يُعد كتاب “مستقبل إفريقيا: التحديات والفُرص” مقدمة نقدية لآفاق التنمية البشرية والاقتصادية في إفريقيا؛ فهو يحاول بين طيات صفحاته الأربعمائة والتسعة والعشرين، ومن خلال ستة عشر فصلًا الإجابة عن ثلاثة أسئلة رئيسية؛ وهي: أين تجد إفريقيا نفسها اليوم، وما الذي يفسر الحالة الحالية؟ وفي ضوء الاتجاهات التاريخية وما نعرفه عن العالم، كيف سيكون مستقبل القارة في عام 2040؟ وفي النهاية: ما الذي يمكن القيام به لتحسين هذا المسار وخلق مستقبل أفضل للقارة؟
وفي جوهره، يصف هذا الكتاب ويُنمذج تأثير سلسلة من التحولات الأساسية في الصحة والديموغرافيا والزراعة والتعليم والتصنيع والتكنولوجيا والتكامل التجاري والاستقرار والحوكمة، والتي هي ضرورية إذا كانت إفريقيا تريد تضييق الفجوة في التنمية بينها وبين بقية العالم والبدء في سدّها. كل ذلك من خلال أسلوب تربوي سهل ومميز باللغة الإنجليزية، مما يجعل منه كتابًا مميزًا للجامعيين والخريجين من خلال تقديمه لآفاق التنمية البشرية والاقتصادية المعاصرة في إفريقيا.
يأتي هذا الكتاب الصادر في عام 2021م عن دار النشر: “بالجريف ماكميلان” Palgrave Macmillan Cham، ومؤلفه هو “جاكي سيليرز” Jakkie Cilliers؛ مؤسس ورئيس قسم المستقبل والابتكار الإفريقي، معهد الدراسات الأمنية Institute for Security Studies، بريتوريا Pretoria. وهو يشغل الآن منصب رئيس برنامج المستقبل والابتكار في إفريقيا ورئيس مجلس أمناء المعهد نفسه. وهو أستاذ كبير في “جامعة بريتوريا” بجنوب إفريقيا.
وفي السطور التالية سأحاول إلقاء الضوء على أهم ما جاء في الكتاب من أفكار من خلال عمل ملخص لكل فصل من فصوله الستة عشر.
الفصل الأول: الفجوة المتزايدة
في فصله الأول وتحت عنوان “الفجوة المتزايدة“؛ يحاول “سيليرز” إيضاح مدى التباين المتزايد في الدخل وغيره من مؤشرات الرفاهية بين إفريقيا وبقية العالم. متطرّقًا إلى جوانب مختلفة مثل الفقر المدقع والدور الهامشي لإفريقيا في الاقتصاد العالمي، موضحًا التحديات التي تُواجه القارة من خلال مقارنة التجارب المتباينة بين دولة مثل “كوريا الجنوبية” في آسيا ودولة “غانا” في إفريقيا -وهي المقارنة التي كثيرًا ما تُستخدم في الأدبيات الأكاديمية-؛ من خلال التركيبة السكانية والدخل، قبل الانتقال إلى تقديم الأمور المتعلقة بالإنتاجية والرقمنة والزراعة والتصنيع وغيرها.
ثم يأخذ في عقد المقارنات من خلال الخصائص الرئيسية لإفريقيا مع الدول والمناطق الأخرى حتى عام 2040م، واستشراف المستقبل والفرص والتحديات للقارة من خلال استشرافه للمستقبل الدولي.
ويوضّح الشكل التالي مدى الاختلاف بين “كوريا الجنوبية” و”غانا”، ويوضح كذلك مدى تطابق العائد الديموغرافي ومتوسط الدخول في هذين البلدين. فعندما نالت “غانا” و”كوريا الجنوبية” استقلالهما، كانت “كوريا الجنوبية” في واقع الأمر أفقر من “غانا”، ولكن اليوم يبلُغ متوسط مستويات الدخل فيها تسعة أمثال متوسط الدخل في “غانا”؛ إذا ما قِيسَ باستخدام نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي في تعادل القوة الشرائية.
(Source IFs 7.45 initialising from World Bank, World Development Indicators, 2018 and UN Population Division, World Population Prospects: The 2017 Revision)
Ghana vs South Korea: income per person vs demographic dividend: 1960 to 2015
وبذلك يرى الكاتب أن التحدي المتمثل في التباعد المتزايد بين إفريقيا وبقية العالم ينعكس في الدور الهامشي الذي تلعبه إفريقيا في الاقتصاد العالمي. ففي عام 1960م، كانت إفريقيا تمثل 3% من الاقتصاد العالمي. وبعد ستين عامًا ارتفعت هذه الحصة إلى 4% فقط على الرغم من حقيقة أن حصة إفريقيا من سكان العالم تضاعفت تقريبًا من 9% إلى 17%. وبالمقارنة بمنطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، وهي المنطقة التي زادت حصتها من الناتج الاقتصادي العالمي من حوالي 11% في عام 1960م إلى أكثر من 30% اليوم. ومن ناحية أخرى، تقلصت حصة شرق آسيا من سكان العالم من 34% إلى 30% خلال هذه الفترة، مما يشير إلى أن اقتصاداتها أصبحت أكثر إنتاجية.
ويخلُص بعد مناقشاته وتحليلاته إلى أنه من المفيد للغاية أنه يجب إنفاق المزيد من الوقت والجهد في استكشاف المستقبل المحتمل بشكل منهجي بدلًا من الاعتماد على التكهنات أو الحدس. مما يقُودنا إلى سمة مهمة أُخرى من سمات هذا النوع من التنبؤات، ألا وهي أن كل فصل من فصول هذا الكتاب يستند إلى توقعات واقعية لما يمكن أن يكون ممكنًا (مقارنة بالسوابق التاريخية) بدلًا من المستقبل المرغوب. ثم يوضح أن هذا ليس كتابًا تقريبيًّا عن المكانة التي يودّ أن يرى فيها إفريقيا، بل إنه يُركّز على ما يمكن أن يكون ممكنًا بشكل واقعي في ظل الاختيارات السياسية الصحيحة والزعامة الواضحة والتنفيذ الحازم. ثم يوضح أن التوقعات في هذا الكتاب تعتمد على منصة النمذجة للمستقبل الدولي (IFs) التي تم تطويرها وإدارتها في “مركز فريدريك إس باردي للمستقبل الدولي” في كلية “جوزيف كوربل للدراسات الدولية” Josef Korbel School of International Studies بجامعة “دنفر” University of Denver. والنموذج مفتوح المصدر ومتاح للتنزيل من موقع “مركز باردي” على الويب على الرابط التالي:
https://korbel.du.edu/pardee/content/download-ifs
وبنظرة عامة واسعة النطاق يُقدّم الكتاب أحد عشر سيناريو، كل منها في فصل منفصل، حول الصحة، والعائد الديموغرافي لإفريقيا، والزراعة، والتعليم، والفقر وعدم المساواة والنمو، والتصنيع، والابتكار التكنولوجي وقوة القفز، والتجارة والنمو، والأمن والحوكمة والدعم الخارجي. ولا يحتوي الفصلان التاسع والخامس عشر على سيناريوهات منفصلة، لكنهما يقارنان بين تأثير السيناريوهات الرئيسية على مستقبل الوظائف وتأثير تغيُّر المناخ. ثم يختتم الفصل السادس عشر بتضمينه تأثير السيناريو المشترك بين كل ما سبق من سيناريوهات تحت عنوان: “سد الفجوة”؛ موضحًا من خلاله ما يمكن تحقيقه بحلول عام 2040، ويقارن هذه النتائج بمسار المسلك الحالي.
وبهذا التقسيم يتبنَّى الكتاب نهجًا منظمًا في التعامل مع مشكلات القارة الإفريقية، معتمدًا في ذلك على التحليل لكلّ مشكلة في فصل تلو الآخر، وبذلك من الممكن قراءة بعض الفصول بترتيب مختلف عن ترتيب الكتاب. فكل ما تحتاجه إفريقيا هو التأثير المشترك لجميع التدخلات عبر القطاعات المختلفة، وبالتالي لا يوجد طريق مختصر إلى مستقبل أفضل لإفريقيا -وهو عنوان هذا الكتاب- سوى قراءة الكتاب بأكمله.
الفصل الثاني: المسار الحالي لإفريقيا
يقدم “سيلرز” من خلال هذا الفصل ملخصًا وتحليلًا لتاريخ التنمية في إفريقيا منذ ثمانينيات القرن العشرين بما في ذلك تأثير تقرير “لجنة برونتلاند” Brundtland Commission الذي تُوّج بأهداف التنمية للألفية، وفي عام 2015م، بأهداف التنمية المستدامة. ومن بين الأمور الرئيسية الأخرى التي يُغطّيها الفصل تأثير برامج التكيف الهيكلي المختلفة، واعتماد إفريقيا المتزايد على السلع الأساسية، والتحول الديمقراطي السريع في القارة وبطء وتيرة التحضر.
ويختتم الفصل بملخص للخصائص الرئيسية لمستقبل إفريقيا المحتمل -المسار الحالي المتوقع حتى عام 2040-، والذي يتضمَّن توقعات لحجم الاقتصاد؛ والتركيبة السكانية؛ ومستويات الدخل؛ والفقر. وبذلك يعمل الفصل كخلفية أساسية للنضال من أجل التنمية الذي يتم فَحْصه عبر قطاعات مختلفة في الفصول اللاحقة.
الفصل الثالث: الصحة
يتناول “سيليرز” في هذا الفصل، التاريخ الوبائي الفريد لإفريقيا من الهجرة المبكرة، ومرورًا بما أحدثه فيروس نقص المناعة/الإيدز، ومؤخرًا التأثير الحالي لكوفيد-19. ويشرح كيف أدَّى قرب البشر من الطبيعة المناخية الصعبة، في ظل توسع حضري بطيء إلى عبء مرتفع بشكل غير عادي من الأمراض المعدية، وخاصة جائحة فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز.
ويشرح الفصل أيضًا العبء المزدوج للأمراض المعدية وغير المعدية الواضحة في إفريقيا. كما يُسلّط الفصل الضوء على الدور المركزي الذي تلعبه التحسينات الأساسية والتخطيط الحضري في دعم نتائج صحية أفضل، والتأثير الذي تُخلّفه البنية الأساسية الضعيفة والافتقار إلى التخطيط الحضري في معظم أنحاء إفريقيا. ويركز الفصل بشكل خاص على الدور المركزي لمياه الشرب والصرف الصحي في منع انتشار المرض. وأخيرًا، يتم استخدام تحليل السيناريو لإثبات العلاقة بين الصحة والاقتصاد.
الفصل الرابع: الوصول إلى العائد الديموغرافي لإفريقيا
يعرّف “سيليرز” في هذا الفصل، العائد الديموغرافي ويشرح علاقته بالنمو الاقتصادي، مع التركيز على القارة الإفريقية. ويغطّي في البداية أساسيات العلاقة بين السكان والاقتصاد، ثم يقدّم مناقشة متعمّقة لمفهومين رئيسيين؛ هما التحول الديموغرافي والعائد الديموغرافي. ويوضح الفصل كذلك أن معدلات الخصوبة المرتفعة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تشكل عبئًا على التنمية وليس ميزة؛ حيث لا يمكن للمنطقة أن تتوقع التمتع بعائد ديموغرافي إلا بعد منتصف القرن. ثم يستخدم تحليل السيناريو لإثبات أنه في ظل الظروف السياسية المناسبة، يمكن لإفريقيا تسريع النمو الاقتصادي المدفوع بالسكان من خلال خفض معدل الخصوبة عن طريق التدخلات في التعليم والبنية الأساسية ورأس المال البشري، والأهم من ذلك، تمكين المرأة.
الفصل الخامس: مطلوب: ثورة في الزراعة
لا شك أن الزراعة هي العمود الفقري للعديد من الاقتصادات الإفريقية. لذلك حاول “سيليرز” في هذا الفصل أن يستكشف تاريخ الزراعة، ودورها في التنمية، والمسار المستقبلي المحتمل للزراعة في إفريقيا على طول المسار الحالي، مستخلصًا الدروس من مناطق أخرى. وأنه يمكن للتحسينات في هذا القطاع، وخاصة الوصول إلى التمويل واستخدام التكنولوجيا الحديثة، أن يُطلق العنان للإمكانات الكبيرة لتحقيق الأمن الغذائي، وتحسين نتائج الصحة والتغذية، وإنشاء مشاريع الأعمال الزراعية التي تؤثر على العمالة، وكسب النقد الأجنبي من خلال الصادرات وتعزيز الرخاء الاقتصادي. ويختتم الفصل بسيناريو يحاكي تأثير الثورة في الزراعة على الأمن الغذائي والنمو.
الفصل السادس: تعزيز التعليم
يُقدم “سيليرز” في هذا الفصل، لمحة عامة عن الاتجاهات المختلفة للتعليم في إفريقيا، ويقارن ذلك بالتقدم المحرز في مناطق أخرى. وبالإضافة إلى استعراض النتائج التعليمية الشائعة مثل قياس سنوات الدراسة، كما يركز “سيليرز” على رداءة جودة التعليم ودور الاستبعاد بين الجنسين في ذلك. ويُتبع ذلك بمُلخص لمتطلبات التعليم في المستقبل، مع سيناريو لـ”تعزيز التعليم”، والذي يستكشف معه تأثير التحسينات في جودة وكمية التعليم في إفريقيا إلى جانب الاستفادة من التكنولوجيا لتعزيز نتائج التعلم والتنمية البشرية.
الفصل السابع: الفقر وعدم المساواة في النمو
يستكشف “سيليرز” أولًا التقدم الذي تم إحرازه على الصعيد العالمي للحد من الفقر من خلال سياق تاريخي، ثم العلاقة بين التفاوت والنمو. ويخلُص إلى أن إفريقيا ستفشل في تحقيق الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة بشأن القضاء على الفقر المدقع بحلول عام 2030 بهامش كبير. ويستخدم في هذا الفصل ثلاثة مقاييس للدخل فيما يتصل بالفقر المدقع في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدنيا والمتوسطة العليا؛ لتأطير الوضع الحالي في إفريقيا، ثم يناقش ذلك، متوقعًا تأثير المِنَح الاجتماعية على التخفيف من حدة الفقر. ويعرض في القسم الأخير من الفصل نتائج سيناريو المِنَح الاجتماعية لإفريقيا، ويقارن تلك النتائج بتوقعات الفقر في المسار الحالي.
الفصل الثامن: تغيير الهياكل الإنتاجية
في هذا الفصل، يقدم “سيليرز” تفسيرات مختلفة لعدم تحوُّل الاقتصاد الإفريقي المستدام والبنيوي من الأنشطة الاقتصادية منخفضة القيمة إلى الخدمات والتصنيع ذات القيمة العالية، ويستكشف التحديات المرتبطة بفشل القارة في التصنيع. ويقدم كذلك سياقًا تاريخيًّا لكيفية بروز هذا الوضع، مستمدًّا من مجموع البيانات العالمية مثل بيانات التجارة الواردة من “مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية” UN Conference on Trade and Development. ثم يمضي الفصل قدمًا في النظر إلى مستقبل التصنيع في إفريقيا في سياق التغييرات المدفوعة بالتكنولوجيا في قطاع التصنيع عالميًّا عبر الثورة الصناعية الرابعة، والتي يمكن أن تُوفّر للقارة فرصًا للحصول على موطئ قدم في سلاسل القيمة العالمية. ويضع الجزء الأخير من الفصل نماذج للتدخلات الرئيسية في سيناريو “صنع في إفريقيا”، ويفحص تأثيره الاقتصادي حتى عام 2040م.
الفصل التاسع: مستقبل العمل في إفريقيا
يتناول “سيليرز” في هذا الفصل، التحدي المتمثل في انتشار البطالة على نطاق واسع في إفريقيا، وتأثير ذلك على “مستقبل العمل” في القارة. ويصف الاختلافات بين الطرق التي من المرجّح أن تشهد بها إفريقيا آثار “الأتمتة”([1]) و”الرقمنة”([2]) على سوق العمل، ويزعم أن الثورة الصناعية الرابعة تُشكّل تهديدًا أقل على الوظائف في إفريقيا منها في الاقتصادات المتقدمة. ومع ذلك، يرى أن هناك حاجة إلى إجراءات واضحة. وباستخدام “غانا” كمثال، يستكشف من خلال هذا الفصل المناهج المبتكرة لتوسيع الشمولية في القطاع الرسمي، بما في ذلك تمكين السياسات من أجل الشمول المالي وزيادة تحصيل الإيرادات. بالإضافة إلى ذلك، يتناول استعداد إفريقيا للاستفادة من “اقتصاد العمالة المؤقتة”([3]) gig economy، وغيره من أشكال مرونة العمل.
الفصل العاشر: الابتكار التكنولوجي وقوة القفز
يعتقد “سيليرز” أن الابتكار التكنولوجي ومفهوم القفزات السريعة أمران ضروريان لمستقبل إفريقيا، لذا فهما يشكلان التنمية في القارة بطرق يصعب توقعها. ومع ذلك، ولعل تأثير ثورة “الصخر الزيتي” و”النفط الصخري” في الولايات المتحدة يوضح إمكانات التكنولوجيات الجديدة في القفزات السريعة على جوانب التنمية التقليدية. ومن المرجّح أن يحدث هذا في مجال الطاقة المتجددة كذلك شريطة التغلب على التحديات المرتبطة بتخزين الطاقة. لافتًا كذلك إلى أن انتشار الهواتف المحمولة والإنترنت أدَّت بالفعل إلى جلب الخدمات المالية لملايين الأشخاص، وهو ما يضع الهاتف المحمول في طليعة التغيير الاجتماعي في إفريقيا. وبناءً على مثال ما يحدث في “غانا”، والذي تم استكشافه في الفصل التاسع، فإن هذا الفصل يُصمّم نموذجًا لتأثير سيناريو القفزات السريعة.
الفصل الحادي عشر: التجارة والنمو
يبدأ من خلاله “سيليرز” باستكشاف التاريخ الحديث للتجارة الدولية، وأهمية التجارة للنمو الاقتصادي والتعاون الدولي. ثم يحاول في هذا الفصل تقديم لمحة عامة عن شركاء إفريقيا التجاريين، مبرزًا الحاجة إلى تكامل إقليمي أكبر في القارة، موضحًا التحديات التي تواجه تحقيق التعاون داخل المنطقة. ويبحث في الحاجة إلى تحسين جودة الحوكمة، وسدّ العجز في البنية الأساسية، والتركيز في نهاية المطاف على مسار النمو الذي يقوده التصنيع. ومن الممكن أن يؤدي خفض الحواجز الجمركية وغير الجمركية إلى تيسير التنفيذ الناجح لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، وتحفيز النمو الاقتصادي، وزيادة نصيب الفرد من الدخل والحدّ من الفقر. ويعرض في الأخير نموذجًا للتأثير المحتمل لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية على النمو والحد من الفقر وزيادة متوسط الدخل.
الفصل الثاني عشر: آفاق السلام الأعظم
يقيم “سيليرز” في هذا الفصل، ديناميكيات الصراع التاريخية والحالية في مختلف أنحاء إفريقيا، وكيف ترتبط بالحوكمة، والديموغرافيا، والوضع الاجتماعي، والاقتصادي. ويدور نقاشه في جميع أنحاء الفصل حول دور قوات حفظ السلام والتدخل الخارجي على نطاق أوسع، وارتفاع وتيرة الإرهاب في إفريقيا، وكيف تؤثر هاتين الظاهرتين على بعضهما البعض. ويقيم أصول وطبيعة وتداعيات تراجع الصراع المسلح مع ظهور الاحتجاجات الحضرية باعتبارها السمة الرئيسية للعنف وعدم الاستقرار في معظم أنحاء إفريقيا. وفي سيناريو مستقبلي بديل، يقيم “سيليرز” نتائج التنمية التي يمكن لإفريقيا أن تتوقعها إذا نجحت في خفض مستويات عدم الاستقرار في سيناريو يسمى “إسكات البنادق” Silencing the Guns.
الفصل الثالث عشر: الحكم الرشيد والديمقراطية والتنمية
يستكشف “سيليرز” في هذا الفصل، كيف اجتاحت الديمقراطية العالم لتصبح الشكل السائد للحكم. حتى باتت إفريقيا أيضًا أحد أهم القارات الداعية للديمقراطية، ولكن -في كل الأحوال- بالاسم فقط؛ فغالبًا ما تكون الانتخابات المنتظمة واجهات لأنظمة فاسدة واستبدادية.
ويشرح “سيليرز” كيف أن السياسة التنافسية في البلدان الفقيرة النامية ذات المؤسسات السياسية الضعيفة قد تعيق التنمية في الواقع. ومع ذلك، فقد ارتفع الدعم الشعبي للديمقراطية في إفريقيا، ومن الأهمية بمكان أن تحمي البلدان الإفريقية الخطوات التي قطعتها نحو جوهر الحكم الديمقراطي، وتعمل على تعزيزها. ويوضح سيناريو الموجة الرابعة الموضح في هذا الفصل كيف أن إفريقيا الأكثر ديمقراطية من شأنها أن تؤثر على التنمية.
الفصل الرابع عشر: المساعدات والتحويلات المالية والاستثمار الأجنبي المباشر
يُلقي “سيليرز” الضوء على المشهد العالمي المتطور للمساعدات والاستثمار والتحويلات المالية، وما يعنيه ذلك بالنسبة لإفريقيا، مع التركيز بشكلٍ خاص على الوجود المتزايد للصين في القارة، ويقارن ذلك بالآخرين؛ وبصفة خاصة، ما يقدمه الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء لمعظم المساعدات، على الرغم من أن الولايات المتحدة هي أكبر جهة مانحة للمساعدات في إفريقيا. وبالرغم من كل شيءٍ ستظل المساعدات مهمة بالنسبة للدول ذات الدخل المنخفض؛ ولكنّ أهميتها آخِذة في الانحدار لصالح التركيز على الحاجة إلى جذب أحجام أكبر من الاستثمار الأجنبي المباشر. ويستكشف سيناريو الدعم الخارجي تأثير زيادة المساعدات والتحويلات المالية والاستثمار الأجنبي المباشر على مسار التنمية في إفريقيا.
الفصل الخامس عشر: تغيير المناخ
في مساره التنموي الحالي، يتَّجه العالم نحو مشكلات خطيرة تتعلق بتغير المناخ؛ فسوف تؤثر زيادة انبعاثات الكربون على البشرية جمعاء، ومع انخفاض قدرتها على التكيُّف، ومناخها الجاف، والزراعة التي تعتمد على هطول الأمطار، فإن إفريقيا مُعرَّضة للخطر بشكل خاص. ويقدم “سيليرز” في هذا الفصل تقييمًا متعمقًا لآثار تغير المناخ على الأفارقة. وبالإضافة إلى مراجعة الإجماع العلمي بشأن التهديدات التي من المرجح أن يفرضها تغير المناخ في العقود المقبلة، فإنه يُلقي الضوء على الكيفية التي ستؤثر بها اتجاهات إفريقيا المستقبلية في مجال الطاقة والسكان وأسلوب الحياة في ظل انبعاثات الكربون. ويختتم الفصل بمقارنة انبعاثات الكربون في إفريقيا من خلال أربعة سيناريوهات مع توقعات المسار الحالي، وهي “صنع في إفريقيا” والتجارة الحرة (أعلى انبعاثات الكربون) والقفز والعائد الديموغرافي (أقل انبعاثات الكربون).
الفصل السادس عشر والأخير: سدّ الفجوة
في هذا الفصل الختامي، يقدم “سيليرز” سيناريو مشتركًا لسدّ الفجوة؛ يدمج السيناريوهات الحادية عشرة التي تم نمذجتها في الفصول السابقة، مع مقارنة التأثير بآفاق المسار الحالي على بعض الأبعاد مثل نمو الدخل والحجم الاقتصادي والتأثير على الفقر المدقع وانبعاثات الكربون. ثم ينتقل الفصل لمقارنة تأثير السيناريوهات مع بعضها البعض. وبالطبع تختلف النتائج بالنسبة للدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط المنخفض والعالي وكذلك بمرور الوقت. كما يتم توضيح الاختلافات بالإشارة إلى التحسينات لكل فئة دخل في عام 2030 و2040 و2050م. ثم يحاول في هذا الفصل تقديم وصف واسع لنموذج النمو الاقتصادي القياسي الذي ينبثق من التحليل السابق. ويختتم بالإشارة إلى أوجه التشابه والاختلاف مقارنة بالتاريخ الحديث للصين.
الخاتمة:
احتوى الكتاب على بيانات ومعلومات وسيناريوهات لا شك أنها قيّمة، لكنها كذلك أهملتْ أو تغاضتْ -كما غيرها من الدراسات في هذا الحقل- عن أهمية الخزان البشري في إفريقيا، ففي كل دراسة اقتصادية أو اجتماعية في إفريقيا يحاول الباحثون الغربيون التقليل أو التهاون بل والتحذير أحيانًا من الزيادة السكانية في القارة، في قارة هي الأغنى عالميًّا في مواردها وموادها الخام.
ويؤكد الكتاب كغيره في نفس الموضوع على أن إفريقيا هي مستقبل العالم؛ وذلك أن إفريقيا هي القارة الأسرع نموًّا، ومن المؤكد أن نموّها الديموغرافي، والاقتصادي، والثقافي، وغير ذلك سوف يؤثر حتمًا على النظام العالمي؛ وكلما زاد تأثيره؛ ازدادت قوته. وسوف يجلب نمو المجتمعات الإفريقية في الوقت نفسه التحديات والفرص. ليس هذا فحسب؛ فمع انخفاض معدلات المواليد في معظم مناطق الكوكب، فإن إفريقيا تمثل موردًا عماليًّا يمكن أن يساعد جزئيًّا في حلّ مشكلة نقص العمالة في البلدان ذات الدخل المرتفع.
لذا يجب أن يكون نموّ الاقتصاد الإفريقي أمرًا لا مفر منه بالفعل فيما يتعلق بنمو السكان، وخاصةً في المناطق الحضرية، وهروبها من الفقر المدقع. ومن ناحية أخرى، يمكن للنمو الإفريقي أن يؤثر بشكل كبير على البيئة (خاصة في القطاع الزراعي). كما أن إفريقيا واعدة في ظل تطوُّر التحوُّل إلى الطاقة الخضراء بشكل عميق ومنهجي وسريع. كما تتمتع بعض دول إفريقيا بثروات هائلة من الموارد التي تحظى بطلب كبير في صناعة الإلكترونيات الحديثة والطاقة الخضراء؛ فضلًا عن احتياطيات المعادن النادرة. وهو ما يجعل إفريقيا بأرضها المتنوعة وثرواتها التي لا غِنَى عنها للعالم مَطْمَعًا متزايدًا للقوى العالمية لم يتراجع يومًا في أهميته.
لكنّ السؤال الأهم: متى نستفيد نحن الأفارقة من مواردنا لنكون في مقدمة الركب التنموي، والتكنولوجي والصناعي، والزراعي؟ أراه في المستقبل القريب في ظل انشغال العالم في السنوات القادمة بصراع الزعامة بين غرب يتضاءل نفوذه وشرق يقاتل ويناطح لفرض واقع جديد. هذا الصراع الذي يجب ألا تقف إفريقيا فيه موقف المتفرج، أو المُوالي لجبهة على حساب أخرى، فإفريقيا يحتاجها الجميع في الوقت الذي لا تحتاج هي لأحد. فكلّ الموارد والمواد متاحة، والظروف مواتية، فقط كلّ ما نحتاجه هو الإدارة، لكنْ قبلها نحتاج الإرادة.
…………………………………
([1]) مصطلح مستحدث ومُعَرَّب يعنى التَشغيل الآلي ويطلق على كل شيء يعمل ذاتيًّا بدون تدخل بشرى.
([2]) هي تحويل الاتصال الكتابي والشفوي والسماعي والمرئي إلى رسائل إلكترونية رقمية يفهمها الجميع، ويمكن حفظها واسترجاعها بسرعة وبيسر.
([3]) هو نظام سوق حر؛ حيث تكون الوظائف المؤقتة شائعة، وتقوم المنظمات بتوظيف عمال مستقلين لالتزامات قصيرة.