بسام المسلماني (*)
تعرَّضت العاصمة واجادوجو لهجمات استهدفت مقرًّا لقوات الجيش والسفارة الفرنسية؛ ما أسفَر عن سقوط 16 قتيلاً حسب الإحصاءات الرسمية و80 جريحًا، بينما تشير مصادر غير رسمية إلى أن عدد القتلى قد يتجاوز الـ28 قتيلاً.
ودعا روتش كابوري رئيس بوركينا فاسو مواطني بلاده إلى التعاون الوثيق مع القوات المسلحة.
وقال كابوري في كلمة أذاعها التلفزيون المحلي: ”إنها لحظات صعبة. أود أن أجدِّد التأكيد لإفريقيا وللعالم بأسره إيماني الراسخ بقدرة شعب بوركينا فاسو على الحفاظ على هيبته والتصدي لأعدائه بضراوة. أود أن أحثّ الشعب على تشديد التعاون مع قواتنا العسكرية والأمنية في معركتنا المشتركة ضد الإرهاب“.
وقد أعلن وزير الأمن البوركيني كليمونت ساوادوغو في مؤتمر صحفي أنَّ ثمانية جنود لقوا مصرعهم في جبهة القتال، وأُصيب 80 شخصًا بجروح، بينهم 12 شخصًا إصاباتهم بليغة نسبيًّا، وثلاثة عناصر من قوات الأمن والدفاع حالتهم حرجة.
واغتنم ساوادوغو الفرصة لتفنيد الحصيلة التي قدمتها بعض وسائل الإعلام الفرنسية حول الهجمات. وقال في هذا الإطار: “أفنِّد رسميًّا الأنباء التي أشارت إلى سقوط 20 قتيلاً”.
وكانت مصادر إعلامية فرنسية قد قالت: إن 28 شخصًا سقطوا جراء الهجمات، وجُرِحَ العشرات.
من وراء هذه الهجمات؟
نسبت وكالة الأخبار الموريتانية – موقع خاص- لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة في مالي، ، مسؤوليتها عن هجومي واغادوغو، وحسب الوكالة ، قالت الجماعة: إن الهجومين نُفِّذَا انتقامًا لمقتل أحد قادة الجماعة وهو محمد حسن الأنصاري في غارة نفَّذتها القوات الفرنسية في الآونة الأخيرة .
ولم يعلن أي من مواقع القاعدة على الانترنت تبنيه للهجوم .
ردود فعل دولية:
أدان أعضاء مجلس الأمن الدولي بأشد العبارات، الهجوم “الإرهابي الهمجي والجبان” الذي وقع في عاصمة بوركينا فاسو “واغادوغو” ضد مقر الجيش، والسفارة الفرنسية.
ونقل مركز أنباء الأمم المتحدة عن أعضاء المجلس، في بيان صحفي، قولهم: إن “الإرهاب” بكل أشكاله وصوره يُمثِّل أحد أخطر التهديدات للسلم والأمن الدوليين، وأعربوا عن تضامنهم مع بوركينا فاسو في حربها ضد “الإرهاب”، وشدَّدوا على الحاجة لتعزيز الجهود الإقليمية والدولية لمحاربة “الإرهاب”، والتطرف العنيف الذي قد يُفضي إلى “الإرهاب”.
من جانبها أدانت الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي بشدة، الهجمات التي تعرضت لها السفارة والمعهد الفرنسيان، إضافة الي مقر القوات المسلحة في العاصمة البوركينية واغادوغو.
وذكر الموقع الرسمي للمنظمة، أنَّ الأمين العام “يوسف بن أحمد العثيمين”، وصف هذا العمل بـ”الإجرامي”، وحثَّ السلطات المحلية على بذل كافة الجهود لإلقاء القبض على الجناة، ومن يقف وراءهم، وتقديمهم إلى العدالة، وتقدَّم بخالص تعازيه إلى أسر الضحايا وإلى حكومة بوركينا فاسو وشعبها على إثر الخسارة المفجعة في فقدان الأرواح الغالية، متمنيًا للجرحى عاجل الشفاء.
وجدَّد ” العثيمين” التأكيد على موقف المنظمة المناهض لجميع أشكال التطرف العنيف والإرهاب، معرباً من جديد عن تضامن المنظمة الثابت مع حكومة بوركينا فاسو في تصميمها على مكافحة الإرهاب. وشدَّد الأمين العام على ضرورة زيادة الشراكة الدولية لدعم الجهود التي تبذلها بوركينا فاسو والبلدان الواقعة في منطقة الساحل لدحر الخطر الإرهابي.
كما أدانت موريتانيا وتونس هذه الهجمات، مُعربتين عن تضامنهم الكامل مع حكومة بوركينافاسو في تصديها للإرهاب.
رد الفعل الفرنسي:
فور وقوع الهجوم على السفار الفرنسية والمعهد الفرنسي، نشرت السفارة في واجادوجو رسالة مقتضبة على صفحتها بموقع الفيس بوك قبيل الساعة 11 ت غ، تحذر مواطنيها قائلة: “هجوم جارٍ على سفارة فرنسا والمعهد الفرنسي. ابقوا في أماكنكم”.
وانتشرت القوات الفرنسية الموجودة في بوركينا فاسو أيضًا في مكان الحادث. خلال ذلك ظلت حالة من الترقب تسود الأوساط السياسية الفرنسية، حتى السيطرة على الأوضاع على الأرض، وأعلنت أوساط قريبة من وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بعد ظهر الجمعة أن الوضع “تحت السيطرة” في السفارة الفرنسية والمعهد الفرنسي، وقالت: إن “الوضع تحت السيطرة فيما يتعلق بالبعثات الدبلوماسية الفرنسية”.
وقال لودريان: إنه لا معلومات عن وقوع ضحايا من الفرنسيين في الهجوم. وأعلن قصر الإليزيه أن الرئيس إيمانويل ماكرون يتابع التطورات في واغادوغو “بانتباه شديد”.
وقال وزير الخارجية الفرنسي لتلفزيون “إل سي إي”: إنه “ليس هناك ضحايا من الفرنسيين على حد علمنا”، مشيرًا إلى أنه تم القضاء على المهاجمين. وأضاف أن مركز الأزمات في الوزارة في باريس يراقب الوضع.
من جهتها أفادت الرئاسة الفرنسية أن “الرعايا الفرنسيين في واغادوغو يجب أن يتبعوا تعليمات السفارة” التي طلبت منهم البقاء في أماكنهم.
وأعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مجددًا عن “التزام فرنسا التام مع شركائها من مجموعة دول الساحل في مكافحة الحركات الإرهابية” بعد الهجمات في واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو.
وأعلن النائب العام لباريس فتح تحقيق رسمي في “محاولة قتل متصلة بمنظمة إرهابية”، وهذا إجراء متوقَّع بعد هجمات تستهدف مواطنين أو مصالح فرنسية.
واعتبر جان مارك شاتنييه سفير فرنسا في منطقة الساحل بغرب إفريقيا أنه هجوم “إرهابي”، كاتبًا في تغريدة على تويتر: “هجوم إرهابي هذا الصباح في واغادوغو في بوركينا فاسو: نتضامن مع الزملاء والأصدقاء من بوركينا فاسو”.
الجديد في الهجوم الأخير:
الهجمات هذه المرة تستهدف أماكن حساسة ومحصَّنة، في السابق كانت الهجمات تستهدف مناطق رخوة لا تتواجد فيها حراسات مشددة وبالتالي فهي أهداف سهلة، نحو الفنادق أو المطاعم التي يرتادها سياح أجانب، مثلما وقع في هجوم يناير 2016م الذي استهدف مطعم وفندق في واجادوجو وأسفر عن مقتل 30 شخصًا، أو هجوم أغسطس الماضي على مطعم وراح ضحيته 18 قتيلاً، بينما هذه المرة استهدفت الهجمات أماكن محصَّنة توجد فيها حراسات مشددة سواء، كان مقر الجيش أو السفارة الفرنسية، والاثنان يقعان على بعد كيلو متر واحد من مكتب رئيس الحكومة. ويوجدان في منطقة تزدحم بمقرات عسكرية وحكومية، وأخرى دبلوماسية تابعة لسفاراتٍ عدة، إضافة إلى مكاتب تابعة لمنظمة الأمم المتحدة، ما يعني أن المجموعة المسلحة التي قامت بالهجوم لديها القدرة والجرأة على مهاجمة هذه الأماكن الحصينة في قلب العاصمة البوركينية .
خريطة توضح الهجمات الإرهابية الثلاث التي استهدفت العاصمة البوركينية واجادوجو خلال الأعوام الماضية
الهجمات السابقة كانت أدوات الهجوم المستخدمة هي الأسلحة الرشاشة، وخطط الهجوم تتسم بالسطحية؛ حيث يتم إطلاق نار بشكل عشوائي على مكان الهجوم بهدف سقوط أكبر عدد من الضحايا دون تمييز بين مواطنين محليين وأجانب، لذلك كانت غالبية القتلى من المدنيين البوركانيين، بينما الهجوم الأخير يبدو من طريقة التنفيذ أنه تم التخطيط له بشكل متقن؛ حيث تشير التقارير إلى أن الهجوم على مقر الجيش تم من خلال عملية مزدوجة؛ حيث انفجرت سيارة مفخخة قرب مقر قيادة الجيش، وهو أمر غير مسبوق في بوركينا فاسو، في الساعة العاشرة صباحًا، أعقبه هجوم من جانب رجال مسلحين متنكرين في زي عسكري، بالتزامن مع ذلك هاجم مسلحون مقرَّ السفارة الفرنسية، مما يعني أن هناك تطورًا في طبيعة وتفكير المسلحين في بوركينا فاسو.
كما أن الهجمات السابقة كانت تستهدف المواطنين الأجانب دون تمييز، وبالتالي فقد كانت تحمل رسالة ضد القوى الغربية بشكل عام، بينما هذا الهجوم مُوجَّه بشكل رئيس لفرنسا والجيش البوركيني، بما يضمن رسالة رمزية إلى قوات الجيش البوركيني والقوات الفرنسية .
يأتي الهجوم الأخير بعد أيام من اجتماع مجموعة دول الساحل (G 5) في بروكسل مع دول الاتحاد الأوروبي، ودعم الأخيرة لقوة دول الساحل الوليدة بـ414 مليون يورو، وكأنها رسالة لبوركينافاسو أن هذا ثمن مشاركتها في هذه القوة، كما أنها رسالة لفرنسا التي تقود هذه القوات، لذلك فقد سارع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أعقاب الهجوم، وأكد “التزام فرنسا التام مع شركائها من مجموعة دول الساحل في مكافحة الحركات الإرهابية”.
لماذا تصاعدت الهجمات في بوركينا فاسو:
تصاعدت الهجمات في بوركينا فاسو منذ الفصل الأول من عام 2015م، فإلى جانب هجومين رئيسين وقعا في يناير 2016م وأغسطس 2017م؛ شهدت شمال البلاد تصاعدًا خطيرًا في الهجمات المسلحة ضد قوات الأمن وعناصر مدنية أدت إلى مقتل 133 شخصًا خلال 80 هجومًا بحسب حصيلة رسمية.
وهناك عدد من التحليلات التي تحاول تفسير لماذا أصبحت بوركينافاسو مسرحًا للعمليات الإرهابية؟
فتُرْجِع بعض التحليلات هذا التصاعد إلى سقوط النظام الليبي في عام 2011م، مما أدَّى لتدفق كبير في الأسلحة، وانتشار للمقاتلين في منطقة الساحل، وهو ما أدَّى لانتشار أعمال العنف العابرة للحدود، وتوسع الهجمات في عدد من دول الساحل.
فيما تُرْجِع بعض التحليلات هذه الهجمات إلى سقوط نظام الرئيس السابق الرئيس بليز كمباوري في 31 أكتوبر 2014م، ويأتي هذا الهجوم الأخير متزامنًا مع مثول 84 متهمًا، من بينهم الجنرالان جيلبر ديانديرى وجبريل باسولي، المخططان المفترضان للانقلاب على الثورة، وهناك بعض العسكريين غير راضين عن طريقة محاكمتهم، ومن ثَمَّ فقد تكون لهم يدٌ في تصعيد الأوضاع في البلاد.
وهناك تفسير ثالث؛ حيث بمكن تفسير هذا التصاعد إلى مجاورة بوركينافاسو لبلدان تنشط فيها الجماعات المسلحة، ومن ثَمَّ تسعى هذه الجماعات إلى توسيع مجال عملها الذي اقتصر لفترة طويلة جدًّا على شمال مالي أو موريتانيا والنيجر، وإيجاد قواعد خلفية لها في بوركينافاسو، ساعد على ذلك سقوط نظام الرئيس السابق بليز كامباوري؛ فالأجهزة الأمنية التي تمكنت في عهده من منع الجماعات المسلحة من تنفيذ هجماتها لم تَعُدْ بنفس القدرة لمنع هذا النوع من العمل نتيجة لتفكيكها مما أثَّر تأثيرًا سلبيًّا على كفاءة هذه الأجهزة.
(*) مدير تحرير موقع قراءات إفريقية