بسمة سعد
باحثة في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
عقب 15 عامًا قضتها بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال (AMISOM) في مقديشيو منذ العام 2007م حتى 2022م، بتفويض من الأمم المتحدة؛ لدعم جهود الحكومة الصومالية في مكافحة حركة شباب المجاهدين، بقوات تبلغ 19,626 عسكريًّا وشرطيًّا ومدنيًّا؛ صوَّت مجلس الأمن الدولي في 31 مارس 2022م بإجماع أعضائه على تشكيل قوة جديدة لحفظ السلام في الصومال أطلق عليها “أتميس”، تحل محل القوة الحالية “أميصوم”، بقوام حوالي 18000 جندي، و1000 شرطي و70 مدنيًّا، على أن تُخفَّض قواتها تدريجيًّا إلى الصفر بحلول 31 ديسمبر 2024م، تزامنًا مع تسليم مسؤوليتها الأمنية للقوات الصومالية.
تتلخّص مهامّها في مجابهة حركة الشباب والجماعات المرتبطة بتنظيم داعش، إلى جانب دعم بناء قدرات القوات الأمنية والعسكرية الصومالية، وهو ما يدفع للتساؤل الآتي: هل ستنجح قوات “أتميس” الانتقالية الإفريقية في إعادة الأمن والاستقرار إلى الصومال خلال عامين، أم أن التغيير لم يتجاوز مُسمَّى البعثة، وأن التحديات لا تزال قائمة، وأن (أتميس) هي تكرار لسيناريو (أميصوم)؟
انطلاقًا مما سبق، تهدف المقالة إلى مناقشة طبيعة المهام والأهداف المتعلقة بالبعثة الانتقالية الإفريقية (أتميس)، ثم تناول طبيعة التحديات التي تواجهها (أتميس)، والتي قد تُعيقها عن إتمام أهدافها الاستراتيجية، وتؤثر على دورها في إعادة الأمن والاستقرار في البلاد، وانتهاءً بطرح رؤية استشرافية لمستقبل (أتميس) في الصومال.
أولًا: بعثة أتميس الإفريقية الانتقالية.. المهام والأهداف
أكد القرار رقم 2628 (2022م) الصادر بإجماع الدول الأعضاء في مجلس الأمن موافقته على قرار مجلس السلم والأمن الإفريقي الصادر في مارس 2022م بإعادة تشكيل بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال لتصبح بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال، وأذن بفترة انتقالية 12 شهرًا للدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي في تنفيذ ولاية البعثة الممثلة في الحدّ من تهديد حركة الشباب، ودعم بناء قدرات وقوات الأمن والشرطة الصومالية، وإجراء تسليم تدريجي للمسؤوليات الأمنية للصومال، ناهيك عن دعم جهود السلام والمصالحة في البلاد بما يتماشى مع الخطة الانتقالية الصومالية وهيكل الأمن الوطني([1]).
يدعو المجلس السلطات الصومالية إلى وضع وتنفيذ خطة استراتيجية لتكوين قوات أمنية جديدة ودمج القوات القائمة وتدريبها وتجهيزها، في ظل أهداف وجداول زمنية محددة، مع مراعاة تجنيد قوات الأمن والشرطة على نحو شامل للجميع بما يعني تمثيل كافة فئات المجتمع، مُرحِّبًا في ذلك باعتزام الحكومة الصومالية توفير 3850 فرد شرطة بحلول ديسمبر 2022م، ونحو 8525 فرد شرطة بحلول سبتمبر 2023م، ونحو 10450 فردًا في يونيه 2024م([2]).
كما حدّد القرار الأهداف الاستراتيجية للبعثة الإفريقية الانتقالية، والممثلة في إجراء عمليات مخططة وموجَّهة بشكل مشترك مع قوات الأمن الصومالية لإضعاف حركة الشباب والجماعات المرتبطة بتنظيم الدولة، إلى جانب دعم بناء قوات الأمن الصومالية؛ من خلال تنظيم مراكز سُكانية ذات أولوية وتوفير الحماية للمجتمعات المحلية، وتأمين طرق الإمدادات الرئيسية المحددة من الحكومة الصومالية، إلى جانب مساعدة الحكومة الصومالية على تحقيق الاستقرار في المناطق المستردَّة بالتنسيق مع الفريق المعني بتعافي المجتمعات المحلية، بالإضافة إلى دعم قوات الأمن الصومالية في جميع مراحل الإخلاء والبناء والإبقاء، ناهيك عن دعم تنمية قدرات قوات الأمن الصومالية مع إعطاء الأولوية لتكوين القدرات والكفاءات التشغيلية وقدرات الدعم اللوجيستي([3]).
أما فيما يتعلق بالمهام المعنية بمفهوم العمليات الخاصة بالبعثة الانتقالية، فيتمثل أبرزها في القيام بعمليات هجومية مشتركة في وقت واحد بمشاركة جميع القطاعات، وبالتنسيق مع قوات الأمن الصومالية؛ لإضعاف حركة الشباب والجماعات المرتبطة بتنظيم الدولة، ودعم قوات الأمن لتأمين العملية السياسية، إلى جانب تشكيل بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية من حيث التكوين والهيكل وحالة الاستعداد والمعدات بما يدعم تسليم المسؤولية الأمنية للقوات الصومالية، بالإضافة إلى دعم القوات الصومالية في تطهير طرق الإمداد بما في ذلك المناطق التي تم استردادها من حركة الشباب، إلى جانب دعم التدريب المتخصص لقوات الشرطة، وإقامة شراكات بين الشرطة والمجتمع من أجل زيادة قدرة المجتمع على الصمود في وجه العنف والتطرف والإرهاب([4]).
أما بالنسبة للخطة الزمنية لخفض أعداد قوات “أتميس” فستتم على أربع مراحل رئيسية؛ حيث يأذن القرار للدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي بنشر 19626 فردًا نظاميًّا حتى 31 ديسمبر 2022م، مع تأييد قرار مجلس السلم والأمن الإفريقي بسحب 2000 فرد بحلول ذلك التاريخ، على أن يتم نشر 17626 فردًا نظاميًّا خلال الفترة (1 يناير 2023م – 31 مارس 2023م)، ثم تخفيض العدد ليصل إلى 14626 فردًا نظاميًّا بحلول نهاية المرحلة الثانية سبتمبر 2023م، ثم تخفيض القوات إلى 10626 فردًا نظاميًّا بحلول نهاية المرحلة الثالثة يونيو 2024م، ثم إلى صفر من الأفراد بحلول نهاية ديسمبر 2024م([5]).
كما طالب القرار الاتحاد الإفريقي بتوفير الهياكل اللازمة الداعمة لمهام وأهداف البعثة، من أجل الإشراف على دور البعثة الانتقالية وآليات المساءلة الخاصة بها ووحداتها، وقيادة ومراقبة البعثة وتنسيق العمليات بين وحداتها، وتنسيق اتخاذ القرارات العملياتية تحت إشراف قائد القوة وقادة القطاعات، بالإضافة إلى القيادة والمراقبة والمساءلة للوحدات الميسرة للبعثة، وإنشاء ونشر قوات متنقلة في قطاعات البعثة، مع الحفاظ على الحياد السياسي لتعليمات البعثة([6])، كما طالب بدعم صندوق الأمم المتحدة الائتماني في الصومال لما يصل إلى 13900 من قوات الأمن الصومالية، الذين تم دمجهم رسميًّا في قوات الأمن الصومالية، ويشاركون بنشاط في عمليات مشتركة أو منسَّقة مع البعثة الجديدة، كما حثَّ المجلس الدول الأعضاء على توفير التمويل اللازم للبعثة لهذا الصندوق الائتماني([7]).
ثانيًا: تحديات تفعيل دور بعثة (أتميس) في الصومال
تتعدد التحديات التي تواجهها البعثة، والتي تلعب دورًا كبيرًا في إعاقتها عن تحقيق أهدافها الاستراتيجية وتفعيل دورها، والتي يُمكن تصنيفها بشكل عام إلى نمطين أحدهما يتعلق بالتحديات الذاتية المتعلقة بتشكيل البعثة والموارد والإمكانات المتاحة لها، وأخرى متعلقة بالسياق السياسي والأمني والاقتصادي الصومالي، وما يحمله من تحديات، يُمكن توضيحها كالتالي:
1- التحديات الذاتية المتعلقة بتشكيل البعثة الإفريقية الانتقالية
هناك تحديان رئيسيان يواجهان البعثة الإفريقية الانتقالية، ويتسبّبا في إعاقتها عن تفعيل دورها، أولها؛ توفير الدعم اللوجستي والتمويل اللازمين لتوفير المعدات، وتكوين القوات وتأهيلهم وتدريبهم على النحو الأمثل، وهو ما أشار إليه الممثل الدائم لبعثة الصومال لدى الأمم المتحدة “أبوكار ضاهر عثمان” في كلمته تعقيبًا على قرار مجلس الأمن المعنيّ بتأكيده ضعف الدعم اللوجستي المقدَّم للقوات الصومالية، وأنه على الرغم من الجهود الأُممية الحثيثة لتقديم الدعم اللازم للصومال ممثلةً في مكتب الأمم المتحدة للدعم في الصومال؛ إلا أن الدعم اللوجستي الأممي يُقدَّم بوتيرة بطيئة، مقارنةً بالاحتياجات التشغيلية، هذا في ظل المخاوف من استنفاد صندوق الأمم المتحدة الائتماني في الصومال([8]).
يتكون هذا التحدّي في مضمونه من شقين رئيسيين؛ أولهما يتعلق بأزمة توفير الموارد المالية المستدامة، أو على الأقل غياب ما يُمكن وصفه بـ”المرونة المالية لتوفير الاحتياجات التشغيلية للبعثة”، وهو ما يضع “أتميس” أمام احتمالية إعادة تكرار نفس الوضع المالي لبعثة (أميصوم) التي تلقَّت بدلات سداد أقل بكثير من نظيرتها في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة([9]). وبالتالي فهناك احتمال أن تسجّل (أتميس) قدرًا كبيرًا من الإخفاق في تحقيق أهدافها الاستراتيجية ودعم قدرات القوات الصومالية وتأهيلها لتحمُّل مسؤولية أمنها القومي، بل إن (أتميس) أمام احتمالية تكرار سيناريو تهديد البلدان المساهمة بقوات في البعثة بسحب قواتها نظير تأخر مدفوعاتها، لا سيما من الجانب الأوغندي مثلما حدث في (أميصوم)([10]).
أما بالنسبة للشق الثاني فيتعلق بارتهان الوضع المالي للبعثة على مساهمة الاتحاد الأوروبي؛ حيث قدّمت الأمم المتحدة الدعم اللوجستي لـ(ميصوم) بتمويل من الاتحاد الأوروبي الذي يُمثل نحو 90٪ من الميزانية التشغيلية لـ(أميصوم)، ثم قام بخفض مخصَّصات القوات بنسبة 20٪ في العام 2016م، لمطالبتها بتقييم عمل البعثة لضمان فعاليتها. وليس محددًا حتى الآن بشكل واضح طبيعة وحجم المساهمة المالية للاتحاد الأوروبي في (أتميس) التي تُعدّ هي الأكبر في (أتميس)، لكن يبدو أن الدعم الأوروبي مشروط بهيكل البعثة الانتقالية ومهامها، وما أُدخل عليها من تطوُّرات لضمان فعاليتها، مثلما أشارت “تينا إنتلمان” رئيسة وفد الاتحاد الأوروبي إلى الصومال في حديثها: “الاتحاد الأوروبي مستعدّ للمساهمة وضمان إمكانية التنبؤ بالتمويل، طالما أن خطة التكوين واقعية وعملية ومركزة”[11]. ومِن ثَمَّ، فإنه في كافة الأحوال لا يزال دور البعثة الانتقالية مقتصرًا على المساهمة المالية للاتحاد الأوروبي كشريك ومموّل رئيسي لها. بينما في المقابل، تتزايد القدرة المالية والقتالية لحركة الشباب؛ حيث إن الجماعة جمعت حوالي 180 مليون دولار من العائدات، وأنفقت 24 مليون دولار على الأسلحة في العام 2021م([12]).
أما بالنسبة لثاني التحديات الذاتية، فتتعلق بالتوترات القائمة بين قوات الحكومة الصومالية وقوات البلدان المساهمة في البعثة؛ حيث إنَّ تاريخ العلاقة بين الجانبين تحت مظلة (أميصوم) اتَّسم بقدر كبير من التوتر الذي كان سببًا في نقص أعداد القوات المساهمة في بعثة (أميصوم)([13])، عززها ما وُجِّه لقوات أميصوم من اتهامات بالقتل والاغتصاب([14])، تمكنت حركة الشباب من استغلالها لتعزيز نشاطها، إلى جانب تشويه الصورة الذهنية لقوات أميصوم في أذهان الصوماليين.
وبناء عليه، فإن إعادة تشكيل البعثة الإفريقية في ثوب جديد (أتميس) من نفس البلدان المساهمة بقوات في أميصوم، لا يعني أن الجانبين تمكّنا من تجاوز هذه التوترات والاتهامات التي من المؤكد ستُلقي بظلالها على دور وفعالية البعثة الانتقالية، هذا بالإضافة إلى الخلط والتخبُّط الشديد الناجم عن استجابة قادة الوحدات والقطاعات لمطالب عواصمهم بشكل أولي ولو جاءت على حساب أمن الصومال، ثم يأتي فيما بعد تعليمات قائد القوة([15]).
2- التحديات الأمنية وأزمة تشكيل بديل صومالي أمني فعال
ينقسم هذا التحدي في مضمونه إلى شقين رئيسيين؛ أولهما يتعلق بتشكيل القوات الصومالية، وما يشوبها من قصور، وثانيهما يتعلق بنشاط حركة الشباب الصومالية. فأما بالنسبة لتحدّي تشكيل القوات الصومالية، فإن نجاح بعثة (أتميس) والتزامها بالخطة الزمنية المحددة يتوقف على تسليم مسؤولياتها الأمنية إلى بديل صومالي فعَّال وقادر على سدّ الثغرات الأمنية عقب انسحاب البعثة بكامل قواتها، لكن بالنظر إلى توجُّهات وتكوين الجيش الصومالي يتضح أن الجيش الصومالي لا يزال منقسمًا عشائريًّا ومُسيَّسًا؛ فجزء كبير من الجيش الوطني الصومالي عبارة عن مجموعة من الميلشيات التابعة لعشائر الصومال ذات خصائص عسكرية، تظل تحت إمرة العشائر الصومالية([16])، وهو ما يعظم من خطورة هذا التكوين في أوقات الاختلافات والأزمات السياسية كالتي تشهدها الساحة السياسية منذ انتهاء ولاية الرئيس الصومالي “محمد عبد الله” (فرماجو)، فضلًا عن انخراط قوات الجيش في العمل السياسي، وهو ما يُستدلّ عليه بانضمام قيادات عسكرية تضم مدير المخابرات، وقائد قوات مصلحة السجون، إلى البرلمان الجديد دون التخلي عن مسؤوليتهم الأمنية([17]).
وبانخراط عدد من القوى الإقليمية والدولية في الصومال واتجاهها إلى العمل على تعزيز نفوذها عبر آلية تقديم المساعدات العسكرية التي تجسّدت إحدى صورها في تشكيل قوات عسكرية مدعومة من الخارج كـ”دنب” المدعومة من الولايات المتحدة، وقوات “جوجور” المدعومة من تركيا([18])، ساهم ذلك في الانتقاص من دور الجيش الصومالي، وخلق حالة من التخبط نتيجة التشابك بين المصالح السياسية للقوى المدعمة لتلك القوات وبين دورها الرئيسي المتعلق بتوفير الأمن وتحقيق الاستقرار في الصومال.
أما بالنسبة للشق الثاني المتعلق بنشاط حركة الشباب والمعتمد في حقيقته على درجة فعالية وتماسك وتنسيق القوات الأمنية والعسكرية الصومالية، فلقد سجل نشاط الحركة تناميًا خلال الأشهر الأخيرة منذ اندلاع الأزمة السياسية الصومالية في ضوء تعثر المسار الانتخابي في البلاد؛ ففي آخر تقرير صادر في ديسمبر 2021م عن مرصد الأزهر لمكافحة التطرف لرصد تطوُّر ظاهرة الإرهاب في العالم، أوضح أن من إجمالي (36) عملية إرهابية وانتحارية وقعت في منطقة شرق إفريقيا والقرن الإفريقي، كان لحركة الشباب الصومالية نصيب الأسد منها بواقع (34) عملية إرهابية، وقع (32) عملية إرهابية منها في الصومال و(2) عملية إرهابية في كينيا([19]).
ومع اقتراب موعد الجولة الأخيرة من الانتخابات الصومالية؛ حيث حَلف اليمين لأعضاء البرلمان، ثم انتخاب رئيس جديد للبلاد، نفَّذت حركة الشباب سلسلة من الهجمات الإرهابية التصعيدية غير المسبوقة؛ كان من بينها: هجمات نُفِّذت في محيط مطار آدم عدي الدولي في مقديشو، وفي مدينة بلدوين بولاية هيرشابيل في 23 مارس 2022م([20])، أسفرت عن مقتل العشرات بما في ذلك اثنان من المتعاقدين مع الأمم المتحدة وإصابة الكثيرين.
بالإضافة إلى التفجير الانتحاري الذي قتل أحد عضوات البرلمان السابق ومرشحة الانتخابات البرلمانية الحالية “آمنة محمد عبدي”، إلى جانب نحو 50 آخرين بينهم جنود ومدنيون([21]). بل وصل تهديد حركة الشباب لحد إعلان جهاز الاستخبارات الصومالي في بيان له صادر في 4 أبريل 2022م، بأن هناك محاولات إرهابية مِن قِبَل أحد القيادات العليا لحركة الشباب “محمد ماهر” لاستهداف الرئيس الصومالي “محمد عبد الله” ورئيس وزرائه “محمد حسين روبلي”، تم تبليغ القيادة السياسية بها([22])، وهي تهديدات لا يُمكن الاستهانة بها في إطار ما تُسجّله الساحة الأمنية الصومالية من اضطرابات وعدم استقرار؛ جراء تنامي نشاط حركة الشباب.
3- الأزمة السياسية الصومالية وتحدي إعادة الاستقرار
حالة من الاضطرابات والشد والجذب تشهدها الساحة السياسية الصومالية؛ سواء تلك الناجمة عن تعثُّر المسار الانتخابي على مدار أكثر من عام، وبالتالي إخفاق البلاد في اختيار رئيس جديد للبلاد، أو تلك الناجمة عن الخلاف السياسي بين الرئيس الصومالي “محمد عبد الله” ورئيس الوزراء “محمد حسين روبلي”، أتاحت المجال لتنامي نشاط حركة الشباب الصومالية وقطع الطريق أمام محاولات تطوير وتأهيل القطاع الأمني والعسكري الصومالي.
فأما بالنسبة للعملية الانتخابية الصومالية؛ فلقد وصلت بشق الأنفس إلى مرحلتها الأخيرة بعدما نشرت مفوضية الانتخابات الصومالية في 30 مارس 2022م لائحة رسمية بأعضاء البرلمان الصومالي الجديد بغرفتي الشعب والشيوخ؛ فعلى الرغم من اكتمال تشكيل غرفة مجلس الشيوخ البالغ عدد أعضائها 54 عضوًا، لم يكن الوضع كذلك بالنسبة لمجلس الشعب؛ حيث تم استبعاد 4 أسماء تعود أحدها إلى مدير المخابرات السابق والصديق المقرب للرئيس المنتهية ولايته “فهد ياسين”، لمخالفتهم الإجراءات التنظيمية لاتفاق الانتخابات والآليات التنفيذية لها([23])، كما لا يزال هناك 26 مقعدًا شاغرًا بواقع 16 مقعدًا بولاية جوبلاند، و10 بولاية هيرشبيلى في مجلس الشعب([24])، وجارٍ الإعداد لانتخاب أعضائها. ومن المقرّر أن يؤدي أعضاء البرلمان الصومالي الجديد اليمين الدستورية في 14 أبريل 2022م، ثم الاتجاه لانتخاب رئيس البرلمان ورئيس الجمهورية في مايو القادم، وفق جدول زمني صادر من المفوضية العامة للانتخابات، على الرغم مما يواجهه المسار الانتخابي من تحديات سياسية وأمنية واقتصادية وخيمة، كانت السبب وراء تعثره على مدار أكثر من عام.
أما بالنسبة للتحدي الثاني المتعلق بالخلاف الدائر بين الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء، فقد مرَّ بمحطات وجولات متعددة؛ اتَّهم فيها كلٌّ منهما الآخرَ بمحاولة عرقلة الانتخابات الصومالية لحساباته السياسية، وصلت لحد قيام الرئيس الصومالي في ديسمبر 2021م بتعليق سلطات “روبلي” للاشتباه في تورطه في جرائم فساد، في خطوةٍ وصفها الأخيرُ بأنها محاولة انقلاب غير مباشرة، أدَّت إلى تأجيل الانتخابات البرلمانية عقب إطلاقها في نوفمبر 2021م([25])، بينما كان آخر تلك الجولات قيام رئيس الوزراء “محمد روبلي” بطرد ممثل الاتحاد الإفريقي في الصومال “فرانسيسكو ماديرا” في 7 أبريل 2022م؛ بسبب “تصرُّفات لا تتماشى مع وضعه” -وفقًا لحد تعبير “روبلي”- في خطوة أعرب الرئيس الصومالي عن رفضه إياها([26])، كما تتصاعد المخاوف من تسببها في تعظيم الخلاف بين الجانبين وتسببها في تعطيل الخطوات النهائية لاستكمال المسار الانتخابي.
4- التحدي الاقتصادي
يلعب الوضع الاقتصادي للصومال دورًا في تعزيز خطوات البلاد الرامية نحو إعادة هيكلة قطاع الأمن الصومالي، وتعزيز ورفع كفاءة قدرات الصومال العسكرية بما يُؤهّلها لتوليها حماية أمنها القومي بشكل كامل. إلا أنه في خضمّ ما تشهده البلاد من أزمة سياسية إثر تعثُّر المسار الانتخابي وإخفاق الصومال في اختيار رئيس جديد للبلاد على مدار أكثر من عام، كان الوضع الاقتصادي الأكثر تأثرًا بتلك الأزمة، لا سيما أنه لا يزال يُعاني من تداعيات انتشار كوفيد-19، وتعرّض البلاد لموجة الجراد الصحراوي في العام 2020م، ناهيك عن التداعيات الاقتصادية والإنسانية لموجة الجفاف الشديد التي تتعرض لها البلاد، وتُعدّ هي الأولى منذ عقود.
من جهة أخرى حذّر صندوق النقد الدولي -على لسان كبيرة ممثلي الصندوق ورئيسة بعثته إلى الصومال “لورا غاراميلو”- مقديشيو في فبراير 2022م بأن تمويل الصندوق لبرنامج خاص بتمويل رواتب العسكريين والخدمات الأساسية قد ينتهي في مايو 2022م في حالة عدم تشكيل حكومة جديدة([27])، وهو ما سيكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد الصومالي الذي يعتمد على إسهامات صندوق النقد الدولي منذ عام 2017م، بالإضافة إلى تداعياته على خطوات الصومال للإعفاء من الدين بموجب اتفاق بين البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في 2020م، لتبلغ مع اكتمال برنامج الإعفاء في العام 2023م نحو 557 مليون دولار، بما يُعادل نحو 6% من الناتج المحلي الإجمالي([28]). كما كانت الأزمة السياسية سببًا في اقتصار دعم صندوق النقد الدولي للموازنة العامة الصومالية خلال العام 2021م بـ38 مليون دولار، بدلًا من 170 مليون دولار وفقًا لتوقعات الحكومة الصومالية([29]).
ثالثًا: مستقبل البعثة الانتقالية (أتميس) في الصومال
هناك مساران يُمكن من خلالهما استشراف مستقبل البعثة الانتقالية الإفريقية (أتميس)، يتوقفان على محددين رئيسيين، هما؛ مدى خطورة الوضع الأمني الصومالي، وآليات تجاوز الأزمة السياسية، يُمكن توضيحهما كالتالي:
1- الالتزام بالجدول الزمني لبعثة (أتميس) وانسحابها في العام 2024م
يُعد هذا المسار أحد المسارات المستقبلية المحتمل تحقيقها، وإن كان من المتوقّع ضَعْف ترجمتها على أرض الواقع على المدى القريب أو المتوسط، وذلك استنادًا إلى ثلاثة محددات رئيسية، ينطوي كل منها على خطة محددة المراحل والخطوات تواجهها العديد من التحديات؛ أولها انتهاء الأزمة السياسية الصومالية عبر استكمال انتخابات المقاعد المتبقية في مجلس الشعب، وانتخاب رؤساء للبرلمان الصومالي، يليها انتخاب رئيس للبلاد، ثم تشكيل حكومة صومالية جديدة تتولى مسؤولية إدارة البلاد وإعادة الأمن والاستقرار لها. بينما يتعلق ثاني تلك المحددات، والتي ترتبط لحد كبير بالخطوات المُتخذة لإنهاء الأزمة السياسية، بالوضع الأمني الصومالي ونشاط حركة الشباب وقدرة القوات الأمنية على التصدي لنشاط الحركة وتحجيمها. أما بالنسبة لثالث المحددات فيتعلق بسرعة واستجابة القوات الأمنية الصومالية لخطة إعادة تأهيل وتطوير القطاع الأمني الصومالي بما يضمن توفير بديل صومالي أمني قادر على تحمل مسؤولية حماية الأمن القومي الصومالي عقب اكتمال الخطة الزمنية لانسحاب (أتميس).
2- تمديد عمل البعثة الانتقالية الإفريقية (أتميس) لما بعد العام 2024م
يُعد هذا المسار هو المسار الأرجح والمتوقع تحققه على أرض الواقع؛ استنادًا إلى ذات المحددات السالف الإشارة إليها في المسار السابق، وما تتضمنه من تحديات، وهو ما يجعل مستقبل (أتميس) أمام سيناريو إعادة تكرار لنفس المسار الذي سبق وأن اتخذته (أميصوم)؛ حيث تم تكليف (أميصوم) في البداية لمدة ستة أشهر، وانتهى بها المطاف للعمل على مدار 15 عامًا([30])؛ فدور وفعالية عمل البعثة مرتبطان بمدى التقدم الذي تُحققه الصومال على أرض الواقع سواء على المستوى السياسي أو المستوى الأمني.
خلاصة القول:
تنعقد الكثير من الآمال على دور البعثة الانتقالية الإفريقية (أتميس) في إعادة الأمن والاستقرار للصومال، لا سيما مِن قِبَل شركاء وحلفاء الصومال، خاصةً الشريك الأوروبي، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تقف أمام تفعيل دور البعثة وضمان تحقيق أهدافها الاستراتيجية والالتزام بجدولها الزمني المعلن، وهو ما يتطلب تكثيف الضغوط مِن قِبَل شركاء وحلفاء الصومال على الحكومة الصومالية لدفعها نحو تعزيز وتنسيق الجهود الوطنية على كافة المستويات لمعالجتها، وتقديمهم الدعم اللوجستي والمالي اللازمين.
[1] – Unanimously Adopting Resolution 2628 (2022), Security Council Endorses Decision to Reconfigure Existing Entity into African Union Transition Mission in Somalia, United Nation ,31 MARCH 2022.
[2] – القرار 2628 (2022م)، مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، 31 مارس 2021م، ص 5.
https://documents-dds-ny.un.org/doc/UNDOC/GEN/N22/306/04/PDF/N2230604.pdf?OpenElement
[3] – المرجع السابق، ص 9.
[4] – المرجع السابق.
[5] – المرجع السابق، ص ص 10-11.
[6] – المرجع السابق، ص 11.
[7] – Unanimously Adopting Resolution 2628 (2022), Security Council Endorses Decision to Reconfigure Existing Entity into African Union Transition Mission in Somalia,OP.CIT.
[8] – Idem.
[9] – Paul D. Williams, The Positive Impacts and Challenges Facing the African Union Mission in Somaliam, The Global Observatory , 3 December 2019 .
[10] – Reforming the AU Mission in Somalia, Crisis Group, 15 NOVEMBER 2021.
https://www.crisisgroup.org/africa/horn-africa/somalia/b176-reforming-au-mission-somalia
[11] – MERESSA K DESSU, Is the AU mission in Somalia changing in name only?, Institute for Security studies, 29 March 2022 .
https://issafrica.org/iss-today/is-the-au-mission-in-somalia-changing-in-name-only
[12] – Idem.
[13] – Reforming the AU Mission in Somalia, OP.CIT.
[14] – From Amisom to Atmis: Will new AU mission in Somalia succeed?, The east african ,1 APRIL 2022.
[15] – Reforming the AU Mission in Somalia, OP.CIT.
[16] – Colin Robinson, New Name, but Little Sign of Change: The Revised Agreement on the African Union Mission in Somalia, the global observatory, 27 January 2022.
https://theglobalobservatory.org/2022/01/revised-agreement-on-african-union-mission-in-somalia/
[17] – معاوية فارح، ضابط سابق بالمخابرات الصومالية يكشف لـ”العين الإخبارية” أسباب تصاعد هجمات الإرهاب، العين الإخبارية، 28 مارس 2022.
[18] – Colin Robinson, OP.CIT.
[19] – التقرير الشهري لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، مرصد الأهر لمكافحة التطرف، ديسمبر 2021م، ص ص 111-112.
[20] – الصومال: مجلس الأمن يدين الهجمات الإرهابية ويحث على تقديم المرتكبين للعدالة، أخبار الأمم المتحدة،23 مارس 2022.
[21] – استخبارات الصومال: محاولات لاستهدف رئيسي البلاد والوزراء، الصومال اليوم، 5 أبريل 2022.
[22] – المرجع السابق.
[23] – صفعة لفرماجو.. استبعاد فهد ياسين من عضوية برلمان الصومال، العين الإخبارية، 1 أبريل 2022.
[24] – المرجع السابق.
[25] – احتدام الخلافات بين الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء روبلي يمهل ممثل الاتحاد الإفريقي 48 ساعة لمغادرة مقديشو، الخليج،
7 أبريل 2022 14:29 مساء https://cutt.us/cqu3i
[26] – طرد ممثل الاتحاد الإفريقي.. خلاف جديد بين روبلي وفرماجو، العين الإخبارية، 7 أبريل 2022.
https://al-ain.com/article/expulsion-african-union-robley-farmajo
[27] – صندوق النقد يُنذر الصومال: الانتخابات مقابل الأموال، الصومال اليوم، 19 فبراير 2022.
[28] – المرجع السابق.
[29] – المرجع السابق.
[30] -From Amisom to Atmis: Will new AU mission in Somalia succeed?, OP.CIT.