روضة علي عبد الغفار
صحفية متخصصة في الشأن الإفريقي
تتأهب دولة تنزانيا لخوض سباق الانتخابات الرئاسية في أكتوبر 2020م، في منافسةٍ قِيل: إنها الأكبر من حيث عدد المرشحين؛ حيث يتنافس بها الرئيس الحالي جون ماجوفولي لفترة رئاسية ثانية -عن حزبه الحاكم “تشاما تشا مابندوزي”CCM – وعدد من مرشحي الأحزاب المعارضة.
ووسط إنجازات الحزب الحاكم في فترة ولايته الأولى؛ وبين الانتقادات الموجَّهة إليه عن قمع المعارضة وانحسار الحياة السياسية، ما هي فرصة الحزب الحاكم في الانتخابات القادمة؟ وهل مازال يحظى بذات الشعبية؟ وما هي التحديات التي تُواجه المعارضة التنزانية على أعتاب الانتخابات؟
في هذا التحقيق نسلط الضوء على هذه القضايا.
تنزانيا.. وعودة نشاط الحياة السياسية:
دخلت تنزانيا رسميًّا موسم حملتها الانتخابية في 28 أغسطس 2020م، ومن المقرَّر إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 28 أكتوبر؛ حيث أعلن مجلس الانتخابات أن الرئيس التنزاني جون ماجوفولي سيواجه 14 منافسًا في انتخابات الرئاسة، ويسعى ماجوفولي للحصول على فترة ولاية ثانية وأخيرة مدتها خمس سنوات.
ومن المرجَّح أن يكون منافسوه الرئيسيون هم: توندو ليسو مرشح حزب تشاديما، الذي عاد إلى تنزانيا الشهر الماضي بعد أن أمضى ما يقرب من ثلاث سنوات في بلجيكا بعد إطلاق النار عليه في محاولة اغتيال، ووزير الخارجية السابق “برنارد ميمبي”، الذي طُرِدَ من الحزب الحاكم CCM في فبراير الماضي، وقام بتحويل ولائه إلى حزب “التغيير من أجل التحالف والشفافية”.
كما تشير بداية الحملة الانتخابية 2020م إلى نهاية حظر شامل استمر أربع سنوات على النشاط السياسي في تنزانيا؛ حيث حظرت إدارة ماجوفولي الأنشطة السياسية في يونيو 2016م، بما في ذلك التجمعات السياسية، وقَصر نشاط السياسيين على دوائرهم الانتخابية فقط.
وكانت المعارضة قد دعت إلى تشكيل لجنة انتخابية مستقلة، مُعربةً عن مخاوفها من أن تجري الانتخابات في جوٍّ من العنف، ولكنْ تعهَّد ماجوفولي بإجراء انتخابات حرَّة ونزيهة وذات مصداقية، وقال: إنه مستعدّ لمواصلة ولاية ثانية من أجل استكمال رحلته في خدمة التنزانيين وتعزيز اقتصاد البلاد.
وقال خميس مكناشي، أحد المرشحين لمجلس النواب التنزاني 2020م، في لقاء مع “قراءات إفريقية”: “إن الرئيس موغوفولي أحدث تغييرًا كبيرًا في البلاد، ولمس حياة كلّ تنزاني بطريقة مختلفة، فقد حقَّق مبدأ المساواة، وجعل الجميع سواسية أمام القانون، واستطاع السيطرة على اختلاس الأموال العامة ومنع سوء استخدامها، وأرسى مبدأ الانضباط للموظفين العاملين في القطاع العام، كما فرضت الحكومة رقابةً صارمةً على تهريب المعادن التي كانت تعتبر جريمة خطيرة، فزادت قيمة المعادن، وبالتالي زادت قيمة العملة اليوم”، وأضاف أنَّ هذه الخدمات العديدة تجعل فرصة الرئيس ماجوفولي كبيرة بالحصول على فترة رئاسية ثانية.
لقد أدَّى الحكم الطويل مِن قِبَل حزب واحد مهيمن إلى تحقيق الاستقرار، لكنَّ الطلب الشعبي بالتغيير كان واضحًا في الفترة التي سبقت انتخابات عام 2015م؛ حيث أشارت الاستطلاعات إلى وجود رغبة لدى الناخبين في تغيير الوضع السياسي الراهن.
بينما قال محيي الدين شانغوي، مُحاضر العلوم السياسية والإدارة العامة بجامعة درا السلام- تنزانيا، في تصريح لـ”قراءات إفريقية”: “قد يكون الحزب الحاكم لديه فرصة كبيرة للفوز بالانتخابات، ولكنَّ هذا لا يعني أن المعارضة ليس لديها فرصة؛ لأن الأمر اختلف منذ عودة المرشح الرئاسي المعارض “تندو ليسو”، الذي تمكَّن من جَذْب حشودٍ كبيرة من الناس في تجمعاته الانتخابية، وهذا تطوُّر كبير من حيث قدرة المعارضة على تشكيل تَحَدٍّ ضد الحزب الحاكم، ربما لن تفوز المعارضة في الانتخابات، لكن هناك رسالة تقول: إن المعارضة لم تَعُدْ على الهامش”.
الحزب الحاكم.. شعبية تتزايد أم تتناقص؟
وعَد ماجوفولي في خطاب استهلَّ به ترشيحه للانتخابات، بتعزيز الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، بعد أن صعدت تنزانيا -الدولة الواقعة في شرق إفريقيا- في تصنيفات البنك الدولي في يوليو الماضي؛ لتصبح دولة ذات دخل متوسط، كما وعد بتعزيز أرباح السياحة، ومواصلة إنعاش الاقتصاد الوطني، وخلق فرص عمل لثمانية ملايين شخص.
منذ توليه السلطة في عام 2015م، عزَّز ماجوفولي إيرادات الحكومة، وشرع في إصلاحات صناعة التعدين، ويقول محللون سياسيون: إن الطرق الجديدة والسكك الحديدية ومحطات الطاقة التي نشأت في عهد ماجوفولي تمنح الرئيس فرصة للفوز بولاية أخرى، وإنه منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، منذ ظهور نظام التعددية الحزبية في تنزانيا، لم يكن هناك تطوُّر يصل إلى الناس كما كان الحال في عهد ماجوفولي، وأن البنية التحتية هي التي تجلب التنمية الحقيقية.
وأفاد خميس مكناشي، أن تنزانيا بلد اقتصادي متوسط، وسيتعين على الرئيس ماجوفولي إنجاز ما بدأه في الخمس سنوات الماضية، مثل التوفير المناسب للكهرباء، وتجديد البنية التحتية، ووضع ضوابط المنافسة الاقتصادية بإنصافٍ، كما يجب القيام بالكثير في قطاع السياحة؛ لأنه يوفّر العملات الأجنبية، وتحسين البنية التحتية والفنادق، وزيادة الإعلانات، والقيام بإصلاحات في المطارات.
حَكم حزب ماجوفولي تنزانيا منذ الاستقلال في عام 1961م، واكتسح السلطة في عام 2015م؛ حيث حصل الرئيس ماجوفولي على 58٪ من الأصوات، واعدًا بإنهاء الفساد وإصلاح البنية التحتية، وتوسيع شبكة الطرق والسكك الحديدية في البلاد، وارتفعت شعبية ماجوفولي بسبب إجراءاته المبكرة لمكافحة الفساد، لكنَّ أسلوبه الصارم في الحُكم عزَّز لقبه؛ الجرَّافة أو البلدوزر، الذي لُقِّبَ به خلال فترة عمله كوزير للأشغال العامة.
ففي الأيام الأولى لرئاسته، التزم الرئيس ماجوفولي بالقضاء على الهدر والفساد في القطاع العام، وقام بعمليات تفتيش مفاجئة في أواخر عام 2015م وأوائل عام 2016م أدَّت إلى تعليق وإقالة كبار المسؤولين في هيئة الإيرادات وهيئة موانئ تنزانيا، وقام بإجراءات مبكرة لخفض التكاليف؛ منها حَظْر السفر غير الضروري للمسؤولين الحكوميين، وحظر استخدام الفنادق باهظة الثمن للاجتماعات الحكومية، واستبدل احتفالات يوم الاستقلال في تنزانيا بحملة تنظيف وطنية.
ولكن لم تلبث أن وُجِّهَتْ له أصابع الاتهام بقمع المعارضة، وحظر النشاط السياسي في فترة ولايته الأولى، بينما قال خميس مكناشي لـ “قراءات إفريقية”: “القول بأن تنزانيا ليس بها نشاط سياسي وحزبي هو واحد من أكبر المفاهيم الخاطئة عن السياسة التنزانية؛ لأنه لم يتمَّ حظر الأنشطة السياسية، ولكن تم السيطرة عليها؛ بحيث يمكن لأعضاء البرلمان ممارسة الأنشطة السياسية لدوائرهم الانتخابية فقط، لكن ذلك لم يُعْجِب السياسيين، أرادت الحكومة التركيز على التنمية لتحقيق النموّ الاقتصاديّ بشكل أسرع، وكان يمكن أن يستغل السياسيون هذه الفرصة لتحقيق التنمية لشعبهم؛ ولكن يبدو أنهم أرادوا الشعبية وليس خدمة الناس”.
واعتبر مراقبون أن الحزب يَفْقد جاذبيته، باعتبار نتيجة انتخابات عام 2015م هي انخفاض لشعبية حزب CCM عن الانتخابات السابقة؛ التي صوَّت فيها 80٪ من التنزانيين لصالح الحزب.
ويرى محيي الدين شانغوي؛ أن هناك بعض نقاط الضعف عند الحزب الحاكم في السنوات الخمس الماضية، تكمن في الإدارة السيئة لقضايا حقوق الإنسان وحرية التعبير وحرية الإعلام، وهذا ما تحاول المعارضة استغلاله، ويمكن أن يضيف إلى قوتها، كما أن استطلاعات الرأي أظهرت انخفاض شعبية الحزب الحاكم بشكل ملحوظ.
فقد اتهمت جماعات حقوقية وأحزاب معارضة ماجوفولي بزيادة القمع والحدّ من حقوق الإنسان والصحافة، في حين نفت الحكومة سعيها لقمع المعارضة.
وفي هذا الصدد قال خميس مكناشي: “إن الحرية بلا حدود ستؤدي إلى الفوضى، ويجب أن يكون هناك بعض الضوابط والتوازنات؛ لأن هذا البلد لنا جميعًا، والبلدان الأخرى بها أسوأ بكثير مما هو موجود في تنزانيا”، وأضاف أن الصحافة تشكو؛ لأنها اعتادت الخروج عن الحدود، بينما كان عليها الالتزام بأخلاقيات المهنة، كما أن الحقّ في المعارضة لا يبيح إهانة الآخرين باسم الصحافة؛ على حد قوله.
كورونا.. ورقة لصالح الحزب الحاكم أم المعارضة؟
اتهم سياسيون ونُقّادٌ السلطةَ بالتستر على المدى الحقيقي لوباء فيروس كورونا في تنزانيا خلال الفترة الماضية؛ حيث إن تنزانيا لم تقم بتحديث عدد حالات الإصابة بالفيروس منذ أواخر أبريل الماضي، وأعلن ماجوفولي هزيمة كورونا، وأكد أن تنزانيا ليس بها مرضى كوفيد-19، ورفض الإبلاغ عن أيّ حالات إصابة، قائلاً: إن تنزانيا ليست في خِضَمّ الوباء مثل بقية العالم، وأوصى بالصلاة وممارسة الرياضة وتناول الأدوية العشبية؛ باعتبارها أفضل الطرق لمكافحة الوباء، وأوصى التنزانيين بغسل أيديهم بانتظام، وحثّ السياح الدوليين على زيارة تنزانيا، وقال في كلمة له: “نحن لا نرتدي جميعًا أقنعة الوجه هنا في تنزانيا، ليس لأننا لا نخشى الموت، بل لأنه لا يوجد كورونا”.
ووفقًا لوسائل الإعلام التنزانية، كانت الإجراءات الوحيدة لمكافحة الوباء في العاصمة هي فحص درجة الحرارة ومعقّمات اليدين، وفي كلمة حاشدة للرئيس ماجوفولي يوم 29 أغسطس قال: “نحن الآن بخير، أطفالنا يذهبون إلى المدرسة، ويعودون إلى المنزل بأمان، الألعاب الرياضية مستمرة، وكل الأنشطة الاجتماعية جارية”.
وانتقد ذلك المرشح المعارض “تندو ليسو” قائلًا: “إن الطريقة التي تم بها التعامل مع إجراءات كوفيد -19 هي إحراج وطني، وأن تنزانيا بها تعتيم كامل على كورونا، وتريد الحكومة أن يعتقد العالم أنه لا يوجد وباء. وهذه كارثة”.
في هذا الصدد صرح خميس مكناشي لـ “قراءات إفريقية”، أن فيروس كورنا هو مشكلة حقيقية، لكن المهم هو فهمها ومعرفة طريقة محاربتها، وما يسمَّى بإخفاء الأخبار باعتباره إحدى استراتيجيات مكافحة كوفيد-19؛ لأن الأخبار عن موت الناس لن تساعد بأيّ شكل من الأشكال.
وأضاف مكناشي “إن جزءًا كبيرًا من المرض هو نفسيّ، والناس بحاجة إلى الأمل مثل أيّ حرب أخرى، وتختلف البلدان في الخلفيات والطبيعة وظروف المواد، لذلك نحن كدولة نستخدم استراتيجيات كوفيد-19 وفقًا لطبيعتنا، وبالطبع نتفهم أن استراتيجياتنا لا تناسب الآخرين”.
المعارضة التنزانية.. والمهمة الصعبة
تتَّجه أحزاب المعارضة إلى صناديق الاقتراع دون اتحاد أو تحالف يساعدها على كسب المزيد من الأصوات في الانتخابات القادمة، حتى أواخر أغسطس كان من المتوقع أن يُشكّل “ليسو” و”ميمبي” والمجلس الوطني لحقوق الإنسان تحالفًا، لكنَّ “ميمبي” أخبر وكالة أسوشيتيد برس في 25 أغسطس أنه “لم يكن هناك وقت كافٍ للأحزاب السياسية للاجتماع واتخاذ مثل هذه القرارات”.
وقال محيي الدين شانغوي لـ”قراءات إفريقية”: “إنّ التحدّي الرئيسي الذي يواجه المعارضة في تنزانيا هو الدستور؛ حيث تم وضع الدستور لصالح الحزب الحاكم، وفي السنوات الأخيرة شهدنا تشريعات جديدة عزّزت هذا الموقف، أو بالأحرى جعلت الحياة أكثر صعوبة بالنسبة للمعارضة، ولهذا السبب كان الحزب الحاكم يتمتع بنوع من الثبات والانتشار باستخدام موارد الدولة”.
إنَّ قائمة المرشحين الرئاسيين لعام 2020م تُعَدّ هي الأكبر في تاريخ البلاد، وقالت أحزاب المعارضة الرئيسية: إن الميدان المزدحم خدعة مقصودة من الحزب الحاكم لتقسيم أصواتهم في انتخابات أكتوبر، وتعزيز صورته المحطمة.
في حين يرى المرشح البرلماني خميس مكناشي؛ أن مرشحي المعارضة فرصتهم ضئيلة في الفوز بالانتخابات، قائلاً: “لقد كان في تاريخ هذا البلد قادة معارضة حقيقيون وأقوياء ولم يفوزوا بمنصب الرئاسة، ولا أرى شيئًا مميزًا في مرشحي المعارضة لهذه الانتخابات، سوف يكتسبون شعبية ويحصلون على بعض الأصوات خاصة في المناطق الحضرية، ولكنهم لن يفوزوا في الانتخابات”.
بينما قال محاضر العلوم السياسية، محيي الدين شانغوي: إنه في السنوات الخمس الماضية كانت القوانين صارمة للغاية، وقد تجلى هذا في المضايقات السياسية للمعارضة، التي تجعل الحياة صعبة بالنسبة لهم، كان هناك اتهامات مشبوهة لسياسيين معارضين، وتعرض بعضهم للضرب والملاحقة، وأضاف: “إن الانضمام للمعارضة في هذا البلد يكاد يكون جريمة”؛ على حد قوله.
تم اختيار النائب السابق “توندو ليسو” عن حزب “تشاديما” المعارض، كمرشح رئاسيّ ضد الرئيس الحالي جون ماجوفولي في الانتخابات القادمة، كان “ليسو” نائبًا في البرلمان عندما كان ضحية لمحاولة اغتيال في سبتمبر 2017م في العاصمة دودوما، وأطلق عليه 16 رصاصة، هرب بعدها من البلاد، وأجرى أكثر من 20 عملية جراحية أثناء تلقّيه العلاج في بلجيكا، وعاد إلى تنزانيا لأول مرة منذ إطلاق النار عليه؛ كمرشح رئاسي.
وقال محللون: إن ترشيحه هو تأكيد أنه مازال يتمتع بالسلطة داخل حزبه، فقد صنع “ليسو” اسمًا لنفسه في العام الذي سبق إطلاق النار عليه؛ حيث قُبِضَ عليه ثماني مرات، ووُجِّهَتْ إليه تهمة التحريض من بين تُهَم أخرى قبل مغادرته بلجيكا، وفي تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية قال “ليسو”: إنه سيقاتل من أجل الرئاسة. وقال: إن السنوات الخمس الماضية في عهد ماجوفولي كانت صعبة بالنسبة للمعارضة ولحزبه تشاديما؛ لما شهدته من الاعتداءات على الزعماء السياسيين، والاختطاف والاختفاء والتعذيب، والملاحقة غير القانونية لقادة المعارضة.
وبصدد تعزيز ظهور المعارضة على الساحة السياسية قال محيي الدين شانغوي: إذا أرادت المعارضة أن تُشكِّل تحديًا جادًّا ضد الحزب الحاكم، فعليها أن تلجأ إلى نوع من التعاون بين أطراف المعارضة الرئيسية، ثم تتوسع بعد ذلك لتشمل أحزابًا أخرى في المستقبل، وأيضًا عليها البقاء على اتصال مع الناس العاديين، والتحدث بلغة الناس؛ لأن ذلك سيعزّز وجودها على الساحة السياسية.
ولازالت الحملات الانتخابية جارية، وحتى 28 أكتوبر المقبل؛ هل تشهد تنزانيا تغيُّرًا جذريًّا في القيادة السياسية؟ أم يختار التنزانيون الحزب الذي عرفوه منذ أكثر من 50 عامًا؟