تحاول جمهورية الكونغو الديموقراطية أن تقف على قديمها بعد الانتخابات الرئاسية الشائكة التي أجريت في ديسمبر الماضي. فقد سبق تلك الانتخابات شهر من التوتر السياسي وتأخير الانتخابات، وقد أصبح الرئيس فيليكس تشيسيكدي هو قائد السفينة الآن لثاني أكبر دولة في إفريقيا، والتي يقطنها 86 مليون نسمة.
ومن بين تركته الواهنة التي ورثها، جيش ضعيف غير متماسك، وإلى حد ما غير قابل للعمل أيضًا، بالإضافة إلى قوات أمنية منهكة. وتلك قضية يجب على الرئيس معالجتها فورا، وبخاصة أن مهمة إحلال الاستقرار التابعة للأمم المتحدة في البلاد تريد أن تخفض وجودها، وهذا يرجع جزئيًا إلى خفض النفقات لبعثات السلام في المجمل.
فخطط تقليل وجود مهمة الأمم المتحدة تشتمل أيضًا على زيادة نقل الأدوار الأمنية إلى حكومة الكونغو الديموقراطية، ولكن في واقع الحال فإن قوات تلك المهمة هم المصدر الرئيس لحماية المواطنين الكونجوليين العاديين، والذين يجب عليهم المرور ما بين الجماعات المسلحة وما بين قوات الحكومة الفاسدة والاستغلالية كل يوم.
وكما يشير البحث الذي قمت به[2]، فإن القوات الأمنية التابعة للدولة لا تبدو أنها جاهزة الآن لسد تلك الثغرة، فبالرغم من الكثير من التحسينات التي أجريت عليها، فيما يتعلق بحجمها وقدرتها العملياتية، لا تزال قوات الشرطة والجيش والقوات الأمنية الأخرى تعتبر على نطاق واسع أنها غير احترافية. فهناك حاجة ملحة لتحسين وتدريب كل من قوات الجيش والشرطة، ولتأمين المعدات المطلوبة للقوات من أجل الاضطلاع بالمهام العملياتية ومن أجل توفير الدعم اللوجيستي. فهناك مشكلات ماسة وعاجلة يجب معالجتها على الفور.
قضايا نظامية:
لقد تم إطلاق برنامج إصلاح القطاع الأمني في الكونغو الديموقراطية منذ عام 2003، وقد حكم على ذلك البرنامج بأنه فاشل، سواء كان ذلك حقيقيا أم غير ذلك، وذلك لأنه حتى الآن لم يدمج تمامًا في الدولة ولم يتحول من فاعل مسلح من غير الدول إلى أن يصبح مؤسسة أمنية وطنية فاعلة تعمل باحتراف.
وبالرغم من وجود بعض النجاحات، إلا أنه لم يسلط الضوء عليها عادة، فكلا من قوات الشرطة والجيش استطاعت أن توسع تواجدها في البلاد، فقد انتشرت في معظم مناطق الكونغو الديموقراطية، إلا أن هناك فارقا ما بين الوجود الملموس على الأرض وما بين التحكم والسيطرة. وقد أظهر بحثي أنه عادة ما كانت تعمل قوات الشرطة والجيش في تواطؤ مع الفواعل المسلحة من غير الدولة، كما أن العلاقة بينهما هي علاقة تعايش أكثر من كونها علاقة عداء.
كما يظهر بحثي أيضًا أن الجيش لديه بعض النقاط المضئية جيدة الإنجاز، فمع دعم الجهات المانحة، استطاعت أن تنشئ شبكة من المدارس والكليات العسكرية، كما أنها استطاعت أن تنشئ نظام رواتب منظم تمكن بكفاءة من تحسين رواتب الجنود، ولكن لا يزال من ضمن التحديات الفساد وسوء الاستخدام للمصادر، فلا يزال الجنود يحصلون على جزء من رواتب فقط من خلال ذلك النظام.
كما أنه كانت هناك أيضًا قصص نجاح شُرطية، فقد وافق البرلمان على الإطار القانوني لقوات الشرطة والجيش، وأصبح هناك الآن قاعدة بيانات وطنية لضباط الشرطة، كما تم إطلاق عدة برامج تدريبية بدعم المانحين الدوليين.
ولكن لا يزال، بلا شك، هناك مشكلات لا يمكن إنكارها. فهناك أفراد ووحدات كاملة من الجيش متهمة بارتكاب جرائم حرب، كما أن الفساد والنشاطات غير القانون لا تزال منتشرة، كما أن الجنود لا يزالون بحاجة إلى إجراء عمليات هجومية بأنفسهم، ولكن بحاجة إلى معدات ضرورية وفي بعض الأوقات يكون بحاجة إلى الذخيرة ذاتها.
وفي المقابل فإن قوات الشرطة، في الكثير من الأوجه، لا تزال في حالة أسوأ من الجيش. فلأن القوات لا تتلقى الاهتمام أو حتى التمويل الكافي من الحكومة مقارنة بالجيش، فإنهم فشلوا بصورة كبيرة في أن يقوموا بوظائف توفير الأمن للمواطن العادي. فالفساد والنشاطات غير القانونية والإتاوات التي يتلقونها من التجار ومن قائدي المركبات – من المواطنين الذين من المفترض أن يحمونهم – لا تزال تتم بصورة يومية وفي أجزاء كبيرة من البلاد.
الملكيات المحلية:
هناك عدد من العوامل يمكن أن تساعد في الحكم بالنجاح أو الفشل لأي برامج إصلاح للقطاع الأمني. فبعيدًا عن تحديد الأولويات في الإطارات القانونية والعملياتية، فإن البرنامج يجب أن يخضع لرقابة مدنية صارمة. كما أن الملكيات المحلية يجب كذلك أن تكون على رأس الأولويات، الملكيات المحلية تعني أن تقوم الحكومة المعنية باتخاذ الدور القيادي والمبادر وتكون مؤسساتها هي الأساسية في تعريف الاحتياجات والأولويات في برامج إصلاح القطاع الأمني. ولكن، لعدة أسباب، عادة ما يكون ذلك هدفا بعيد المنال، ولا يحدث إلا بدرجة محدودة في جمهورية الكونغو الديموقراطية.
كما على المانحين أيضًا دور كبير في إحداث قفزة في برامج الإصلاح، ويكون ذلك بصورة أساسية عبر التركيز على أجندتهم السياسية المحلية وعلى المصالح الذاتية وعلى البرامج السيئة وعلى فرض مبادرات خارج الصندوق في البلد المعنية. ويوضح بحثي أن موظفي الجهات المانحة يجنحون إلى استخدام الأدوات القياسية التقليدية مع برامج إصلاح القطاع الأمني، بالرغم من أنها يجب تفصيلها على الاحتياجات المحلية للدولة المعنية.
وهذا من شأنه أن يؤدي إلى أن تلك المنح تتمخض عن معدات سيئة التخصيص وكذلك عقود صيانة سيئة، أو برامج تدريب لا تناسب احتياجات الدولة المتلقية لها. والكونغو الديموقراطية تعد مثالا كلاسيكيا على ذلك.
حقائق الأمن الداخلي:
يجب أن تأخذ برامج إصلاح القطاع الأمني في اعتبارها حقائق الأمن الداخلي للبلدان المعنية، ففي حالة الكونغو دائما ما كان يتم اتخاذ حلول وسط ولكن يكون لها آثارا سلبية على المستويين المتوسط والطويل، مثل حالة التسرع في إدماج قوات المتمردين في القطاع الأمني، حيث إنها لم تكن موالية بصورة كاملة للحكومة ولكن لقادتهم السابقين، والمثال الآخر هو تعيين بعض قادة المتمردين للقيام بأدوار ذات مكانة قانونية عالية بالرغم من أنهم لم يتمتعوا بأي مؤهلات سابقة للقيام بذلك.
وفي الكونغو الديموقراطية، أعطت الحكومة الأولوية للاستقرار وتقليل المخاطر، بدلاً من إصلاحات طويلة الأمد للقطاع الأمني، وهذا كان سببا جزئيًا في أن القوات الأمنية في البلاد لم تكن على قدر مسئولية القيام بوظيفة حماية المواطنين.
وأمام الرئيس تشيسيكيدي مهمة جسيمة، فقد تسلم البلاد وهي لا تزال منقسمة وفي صراع مع نفسها، والعديد من المواطنين العاديين يواجهون يوميا حقيقة وجود فواعل مسلحة من غير الدول تتحكم في مصائرهم، كما أنه من ناحية أخرى فإن قوات الجيش والشرطة الوطنية غير الاحترافية يتصرفون في كثير من الأحيان مثلما تتصرف تلك الميليشيات تماما، لذلك فإن جمهورية الكونغو الديموقراطية بحاجة إلى إعادة برامج إصلاح القطاع الأمني إلى مسارها الصحيح وأن تكون هي صاحبة اليد العليا والقرار الرئيس في تطبيق تلك العملية وليس أي جهة أجنبية أخرى.
[1] نشر المقال في موقع ذي كونفيرسيشن، على الرابط التالي: https://theconversation.com/why-the-drcs-army-and-police-arent-yet-ready-to-protect-citizens-114326