أمل علي داود (*)
تُشكِّل الدول الإفريقية مكانًا واضحًا في عقيدة المجتمع الدولي ومثاليًّا للاستثمار عند الشركات المختلفة، ولا سيما في مجال الزراعة وإنتاج الطاقة الكهربائية (1)، لذلك انتقلت العديد من الدول إلى العمل المباشر في إفريقيا خلال الحِقَب المختلفة. وهذا ما دفع إلى السعي بالسياسة الخارجية للدول إلى الحرص على إقامة علاقات وطيدة مع دول القارة الإفريقية؛ فتشعَّبَت العلاقات الدولية بينهم.
وبالإضافة إلى الموقع الاستراتيجي للقارة يلعب شكل القائد السياسي دورًا واضحًا في إضفاء مكانة دولية معينة لبلاده. فالقائد السياسي في الدول النامية يتَّسم بطابع تسلطي لنظامه السياسي وهيمنته الكاملة على كافَّة ملفات وأبعاد السياسة الخارجية. وهذا ما يتضح جليًّا في دولة الجابون التي قادها الرئيس عمر بونغو منذ عام 1967م حتى عام 2009م ليتولى من بعده ابنه علي بونغو الرئاسة حتى وقتنا الحالي.
وتُعَدُّ دولة الجابون إحدى الدول الواقعة في الجهة الغربية الوسطى من القارة الإفريقية، ويحيط بها من الجهة الغربية خليج غينيا، ومن الجهة الشمالية الغربية غينيا الاستوائية، أما من الشمال فتقع الكاميرون، ومن الشرق والجنوب تأتي جمهورية الكونغو، وتُقَدَّر المساحة الكلية للدولة بحوالى 267667 كم2، ويبلغ عدد سكانها ما يقرب من 1.6 مليون نسمة، وتُعَدُّ مدينة ليبرفيل العاصمة الرسمية لها(2). كما أن اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية للبلاد إلى جانب العديد من اللغات المحلية (3).
إن التركيب الديمغرافي لدولة الجابون كسائر الدولة الإفريقية يضمُّ العديد من القبائل المتنوعة حيث تضم الجابون ما يقرب من 40 عرقية من لغات مختلفة، فيعود اسم الدولة إلى كونه اسمًا مشتقًّا من اسم الرحالة غاباو، وأول مَن سكن هذه المنطقة هم شعب بيغمى ثم أتى من بعدهم شعب بانتو لتضم الدولة الآن العديد من القبائل، أبرزها قبيلة فانغ التي تُشَكِّل ما يقرب من 25% من أجمالى سكان الجابون (4).
وتعتبر الديانة المسيحية هي الديانة الرئيسة للسكان في الجابون. كما أن الإسلام هو ثاني أكثر ديانة شعبية في الجابون، ويتبعه ما يقرب من 12% من السكان. وتمثل المنتجات الزراعية مصادر الدخل الرئيسة للبلد، مثل الكاكاو والبن، والسكر وزيت النخيل، وكذلك الأنشطة الصناعية مثل استخراج النفط وصقله والمنجنيز والذهب.
ومن هنا تتمثل المشكلة البحثية للدراسة في محاولة بحث وتحليل أثر الفساد السياسي في دولة الجابون على صياغة وتنفيذ السياسة العامة للبلاد، وسبل التكامل الإفريقي للوقوف على تدابير رامية للحل.
وبناء على ما سبق؛ فقد تم تقسيم الدراسة إلى محورين أساسيين:
المحور الأول: تحليل أثر الفساد السياسي على السياسة العامة لدولة الجابون
من الناحية السياسية
إن الجابون هي جمهورية ديمقراطية برلمانية حصلت على استقلالها عام 1960م، بعد استعمار بدأ على يد البرتغاليين في القرن الخامس عشر، ثم جاء من بعدهم الهولنديون عام 1593م، ثم تبعهم الفرنسيون عام 1630م. ولكن استطاعت الجابون أن تحصل على استقلالها ليتولى أول رئيس لها وهو أمبا، وجاء من بعده عمر بونغو عام 1967م، ثم أخيرًا علي بونغو عام 2009م. ويبدو أن هذه القيادات لم تستطع أن تقضي على جذور الفساد في البلاد.
مؤشرات الفساد في السلطة التنفيذية
تولى الرئيس الراحل عمر بونغو رئاسة الجابون عام 1967م بعد وفاة سابقه الرئيس مبا؛ حيث كان يشغل منصب نائب الرئيس ومع وفاة مبا أصبح عمر بونغو رئيسًا للبلاد مع رغبة الفرنسيين أيضًا في تنصيبه رئيسًا للبلاد، وذلك لكى يخدم مصالحهم أكثر من كونه راعيًا لمصالح وحقوق الشعب الجابوني، ومع توليه الحكم قام ببعض التغييرات السياسية منها أن أصبحت الجابون دولة الحزب الواحد، فضلاً عن تعسُّفه مع الصحافة، ومنعه لأي مشروع إعلامي يناهض حكمه، مما دفع البعض إلى وصف نظام حكمه الذي استمر لأكثر من أربعة عقود مع تفشّي حالات من الفقر والبطالة بأنه نظام استبدادي (5).
يمتلك نظام بونغو سجلاً سيئًا عندما يتعلق الأمر بالفساد؛ حيث يتعامل الرئيس وعائلته مع الخزانة الوطنية كحساب مصرفي خاص، فيتم تخصيص مئات الملايين من الدولارات من الأموال العاملة للاستخدام الشخصي، وهذا منافٍ لقواعد الشفافية المالية. فوفقًا لبعض المحللين الأمريكيين والفرنسيين هناك عدد من الموظفين الحكوميين المزيفين الذين يحصلون على رواتب رغم عدم وجود وظائف رسمية. وطبقًا لبعض التحليلات، يصرح بأن عائلة بونغو حاليًا تمتلك أكثر من ثلاثين بيتًا للعطلة في الخارج -يقدر بعضها بتكلفة تصل إلى 100 مليون يورو- كما تضم العائلة أكثر من 100 سيارة حديثة، كما أن لديهم أكثر من 70 حسابًا مصرفيًّا على الأقل، وبعض اليخوت، ومجموعة ضخمة من الفنون الجميلة (6). مما أودى بالدولة لتسجيل تصنيف متدني في مؤشرات الحقوق المدنية والسياسية طبقًا لمنظمة Freedom House (7).
واقع الفساد السياسي في السلطة القضائية
على الرغم من أن القانون ينص على وجود قضاء مستقل، إلا أن السلطة القضائية كانت غير فعَّالة، وظلَّت عرضة لتأثير الحكومة، فالمواطنون يلجأون للقضاء لوقف الانتهاكات التي تقع على حقوقهم أو حرياتهم الأساسية، ولكن شكواهم تُقابَل بنوعٍ من عدم الشفافية والقوة في تطبيق الأحكام، كما أنه على الرغم من أن القانون يحظر العنف المنزلي إلا أنه شائع خاصة في المناطق الريفية، فضلاً عن ضعف القانون في معالجة الاغتصاب الزوجي أو اغتصاب المحارم مع عدم وجود قانون يحظر التحرش الجنسي (8).
قوات الأمن والشرطة
على الرغم من أن القوات الداخلية هي المسئولة عن فرض النظام والحماية، الا أن بعض أفراد الشرطة والجيش والدرك في الجابون أثناء أداء مهامهم يقومون بتوقيف المسافرين في نقاط التفتيش للتحقق من الهوية أو الإقامة أو وثائق التسجيل؛ وذلك للحصول على رشاوى.
كما يقوم أعضاء قوات الأمن بمضايقة الأفارقة المغتربين الذين يعملون بشكل قانوني كتُجَّار وغيرهم، فضلاً عن المهاجرين غير النظاميين (9).
كما يستكمل ضباط الشرطة رواتبهم عن طريق ابتزاز السائقين أثناء التحقق من تسجيل السيارة وأوراق الهوية. كما أن حالات الإفلات من العقاب منتشرة في قطاع الضباط على الرغم من إنشاء الحكومة آليات لمعاقبة إساءة استخدام السلطة والفساد (10).
العنف الانتخابي
في انتخابات أغسطس 2009م استطاع الرئيس علي بونغو أن يخلف والده في حكم الجابون بنسبة تصل إلى 41%، ونتج عن هذا الفوز حالات من العنف الانتخابي وقيود كبيرة على حقوق الإنسان، كما توجهت بعض الاتهامات بالعبث السياسي في العملية الانتخابية. ومخالفات شملت مشكلات في قوائم الناخبين والتسجيل، وتأخير فتح أبواب استطلاعات الرأي. وتواجد موظفي الأمن المسلحين في مواقع الاقتراع أو بالقرب منها. وقيام السلطات بمراقبة التغطية الإخبارية ومضايقة الصحافة. ولم تنجُ انتخابات عام 2016م من الاحتجاجات وغيرها مما تمَّ في الانتخابات السابقة(11).
من الناحية الاقتصادية
يُعَدُّ الاقتصاد الجابوني اقتصادًا غير متنوع؛ حيث يعتمد على النفط بصفة أساسية، ووظائفه محدودة.
الاستثمار
وتفتقر الجابون إلى عمليات واضحة ومتَّسقة للدخول إلى السوق؛ حيث تواجه الشركات تأخيرات بيروقراطية، وارتفاع تكاليف الإنتاج، وسوق محلية صغيرة، وضعف البنية التحتية، وقوانين العمل الجامدة (12).
وانتشار الضرائب، وتكاليف المعاملات الناجمة عن الفساد، وضعف الإطار القانوني، وحيازة الأراضي المعقَّدة النظام، وانخفاض القدرة التنافسية بسبب ارتفاع تكلفة المدخلات، وعدم كفاية العمالة الماهرة، وضعف القدرة على الترويج (13)، مع ارتفاع تكلفة الكهرباء واحتمالية انقطاعها، وكل هذا يوضِّح مدى تدهور البنية التحتية؛ حيث هناك حاجة مُلِحَّة لتحسين البنية التحتية لإنتاج الطاقة وتوزيعها، وتوفير المياه التي يتفاقم نقصها بفعل خسائر فنية كبيرة وتخفيضات منتظمة لها. هذا إلى جانب فساد شبه احتكاري تقوم به الشركات متعددة الجنسيات التي تهيمن على قطاعات التعدين، والهيدروكربونات، وغيرها.
إدارة الضرائب والجمارك
هناك خطر منخفض للفساد عند التعامل مع الإدارة الضريبية. ونادرًا ما يتم تبادل المدفوعات غير النظامية عند الاجتماع مع موظفي الضرائب. إلا أنَّ دفع الضرائب في الجابون يستغرق وقتًا أطول من المتوسط الإقليمي؛ حيث يستغرق 488 ساعة في السنة (14). بينما تقدم إدارة الجمارك الأعمال مع مخاطر معتدلة إلى عالية من الفساد، وغالبًا ما يتم تبادل الرشاوى عند التعامل مع الواردات والصادرات (15).
من الناحية الاجتماعية
مؤشرات التعليم والصحة
يوجد في الجابون ما مجموعه 423 ألف تلميذ مسجلين في التعليم الابتدائي والثانوي، ومن بين هؤلاء التلاميذ حوالى 318 ألف تلميذ (75%) مسجلون في التعليم الابتدائي. ولكن ما يقرب من 3% من الشباب لم يلتحقوا بالتعليم الرسمي، و13% لم يلتحقوا بالمراحل التعليمية ما بعد التعليم الابتدائي. كما أن الطلاب أكثر عرضة للرسوب في الصف الأول الابتدائي؛ حيث يصل المعدل إلى 48,1%. بينما تصل معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة إلى 89%، وهذا أقل من متوسط معدل معرفة القراءة والكتابة في دول أخرى متوسطة الدخل (16).
ويرجع تراجع النسب في الجابون عن غيرها من الدول متوسطة الدخل إلى التفاوت في دخل السكان، بالإضافة إلى أن متوسط نسبة توافر المعلمين هو معلم لكل 24,5 طالب، وهو أدنى من غيرها الذي يصل المعدل فيها إلى معلم لكل 17 طالبًا.
أما عن الصحة فتصل معدلات وفيات الأطفال تحت سن الخامسة إلى 7.4%، مع ارتفاع معدلات وفيات الأمهات والأطفال الرُّضَّع، مع انتشار عددٍ من الأمراض الخطيرة كلايبولا والملاريا وفيروس الكبد. ولكنَّ نمط وبائيات الأمراض متفاوت بين السكان في المناطق الحضرية والسكان الفقراء في المناطق الريفية التي لا تتوفر لديهم الأموال الكافية لطلب العلاج من المدن مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات العدوى في الريف.
معدلات البطالة والفقر
وتشير النتائج الرئيسة لمجموعة البنك الدولي إلى أن معدل البطالة في الجابون يصل إلى 35.7٪ للشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عامًا، و26٪ للقوى العاملة الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و34 (17).
ويرجع ذلك إلى أن صناعة النفط هي المصدر الرئيسي للنمو في البلاد. فيكشف التقرير أن صناعة النفط وحدها تمثل أكثر من 40٪ من القيمة المضافة الوطنية وأكثر من 60٪ من إيرادات الحكومة، لكنَّ إجمالي القوى العاملة فيها أقل من 5٪ من العمالة الرسمية. كما يشير التقرير إلى أن نظام التعليم لا يتناسب مع احتياجات سوق العمل، وأن الشباب الخريجين يفتقرون إلى المهارات التي تسعى إليها الشركات. علاوة على ذلك، لا يساعد مناخ الأعمال على الاستثمارات التي يمكن أن تخلق فرص عمل؛ حيث تميل قوانين العمل الصارمة إلى إعاقة التوظيف الجديد، مع حماية أولئك الذين لديهم عمل، ولكن من أجل جذب الاستثمارات وتعزيز فرص العمل، ستحتاج الجابون إلى تحسين مناخ الأعمال والآليات المؤسسية لدعم تنمية القطاع الخاص.
ومؤشرات الفقر لا تقل خطورة عن البطالة، فبالرغم من أن متوسط الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد الذي يبلغ 300.17 دولار، وحالة الاقتصاد المتوسط الأعلى الدخل، لا تزال الجابون تواجه تفاوتًا كبيرًا في الدخل (18)؛ حيث يُقَدَّر بأن ما يقرب من 60% من السكان تحت خط الفقر ويكسبون أقل من دولار واحد في اليوم (19). ويعيش 13,2% منهم في فقر مدقع، كما أن ما يقرب من 86٪ من السكان يقيمون في المناطق الحضرية، وهذا يعني أن أكثر من ثلث السكان يعيشون في العاصمة ليبرفيل.
والمساهم الرئيس النهائي في معدل الفقر المرتفع بشكل خاص في الجابون هو الفساد. فوفقًا لمنظمة الشفافية الدولية، تحتل الغابون المرتبة 101 من بين 176 دولة تم دراستها، كما أن الاستثمار في القطاعات يؤول إلى المنفعة الخاصة، وليس الصالح العام؛ حيث يستطيع القادة السياسيون تشويه الأسواق، والفشل في تحسين البنية التحتية، وإهمال كسب ثقة واحترام سكانهم (20)، إلى جانب التفاوت في الثروة والبطالة.
الموارد الطبيعية
تشمل المشاكل البيئية في الجابون إزالة الغابات والتلوث والحفاظ على الحياة البرية. فتتعرض الغابات التي تغطي 84% من البلاد للتهديد؛ بسبب أنشطة قطع الأشجار المفرطة، كما تواجه ضغوطًا بسبب منح تصاريح استخراج النفط، واستخراج المعادن في المناطق المحمية. وفي معظم الحالات، لا تجري تقييمات للأثر البيئي قبل الشروع في هذه الأنشطة (21).
وهناك أيضًا مشاكل أخرى تتعلق بإنشاء حدائق وطنية. وقد تم إنشاء عدد من هذه الحدائق دون أي مشاورات مع السكان المحليين الذين يعيشون في المنطقة المحيطة، وكثير منهم كانوا يستخدمون مناطق داخل حدود المتنزهات لبعض الأنشطة مثل الصيد. ونتيجة لذلك، تنشب الصراعات على أطراف عددٍ من هذه المتنزهات.
أما عن مصادر المياه فتمتلك الجابون ما يقرب من 164كم2 من موارد المياه المتجددة. ويحصل حوالى 47% من سكان الريف و95% من سكان الحضر على المياه النقية. لكن يحمل قطاع الخدمات العامة مخاطر فساد معتدلة. تتجسد في تبادل الرشاوى والمدفوعات غير المنتظمة في بعض الأحيان للحصول على المرافق العامة وخدمات المياه أو الصرف الصحي (22). كما أنَّ المياه تتأثر بملوثات صناعة النفط مما يُؤَثِّر سلبًا على عمليات الصيد في ظل توسُّع سكاني مصحوب بزيادة الطلب على اللحوم، مما يُشَكِّل تهديدًا كبيرًا للحياة البرية في الجابون.
المحور الثاني: سبل التعاون لمواجهة قضايا الفساد السياسي في دولة الجابون
إن الجابون تواجه تحديات في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، والتي يتسبب فيها الفساد لذلك لا بد من الوقوف على بعض التدابير الرامية التي يتعين على الدولة القيام بها على المستوى الداخلي، وبعضها الآخر تتكاتف فيه الدولة مع غيرها من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية، ولكن لا بد من وجود رغبةٍ جادة من الإرادة السياسية للقضاء على الفساد المتفشي في الدولة لتستطيع تحقيق أهداف التنمية المستدامة الملتزمة بها.
أولاً: الجهود على المستوى الداخلي
– تطوير الشراكات بين الحكومة والقطاع الخاص لتحسين جودة نظام التعليم، وجعله أكثر توافقًا مع احتياجات السوق الحالية. يقترح أيضًا إنشاء مسارات التعليم المهني والتقني (23).
– “تجاوز المعونة الإنمائية”؛ وذلك عن طريق الدخول في التجارة مع كل من البلدان المتقدمة والنامية، ولكن هذا يحتاج إلى تهيئة بيئة تمكينية؛ من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة في إفريقيا (24).
– “تعزيز حكم القانون” للقضاء على الفساد؛ حيث أدَّى غيابه إلى تفاقم المشكلة في الجابون، ولكن في حالة توفير إمكانية وصول العدالة إلى الجميع وبناء مؤسسات فعَّالة وشاملة ومسئولة على جميع المستويات تخضع لرقابة الدولة مهمتها الأساسية هي الحد من التدفقات غير المشروعة وعمليات الفساد والرشوة (25).
– “بناء الإدارات العامة” التي يمكنها إدارة تحديات أكثر تعقيدًا عبر القطاعات؛ حيث تجمع الإدارات عبر القطاعات لتحليل تحديات الحكم والفساد الناشئة وتحديد أفضل الطرق لمعالجتها. ويمكن أن يساعد ذلك في تخصيص الموارد للأهداف الاستراتيجية، وليس للوزارات أو الإدارات الفردية (26)، مع تركيز قويّ على الإدارة المستجيبة والمفتوحة والقائمة على المشاركة، والالتزام بالمعايير الأخلاقية، كما أن الخدمة المدنية الموثوقة والصادقة ضرورية لبناء واستدامة ثقة المستثمرين التي تعتبر حيوية للنمو الاقتصادي والقضاء على الفقر، وتساعد أيضًا على تحسين ثقة الجمهور وثقته بقدرة الحكومة على تلبية تطلعات الناس وتوقعاتهم.
ثانيًا: الجهود على المستوى الخارجي
*- “إقامة تجارة إقليمية تركز على تطوير البنية التحتية الإقليمية وبناء القدرات”؛ فالواقع أن تجارة الجابون مع الدول الإقليمية منخفضة، وتهيمن عليها المنتجات الغذائية المستوردة. ولكن إذا اتجهت لإقامة مناطق تجارة حرة إقليمية سيساعد ذلك الجابون والدول الأخرى في المنطقة في الحصول على أُسس لبناء مساحة اقتصادية متكاملة. كما ستستفيد من العمليات الإقليمية المحددة في برنامج تجمع الطاقة في إفريقيا الوسطى، ولا سيما مشروع الربط البيني بين الكاميرون والجابون. ويمكن لها أيضًا بالقيام بدور نَشِط في تنفيذ الخطة الرئيسة للنقل المركزي في إفريقيا الوسطى، وكذلك تسهيل النقل على ممر نيباد ياوندي- ليبرفيل- برازافيل، وهذا ينقل الجابون من اقتصاد ضَيِّق إلى اقتصاد متنوِّع يُحقِّق تنمية حقيقية (27).
*- “تعزيز الحوار بين بنك التنمية الإفريقي وبين السلطات الجابونية”، ويتم تقسيم هذا الحوار إلى ثلاثة أجزاء رئيسة، أولها تحليل للأداء الاقتصاد الجابوني منذ الاستقلال، وتأثيره على العمالة، ثانيها تحليل الخصائص الرئيسة لسوق العمل، وثالثها مراجعة العقبات الرئيسة لخلق فرص العمل.
*- ومن خلال هذا الحوار يمكن الخروج باستراتيجية تتضمن برنامجًا استثماريًّا لتطوير البنية التحتية وتهيئة البيئة الاقتصادية اللازمة لظهور اقتصاد متنوع ونمو مستدام (28).
*- “الإقرار الفعَّال والجادّ من جانب الإرادة السياسية في الجابون بمساهمة برنامج الأمم المتحدة في تعزيز قُدُرَات الأُطُر الإقليمية، وخاصة المجلس الاستشاري للاتحاد الإفريقي لمكافحة الفساد” (29).
*- “تبادل ومشاركة الجابون خبرات التصدِّي للفساد مع دول الجوار الإقليمي”؛ يمكن أن تتشارك وتتبادل الخبرات مع دولة رواندا، والتي تعتبر البلد الوحيد في إفريقيا الذي يُسَجِّل تحسنًا في المؤشرات التي تبين انخفاض الفساد. فإن أقامت الجابون بروتوكول تعاون معها للاستفادة من خبراتها سيعزز من قدراتها على مواجهة الفساد بناء على تجربة عملية ناجحة.
*- “على الاتحاد الافريقي أن يطرح مبادرة لإنشاء مجلس استخباراتي”؛ يقوم بعمليات التَّتَبُّع تشارك فيه جميع الدول الإفريقية, وتكون مهام المجلس هي مراقبة دولية للدول الأعضاء، فيقوم الممثلون عن دولهم بمراقبة المخالفات التي تحدث على أراضيهم، ويتم مناقشتها، وطرح حلول لها، وإنذار تلك الدولة بالمخالفات التي تقوم بها، أو اللجوء إلى اتخاذ إجراءات عقابية، مثل حرمانها من عضوية الاتحاد. كما يعمل هذا المجلس أيضًا على مراقبة التدفقات المالية غير المشروعة، والتجارة غير المشروعة أيضًا، ويسعى إلى إبلاغ الدولة بالمعلومات التي يتوصل إليها.
*- “إدراك الجابون بفاعلية اتحادها التامّ مع الاتحاد الإفريقي في خطته الخمسية للتنمية”، جدول أعمال 2063، والتي من خلالها يسعى الاتحاد الإفريقي لبناء قارة سلمية مزدهرة ومتكاملة، وأن يقودها ويديرها مواطنوها، ويمثل قوة ديناميكية في الساحة الدولية، ويعمل على حلّ المشكلات الرئيسة فيها، وهذا ما لا يتعارض مع أهداف التنمية المستدامة (30).
الخاتمة
ترى الباحثة من خلال دراستها أن الفساد ساهم في عدم استقرار الدولة، ونشوب الحروب الأهلية على الموارد في العديد من البلدان الإفريقية. كما أن تجارب العديد من الدول التي تمر أو خرجت من الصراع تبيِّن أن الفساد هو العامل المهيمن في دفع الدول من حالة الهشاشة إلى حالة الدولة الفاشلة (31).
ويمكن أن يؤدي الفساد إلى صراعٍ عنيفٍ وإدامته، في سياق الأنظمة الموروثة، والتي تتدهور في ظل الصدمات والضغوط المحلية والدولية من أجل إصلاح السوق.
النتائج
من خلال التحليل السابق خَلُصَ الباحث إلى عددٍ من النتائج، وهي كالآتي:
– الفساد في الأساس فساد نظام حكم، وهو تحدٍّ للعمل الديمقراطي. كما أن الفساد يؤدي إلى فشل كل المؤسسات والضوابط والتوازنات الاجتماعية والقضائية والسياسية والاقتصادية اللازمة للحكم بفاعلية.
– إن انتشار الرشوة على نطاق واسع يرتبط بارتفاع معدلات وفيات الأمهات ووفيات عدد أكبر من الأطفال قبل بلوغهم سن الخامسة.
– نسبة من الأطفال لا يكملون دراستهم الابتدائية بسبب شيوع الرشوة في البلاد.
– هناك رابط معقد موجود بين الفساد وغياب عدالة توزيع الدخل؛ فالفجوة بين الأغنياء والفقراء آخذة في الاتساع.
– طبقًا لمنظمة الشفافية الدولية للبلدان العشر الأكثر فسادًا في العالم، هناك ستة بلدان في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
التوصيات
* – ينبغي وجود أُطُر قانونية لمكافحة الفساد، وإشراك المواطنين في مبادرات مكافحة الفساد.
* – يجب مكافحة التدفقات المالية غير المشروعة، لجمع الموارد اللازمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
* – ضمان التوزيع السليم للموارد المالية، ومراقبتها من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة وضمان تتبعها، وإعداد التقارير عنها.
* – تعزيز دور المجتمع المدني في تعزيز الشراكة والتعاون في مراقبة سياسات واستراتيجيات مكافحة الفساد، مع بناء القدرات في الإدارات العامة، وتعزيز القيادة من أجل نظام أكثر كفاءة.
* – تبادل الدروس المستفادة وأفضل الممارسات في البلدان الإفريقية التي تعمل بشكل جيد في مكافحة الفساد، وكذلك من خلال تعزيز التعاون فيما بين بلدان الجنوب الإفريقي.
الحالات والهوامش:
(*) باحثة مصرية ، متخصصة في شؤون القارة الإفريقية
(1)- http://anbaaonline.com/?p=48405
(2) –http://mawdoo3.com/%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%A7%D8%A8%D9%88%D9%86–
(3) – https://www.elwatannews.com/news/details/980614
(4) – مرجع السابق http://mawdoo3.com/%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%A7%D8%A8%D9%88%D9%86–
(5) – Gabon Cuitural Field Guide, For official USE only, Prepared by: Marine Corps Intelligence Activity, 2033 Barnett Avenue, Quantico, VA 22134-5103, Published: September 2010.
(6) – المرجع السابق، http://foreignpolicy.com/2016/09/19/independent-think-tank-honors-african-dictator-as-global-citizen-ali-bongo-gabon/
(7) – Why Did the Atlantic Council Even Consider Giving African Dictator Ali Bongo Ondimba a ‘Global Citizen Award’?, available at http://foreignpolicy.com/2016/09/19/independent-think-tank-honors-african-dictator-as-global-citizen-ali-bongo-gabon/
(8) – Gabon, Country Reports on Human Rights Practices for 2011,United States Department of State, Bureau of Democracy, Human Rights and Labor
(9) – المرجع السابق، Country Reports on Human Rights Practices for 2011,United States Department of State • Bureau of Democracy, Human Rights and Labor
(10) – Gabon Corruption Report, available at https://www.business-anti-corruption.com/country-profiles/gabon
(11) – مرجع سابق، Country Reports on Human Rights Practices for 2011,United States Department of State • Bureau of Democracy, Human Rights and Labor
(12) – Gabon, available at https://www.heritage.org/index/country/gabon
(13) – REPUBLIC OF GABON, AFRICAN DEVELOPMENT BANK GROUP, Operations Department Centre Region – ORCE, August 2011, pdf.
(14) – World Economic Forum: Global Competitiveness Report 2015-2016.
(15) – مرجع سابق، https://www.business-anti-corruption.com/country-profiles/gabon
(16) – Gabon, Region: Sub-Saharan Africa Income Group: Upper Middle Income, National Education Profile 2014 Update, Source for region and income groupings: World Bank 2014, available at https://www.epdc.org/sites/default/files/documents/EPDC%20NEP_Gabon.pdf
(17) – Gabon’s Unemployment Conundrum: Why Economic Growth is not Leading to More Jobs, available athttp://www.worldbank.org/en/news/feature/2015/03/31/gabons-unemployment-conundrum-why-economic-growth-is-not-leading-to-more-jobs
(18) – Oil, Inequality, and Youth: Poverty in Gabon, available athttps://borgenproject.org/oil-inequality-and-youth-poverty-in-gabon/
(19) – Higher GDP, Higher Unemployment: The Gabon Poverty Rate, BY BRADLEY TAIT ON OCTOBER 8, 2017,WORLD NEWS, available at http://www.borgenmagazine.com/unemployment-the-gabon-poverty-rate/
(20) – مرجع سابق، متاح علىhttps://borgenproject.org/oil-inequality-and-youth-poverty-in-gabon/
(21) – The problems faced by Gabon’s forests and the communities that depend on them: a menu of logging, dams, oil, mining, parks, railways, roads, ports, available at https://wrmbulletin.wordpress.com/2008/08/25/the-problems-faced-by-gabons-forests-and-the-communities-that-depend-on-them-a-menu-of-logging-dams-oil-mining-parks-railways-roads-ports/
(22) – مرجع سابق، متاح على https://borgenproject.org/oil-inequality-and-youth-poverty-in-gabon/
(23) – مرجع سابق، متاح على http://www.worldbank.org/en/news/feature/2015/03/31/gabons-unemployment-conundrum-why-economic-growth-is-not-leading-to-more-jobs
(24) –CORRUPTION,AN IMPEDIMENT TO SDGS,ACHIEVEMENT:WHAT MUST AFRICA DO?, report of the Maendeleo policy forum held on 7 February 2017 UNDP Regional Service Centre For Africa Addis Abab, Ethiopia. Service Centre for Africa, Addis Ababa, Ethiopia
(25) – مرجع سابق، CORRUPTION,AN IMPEDIMENT TO SDGS,ACHIEVEMENT:WHAT MUST AFRICA DO?,
(26) – مرجع سابق CORRUPTION,AN IMPEDIMENT TO SDGS,ACHIEVEMENT:WHAT MUST AFRICA DO?,
(27) – REPUBLIC OF GABON, AFRICAN DEVELOPMENT BANK GROUP, Operations Department Centre Region – ORCE, August 2011, pdf
(28) – مرجع سابق ، متاح على http://www.worldbank.org/en/news/feature/2015/03/31/gabons-unemployment-conundrum-why-economic-growth-is-not-leading-to-more-jobs
(29) – مرجع سابق، CORRUPTION,AN IMPEDIMENT TO SDGS,ACHIEVEMENT:WHAT MUST AFRICA DO?,
(30) – https://www.oecd.org/dac/financing-sustainable-development/Taking_stock_of_aid_to_LDCs_Flyer_2015.pdf
5 Ibid
(31) – UNDP Policy note on Corruption and Development, New York , 2014.