بسمة سعد
باحثة في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية- مؤسسة الأهرام
اتسمت الانتخابات الصومالية بالجاذبية الشديدة، مقارنةً بسابقتها؛ ليس فقط لمشاركة 3 رؤساء سابقين في الانتخابات، أو لأنها تأتي عقب فترة من التجاذبات السياسية انتقلت للشارع الصومالي وأدَّت إلى صراع دموي؛ ولكن لكونها هي الأولى من نوعها التي يُعاد انتخاب رئيس صومالي (حسن شيخ محمود) لفترة ثانية، على الرغم من أن إدارة محمود خلال فترة رئاسته الأولى اتسمت بانتشار الفساد؛ مما أكسبها سُمعةً سيئةً دوليًّا، كانت سببًا في هزيمته أمام محمد عبد الله فرماجو في العام 2017م، لكن يبدو أن الآمال تنعقد محليًّا ودوليًّا على قدرة الرئيس الصومالي “حسن محمود” على تصحيح المسار السياسي الصومالي، وإعادة ضبط وبناء العلاقات الصومالية الإقليمية والدولية عقب ما شابها من تعقيدات خلال فترة “فرماجو”، وهو ما انعكس في عدد من الزيارات الخارجية التي أجراها الرئيس الصومالي منذ تولّيه مهام منصبه في 15 مايو 2022م لدول منطقة القرن الإفريقي وعدد من شركاء الصومال الإقليميين، تدفع للتساؤل حول: هل سيُعيد الرئيس الصومالي تشكيل تحالفات منطقة القرن الإفريقي؟
انطلاقًا مما سبق؛ تهدف المقالة لمناقشة التحركات الصومالية التي اتخذها الرئيس “حسن شيخ محمود” في إطار عدد من الزيارات لدول منطقة القرن الإفريقي وعدد من القوى الإقليمية غير الإفريقية، وما تحمله من دلالات، إلى جانب تناول التحديات التي يواجهها الرئيس لضمان ترسيخ سياسة تصفير المشكلات مع دول المنطقة ومع شركاء الصومال.
أولًا: التحركات الصومالية ومحاولات إعادة تشكيل تحالفات منطقة القرن الإفريقي.. اتجاهات ودلالات:
أعلن الرئيس محمود خلال كلمته عقب تنصيبه رئيسًا للبلاد بأن بلاده ستنتهج سياسة خارجية حيادية وسلمية بعيدة عن النزاعات العالمية، وهو ما يعني وقوف الصومال على مسافة واحدة بين الأطراف المتنافسة، والنأي بمقديشيو عن أيّ تداعيات سلبية ناجمة عنها، والتي يبدو أنها منطلق رئيسي للزيارات الخارجية التي أجراها الرئيس الصومالي عقب تنصيبه رئيسًا للصومال، حملت عدة دلالات، هي كالتالي:
1- طبيعة العلاقات الصومالية الإثيوبية خلال عهد حسن شيخ محمود
اتسمت العلاقات الإثيوبية الصومالية خلال عهد “محمد عبدالله” (فرماجو)، بالمتانة؛ تزامنًا مع تولي آبي أحمد حكم إثيوبيا في العام 2018م، انعكست في توقيع البلدين، إلى جانب إريتريا، اتفاقية أمنية ثلاثية في العام 2018م سمحت بتدريب إريتريا قوات صومالية، ومشاركتها سرًّا في الحرب الإثيوبية على إقليم تيجراي إلى جانب القوات الإثيوبية، تبعها توقيع أديس أبابا اتفاقية استثمارية مشتركة لتطوير أربعة موانئ بحرية صومالية تخفّف من اعتماد أديس أبابا على جيبوتي كمنفذ رئيسي للاقتصاد الإثيوبي، وهو ما يفرض حالة من الغموض حول مسار العلاقات الإثيوبية الصومالية خلال حكم الرئيس الصومالي (حسن شيخ محمود)؛ فخلال ولايته الأولى، كان الرئيس محمود صديقًا للحكومة الإثيوبية التي كان يُسيطر عليها حينئذ نخبة تيجراي، أما الآن وعقب إزاحة آبي أحمد لنخبة تيجراي من المسار السياسي، وتهميشهم في كافة القطاعات ودخوله في حرب مع قواتها؛ فهناك مساران مقترحان أمام الرئيس محمود نحو العلاقات الإثيوبية الصومالية:
أول تلك المسارات هو؛ تحول النهج الصومالي في التعاطي مع الجار الإثيوبي من التعاون المشترك اللامحدود، إلى التعاون الحذر وفقًا لمتطلبات المصالح الصومالية؛ لخلق قدر من التوازن الإقليمي في المنطقة والخروج من عباءة التبعية الإثيوبية، وهو ما قد يناظره تعزيز التنسيق الصومالي مع مسؤولي تيجراي بعدما أكد مسؤولون عن وجود اتصال بين الرئيس محمود ومسؤولي تيجراي([1])، قد يؤدي إلى توتر العلاقات بين الجانبين([2])، وهو ما يُستدل عليه بترحيب زعيم إقليم تيغراي الإثيوبي “ديبرتسيون جبريمايكل” بفوز الرئيس محمود برئاسة الصومال، مُعربًا عن “استعداده للتعاون في الاستقرار الشامل للمنطقة، بناء على العلاقات الممتازة الموجودة مسبقًا”([3])؛ في محاولة من الأخير لجذب دعم الرئيس محمود كحليف إقليمي في صراع تيجراي مع حكومة آبي أحمد، ودق أول مسمار لتفكيك التحالف الثلاثي بين الصومال وإثيوبيا وإريتريا الذي لعب دورًا في الحرب الإثيوبية على إقليم تيجراي، هذا بالإضافة إلى ما تُشير إليه مصادر صومالية بتأجيل زيارة الرئيس محمود لإثيوبيا التي كانت جزءًا من زياراته للدول المجاورة للصومال دون إبداء أسباب، بينما قام الرئيس الصومالي بزيارة للقاهرة في 25 يوليو، تحمل عدة دلالات حول حرص مقديشيو على كسب مصر كشريك تنموي، ومكانتها في بناء شبكة التحالفات التي يسعى الرئيس الصومالي لتشكيلها في منطقة القرن الإفريقي، وانعكاسات ذلك على توازنات القوى فيها.
أما بالنسبة للمسار الثاني، فيتمثل في احتمالية إعلاء الرئيس محمود في علاقاته مع إثيوبيا للمصالح المتبادلة بين الجانبين، والبناء على مكتسبات التعاون الثنائي خلال عهد فرماجو، وفقًا لمتطلبات المصالح الصومالية، خاصةً أن إثيوبيا ليست مجرد جار إقليمي يُمكن تحييده؛ فبخلاف أنها دولة ذات ثقل إقليمي في منطقة القرن الإفريقي لا يُستهان بها، فهي شريك أساسي في استعادة الأمن في الصومال باعتبارها جزءًا من قوات البعثة الانتقالية الإفريقية في الصومال (أتميس)([4])، وهو ما يفرض على الرئيس محمود انتهاج سياسة مرنة ومتزنة قادرة على تحقيق المصالح الصومالية، دون خسارة الشريك والحليف الإثيوبي نتيجة غياب التوافق حول عدد من الملفات المشتركة، لا سيما بعدما أبدى آبي أحمد تطلعه إلى العمل عن كثب مع القيادة الصومالية الجديدة “بشأن المصالح الثنائية والإقليمية المشتركة”([5]).
2- سياسة تصفير المشكلات وإعادة إحياء نموذج السلام والتنمية الإثيوبي في منطقة القرن الإفريقي
يبدو أن الرئيس الصومالي محمود يعمل على تصدير ملفي التنمية ومواجهة التحديات الأمنية، وتعظيم الاستفادة من الفرص وإمكانات منطقة القرن الإفريقي؛ باعتبارها بوابة رئيسية لتعزيز التعاون والتنسيق المشترك مع دول المنطقة في ظلّ ما تواجهه من تحديات اقتصادية وأمنية تفاقمت عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، إلى جانب العمل على تجاوز أيّ خلافات تعكّر من صفو العلاقات الصومالية مع دول الجوار، مما يعني انتهاج الرئيس محمود سياسة تصفير المشكلات التي اتسمت بها ولايته الأولى خلال الفترة (2012- 2017م)، وتمكنت من تحقيق قدر كبير من الاستقرار السياسي النسبي داخليًّا وخارجيًّا، كانت ذات مردود إيجابي على ملف مكافحة الإرهاب([6])، مما يُعيد إلى الأذهان تجربة السلام والتنمية الإثيوبي في منطقة القرن الإفريقي الذي انتهجه رئيس الوزراء آبي أحمد عقب توليه مقاليد الحكم في العام 2018م، وهو ما يُستدل عليه بما حقّقه الرئيس الصومالي من مكاسب خلال زياراته الإقليمية.
فعقب زيارة استمرت 4 أيام إلى إريتريا اختتمت في 12 يوليو 2022م، وقَّع الرئيس الصومالي اتفاقية شاملة مع الرئيس الإريتري “أسياس أفورقي” تتكون من سبع نقاط؛ أبرزها: تعزيز التعاون السياسي والدبلوماسي لخدمة المصالح المشتركة بين مقديشو وأسمرة، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي بين البلدين، مع التركيز بشكل خاص على مجالات التجارة والاستثمار والأمن المائي والزراعة والثروة السمكية والصحة والتعليم، إلى جانب العمل معًا لتحسين العلاقات والتعاون والانفتاح الاقتصادي في القرن الإفريقي، وتعزيز التعاون الدفاعي والأمني للحفاظ على السلام والاستقرار([7]). ولقد كان الأبرز خلال تلك الزيارة، هو قيام الرئيس الصومالي بزيارة وحدات من قوات صومالية برية وبحرية قوامها نحو ٥١٦٧ جنديًّا، تم إرسالهم سرًّا إلى إريتريا خلال عهد فرماجو على مدار ثلاث سنوات لتلقّي تدريبات، أحرجت الجانب الإريتري الذي طالما أنكر وجود تلك القوات، كما أثارت تساؤل حول قدرة الرئيس محمود على الوفاء بوعده بإعادة الجنود للصومال، لا سيما بعدما تداول أنباء قبل وصول الرئيس محمود إلى أسمرة بأن الرئيس الإريتري يرغب في الحصول على ٥٠ مليون دولار لإعادة جنود الصومال، خاصة أنه لا يوجد أيّ بند في الاتفاقية الثنائية الموقَّعة بين الجانبين يُلزم أسمرة بإعادة الجنود([8])، مما يُزيد من تعقيد المشكلة.
تبعها إجراء الرئيس الصومالي زيارة إلى كينيا في 15 يوليو، لفتح صفحة جديدة مع نيروبي بعدما توترت العلاقات بين البلدين خلال عهد فرماجو وصلت لحد قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في العام 2020م، تم خلالها التوصل لاتفاق يضم 11 بندًا من أجل تنشيط حركة التجارة والتعاون الاقتصادي والأمني، شملت السماح للصومال بتصدير الأسماك إلى كينيا، وتعزيز التعاون في الشؤون الأمنية، لا سيما في مواجهة حركة الشباب، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وفتح الحدود، إلى جانب استئناف كينيا لرحلات الخطوط الجوية الكينية من وإلى مقديشيو، وإزالة العقبات أمام الحصول على التأشيرة الكينية خاصة للمسؤولين الحكوميين وحاملي الجوازات الدبلوماسية، مع منح حاملي جوازات السفر العادية تأشيرات في غضون 10 أيام، كما أنه من المقرر أن تجتمع لجنة تعمل على تنفيذ الاتفاقية في شهر أغسطس 2022م([9]).
ومن نيروبي إلى جيبوتي، أعلن الرئيس الصومالي خلال لقائه بالرئيس الجيبوتي في 16 يوليو، أن البلدين سيتعاونان في مجالات تعزيز الأمن والتكامل الاقتصادي والاستفادة من الفرص التي تقدمها المنطقة والقارة ككل بشكل مشترك؛ انطلاقًا مما تتمتع به منطقة القرن الإفريقي من أهمية استراتيجية([10])، تبعها زيارة إلى تنزانيا في 21 يوليو؛ للمشاركة في قمة منظمة مجتمع شرق إفريقيا التي قدم خلالها طلبًا رسميًّا بالانضمام إليها من أجل تمتع الصومال بما يقدّمه التكتل من فرص واعدة لاقتصاد الصومالي من سوق حرة وتصدير للبضائع دون فرض ضرائب، وخلق فرص عمل وجلب الاستثمار وتسهيل حركة السفر والتنقل([11]).
3- تحقيق التوازن في علاقات الصومال مع القوى الدولية والإقليمية غير الإفريقية
يتمتع الرئيس الصومالي محمود بدبلوماسية قوية ومهارة تفاوضية برزت بشكل كبير خلال ولايته الأولى، جعلت منه شخصية توافقية بين عدد من القوى الإقليمية غير الإفريقية والدولية، مقارنة بالرئيس الصومالي السابق محمد فرماجو”؛ ففي الوقت الذي يتمتع فيه الرئيس الصومالي محمود بعلاقات قوية مع تركيا، فهو يحظى في الوقت ذاته بصلات قوية مع القوى العربية الرئيسية في المنطقة، وعلى رأسها الإمارات، وهو ما سيفتح المجال لمقديشيو لتوسيع أشكال التعاون والشراكات الاقتصادية والتنموية، ويُعظم من دور تلك القوى لدعم الصومال في أزماتها المتعددة سواء ذات الصلة بموجة الجفاف الشديد وتداعياتها الإنسانية والاقتصادية، أو تحدياتها الأمنية بما يحقق قدرًا من التوازن بين القوى الإقليمية غير الإفريقية المنخرطة في الصومال، وهو ما انعكس بشكل كبير في زيارات الرئيس محمود الخارجية.
فلقد اختار الرئيس الصومالي الإمارات لتكون وجهته الأولى عقب تنصيبه رئيسًا للصومال للقيام بزيارة في 19 يونيو 2022م، في محاولة لطَيّ صفحة من التوتر والخلافات التي اتسمت بها العلاقات الصومالية الإماراتية خلال عهد فرماجو، تأتي ترجمة حقيقية لشعاراته خلال حملته الانتخابية كـ”صومال متصالح” و”لا أعداء في الخارج”، اتفق خلالها الرئيسان الصومالي والإماراتي على منح الإمارات العربية 20 مليون دولار لدعم الصوماليين المتضررين من موجة الجفاف، وتسهيل إجراءات الحصول على التأشيرة للمواطنين الصوماليين الراغين في زيارة الإمارات، واستئناف الخطوط الجوية الإماراتية من وإلى الصومال، إلى جانب إعادة افتتاح مستشفى الشيخ زايد آل نهيان في مقديشو الذي كان يقدم مساعدات طبية مجانية إلى الشعب الصومالي، وتشكيل لجان فنية تقوم بتنفيذ مخرجات الزيارة([12]).
تلاها زيارة أجراها الرئيس الصومالي إلى تركيا في 4 يوليو 2022م، أكد خلالها الرئيس التركي أن أنقرة ستواصل دعم جهود الصومال في مكافحة التنظيمات المسلحة التي تُهدّد أمنه واستقراره، وأن تركيا ساهمت في تدريب وتأهيل 5 آلاف جندي وألف شرطي صومالي، وهو ما يأتي في إطار سعي أنقرة لزيادة التعاون مع شركائها في القارة الإفريقية على أساس الربح المتبادل والشراكة المتساوية بين الطرفين([13]). كما أكد الرئيس أردوغان أن ما اتخذته تركيا من خطوات ساعدت على تطوير الصومال([14]).
يُضاف إلى ذلك، أن اختيار الرئيس حسن شيخ محمود لتولي رئاسة الصومال لولاية ثانية كانت دافعًا ومحددًا رئيسيًّا لإدارة “بايدن” لاستعادة واشنطن دورها ودعمها الاقتصادي والأمني للصومال، والذي بتراجعه تعثرت مقديشيو وعززت من تقاربها مع الصين، لا سيما في ظل ما تواجهه من أزمات حادة ومتعددة الأبعاد، ساهمت في مجملها في تعزيز تنامي نشاط حركة الشباب الذي يبلغ قوامها نحو 12000 فرد، وتصل إيراداتها إلى 10 ملايين دولار شهريًّا([15])، باعتبار ملف مكافحة الإرهاب أحد الملفات الحيوية الراسمة لسياسة واشنطن في الصومال ومنطقة القرن الإفريقي ككل، وهو ما يُستدل عليه باتخاذ الرئيس “بايدن” قرارًا في 16 مايو 2022م وعقب ساعات من إعلان فوز حسن شيخ محمود برئاسة الصومال، بنشر قوات أمريكية في الصومال لمكافحة الإرهاب، في خطوة معاكسة لقرار سلفه “دونالد ترامب” الذي اتخذ قرار بسحب نحو 700 من أفراد القوات الخاصة التي كانت تعمل في مقديشيو([16]). كما أوضح البيت الأبيض أنه من المتوقع نشر أقل من 500 جندي، معظمهم من مواقع في أماكن أخرى في شرق إفريقيا؛ بعدما توصلت واشنطن إلى أن “الوجود الصغير ولكن المستمر” كان ضروريًّا لتحقيق أقصى قدر من سلامة وفعالية القوات الأمريكية؛ مثلما جاء على لسان السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارين جان بيير”([17]).
بل إنه اتساقًا مع التحولات الإقليمية العربية ذات الصلة بالموقف تجاه إسرائيل، قد يرتهن الدعم الأمريكي بتوسيع نطاق “الاتفاقات الإبراهيمية” لتشمل الصومال في خضم ما تُعانيه من أزمات، لا سيما أن إسرائيل تمتلك من الخبرة ما يكفي في مكافحة الإرهاب، إلى جانب الدخول عبر بوابة تعزيز التعاون الاقتصادي والتنموي، قد يكون للإمارات دور في تحقيق هذا التقارب، خاصةً بعدما أوضح مسؤول رفيع المستوى كان يشغل منصبًا خلال فترة الولاية الأولى لحسن شيخ محمود، أن الرئيس الصومالي قد التقى برئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو، الذي كان يخطط على الأرجح لعقد اجتماع آخر رفيع المستوى قبل أن يخسر الانتخابات الإسرائيلية عام 2017م([18])، كما أوضح أحد الدبلوماسيين الصوماليين المقربين من الرئيس لمجلة “تايمز أوف إسرائيل” أن “المجموعة التي تعارض التطبيع مع إسرائيل أصبحت في الخارج”، وأنه قد حان الوقت لكي يعمل الرئيس بايدن مع إسرائيل والصومال والإمارات من أجل توسيع نطاق “الاتفاقيات الإبراهيمية”([19]).
ثانيًا: معوقات ترجمة الرئيس محمود لسياسة تصفير المشكلات الصومالية
لا يُمكن تحييد تأثير تحديات الداخل الصومالي كمحدد مهم ورئيسي لتحديد قدرة الرئيس محمود على استعادة الاستقرار السياسي الصومالي ولو نسبيًّا، وإنهاء الخلافات وخلق قدر من التوافق بين الولايات الإقليمية، وتحجيم نشاط حركة الشباب، وانعكاسات ذلك على الدعم الإقليمي والدولي للصومال وما تنسجه الصومال من علاقات خارجية قوية وشراكات تنموية واقتصادية، وبالتالي تلعب سياسات الرئيس محمود الداخلية دورًا في تحديد مسارات واتجاه العلاقات الصومالية الخارجية سواء مع دول القرن الإفريقي أو القوى الدولية والإقليمية غير الإفريقية المنخرطة في الصومال؛ فلا يغيب عن الأذهان أن أبرز نقاط ضعف الرئيس محمود خلال ولايته الأولى تتمثل فيما أكدته تقارير موثوقة منتظمة عن الفساد المزمن خلال فترة ولايته الأولى، وعجزه عن السيطرة على دائرته المقربة التي سعت لاستغلال نفوذه نظير ما يقدمونه من مشاورات سياسية([20]). على الرغم من كونه شخصية توافقية بالنسبة للقوى الدولية والإقليمية المنخرطة في الصومال.
والآن، تتجه الأنظار إلى الخطوات المرتقب اتخاذها من الرئيس الصومالي وحكومته الجاري تشكيلها لإعادة الاستقرار السياسي سواء ذات الصلة بخلق توافقات سياسية لاستكمال دستور البلاد، وإنهاء الخلافات بين الولايات الإقليمية التي تأتي امتدادًا لمحاولات فرماجو للبقاء في السلطة، وكذلك آليات تحقيق التوازن بين القوى الدولية والإقليمية المنخرطة في الصومال، وعدم السماح بتحول الساحة الصومالية لساحة تنافس بين تلك القوى وبعضها البعض، إلى جانب السياسات الاقتصادية والتنموية المقترحة لمعالجة ما تواجهه البلاد من تحديات كأزمة الجفاف التي تضرب البلاد وتداعياتها الإنسانية والاقتصادية، وكذلك تداعيات الحرب الروسية، وقبل ذلك أزمة كوفيد-19، وانتشار الجراد الصحراوي، بالإضافة إلى آفة انتشار الإرهاب والخطط الأمنية والعسكرية المرتقبة لبناء قوة أمنية صومالية قادرة على حماية الأمن القومي الصومالي عقب انسحاب البعثة الانتقالية الإفريقية في الصومال (أتميس) في عام 2024م، والتي جميعها يُمثل معيارًا لقدرة الرئيس الصومالي على حماية مصالح القوى الإقليمية والدولية في الصومال، وكذلك منطقة القرن الإفريقي المتأثرة سلبًا بما تواجهه الصومال من تحديات.
نهاية القول: يبدو أن الرئيس الصومالي محمود يعكف حاليًا على إعادة تشكيل تحالفات منطقة القرن الإفريقي بما يضمن له التنسيق والتعاون مع كافة دولها دون إقصاء متعمَّد أو غير مقصود، بما يُمكن الصومال من بناء وإعادة إحياء شراكات اقتصادية وتنموية وأمنية قوية قادرة على استعادة قدر من الاستقرار والنمو في الداخل الصومالي وعلى مستوى الإقليم، وهو ما لا يُمكن تحقيقه دون بناء حلقات التواصل والتعاون مع مختلف القوى الإقليمية والدولية المنخرطة في البلاد وفي منطقة القرن الإفريقي ودفعها لتقديم الدعم والمساندة اللامحدودين للصومال، إن لم يكن لاستعادة استقراره السياسي وحماية أمنه القومي؛ فمن أجل حماية مصالحهم في البلاد وفي المنطقة ككل.
[1] –Simon Marks, Hassan Sheikh and MbZ lay ground for future cooperation, Bloomberg News, 17 May 2022. https://www.bnnbloomberg.ca/power-play-shifts-in-horn-of-africa-as-somalia-elects-new-leader-1.1766949
[2] – Mohamed Sheikh Nor ,Somalia: President Hassan Sheikh Mohamud may use port deals to reset relations with Ethiopia, The Africa Report , 27 May 2022. https://www.theafricareport.com/208333/somalia-president-hassan-sheikh-mohamud-may-use-port-deals-to-reset-relations-with-ethiopia/
[3] – Simon Marks, OP.CIT.
[4] Mohamed Sheikh Nor, OP.CIT.
[5] – Simon Marks, OP.CIT.
[6] – خسارة فرماجو: فوز الرئيس الصومالي السابق حسن شيخ محمود بالانتخابات الصومالية، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة ، 22 مايو 2022م. https://cutt.us/KjVkS
[7] – جمعة بوكليب – معاوية فارح، اتفاقية من 7 بنود.. الرئيس الصومالي يختتم زيارته إلى إريتريا، العين الإخبارية، 12 يوليو 2022م.
[8] – ناصر ذو الفقار، هل ينفذ شيخ محمود وعده بإعادة الجنود الصوماليين من إريتريا؟، البوابة نيوز، 16 يوليو 2022م.
[9] – الرئيس الصومالي يصل إلى نيروبي ويوقع على اتفاقية مهمة مع نظيره الكيني، القرن اليومية، 15 يوليو 2022م.
https://cutt.us/jlZ39
[10]– President Hassan Sheikh and his Djiboutian counterpart held a joint press conference, Somali National News Agency,17 July 2022. https://sonna.so/en/2022/07/17/president-hassan-sheikh-and-his-djiboutian-counterpart-held-a-joint-press-conference/
[11] – معاوية فارح، في سادس محطاته الخارجية.. رئيس الصومال يصل تنزانيا، العين الإخبارية، 21 يوليو 2022م.
https://al-ain.com/article/somalia-president-sixth-station-foregn-tanzania
[12] – إعلان جديد لدولة الإمارات يسر كل الصوماليين، الصومال اليوم، 22 يوليو 2022م.
[13] – الرئيس التركي: سنواصل دعم جهود الاستقرار في الصومال، وكالة الأنباء القطرية، 6 يوليو 2022م.
[14] – يامن مغربي, أردوغان: الخطوات التي اتخذناها أدت إلى تطوير الصومال، وكالة أنباء تركيا ، 6 يوليو 2022م.
[15] – عيدو ليفي، عودة القائد السابق توفر فرصًا جديدة في الصومال، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، ٢٦ مايو ٢٠٢٢م.
[16] – خلافًا لقرار اتخذه سلفه ترامب بسحبها.. بايدن يأمر بنشر قوات أمريكية في الصومال، روسيا اليوم، 16 مايو 2022م.
[17] – Simon Marks, OP.CIT.
[18] – عيدو ليفي، مرجع سبق ذكره.
[19] – المرجع السابق.
[20] – Mohamed Haji Ingiriis, Somalia’s new president Hassan Sheikh: his strengths and weaknesses, The Conversation, 27 May 2022. https://theconversation.com/somalias-new-president-hassan-sheikh-his-strengths-and-weaknesses-183647