ديفيد توماس (*)
ترجمة: قراءات إفريقية
عندما يكون الحديث عن “كارتل” [ اتفاق بين المؤسسات لتحديد أسعار المنتجات ]، فإن ممارسة الأعمال التجارية في الفضاء المفتوح لا تأتي بشكل طبيعي. لأن الاجتماعات المغلقة والترتيبات السرية هي السمات المميزة لنظام مصمم للسيطرة على الأسواق والمنافسين الذين وضعوا أقدامهم في المكان الخطإ.
ولكن في منظّمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) – المنظمة التي تنتج نحو 40 ٪ من إنتاج النفط الخام العالمي – بدأت المنازعات التي من المفترض أن تكون مقتصرة على “فيينا” المترامية الاطراف تتسرب إلى العلن.
في أواخر شهر فبراير، زار الرئيس النيجيري محمد بخاري قطر ليسلم لزملائه أعضاء أوبك رسالة شديدة اللهجة. محتجا ضد انخفاض أسعار النفط المستمر – الذي يرى بعض النقاد أسبابه في إفراط أوبك في الإنتاج – مشيرا إلى أن الأسعار قد أصبحت “غير مستدامة وغير مقبولة تماما”.
ليس “بخاري” هو الوحيد في إحباطه. فتراجع أسعار النفط – الذي أدى إلى سقوطها من أكثر من 100 دولار فيما سبق, إلى 30 دولار للبرميل والتي تبدو وكأنها ستكون هي القاعدة – كشف عن الشقاق غير المسبوق بين أغنى أعضاء أوبك وصغار المنتجين الذين وجدوا اقتصاداتهم تتحطّم – ومن بينهم كبار منتجي النفط في إفريقيا.
بعد أن شاهدوا تآكل نفوذ دولهم وتجاهل همومهم, بدأ النقاد الأفارقة يتساءلون عما إذا كان حقا تهمّ المنظمة مصالحَ القارة.
“الدول الأفريقية التي كانت أعضاء في منظمة أوبك لا تملك رأيا ولا حكما حول سياسات أوبك”، كما يقول “داميلولا أولاوويي” ، مدير المعهد النيجيري للنفط والغاز والطاقة والبيئة والتنمية المستدامة.
“على الرغم من تأثير تقلبات الأسعار على الدول الأفريقية، فقد التزمت أوبك بموقفها وبهذا تُؤذي اقتصادات أفريقيا.”
إن نضال القارة للحصول على النفوذ داخل أوبك ليس ظاهرة جديدة. تم احتكار اتخاذ القرارات منذ فترة طويلة من قبل الأعضاء الذين لديهم أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة والقدرة على الإنتاج. فأربعة أعضاء أوبك من أفريقيا – الجزائر وأنغولا وليبيا ونيجيريا – معا تمثل فقط 8,8 ٪ من احتياطيات أوبك. قارن ذلك بالمملكة العربية السعودية – التي طالما تعتبر مهيمنة على أوبك بلا منازع – والتي تسيطر على 22.1 ٪ من الاحتياطيات وتهيمن على الانتاج الحالي.
في الماضي القريب، تسببت مراجعة ارتفاع الأسعار والازدهار المشترك بخلافات كبيرة بين الأعضاء. بين عامي 2011 ومنتصف عام 2013 ، تذبذبت أسعار النفط الخام بين سخاء 80 دولار و115 دولار للبرميل.
وكانت الخلافات المتجذرة حول كيفية إدارة الهبوط مما أدى إلى تآكل شرعية أوبك في عيون صغار المنتجين – وقد صبّ الكثيرون لومهم على السعودية. التي تسعى للقضاء على منافسة النفط الصخري الأمريكي حيث رفضت السعودية تأييد خفض الانتاج ، حيث تراهن المملكة على أن انخفاض الأسعار سيجبر نفط الولايات المتحدة الصخري للخروج من السوق.
يقول “جون هول” ، رئيس مجلس إدارة شركة استشارات الطاقة “ألفا للطاقة” ومراقب مألوف في اجتماعات منظمة أوبك، أن الدول الأفريقية ليس لديها أي خيار سوى الإذعان لدول الخليج.
“حقا، عليهم الذهاب مع التيار. الصعوبة التي تواجهها ] الدول الإفريقية[ هي أن السعودية تسيطر على أوبك وعلى باقي الأعضاء أن يتبعوها. والآن اضطر المنتجون الأفريقيون بيع النفط بثمن منخفض ولا يستطيعون التأثير عليه. هناك بعض الأمل أنه إذا دخلوا في ورطة ستساعدهم أوبك، ولكن أوبك لن تفعل ذلك” .
بالنسبة للمنتجين من أفريقيا، فإن التأثير الاقتصادي كبير جدا.. نيجيريا، التي تعتمد على صادرات النفط في نحو 95 ٪ من عائداتها الخارجية، تواصلت مع البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي، في محاولة للحصول على قروض طارئة بـ 3.5 مليار دولار. وقد باتت توقعات ميزانية أنغولا لـ 2015 من النفط بسعر 81 دولار للبرميل ضربا من الخيال. ويرى النقاد، أن لامبالاة أوبك الواضحة بمحنة الاقتصادات الأفريقية يكشف تناقض أوبك مع إحدى المبادئ التي تأسست عليها – وهي تحقيق الرخاء الاقتصادي للدول الأعضاء.
“في الوقت الراهن تكافح نيجيريا مع اقتصاد مثقل بالديون ولا تستطيع الحكومة مع جهدها أن تغطي الاحتياجات الأساسية. وبهذا نتمكن من معرفة ما إذا كان لأوبك أي أهمية. بناء على الأدلة التي نراها اليوم، فإن تلك الأهمية محجوبة. لماذا يجب علينا البقاء في أوبك إذا لم يكن لدينا أي شيء نكسبه؟ “, يقول “أولاوويي” .
أحد الأسباب هو أن انتعاشا قد يكون في الأفق. في وقت هذه الكتابة، كان النفط مرة أخرى يقترب من 40 دولار للبرميل، مع إشارة كبار المسؤولين التنفيذيين في هذه الصناعة – مبدئيا – إلى زيادة في الطلب وعلامات انخفاض حجم المعروض. وتقول السعودية أنها مستعدة للانضمام إلى تجميد الإنتاج في اجتماع لكبار المنتجين هذا الشهر. علاوة على ذلك، قليلٌ هم الذين يعتقدون أن لدى الدول الأفريقية النفوذ للتأثير على سوق النفط من خارج خيمة أوبك. فالخروج من المنظمة سيتركها بدون أي تأثير على الأسعار – ومن الأفضل التمسك بالتأثير الهشّ داخل الكتلة بدلا من ذهاب المنتجين الأفارقة وحدهم في سوق المشترين.
ولكنْ إذا – كما يبدو على الأرجح – اختارت الدول الأفريقية البقاء في أوبك، يرى النقاد أنه يجب عليها أن تبحث عن طرق أفضل للتكتل حتى تتمكن من ممارسة نفوذها الضعيف.
ويشير “أولاوويي” إلى أن صغار المنتجين في أوبك يمكنهم تعلّم شيئ أو شيئين من الوحدة الأفريقية في محادثات عصيبة في باريس COP21 حول المناخ.
“شكلت أفريقيا كتلة المفاوضات الخاصة بها وأعلن عن سياسة مشتركة. يمكنك تقسيم أوبك إلى أعضاء أثرياء جدا وأعضاء لديهم الموارد ولكنهم الأكثر فقرا. لماذا لا يمكن للأعضاء المكافحين أو الضعفاء أن يجتمعوا معا ككتلة تفاوض قوية؟ “
الدول الأفريقية ستحتاج إلى إرسال ممثلين ومفاوضين متمكنين للضغط نيابة عنها. في الماضي، كانت الدول الإفريقية ترسل دبلوماسيين فاسدين أو غير مؤهلين إلى “فيينا” – في أكتوبر اعتُقلت في لندن “ديزاني أليسون مادويكي”, وزيرة النفط النيجيري السابقة والرئيسة السابقة لمنظمة أوبك ( وظيفة رمزية إلى حد كبير)، وسط اتهامات بالفساد.
يقول “أولاوويي” : “المشكلة الحقيقية هي عدم وجود الاستمرارية بسبب تغيير الحكومات قد يتوفر لك وزير جديد قد له أيديولوجية مختلفة أو مؤهلات أقل للجلوس على طاولة أوبك ثم يتغير… لقد كانت لدينا وزيرة نيجيرية سابقة متهمة بالفساد، ويثير ذلك تساؤلات حول الثغرات القيادية “.
مع ذلك, حتى إذا كان بإمكان الدول الأفريقية إعادة تأسيس نفوذ لها داخل أوبك.
يؤمن “هول” بأن الاستراتيجية الفاشلة من كبار أعضاء أوبك قد تكون أنها قامت بما يكفي لتهميش المؤسسة بشكل دائم.
” تخميني هو أنه يمكن أن تتداعى كلها بكل سهولة. بعد 55 عاما، استفذّت طاقتها، وأساءت قراءة السوق وسمحت للوقود البديل أن يدخل السوق “.
(*) يمكن الاطلاع على رابط المقال الأصلي من هنا