بقلم: فرانسيس جورنو(*)
ترجمة: سيدي.م.ويدراوغو
سيكون من الخطورة التقليل من أهمية ومقدار المساعدة الإنمائية الرسمية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في السياق الحالي في ظل تفاقم الفقر المدقع نتيجة وباء كوفيد -19، وسيكون الانتقال التدريجي إلى سياسة إنمائية أخرى أمرًا مناسبًا.
يُشَار إلى أن حجم ODA (المساعدة الإنمائية الرسمية لإفريقيا) بلغ 37 مليار دولار أمريكي في عام 2019م، وتم تخصيص 31 منها لمنطقة جنوب الصحراء الكبرى، ومع ذلك يظل الفقر منتشرًا.
ووفقًا لدراسة أجراها البنك الدولي في عام 2018م، تُمثّل حصة إفريقيا ربع الفقر العالمي المدقع في عام 1990م، ونصفها في عام 2015م، وتشير التوقعات إلى 90٪ لعام 2030م.
وقد كشف “نبض إفريقيا” في 7 أكتوبر 2020م عن أن الوضع قد يتصاعد؛ حيث “إن الوباء يهدِّد بدفع 40 مليون إفريقي إلى الفقر المدقع، مما سيضحِّي بخمس سنوات على الأقل من التقدُّم في سبيل مكافحة الفقر”. وفي هذا السياق لم تعد رئيسة بنك التنمية الإفريقي أديسينا أكينويمين أكثر تفاؤلاً بقولها: “لقد فقدت إفريقيا أكثر من عقد من المكاسب التي تم تحقيقها من حيث النمو الاقتصادي”.
إنَّ تخفيض الميزانيات الوطنية، وإضعاف الأنظمة السياسية، وتعزيز الإرهاب، وهجرة الشباب الأفارقة إلى أوروبا -وهم العامل المحوري لتنمية القارة- يمكن اعتبارها من ضمن التداعيات.
الجدلية حول الرأسمالية ومساعدات الإنمائية:
منذ بداية الستينيات أبدى المهندس الزراعي رينيه دومون الشكوك في فعالية المساعدة الإنمائية الرسمية كما طرح الاقتصاديون آخرون، بمن فيهم جان فرانسوا جاباس في عام 1988م، وويليام إيسترلي في عام 2001م تساؤلات جدلية حول الرأسمالية ومساعدات الإنمائية.
ويُقال: إنه قد سبق لجيفري ساكس، أستاذ بجامعة هارفارد خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، أن ألقى محاضرة نوَّه فيها إلى أن “التنمية طويلة المدى لن تكون ممكنة إلا بمشاركة القطاع الخاص وحلول اقتصاد السوق”.
وكتبت طالبته السابقة والخبيرة الاقتصادية، دامبيسا مويو، في كتابها الأكثر مبيعًا في عام 2009م حسب نيويورك تايمز والذي يحمل عنوان “المساعدة القاتلة: اجتياح المساعدات غير الضرورية والحلول الجديدة لإفريقيا”؛ حيث أشارت إلى أن “لدينا الآن أكثر من 300 عام من الأدلة عما يسهم في زيادة النمو وتقليل الفقر والمعاناة؛ كما نعلم -على سبيل المثال- أن البلدان التي تموّل التنمية وتخلق فرص العمل من خلال التجارة وتشجيع الاستثمار الأجنبي تزدهر. “
ويشاطرها في ذلك رؤساء الدول في جزء من التحليل، بما في ذلك رئيس السنغال السابق عبد الله واد، الذي أعلن في عام 2002م بالقول: “لقد احتضنت جميع البلدان التي تطورت السوق الحرة”.
ومع ذلك، دعا الأستاذ الفخري جيفري ساكس، المستشار الحالي للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس في كتابه الذي نُشر عام 2005م بعنوان “نهاية الفقر” إلى مضاعفة المساعدة الإنمائية الرسمية التي شَجَبَتْ عدم جدواها تلميذته السابقة دامبيسا مويو على وجه التحديد.
إنه موضوع معقَّد؛ حيث إن الصواب أو الخطأ فيه نسبيّ، والجدلية التي قد تستمر لعدة عقود أخرى لا تبدو قادرة على معالجة الركود في إفريقيا.
وقد يكون من الخطورة التقليل من مقدار المساعدة الإنمائية الرسمية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في السياق الحالي في ظل تفاقم الفقر المدقع نتيجة وباء كوفيد -19، وقد يكون الانتقال التدريجي إلى سياسة إنمائية أخرى مناسبًا.
الاقتصاد غير الرسمي غير قادر على توليد نموّ كافٍ بمفرده:
ومن جانبها؛ أشارت الخبيرة الاقتصادي الزامبية دامبيسا مويو إلى أنَّ المبلغ المخصَّص للمساعدة الإنمائية الرسمية في إفريقيا منذ عام 1960م يتجاوز 1000 مليار دولار، لكنَّ إجراءات المنظمات غير الحكومية المحلية وسياسة المساعدة الإنمائية الرسمية الجديدة التي دعا إليها صندوق النقد الدولي منذ عام 2017م لصالح العمالة غير الرسمية قد تكون غير كافية من حيث الحدّ من التفاوت والنموّ.
ويجب أن يُؤْخَذ في الاعتبار عدم تجانس الاقتصاد غير الرسمي في إفريقيا جنوب الصحراء، والذي يُولِّد 20 إلى 65٪ من الناتج المحلي الإجمالي للدول، وينبغي أيضًا تنفيذ استراتيجية أكثر شمولية من أجل مواجهة الفقر والكوارث المهدِّدة للإنسانية.
وبعد زيادة 2.4٪ في الناتج المحلي الإجمالي لدول جنوب الصحراء المسجلة في عام 2019م، يتوقع صندوق النقد الدولي انخفاضًا بنحو 3.2٪ في هذه المنطقة الإفريقية التي يُعدّ نموّ نصيب الفرد فيها هو الأدنى في العالم.
ولذا سيكون من الضروري إجراء تحوُّل في اقتصاد جنوب الصحراء الكبرى بحيث يُوفِّر فرص عمل أكثر في كثير من الأحيان بأجور أفضل من تلك الموجودة في القطاع غير الرسمي الذي يبلغ إجماليه حاليًا أكثر من 80٪ من الوظائف؛ لتوفير آفاق اقتصادية حقيقية، ولامتصاص البطالة التي تُؤثِّر على 40 إلى 45٪ من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عامًا في سياق ديموغرافية متسارعة في جنوب الصحراء الكبرى، وتقليل الفقر المدقع (أقل من 1.90 دولار في اليوم) الذي يؤثر على أكثر من 150 مليون عامل في جنوب الصحراء من أصل 450، ويجب ارتفاع نمو الناتج المحلي الإجمالي المنخفض للغاية في منطقة جنوب الصحراء الكبرى البالغ 1,755 مليار دولار (2019م).
وفي السنوات الماضية كان الخبراء يُشيرون إلى أنه يجب ارتفاع معدل النمو بنسبة 7٪ حتى يكون قادرًا على الحدّ من الفقر بشكل ملموس، ولكن باعتبار العوامل المشددة والمعايير المقلقة يجب ألا يقل الحد الأدنى للمعدل الذي يجب الوصول إليه عن 8 أو 9٪ لعدة سنوات.
الوظائف التي انتقلت إلى الصين لن تعود إلى الغرب:
يُعتبر تطوُّر الصين حالة يستلهم منها الأفارقة؛ حيث كان نقل الإنتاج لمدة 30 عامًا من السلع الاستهلاكية الغربية هو أصل المعجزة الاقتصادية الصينية ومعدلات نموها لمدة عشرين عامًا من بداية التسعينيات نادرًا ما تقل عن 9٪، وغالبًا ما تزيد عن 12، 13 أو 14٪.
ومن الواضح أن هذه الوظائف لن تعود إلى الدول الغربية ذات الأجور الأعلى، ولكن لا ينبغي أيضًا تحويل إفريقيا إلى ورشة العمل الجديدة في العالم.
ومن الضروري ببساطة الشروع في التطوُّر الصناعيّ والاقتصاديّ الذي من شأنه أن يُفْضِي إلى مسيرتها نحو الاستقلال والتقدم.
كيف يتم انتعاش اقتصاد جنوب الصحراء الكبرى؟
إن رغبة العديد من رؤساء الدول في تحديث بلدانهم وتصنيعها هي بالتأكيد شرط أساسيّ مسبق، ولكنَّ نقص التمويل والبنية التحتية وطول فترة التصنيع بسبب عدم كفاية أو عدم وجود قواعد إنتاجية أو تجارية، عطفًا على أن الحاجة إلى الاستجابة داخل سلاسل القيمة العالمية (GVCs) من الصعوبات الأخرى التي يجب التغلب عليها.
بالإضافة إلى ذلك، ستصل الأموال المقترَضَة إلى أعلى معدلات، والمديونية المفرطة للدول من شأنها أن تزيد من حدة الفقر.
وقد يكون من الضروري وضع خطة لإضفاء الطابع الإقليمي على الإنتاج في منطقة أوروبا-إفريقيا تدعو إلى مسار أكثر كفاءة.
وفي زمن العولمة لا يمكن لإفريقيا أن تنجح إلا من خلال العمل بشكل أكبر مع الأسواق الاستهلاكية الكبيرة التي ستُؤَسّس شركاتها على أراضيها بهدف تصنيع المنتجات أو باعتبارها إحدى مراحل سلاسل القيمة العالمية من صناعة سلع الاستهلاك التي يوفّر فرص العمل والثروة، غير أن تلك المصانع موجودة بشكل رئيسي في الصين في الوقت الراهن.
بداية فترة “ثلاثين سنة مجيدة” في إفريقيا؟
سيكون من غير المنطقي التوجُّه نحو تصنيع متزامن لعشرات من البلدان الإفريقية التي لا يمكن العثور على رأس المال اللازم لها (على سبيل المثال: خطة كهربة إفريقيا التي قام بها الوزير الفرنسي السابق جان لويس بورلو الذي دعا إلى التمويل من 250/300 مليار يورو، ثم تمَّ التخلِّي عنها أخيرًا).
إن الخطة الأولى التي بلغت قيمتها حوالي عشرة مليارات يورو، وتمتد على مدى 3/5 سنوات مع التركيز أولاً على محيط محدَّد ستثبت أنها قابلة للتنفيذ.
ويمكن كذلك بدء هذا البرنامج لتطوير الصناعة الإفريقية من البلدان الواقعة على ساحل المحيط الأطلسي أو بالقرب منه؛ حيث يُتَوَقَّع لهذا الموقع الجغرافي أن يسهم في تسهيل التجارة مع اتساع السوقين الاستهلاكيين الرئيسيين: الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
ويتوقع أن تستوعب مجمعات الأعمال الحديثة والآمنة التي سيتم تمويلها مِن قِبَل المؤسسات الدولية والبلدان الراغبة في المساهمة في أدوات الإنتاج الخاصة بالعلامات التجارية الأوروبية والأمريكية وغير الغربية، وغالبًا ما تكون الشركات المحلية الصغيرة والمتوسطة.
وعلى سبيل المثال: يمكن أن تحفِّز العديد من المعايير الموضوعية إنشاء مجموعة صناعية في جمهورية الكونغو الديمقراطية مخصَّصة لتصنيع المكونات الإلكترونية، وتجميع المنتجات الرقمية كما يمكن أن تنتج عمليات التكامل الصناعي في نهاية المطاف أنظمة بيئية كاملة وفعَّالة، ويكون التصنيع تدريجيًّا؛ لكن العديد من روّاد الأعمال والعاطلين عن العمل من الدول الأخرى سيستفيدون بسرعة من الفرص المتاحة داخل شبكة قويَّة من الشركات مما يؤدِّي إلى الازدهار واستفادة أكبر عدد على مرّ السنين، ومن هذا المنطلق يمكن لهذا التحوُّل في النموذج أن يمثل بداية فترة “ثلاثين عامًا مجيدة” لإفريقيا.
_______________
(*) فرانسيس جورنو: مستشار ورجل أعمال، ومحرَّر سابق للصحافة الاقتصادية والاجتماعية المهنية، ويقوم بأبحاث في الاقتصاد في إطار الاتفاقية الدولية للحد الأدنى العالمي للأجور ومشروعات محور إفريقيا الأطلسية (برنامج AAA).
رابط المقال:
https://afrique.latribune.fr/think-tank/tribunes/2020-11-07/afrique-subsaharienne-le-capitalisme-pourrait-reussir-la-ou-l-aide-au-developpement-echoue-depuis-60-ans-861548.html