الأفكار العامة
– صدور تقرير للجنة المشتركة من المؤرخين الكاميرونيين والفرنسيين يُسلّط الضوء على دور فرنسا في الكاميرون خلال الفترة ما بين 1945 و1971م.
– بينما ينظر البعض إلى اللجنة المزدوجة على أنها محاولة للتحايل على الاعتراف بالمجازر الاستعمارية؛ يرى الآخرون أنها عبارة عن كسر المحرمات وتجديد الشراكة البينية.
– التقرير التاريخي مُكوّن من 1000 صفحة، وتم اعتماد منهجية البحث فيه على الرجوع إلى 1100 صندوق أرشيف، ومحفوظات الأمم المتحدة في لندن وهولندا وسويسرا، والاطلاع على 2300 وثيقة بعد رفع السرية عنها لملء فراغ الذاكرة، بالإضافة إلى أرشيف شفهي.
– فشل الاستقلال الرسمي (يناير 1960م) في وضع حدّ لتورُّط السلطات الفرنسية في قمع حركات المعارضة.
– يُمثّل التقرير تقدمًا في فهم التاريخ الاستعماري للكاميرون.
بقلم: شريف عثمان مباردونكا
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
نشر 14 باحثًا فرنسيًّا وكاميرونيًّا، بعد عامين من البحث، تقريرًا عن دور فرنسا في الكاميرون بين عامي 1945 و1971م.
تم تسليم تقرير اللجنة الفرنسية الكاميرونية حول دور فرنسا والتزامها في الكاميرون في مكافحة حركات الاستقلال والمعارضة إلى الرئيسين الفرنسي والكاميروني.
بعد قصر الإليزيه في باريس في 21 يناير، استقبل قصر الوحدة في ياوندي أعضاء “اللجنة المشتركة” يوم الثلاثاء 28 يناير 2025م.
في الواقع، ترأس الرئيس بول بيا في ذلك اليوم حفل تسليم استنتاجات الباحثين حول الأحداث التي وقعت في الكاميرون أثناء الاستعمار وبعد الاستقلال.
نشأة التقرير:
أعلن الرئيس الفرنسي، في 26 يوليو 2022م، عن رغبته في إنشاء لجنة مشتركة من المؤرخين الكاميرونيين والفرنسيين “لتسليط الضوء” على تصرفات فرنسا في الكاميرون في أثناء الاستعمار وبعد الاستقلال. جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عقب لقائه مع الرئيس “بيا”.
وكان الرئيس الفرنسي قد أعلن أيضًا فتح الأرشيف الفرنسي بالكامل حول لحظات “مؤلمة في تاريخ الكاميرون”.
كان ماكرون يرد على سؤال لصحافي أراد معرفة ما إذا كانت فرنسا “ستقدم اعتذارًا أو تعويضات عن الجرائم التي ارتُكبت في الكاميرون”.
ويرى المخرج والكاتب الكاميروني “جان بيير بيكولو” أن “التقرير ينبع من نوع من الشك الذي يبديه الرئيس الفرنسي حول الجرائم التي ارتُكبت في الكاميرون خلال الفترة الاستعمارية وبعدها”.
وكان المؤرخ “يعقوب تاتسيتسا” قد قال في وقتٍ سابقٍ من الإعلان: إن “إنشاء لجنة من المؤرخين هو وسيلة للتحايل على الاعتراف بالمجازر الاستعمارية”.
لكن الرئيس “بول بيا” اعتبر أن إنشاء هذه اللجنة الفرنسية الكاميرونية كان يهدف إلى “كسر محرمات تعود إلى عقود، حتى تعرف العلاقة بين فرنسا والكاميرون تطورات جديدة”. فهو يرى أن ذلك كان في الواقع استمرارًا منطقيًّا للأفكار التي طرحها في كتابه “من أجل ليبرالية الجماعة” الذي نُشِرَ في عام 1987م.
وكان “بول بيا” قد قال في وقت سابق: إن استقلال بلادنا (الكاميرون) تم الحصول عليه بشق الأنفس. لقد تم انتزاع استقلال بلادنا من يد المستعمر من خلال صراعات ضارية خاضها المقاتلون الذين يجمعهم حب الوطن.
منهجية العمل:
شاركت في رئاسة اللجنة المشتركة الفرنسية الكاميرونية متعددة التخصصات والمعنية بدور فرنسا والتزامها في الكاميرون في مكافحة حركات الاستقلال والمعارضة بين عامي 1945 و1971م؛ الباحثة الفرنسية كارين راموندي، والفنانة الكاميرونية بليك باسي.
قدم الجزء البحثي بقيادة كارين راموندي، الذي يتكون من 14 باحثًا كاميرونيًّا وفرنسيًّا، تقريرًا علميًّا من حوالي 1000 صفحة.
تقول اللجنة: إنها عملت على 1100 صندوق أرشيف، وتمكَّنت من الاطلاع على 2300 وثيقة رُفعت عنها السرية من أجل ملء “فراغ الذاكرة” في تلك الفترة بين 1945 و1971م.
أجرى الأعضاء عملية فرز في مراكز المحفوظات الوطنية الرئيسية في فرنسا والكاميرون. وفي هذا الصدد، استضافت عدة مراكز للمحفوظات أيضًا أعضاء من عنصر البحث في اللجنة، وأتاحت لهم كميات كبيرة من الوثائق.
في حين أن العديد من الوثائق كانت متاحة بالفعل بحرية، ولذا تمكن الباحثون من الاطلاع جماعيًّا على الوثائق التي لم يتم التقيّد بها.
وتضيف المؤرخة كارين راموندي أنهم تمكنوا أيضًا من الوصول إلى محفوظات الأمم المتحدة في لندن وهولندا وسويسرا. وأردفت بالقول: “لقد تم استخدام الأرشيف الشفوي أيضًا؛ لأنه في بلد تكون فيه الأخلاق أساسية، لا يمكن الاستغناء عن الأرشيف الشفوي”. تقول المؤرخة “لقد أجرينا أكثر من 100 مقابلة، إما عن طريق فرع البحوث أو عن طريق أشخاص آخرين قدّموا لنا هذه المقابلات”.
استنتاجات التقرير:
قدم الجزء البحثي بقيادة كارين راموندي تقريرًا علميًّا من حوالي 1000 صفحة، مصحوبًا بتوصيات تذكارية ومتاحة على موقع الحياة العامة.
نُشرت النسخة الفعلية من التقرير في طبعات هيرمان. ويتكون التقرير من أربعة أجزاء متسلسلة زمنيًّا، ويُحلّل خصوصًا تطوُّر القمع إلى “حرب” حقيقية. هو تعبير تم استبعاده حتى الآن من الخطاب الرسمي الفرنسي حول الفترة الاستعمارية في الكاميرون.
أثناء عرض راموندي للتقرير في 28 يناير في ياوندي، تبيّن أن القوات الفرنسية مارست قمعًا لا هوادة فيه في الكاميرون قبل الاستقلال، واستمر هذا القمع بعد أن حصلت البلاد على استقلالها.
استنادًا إلى آلاف الصفحات من المحفوظات التي يمكن الوصول إليها، فضلاً عن الروايات والشهادات التي جمعت في الكاميرون وفرنسا، أعادت اللجنة تأكيد الوقائع المتعلقة بالأحداث التي وقعت.
بعد أن وُضعت الكاميرون إلى حد كبير تحت الانتداب الفرنسي بعد الحرب العالمية الأولى في عام 1918م، ثم انتقلت إدارة الكاميرون إلى الوصاية الفرنسية في عام 1945م، بعد الحرب العالمية الثانية. ويشير التقرير إلى أنه منذ ذلك الحين فصاعدًا، فرضت السلطات الفرنسية “قمعًا متعدد الجوانب” (الشرطة والإدارة والقضاء والسياسة) لمنع المسؤولين المؤيدين للاستقلال من إسماع أصواتهم في الأمم المتحدة.
ابتداءً من عام 1955، تكثفت حملة القمع التي تشنّها السلطات الفرنسية، وتم حظر “اتحاد شعوب الكاميرون”، وهو حزب مؤيد للاستقلال. واختبأ مسؤولون فرنسيون في البلد، وقاوموا بأعمال حرب العصابات، واغتيال السياسيين الكاميرونيين، وعمليات الاختطاف. وبالإضافة إلى ذلك، فإن قمع السلطات “سيعمم على المجتمع بأسره”؛ وفقًا لما ورد في التقرير.
استمرار القمع بعد الاستقلال (1960- 1971م):
جاء في التقرير أن “الاستقلال الرسمي (في يناير 1960م) لا يُشكِّل قطعًا قطيعة واضحة مع الفترة الاستعمارية”. وقد أوضح الباحثون عدم تمكّنهم من “وضع حدّ لتورط السلطات الفرنسية في قمع حركات المعارضة في ذلك الوقت”. وقد أقام أحمدو أهيجو، الذي تولى الرئاسة في العام 1960م “نظامًا استبداديًّا وسلطويًّا بدعم من السلطات الفرنسية”.
وأوضحت راموندي أن شخصية أحمدو أهيجو “لم تكن تحظى بالإجماع”، وكان يُطلَق عليها اسم “رجل الفرنسيين”. لذلك كان أحمدو أهيجو بحاجة إلى “مساعدة عسكرية وسياسية للقيام بدوره”. ومن هذا المنطلق عرضت عليه السلطات الفرنسية دعمًا عسكريًّا وسياسيًّا وقضائيًّا مُهمًّا جدًّا سمح له شيئًا فشيئًا بإبعاد تهديدات “القوميين الاستقلاليين”.
ردود أفعال متباينة:
أثار إنشاء هذه اللجنة المشتركة حول تاريخ الكاميرون جدلًا واسعًا فور إعلانها. وقد أدَّى الجدل الدائر حول هذا القرار، وبشكل أوسع حول هذا المشروع، إلى إحياء النقاش حول المبادرة التي أطلقتها الحكومة الكاميرونية، قبل سنوات قليلة، لصياغة “تاريخ الكاميرون العام”؛ بيد أن المبادرة تواجه صعوبات في التنفيذ.
وفي بيانٍ لها، وصفت الجمعية الكاميرونية للتاريخ (SCH) المشروع الذي أعلنه ماكرون في يوليو 2022م بأنه “مهزلة”.
وكان رئيس الجمعية الراحل البروفيسور “دانيال عبوا” غاضبًا من تعيين المؤرخة “كارين ريموندي لعنصر البحث، والمغنّي بليك باسي كعنصر فني”. وأضاف: “هذا أكثر من مجرد إهانة للمؤرخين الكاميرونيين”، ويرى فيها “إرادة فرنسية لصياغة تاريخ الكاميرون دون المؤرخين الكاميرونيين”. فيما يرى جان بيير بيكولو أن “اختيار الكاميروني في هذه اللجنة هو سخرية من المخابرات الفرنسية والكاميرونية”.
كما أشار “دانيال أبوا” إلى أن “جرائم ومجازر فرنسا في الكاميرون هي حقائق تاريخية معروفة بالفعل”. وأضاف أنه كان من الضروري إجراء مزيد من البحث لوضع فرنسا أمام مسؤولياتها، و”تبرير تحويل الاتهام المُوجَّه ضد هذه الأعمال إلى جرائم ضد الإنسانية”.
يقول المخرج جان بيير بيكولو: إن المذابح الجماعية للقوميين الكاميرونيين تم توثيقها بالفعل. وكتب في كتابه “الكاميرون: حرب خفية بأصول فرنس-أفريك، 1948-1971م (طبعة الاكتشاف، 2019م)، و”حرب الكاميرون، اختراع فرنس-أفريك” (الاكتشاف، 2016م) للمؤرخ جاكوب تاتسيتسا وتوماس ديلومبوت ومانويل دومرغ. ويضيف إلى ذلك أعمال المؤرخ أخيل مبيمبي.
يرى جان بيير بيكولو أن استنتاجات هذا التقرير ليست جديدة. وتوقع ردًّا واضحًا من فرنسا حول مسؤوليتها عن المجازر في الكاميرون، فقال: “كنا نطالب بالاعتذار والتعويضات، وهذا هو الشيء الوحيد الذي طلبناه. ولكن هل هذا هو السؤال الذي طُرح على ماكرون؟ والجواب هو “لا”.
ورغم ذلك، فإن بعض الباحثين الذين كرّسوا سنوات عديدة لهذه المسألة يرحبون بنشر هذا التقرير الذي يرونه يُعزّز ويؤكد أعمالهم السابقة. ولا شك في أن هذا التقرير يُمثل تقدمًا في فهم التاريخ الاستعماري للكاميرون. ومن الآن فصاعدًا، لم يعد من الممكن التظاهر بتجاهل المجازر التي ارتكبتها فرنسا في الكاميرون.
وخلال مراسم التسليم في باريس وياوندي، تحدث الرئيسان عن إنشاء لجنة لمتابعة التوصيات، ومراجعة المناهج التعليمية، ودعم البحث في التاريخ خلال هذه الفترة. ووفقًا للرئيس “بول بيا”: “من واجبنا منذ الآن تعليم وتعميم هذه الأعمال الجديرة بالثناء من البناء المشترك بين فرنسا والكاميرون”. وأضاف الرئيس الكاميروني: إن “لجنة الذاكرة قامت بعمل سيؤثر بلا شك على الأجيال القادمة”.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال: https://www.bbc.com/afrique/articles/cx2rkrryv8jo