحدة البحث المدن التاريخية التونسية والمتوسطية، 2011م، ص9.
[20]ـ أحمد قاسم. مدينة تونس في العهد العثماني من خلال الوثائق، تونس، المجلة التاريخية للدراسات العثمانية، ع 9/10، 1994م، ص 305.
[21]ـ أحمد السعداوي، مرجع سابق، ص 12، 22.
[22]ـ طراد طارق، علة مراد. مبررات الاهتمام بالأملاك الوقفية في الجزائر، من الاختلال إلى الاستقلال، الجزائر، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، العدد 27، ديسمبر، 2016م.
[23]ـ صالحي صالح، نوال بن عمارة. الوقف الإسلامي ودوره في تحقيق التنمية المستدامة، عرض للتجربة الجزائرية في تسيير الأوقاف، الجزائر، المجلة الجزائرية للتنمية الاقتصادية، العدد 01، جامعة ورقلة، ديسمبر 2014م.
[24]ـ مصطفى رياحي. الأوقاف الإباضية، مذكرة ماجستير، قسم علم الاجتماع، الجزائر، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، 2006ـــ2007م، ص 54.
[25]ـ عبد الرحمن بوسعيد، الأوقاف والتنمية الاقتصادية والاجتماعية بالجزائر، مذكرة ماجستير، تخصص الدين والمجتمع، قسم علم الفلسفة، الجزائر، جامعة وهران، كلية العلوم الاجتماعية، 2011ــ2012م، ص28.
[26]ـ سرين إمباكي، مرجع سابق، ص 7.
[27]ـ سرين إمباكي، مرجع سابق، ص 8.
[28]ـ شيخ آدم عبد الله الإلوري، الإسلام في نيجيريا والشيخ عثمان بن فوديو الفلاني، ص151.
[29]ـ أحمد أبوبكر عمر. إدارة الأوقاف وتنميتها في نيجيريا مشاكلها وحلول مقترحة، بحث مقدم إلى مؤتمر عالمي عن قوانين الأوقاف وإدارتها: وقائع وتطلعات، خلال 20ــ22، 2009م، ماليزيا، الجامعة الإسلامية العالمية، ص 4.
[30]ـ Zamfara State Zakat and Endowment Board Paper for first Regional Workshop for Zakat Organization in Africa at Sudan. 2009, p. 4.
[31]ـ أبو عبيد البكري، المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب (وهو جزء منن كتاب المسالك)، القاهرة، دار الكتاب الإسلامي، ص 185.
[32] ، المغرب، المرجع السابق، ص 175.
[33]ـ العمري، أحمد بن يحيى بن فضل الله، مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، تحقيق: فؤاد سزكين، فرنكفورت، معهد تاريخ العلوم العربية الإسلامية في إطار جامعة فرانكفورت، 1977م، ج4، ص 34.
[34]ـ ابن بطوطة، حمد بن عبد الله اللواتي، رحلة ابن بطوطة، تحقيق: على المنتصر الكتاني، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1982م، ج2، ص 790.
[35]ـ الشنقيطي، أحمد الأمين. الوسيط في تراجم أدباء شنقيط، بعناية فؤاد السيد، القاهرة، مطبعة السنة المحمدية، 1958م، ط2، ص 517.
[36]ـ وهما من خريجي سنكري بتنبكتو والمسجد الجامع بأغدس.
[37]ـ الساعاتي، يحيى محمود بن جنيد. الوقف والمجتمع نماذج وتطبيقات من التاريخ الإسلامي، الرياض، مؤسسة اليمامة الصحفية، العدد 39، مارس، 1998م، ص 22.
[38]ـ فضل خلود دكو. الثقافة الإسلامية في تشاد في العصر الذهبي لإمبراطورية كانم ــــ برنو، كلية الدعوة الإسلامية، 1998، ط1، ص 150، 152.
[39]ـ الثقافة الإسلامية في تشاد، المرجع السابق، ص 56.
[40]ـ مصطفى الزرقا، أحكام الوقف، عمان، دار العمان، ط2، 1998، ص 14.
[41]ـ Bela, Inscription arabes de Fesn J.A, Paris, 1919, P159.
[42]ـ على بن أبي الزوع، الأنيس المطرب، تحقيق عبد الوهاب بن منصور، الرباط، دار المنصور، 1972م، ص54ــ55.
[43]ـ محمد حجي ومحمد الأخضر، وصف إفريقيا، الرباط، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، 1980، ج1، ص 179.
[44]ـ ابن أبي زرع، ص 412ــ413.
[45]ـ عبد القادر سيلا، المسلمون في السنغال معالم الحاضر وآفاق المستقبل، القطر، رئاسة المحاكم الشرعية، ص 129. ينظر: محمد أحمد لوح، التعليم الإسلامي في السنغال، ص 21.
[46]ـ خديم إمباكي، التعليم الإسلامي في السنغال، ص 10.
[47]ـ عثمان صالح تراوري، تأثير المناهج الدراسية في المدارس العربية الإسلامية في جمهورية مالي، جامع الكتب الإسلامية، المجلد 1، ص35.
[48]ـ كوني، عبد الرحيم. أزمة التعليم الإسلامي في إفريقيا بين الأمس واليوم، بحث غير منشور، 1989، ص 30.
[49]ـ أوزجان يلدريم. وقف المعارف التركي يقدم خدماته التعليمية في 25 دولة إفريقية، أناضول، 2021م.
[50]ـ رندة عطية. وقف الديانة التركي في إفريقيا… الإنسان قبل السياسة، مجلة نون، https://www.noonpost.com/41900/
[51]ـ هيئة الأوقاف المصرية، https://awkafegypt.gov.eg/
[52]ـ الجريدة الرسمية عدد 5847، الصادرة بتاريخ فاتح رجب 1431/ 14 يونيو 2010م.
[53]ـ رئيس الجلسة: مكي صال، ومحمد بن عبد الله جون. قانون خاص بالوقف، عرص مسوغات هذا القانون، جمهورية السنغال، دكار، 06 مايو 2015م.
[54]ـ سيدي محمد محمد المصطفى، الوقف الإسلامي: التحديات واستشراف المستقبل، مؤتمر الأوقاف في موريتانيا الواقع والآفاق، موريتانيا، جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية، 11ــ12 يوليو 2017م.
[55]ـ طه العبيدي، أهم القوانين الصادرة بتونس بين سنتي 2000ــ2001م، منتدى رجال القانون، 2008م.
[56]ـ عمار نكاع، نظام الوقف في التشريع الجزائري، الجزائر، جامعة منتوري قسنطينة، كلية الحقوق، 2023م، ص 5.