عصام زيدان
باحث في الشؤون السياسية
انطلقت، السبت 6-2-2021م، وعلى مدى يومين اجتماعات قمَّة الاتحاد الإفريقي على مستوى رؤساء الدول في دورتها العادية ٣٤، والتي تنعقد للمرة الأول افتراضيًّا عن طريق تقنية الفيديو كونفرانس «أونلاين»؛ نظرًا للظروف الاحترازية بسبب فيروس كوفيد- ١٩؛ حيث تم إطلاق موضوع الاتحاد الإفريقي لعام 2021م: “الفنون والثقافة والتراث: أدوات لبناء إفريقيا التي نريدها”.
ولاية منتهية ومعارضة منتقدة:
ومن الناحية البروتوكولية, بدأت وقائع القمَّة في جلستها المفتوحة الأولى بكلمة الرئيس المنتهية ولايته، سيريل رامافوزا، رئيس جمهورية جنوب إفريقيا ورئيس الاتحاد الإفريقي، ومن بعد ذلك تم تسليم رئاسة الاتحاد إلى الرئيس فليكس تشيسكي رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية في دورته الجديدة.
وقد انتقدت المعارضة الجنوب إفريقية الولاية التي أنهاها سيريل رامافوزا كرئيس للاتحاد الإفريقي، على اعتبار أنها “تركت الكثير من المهمات غير المنجزة“, واتسمت باللامبالاة تجاه الانتكاس الديمقراطي في عدة بلدان إفريقية، وباحترام “سياسة الرجل القويّ”، ووقف رافاموزا موقف المتفرج، ولم يدقّ جرس الإنذار بشأن انتهاكات حقوق الإنسان عبر القارة”.
انتخابات وصراعات:
واستكمالاً للجوانب البروتوكولية، برز المرشح الوحيد الذي تقدّم في المواعيد الرسمية المقرّرة لمنصب رئيس المفوضية لدورة جديدة: موسى فقيه محمد من دولة تشاد رئيس المفوضية الحالي، ولم تتقدّم أيّ دولة إفريقية بمرشح منافس له، وهو ما عزَّز فرصة إعادة انتخابه لدورة جديد؛ حيث إن الرئيس الحالي، لن يفوز بتزكية مباشرة وتلقائيًّا، ولكن يتطلب الاقتراع على ترشحه للمنصب حصوله على ثلثي أصوات الدول الأعضاء في الاتحاد عند التصويت في أيّ عملية اقتراع على المنصب، والتي تصل إلى سبع دورات اقتراع متتالية يوم الانتخاب؛ طبقًا للقوانين الخاصة المُنظِّمة لإجراءات قواعد العملية الانتخابية بالمنظَّمة.
أما انتخاب نائب رئيس المفوضية؛ فقد تصارع حوله ستة مرشحين بعد سحب دولة جنوب إفريقيا لمرشحيها على ذات المنصب، والمرشحون حسب ترتيبهم الأبجدي: حسناء بركة داود من جيبوتي، وأولي علي كلاني «ذكر» من الصومال، وباميلا كاسابيتي مبابازي من أوغندا، ود. نسانزا باجانو مونيك من رواندا, أما المرشحتان مارتا آما أكيا بوبي من غانا، وفاتوماتا س.م. جالو-تامبا جانغ من جامبيا، فقد قدمت دولتاهما غانا وجامبيا طلب انسحابهما رسميًّا للمنظمة عن استكمال التنافس على منصب نائب الرئيس .
وقد تم إعادة انتخاب موسى فقيه محمد، لولاية ثانية على رأس المفوضية مدتها أربع سنوات، وكذا انتخاب نائبة محافظ البنك الوطني الرواندي، مونيك نسانزاباجانوا، نائبة لرئيس المفوضية، وتم انتخاب الدبلوماسي النيجيري بانكول أديوي مفوضًا للشؤون السياسية والسلام والأمن في الاتحاد الإفريقي، فيما أُعِيدَ انتخاب كل من جوزيفا ساكو من أنغولا مفوّضة مكلّفة بالزراعة والتنمية القروية والاقتصاد الأزرق والبيئة المستدامة، وألبرت موشانغا من زامبيا مفوضًا للتنمية الاقتصادية والتجارة والصناعة والمناجم، وأماني أبو زيد من مصر مفوضة للبنية التحتية والطاقة.
التحديات المتنامية والمتغيرات الراهنة:
وقد سيطرت التحديات المتنامية في ضوء المتغيرات الراهنة، بخاصة الأمنية والصحية، على أجواء القمَّة الإفريقية الـ34، وفرضت عدة ملفات مرتبطة بقضايا الأمن والصحة في القارة السمراء نفسها على طاولة القادة الأفارقة، بداية من القضايا المحليّة المُلِحَّة التي تواجهها كل دولة على حدة، من بينها: قضايا الفقر، وحتى القضايا الإقليمية المتشابكة والمعقدة، ومنها الأزمة في ليبيا، التي تخطو بخطوات مصيرية نحو المستقبل، مرورًا بسلسلة من القضايا شديدة التعقيد، منها ملف الأزمات الحدودية وتداعياتها على الأمن.
فضلاً عن ثلاثة ملفات رئيسة فرضت نفسهما على أجندة وأولويات الاتحاد، وهي:
الملف الأول: ملف أزمة سد النهضة الإثيوبي، وهي الأزمة الممتدة منذ العام 2011م، وحتى الآن، والتي تضع الاتحاد الإفريقي في مأزقٍ شديدٍ بعد أن لم تتوصَّل جهوده لحلٍّ ناجعٍ يُفْضِي إلى تفاهمات بين الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) منذ تدخله في هذا الملف.
الملف الثاني: ملف الإرهاب الذي يُغْرِق القارة الإفريقية، ويُهدِّد بمزيد من التوترات الأمنية المتصاعدة، مع لجوء العديد من التنظيمات الإرهابية إلى إفريقيا كملاذٍ آمِن بعد الخسائر التي مُنِيَتْ بها تلك التنظيمات في مناطق أخرى؛ حيث قال الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي، رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، فيليكس أنطوان تشيسكيدي، خلال الجلسة الختامية للقمَّة: “إن الإرادة والجهود التي يتم حشدها حاليًا لبناء إفريقيا قوية البيان، مُهدّدة بالتقويض في مناطق مختلفة من القارة بسبب التحدّي الأمني”، مشيرًا إلى انتشار الجماعات المسلحة المحلية والأجنبية، فضلاً عن ظهور الجماعات الإرهابية المسؤولة عن تدمير النُّظُم البيئية ونهب الموارد الطبيعية في وسط إفريقيا، ولا سيما في جمهورية إفريقيا الوسطى وشرق وشمال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي منطقة الساحل والصحراء، وكذلك في جنوب القارة بموزمبيق.
وحذَّر تشيسكيدي من أن هذه التحديات تمثل تهديدًا حقيقيًّا للسِّلْم والأمن والاستقرار في القارة، مشيرًا إلى أن المؤتمر أكَّد على ضرورة استئصال هذه الظواهر وفرض السلام بأيّ ثمن.
الملف الثالث: قرَّر رؤساء دول وحكومات البلدان الأعضاء في الاتحاد الإفريقي التطبيق الفعلي للاستراتيجية القارّية المشتركة لمكافحة جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) .
وقال الرئيس تشيسكيدي، خلال الجلسة الختامية للقمَّة: إنه تم الاتفاق على تعزيز موارد الصندوق الإفريقي لفيروس كوفيد-19، وإنشاء منصَّة إفريقية لاقتناء المعدات الطبية وتسريع الاختبارات.
وقد صادقت القمَّة على تقرير يتعلق بنشاط المبعوثين الخاصين للاستجابة لـ كوفيد-19، وعلى العمل الذي قامت به فرقة العمل الإفريقية المنشأة حديثًا لاقتناء اللقاحات, كما أعلن عن تبنّي مبدأ تعزيز وتمكين المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها؛ من خلال منح المشرفين عليها الصلاحيات والسلطات الضرورية.
الإصلاح المؤسّسي:
وشمل جدول أعمال القمَّة جلسات مغلقة تم خلالها الاستماع إلى تقرير مرحلي عن الإصلاح المؤسسي للاتحاد الإفريقي، قدَّمه بول كاجامي، رئيس جمهورية رواندا وقائد الإصلاح المؤسسي, الذي قال في تقريره خلال القمَّة: إن الاتحاد الإفريقي بحاجة إلى إصلاح أذرعه القضائية والبرلمان الإفريقي وهياكل المفوضية، كما دعا إلى إجراء تغييرات قال إنها ستعزّز أنظمة الرعاية الصحية الإفريقية.
وكان الاتحاد قد قرَّر في عام 2016م أنه بحاجة إلى العمل على إجراء إصلاحات تجعله أكثر انتباهًا وتركيزًا وقدرةً على المحاسبة، وجعل رئيس رواندا بول كاجامي مسؤولاً عن هذه العملية.
وفي الشأن ذاته، قال الرئيس النيجيري محمد بخاري: إنه يتعين على الاتحاد إجراء إصلاح شامل حتى يظل قادرًا على القيام بدوره، وقال في بيانه في ختام القمَّة الافتراضية: “الحقائق العالمية تتطلب إصلاح الاتحاد الإفريقي إذا كان يريد أن يظل وثيق الصلة بالعلاقات بين الحكومات”, مطالبًا بإصلاح مفوضية الاتحاد الإفريقي؛ لتتسم بالكفاءة والفعالية، وتلتزم تمامًا بأداء واجباتها ومسؤولياتها”.
ولم يحدّد بخاري التغييرات التي يفكّر فيها لإصلاح الاتحاد الإفريقي الذي يملك بعثة لحفظ السلام تُمكّنه من إرسال قوات إلى الدول الأعضاء.
أبرز التوصيات:
أصدرت القمَّة الإفريقية عدة توصيات ختامية, منها:
– دعم حكومة الجزائر في التنفيذ الكامل لمتحف إفريقيا الكبير، والترويج لإطلاقه عام 2021م.
– طلب دعم الشركاء لضمان تطعيم 60% على الأقل من سكان القارة من فيروس كورونا.
– إعلان الفترة 2021- 2031م “عقدًا للجذور الإفريقية والمهجر الإفريقي”.
– كما حثَّت الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي التي لم تُصدِّق بعدُ على ميثاق النهضة الثقافية الإفريقية والنظام الأساسي للجنة الإفريقية للمواد السمعية البصرية على التعجيل بعملية التصديق لضمان دخولهما حيّز التنفيذ.
– كما دعت القمَّة جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي لدعم الدورة الثانية لمنتدى لواندا حول ثقافة السلام الذي يُعْقَد كل سنتين في لواندا بأنجولا، والمقرر عقدها في 2021م والمشاركة فيها، وهي مبادرة تندرج ضمن خارطة الطريق المنبثقة عن المذكرة المفاهيمية لموضوع الاتحاد الإفريقي لعام 2021م، وتنظمها جمهورية أنجولا بالتعاون مع اليونسكو ومفوضية الاتحاد الإفريقي.