بقلم: أوا شيخ فاي
ترجمة: سيدي .م. ويدراوغو
تخضع كلّ من مالي وغينيا وتشاد لحكم حكومات انتقالية في الوقت الراهن، بَيْد أنها أبدت رغبتها في تنظيم انتخابات رئاسية في أسرع وقت لتسليم السلطة إلى المدنيين، لكن يبدو أن الالتزام بالجداول الزمنية الأولية يمثل مشكلة لعدة أسباب في جميع الحالات الثلاث.
وللتذكير، تم تنفيذ أول انقلابين في مالي من القوات المسلحة في أبريل 2020م بعد موجة احتجاجات شعبية ثم بعد تسعة أشهر، في مايو 2021م، قامت المجموعة العسكرية ذاتها بانقلاب ثانٍ برئاسة العقيد أسيمي غويتا إثر اعتقال الرئيس الانتقالي باه نداو ورئيس وزرائه مختار وان.
وأعقبت ذلك وفاة الرئيس التشادي، إدريس ديبي إتنو، في أبريل 2021م والتي دفعت نجله محمد إلى رئاسة المجلس العسكري الذي يحكم البلاد حاليًا، كما أدى الانقلاب الأخير للجيش في سبتمبر 2021م بزعامة العقيد مامادي دومبيا إلى اعتقال الرئيس ألفا كوندي في غينيا ووصول العقيد إلى حكم البلاد.
وإذا كان يعود تاريخ آخر تناوب ديمقراطي في غينيا إلى انتخاب الرئيس السابق ألفا كوندي عام 2010م على رأس البلاد بعد انقلاب نفذه النقيب موسى داديس كمارا؛ فإن إبراهيم بوبكر كيتا هو آخر رئيس منتخب ديمقراطيًّا في مالي عام 2013م عقب الانتخابات الرئاسية التي أعقبت الانقلاب الذي قاده النقيب أمادو آيا سانوغو في عام 2012م .ومنذ أن أطاح فرانسوا تومبالباي، أول رئيس لجمهورية تشاد بانقلاب عام 1975م لم تشهد البلاد انتقالًا ديمقراطيًّا للسلطة بين رئيسين منتخبين.
هل من فترة انتقالية لستة أشهر أم خمس سنوات في مالي؟
اعتمد المجلس العسكري، بعد إطاحة الجيش بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا في أغسطس 2020م، ميثاقًا ينص على أن الفترة الانتقالية ستستمر ثمانية عشر شهرًا تعقبها انتخابات عبر صناديق الاقتراع في أوائل عام 2022م.
طرأت تغييرات على الأجندة المعنية بدون شك ولكن إلى أي مدى؟
أوصى المؤتمر الوطني لإعادة التأسيس الذي تم تنظيمه في الفترة من 11 إلى 30 ديسمبر بالانتقال من 6 أشهر إلى خمس سنوات؛ لكن “إطار تبادل الأحزاب والمجموعات السياسية من أجل انتقال ناجح”؛ رفض المقترح واصفًا إياه بغير المنطقي في بيان صحفي نُشر يوم الأحد 2 يناير الجاري، مضيفًا أن تمديد فترة المرحلة الانتقالية من ستة أشهر إلى خمس سنوات “ينتهك الميثاق الانتقالي”، كما رفضت المنصة المعنية في وقت سابق المشاركة في مقاييس إعادة التأسيس الوطنية.
ومن جانبه شجب الأستاذ والباحث إيتيان فاكابا سيسوكو عدم شمولية مكاتب إعادة التأسيس الوطنية نتيجة مقاطعتها من بعض أكبر الأحزاب السياسية في مالي، مشيرًا إلى أن “القرارات التي خرجت منها مشابهة بشكل مثير للفضول قرارات الاجتماعات التي عرفناها في الماضي في إطار مؤتمر الوفاق والحوار الوطني الشامل؛ حيث إن الحلول ذاتها هي التي تم اقتراحها وبكل بساطة، ولا تتميّز عنها في الخصوصية غير السياق الحالي والمتعلق بالانتخابات وتمديد الفترة الانتقالية، وتم اتخاذ القرار بخصوص المسألة دون مناقشتها”؛ حسب تأكيد الباحث.
لكن السلطات المالية أبلغت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا بعدم مقدرتها على تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية في فبراير 2022م حسب التزام المجلس العسكري بذلك سابقًا عطفًا على تنويه الحكومة المالية استمرار انعدام الأمن في البلاد؛ حيث يقع جزء كبير من أراضيها خارج سيطرة السلطات.
في وقت طالبت فيه المنظمة شبه الإقليمية، 12 ديسمبر، بإجراء انتخابات في فبراير 2022م في مالي وهددت بفرض عقوبات إضافية في يناير إذا لم يحترم المجلس العسكري هذا الموعد النهائي. لكن هل ستحدث العقوبات تغييرًا؟ ربما يخبرنا الصحفي والباحث المالي ألكسيس كاليمبري.
“لا يزال المجلس العسكري يتمتع بدعم شعبي، ولكن سرعان ما قد تداركه معطيات الحقائق نتيجة فقدان فرص العمل إلى جانب الوضع الاقتصادي غير المنتعش بسبب قلة الاستثمار، فضلاً عن أن موسم الأمطار الأخير لم يكن هو الآخر في أفضل حالاً، ولم يكن هناك الكثير من المحصولات الزراعية، مما أدى إلى المجاعة في بعض مناطق البلاد”؛ على حد قوله.
وتعرض أكثر من مائة شخصية من الشخصيات الانتقالية في مالي وأفراد عائلاتهم لعقوبات من قبل المنظمة دون الإقليمية تمثلت في تجميد أصولهم، وفرض الحظر على تنقلاتهم داخل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.
ولم تحدد الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا مضمون العقوبات الإضافية التي هُدّدت بها، غير أن المنظمة فرضت في عام 2020م بعد الانقلاب الأول من عناصر العقيد أسيمي غويتا حظرًا شمل إغلاق الحدود البرية والرحلات الجوية من دولها الأعضاء وتعطيل المعاملات المالية والتجارية مع باماكو باستثناء المواد الغذائية الأساسية، وهددت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بفرض عقوبات بعد ما وصفته باريس بانقلاب.
فيما نفذت واشنطن تهديدها بوقف مساعداتها العسكرية لمالي، وأعلنت أنها تدرس “إجراءات هادفة ضد القادة السياسيين والعسكريين الذين يعرقلون انتقال مالي إلى الحكم الديمقراطي تحت قيادة مدنيين”؛ وفقًا بيان صدر في مايو المنصرم من الخارجية الأمريكية.
انتخابات عامة 2022م في تشاد؟
من المتوقع أن تُطلق تشاد “حوارًا وطنيًّا شاملاً” اعتبارًا من 15 فبراير، والذي يُعوّل عليه أن يؤدي إلى المصالحة بين التشاديين ويُفْضِي إلى انتخابات رئاسية وتشريعية، بحسب محمد إدريس ديبي إتنو؛ الذي أعلن خلال خطابه أمام الأمة بمناسبة العام الجديد عن الاعتماد المرتقب لدستور جديد عن طريق الاستفتاء و”انتخابات عامة شفافة وحرة ومصداقية وديمقراطية”، وقد اجتمع بأعضاء اللجنة المنظمة لتقييم التقدم والصعوبات المتعلقة بتنظيم هذا الحوار. لكن المعارضة والمجتمع المدني يرون عدم استيفاء الشروط في الوضع الحالي للمرحلة الانتقالية لعقد هذا الحوار بحلول 15 فبراير.
ومن جانبه أشار المتحدث باسم تنسيقية أعمال المجتمع المدني واكات تاما، المعارض للانتقال العسكري الحالي، إلى أن CNT (المجلس العسكري الانتقالي) يواصل في طريقته أنه يفاجئ الناس ويضع المحراث أمام الثيران، وهذا لا يبشّر بخير”؛ على حد تعبيره.
وأضاف المحامي ماكس لوانلغار أن “واكات تاما طرح مذكرة تضمنت الشروط المسبقة لحوار حقيقي لكنها لم تحظَ باهتمام؛ إنها إهانة لذكاء التشاديين. ورغم ذلك ترغب الكونفدرالية في فرض كل شيء علينا بدعم قوي من فرنسا، لكننا نؤكد لها أن ذلك لن ينجح”؛ على حد قوله.
فيما ذهب منسق MCPL (حركة المواطنين للحفاظ على الحريات) إلى القول: “نريد الإسراع إلى تغيير الأوضاع إذا لزم الأمر”، مضيفًا: “يجب إيفاء هذه الشروط المسبقة من أجل إجراء حوار حقيقي بعد الشعور بالاستياء الذي شهده التشاديون فترة طويلة نتيجة الكراهية والضغائن في ظل فقدان العدالة وغياب دولة القانون؛ لذلك يجب أن يُفْضِي هذا الحوار إلى وَضْع الشروط الأساسية لإعادة تشكيل تشاد، وهذا هو الأهم”؛ على حد قوله. علمًا بأن محمد إدريس ديبي إيتنو يرأس المجلس العسكري الانتقالي (CNT) منذ وفاة والده إدريس ديبي إيتنو، الذي لقي حتفه في أبريل الماضي في الجبهة إثر اشتباكات مع المتمردين .لكن المحلل السياسي صديق آبا لا يرى أيّ سبب موضوعي قد يُلْقِي بظلال من الشك على إمكانية إجراء تشاد انتخابات عام 2022م.
“جميع الهيئات الانتقالية موجودة على الأرض الواقع؛ لكن كل شيء يتوقف على حجم الضغوط التي سيمارسها المجتمع الدولي للحصول على الموعد النهائي. وفي حالة تشاد، أعتقد أن السلطات حساسة لما يعتقده شركاؤها: فرنسا، الاتحاد الإفريقي، والشركاء الآخرون. ومن وجهة نظري، يمكن لتشاد تنظيم الانتخابات عام 2022م بأقل قدر من الضغط”؛ يؤكد المحلل في بي بي سي إفريقيا.
ويمكن استمرار الفترة الانتقالية 18 شهرًا قابلة للتجديد مرة واحدة. لكنَّ الاتحاد الإفريقي قرر عدم معاقبة تشاد في مايو 2021م، مكتفيًا بالمطالبة بانتقال ديمقراطي خلال 18 شهرًا؛ بحيث يؤدي إلى انتخابات حرة ونزيهة وذات مصداقية.
لغز تكوين المجلس الوطني الانتقالي في غينيا:
يمثل المجلس الوطني الانتقالي (CN) في غينيا، الذي من المفترض أن يكون بمثابة جمعية وطنية، الهيئة المخولة بوضع جدول انتخابي للانتخابات المقبلة، غير أننا لم نشهد بعد على الأرض الواقع إنشاء هذه الآلية. وطلبت السلطات الحاكمة في غينيا من المكونات الرئيسية للمجتمع والأحزاب السياسية الرئيسية تقديم قائمة من 81 عضوًا لتكوينها، كما نشرت السلطات الانتقالية بيانًا زعمت فيه أنها تلقت 706 ترشيحات من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وزعماء الدين وجمعيات الشباب للمشاركة في المجلس الانتقالي.
ومن جانبها، تطالب الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا بوضع جدول زمني لعودة المدنيين إلى السلطة داعيةً غينيا إلى احترام مهلة ستة أشهر لإجراء الانتخابات، كما علقت الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا عضوية غينيا من هيئاتها وفرضت عقوبات فردية على أعضاء المجلس العسكري بقيادة العقيد مامادي دومبويا، رئيس المرحلة الانتقالية.
لكن يرى المحلل السياسي محمد كمارا أن الطبقة السياسية الغينية تحاول تفادي أخطاء التحولات السابقة بالخضوع لحالة الطوارئ “يقوم اللاعبون السياسيون الآن بتسليح أنفسهم بالصبر؛ لأن ميثاق الانتقال يستثني أي ترشيح من السلطات الانتقالية، وسيتم تمثيل هذه الجهات الفاعلة نفسها داخل الحكومة الانتقالية حتى يعلموا أن كل شيء سيحدث على مرأى ومسمع للجميع داخل تلك الهيئة”؛ على حد تعبيره.
وأشار إلى أنه تم تعليق الدستور الغيني، وحل اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة، وأنه يجب مراجعة السجل الانتخابي بالكامل وفقًا للمجلس العسكري، ثم خلص المحلل إلى أنه من غير المرجح إجراء الانتخابات هذا العام في غينيا. لكن يبدو أن العقوبات الدولية، ولا سيما تعليق غينيا من AGOA (قانون النمو والفرص في إفريقيا) من طرف واشنطن، تقوض صبر الطبقة السياسية.
وفي هذا السياق، تم تكوين تحالف جديد من أكثر من مائة مجموعة سياسية شكلت في CPPG (ائتلاف الأحزاب السياسية في غينيا)، وأعلن الزعيم الرئيسي للمعارضة الغينية، سيلو دالين ديالو، أن هذه المنصة سترسل طلبًا مشتركًا لعودة الحكم المدني إلى المجلس العسكري، وأنه من المُلِحّ أن تعمل غينيا على إعادة العلاقات مع شركائها الدوليين.
وتهدف هذه المجموعة إلى خلق إطار للحوار مع السلطات الانتقالية في السلطة منذ سقوط ألفا كوندي، وسيعمل أيضًا على تحديد موقف مشترك حول الدستور وقانون الانتخابات وهيئة إدارة الانتخابات والجدول الزمني ومدة الانتقال والسجل الانتخابي.
وفي مارس 2020م -قبل إعادة انتخاب ألفا كوندي لولاية ثالثة- أشار خبراء المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا إلى وجود مخالفات في السجل الانتخابي الغيني، ودعوا السلطات في ذلك الوقت إلى إزالة ملايين الأسماء من القوائم.
___________________
رابط المقال: