مقدمة:
إن تحديد مستوى الاستعداد التكنولوجي لدولةٍ ما، يُمكِّن الشركات من تحديد موقعها على طول سلسلة الابتكار، ومِن ثَم تخصيص استثمارات مستقبلية للتطوير، لتكون جاهزة لتحديات السوق. ومِن هنا تكون على استعداد لاعتماد خيارات التمويل وفرص ترخيص التكنولوجيا، مما يساعد الشركات في الحصول على التمويل واتخاذ قرارات أخرى، ويُمكِّن الدولة في النهاية من اللحاق بالتغيرات السريعة في المشهد التكنولوجي، وما يوفِّره من فرص النمو الأخضر.
ولهذه الحاجة شرع مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) في عام 2021م في إصدار نسخته الأولى من “تقرير التكنولوجيا والابتكار”؛ للوقوف على مدى جاهزية البلدان لتبنّيها تكنولوجيات رائدة.
تركزت النسخة الأولى من هذا التقرير على أثر موجات التغير التكنولوجي على التفاوت بين الدول، في حين استعرض التقرير في نسخته الثانية للعام 2023م، الفرص التي يمكن أن تُتيحها تلك التكنولوجيات الرائدة لفرص النمو الأخضر، وكيفية تسخير تلك التكنولوجيات من أجل عالم منخفض الكربون.
ومن خلال هذه الدراسة التحليلية سوف نتناول موقع بلدان إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر “الاستعداد التكنولوجي الرائد”؛ من خلال المحاور التالية:
المحور الأول: اللحاق بركب موجات التقدم التكنولوجي.. التوفيق بين الابتكار والإنصاف.
المحور الثاني: تحليل مؤشر الاستعداد التكنولوجي الرائد في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء 2017- 2021م.
المحور الثالث: إتاحة فرص النمو الأخضر.. تسخير الفرص التكنولوجية من أجل عالم منخفض الكربون.
المحور الرابع: تحليل مؤشر الاستعداد التكنولوجي الرائد في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء لعام 2022م. مع دراسة الموقف الحالي والسيناريوهات المحتملة.
المحور الخامس: خاتمة ونتائج.
المحور الأول
اللحاق بركب موجات التقدم التكنولوجي.. التوفيق بين الابتكار والإنصاف
أولًا: التغير التكنولوجي وعدم المساواة
يقف العالم على حافة ثورة تكنولوجية جديدة يمكن أن ترسّخ أو تزيد من تفاقم الانقسام الكبير بين البلدان، والذي تجلى بعد الثورة الصناعية الأولى. فهناك عدد قليل من البلدان يُنتج التقنيات التي تقود هذه الثورة الجديدة، لكنَّ جميع البلدان ستتأثر بها. ومع ذلك، لا يوجد بلد تقريبًا مستعد جيدًا للتعامل مع عواقب الثورة الصناعية الرابعة([1]).
ويرتبط الكثير من أوجه عدم المساواة بمستويات الدخل؛ ففي السنوات الخمس عشرة الماضية انخفض تفاوت الدخل على النطاق العالمي. ويُعزَى ذلك في المقام الأول إلى أن البلدان النامية الكبيرة قد نمت بوتيرة متسارعة، وبدأت باللحاق بركب الاقتصاد العالمي. غير أن الإنجازات ذات الصلة بالمساواة مُهدَّدة؛ نظرًا لازدياد التفاوتات داخل البلدان.
من هنا يجب أن ننظر في إسهام كلا النوعين في بروز التفاوتات على النطاق العالمي. وتشير التقديرات إلى أن التفاوت فيما بين البلدان هو السائد في الوقت الراهن. وبين عام 1820م، أي في بداية الثورة الصناعية، وعام 2002م، ارتفع إسهام التفاوت فيما بين البلدان في بروز التفاوت على النطاق العالمي من مقدار 28 إلى 85%. ولما كان هذا هو العنصر السائد، فقد يمثّل التراجع النسبي الأخير في أوجه عدم المساواة بين البلدان سببًا للابتهاج. ولكنه يُموِّه حقيقة أن الفجوة بين البلدان متقدمة النمو والبلدان النامية؛ من حيث القيمة المطلقة، لم تكن يومًا أكثر اتساعًا مما هي عليه اليوم، وهي لا تزال تزداد اتساعًا([2]). والشكلان التاليان يوضحان ذلك.
الشكل رقم (1)
متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي
في الاقتصادات النامية والاقتصادات المتقدمة النمو، 1970 – 2018م
الأونكتاد، تقرير التكنولوجيا والابتكار 2021م (جنيف: الأونكتاد، 2021م) ص: 4.
شكل رقم (2)
التغير التكنولوجي وعدم المساواة عبر العصور
الأونكتاد، تقرير التكنولوجيا والابتكار 2021م (جنيف: الأونكتاد، 2021م) ص2.
هذا وتؤثر العديد من العوامل على عدم المساواة: الحرب، والتجارة، والعولمة، وتفشي الأوبئة. والثورات التكنولوجية تتكون من مرحلتين وفقًا لـCarlota Perez؛ تتضمن المرحلة الأولى؛ تثبيت النموذج التكنولوجي الجديد، الذي يبدأ في عدد قليل من القطاعات (والأماكن)، في هذه المرحلة، هناك احتمال لزيادة عدم المساواة في الدخل بين العاملين في هذه الصناعات الأساسية للنموذج الجديد. أما المرحلة الثانية فتعمل على نشر التقنيات الجديدة، والتي تميل إلى أن تكون غير متساوية؛ ولذا لا يحصل الجميع على إمكانية الوصول الفوري إلى فوائد التقدم.
قد يكون هذا وقت السخط الاجتماعي عندما يدرك الناس أن وعود التقدم الاجتماعي من خلال التقنيات الجديدة تركت الكثير من الناس وراءهم. وينتهي أيضًا بفترة اندماج وتركيز السلطة في عدد قليل من الشركات في قلب النموذج، مما يؤدي إلى ظهور ثروات كبيرة في أيدي قلة من الناس.
علاوة على ذلك؛ تصل الثورات التكنولوجية إلى البلدان النامية بتأخيرات غير متكافئة، وأحيانًا لا تؤدي إلا إلى تغييرات في البنية التحتية (مثل الإنترنت والهواتف المحمولة) وأنماط الاستهلاك (مثل التجارة الإلكترونية)، ولكن ليس التغييرات في هياكل الإنتاج، وبالتالي تزيد التكنولوجيا والدخل الفجوات بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية([3]).
ويبدو أن العالم قد دخل مرحلة انتشار “عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات”، في حين أن مرحلة التثبيت لنموذج تكنولوجي جديد مبني على التقنيات الرائدة والصناعة (0,4) جارية بالفعل. كما أدى انتشار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى تركيز هائل للثروة لدى مالكي المنصات الرقمية الرئيسة، كما أدت جائحة كورونا إلى زيادة الفجوة الرقمية القائمة داخل البلدان وفيما بينها.([4])
شكل رقم (3)
الثورات التكنولوجية وأوجه عدم المساواة
الأونكتاد، تقرير التكنولوجيا والابتكار 2021م (جنيف: الأونكتاد، 2021م) ص: 2.
ثانيًا: التكنولوجيا الرائدة
التكنولوجيات الرائدة: “هي مجموعة من التكنولوجيات الجديدة التي تستفيد من أساليب الرقمنة والاتصال الإلكتروني، وهو ما يُمكّنها من الجمع بين هذه التكنولوجيات ومضاعفة آثارها”. وقد تناول تقرير التكنولوجيا والابتكار 2021م إحدى عشرة تقنية حديثة من هذه التقنيات، وهي: (الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والبيانات الضخمة، وتقنية الكتل المتسلسلة، وشبكة الجيل الخامس، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والتشغيل الآلي، والطائرات بلا طيار، والتعديل الوراثي، والتكنولوجيا النانوية، والطاقة الضوئية والشمسية).
استخدام هذه التكنولوجيات يعمل على تعزيز الإنتاجية وتحسين سُبُل العيش. وتمثل التكنولوجيات الإحدى عشرة هذه، كمجموعة، سوقًا تبلغ قيمتها 350 بليون دولار، وسوقًا يمكن أن تنمو بحلول عام 2025م لتبلغ قيمتها أكثر من 3,2 ترليون دولار، وتستخدم شركات التمويل هذه التكنولوجيات لاتخاذ قرارات ائتمانية، وإدارة المخاطر، ومنع الغش، والاضطلاع بأنشطة التداول، وتقديم الخدمات المصرفية حسب الطلب، وأتمتة العمليات. ويستخدمها قطاع التصنيع لإجراء الصيانة الوقائية، ومراقبة الجودة، وأداء العمل المشترك بين الإنسان والروبوت. وإن الكثيرين من كبار موفري هذه التكنولوجيات هم من الولايات المتحدة، التي تُمثِّل موطن منصات الحوسبة السحابية. كما تُعَدّ الصين منتجًا رئيسًا، ويُعَدّ هذان البلدان أيضًا وراء 30 إلى 70% من براءات الاختراع والمنشورات المتصلة بهذه التكنولوجيات([5]). ويوضح الشكل (4) تقديرات حجم تلك السوق.
شكل رقم (4)
تقديرات حجم سوق التكنولوجيات الرائدة بالدولار
المنتدى العربي للمدن الذكية، تقرير التكنولوجيا والابتكار 2021م مؤشر جاهزية الدول لتبني التكنولوجيا الرائدة، ص: 14.
ثالثًا: الاستعداد التكنولوجي الحدودي
في الوقت الحالي، لا يقوم سوى عدد قليل من البلدان باختراع وإنتاج تقنيات رائدة، ولكن ستحتاج جميع البلدان إلى الاستعداد لاحتضانها. يقدم تقرير التكنولوجيا والابتكار لعام 2021م الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) مؤشر الاستعداد لتقييم القدرات الوطنية لاستخدام هذه التقنيات واعتمادها وتكييفها بشكل منصف. يتألف المؤشر من خمس لبنات بناء: (1) نشر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، (2) المهارات، (3) نشاط البحث والتطوير، (4) نشاط الصناعة، (5) الوصول إلى التمويل. تتماشى الكتل الثلاثة الأولى مع القدرات التكنولوجية الوطنية التي حددها Sanjaya Lall([6]).
ويرتبط النشاط الصناعي بافتراض أن تطوير القدرات التكنولوجية يعتمد على ذات المسار، استنادًا إلى البحث في التعقيدات الاقتصادية الحالية ودور التقنية في تذليلها. ومن ثم، فإن النمط الحالي للنشاط الصناعي في بلد ما يمكن أن يخبرنا عن احتمالية تبني تقنيات رائدة. ويعتبر الوصول إلى التمويل لبنة أساسية للابتكار، بناءً على وجهة نظر Schumpeterian للعلاقة بين التمويل والابتكار([7]). ويمكن تفصيل اللبنات الخمس لمؤشر الاستعداد التكنولوجي (جاهزية الدول لتبني التكنولوجيا الرائدة) في خمسة محاور رئيسة، وهي([8]):
شكل رقم (5)
محاور مؤشر الاستعداد التكنولوجي (الجاهزية)
المصدر: الباحث
المحور الأول: توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات:
يسعى هذا المحور إلى قياس مستوى انتشار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات؛ لضمان الوصول إلى كافة المجتمعات، وتقييم جودة البنية التحتية التي تسمح باستخدام أكثر فعالية، ويتكون من مؤشرين فرعيين:
1- مستخدمو الإنترنت كنسبة مئوية من السكان.
- متوسط سرعة التنزيل وجودة الاتصال بالشبكة العنكبوتية.
المحور الثاني: المهارات: يسعى هذا المحور إلى قياس المهارات المطلوب توافرها لدعم تبني مفهوم التكنولوجيا على أساس اكتساب المعرفة من خلال البيئة التعليمية، واكتساب المهارات من خلال بيئة العمل. ويتكون من مؤشرين فرعيين:
1- عدد سنوات الدراسة المتوقع.
- مستوى المهارة في سوق العمل.
المحور الثالث: البحث والتطوير: يعتبر هذا المحور أساسيًّا لقياس مدى قدرة الدول على تحسين التكنولوجيا للمواءمة مع متطلبات السوق المحلي. ويتكون من مؤشرين فرعيين وهما:
1- أعداد الأبحاث المنشورة.
- عدد براءات الاختراع.
المحور الرابع: النشاط الصناعي: يقوم هذا المحور بقياس قدرة الصناعة المحلية على صناعة التكنولوجيا المتطورة وتصدير الخدمات الرقمية، ويتكون من مؤشرين فرعيين هما:
1- نسبة صادرات الصناعات التكنولوجية من إجمالي صادرات الصناعات المحلية.
- نسبة صادرات الخدمات الرقمية من إجمالي صادرات الخدمات.
المحور الخامس: القدرة على الحصول على التمويل: ويسعى هذا المحور إلى قياس توافر التمويل للقطاع الخاص والموارد التي تقدمها الشركات المالية للقطاع الخاص، ويتكون من مؤشر فرعي واحد وهو: نسبة الدَّيْن المحلي للقطاع الخاص.
وتتكون درجات المؤشر من 100 درجة، ويصنف درجة الاستعداد إلى: منخفض، متوسط منخفض، متوسط مرتفع، ومرتفع([9]).
المحور الثاني:
تحليل مؤشر الاستعداد التكنولوجي الرائد في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء
خلال الفترة ما بين 2017-2021م
أولًا: مؤشر الاستعداد التكنولوجي الرائد في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء في الفترة 2017-2019م.
في الوقت الذي حققت فيه 39 دولة إفريقية في جنوب الصحراء، ذكرها موقع الأونكتاد كبيانات تاريخية –على الرغم من بداية إصدار التقرير في عام 2021م– متوسطًا قدره 16,3 درجة كمتوسط للفترة 2017- 2019م، وهو تصنيف (منخفض)، وكان المتوسط العالمي 43,14 درجة. والجدير بالذكر أن هناك دولتين فقط قد حققتا متوسط درجات لنفس الفترة المذكورة أعلى من المتوسط العالمي، وهما جنوب إفريقيا وموريشيوس بدرجات 54,77، و43,07 على التوالي. كما يتبين من الجدول رقم (1).
جدول رقم (1)
مؤشر الاستعداد التكنولوجي الرائد في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء في الفترة 2017-2019م
UNCTAD, Frontier technology readiness index, annual. at:
https: //unctadstat. unctad. org/wds/TableViewer/tableView. aspx?ReportId=227701
كان أفضل المحاور أداءً: محور القدرة على الحصول على التمويل محققًا 44,12 درجة من 100، تلاه محور النشاط الصناعي، وذلك كمتوسط للفترة 2017-2019م. كما يتبين من الشكل التالي.
شكل رقم (6)
محاور مؤشر الاستعداد التكنولوجي الرائد للفترة 2017-2019م في إفريقيا جنوب الصحراء
المصدر: الباحث من الجدول رقم (1).
ثانيًا: مؤشر الاستعداد التكنولوجي الرائد في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء 2021م
يُفيد مؤشر الجاهزية بأن أفضل البلدان استعدادًا للتكنولوجيات الرائدة هي الولايات المتحدة، تليها سويسرا والمملكة المتحدة والسويد وسنغافورة وهولندا وجمهورية كوريا. وترد أيضًا في مرتبة متقدمة من القائمة بعض البلدان التي تمر اقتصاداتها بمرحلة انتقالية، وبعض البلدان ذات الاقتصاد النامي. ويقع معظم أقل البلدان استعدادًا لهذه التكنولوجيات في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وفي البلدان النامية بوجه عام. أما البلدان التي تحتل المراتب العليا فهي، إلى حد كبير، أكثر البلدان ثراءً. بيد أن هناك العديد من البلدان الأخرى التي تحتل مراتب متقدمة حتى وإن لم تكن بين الأكثر ثراءً، وهي البلدان التي يكون أداؤها أفضل مما يشير إليه نصيب الفرد لديها من الناتج المحلي الإجمالي([10]).
الشكل رقم (7)
متوسط قيمة المؤشر حسب المجموعة الجغرافية
الأونكتاد، تقرير التكنولوجيا والابتكار 2021م (جنيف: الأونكتاد، 2021م) ص: 4.
وقد حققت 36 دولة من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء متوسطًا قدره 17 درجة من 100 مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 44 درجة. وكانت دولتا جنوب إفريقيا وموريشيوس قد حققتا درجات 55، 45 على التوالي، وهي أعلى من المتوسط العالمي؛ حيث حققت الدولتان تصنيف (منتصف العلوي)، وثمانية دول تصنيف (متوسط منخفض)، في الوقت الذي حققت فيه باقي الدول تصنيف (منخفض).
جدول رقم (2)
مؤشر الاستعداد التكنولوجي لبلدان إفريقيا جنوب الصحراء لعام 2021م
UNCTAD, Technology and Innovation Report 2021م Catching technological waves Innovation with equity(Geneva: UNCTAD,2021م)PP. 143-144.
وكانت أفضل المحاور أداءً محور النشاط الصناعي، ثم محور البحث والتطوير، ثم محور القدرة على الحصول على التمويل، ثم محور توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وأخيرًا محور المهارات.
المحور الثالث
إتاحة فرص النمو الأخضر.. تسخير الفرص التكنولوجية من أجل عالم منخفض الكربون
يواجه العالم، في عام 2023م، تحديات اجتماعية واقتصادية جسيمة. فالعديد من البلدان لا تزال تسعى إلى التعافي من جائحة كوفيد-19 بموازاة تعاملها مع تداعيات الحرب في أوكرانيا، تحتاج هذه البلدان إلى اقتصادات متنوعة وأكثر إنتاجية. لكن تسريع وتيرة النمو الاقتصادي سيتطلب قدرًا أكبر بكثير من الطاقة التي إن استمدت من الوقود الأحفوري، سترسل ملايين الأطنان من الكربون المتصاعد إلى الغلاف الجوي. غير أن البلدان النامية ليست ملزمة باتباع المسارات التاريخية للنمو الذي يغذيه الكربون.([11])
وتُركِّز نسخة 2023م من تقرير التكنولوجيا والابتكار على ما يمكن تحقيقه بالابتكار التكنولوجي، من خلال “إتاحة فرص النمو الأخضر”. وهذا لا يوحي بأن هذه المشاكل سوف تُحلّ عن طريق التكنولوجيا وحدها، ولا بأن التكنولوجيا الجديدة مفيدة بالضرورة؛ لأن المكاسب التي تتحقق لفائدة مجموعة واحدة يمكن أن تكون ضارة لمجموعات أخرى. ولكنه يستند في طرحه إلى أن الابتكار والتقدم في العلوم والتكنولوجيا، إذا استرشد بأهداف التنمية المستدامة، يمكن استخدامه لدفع العالم نحو مسارات أكثر استدامة وإنصافًا، وخاصة في توليد الطاقة واستخدامها. ([12])
وقد أكد التقرير أهمية الابتكار الأخضر؛ وهو “إحداث أو تقديم سلع وخدمات جديدة أو محسنة تترك بصمات كربونية أخف، وتتيح فرصًا للنمو الأخضر”. ولدى البلدان النامية الآن فرص للحاق بالركب، والحد من الفقر، والعمل على التصدي لتغير المناخ. والتحول إلى نمو أخضر يتطلب أكثر من مجرد التقليد؛ بل يتطلب الإبداع في التكيف والابتكار. ويوضح الشكل أدناه المكونات الرئيسة للابتكار الأخضر. والمنطلق هو تجربة أفكار وتكنولوجيات جديدة وتكييفها مع الظروف والقيم والأولويات المحلية. كما ستحتاج البلدان إلى بنية تحتية ملائمة تتخذ شكل منافع عامة؛ من خلال تدخل حكومي مباشر يدعم إنشاء قطاعات خضراء جديدة، ويتأثر الابتكار الأخضر أيضًا بالاتفاقات والخطط والقواعد والآليات العالمية، خاصةً تلك المتعلقة بتغير المناخ([13]). والشكل التالي يوضح التسلسل في إتاحة فرص النمو الأخضر.
شكل رقم (8)
التسلسل في إتاحة فرص النمو الأخضر
الأونكتاد، تقرير لتكنولوجيا والابتكار، 2023إتاحة فرص النمو الأخضر تسخير الفرص التكنولوجية من أجل عالم منخفض الكربون (جنيف: أونكتاد، 2023) ص: 2.
في طليعة الابتكار الأخضر توجد تكنولوجيات جديدة وسريعة التطور تستفيد من الرقمنة والاتصال الإلكتروني. ويتناول التقرير سبعة عشرة من هذه “التكنولوجيات الرائدة” –من الذكاء الاصطناعي إلى الهيدروجين الأخضر إلى الوقود الحيوي-، ويسلط الضوء على فوائدها الاقتصادية المحتملة ويقيم قدرات البلدان على استخدام هذه الابتكارات واعتمادها وتكييفها. وقد شهدت هذه التكنولوجيات نموًّا هائلًا في العقدين الماضيين: ففي عام 2020م بلغ مجموع قيمتها السوقية 1,5 تريليون دولار، وبحلول عام 2030م يمكن أن تصل إلى 9,5 تريليونات دولار. وحوالي نصف هذا المبلغ مُخصَّص لإنترنت الأشياء، ويوفر هذه التكنولوجيات في المقام الأول عدد قليل من البلدان. وكما هو الحال في موجات التشغيل الآلي السابقة، فإن التكنولوجيات الرائدة تدمّر الوظائف القديمة، وتخلق وظائف جديدة. كما أنها تخلق أيضًا منتجات ومهام ومهنًا وأنشطة اقتصادية جديدة. وسيتوقف أثرها الصافي في الوظائف على التوازن النهائي بين الخلق والانقراض. وبالنسبة لهذه التكنولوجيات الجديدة، تهيمن الولايات المتحدة والصين على المشهد المعرفي، بحصة تبلغ في مجموعها 30% من المنشورات العالمية وحوالي 70% من براءات الاختراع، وتتنافس بلدان أخرى في فئات محددة، وتتبوأ كل هذه التكنولوجيات طليعة التغيير، لكن بعضها أكثر نضجًا من الآخر. ([14])
ولتقييم الاستعداد الوطني للإنصاف في استخدام التكنولوجيات الرائدة واعتمادها وتكييفها، يعرض هذا التقرير نتائج عام 2023م لـ”مؤشر الجاهزية” أو “الاستعداد التكنولوجي الرائد”. وتهيمن على ترتيب 166 بلدًا الاقتصادات المرتفعة الدخل. ويشمل الربع الثاني من القائمة الاقتصادات الناشئة. وتأتي في مراتب متأخرة بلدان في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وهي الأقل استعدادًا لاستخدام التكنولوجيات الرائدة واعتمادها وتكييفها، وهي معرَّضة لخطر تفويت الفرص الحالية. وتُبرز البيانات المتعلقة بأجزاء مكونات مؤشر الجاهزية المجالات التي تحتاج إلى تحسين. وعمومًا، تحتل البلدان النامية كمجموعة مراتب دنيا فيما يتعلق بمؤشراتها المتعلقة بالقدرة على الاتصال الإلكتروني في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومهاراتها. وتحتل أقل البلدان نموًّا والبلدان النامية غير الساحلية والدول الجزرية الصغيرة النامية مراتب أدنى من 100 بالنسبة لجميع المؤشرات، مع وجود نقاط ضعف معينة في البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والبحث والتطوير. والبلدان الأكثر قدرة على الانتقال إلى الإنتاج الذكي هي البلدان التي تتمتع بمستويات أعلى من المهارة ولها صناعات تحويلية أقوى.([15])
وتقدر الأونكتاد أن التقنيات السبعة عشر التي يغطّيها التقرير يمكن أن تخلق سوقًا تزيد عن 9,5 تريليون دولار بحلول عام 2030م. ولكن حتى الآن، تغتنم الاقتصادات المتقدمة معظم الفرص، تاركة الاقتصادات النامية متخلفة عن الركب. وقد قفز إجمالي صادرات التقنيات الخضراء من البلدان المتقدمة من حوالي 60 مليار دولار في عام 2018م إلى أكثر من 156 مليار دولار في عام 2021م. وفي الفترة نفسها، ارتفعت الصادرات من الدول النامية من 57 مليار دولار إلى حوالي 75 مليار دولار. ففي غضون ثلاث سنوات، انخفضت حصة البلدان النامية من الصادرات العالمية من أكثر من 48% إلى أقل من 33%([16]).
المحور الرابع
تحليل مؤشر الاستعداد التكنولوجي الرائد في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء لعام 2022م:
الموقف الحالي والسيناريوهات المحتملة
أولاً: تحليل مؤشر الاستعداد التكنولوجي الرائد في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء لعام 2022م:
يتضمن التقرير “مؤشر الاستعداد التكنولوجي الرائد” الذي يبين أن عددًا قليلًا جدًّا من البلدان النامية لديها القدرات اللازمة للاستفادة من التكنولوجيات الرائدة. وتشمل هذه blockchain والطائرات بدون طيار وتحرير الجينات وتكنولوجيا النانو والطاقة الشمسية. من المتوقع أن تصل قيمة التقنيات الحدودية الخضراء مثل السيارات الكهربائية والطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر إلى 2,1 تريليون دولار في عام 2030م؛ أي أربعة أضعاف قيمتها الحالية. يمكن أن ترتفع إيرادات السوق للسيارات الكهربائية خمس مرات لتصل إلى 824 مليار دولار بحلول عام 2030م من قيمة اليوم البالغة 163 مليار دولار([17]).
وقد حققت بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الأربعون التي ذكرها تقرير الابتكار والتكنولوجيا لعام 2023م، في المتوسط 23 درجة في مؤشر الاستعداد التكنولوجي (بتصنيف منخفض)، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 50 درجة. حافظت جنوب إفريقيا وموريشيوس في تصنيفهما (متوسط مرتفع)، وهما الدولتان الوحيدتان اللتان فاقتا المتوسط العالمي بدرجات 60 (56 عالميًّا)، و54 درجة (73 عالميًّا) مع تراجع الأولى عن موقعها مقارنة بالعام 2021م، بينما تقدمت موريشيوس في الترتيب. وحققت سبعة بلدان تصنيف (متوسط منخفض)، وباقي البلدان تصنيف (منخفض).
تقدمت سبعة بلدان في ترتيبها العالمي مقارنة بتقرير عام 2021م، وهي موريشيوس وبتسوانا ونيجيريا وتنزانيا والكونغو ساوتومي وبرنسيب وبوركينا فاسو. بينما تراجعت 29 دولة، وأربعة دول غير متوافر عنها بيانات.
وكانت أفضل المحاور أداءً في المتوسط هي محور النشاط الصناعي، ثم محور البحث والتطوير، ومحور القدرة على الحصول على التمويل، ثم محور توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصال، وأخيرًا محور المهارات.
جدول (3)
مؤشر الاستعداد التكنولوجي الرائد لعام 2022م لبلدان إفريقيا جنوب الصحراء
UNCTAD, Technology and Innovation Report 2023م Opening green windows Technological opportunities for a low-carbon world (Geneva: UNCTAD,2023م)PP. 166-167.
ثانيًا: بعض تجارب بلدان إفريقيا جنوب الصحراء في الطاقة المتجددة
هناك تجارب لبعض البلدان الإفريقية في إنتاج وتوزيع واستخدام تقنيات الطاقة المتجددة: الطاقة الحيوية، والطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والهيدروجين الأخضر، والتنقل الكهربائي. أبرزها جنوب إفريقيا التي طورت برنامج منتجي الطاقة المتجددة؛ حيث تشتري الحكومة الطاقة المتجددة من خلال نظام المزاد، الذي اجتذب مجموعة متنوعة من مطوري المشاريع الدوليين والمحليين، غير أن التحديث التكنولوجي كان مقيَّدًا بالنقص في العمال المهرة، مع تحديات متطلبات المحتوى المحلي. كما لم يتم تطبيق اللوائح بشكل جيد، ومكَّنت الثغرات المطورين الأجانب من استخدام المستودعات بدلًا من إنشاء مصانع إنتاج.([18])
وفي السياق التالي نعرض باختصار أبرز تلك التجارب:
الطاقة الشمسية الكهروضوئية: كينيا – إثيوبيا: هناك سوق للطاقة الشمسية الكهروضوئية سريعة النمو في إفريقيا جنوب الصحراء. كانت المبادرة مِن قِبَل الشركات الخاصة بكينيا وإثيوبيا، التي تمكنت من مواجهة المنافسة الدولية، وأثبتت وجودها في قطاعات مختلفة، بعد أن انتقلت من التركيبات المستقلة إلى المصانع الكبيرة؛ من التوزيع إلى التثبيت؛ ومن المناقصات الحكومية والمشاريع المانحة إلى العقود التجارة، وهذا يمكن أن يجعل كينيا مركزًا عالميًّا لشركات الطاقة النظيفة. كان الارتقاء نتيجة للتواصل مع الفاعلين الدوليين والاستثمار في القدرات والمهارات الوطنية. ومع ذلك، لا تزال الشركات المحلية تواجه تحديات كبيرة في مجالات التمويل والمهارات والسياسات، مما يمنعها من الحصول على حصص أكبر في السوق.([19])
الوقود الحيوي: غانا –إثيوبيا: ركَّزت غانا على إنتاج الوقود الحيوي باستخدام الجاتروفا (شجرة البترول الأخضر). بسبب زيادة الطلب المحلي؛ حيث أقرت الحكومة خطة الطاقة الوطنية الاستراتيجية للوقود الحيوي في عام 2006م. وتم البدء بمزارع تجريبية على أراض زراعية منخفضة الخصوبة. وقد حظيت المشاريع بدعم قوي من المنظمات غير الحكومية والدولية. ومع ذلك، جاءت النتائج أقل بكثير من التوقعات. بسبب انخفاض الغلات وصعوبات في زيادة الإنتاج. كان دعم البحث والتطوير العام ضعيفًا، مع مشاركة قليلة نسبيًّا للتعلم، ونقص في المعلومات الفنية والإدارية اللازمة لدخول الأسواق الدولية. أما في إثيوبيا فقد وفَّر العدد المتزايد من مصانع السكر والأراضي الشاسعة المناسبة لزراعة المواد الأولية إمكانات كبيرة للوقود الحيوي، الذي يمكن أن يكون بمثابة وقود بديل لخدمات النقل والطهي. وتنتج البلاد الإيثانول الحيوي منذ عقود، لكنها توفر أقل من 1% من الطاقة من خلاله. ولذا فإن الاستفادة من إمكاناتها لإنتاج الوقود الحيوي ستسمح بتقليل اعتمادها على واردات الوقود، ومع ذلك، هناك حاجة لإصلاح السياسات لتقديم دعم أكبر.([20])
الهيدروجين الأخضر: جنوب إفريقيا –ناميبيا- موريشيوس: في سبتمبر 2021م استهدفت جنوب إفريقيا تحقيق إنتاج محلي تنافسي بحلول عام 2030م. وتم تحديد ثلاثة محاور هيدروجين خضراء للصناعة والسيارات والموانئ، وتكرير النفط، والتعدين. مع تحديد إمكانات الهيدروجين الأخضر في مختلف القطاعات، وزيادة عدد المحللات الكهربائية والاستثمار في أنظمة النقل والتخزين اللازمة. ويعد الهيدروجين الأخضر عامل تغيير كبير في جنوب إفريقيا منذ عام 2007م؛ حيث اعتاد الناس على انقطاع التيار الكهربائي بسبب تخفيف الأحمال، عندما يتجاوز الطلب على الكهرباء العرض المتاح. في عام 2020م أمضت الدولة 859 ساعة في التخلص من الأحمال الزائدة. خلال الفترة 2009 – 2019م قدرت تكلفة تفريغ الأحمال بحوالي 338 مليار راند. تسعى الحكومة إلى انتقال عادل من خلال تكثيف التعاون بين القطاعين العام والخاص. وتقوم شركة Mitochondria Energy Systems بتطوير تقنية خلايا الوقود المصممة بتعاون دولي ومحلي مشترك.([21])
أما ناميبيا التي يمكن أن تنتج طاقة متجددة منخفضة التكلفة، وبالنظر إلى الطلب المحلي المحدود، يمكنها تصدير معظم هذه الطاقة. فقد أطلقت الحكومة مبادرة تطوير الممر الجنوبي وأنشأت مجلس الهيدروجين الآخر، وسيشمل ذلك خططًا لكل من الهيدروجين الأخضر والأمونيا، وطاقة الرياح والتحليل الكهربائي للطاقة الشمسية وتحلية المياه. في 2022م، أعلن الرئيس أن شركة Hyphen Hydrogen Energy قد فازت بالمزايدة الأولى لإنتاج 300 ألف طن سنويًّا من الهيدروجين الأخضر والأمونيا. أقامت ناميبيا علاقات تعاون دولية لدعم إنتاج الهيدروجين. وهو جزء من مشروع H2Atlas-Africa، الذي سيجري أبحاثًا حول إنتاج الهيدروجين الأخضر في المناطق القاحلة باستخدام المياه المحلاة. ويشمل أيضًا برامج تبادل الباحثين والخبراء، والمنح الدراسية. كما وقَّعت البلاد اتفاقيات تمويل مع بلجيكا وهولندا التمويل، كما تدرس أيضًا خيارات مثل السندات الخضراء أو المستدامة. كما أسست موريشيوس رابطة التجارة الإفريقية لشراكة الهيدروجين، تمكن الشركات الأعضاء من تبادل المعرفة في المجالات الاقتصادية والتقنية والموضوعات الاجتماعية الأخرى، بما في ذلك معالجة القضايا السياسية والقانونية والضريبية. يتمثل أحد مشاريع الرابطة في إصدار سندات الهيدروجين الإفريقية الخضراء لجمع رأس المال وخلق فرص مفيدة للطرفين للحكومات والمؤسسات المالية الإفريقية ([22]).
طاقة الرياح جنوب إفريقيا وكينيا وإثيوبيا
وضعت جنوب إفريقيا خطة الموارد المتكاملة في 2010م من بينها نشر طاقة الرياح، بالإضافة إلى ذلك تم تقديم الدعم لبرنامج تنافسي للطاقة المتجددة في عام 2011، وهو برنامج مشتريات منتجي الطاقة المستقلة لدعم الشركات المحلية، بما في ذلك الشركات الصغيرة والشركات المملوكة للفئات المحرومة. ولكنَّ فشل السياسة مدفوعًا بالمصالح المكتسبة القائمة على الفحم، وضعف الدافع السياسي أثَّر سلبًا على محاولات السياسة الصناعية لتوطين المؤسسات المحلية والأجنبية. وحالة عدم اليقين لم يمكن الشركات الأجنبية من تنفيذ متطلبات المحتوى المحلي؛ لأن الاستثمار أصبح محفوفًا بالمخاطر. من ثم فشلت الحكومة في تحديد أولويات الطاقة المتجددة وتطويرها وتضمينها كاستراتيجية اقتصادية مستدامة.([23])
في بلدان أخرى مثل كينيا وإثيوبيا. غالبًا ما تكون الأُطُر المنهجية لتقييم مقترحات المشاريع غائبة، وتضعف القدرة التفاوضية للحكومات مع المستثمرين الأجانب، فضلًا عن شروط “متطلبات المحتوى الأجنبي” المرتبطة بمصادر التمويل الخارجية. في كينيا تضمن تعدد الجهات الفاعلة المشاركة في مشروع البنية التحتية لطاقة الرياح في بحيرة توركانا حلقات متعددة من التفاعلات التي يمكن أن تعزّز فرص التعلم المحلي. ومع ذلك، فشل هذا التعلم إلى حد كبير في أن يتحقق بسبب ضعف القدرات الموجودة مسبقًا، ولأنه لا توجد سياسة صناعية مرتبطة بتوسع طاقة الرياح. على النقيض من ذلك، في الحالة الإثيوبية، فقد ربطت الحكومة الإثيوبية مشاريع طاقة الرياح بأهداف التنمية الصناعية. ([24])
السيارات الكهربائية: جنوب إفريقيا
يوفر الاستخدام المتزايد للمركبات الكهربائية في الدولة فرصًا لاستكشاف ميزة تنافسية في سلسلة قيمة بطاريات الليثيوم. وفي عام 2013م، قدمت الحكومة “برنامج إنتاج وتطوير السيارات”، حدثتها بالخطة الرئيسة لجنوب إفريقيا للسيارات بهدف أساسي هو معالجة المحتوى المحلي المتناقص في صناعة السيارات (من 46,6% عام 2012م إلى 38,7% في عام 2016م). كما أسست مشروع إنتاج البطاريات وإعادة تدويرها؛ حيث إنها غنية ببعض المواد الخام المطلوبة كالمنجنيز (78% من موارد العالم) والنيكل وفلوريد الكالسيوم والتيتانيوم والألمنيوم والنحاس والحديد. وتخطط الحكومة أن تغطي الصناعة أيضًا بطاريات السيارات الكهربائية في إطار “برنامج التكنولوجيا والموارد البشرية للصناعة”، وخططت شركة Mega Million Energy لإنشاء أول مصنع لليثيوم في عام 2022م([25]).
المحور الخامس
خاتمة ونتائج
يوضح الشكل التالي التنامي التدريجي في تبني استراتيجيات التكنولوجيا الخضراء في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، وإن كانت على مضض، بشكل أقل تماثلًا مع الأداء العالمي من حيث التغير التدريجي مع تباين درجات الاستعداد التكنولوجي بشكل كبير. حيث ارتفعت درجات المؤشر في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء من 15,33 درجة عام 2017م إلى 23 درجة في عام 2022م، مع تصاعد المتوسط العالمي من 42,46 درجة عام 2017م إلى 50 درجة عام 2022م. بمعنى وجود بلدان إفريقيا جنوب الصحراء في تصنيف (منخفض)، كما تبينه المنحنيات.
شكل رقم (9)
مؤشر الاستعداد التكنولوجي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء مقارنة بالمتوسط العالمي
الباحث: من بيانات الجداول 1، 2، 3، مع إجراء بعض العمليات الحسابية.
ويتيح التغير السريع في المشهد التكنولوجي فرصًا للنمو الأخضر، وينبغي على بلدان إفريقيا جنوب الصحراء أن تغتنم هذه الفرص، فمن الممكن أن تفوتها الفرصة بسيطرة بلدان أخرى على الأسواق. فتصبح حبيسة مسارات الوقود الأحفوري، تاركة الأسواق بالكامل للمستثمرين الأجانب.
وتتوقف أمور كثيرة على الشروط المسبقة والقدرات الوطنية والاستعداد لاغتنام الفرص والاستجابة بشكل استراتيجي عندما تصبح هذه الفرص سانحة. وبالنظر إلى تكنولوجيات الطاقة المتجددة، يتبين أن ثمة تباينًا كبيرًا في مسارات اللحاق بالركب على المستويين القطاعي والقطري.
ويتناول الجدول أدناه أربعة سيناريوهات توضح الفرص التي أتيحت، أو التي هي في المتناول، والبلدان والتكنولوجيات التي استفادت منها، وأفضل سيناريو هو السيناريو الذي يتم فيه الجمع بين الشروط المسبقة القوية والاستجابات القوية.
وينبغي أن تتجاوز البلدان قيودها الأولية إذا أرادت جَنْي مكاسب اقتصادية. ولئن كانت الفرص تتباين تباينًا كبيرًا من تكنولوجيا إلى أخرى في مجال الطاقة المتجددة؛ فإن ثمة مرحلتين رئيسيتين بالنسبة للبلدان التي تنتقل إلى التنمية الخضراء. الأولى هي تحديد واغتنام الفرص، استنادًا إلى توافر الموارد الطبيعية، من قبيل شروط الرياح المواتية، واستخدام السياسات لتعزيز الطلب والقدرة الوطنية على استخدام أو بناء التكنولوجيا اللازمة. والثانية هي تقييم ما يلزم لدعم العمليات. ومن المحتمل أيضًا أن تكون هناك حلقات تقييم تستوجب تعديلات منتظمة ([26]).
الجدول (4)
أربعة سيناريوهات لفرص النمو الأخضر
UNCTAD, Technology and Innovation Report 2023م Opening green windows Technological opportunities for a low-carbon world (Geneva: UNCTAD,2023م)P. 48.
كذلك ستحتاج الاقتصادات التي تعتمد على واردات الوقود الأحفوري إلى الانتقال نحو مصادر الطاقة المتجددة التي تسمح بقدر أكبر من الاستقلال في مجال الطاقة والاكتفاء الذاتي، لا سيما بالنظر إلى الزيادة الأخيرة في أسعار الطاقة بسبب الأحداث الجيوسياسية. هذه القوى نفسها تدفع أيضًا إلى تبني النقل المكهرب بشكل أسرع مما كان متوقعًا في السابق. تهيمن الرياح والطاقة الشمسية على القدرة المركبة للطاقة المتجددة. وامتلاك إفريقيا لأكبر إمكانات في مجال الطاقة المتجددة في العالم، والتي يُقدر أن تصل إلى 310 جيجاوات بحلول عام 2030([27]). حيث يتوافر لدى المنطقة 28,62% من الإمكانات التقنية لإنتاج الهيدروجين الأخضر بأقل من 1. 50 دولار/ كجم (في إكساجول) بحلول عام 2050م.([28]) وقد كانت القطاعات الأكثر جذبًا للمساعدة الإنمائية الرسمية الخضراء في عام 2020م: النقل والتخزين والزراعة والغابات ومصايد الأسماك. كان 51% منها في شكل مِنَح، و45% في شكل أدوات دَيْن. ومن إجمالي المساعدة الإنمائية الرسمية الخضراء، ذهب 41% إلى آسيا، و25% إلى إفريقيا.([29])
وهذه النسبة قليلة على الموارد المتاحة في إفريقيا جنوب الصحراء، الأمر الذي يتطلب أن يوضع ملف النمو الأخضر على رأس أولويات خطط التنمية المستدامة على مستوى القارة؛ لانخفاض درجات الاستعداد التكنولوجي على كافة المحاور، حتى تلحق بالركب التكنولوجي وتحقق النمو الأخضر.
[1]) Clovis Freire, The impact of frontier technologies on inequalities across countries,at :https://iap.unido.org/articles/impact-frontier-technologies-inequalities-across-countries#fn-931-0
[2] ) الأونكتاد، تقرير التكنولوجيا والابتكار 2021م (جنيف: الأونكتاد، 2021م) ص ص: 3-4.
[3] ) Clovis Freire, Op.cit.
[4] ) Idem.
[5] ) الأونكتاد،..2021، م. سبق ذكره، ص.7.
[6] ) Lall S. Technological capabilities and industrialization. World Development.1992, 20(2):165–186.
[7] ) Clovis Freire,Loc,cit.
[8] ) منتدى الاستراتيجيات الأردني، مؤشر جاهزية الدول لتبني التكنولوجيا الرائدة 2021، 2022م، ص.4.
[9] ) https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2023/04/29/frinter-tech-prepardeness-countries-2023-index-infographic
[10] ) الأونكتاد، تقرير التكنولوجيا و الابتكار 2021، م.س.ذ، ص. 9.
[11] ) الأونكتاد، تقرير لتكنولوجيا والابتكار، 2023م، إتاحة فرص النمو الأخضر تسخير الفرص التكنولوجية من أجل عالم منخفض الكربون (جنيف: أونكتاد،2023) ص1.
[12] ) المرجع السابق، ص1.
[13] ) المرج السابق، ص.2.
[14] ) الأونكتاد، تقرير لتكنولوجيا والابتكار 2021، م.س.ذ، ص2-4.
[15] ) الأونكتاد، تقرير لتكنولوجيا والابتكار 2021، م.س.ذ، ص: 9-10.
[16] ) مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، الأونكتاد يدعو إلى اتخاذ إجراءات متسقة في مجال السياسة العامة لتمكين البلدان النامية من الاستفادة من التكنولوجيات الخضراء (جنيف: الأونكتاد، 2023م) ص: 1.
[17] ) الأونكتاد، تقرير لتكنولوجيا والابتكار 2023، م.س.ذ، ص: 1.
[18] ) UNCTAD, Technology and Innovation Report 2023 Op.cit.pp.39-40.
[19] ) Ibid,pp.41-42.
[20] ) Ibid,p.44.
[21] ) UNCTAD, Technology and Innovation Report 2023 Op.cit.p.45.
[22] ) Ibid,pp.46-47.
[23] ) UNCTAD, Technology and Innovation Report 2023 Op.cit.pp.173-147.
[24] ) Ibid,p.175.
[25] ) Ibid ,pp.177-178.
[26] ) UNCTAD, Technology and Innovation Report 2023 Op.cit. Xviii- Xix
[27] ) Ibid Op.cit.pp.23-24.
[28] ) Ibid Op.cit.p.27.
[29] ) Ibidو.p.119.