بقلم: جوسيفين كولكسنير
ترجمة: سيدي.م.ويدراوغو
على الرغم من تسريع حملة التطعيم؛ تقع جنوب إفريقيا في فخ التحفظات الشعبية بشأن اللقاح والانكماش الاقتصادي. وبعد شهور من نفاد اللقاحات، تحاول جنوب إفريقيا الآن اللحاق بالركب. ومع إعطاء 8500000 لقاح في ظل تضاعف عدد الأشخاص الذين تم تطعيمهم ثلاث مرات تقريبًا في غضون شهر، شرعت جنوب إفريقيا في تكثيف حملتها؛ ومن يوم الأحد 8 أغسطس، تلقى ما يقرب من 17٪ من البالغين جرعة واحدة على الأقل. لكنَّ الحكومة تهدف إلى تحقيق معدل تطعيم بنسبة 67٪ بحلول فبراير 2022م من أجل تحقيق مناعة جماعية، غير أن الهدف المحدّد قد يُحبَط بسبب إحجام السكان عن الذهاب إلى مراكز التطعيم؛ حيث تشير العديد من استطلاعات الرأي إلى “عدم الرغبة في التحصين” على غرار أحدث تقرير صادر عن Afrobarometer (شبكة الأبحاث الإفريقية)، والذي كشف في 28 يوليو أن ما يقرب من نصف سكان جنوب إفريقيا يعتقدون أن الصلاة أكثر فاعلية من اللقاحات لمكافحة الوباء، علمًا بأن 54٪ من السكان غير راغبين في التطعيم، وهو شعور ملحوظ بشكل خاص بين أولئك الذين تقل أعمارهم عن 35 عامًا.
الحماس للقاح:
بلدة الكسندرا، شمال جوهانسبرغ، التي تعتبر واحدة من أفقر المناطق الحضرية في البلاد في نشوة احتفال بنجاح أياندا، ابنة الحي التي تخرجت في كلية القانون. وأثناء انتظار بدء الاحتفالات، تحدث ليراتو مع ضيف آخر في الغرفة الصغيرة التي تُستخدم كغرفة معيشة ومطبخ “هل أنت ذاهب للحصول على التطعيم؟”، نعم، بمجرد تصفية فئتي العمرية، سأفعل”، ترد لوساندا. طالبة الهندسة الكهربائية لا تتردد حقًّا “تلقينا لقاحات أخرى بالفعل، ولا أرى سبب وجوب توخّي الحذر من هذا اللقاح” على حد قولها.
تباين وجهات النظر:
“لا يزال يتعين عليَّ التفكير في الأمر، لكنني متشكك فعلاً، وخاصةً أن الحكومة لا تشرح أيّ شيء، بل تكتفي فقط بـالقول: “سارعوا إلى تلقّي اللقاح! دون التطرُّق إلى المخاطر المتعلقة”؛ على حد قول ليراتو، 23 عامًا، وكانت جالسة بشكل مريح على الأريكة المغطاة بغطاء بيج في حين أن سيد الموقف هو الشعور العام بريبة أكبر؛ حيث يروي الجميع قصة إصابة أحد معارفهم بكوفيد-19 بعد تلقّيه اللقاح؛ فما الجدوى من التطعيم إذًا ما دمت عرضةً للإصابة بعد اللقاح؟ فضلاً عن تعرّض الأشخاص للمرض بعد التطعيم. أجده مريبًا وخاصةً عدم الحديث عن ذلك على شاشات التلفزيون”؛ على حد قولها.
وفي خِضَمّ كُلّ هذه اللقاحات المختلفة التي التبست عليها أسماؤها، لا تشعر ليراتو بما يكفي من المعلومات مِن قِبَل الحكومة، وهذا الشعور لا يراودها وحدها فقط، بل هو شعور يَطَال العديد، وقد حدّدت شركة الأبحاث المستقلة Ask Afrika المخاوف بشأن سلامة اللقاح باعتبارها السبب الرئيسي للرفض، فيما توصلت أفروبارومتر إلى أن 70٪ من جنوب إفريقيا لديهم ثقة ضئيلة أو معدومة في حكومتهم لضمان سلامة اللقاحات.
رغم احتياطات الحكومة للطمأنة:
تجدر الإشارة إلى أن حكومة جنوب إفريقيا كانت حَذِرَة بشكل خاص في حملتها للتلقيح. وفي فبراير 2021م، على الرغم من نقص اللقاحات، قرّر إيقاف التطعيم بلقاح استرازنيكا عقب إثبات دراسة أنها غير فعَّالة ضد سلالةBeta ، التي يُطلق عليها أيضًا جنوب إفريقيا والأكثر شيوعًا في البلاد في ذلك الوقت عطفًا على حدوث الشيء نفسه في أبريل مع لقاح جونسون & جونسون، وهذه المرة تم تعليقه بعد الاشتباه في حدوث جلطات دموية في الولايات المتحدة. كان يُتوقع من هذه الاحتياطات أن تضمن ثقة حكومة جنوب إفريقيا لكن النتيجة كانت عكسية. ووفقًا لـ “أسك أفريكا”؛ فإن قرار وقف طرح لقاح استرازنيكا قلّل بشكل كبير الثقة في اللقاحات وعملية التحصين.
وصرح وزير الصحة الجديد جو بهلا يوم الجمعة 6 أغسطس مطمئنًا “يمكنني أن أؤكد لمواطني جنوب إفريقيا أن هذه اللقاحات قد تم اختبارها وأثبتت فعاليتها، خاصةً ضد الأشكال الخطيرة من الأمراض. ونريد التأكيد مرة أخرى على أنه لم يقل أيّ عالِم قط: إنه من المستحيل الإصابة بفيروس كوفيد بعد تلقي اللقاح”، مضيفًا: “ما يمكننا ضمانه هو أن أولئك الذين يتم تطعيمهم، إذا أصيبوا بالمرض، لن تحدث لهم مضاعفات خطيرة”؛ على حد تعبيره.
نحو لقاحات منتجة في جنوب إفريقيا:
لا مخاوف من جانب داود، في الخمسينيات من عمره، من كبار مؤيدي الرئيس سيريل رامافوزا “طلب مني رئيسي التطعيم فامتثلت”؛ إلا أنه يتأسف من اتباع طريق “الغرب” عبر الحجر الصحي التي “دمَّرت الاقتصاد”، مضيفًا: “أعتقد أنه كان يمكن أن تكون هناك طريقة أخرى” بالنسبة له، ينبع عدم الثقة في اللقاحات من حقيقة أنها مستوردة، ويبدو أنها بقايا الطعام التي لا يريدها الغربيون، “لكن إذا استطاع الرئيس إنتاج لقاح هنا، فسيقوم الجميع بذلك”، على حد تعبيره.
ومن جانبه أعلن سيريل رامافوزا بالفعل عن اتفاقيات مع منتجي اللقاحات جونسون & جونسون وفايزر-بيونتيك للإنتاج على أرض جنوب إفريقيا. وقاد الرئيس الكفاح من أجل الرفع المؤقت للملكية الفكرية عن اللقاحات المضادة لفيروس كوفيد، فضلاً عن توجيهه انتقادات في السابق إلى الدول الغنية لاحتكارها هذه اللقاحات، وشجب ما وصفها “بعنصرية اللقاحات” على حد تعبيره. لكن يتم الآن تعبئة لقاح جونسون & جونسون في مصنع في جيبيرها (بورت إليزابيث سابقًا)، بينما سيتم تصنيع لقاح فايزر-بيونتيك في كيب تاون اعتبارًا من عام 2022 وبإنتاج سنوي محدد بـ 100 مليون جرعة لجميع القارة.
استياء مواطني جنوب إفريقيا من القيود:
نظرًا إلى الجهود المبذولة لتراجع الموجة الثالثة من الإصابات، فضلاً عن الحديث عن موجة رابعة، يتضاءل التزام مواطني جنوب إفريقيا بالاحترازات شيئًا فشيئًا، علمًا بأن جنوب إفريقيا فرضت احتواء صارمًا في مارس 2020م، واتخذت سلسلة من الإجراءات الملزمة؛ فيما فقَد أكثر من مليوني شخص وظائفهم، وفقًا لدراسة أجرتها جامعة كيب تاون نُشرت في مايو 2021م، وكان أكثرهم تضررًا هم العمال في القطاع غير الرسمي وذوي المستويات التعليمية المنخفضة.
ومن جانبه عبّر روس هالام ، 39 عامًا، فنان الوشم في جوهانسبرج عن استيائه بالقول: “لقد كان عامًا معقَّدًا حقًّا بالنسبة للشركات”، مع حصادة قاتمة على رقبته ونمر على يده اليسرى، ويستمتع بتناول الجعة قبل حظر التجول في الساعة 10 مساءً، وأضاف: “في العام الماضي، اضطررنا إلى الإغلاق لمدة أربعة أشهر ونصف دون أيّ مساعدة من الحكومة. اضطررت إلى الاعتماد على مدخراتي لمواصلة دفع الإيجار والرواتب لعُمّالي الثلاثة”؛ على حد قوله.
وتجدر الإشارة إلى أن روس، الذي استقر في الحي لمدة سبع سنوات، لاحَظ أن الحياة أصبحت أكثر صعوبة؛ حيث “ارتفعت تكاليف المعيشة دون ارتفاع الأجور” على حد تعبيره. وقد تأثرت المطاعم المحيطة بصالونه بشكل خاص، ويُقدَّر أن ثلث من تعطّلت أنشطتهم في الشوارع من العاملين في المجال المعني، مضيفًا أن المجال “كان قبل كوفيد أحد أكثر الشرايين حيوية في جوهانسبرج، واليوم، حتى لو استؤنف النشاط، لا يمكننا تجاهل الإشارات العديدة المسدودة بستائر حديدية”، وبالنسبة له، ليست المساعدات الحكومية كافية لدعم أولئك الذين فقدوا وظائفهم: “فعلينا التضامن فيما بيننا، ومن جانبي أحاول أن أعطي 2000 راند (115 يورو) كل شهر للعاطلين في الشوارع”، علمًا بأنه رأى أيضًا العديد من أصدقائه استسلموا واستأنفوا حياة جديدة تحت رعاية أفضل، فيما هاجر العشرات منهم إلى أوروبا منذ بَدْء تفشّي المرض، كما يخطط هو نفسه لقبول عرض عمل في الولايات المتحدة في الأشهر المقبلة.
——————–
رابط المقال: