د. أبوبكر عبد الله شعيب (*)
المتتبع لمسيرة التعليم العربي الإسلامي بدول إفريقيا يجد أنها قامت على مبادرات فردية من جمعيات ومؤسسات خيرية من خارج إفريقيا، ومن أهل البر والإحسان من الأفارقة أنفسهم ولم تخضع لسلطة تربوية مركزية، أو لإستراتيجية واحدة، فتعددت المدارس، وتعددت المستويات والشهادات، وسارت دون مرجعية علمية معترف بها.
أما المناهج؛ فيجري الخلط بينهما وبين المقررات الدراسية، وفكرة المنهج نفسها بالمعني العلمي التربوي مستحدثة وجديدة على التعليم العربي الإسلامي، والمقررات الدراسية مختلفة باختلاف المدارس، وباختلاف الكتب والمراجع المتاحة، أو الجماعة أو الطائفة التي تتبع لها تلك المدارس، وأغلب هذه المناهج لا تتوافر فيها الشروط الفنية والأسس النفسية والتربوية. وكثير منها مجلوب من دول عربية مختلفة.
إن الأساليب المتبعة في هذه المدارس ما زالت هي الأساليب والطرق التقليدية، والتي تقوم على التلقين والحفظ وحشو الذاكرة بالمعلومات، دون الاستفادة من الدراسات النفسية في مجال التعلَّم، أو الدراسات التربوية في مجالات تحديث نظم الأداء وتطوير أساليب التدريس، وقد تكون لشيوع طريقة التلقين والحفظ مسوغاتها الموضوعية في الزمن الماضي.
إن التعليم العربي الإسلامي بحاجة إلى مراجعة شاملة لمواجهة التحديات العديدة التي يواجهها والمتمثلة في:
التحديات الداخلية:
أولاً: اختلاف مناهج التعليم، واستقلال كل مؤسسة بوضع منهجها ومنح شهادتها، وعدم استقرار المنهج حتى في المؤسسة الواحدة أحياناً، وهذا عادة ما يكون في التعليم الأهلي لا الحكومي(1)، لذا لابد من إعادة النظر في المنهج المطبق حالياً والمتوارث عبر الأجيال من الآباء والأجداد؛ بحيث يستوعب المتغيرات في المكان وحاضر العصر، ويتسع ليشمل أساسيات العلوم الضرورية النافعة شرعية وطبيعية كونية، وما يتبع ذلك من إعداد المعلمين المؤهلين علمياً ومهنياً، وتحديث المحتوى، وتجديد أساليب التدريب.
ثانياً: تجميع شتات مؤسسات هذا التعليم تحت مظلة إدارة تربوية واحدة فاعلة ومقتدرة، ذات رؤية واستراتيجية واضحة المعالم، ونجاح أي مشروع رهين بكفاية الجانب الإداري وفعاليته، وبراعة التخطيط وحسن التنظيم.
ثالثاً: البحث عن مصادر التمويل لتغطية نفقات هذا المشروع، وإذا كان حجم الإنفاق على التعليم مؤشراً قوياً على مستوى وجودة مخرجاته؛ فلا يترك مصير التعليم العربي الإسلامي لجهود المنظمات التطوعية والجهات الخيرية وإمكانيات الأهالي الأفارقة البسطاء؟
التحديات الخارجية:
في مقابل المشكلات الداخلية الهيكلية للتعليم العربي الإسلامي تبرز التحديات والمشكلات الخارجية، والتي يمكن إجمالها فيما يأتي:
1 – أن الساحة ليست خالية تماماً أمام التعليم العربي الإسلامي، فهنالك مشروع التعليم الفرنسي (الذي يجسّد الأهداف الثقافية الاستعمارية الفرنسية)، والتعليم الإنجليزي، المسنودان بالمال والرجال، والكفايات العلمية، والتجهيزات اللازمة، والنفوذ الاستعماري الذي يناصب التعليم العربي الإسلامي العداوة والبغضاء(2).
2 – كما مثّل دور الحكومات الوطنية بعد الاستقلال امتداداً للنفوذ الاستعماري في الهيمنة الثقافية والفكرية، وذلك باتباع خطوات محددة؛ أبرزها عدم الاعتراف بالتعليم العربي الإسلامي، وعدم توظيف خريجيه، وحرمانه من المساعدات المالية، وإن كانت بعض الحكومات قد بدأت بالفعل بالاعتراف به، وإدخال مواد ومقررات عصرية تجعل التعليم الإسلامي يواكب التطور والتقدّم.
3 – الاتجاه نحو الجودة والاعتماد والتقويم وفق مقاييس عالمية، مما يحتم على كل مؤسسة تعليمية أو غيرها إعادة النظر في أساليب عملها ومناهجها، وكفاية الأداء فيها، ومبانيها وبيئتها وخدماتها، في إطار الجودة الشاملة ورفع كفاية المخرجات وجودة المنتجات.
4 – تيار العولمة الذي يهدف لخلخة النظم التربوية القائمة، وإعادة صياغتها بما يتواءم وأهداف الدول الكبرى الممسكة بأعنة هذا التيار، والتعليم العربي الإسلامي هو أول ما تُوجّه نحوه سهام هذه الحملة، فبدؤوا بتجفيف منابعه بحجة محاربة الإرهاب والأصولية، وضيّقوا على كثير من الجامعات والمدارس الإسلامية, كما مارسوا الضغوط على عمل المنظمات الخيرية الإسلامية التي كانت تساهم بنصيب الأسد في تمويل التعليم العربي الإسلامي؛ مما أدي إلى شللها وتوقفها(3).
رؤية وآفاق:
كان التعليم العربي الإسلامي كالقلعة الحصينة التي احتمى خلفها المسلمون من غائلة الثقافة الاستعمارية؛ بعد انهيار المقاومة الوطنية الإسلامية المسلحة أمام الآلة العسكرية الغربية، غير أن دور هذا التعليم ليس دوراً مرحلياً استنفد أغراضه مع رحيل الاستعمار، بل هو باق ما بقي الإسلام والمسلمون.
وحتى تتحقق له هذه الاستمرارية؛ لا بد من الاستجابة لبعض الشروط لتجاوز التحديات والمشكلات التي سبق الحديث عنها، ومن ذلك:
أولاً: القبول بفكرة التطور، فقد ظل التعليم العربي الإسلامي يقدّم نفسه في قالب واحد، ولم ينل حظه من المراجعة والتقويم، وذلك لانعدام القوة الدافعة للتطور الذي يتلاءم مع التقدم الحديث، ونعني بالتطور إعادة النظر في بنية هذا التعليم، والقائمين عليه، ونُظُمه ومناهجه، بقصد التطوير والتجويد.
إن من يقف ضد مبدأ التطوير فإنه يقف ضد الزمن، ولا نظن أن أحداً يرفض هذا المبدأ، ولكن ما هو التطور المناسب الذي ينبغي إدخاله في هذه المؤسسات العلمية.
إن التطوير المرغوب فيه بالنسبة للمدارس العربية الإسلامية ينبغي له أن يكون مبنياً على أسس علمية.
ثانياً: ضرورة انتظام التعليم العربي الإسلامي تحت مظلة إدارة تربوية واحدة فاعله ومقتدرة، تتولى مهام التخطيط ورسم السياسات وتنفيذها، واستنباط الوسائل، وتوفير الإمكانيات، فالإدارة التربوية الموحَّدة تعني التعامل مع منهج دراسي واحد بدلاً من العشوائية والتخبط بين عشرات المناهج المختلفة، وتعني الحصول على شهادة موحَّدة ذات مرجعية علمية معترف بها داخل البلاد وخارجها ولا تقل عن نظيراتها من الشهادات الحكومية.
ثالثاً: تشجيع النماذج الناجحة والاستفادة منها، مثل تجربة الجامعة الإسلامية في النيجر في مجال تطوير التعليم العربي الإسلامي في جمهورية النيجر، وهو مشروع يتم بالتعاون بين حكومة النيجر والبنك الإسلامي للتنمية بجدة ومجموعة من الخبراء في مجال التربية من الذين يهمهم أمر التعليم العربي الإسلامي.
كما أن تجربة جامعة إفريقيا العالمية بالسودان من التجارب التي لاقت استحساناً، فهي ثمرة تعاون بين حكومة السودان، وبعض المنظمات الأهلية والخيرية.
رابعاً: التعليم العربي الإسلامي بحاجة إلى الدولة ليستفيد من ميزانياتها الضخمة المخصصة للتعليم، خصوصاً أن المسلمين هم الممول الرئيس لميزانيات دولهم، ولهم الحق في نفقات التعليم من الميزانية العامة، كما أن التعليم العربي الإسلامي بحاجة إلى الدولة للاعتراف بشهاداته وتوظيف خريجيه حتى لا يكونوا غرباء في دولهم، ومن ناحية أخرى؛ فإن تطوير نُظُم التعليم العربي الإسلامي أمر ضروري للمساهمة الفاعلة في خطط التنمية الاقتصادية والبشرية.
كما أن الدولة لا تستطيع أن تتجاهل التعليم العربي الإسلامي إلى الأبد؛ لأنه يمثل رغبة شعبية عارمة، ولأن المواطنين على استعداد لمساندتها في النهوض بهذا التعليم، لقد أخفقت مشاريع محو الأمية في المنطقة باستعمال الحرف اللاتيني، فلجأت الدولة لتجربة محو الأمية بالحرف القرآني، وربط المدارس القرآنية بالتعليم العام؛ لأن الناس يألفون الحرف القرآني وينفرون من نظيره اللاتيني.
وقد استجابت بعض الدول لضغوط أولياء الأمور فأدخلت اللغة العربية والتربية الإسلامية في المنهج في جميع مراحل التعليم العام كما حدث في السنغال، وهو أول خرق لمبدأ العلمانية في التعليم، فهذا الاهتمام من الدول يُعد من باب الرجوع إلى الحق فضيلة، وهو جدير بالاهتمام والتقدير(4).
خامساً: من هنا يأتي دور المؤسسات الرسمية مثل الإسيسكو والألسكو، والمنظمات الخيرية الإسلامية الأخرى، لاستلام زمام المبادرة وتقديم الخبرة الفنية في مجال إعداد المعلمين، وتأليف الكتب، وتقديم المساعدات المادية، وتوفير الإمكانيات المطلوبة لتحقيق النهضة الشاملة للتعليم العربي الإسلامي على قاعدة الشراكة بين الحكومات وسلطات التعليم العربي الإسلامي ومؤسسات ومنظمات العالم العربي الإسلامي المعنية بهذا الأمر.
التطلعـات:
من هذه الورقة؛ نخلص إلى أن هناك مشكلات وعقبات تعترض مسار التعليم العربي الإسلامي في إفريقيا، ولتذليل هذه العقبات لدينا بعض التطلعات التي نأمل أن تكون دافعاً ومعيناً للقائمين والعاملين على نهضة التعليم الإسلامي في إفريقيا.
وهذه التطلعات هي:
1 – تكوين روابط للخريجين في الجامعات الإسلامية في الدول العربية والإسلامية من إفريقيا، وتوجيه العناية إليها ودعمها لتمكينها من أداء رسالتها(5).
2 – تشكيل لجان علمية متخصصة للنظر في إعداد مناهج موحَّدة للمدارس الإسلامية، تُراعى فيها أهداف المنهج ومحتواه الشرعي، بحيث يمكن توزيعه على المراحل، ويُراعى فيه إمكان توحيد الشهادات والامتحانات خصوصاً في نهاية المرحلة الثانوية.
3 – السعي إلى تنويع المساقات في التعليم الإسلامي، بإبقاء المدارس الإسلامية – أو بعضها – لتدريس علوم الشريعة، وإدخال شيء من التعليم المهني والتقني لتوفير سبل كسب العيش، وإنشاء مدارس تجمع بين تعليم العلوم الشرعية والأكاديمية، ويُراعى فيها توافق المواد الأكاديمية للشريعة بوصفها مصدر القيم.
4 – الاهتمام بإدارات التعليم العربي الإسلامي الرسمية والتعاون معها، ومدّ يد العون إليها على المستويين المادي والفني.
5 – اختيار المعلّم الداعية، صاحب الأهلية العلمية والخبرة العملية، ليكون تأثيره أكثر وأنفع.
6 – إعطاء المعلم ما يكفيه من الأجر حتى يتسنى له أداء دوره على أكمل وجه.
7 – إقامة دورات تدريبية تطويرية لمعلمي الدراسات الإسلامية واللغة العربية في بلدانهم.
8 – تبصير المعلمين بكل ما هو جديد في مجال التربية وعلم النفس وطرائق التدريس الحديثة، وتثقيفهم في مجال الحاسوب والإنترنت الذي أصبح لا غنى عنه لمن يبغي التطوير والتحديث.
9 – ابتعاث عدد من المعلمين من ذوي الكفاية للدراسات العليا بجامعات الدول العربية وغيرها من الدول الإسلامية مثل ماليزيا.
10 – السعي عن طريق المنظمات والروابط والوزارات لدى الحكومات الإفريقية لاستيعاب خريجي الجامعات الإسلامية في وظائف التعليم العام، ومساواتهم بغيرهم في السلّم الوظيفي.
11 – المطالبة بإدراج مشرفي التعليم الإسلامي في سلك المشرفين بالوزارات الوطنية طبقاً لشهاداتهم.
12 – إنشاء جمعيات طلابية ثقافية وعلمية لاكتشاف المواهب وصقلها وتنميتها.
13 – التوسع في إنشاء الإسكانات الطلابية الجامعية التي تُعنى بتربية الطلاب تربوياً، وصقل مواهبهم ومهاراتهم.
14 – التوسع في المنح الدراسية للطلاب المسلمين في المعاهد والجامعات والدراسات العليا، مع مراعاة التوزيع الجيد للدول والمناطق داخل الدولة الواحدة، والاهتمام بهم تعليماً وتربية؛ حتى يسدّوا حاجة بلادهم بالكفايات العلمية المؤهلة الصالحة.
15 – الاهتمام بتعليم المرأة الإفريقية المسلمة بإنشاء مدارس ومعاهد وكليات، وتركز في مناهجها فيما يخص المرأة ويهمها؛ لإعدادها إعداداً يناسب طبيعتها ورسالتها في المجتمع.
16 – تزويد المعاهد والجامعات الإسلامية بالمراجع والمصادر باستمرار؛ حتى تعين الطلاب والأساتذة في التحصيل العلمي.
17 – إعداد برنامج مستمر في تعليم اللغة العربية – إذاعي وتلفزيوني – يُبث على مستوى القارة, ونسخه على عدة وسائط إلكترونية، وإهداء تسجيلاتها لدعم المكتبات الإسلامية في القارة.
18 – إنشاء مكتبات عامة يرتادها المثقفون من أبناء القارة للاستفادة منها.
19 – إنشاء مطابع ودور نشر في القارة، تشجّع حركة التأليف، وتزيد من نشر الكتاب الإسلامي والكتب التخصصية ذات الفائدة لطالبي العلم، وتعود بفائدة استثمارية للمؤسسات التعليمية والدعوية.
20 – مراجعة الكتب الدراسية بما يتواءم والفكر الإسلامي الصحيح، ويجمع بين الأصالة والمعاصرة، ويبتعد عن مواضع الخلاف والشقاق، ويدعو للألفة بين المسلمين.
21 – عمل كتاب دليل المعلِّم يُراعى فيه اختلاف المراحل، والإرشاد إلى الطريقة المثلى لإيصال العلم والقيم الإسلامية وترسيخها في نفوس الطلاب.
22 – السعي إلى دعم المدارس القائمة وترميمها وتطويرها.
23 – إنشاء مدارس جديدة، وتوزيعها توزيعاً جيداً، تشتمل على قاعات الدراسة والمكاتب الإدارية، إضافة إلى بناء مساكن لإيواء الطلاب؛ خصوصاً في المرحلة الثانوية والجامعية.
24 – تشجيع البحث العلمي، وذلك ابتعاث عدد مقدر من الطلاب والباحثين للدراسات العليا، ودعم المؤسسات ومراكز الأبحاث المهتمة بالبحث في التعليم، وبصفة خاصة في التعليم الإسلامي في إفريقيا.
الإحالات والهوامش
(*) أكاديمي سوداني – جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
(1) د. يوسف الخليفة أبوبكر مشروع تطوير التعليم الإسلامي في إفريقيا، (ن، ت)، ص 121.
(2) عبد الرحمن أحمد عثمان نحو إستراتيجية التعليم الإسلامي في إفريقيا – مجلة دراسات إفريقية- ع11 ص 24.
(3) السلومي، محمد عبد الله : ضحايا بريئة للحرب العالمية علي الإرهاب، ص 45 ، منشورات البيان، الرياض، ط1 ، 2005م .
(4) د. بشير عبد الواحد بشير خارطة الطريق للتعليم العربي الإسلامي في إفريقيا http://www.afran.ir/arabic/modules/smartsection/item.php?itemid=3
(5) د. خالد عبد اللطيف،التعليم الإسلامي في إفريقيا www.ansar-alsunna.net/download/af.edu.doc