د. دعاء عويضة
مثَّل مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي عبورًا إلى المجهول في المشهد الداخلي والإقليمي والدولي الذي كان إدريس ديبي صاحب الأثر الأكبر فيه؛ على مدى 30 عامًا، حكَم فيهم الرجل الذي قُتِلَ أثناء تفقُّده لقواته المنشغلة في مواجهة المتمردين، وذلك بُعَيْد انتخابه لولاية سادسة، وهذا الحدثُ هزَّ جمهورية التشاد، ويُنْذِر باضطرابات أمنية قد تهدِّد استقرار بلدان مجاورة مرتبكة بالأساس مثل ليبيا والسودان. وهو ما يُمكن أن ينعكس على أمن المنطقة برُمّتها. فكيف يُمكن أن يؤثر مقتل ديبي على الداخل التشادي والتوازنات الإقليمية والدولية؟ هذا ما سيسعى هذا التقرير للإجابة عنه.
إدريس ديبي والقوى الإقليمية والدولية:
إدريس ديبي من عشيرة البديات من جماعة الزغاوة الموجودة على جانبي الحدود التشادية السودانية. بعد اجتيازه البكالوريا؛ التحق بمدرسة الضباط في العاصمة انجامينا، وفي عام 1976م حصل على رخصة طيار محترف في فرنسا.
بعد عودته إلى تشاد عام 1979م، شارك في تمرد عام 1980م ضد الحكومة الاتحاد الوطني. في 7 يونيو 1982م نجح التمرد، مما دفع الرئيس كوكوني إلى الرحيل للمنفى في الجزائر. ترقَّى ديبي بعد ذلك إلى رتبة عقيد، وأصبح ديبي نائبًا لقائد القوات المسلحة عام 1983م. ثم ذهب إلى فرنسا عام 1985م؛ حيث التحق بمدرسة الحرب العسكرية المشتركة. بعد عودته إلى تشاد عام 1986م، عُيِّن مستشارًا لشؤون الدفاع والأمن لرئيس تشاد السابق، حسين حبري.
في نهاية الثمانينيات، وبعد الإطاحة بإدريس من منصبه، قام بعمل انقلاب في 1 أبريل 1989م، لكنه هُزم ليهرب بعد ذلك إلى السودان ثم ليبيا؛ حيث حصل على مساعدة الرئيس الليبي معمر القذافي، عاد ديبي إلى السودان حيث أنشأ في مارس 1990م، حركة التمرد التابعة لحركة الإنقاذ الوطني. ثم في 1 ديسمبر 1990م، بمساعدة المخابرات الفرنسية وبدعم من ليبيا والسودان، استولت قواته على انجامينا، ثم تم تعيينه رئيسًا للجمهورية مِن قِبَل حركته التي تحوَّلت فيما بعد إلى حزب سياسي.
منذ تلك اللحظة مكث إدريس أكثر من 30 عامًا في رئاسة الجمهورية.[1] ويُمكن القول: إن تلك البدايات لإدريس ديبي هي التي رسمت خريطة تحالفاته الإقليمية والدولية على مدار فترة وحكمه، والتي ستتأثَّر فيما بعد بوفاته.
أولاً: تأثير مقتل ديبي على الداخل التشادي:
على عكس هجمات المتمردين السابقة على قصر الرئاسة، والتي حظيت بترحيبٍ شعبيّ، لم يتفاعل الشارع التشادي مع الهجوم ولا مع انقلاب المجلس العسكري بشكل كبير، برغم التململ الكبير من حكم ديبي الطويل، وخاصة بعد تراجع غلّة النفط وانعكاس ذلك على واقع الاقتصاد. وتُرجِع أوساط إعلامية محلية هذا إلى وجود “توافق” على إبقاء السلطة في يد أبناء الشمال، وتحديدًا جماعة الزغاوة التي ينتمي إليها ديبي ونجله. إلا أن مقتل ديبي قد أشعل حالة الانقسام التي كانت سائدة خلال فترة الانتخابات من جديد، وانقسمت ردود الأفعال؛ كالتالي:
– النظام: بعد دقائق من إعلان الجيش التشادي الحداد في البلاد إثر مقتل الرئيس إدريس ديبي، خرج بيان يُعلن تشكيل مجلس عسكري انتقالي، بقيادة نجله محمد؛ ليقوم بإدارة شؤون البلاد. ونجل ديبي أيضًا جنرال في الجيش التشادي، يترأس المديرية العامة لجهاز الأمن لمؤسسات الدولة، المعروفة لدى التشاديين بالحرس الرئاسي.
كذلك أعلن المجلس العسكري، وقف العمل بالدستور وحلّ الحكومة والبرلمان، إلى جانب إغلاق الحدود البرية بعد مقتل الرئيس، والاستعداد لإجراء انتخابات رئاسية خلال 18 شهرًا، وصفها بأنها ستكون “شفافة”.[2]
وعيَّن محمد إدريس ديبي 14 جنرالاً؛ يُعرف أنهم من بين الأكثر ولاء لرئيس الدولة؛ أعضاء في المجلس العسكري الانتقالي الذي أكَّد أن مؤسسات جديدة ستُشكل بعد انتخابات “حرة وديمقراطية” في غضون عام ونصف العام.
– المُعارضة: ندَّدت أحزاب المعارضة الرئيسية في تشاد بـ”انقلاب مؤسساتي” غداة تولي محمد إدريس ديبي السلطة في البلاد بعد وفاة والده الرئيس إدريس ديبي. ودعا حوالى ثلاثين حزبًا سياسيًّا في المعارضة الديمقراطية إلى مرحلة انتقالية يقودها مدنيُّون عبر حوار شامل -وفق ما جاء في بيان لهم-.
وأورد البيان أن المعارضة “تدعو سكان تشاد إلى عدم الانصياع للقرارات غير القانونية وغير الشرعية والمخالفة للتنظيمات التي اتخذها المجلس العسكري الانتقالي، ولا سيما ميثاق الانتقال وحظر التجول وإغلاق الحدود”.
كما وجَّهت هذه الأحزاب تحذيرًا إلى فرنسا، القوة المستعمرة السابقة، والتي دعمت ديبي منذ وصوله إلى السلطة عام 1990م على رأس حركة تمرد، وطالبتها بـ”عدم التدخل في شؤون تشاد الداخلية”. ودعت أخيرًا الأسرة الدولية إلى “مؤازرة الشعب التشادي لإعادة دولة القانون والديمقراطية”.[3]
وقالت مجموعة العمل والعدل المعارضة: إن تشاد ليست مملكة، ولا يُمكن انتقال السلطة بين أعضاء الأسرة الحاكمة، وأضافت أن “قوات المقاومة الوطنية” تتجه في هذه اللحظة نحو العاصمة. وكذلك قال الناطق باسم جبهة التناوب والتوافق كينغابي أوغوزيمي دي تابول “نرفض رفضًا قاطعًا المرحلة الانتقالية وننوي مواصلة الهجوم”.
وأضاف: “تشاد لا يحكمها نظام ملكي، يجب ألا يكون هناك انتقال للسلطة من الأب إلى الابن”. في المقابل، أعرب رئيس الحركة الشعبية للإصلاح، بابا لادي، عن تأييده لإنشاء مجلس عسكري يرأسه ابن الرئيس القتيل. وقال: “أطلب من كل الحركات السياسية العسكرية أن توافق وتؤيد شجاعة هذا الجنرال الشاب الذي يترأس هذا المجلس؛ حتى يستمر الهدوء والاستقرار. هذه المرحلة الانتقالية يجب أن تُدار بحكمةٍ بالغةٍ، والجنرالات المحيطون به شخصيات يمكننا الاعتماد عليهم”.[4]
– الجيش: كشف جنرال بارز في الجيش التشادي عن انقسامات حادة في القوات النظامية، على خلفية تشكيل مجلس عسكري لإدارة البلاد وإعلان الجنرال محمد إدريس ديبي، تولّي السلطة بعد مقتل والده. وأعلن الجنرال إدريس عبدالرحمن ديكو رفض مجموعة كبيرة من جنرالات الجيش التشادي القرارات التي تم الإعلان عنها بعد مقتل ديبي، وقال: “لا نعترف بالمجلس العسكري، وهذا موقف الشعب، ونحن وراءه لمواجهة انقلاب صغير على الشرعية الدستورية والنظام الديمقراطي القائم منذ 30 سنة”، على حد قوله.
وشدَّد ديكو على أنه يتحدث من العاصمة انجامينا وباسم الأكثرية داخل مؤسسة عسكرية نظامية وجمهورية، مضيفًا: “لدينا مسؤولية أخلاقية أن نتوحد وننظم صفوفنا لمنع انزلاق البلاد نحو حرب أهلية مثل ما هو الحال في ليبيا والصومال”؛ بحسب تعبيره.
ودعا الجنرال ديكو أعضاء المجلس العسكري إلى إعادة النظر في تشكيلة اللجنة وميثاقها بالشكل الذي يسمح بمشاركة مختلف القوى، وبتنظيم حوار وطني شامل، وبناء تفاهمات تُفْضِي لمرحلة توافقية تنتهي بانتخابات ذات مصداقية، وتنبثق عنها مؤسسات مُنتَخَبَة لتفادي الانجرار للفوضى والعنف.
وأكد ديكو أن الجنرالات والقوات التي يتحدث باسمها قوات نظامية وعقيدتها جمهورية، وهدفها ليس الاستيلاء على السلطة، وإنما خدمة الشعب والدفاع عن أمن البلاد ومصالحها الجوهرية. وعن ما إذا كانت لديهم اتصالات مع طرفي الأزمة معسكر ديبي الابن وقوات المعارضة، رد الجنرال ديكو قائلاً: “لا صلة لنا مع المتمردين، وليس من ضمن خططنا التمرد أو الانضمام لأيٍّ كان”، على حد قوله.[5]
ثانيًا: تأثير مقتل ديبي على الوضع الإقليمي:
مقتل الرئيس ديبي يُنْعِش نظرية المؤامرة بشأن إعادة ترتيب المنطقة من جديد، وأن الفوضى هي الأقرب لملء الفراغ الذي خلّفه مقتل ديبي، على مستوى تشاد، ومستوى الإقليم، والساحل الإفريقي. فالواقع الجيوسياسي لتشاد يُضْفِي بُعدًا إقليميًّا لميراث مرحلة ما بعد ديبي، وعليه ينبغي فَهْم تطورات الأحداث في إطار السياق العام؛ حيث إن تشاد دولة حبيسة محاطة بمناطق مختلفة تمثل بُؤرًا ملتهبة للتوتر والصراع، مثل جمهورية إفريقيا الوسطى ومنطقة البحيرات التي تضم الكاميرون ونيجيريا والنيجر وليبيا ودارفور بالسودان.[6]
ومِن ثَمَّ يُمْكن رَصْد أهم التداعيات الإقليمية لمقتل ديبي؛ كالتالي:
– السودان: تشهد مناطق إقليم دارفور السوداني المتاخم لتشاد أحداثًا دموية عنيفة استمرت عشرات السنين، وراح ضحيتها مئات الآلاف بين قتيل وجريح ونازح. وتزايدت حدة التوترات بشكل ملحوظ خلال الأسابيع الماضية؛ حيث اندلعت أعمال عنف قَبَلِيَّة في منطقة الجنينة –عاصمة غرب دارفور- قُتل فيها أكثر من 300 شخص، وسط اتهامات بمشاركة مجموعات مسلحة من داخل الأراضي التشادية في تلك الأحداث. وفي أول ردّ فعل سودانيّ رسميّ على مقتل ديبي، قال مجلس السيادة الانتقالي السوداني: “إن ديبي لعب أدوارًا كبيرة في تعزيز العلاقات بين البلدين، فضلًا عن جهوده ودعمه لتحقيق السلام بالسودان”.
وهنالك العديد من الشواهد التي تؤكد التأثير المتبادل للأحداث الأمنية في السودان وتشاد؛ فنشاط حركة العدل والمساواة السودانية في العام 2008م والتي كادت أن تسيطر من خلاله على العاصمة الخرطوم، تمَّت بدعم مباشر من إدريس ديبي؛ ردًّا على مساعدة القوات السودانية للمعارضة التشادية بقيادة محمد نور في هجومها على قصر الرئاسة في وسط العاصمة التشادية انجامينا.
وبحكم التقارب الجغرافي والتداخل القَبَلِيّ الكبير بين سُكان منطقة دارفور في غرب السودان وسكان المناطق الشرقية والوسطى من تشاد، ظلَّت الأحداث في البلدين تترابط بشكل ملحوظ. إلا أن هناك عامليْن مهميْن قد يكونا حاسمين في الصراع الحالي:
أولهما؛ أن أغلب قادة المعارضة السودانية المنتمون لقبيلة الزغاوة وقَّعُوا على اتفاق سلام جوبا، وبالتالي فإن الأرجح أن يتبعوا النهج الحكومي في التعامل مع الأزمة الداخلية في تشاد على عكس المرات السابقة عندما كانوا في المعارضة. أما الآخر فيتعلق بموازين القوة الجديدة في تشاد؛ حيث بات من الواضح أن قبيلة القرعان تحوَّلت إلى لاعب رئيسي، وهي لا تملك وجودًا وامتدادًا كبيرًا داخل السودان على عكس قبيلة الزغاوة وبعض القبائل التشادية الأخرى.[7]
– ليبيا: تُلْقِي التطورات المتتابعة التي شهدتها تشاد بظلالها على الوضع في ليبيا، لجهة التداخل الواسع بين البلدين والتأثير المتبادل للأحداث الواقعة فيهما على بعضهما البعض، لا سيما في ظل حالة عدم الاستقرار التي تضربهما، والوضع الأمني الرخو في ليبيا منذ 2011م الذي جعل الجنوب الليبي نقطة تهديد واسعة النطاق للمنطقة المحيطة بأكملها؛ حيث تضع تطورات الداخل التشادي المشهد الليبي أمام نُذُر تداعيات سلبية وخيمة، بالإشارة إلى الارتباط الواسع بين البلدين، وتأثير الوضع في ليبيا على الأزمة في تشاد في الفترات الأخيرة، وكذلك تأثير التطورات التي تشهدها تشاد على ليبيا بشكل مباشر.
فتلك الأحداث الجارية منذ فترة، والتي تفاقمت الآن بعد مقتل الرئيس إدريس ديبي لها تأثير مباشر على الوضع في ليبيا؛ وذلك لارتباط القوام الرئيسي لتلك العناصر الموجودة في تشاد بالوضع في ليبيا (لجهة التدريب والتمويل). وتأثير الوضع في ليبيا يتجاوز التأثيرات العادية كبؤرة للتوتر، أو نقل المقاتلين، أو معبر أو ممر للهجرة؛ ذلك أن التأثير أصبح يُمثّل قلقًا كبيرًا لكامل المنطقة، علاوةً على ما سيحدث في منطقة شمال تشاد، رغم إعلان الجيش السيطرة على العاصمة والعديد من المواقع التي كان يستحوذ عليها المقاتلون. لكنَّ وجود هؤلاء المقاتلين، حتى على هيئة فلول، في مناطق الشمال التشادي المتاخمة لليبيا سيكون نقطة تأثير على ما يحدث في ليبيا بشكلٍ كبير.
هذا بالإضافة إلى ما يدور في شمال النيجر أيضًا، ذلك أن هناك تحركات لعناصر تنظيم داعش، وهناك اختراقات كذلك من تنظيم بوكوحرام في جنوب الصحراء أو جنوب الساحل الإفريقي، ومثل هذه الأمور ستُحْدِث تغييرًا سلبيًّا على الاستقرار في ليبيا. وهكذا يُمكن القول بأن ليبيا تعتبر قاعدة خلفية للصراع داخل تشاد، وتتخذ المعارضة في تشاد من الجنوب الليبي نقطة انطلاق للقيام بعمليات داخل العمق، مستغلة الحالة الرخوة الأمنية في ليبيا، تمامًا كما تعتمد عليها المجموعات الإرهابية التي تستغلها الجماعات التشادية المدعومة من المعارضة السياسية أو حتى من أطراف خارجية. تلك المجموعات في تشاد تستغل أبواب ليبيا المشرعة وغياب المؤسسات الأمنية وعدم المقدرة على تأمين كل حدود الدولة الليبية نتيجة الصراعات والخلافات المعروفة من قبل. ومن هنا تحول الجنوب الليبي إلى مرتكز مهم تتخذه تلك المجموعات في المعارضة التشادية. ولهذا ستكون هناك تداعيات على الجنوب الليبي، على أساس أن الطرف المهزوم بعد المواجهات المسلحة سيسعى إلى الهروب إلى الأراضي الليبية وجعلها نقطة انطلاق له، ما يزيد من شدة الفوضى في الجنوب، فضلًا عن عمليات التهريب.[8]
ثالثًا: تأثير مقتل ديبي على الوضع الدولي:
لم تشجب أيّ من البيانات التي خرجت من حلفاء ديبي السابقين وعلى رأسهم واشنطن وباريس، انقلاب المجلس العسكري برئاسة نجل ديبي على الدستور، الذي ينص على انتقال السلطة إلى البرلمان في حال وفاة الرئيس أو فقدانه القدرة على الحكم.
ويشير الهامش الذي تركته تلك البيانات إلى وجود “رضا” مبدئي عما جرى في العاصمة انجامينا. ففي عام 2019، لم تتأخر الطائرات الحربية الفرنسية عن مساندة ديبي، بقصف قافلة للمتمردين في شمال تشاد؛ حيث استمر القصف لمدة ثلاثة أيام، لضمان تدمير كامل القوة التي توغَّلت من الأراضي الليبية. وفي فبراير 2008م، استعان الرئيس بالجيش الفرنسي الموجود في الأراضي التشادية، لصدّ المتمردين الذين وصلوا إلى أبواب القصر الرئاسي.
في المقابل فإن الهجوم الأخير لقوات “الوفاق” لم يلق ردًّا فرنسيًّا مماثلًا، بل غابت التصريحات الفرنسية التي تتحدث عن الوضع الميداني، وركَّز بيان قصر الإليزيه على مجريات أروقة العاصمة انجامينا، ومساندة “الانتقال السلمي” للسلطة هناك.[9]
وبعد مقتل ديبي أعلن قصر الإليزيه في بيان له: أن فرنسا فقدت بوفاة الرئيس التشادي “صديقًا شجاعًا”، مشددًا على أهمية “الانتقال السلمي”، و”التزام فرنسا الراسخ باستقرار تشاد ووحدة وسلامة أراضيها”.
ودعا وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى فترة انتقالية عسكرية محدودة تؤدّي إلى “حكومة مدنية وجامعة”.
من جهتها، أكدت وزيرة القوات المسلحة الفرنسية فلورنس بارلي أن فرنسا “خسرت حليفًا أساسيًّا في مكافحة الإرهاب في المنطقة.[10]
وهكذا لا تبدو فرنسا سعيدةً بتطوُّر هذه الأحداث الدراماتيكية التي تضعها بين خيارات صعبة وضيقة ومحصورة، وهي تعلم أن هناك تربُّصًا كبيرًا بها، وأن هذه المرحلة قد تكون حاسمة في استمرار النفوذ الفرنسي أو انحساره. الأمر الذي قد يُفْضِي إلى تغيُّر موازين القوى في المنطقة، في غير صالح فرنسا؛ لا سيما في ظل التنافس الفرنسي الأمريكي هناك، وتوجُّه الإدارة الأمريكية الجديدة نحو تعزيز سلطتها هناك.
الخُلاصة:
هذا الوضع التشادي المُعقد؛ سيفتح ملف الصراع القَبَلِيّ الحَادّ الذي تُعبِّر عنه واجهات سياسية وعسكرية كثيرة في تشاد، ومن المتوقع أن يمتد هذا الصراع القَبَلِيّ إلى مناطق الحدود التي تتداخل فيها القبائل مع بعضها في العديد من دول الجوار، ولعل أكثر الدول تأثرًا ستكون ليبيا والسودان، والتي ربما تُعيد شبكة تحالفاتها من جديد؛ بحثًا عن مصالحها الجهوية والقَبَلِيَّة. الأمر الذي سيُفْضِي بالضرورة إلى تدهور الوضع في الداخل التشادي؛ لا سيما بعد ما اعتبره البعض انقلابًا على الدستورية بتعيين ابن الرئيس السابق إدريس ديبي خلفًا له؛ ناهيك عن الانقسام السياسي والوضع الأمني المُتأزم هناك. إلا أن كل ذلك لا ينفي وجود جيش قويّ لتشاد قادر على الإمساك بزمام الأمور؛ إلا أنَّ وجود حالة من الانقسام داخل صفوف الجيش نفسه –كما تردد على لسان بعض القادة-؛ سيطرح تساؤلاً جديدًا حول مستقبل الدولة التشادية ما بعد ديبي، ومدى قدرتها على مواجهة تحديات الداخل والخارج.
[1] – “كيف قُتل الرئيس إدريس ديبي.. وإلى أين تذهب تشاد؟”، قناة العالم، 21/4/2021م. متاح على الرابط: https://cutt.us/ulrqy
[2] – المرجع السابق نفسه.
[3] – “مقتل ديبي ينذر باضطرابات تهدد استقرار دول المنطقة”، ميدل إيست أون لاين، 21/4/2021م. متاح على الرابط: https://cutt.us/rTES3
[4] – “المعارضة التشادية ترفض توريث الحكم والحركات المسلحة تواصل القتال”، الجزيرة نت، 21/4/2021م. متاح على الرابط: https://cutt.us/eKnCR
[5] – خليل ولد أجدود، “تشاد.. جنرال يكشف للعربية.نت عن انقسامات بالجيش بعد مقتل ديبي”، العربية، 21/4/2021م. متاح على الرابط: https://cutt.us/zYoHQ
[6] د. حمدي عبد الرحمن، “رحيل الرئيس ديبي في تشاد ومعضلة الأمن في الساحل”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 20/4/2021م. متاح على الرابط: https://cutt.us/II3Er
[7] – كمال عبد الرحمن، “تعقيدات وسيناريوهات عديدة.. كيف يؤثر مقتل ديبي على السودان؟”، عربية Sky News، 20/4/2021م. متاح على الرابط: https://cutt.us/7V6N7
[8] – محمد فرج، “مقتل إدريس ديبي يُنْذِر ليبيا بتداعيات وخيمة”، عربية Sky News، 20/4/2021م. متاح على الرابط: https://cutt.us/4A8i2
[9] – “كيف قُتل الرئيس إدريس ديبي… وإلى أين تذهب تشاد؟”، مرجع سبق ذكره.
[10] – “مقتل ديبي ينذر باضطرابات تهدد استقرار دول المنطقة”، مرجع سبق ذكره.