د. جيهان عبدالرحمن جاد
متخصصة في الشؤون الإفريقية
مقدمة:
تُعدّ ثورة الشيمورنجا واحدةً من أبرز صفحات المقاومة ضد الاستعمار الأوروبي في إفريقيا؛ خاصةً في منطقة الجنوب الإفريقي. هذه الثورة، التي اندلعت في القرن التاسع عشر في زيمبابوي، كانت تجسيدًا للعزيمة والإصرار لدى شعب الشونا في الدفاع عن أرضهم وحريتهم في مواجهة الطموحات الاستعمارية البريطانية.
شهدت مقاومة شعب الشونا ضد الاستعمار البريطاني مرحلتين رئيسيتين: في المرحلة الأولى، خلال تسعينيات القرن التاسع عشر، أطلقوا على حربهم اسم “شيمورنجا”، وقد استلهم شعب الشونا اسم “شيمورنجا”، الذي يعني المقاومة، من أساطير أجدادهم، ليطلقوه على حربهم الطويلة ضد المستعمرين البريطانيين. وفي المرحلة الثانية، خلال الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، تجددت المقاومة تحت نفس الاسم.
دخول الاستعمار البريطاني إلى أراضي زيمبابوي:
قبل الاستعمار البريطاني، كانت قبيلة الماشونا هي السائدة في زيمبابوي. هذه القبيلة، التي تنحدر من قبائل البانتو، استوطنت المنطقة منذ زمن بعيد، وأقامت حضارات متقدمة. اشتهر الماشونا بمهاراتهم الزراعية والحِرَفية، لكنّهم عانوا من التشتُّت بسبب طبيعة الأرض الجبلية التي أجبرتهم على العيش في تجمعات صغيرة ومتباعدة، مما جعل من الصعب عليهم تحقيق الوحدة السياسية للدفاع عن أنفسهم ضد الغزاة. بالإضافة إلى الماشونا، كانت هناك قبيلة أخرى تعيش في المنطقة، وهي الميتابيلي، وكانت فرعًا من قبيلة الزولو، وقد هربوا إلى هذه المنطقة من البوير في جنوب إفريقيا. تحت قيادة المحارب مزيليكازي، الذي تُوِّج ملكًا عليهم فيما بعد. أصبح الميتابيلي قوة عسكرية هائلة، نفّذت غارات عديدة على المناطق المجاورة([1]).
بدأت الأطماع الأوروبية في إفريقيا تزداد مع اكتشاف الذهب في مناطق مجاورة لمملكة الميتابيلي. ورغم محاولات ملك الميتابيلي، مزيليكازي، الحفاظ على استقلالية مملكته، إلا أن البعثات التنصيرية، التي بدأت عملها في عام 1857م، تمكنت من اختراق المجتمع الميتابيلي. وقد مهَّد هذا التغلغل الطريق أمام التدخل الأوروبي المباشر ووضع مملكة الميتابيلي تحت التهديد المستمر([2]).
توافدت على لوبنجيولا وفود من مختلف الدول الأوروبية، ساعيةً للحصول على امتيازات للتنقيب عن المعادن الثمينة في أراضي الميتابيلي. ازدادت الأطماع الاستعمارية في لوبنجيولا مع تدفق أصحاب الامتيازات الباحثين عن الذهب. استغل سيسيل رودس هذه الفرصة، وأرسل ممثليه إلى بولاوايو عام 1888م لتأمين امتياز حصري لتعدين الذهب في المنطقة. وبنجاحه في الحصول على هذا الامتياز، تمكّن رودس من السيطرة على ثروات لوبنجيولا المعدنية وإبعاد المنافسين، وبدأت حقبة جديدة من الاستعمار([3]).
لتحقيق أهدافه الاستعمارية؛ قرَّر سيسيل رودس تأسيس شركة قوية تحظى بدعم الحكومة البريطانية. وقد نجح في الحصول على موافقة البرلمان البريطاني على تأسيس شركة جنوب إفريقيا البريطانية عام 1889م. وهكذا، حصلت الشركة على صلاحيات واسعة في إدارة أراضي الميتابيلي والماشونا، مما مهَّد الطريق للاستعمار البريطاني للمنطقة([4]).
مع تولّي سيسيل رودس منصب رئيس وزراء مستعمرة الكيب، ازدادت طموحاته الاستعمارية؛ فقد رأى في لوبنجيولا عقبة تَحُول دون تحقيق أهدافه في السيطرة على ثروات المنطقة. ولذلك، قرَّر التخلص من الميتابيلي لتوسيع نفوذه. ولتبرير غزوه لماتابيلاند، ادعى سيسيل رودس أن الميتابيلي يشكّلون تهديدًا على المستوطنين البيض، مما يُبرّر القيام بحملة عسكرية ضدهم. وبذلك، تمكّن من حشد الدعم الشعبي والحكومي للحملة، وبدأ في تجهيز قوة عسكرية كبيرة تضمّ متطوعين من البيض والسود، بالإضافة إلى قوات بوليسية مسلحة، وذلك لضمان السيطرة على المنطقة([5]).
في سبتمبر 1890م، احتلت القوات البريطانية بقيادة رودس أراضي الماشونا دون مقاومة تُذْكَر، وأسَّست عدة حصون لتعزيز سيطرتها على المنطقة. وعلى الرغم من محاولات لوبنجيولا لمنع الحرب، سقطت الماشونا تحت الاحتلال البريطاني، الذين رأوا في الاحتلال حماية لهم من استبداد الميتابيلي. ومع ذلك، استغل البريطانيون هذا الاستسلام لاستغلال شعب الماشونا في الأعمال الشاقة في المزارع ومناجم التعدين([6]).
في عام 1893م، شنَّت شركة جنوب إفريقيا البريطانية هجومًا متعدّد المحاور على قبيلة الميتابيلي، مستفيدةً من التفوق العسكري الكبير. وعلى الرغم من مقاومة الميتابيلي الشرسة، تمكَّنت القوات البريطانية، المدجَّجة بالأسلحة الحديثة، من اختراق دفاعاتهم والسيطرة على عاصمتهم بولاوايو. وبهذا الانتصار، تمكَّنت الشركة من بسط سيطرتها على المنطقة. أمام التفوق العسكري البريطاني، قرَّر لوبنجيولا الانسحاب من مواجهة مباشرة، تاركًا أراضي الميتابيلي وفرارًا إلى الشمال، في اتجاه زامبيا حاليًّا. ولم يُعرف مصير الملك بعد ذلك، وسط شائعات عن انتحاره. وتكبّد الميتابيلي خسائر فادحة في الأرواح وصلت إلى 600 فرد ما بين قتيل وجريح، بينما بلغ عدد قتلى الإنجليز اثنين فقط، بالإضافة إلى ستة جرحى([7]).
أسباب اندلاع ثورة الأفارقة:
كانت هناك عدة أسباب دفعت الأفارقة إلى القيام بالثورة؛ منها: أن استيلاء بريطانيا على أراضي الميتابيلي والماشونا كان جزءًا من سياسة الاستعمار الأوروبي في إفريقيا، والتي كانت تهدف إلى السيطرة على الموارد الطبيعية واستغلال القوى العاملة الرخيصة.
وقد أدَّى هذا الاستيلاء إلى تدمير الهياكل الاجتماعية والاقتصادية التقليدية لهذه الشعوب؛ حيث تم تجريدها من أراضيها ومواشيها التي كانت تمثل مصدر رزقها وهويتها. وقد أدت هذه السياسات الاستعمارية إلى نشوء مقاومة عنيفة مِن قِبَل الميتابيلي والماشونا، الذين دافعوا عن أراضيهم وحرياتهم. ولم تكن هذه المقاومة مجرد صراع عسكري، بل كانت تعبيرًا عن هوية ثقافية عميقة؛ حيث ارتبطت الأرض ارتباطًا وثيقًا بالدين والمعتقدات الشعبية، وكان يُنظَر إليها على أنها موطن الأسلاف ومصدر القوة الروحية.
كما شجعت الشركة البريطانية على هجرة الأوروبيين إلى زيمبابوي، ووعدتهم بأراضي خصبة وثروات معدنية. وقد تم طرد الأفارقة من أراضيهم، وحرمانهم من مصادر رزقهم التقليدية؛ لتمهيد الطريق للمستوطنين الجدد. أدَّت هذه السياسات إلى تدهور حادّ في مستوى معيشة الأفارقة؛ حيث أصبحوا يعتمدون على العمل الزراعي الموسمي بأجور زهيدة. وفي الوقت نفسه، تمتع الأوروبيون بامتيازات واسعة، حيث حصلوا على أفضل الأراضي ودعم حكومي سخي. وقد أدَّت هذه التفاوتات الشاسعة إلى تزايد التوتر والغضب بين الطائفتين، مما مهَّد الطريق لاندلاع صراعات طويلة الأمد([8]).
لم يقتصر الظلم الذي تعرَّض له شعب الميتابيلي على الاستيلاء على أراضيهم ومواردهم، بل امتد إلى جوانب أخرى من حياتهم. فقد فرض المستعمرون عليهم نظام عمل إجباريّ قاسٍ؛ حيث كانوا يجبرون على العمل في المزارع والمناجم دون أَجْر، أو في بناء البنية التحتية التي تخدم مصالح المستعمرين. كما تم تجنيدهم قسريًّا في الجيش. وقد زادت هذه الممارسات القمعية من حدة الاستياء الشعبي، خاصةً بعد أن ضرب الجفاف المنطقة، وتسبَّب في مجاعة واسعة النطاق. اعتقد الميتابيلي أن هذه الكوارث هي عقاب من الآلهة على وجود المستعمرين، مما زاد من عزيمتهم على المقاومة. وعلى الرغم من أن هذه المقاومة واجهت قمعًا شديدًا، إلا أنها تركت إرثًا مهمًّا في تاريخ النضال الإفريقي ضد الاستعمار([9]).
دور الوسطاء الروحيين في ثورة الشيمورينجا:
ارتبطت الهوية الإفريقية ارتباطًا وثيقًا بالدين الإفريقي التقليدي، لم يكن اعتقاد الشونا بالأرواح مجرد معتقدات عابرة، بل كان نظامًا متكاملاً يربط الإنسان بالطبيعة والكون. فكل شيء تقريبًا، من النهر إلى الشجرة، يعتقدون أنه يمتلك روحًا تؤثر في حياتهم اليومية. هذه العلاقة الوثيقة مع عالم الأرواح شكَّلت أساسًا متينًا لهويتهم الثقافية. كانت العلاقة بين الدين والسياسة متشابكة بشكل وثيق في مجتمع الشونا. فكان الزعماء السياسيون يستشيرون الوسطاء الروحيين قبل اتخاذ القرارات المهمة، مما زاد من شرعية حكمهم. وعندما واجه الشونا الاستعمار، تم تفسير الغزو على أنه انتهاك للأرض المقدسة والأرواح، مما حفَّزهم على المقاومة. مع قدوم الاستعمار، واجَه الوسطاء الروحيون تحديات كبيرة؛ حيث حاول المستعمرون تقويض نفوذهم. ومع ذلك، تمكَّن الكثير من الوسطاء من الحفاظ على ممارساتهم سرًّا، واستمروا في لَعِب دَوْر مهمّ في حياة المجتمعات المحلية([10]).
ولم يكن اعتناق الميتابيلي لديانة الماشونا مجرد تغيير ديني، بل كان تحولاً أيديولوجيًّا ألهمهم بالمقاومة. فمفهوم الإله الأعظم “مليمو Milmu” الذي يوازي “مواري Mwari” عند الماشونا، والذي يرمز إلى القوة والعدالة، وقد حفَّز الميتابيلي على تحدّي القوى الاستعمارية التي اعتبروها تجسيدًا للشر والظلم. بعد أن خلَّف الكهنة ملوك الميتابيلي، أصبحوا القادة الروحيين والسياسيين للشعب. كانوا يستخدمون الدين لتحفيز المقاتلين ورفع معنوياتهم، ووعدوهم بالانتصار بمساعدة الأرواح. أما الوسطاء الروحيون، فكانوا يتواصلون مع أرواح الأسلاف للحصول على التوجيهات والإرشادات، مما زاد من إيمان الشعب بقدسية قضيتهم([11]). وقد أطلق المؤرخون الأوروبيون على هؤلاء الوسطـاء أو الكهنة اسم السفيكيرو([12]).
ويأتي تشيمينوكا Chaminuka على رأس قائمة أهم الوسطاء الروحيين الذي امتد نفوذه في وسط الماشونا الذي يتلقى منه الأهالي أوامر الإله مواري، والكاهن كاجوبي Kagubi، وكان قائدًا روحيًّا وسياسيًّا بارزًا في غرب أراضي الماشونا. والكاهنة نيهـاندا Nehanda في وسـط وشمـال الماشـونا، امتلكت قوة روحية كبيرة بفضل روح الأسد التي كانت تستحوذ عليها، مما جعلها رمزًا للمقاومة الإفريقية، وكانت تُحرّض الناس على الثورة وتلهمهم بروح القتال، وقد نجحت في تنظيم العديد من الهجمات ضد المستعمرين، والكـاهن مكـواتي بدأ مكواتي حياته العسكرية في صفوف الميتابيلي، ثم انضم إلى كهنة موارى. وبعد الهزيمة التي مُنِيَ بها الأفارقة، استطاع هذا القائد الشجاع أن يُوحِّد شعب الميتابيلي ويقوده في ثورة جديدة([13]).
لم يقتصر دور الكهنة على إقناع الأفارقة بأن الرجل الأبيض هو الذي أنزل عليهم الكوارث، بل كانوا يُفسِّرون هذه الكوارث على أنها عقاب إلهي على الاستعمار. كانوا يرون في النضال ضد المستعمرين فرصة للتكفير عن الذنوب وجلب البركة على البلاد. لم يكن دور الوسطاء الروحيين يقتصر على التنبؤ بهجمات العدو، بل كانوا يلعبون دورًا مهمًّا في رفع معنويات المقاتلين. كانوا يقومون بطقوس خاصة قبل المعارك لتقوية إيمانهم بالنصر، ويؤمنون بأن الأرواح تحميهم وتدعمهم في معركتهم. وكان الوسطاء والفدائيون وجهين لعملة واحدة. بينما كان الفدائيون يقاتلون في الخطوط الأمامية، كان الوسطاء يعملون خلف الخطوط لتزويدهم بالدعم المعنوي والروحي. لقد كانا يمثلان قوة لا تقهر؛ حيث كان الفدائيون يقاتلون بأجسادهم، والوسطاء يقاتلون بأرواحهم([14]).
مقاومة الأفارقة للبريطانيين:
اندلعت شرارة ثورة الشيمورنجا في 20 مارس 1896م، في منطقة الميتابيلي، إثر مقتل شرطي إفريقي تابع لشركة جنوب إفريقيا البريطانية. وقد تصاعدت حدة المواجهات بعد يومين أسفرت عن مقتل سبعة من البيض واثنين من الأفارقة. انتشرت ثورة الشيمورنجا بسرعة في منطقة الميتابيلي؛ حيث قام الثوار بتعطيل الاتصالات مع المركز الإداري في سالسبوري، وشنُّوا هجمات متفرقة باستخدام مجموعة متنوعة من الأسلحة التقليدية من رماح وأقواس وسهام. وقد أسهم انضمام عدد كبير من أفراد الشرطة الإفريقية إلى صفوف الثوار في تعزيز قدرات المقاومة.
مع نهاية مارس، بلغ عدد القتلى الأوروبيين حوالي 143 قتيلاً. وفي تطوُّر خطير للأحداث، حاصرت قوات الميتابيلي مدينة بولاوايو في بداية أبريل من العام ذاته، مما اضطر المستوطنين إلى اللجوء إلى التحصينات للدفاع عن أنفسهم، وسط فشل محاولاتهم لوقف تقدم الثوار. وعند علمه بالثورة؛ عاد سيسيل رودس عاجلاً من إنجلترا إلى سالسبوري؛ سعيًا لإعادة السيطرة على الوضع المتدهور. وفي الوقت نفسه، سارعت شركة جنوب إفريقيا البريطانية إلى إرسال قوة عسكرية ضخمة مُؤلَّفة من 2000 جندي أوروبي و600 مقاتل إفريقي لدعم المستوطنين المحاصرين([15]).
استمرت أحداث ثورة الشيمورنجا في الميتابيلي لمدة عشرة أشهر متواصلة، حتى ديسمبر، مما أثقل كاهل الشركة بتكاليف باهظة، وبسبب هذه التكاليف، أعلنت الشركة في يوليو عن اللجوء إلى سياسة العفو العام عن الثوار لتقليص الخسائر وتجنُّب الإفلاس أو تحويل المستعمرة إلى محمية تحت إشراف الحكومة البريطانية. بعد حصار طويل ومُرهق استمر منذ أغسطس، وفشل جميع محاولات التفاوض، اضطرت قبائل الميتابيلي إلى الاستسلام في 13 أكتوبر 1896م، وذلك بعد قبول شروط السلام التي فرضها رودس([16]).
اعتقد شعب الماشونا أن الشركة ستنقذهم من استغلال شعب الميتابيلي، فثاروا ضدهم. ولكنهم سرعان ما اكتشفوا أن الشركة لم تقدم لهم الحرية التي كانوا يتطلعون إليها، بل فرضت عليهم نظام عمل قسري وضرائب جديدة، مما زاد من معاناتهم. وما أن تمكّن رودس من قمع ثورة الميتابيلي حتى وجّه أنظاره صوب ثورة الماشونا التي اندلعت في 15 يونيو 1896م بقتل عاملين أوروبيين في منجم. وفي الوقت نفسه، اغتيل المندوب الحكومي، لتنتشر أعمال العنف بسرعة في أراضي الماشونا؛ حيث هاجم الثوار المستوطنين البيض دون رحمة. ولحماية أنفسهم من الانتقام، تحصَّن الماشونا في قراهم المحصنة.
واستمرت ثورة الماشونا في التصاعد حتى مطلع عام 1897م؛ حيث واجهت القوات الأوروبية مقاومة شرسة. وفي محاولة لقمع الثورة، حاول المستوطنون حصار قلب مناطق الماشونا خلال الفترة من يوليو إلى سبتمبر من نفس العام، إلا أن الثورة استمرت في الانتشار([17]).
استطاع كاجوبي ومكواتي، بقيادتهما الحكيمة، توحيد شعب الماشونا في وجه الاستعمار. فقد تحصَّنا في المناطق الجبلية، وقاوموا المستعمرين لمدة عام كامل، مستخدمين شبكة واسعة من الاتصالات السرية لتبادل المعلومات وصياغة الخطط ([18]).
ويُعتقد أن مكواتي قد أراد إرهاق قوات رودس من خلال إشعال حربين متزامنتين، واحدة مع الميتابيلي والأخرى مع الماشونا. وقد نجح هذا التكتيك إلى حد كبير؛ حيث لجأ الماشونا إلى حرب العصابات، مستغلين التضاريس الوعرة لحماية أنفسهم من الهجمات المباشرة، مما أرهق القوات الاستعمارية. وفي أكتوبر، تمكَّنت القوات الاستعمارية من القبض على كاجوبي بعد أن ارتكبت مجزرة مروعة بحق المدنيين؛ حيث قامت بتفجير الكهوف التي كان الماشونا يختبئون فيها باستخدام الديناميت، مما أسفر عن سقوط عدد كبير من الضحايا. بينما لجأت نيهاندا إلى جبال مازوي للاختباء، وتمكَّنت من الإفلات من قبضة البريطانيين حتى ديسمبر عندما قررت الاستسلام. أما كاجوبي فقد أُلقي القبض عليه. وفي النهاية، حُكِمَ على كلا القائدين بالإعدام في 27 أبريل 1898م؛ حيث اتُّهِمُوا بقتل المندوب الوطني وأفراد الشرطة([19]).
الخاتمة:
تعتبر ثورة الشيمورنجا الأولى من أهم أحداث المقاومة ضد الاستعمار في تاريخ زيمبابوي. هذه الثورة كشفت عن إرادة شعبية راسخة في الدفاع عن أرضه وحريته، رغم التفاوت الكبير في القوى العسكرية والتكنولوجية بين الثوار والقوى الاستعمارية. أثبت تاريخ زيمبابوي أن الوحدة بين القبائل هي السبيل الوحيد لمواجهة الاستعمار. فالتعاون بين الماشونا والميتابيلي أرهَق المستعمرين، ورغم الهزيمة المُؤقَّتة، تجدَّد هذا التعاون في النصف الثاني من القرن العشرين لتحقيق الاستقلال. وهذا يدل على أن التحالفات القبلية لم تكن ثابتة، بل كانت تتشكل وتتبدَّل وفقًا للظروف التاريخية.
……………………………………………….
([1]) Palmer, Robin, Land & racial domination in R, Heinemann Books Ltd, London 1977, PP. 8-9.
([2]) Bute, E.L. & Harman, H.J., The Black Handbook the People History and Politics of Diaspora, London 1977, P.93
([3]) Jones, Arthur Keppel, The Occupation of Mashonland, The Canadian Historical Association, 1960, P.75.
([4]) السيد علي أحمد فليفل: جمهورية جنوب إفريقيا 1857-1902م، مركز الحضارة العربية للإعلام والنشر، القاهرة 1990، صـ 108.
([5]) Samkange, Stanlake, Origins of Rhodesia, Heinemann Books LTD, London 1968, P.58.
([6]) Bute, E.L. & Harman, H.J., Op. Cit., P.176.
([7]) Palmberg, Mai, The Straggle for Africa, translated into English by Andree, E.M.K and (eds.), Zed Press, London 1983, P. 178.
([8]) Bute, E.L. & Harman, H.J.: Op. Cit., P.176.
([9]) Palmberg, Mai, Op. Cit., PP.179-180.
([10]) Gelfand, M., The Shona Religion, Zambezia Vol. 01 No. 1, 1969, P.38.
([11]) Ranger, Terence, The Death of Chuminuka spirit Mediums Nationalism, P.352.
([12]) تعني حرفيًّا الشخص أو الوسيلة أو الوسيـط الذي تُوحي من خلالـه الآلهة إلى البشـر.
([13]) Palmer, Robin, Op.cit., PP. 12-13.
([14]) Gelfand, M., Op. Cit., P.38.
([15]) Samkange, Stanlake, H.J., Op. Cit., P. 77.
([16]) Sweetman, David, Women Leaders in Africa, Heinenenn Books Inc-, London 1984, P. 78.
([17]) Bute, E.L. & Harman, H.J., Op. Cit. P.176.
([18]) Samkange, Stanlake, Op. Cit., P. 79.
([19]) Palmberg, Mai, Op. Cit., P. 201.