بسمة سعد
باحثة في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية- مؤسسة الأهرام
يسير الوضع في شمال مالي بوتيرة متسارعة ومتصاعدة نحو حالة من العنف الدموي وعدم الاستقرار، نتيجة معارك دائرة في منطقة تلاتايت بولاية غاوا الواقعة في شمال مالي بين الحركة الوطنية لتحرير الأزواد وولاية “داعش في الصحراء الكبرى” في شرق المنطقة، وأخرى في جنوبها بين “داعش” وجماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”؛ يهدف كل طرف فيها إلى السيطرة على منطقة تلاتايت الاستراتيجية، انتهت باستعادة حركة تحرير الأزواد السيطرة على تلاتايت، وطرد عناصر داعش، والشروع في تقديم الدعم والغذاء لسكان المنطقة بعد أن ظلوا بلا طعام لمدة يومين، كما أدت المعارك إلى مقتل أكثر من 30 مدنيًّا، و3 مقاتلين بينهم ضابط من حركة تحرير الأزواد، بخلاف ما تم ارتكابه من جرائم حرق وتدمير، وهو ما يدفع للتساؤل حول؛ دوافع هذا الصراع المندلع في شمال مالي بين الأطراف الثلاثة؟ وما يحمله توقيت اندلاعه من دلالات؟
انطلاقًا مما سبق، تهدف المقالة لقراءة ما اعتمدت عليه الأطراف الثلاثة المتصارعة من تكتيكات في المعارك المندلعة في شمال مالي، وما طبيعة الدوافع المحفّزة لاندلاع هذا الصراع في هذا التوقيت تحديدًا؟، وما الذي ترمي الأطراف المتصارعة لتحقيقه من خلال هذه المعارك؟
أولًا: تكتيكات القتال في الصراع الثلاثي بين داعش والقاعدة والأزواد في مالي
خلال هذا الصراع اعتمد كل طرف من الأطراف الثلاثة على تكتيكات قتالية محددة تُشير لنهج منفّذها، سواء كان ولاية داعش في الصحراء الكبرى، أو جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”، أو نهج الحركة الوطنية لتحرير الأزواد –المدعوم من الجيش المالي- في صدّ محاولات تمدُّد وانتشار الجماعات الإرهابية، كالتالي:
1- السيطرة على المناطق الاستراتيجية
يهدف كل طرف من الأطراف الثلاثة المتصارعة إلى السيطرة على المناطق الاستراتيجية التي تُكْسِبها مزيدًا من النفوذ، وتُمَكِّنها من إحكام قبضتها على مساحات شاسعة في البلاد، وبالتالي فرض نفسها كرقم مُهِمّ في المعادلة السياسية الانتقالية، أو على الأقل التحكُّم في المسار السياسي والأمني، بما يُساهم في تحقيق الغاية المنشودة لكل طرف. وبالنظر إلى المعارك الدائرة في منطقة تلاتايت بولاية غاوا المكوّنة من مجموعة من القرى البالغ عدد سُكانها عدة آلاف نسمة، والواقعة في المنطقة الهامشية الخارجة عن سيطرة الدولة([1])؛ نجد أن تلك المنطقة تحظى بأهمية استراتيجية بالغة دفعت الأطراف الثلاثة المتصارعة للسعي من أجل السيطرة عليها لعدة أسباب؛ تتمثل أولها في كونها نقطة التقاء لمناطق نفوذ الجماعات الإرهابية ومقاتلي الأزواد([2])، ونجاح أيّ طرف من الأطراف الثلاثة في السيطرة على المنطقة سيُعزّز من نطاق انتشاره ونفوذه.
شكل (1): خريطة مالي
أما بالنسبة لثاني الأسباب فتتمثل في كون المنطقة نقطة التقاء الطرق الرئيسية التي تربط مناطق البلاد ببعضها، والمؤدية إلى ولايتي ميناكا وغاوا. ثالثها؛ تتميز المنطقة بأهمية خاصة لتنظيمي القاعدة وداعش؛ لكونها على مقربة من الطرق المؤدية لحدود النيجر وبوركينا فاسو، مما يجعل منها نقطة عبور مهمة، وشريان حياة للجماعات الإرهابية لنقل المقاتلين والأسلحة والأموال وتعزيز كافة مصادر تمويل الجماعات الإرهابية([3]). أما بالنسبة لرابع تلك الأسباب، فهي أن المنطقة تمثل رمزًا ذا أهمية خاصة لحركة الأزواد؛ حيث إنها تُعدّ إحدى قلاع المقاومة الأزوادية([4]).
بناء على ما سبق، تأتي المعارك المندلعة في منطقة تلاتايت جزءًا من سلسلة من الهجمات الإرهابية التي استهدفت عدة مناطق استراتيجية سواء في ولاية غاوا أو خارجها خلال الأشهر القليلة الماضية، تزامنت مع عدد من الهجمات الإرهابية في كلٍّ من النيجر وبوركينافاسو، من أجل تشتيت القوات المالية، وإضعاف قدراتها على صدّ ومُواجهة الهجمات الإرهابية، إلى جانب ترهيب المواطنين ودَفْعهم طوعًا أو كرهًا إما على الانضمام إلى صفوفهم أو هجرة هذه المناطق، مما يفسِّر انتشار الاتفاقات المحلية بين السكان والجماعات المسلحة في ظلّ غياب الدعم الحكومي خلال الأشهر القليلة الماضية، بهدف الحدّ من عنف الجماعات([5]).
ففي منطقة ميناكا الواقعة شمال مالي على الحدود مع النيجر، ارتفع عدد الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها المنطقة منذ إعلان فرنسا إنهاء عملياتها في مالي؛ كالهجوم الإرهابي الذي وقع في 14 أغسطس 2022م مِن قِبَل تنظيم داعش، وأدَّى إلى مقتل سبعة مدنيين والاستيلاء على مواشيهم، في محاولة من عناصر التنظيم لإقامة “إمارة ميناكا”([6])، وكذلك المذبحة التي ارتكبها عناصر داعش في مارس 2022م، وراح ضحيتها نحو 141 مدنيًّا، ونهب أكثر من 5 آلاف جمل، وقرابة 4 آلاف بقرة ونحو 20 ألفًا من الأغنام، وعدد من السيارات، تزامنت تقريبًا مع هجوم إرهابي على قرية تيليا من قبل عناصر داعش في مقاطعة تاهوا في النيجر القريبة من الحدود مع مالي([7]).
بل تصاعد التهديد الإرهابي إلى حدّ غير مسبوق كشف عن تطوُّر قدرات الجماعات الإرهابية، بعدما تعرضت قاعدة “كاتي” العسكرية -التي تُمثِّل قلب المؤسسة العسكرية المالية ومقر الحاكم العسكري الانتقالي آسيمي جويتا، والتي تبعد عن باماكو بنحو 15 كيلو مترًا، وتُعدّ معقلًا لتنفيذ الانقلابين العسكريين الاثنين اللذين حدثا في مالي عامي 2012م و2020م-، لهجوم إرهابي هو الأول من نوعه لهدف عسكري بهذا القدر من الأهمية والرمزية العسكرية في 22 يوليو2022م، نفَّذه تنظيم القاعدة، عقب ساعات قليلة من تنفيذ التنظيم لـ6 هجمات إرهابية منسَّقة في وقتٍ واحدٍ في وسط البلاد وجنوبها عند الساعة الخامسة صباحًا، شملت مناطق لم تشهد هجمات إرهابية من قبل وهي (سيكاسو وكوليكورو وكايس)([8]). في حقيقة الأمر تأتي هذه الهجمات ترجمةً للقرار الذي اتخذه زعيم تنظيم القاعدة الراحل “أيمن الظواهري” في عام 2011م بالتخلي عن استراتيجية الضربات المذهلة ضد الغرب التي كان يفضّلها سلفه “أسامة بن لادن”، واستبدالها بحثّ قادة القاعدة الإقليميين على تحقيق مكاسب محلية([9]).
كما أن تلك الهجمات كشفت عن حرص التنظيم على بعث رسالة مفاداها أن القيادة العسكرية المالية ليست بمنأى عن هجمات التنظيم الذي بات قادرًا على تنفيذ هجمات في كافة ربوع مالي، بل وفي القلب من العاصمة باماكو، إلى جانب ما تهدف إليه تلك الهجمات المتزامنة من تشتيت القوات المالية، وصرفها عن انصباب عملياتها العسكرية على شمال مالي، وهو ما ينعكس بشكل كبير فيما أعلن عنه المدعو “أبو يحيى” عضو ما يسمى “مجلس شورى” “نصرة الإسلام والمسلمين في 29 يوليو عن استراتيجية “تطويق باماكو”([10]).
بالإضافة إلى تنفيذ داعش عدة هجمات إرهابية فرضت مزيدًا من الضغوط على القوات المالية كالهجوم الذي نفَّذه عناصر التنظيم على قاعدة تيسيت العسكرية في 7 أغسطس 2022م، أسفر عن مقتل 42 جنديًّا و10 مدنيين، والاستيلاء على مجموعة كبيرة من المعدات العسكرية، لتسجّل هجمات داعش في مالي خلال عام 2022م مقتل أكثر من ألف شخص، وفقًا لمركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية في واشنطن، بينما شنَّ تنظيم القاعدة حتى أغسطس 2022م نحو 50 هجومًا على بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام (مينوسما)، أسفرت عن مقتل 20 شخصًا من قواتها([11]).
2- مواطنو مالي ما بين الاستقطاب الناعم وإثارة الرعب
على الرغم من وحدة هدف كلٍّ من الجماعات الإرهابية والحركة الوطنية لتحرير الأزواد في المعارك المندلعة في شمال مالي، والمتمثل في فرض النفوذ وإحكام السيطرة على المناطق محل النزاع، إلا أن الوسائل التي تعتمد عليها الجماعات الإرهابية في تحقيق هدفها تختلف عما تعتمد عليه حركة الأزواد وآليات التي تتخذها لصد ومواجهة الجماعات الإرهابية، وتقديم الدعم للسكان؛ حيث ينصبّ اهتمام جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” على تنفيذ هجمات إرهابية تستهدف القوات المالية وقوات مجموعة فاغنر الروسية وقوات مينوسما، بينما تستهدف عناصر داعش المواطنين من خلال عمليات الحرق والتجويع والتدمير؛ من أجل بثّ الرعب في نفوس السكان، وإجبارهم على الانضمام إليهم أو الهجرة من هذه المناطق؛ تنفيذًا لـ”استراتيجية الرعب” التي طبّقها تنظيم داعش في سوريا والعراق، وهو ما يُساهم في تعزيز ورسم صورة إيجابية حول جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” باعتبارها الجناح المعتدل والملاذ الأمثل لسكان هذه المناطق في ظل تراجع دور الحكومة وغياب سلطة الدولة، وحرص تنظيم القاعدة على خلق كيان مُوَازٍ للدولة قادر على استقطاب سكان مالي، وبالتالي خلق حاضنة شعبية للجماعة، مستغلَّة في ذلك المظلومية المتعددة الأبعاد التي يقع الشعب المالي في براثنها.
ثانيًا: دوافع اندلاع الصراع الثلاثي الأطراف في شمال مالي
تقف حزمة من الدوافع وراء اندلاع الصراع الثلاثي الأطراف بين الأفرع الإقليمية لتنظيمي داعش والقاعدة ومقاتلي الأزواد، ومن أهم هذه الأسباب والدوافع ما يلي:
1- تعزيز النفوذ الإقليمي للأطراف المتصارعة
بناء على ما تمثله منطقة تلاتايت بولاية غاوا الواقعة في شمال مالي من أهمية استراتيجية سبق الإشارة إليها، وفي ضوء ما تُعانيه المناطق الحدودية المالية مع كل من النيجر وبوركينا فاسو (المثلث الحدودي) من تنامي النشاط الإرهابي؛ سواء المتمثل في ولاية داعش في الصحراء الكبرى أو جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”؛ إلا أن السيطرة على هذه المنطقة مِن قِبَل الجماعات الإرهابية سيُعزّز بالتأكيد من قدرة ونفوذ الجماعة الإقليمي، والذي سيتمّ ترجمته في ارتفاع عمليات التحويل المالي والدعم المادي للجماعة، وكذلك عمليات نقل وتهريب عناصرها الإرهابية، بل وكذلك ارتفاع معدل التجنيد سواء من الشباب أو الأطفال أو النساء في ظلّ تحكُّم هذه الجماعة في طرق وممرات التهريب العابرة للحدود، والتي تفتقد لأدنى آليات الضبط والرقابة الأمنية.
شكل (2): خريطة توضح منطقة المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو(ليبتاكو- غورما)
بالإضافة إلى ذلك، فإن تَمكُّن الجماعات الإرهابية من السيطرة على منطقة تلاتايت يُعزّز من طموحها الإقليمي ليس فقط المتعلق بالحيز الجغرافي الممتد عبر حدود مالي مع النيجر وبوركينا فاسو، وإنما يتعلق بالطموح الإقليمي المتمثل في التمدد إلى العمق الجنوبي؛ حيث بوركينا فاسو وبنين وتوجو ومنطقة غرب إفريقيا التي تشهد تنامي النشاط الإرهابي خلال الآونة الأخيرة، وهو ما يفتح لها بيئة وساحات خصبة للتجنيد والتمويل.
على الجانب الآخر، فإن تمكن الحركة الوطنية لتحرير الأزواد من السيطرة على منطقة تلاتايت يعني قطعها الطريق أمام الجماعات الإرهابية ووقوفها كحجر عثرة أمام طموحها الإقليميّ شرقًا وجنوبًا، وهو ما يُعزّز من موقفها التفاوضي مع الحكومة المالية في الاعتراف بحقوقها ومطالبها الانفصالية في ظل مرحلة تُعدّ من أضعف وأحلك المراحل التي تمرّ بها مالي منذ العام 2012م، كما أن سيطرة حركة الأزواد على المنطقة سيُعزّز من مكانتها بين أنصارها، ويمنحها دافعًا معنويًّا قويًّا يتمثل في قدرتها على إحكام سيطرتها على كافة ربوع إقليم الأزواد.
2- الفراغ الأمني في مالي عقب انسحاب القوات الفرنسية والأوروبية
من المشاهد أن توتر العلاقات المالية الفرنسية وما تبعها من توتر في العلاقات المالية الأوروبية، والتي انتهت بخروج القوات الفرنسية من كافة مواقعها في مالي، وكذلك القوات الأوروبية المشاركة في إطار قوة تاكوبا، وإعادة تمركز قواتها في النيجر، تسبَّب في حالة من الفراغ الأمني، تعاظم مع انسحاب مالي من مجموعة الساحل الخمس لمكافحة الإرهاب، وهو ما يُمكن الاستدلال عليه بتقرير صادر عن مجلة الإيكونوميست في أغسطس 2022م، أوضح أنه خلال الستة أشهر الأولى من العام 2022م، قُتل ما يقرب من 2700 شخص في الصراع المندلع في مالي، أي ما يقرب من 40% أكثر من عدد القتلى عام 2021م بأكمله([12])، مما يُشير إلى تعدُّد المعارك وتصاعد حدة الصراع الدائر في البلاد الذي كانت المعارك المندلعة في منطقة تلاتايت بولاية غاوا في مالي أحد دوائره ومظاهره الدالة على تدهور الوضع الأمني في البلاد لمستويات متدنية.
ولقد حرصت القيادة العسكرية المالية على شغل هذا الفراغ الأمني عبر الاستعانة بمجموعة فاغنر العسكرية الروسية، التي لا تزال في مرحلة اختبار لمدى قدرتها على سَدّ الفراغ الأمني الذي خلَّفته القوات الفرنسية في ساحة مالي التي كانت باريس على علم بكافة تفاصيلها وثغراتها منذ وجودها على أرضي باماكو في العام 2013م.
جدير بالذكر أن مجموعة فاغنر الروسية في حاجة إلى مزيد من الوقت لترتيب وتنظيم قواتها في مالي، والوقوف على تكتيكات الجماعات الإرهابية المنخرطة في باماكو بالقتال وطبيعة خططها المستقبلية، هذا بالإضافة إلى أن انخراط مجموعة فاغنر في ساحة مالي جعلها محلّ استهداف مِن قِبَل الجماعات الإرهابية، وهو ما أعربت عنه جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” بالحديث عن أن استهداف قاعدة كاتي العسكرية جاء ردًّا على التعاون الحكومي مع مجموعة فاغنر، وأن الجماعة بالفعل تمكَّنت في أغسطس 2022م من قتل أربعة روس في إحدى المعارك([13])، ناهيك عما تواجهه مجموعة فاغنر الروسية من ضغط إثر مشاركتها في الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما قد يلقي بظلاله على مشاركة عناصرها في ساحة مالي.
ومن ثم، فإن هذه المرحلة التي تمر بها مالي من ضغوطات سياسية وأمنية تُعدّ فرصة ذهبية للأطراف المتصارعة لانتزاع مكاسب ميدانية تُعزّز من مكانتها وثقلها في الساحة من جانب، وفي ترتيبات الحياة السياسية المالية من جانب آخر، وهو ما يضع القيادة العسكرية المالية تحت ضغوطات جمَّة.
3- جمود اتفاق السلام والمصالحة وفتوى قتل الأزواد
على الرغم من أن توقيع اتفاق السلام والمصالحة، والمعروف بـ”اتفاق الجزائر” في العام 2015م بين الحكومة المالية حينئذ والحركات الست الأزوادية وهي (الحركة الوطنية لتحرير أزواد، المجلس الأعلى لوحدة أزواد، حركة أزواد العربية وحركة أزواد العربية المنشقة، تنسيقية شعب أزواد، وتنسيقية الحركات والجبهات الوطنية للمقاومة) في الجزائر، يُعدّ خطوة مهمة للغاية في سبيل تحقيق الاستقرار السياسي والتكاتف الأمني لتوحيد الصف المالي في مواجهة الجماعات الإرهابية؛ إلا أن الأخيرة يبدو أنها تعمل على تعميق الفجوة وإضعاف الثقة بين الحكومة المالية والحركات الأزوادية عبر استغلال حالة الضعف والتشتيت الأمني التي تعاني منها الحكومة المالية وتأخر تنفيذ بنود الاتفاق، لا سيما فيما يتعلق بإعادة تشكيل القوات المسلحة المالية ودمج مقاتلي الأزواد فيها، وتأثير ذلك على جهود مكافحة الإرهاب، والعمل على التشكيك في جدية الحكومة المالية في تنفيذ الاتفاق، إلى جانب استغلال ضعف القدرات الأمنية والعسكرية المالية ومحدودية دورها في دعم مقاتلي الأزواد في مواجهتهم للجماعات الإرهابية، وهو ما يُفسِّر السبب وراء انعقاد الاجتماع السادس رفيع المستوى للجنة متابعة تنفيد اتفاق السلام والمصالحة بمالي المنبثق عن مسار الجزائر في 2 سبتمبر 2022م، بحضور ممثلي حكومة مالي والحركات الموقِّعة على الاتفاق؛ من أجل متابعة الخطوات العملية لتنفيذ الاتفاق، وتذليل العقبات التي لا تزال تعيق التجسيد العملي للاتفاق([14])، وبالتالي قطع الطريق أمام أي محاولات للوقيعة بين الحكومة المالية والحركات الأزوادية.
في ذات السياق وعلى خلفية النزاع القبلي الدائر بين قبائل الفولاني الرعاة والأزواد على أراضي شمال مالي، توافقت المصالح القبلية لدى الفولاني مع رغبة تنظيم داعش في التخلُّص من الأزواد، حتى تتمكن الأولى من رعي مواشيها، بينما تُتَاح الفرصة للثانية (عناصر داعش) للتخلص من مُنافِسها في المنطقة بما يُضعف من الجبهة المحاربة لها في شمال مالي؛ فاشتكى الفولاني إلى قادة داعش بأن “الطوارق ومن معهم” يرفضون الانضمام للتنظيم، مما دفَع مفتي “داعش” يوسف بن شعيب لإصدار فتوى بتكفير أهل المنطقة ووجوب قتلهم، وهو ما ساهم في تصعيد الصراع في منطقة شمال مالي([15])، وأدى لفرض مزيد من الضغوط على مقاتلي الأزواد في ساحة المعركة، وكذلك بثّ الشك في نفوس قادتهم حول مدى جدية الحكومة المالية في الالتزام باتفاق السلام والمصالحة.
في الختام، تمر مالي بمرحلة من أعقد وأحلك المراحل التي تشهدها البلاد منذ العام 2012م، تُعدّ بمثابة اختبار فعلي لكفاءة وفعالية القيادة العسكرية المالية على إدارة المرحلة الانتقالية، في ضوء ما تشهده شمال مالي من صراع دمويّ بين الأطراف الثلاثة (داعش والقاعدة ومقاتلي الأزواد)، واختبار كذلك لقدرة الحكومة المالية على اكتساب ثقة المجتمع وقياداته السياسية، لا سيما قبائل الأزواد التي تشارك إلى جانب الحكومة في محاربة الجماعات الإرهابية، وما لهذا الوضع من دلالات كاشفة لخطورة المستقبل المالي على المدى القريب والمتوسط في حال إخفاق الحكومة المالية وشركائها في إحكام سيطرتهم على الوضع في البلاد واستعادة قدر من الاستقرار السياسي والأمني.
[1] – STAFF WRITER WITH AFP, Islamic State Jihadists Seize Talataye in Northern Mali, The defense post,7SEPTEMBER 2022. https://www.thedefensepost.com/2022/09/07/islamic-state-mali-talataye/
[2] – مالي: تنظيم «داعش» يسيطر على مدينة تلاتيت الاستراتيجية، بوابة الوسط، 07 سبتمبر 2022م؛ على الرابط التالي:
[3] – صراع ثلاثي شمالي مالي.. ماذا يحدث بين داعش والقاعدة وأزواد؟، سكاي نيوز عربية، 10 سبتمبر 2022م، على الرابط التالي: https://cutt.us/iEFtc
[4] – المرجع السابق.
[5] —Centre for Strategies and Security for the Sahel Sahara (Nouakchott), West Africa: Sahel – Mali, a Thorn in the G5 Foot, All Africa, 8 SEPTEMBER 2022. https://allafrica.com/stories/202209080487.html
[6] – بهجمات ميناكا.. “داعش” يستعد لتأسيس إمارته في قلب إفريقيا، سكاي نيوز عربية، 14 أغسطس 2022م، على الرابط التالي: https://cutt.us/hU4by
[7] – المرجع السابق.
[8] – تنظيم «القاعدة» يعزز ضغوطه في مالي، جريدة الشرق الأوسط، 27 يوليو 2022م، على الرابط التالي: https://cutt.us/w5Pcm
[9] – Jason Burke, Al-Qaida chief’s killing comes as group gains ground in African conflict zones, the guardian, 5 Aug 2022. https://www.theguardian.com/world/2022/aug/05/al-qaida-chiefs-killing-comes-as-group-gains-ground-in-african-conflict-zones
[10] –Centre for Strategies and Security for the Sahel Sahara (Nouakchott), OP.CIT.
[11] – صراع ثلاثي شمالي مالي.. ماذا يحدث بين داعش والقاعدة وأزواد؟، مرجع سبق ذكره.
[12]– Ishaan Tharoor, Al-Qaeda and Islamic State are on the rise in Africa, Washington Post , 16 Auqust 2022. https://www.washingtonpost.com/world/2022/08/16/africa-mali-france-al-qaeda-isis-insurgents/
[13] – Jason Burke, OP.CIT.
[14] – اجتماع لجنة متابعة تنفيذ اتفاق السلم والمصالحة برعاية الجزائر في مالي، الشروق، 2 سبتمبر 2022م، على الرابط التالي:
https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=02092022&id=fcc72331-3337-47c5-b397-66361f8991a1
[15] – بعد فتوى “التكفير والقتل”.. “داعش” يركز هجماته في بلد إفريقي، سكاي نيوز عربية، 3 يونيو 2022م، على الرابط التالي: https://cutt.us/D4gX1