صفاء محمود عبد الباسط
باحثة دكتوراه في أصول التربية، كلية التربية- جامعة سوهاج- مصر
نعيش اليوم في عصر الثورة الصناعية الرابعة التي نتج عنها ظهور العديد من التطبيقات والتقنيات التكنولوجية الهامة، منها الذكاء الاصطناعيArtificial intelligence وتطبيقاته كالواقع المعزز والافتراضي، وإنترنت الاشياء، والحوسبة السحابية، والأنظمة الخبيرة، وتقنية النانو، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والتكنولوجيا الحيوية، وشبكات الجيل الخامس، وكان لهذه التطبيقات تأثيرًا كبيرًا على كافة مجالات الحياة، الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والثقافية، والتعليمية، الأمر الذي جعل الحكومات تًدرك أهميتها في تلبية متطلبات مجتمعاتها وتحقيق أهدافها.
وفي مجال التعليم أحدثت المستحدثات التكنولوجية التربوية ثورة في مناهج التدريس والتعليم، حيث أنه في الآونة الأخيرة، ومع تقدم الذكاء الاصطناعي، بدأ التعليم العالي في اعتماد تقنيات جديدة في التعليم والتعلم، بالإضافة إلى دراسة الآثار المترتبة لهذه التقنيات الناشئة على طرق التدريس التي يتعلم بها الطلاب في مؤسسات التعليم العالي، والتنبؤ بدور الذكاء الاصطناعي في طبيعة ومستقبل التعليم في العالم، حيث تعتبر تطبيقات الذكاء الاصطناعي وسيلة لتحسين جودة التعليم والتعلم في المجتمعات البشرية.
يعرف الذكاء الاصطناعي بأنه تقنية متطورة تدخل في العديد من التطبيقات الذكية في مختلف المجالات، وهو موجود حولنا في كل مكان. في المنزل، وعلى هواتفنا، وفي كثير ن المنتجات والخدمات التي نشتريها ونستخدمها في حياتنا، ويزداد معدل استخدامه لحل المشكلات في المجالات المختلفة بصورة مطردة([1]).
ويهدف الذكاء الاصطناعي إلى تطوير طرائق وأنظمة تحقق مستوى من الذكاء الاصطناعي شبيه بذكاء البشر، وبرمجيات تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتساير وتحاكي تصرفات العقل البشري. فالهدف، إذن، هو نقل المعارف البشرية إلى داخل الحاسوب عبر الأدوات البرمجية القدرة على البحث في هذه القواعد، والقيام بالتصنيف.
وفيما يواجه التعليم في المجتمعات الإفريقية جنوب الصحراء عددًا من التحديات نتيجة الأوضاع السياسية والاقتصادية السائدة والتي تحد بالتالي من معدلات الالتحاق بالمدارس، فإن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقدم حلولاً لمعالجة هذه التحديات وغيرها في أنظمة التعليم لتمكين الوصول إلى التعليم و تحسين جودة التعلم في هذه المجتمعات الإفريقية.
ومن هنا، تحاول هذه المقالة أن تستكشف التحديات المتعددة التي تواجه التعليم في دول إفريقيا جنوب الصحراء، والتأكيد على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في معالجة هذه التحديات لضمان الوصول إلى تعليم الجيد، ومن ثم تنقسم هذه المقالة إلى المحورين التاليين:
- تحديات التعليم ومشكلاته في إفريقيا جنوب الصحراء.
- كيف يساعد الذكاء الاصطناعي على مواجهة تلك التحديات وتقديم حلول لها؟
المحور الأول:
تحديات التعليم ومشكلاته في إفريقيا جنوب الصحراء
يواجه التعليم في المجتمعات الإفريقية جنوب الصحراء عددًا من التحديات التي تعوق ملايين الطلاب في المراحل التعليمية المختلفة من الحصول على تعليم جيد، وتقوض فرص تحقيق التنمية المستدامة، ونشير فيما يلي إلى أهم هذه التحديات:
- استمرار الصراع والعنف وعدم الاستقرار
يشكل استمرار الصراع وعدم الاستقرار أحد التحديات الكبرى التي تواجه مجال التعليم في إفريقيا من خلال تقييد الوصول إلى المدارس بشكل أكبر، وفي بعض المناطق تُضطر المدارس إلى الإغلاق بسبب العنف، وقد يُشرد الطلاب والمعلمون، وقد يؤدي هذا إلى انقطاع التعلم وفقدان فرص التعليم للأطفال([2]). فما يقرب من ربع الأطفال في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يعيشون على بعد كيلومترين على الأقل من أقرب مدرسة، وليس هناك حافلات مدرسية تأتي لنقلهم كل صباح، وتشير بعض التقارير في هذا الصدد إلى أن بعض طلاب المرحلة الابتدائية في جنوب شرق كينيا يتعين عليهم السير حوالي خمسة كيلومترات للوصول إلى مدارسهم النائية([3]).
ففي أثيوبيا، على سبيل المثال، أدَّت الصراعات وأعمال العنف بين الحكومة والفصائل المسلحة إلى إغلاق آلاف المدارس وتشريد ملايين الطلاب، ومعاناة نحو 17 مليون طفل، في مراحل ما قبل الابتدائي والابتدائي والإعدادي، من صعوبة استكمال مسارهم التعليمي، بالإضافة إلى ذلك، هناك ما يُقدَّر بنحو 3.5 مليون طفل في المرحلتين الابتدائية والثانوية مُعرَّضون لخطر التسرُّب من المدرسة، مما أدَّى إلى تفاقم أزمة التعليم؛ بسبب الصراع وانعدام الأمن، بما في ذلك زيادة معدلات التسرب من المدرسة([4]).
أما في الكونغو الديمقراطية، فتظهر الأرقام الجديدة الصادرة عن اليونيسف أنه في الفترة ما بين يناير 2022 ومارس 2023، اضطرت ما لا يقل عن 2100 مدرسة في مقاطعتي شمال كيفو وإيتوري إلى التوقف عن العمل بسبب تدهور الوضع الأمني، وكان لانعدام الأمن أيضا آثاره الضارة على ما يقرب من 240.000 طفل نزحوا مؤخراً ويعيشون في مخيمات واسعة حول غوما، وقد أجبر العنف الذي تمارسه الجماعات المسلحة آلاف الأسر على ترك منازلهم بحثاً عن الأمان، مما منع أطفالهم من الالتحاق بالمدارس([5]).
وفي غرب إفريقيا، حيث تشتد وتيرة الصراع المسلح بين الحكومة والجماعات الإرهابية، قالت منظمة العفو الدولية إن المعلمين في هذا البلد قد أُجبروا على الفرار إلى ولايات أخرى من أجل الحماية، واضطر العديد من الأطفال إلى التخلي عن تعليمهم وسط الهجمات العنيفة المُتكررة، وتم استهداف المعلمين، مما أدى إلى مقتل 600 معلمٍ وفرار 19000 آخرين، فيما تعرض معلمون آخرون للتهديد أو الإصابة أو حتى الاختطاف، وأصبح العثور على مدرسين مُستعدين للتدريس في نيجيريا صعبا للغاية، كما تشهد العديد من الولايات النيجيرية تنامي ظاهرة تعليق الدراسة وإغلاق المدارس بسبب الإرهاب([6]).
- أزمة التخلف التكنولوجي وضعف القدرة التكنولوجية
من الواضح أن إفريقيا جنوب الصحراء تتخلف عن بقية دول العالم من حيث التكنولوجيا، ويرجع ذلك للعديد من الأسباب منها الفقر وضعف الإمكانات والموارد المالية، وكذلك مشكلة الكهرباء، حيث شهد عام 2020 زيادة في عدد الأشخاص في منطقة جنوب الصحراء الذين لا يستطيعون الوصول إلى الكهرباء، والتي بدونها لا يتمكن الأطفال والمتعلمون البالغون من الاستفادة من الفرص التي توفرها التكنولوجيا الرقمية، وأيضا ضعف الخدمات العامة، وبحسب دراسة أجرتها مؤسسة التمويل الدولية، فمن المتوقع بحلول 2030 أن تشهد منطقة جنوب الصحراء في إفريقيا أكثر من 230 مليون وظيفة تتطلب مهارات تكنولوجية ولكن الافتقار إلى المرافق التعليمية والتدريبية في إفريقيا يجعل من الصعب على الشباب تطوير المهارات والتكنولوجيا اللازمة للنجاح.
وفي هذا السياق، وبعيداً عن مجرّد إعادة تصميم المناهج أو تعديها، يؤكد دعاة الإصلاح التعليمي أن التحول الناجح من التعلم القائم على المعرفة الرقمية وهو ما يوجد في عدد من الدول الإفريقية بما فيها نيجيريا- إلى التعليم القائم على الكفاءة المحلية ومتطلبات الحل للأزمات والتحديات الحالية، يتطلب إدماج التكنولوجيا في نظم التعليم([7]).
- مشكلة الوصول إلى التعليم
حيث يوجد أكثر من طفل واحد من كل خمسة أطفال تتراوح أعمارهم بين 6 أو 11 عاماً خارج المدرسة، وواحد من كل ثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم بين 12 و14 عاماً، وتزداد المشكلة سوءاً مع تقدم الأطفال في السن، حيث ما يقرب من 60% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاما خارج المدرسة. فالكثير من الأطفال لا يحصلون على التعليم الأساسي، وأولئك الذين يحصلون عليه قد يواجهون تحديات كبيرة في الحصول على التعليم الجيد([8]).
ورغم أن عدد الأطفال الذين يذهبون إلى المدارس قد زاد في السنوات الأخيرة، إلا أن الفوارق الكبيرة لا تزال قائمة. ففي بعض المناطق، وخاصة في المناطق الريفية أو النائية، غالباً ما تكون المدارس بعيدة، وقد يضطر الأطفال إلى السير لمسافات طويلة لحضور الدروس. وقد يشكل هذا تحديا خاصا للفتيات، اللاتي قد يواجهن مخاوف تتعلق بالسلامة في طريقهن إلى المدرسة.
فما يقرب من ربع الأطفال في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يعيشون على بعد كيلومترين على الأقل من أقرب مدرسة، وليس هناك حافلات مدرسية تأتي لنقلهم كل صباح، وتشير بعض التقارير في هذا الصدد إلى أن بعض طلاب المرحلة الابتدائية في جنوب شرق كينيا يتعين عليهم السير حوالي خمسة كيلومترات للوصول إلى مدارسهم النائية(([9])).
- قلة الموارد والإمكانات التربوية
توصلت دراسة أجراها معهد اليونسكو للإحصاء، تضمنت بيانات تم تجميعها من 45 بلدا في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، إلى أن أي تلميذ في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى غالباً ما يلتحق بفصل مكتظ بالأطفال. ففي جمهورية تشاد، على سبيل المثال، غالبا ما تضم الفصول في المدارس الابتدائية الحكومية ما قد يصل إلى 67 تلميذا، مقابل أقل من 30 تلميذا في المتوسط في جميع البلدان المنضمة إلى منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي.
وعلاوةً على أن العديد من فصول المرحلة الابتدائية تتسم بكبر حجمها، فإنها فصول متعددة الصفوف، أي أنها تشمل مستويات دراسية عديدة، ففي معظم الحالات، تضم هذه الفصول مستويين دراسيين؛ غير أنه في بعض البلدان، تضم الفصول المدرسية ثلاث سنوات دراسية أو أكثر. علاوةً على ذلك، فالكثير من المدارس في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لا يتوافر فيها سوى القليل من الخدمات الأساسية المياه الصالحة للشرب أو المراحيض أو الكهرباء، أو قد لا تتوافر بها أي من هذه الخدمات إطلاقا.
وتعاني خمسة بلدان على وجه الخصوص من هذا الوضع وهي كوت ديفوار وغينيا الاستوائية ومدغشقر والنيجر وتشاد، حيث لا تتوافر مراحيض في ما لا يقل عن 60% من المدارس، وفي الكونغو الديمقراطية وتوغو، فإن 80% من المدارس ليس فيها كهرباء[10]. ويثير الوضع في جمهورية إفريقيا الوسطى، على وجه الخصوص، قلقا بالغا، حيث لا يتوافر لكل 8 تلاميذ، في المتوسط، سوى نسخة واحدة من بعض الكتب المدرسية كالرياضيات والمطالعة.
- قلة المعلمين والكوادر المدربة
يلعب المعلمون دورًا رئيسيًا في نجاح عملية التعليم، وإطلاق العنان لإمكانات كل متعلم، وتحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة المتمثل في التعليم الجيد الشامل والمنصف([11])، ومع ذلك يواجه التعليم في إفريقيا جنوب الصحراء نقصًا حادًا في أعداد المعلمين والكوادر المدربة؛ إذ تشير التقارير في هذا السياق إلى وجود فجوة كبيرة بين أعداد المعلمين وعدد الطلاب في إفريقيا جنوب الصحراء؛ حيث يوجد معلم واحد متدرب، في المتوسط، لكل 58 تلميذاً في المرحلة الابتدائية، بينما تقترب النسبة في المرحلة الثانوية من 43 تلميذاً لكل معلم متدرب، ومن بين بلدان هذه المنطقة، ستحتاج جمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد ومالي والنيجر إلى أعلى زيادة في عدد معلمي المرحلة الابتدائية في السنوات المقبلة (نمو سنوي قدره 6% أو أكثر)، وفي التعليم الثانوي، هناك حاجة إلى نمو سنوي أعلى في أعداد المعلمين؛ إذ تحتاج عدة بلدان إلى نمو سنوي يتجاوز 10%، بما في ذلك بوروندي وجمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد وموزمبيق والنيجر وجمهورية تنزانيا المتحدة([12]). وفي مجال التعليم الفني والمهني، هناك ما يدل على أن هذا القطاع غير مزود بما يكفي لتخريج قوى عاملة من المستوى المتوسط التي تتطلبها الدولة([13]).
- التمييز بين الجنسين
في أجزاء كثيرة من إفريقيا، لاسيما جنوب الصحراء، تواجه الفتيات عوائق كبيرة في التعليم مقارنة بالفتيان، وتشمل هذه العوائق الأعراف الثقافية التي تعطي الأولوية لتعليم الأولاد، والتحديات الاقتصادية التي تحد من قدرة الأسر على إرسال جميع أطفالها إلى المدرسة، فضلاً عن قضايا مجتمعية أخرى مثل الزواج المبكر، ونتيجة لذلك يلتحق عدد أقل من الفتيات بالمدارس، مما يؤدي إلى فجوة واسعة في التعليم بين الجنسين([14]).
يمكن القول إن التمييز على أساس النوع الاجتماعي في التعليم داخل المجتمعات الإفريقية جنوب الصحراء هو في الواقع سبب ونتيجة للاختلافات العميقة الجذور في المجتمع؛ إذ إن التفاوتات، سواء من حيث الفقر، أو الخلفية العراقية، أو الإعاقة أو المواقف التقليدية بشأن مكانة المرآة ودورها، كلها تقوض قدرة النساء والفتيات على ممارسة حقوقهن.
علاوة على ذلك، فإن الممارسات الضارة مثل الزواج المبكر، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، فضلاً عن قوانين وسياسات التمييزية لا تزال تمنع ملايين الفتيات من الالتحاق وإكمال تعليمهن، وتشير المناقشات التي دارت حول أجندة التعليم إلى أن عدم المساواة بشكل عام، وخاصة المساواة بين الجنسين، لابد وأن يتم التعامل معها في وقت واحد على مستويات متعددة([15]).
المحور الثاني:
كيف يساعد الذكاء الاصطناعي على مواجهة تلك التحديات وتقديم حلول لها؟
لا شك أن استخدام التكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي (AI)، يمكن أن يساعد على تعزيز المعرفة الرقمية للمعلمين والطلاب في مجالات التدريس والتعلم والبحث والتقييم والإدارة، وقد بدأت العديد من الدول الإفريقية جنوب الصحراء بالفعل في تبني ودمج الذكاء الاصطناعي في سياساتها؛ إذ تعد رواندا على سبيل المثال، هي أول دولة أفريقية انتهجت سياسة للذكاء الاصطناعي تستهدف من خلالها تسخير فوائد الذكاء الاصطناعي والتخفيف من المخاطر المرتبطة به، وخاصة تلك المرتبطة بمشاركة بيانات الأطفال([16]).
لكن من المهم هنا أن نشير إلى كيفية الاستفادة من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في مواجهة التحديات السالفة التي يعاني منها التعليم في المجتمعات الإفريقية جنوب الصحراء، بما يساعد على النهوض بالعملية التعليمية وتعزيز فرص التنمية الإفريقية.
إن أحد أهم التحديات الرئيسية التي تواجه التعليم في إفريقيا جنوب الصحراء، كما ذكرنا، هو عدم القدرة على الوصول إلى التعليم الجيد، وخاصة في المناطق النائية والمحرومة، ويمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في التغلب على هذا العائق من خلال توفير الفصول الدراسية الافتراضية ومنصات التعليم عبر الإنترنت. يمكن لهذه المنصات تقديم محتوى تعليمي للطلاب الذين قد لا يتمكنون من الوصول إلى المدارس التقليدية أو المعلمين المؤهلين، من خلال الفصول الافتراضية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، يمكن للطلاب المشاركة في تجارب التعلم التفاعلية، والوصول إلى الموارد التعليمية، وتلقي تعليمات مخصصة مصممة خصيصًا لتلبية احتياجاتهم الفردية، أيضًا يمكن للذكاء الاصطناعي تمكين تجارب التعلم الشخصية، والتي من شأنها تحسين النتائج التعليمية بشكل كبير([17]).
يمكن للذكاء الاصطناعي معالجة مشكلة نقص الموارد والإمكانات التربوية في المدارس الإفريقية، من خلال تنفيذ التعلم التكيفي ودعم ما يعرف بالمعلم الافتراضي؛ حيث يعمل نظام Daptio السحابي على تكييف المحتوى التعليمي ليناسب احتياجات الطلاب، في حين يقدم نظام TeachMobile معلمين وموارد افتراضية عند الطلب عبر الأجهزة المحمولة، وتتيح مثل هذه المبادرات تحسين الأداء الأكاديمي بشكل ملحوظ، وتعزيز الوصول إلى التعليم وجودته في المناطق المحرومة، علاوة على ذلك، تتمتع أنظمة التدريس المعتمدة على الذكاء الاصطناعي بالقدرة على تتبع تقدم الطلاب بمرور الوقت، مما يوفر للمعلمين وأولياء الأمور رؤى قيمة حول مسارات التعلم الفردية، ومن خلال تحليل البيانات المتعلقة بأداء تعلم الطلاب ومشاركتهم، يمكن لهذه الأنظمة تحديد الاتجاهات والأنماط، مما يتيح إمكانية التدخل في الوقت المناسب وتقديم الدعم للطلاب عند الضرورة([18]).
بدوره، يتمتع الذكاء الاصطناعي بالقدرة على تقديم مساهمات كبيرة في تعزيز المساواة بين الجنسين في التعليم. فمن خلال الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي، يمكن للمؤسسات التعليمية في إفريقيا جنوب الصحراء معالجة الفوارق بين الجنسين، وكسر الصور النمطية، وتوفير فرص تعليمية متساوية لجميع الطلاب. ويتحقق دور الذكاء الاصطناعي في هذا الجانب من خلال ما يلي([19]):
- التعلم المخصص: يمكن للمنصات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي أن تتكيف مع احتياجات التعلم الفردية، مما يوفر محتوى ودعمًا مخصصًا. يساعد هذا النهج الشخصي على معالجة اختلافات التعلم القائمة على النوع الاجتماعي ويضمن حصول الطلاب على تعليمات وموارد مخصصة تلبي نقاط قوتهم المحددة ومجالات التحسين.
- تقديم تعليقات غير متحيزة وبناءة للطلاب، مما يساعدهم على تحسين أدائهم الأكاديمي. ومن خلال تحليل عمل الطلاب دون تحيزات ذاتية، يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي التركيز على جودة عملهم بدلاً من جنسهم، مما يعزز التقييم العادل والنمو.
- دعم تعليم الفتيات: يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تحديد ومعالجة العوائق المحددة التي تعيق حصول الفتيات على التعليم. ومن خلال تحليل البيانات المتعلقة بمعدلات التسرب والحضور والأداء الأكاديمي، يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي أن تساعد المعلمين وصانعي السياسات على تطوير تدخلات مستهدفة وأنظمة دعم لضمان استبقاء الفتيات ونجاحهن في رحلتهن التعليمية.
يقدم الذكاء الاصطناعي أيضًا حلولاً لمعالجة بعض التحديات التي ينفرد بها التعليم في إفريقيا جنوب الصحراء من خلال توفير محتوى تعليمي باللغات المحلية، مما يساعد في سد الفجوة اللغوية وجعل التعليم في متناول الطلاب الذين يتحدثون لغات الأقليات([20]). وأخيرًا، يستطيع الذكاء الاصطناعي مواجهة التحديات الناتجة عن استمرار العنف والصراعات المسلحة في المجتمعات الإفريقية جنوب الصحراء وما يترتب عليها من صعوبة التحاق الطلاب بمدارسهم نتيجة لإغلاق المدارس أو لتخوف المعلمين من تعرضهم للأذى والعنف، عبر تطبيقات التعلم عبر الهاتف المحمول أو التعليم عن بعد والتي من شأنها تحسين فرص الحصول على التعليم، وخاصة في المناطق النائية أو المعرضة للصراعات، ويمكن لهذا النهج الاستفادة من التكنولوجيا لتوفير الفرص التعليمية للأطفال الذين لن يتمكنوا من الالتحاق بالمدارس.
الخاتمة:
في ظل التحديات القائمة التي تواجه التعليم في المجتمعات الإفريقية جنوب الصحراء، والتي تهدد بتقويض فرص التنمية الاجتماعية والاقتصادية وتطلعات الدول لتحقيق أهـداف التنمية المستدامة، يمكن للذكاء الاصطناعي (AI) أن يقدم آفاقًا واعدة وحلولاً مبتكرة لمعالجة تلك التحديات. وحتى يتسنى للبلدان الإفريقية تحقيق ذلك وسد الفجوات الرقمية مع المناطق الأخرى من العالم، فإنه يتعين عليها أولاً بذل جهود مضاعفة، من خلال زيادة الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، ومجالات البحث والتطوير، علاوةً على ذلك، لابد من تعزيز الشراكات الاستراتيجية بين القطاع العام والقطاع الخاص والمجتمع المدني لخلق بيئة مواتية للتعليم الجيد وتحقيق النمو الاقتصادي القائم على الذكاء الاصطناعي، ومن خلال العمل معًا، يمكن للدول الإفريقية التطلع إلى مستقبل يساعد فيه الذكاء الاصطناعي على تجاوز التحديات القائمة والنهوض بالمنظومة التعليمية.
…………………………………………..
([1]) جبريل بن حسن العريش، استخدام البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي في مواجهة جائحة فيروس كورونا، المجلة العربية للدراسات الأمنية، المجلد 36، العدد2، 2020، ص251.
([2]) Education Issues in Africa: Three Key Problems and Solutions، Mayekoo، Published on 1 August 2023، at the link: https://2u.pw/k2NYUUcr
([3]) Jamie Heminway، Why Becoming Educated is Hard in Sub-Saharan Africa – Especially for Girls، The water project، Published on August 3rd، 2023، at the link: https://2u.pw/qY4NiF3u
([4]) ميادة شكري، العودة إلى المدارس: حق مفقود في سياق الصراعات الإفريقية المسلَّحة، قراءات إفريقية، منشور بتاريخ 8 أكتوبر، 2024، متاح على https://qiraatafrican.com
([5]) Conflict in eastern DRC is having a devastating impact on children’s education، Uunicef، Published on 29 March 2023، at the link: https://2u.pw/3UH0VH4l
([6]) نسرين الصباحى، اختطاف الطالبات: نيجيريا والتحديات الأمنية في المساحات غير المحكومة، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، منشور بتاريخ 4 مايو 2021، متاح على https://ecss.com.eg/14637
([7]) حكيم ألادي نجم الدين، إصلاح التعليم حل لتحديات التنمية في إفريقيا، قراءات إفريقية، مركز أبحاث جنوب الصحراء، العدد 38، 2018، ص 52.
([8]) Why Becoming Educated is Hard in Sub-Saharan Africa – Especially for Girls، Op. Cit،
[10])) الموارد المدرسية والتربوية غير الكافية تعوق عملية التعليم في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، موقع الأمم المتحدة، منشور بتاريخ 1 يونيو 2012، متاح على https://2u.pw/hW23z281
([11]) Global report on teachers: What you need to know، UNESCO ، Published on 22 February 2024، at the link: https://2u.pw/EjNapynP
([12]) The persistent teacher gap in sub-Saharan Africa is jeopardizing education recovery، International Task Force on teachers for education 2030، at the link: https://2u.pw/0aDk7DgN
([13]) كريس أمياو أومفي، التعليم من العيش معاً: تعلم العيش معا في غانا وغرب إفريقيا: مشكلات وحلول، مستقبليات: مركز مطبوعاتاليونسكو، المجلد 32، العدد1، 2002، ص 102.
([14]) Why Every Girl Deserves an Education: Addressing Gender Disparity in Africa، Asante Africa Foundation، at the link: https://2u.pw/1n1NrnER
([15])Azza Karam، Education as the Pathway towards Gender Equality، United Nations، Published on 19 December 2013، at the link: https://2u.pw/nIREARUi
([16]) Exploring AI’s Potential to Transform Education in Africa، master card foundation، Published on April 8، 2024، at the link: https://2u.pw/Ocx70S4J
([17]) Can AI Help in Addressing the Disparities of Education in Africa?، linked in، Published on Oct 2، 2023، at the link: https://2u.pw/aSreSr8z
([18]) Marta Kwapińska، AI in Education: Benefits، Challenges، and Use Cases، Nomtek، Published on July 10، 2024، at the link: https://www.nomtek.com/blog/ai-in-education
([19]) The Role of AI in Promoting Gender Equality in Education، Teachflow، Published on November 28، 2022، at the link: https://2u.pw/qC1mbRqR
([20]) Grace Ashiru، The Role of AI in the Future of Edtech in Africa، Tech in Africa، 2022، ، at the link: https://2u.pw/2gdikVaZ