بقلم: نرسيس أوريدج
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
عشر سنوات -من يوليو 2009 إلى يوليو 2019م- مضت على قيام جماعة بوكو حرام بشنّ أول هجوم على ميدوجوري ردًّا على اغتيال الزعيم المؤسس محمد يوسف، ومنذ تلك الفترة تبنَّت الجماعة سلسلة عديدة من الهجمات أودت بحياة الآلاف.
وقد تمَّ الإعلان عن دَحْر المجموعة بين عامي 2015 و2016م عقب الأعمال العسكرية الفردية والمشتركة للدول المتأثرة بأنشطتها. ومع ذلك، فإن الهجمات الأخيرة تثير شكوكًا حول فكرة انهيار بوكو حرام في وقتٍ يظل فيه السؤال المطروح هو: كيف يمكن تفسير استمرارية المجموعة منذ عام 2009م؟
بوكو حرام لم تندحر:
يُشار إلى أن فترة ما بين 2016 و2017م شهدت انخفاضًا في الهجمات في الميدان، كما اتسمت بهدوء نسبيّ سارعت القيادة النيجيرية، وعلى رأسها الرئيس بخاري، إلى إعلان نهاية بوكو حرام، ومع ذلك تستمر المجموعة في القيام بعمليات على نطاق محدود.
وفي الواقع تزامن إعلان نهاية بوكو حرام مع تغيير المسار في المعالجة الإعلامية للمذابح التي ترتكبها المجموعة، بعد أن أدركت وسائل الإعلام في المنطقة أخيرًا أنَّ التغطية المنتظمة لمذابح بوكو حرام تؤدي إلى نشر الفزع بين السكان، وبذلك تقدِّم خدمة كبيرة للمجموعة.
ومع ذلك، لم تتوقف اعتداءات الأخيرة على الأرض، لكنها تضاءلت بشكل ملحوظ، وخير شاهد على ذلك هجمات معسكر القوة المتعددة الجنسيات في ديسمبر 2018م، وهجوم 27 يوليو 2019م الذي أودى بحياة 65 شخصًا بالقرب من ميدوجوري في نيجيريا.
استمرارية يضمنها التمويل:
ليس بمقدور مجموعة بوكو حرام الصمود طويلاً في وجه الهجمات المتعددة التي تشنّها القوات الحكومية بدون مصادر تمويل مستدامة. وبعد انشقاق المجموعة إلى فصيلين؛ يجد أحدهما مزيجًا من مصادر مالية مثالية لبقائه؛ فمن ناحية يحصل الفرع الراديكالي برئاسة شيكاو على ما يقارب المليونين أو ثلاثة ملايين دولار عبر نهب القرى وسرقة الماشية، ومن الضرائب التي تفرضها على أسواق المناطق التي تسيطر عليها من ناحية أخرى. وما يخص فرع البرناوي فهو يعيش بفضل ما يتلقاه من تمويل داعش (Daech) البالغ حوالي مليوني دولار بين عامي 2016 و2017م، والتمويل المعني يأتي أيضًا من تهريب الأسلحة والمخدرات، واستغلال المواد الخام بما في ذلك النفط في الموصل على سبيل المثال. وهذا يعني أن مصادر التمويل -والتي تصل إلى حوالي ثلاثة ملايين دولار شهريًّا- متنوعة، وتسمح لبوكو حرام بالحفاظ على قواتها عطفًا على تجنيد آخرين أيضًا.
الاستمرارية بفضل التجنيد:
يُذكر أن حركة بوكو حرام تضُمُّ في صفوفها أكثر من 27000 مقاتل، وفقًا لبعض البيانات التي جمعتها الأمم المتحدة. وعلى الرغم من أن المجموعة فقدت حوالي 4000 مقاتل (2009 إلى 2017م)؛ إلا أنها لا تزال تضم ما بين 6000 و30000 وفقًا للتقديرات، وذلك بفضل قطاع التجنيد الذي لا يزال نشيطًا. وفي ذات السياق تُجنِّد حركة بوكو حرام من المجتمعات الفقيرة التي يشعر سكانها بالإقصائية مِن قِبَل السلطات المركزية، ويعتمد التجنيد على تلقين العقائد الدينية، والتأكيد على إيذاء السكان المحليين، مع العداء ضد السلطات المركزية. وهكذا يصبح القتال من أجل بوكو حرام التزامًا شخصيًّا ناجمًا عن القناعات الدينية أو عن رفض الظلم الذي يرتكبه الحكام في حقهم، أو لمجرد الخوف من الانتقام. كما أن التجنيد يتماشى مع استراتيجيات الحرب الجديدة التي طوَّرتها المجموعة.
ضمان البقاء نتيجة استراتيجيات الحرب الجديدة
في عام 2015م، خرج الجيش النيجيري من ثكناته، وأطلق عمليات واسعة النطاق بتشجيع من الرئيس بخاري، وبالتعاون مع البلدان المجاورة لاستعادة المناطق التي تسيطر عليها بوكو حرام. غير أن العصابة -نظرًا إلى المحاصرة- تجنّبت الاشتباكات المباشرة؛ لكنها ضاعفت الهجمات المباغتة التي كانت تقوم بها مجموعات صغيرة من السائقين المسلحين ببنادق هجومية، وأصبح زرع الألغام وغيرها من الأجهزة المتفجرة المرتجلة هو النمط المتَّبع في تنفيذ العمليات، ويؤدي إلى تجنُّب الخسائر الفادحة على غرار ما حدث في يناير 2015م عندما خسرت 123 مقاتلاً ضد الجيش التشادي. وتلجأ مجموعة بوكو حرام إلى استخدام النساء والأطفال كقوّات، وتلك استراتيجية تستخدمها للتهرب من آليات المراقبة المختلفة المطبقة في شتَّى الولايات النيجيرية.
أرضية خصبة لضمان بقاء بوكو حرام:
على الرغم من إنشاء فرقة العمل المشتركة متعددة الجنسيات CBLT؛ إلا أن رد الفعل لا يرقى إلى مستوى التهديد؛ فمن ناحية، يتعرض الجيش النيجيري لانتقادات بسبب افتقاره إلى الديناميكية، ومن ناحية أخرى، تكافح القوات النظامية لاحتواء هجمات بوكو حرام الجديدة المتمثلة في عمليات يقوم بها سائقو الدراجات القادرون على الاختفاء في وقت قياسي، وحتى القوات التشادية المعتادة على الملاحقة عبر تويوتا لاندكروزر لم تنجح في احتوائها.
وعطفًا على هذا الفشل العسكري؛ هناك مسألة الحكم التي تتعرض غالبًا للانتقادات. ووفقًا لمؤشر حوكمة مؤسسة محمد إبراهيم 2018م، فقد جمعت جميع الولايات 49.9 درجة من متوسط المعدل، بينما النيجر فقط تجاوزت المتوسط (51.2)، في حين أن تشاد، التلميذ السيّئ لديه 35.4 درجة. ومع ذلك، فإن الحكم السيئ يشكّل أهمّ الركائز الأساسية التي توظفّها مجموعة بوكو حرام لتبرير هجماتها.
بين عامي 2016 و2017م، استسلم أكثر من 1300 إرهابي للحكومة التشادية التي وعدتهم بمساعدة إعادة الإدماج، غير أنه تمَّ إعادتهم إلى مجتمعاتهم المحلية بعد انتظار يائس من المساعدة التي لم تصل أبدًا. ومع ذلك، فإن هذه المجتمعات تتضرر بشدة من الفقر بسبب فشل الجهود المبذولة لإعادة بناء النسيج الاقتصادي الذي دمَّرته أزمة بوكو حرام؛ حيث إن قطاعات الصيد والتجارة والزراعة والثروة الحيوانية تتأثر بشدة بالنزاع، وقد فقد السكان العاملون معظم أنشطتهم، وأصبح أكثر من 75٪ منهم عاطلين عن العمل.
ووفقًا لمنظومة الأمم المتحدة، يحتاج أكثر من 10 ملايين شخص إلى معونات غذائية بما فيهم 4 ملايين طفل يعانون من سوء التغذية. عطفًا على أنَّ البنية التحتية الاجتماعية الأساسية غائبة أو دُمِّرَت أثناء القتال خصوصًا بعد تدمير أكثر من 12000 مدرسة في المنطقة، تاركةً أكثر من 3 ملايين طالب في الانتظار؛ وبذلك أضحت المنطقة أرضًا خصبة لاستمرارية العصابة.
وخلاصة القول أنه على الرغم من أن عصابة بوكو حرام تجد مسكّنات للحفاظ على نفسها، إلا أن بقاءها يعتمد على فشل استراتيجيات الصراع المختلفة التي وضعتها الدول المعنية؛ فالحل العسكري، رغم أنه حيوي، إلا أنه من الضروري معالجة قضايا الحكم والاندماج الاجتماعي والاقتصادي في حوض بحيرة تشاد، وتعميم الخطابات المضادَّة القادرة على تدمير الأيديولوجية المتطرفة التي تغرسها تلك العصابة.
رابط المقال:
https://www.contrepoints.org/2019/08/12/351181-boko-haram-10-ans-apres-les-secrets-de-la-longevite