مصطفى انجاي*
مدخل:
تتعرّض المجتمعات الإفريقية، منذ انطلاق حقبة الاستعمار، لمشاريع التحديث التي تتبنّى العلمانية، كما صاغتها الأدبيات الفلسفية والسياسية الغربية، بوصفها مطلباً أساسيّاً لبناء الدولة الحديثة، حيث عملت القوى الإمبريالية على تصديرها إلى المجتمعات الخاضعة لنفوذها، في زمن الاستعمار وبعده وإلى الآن.
وبرغم صعوبة طرح تعريف لمصطلح العلمانية يحظى بالإجماع؛ فإنّ هناك مقداراً من المفهوم يُمكن أن نُطلق عليه «المعنى الأدنى»، تتوافق عليه غالبية التعريفات المقترحة لتحديد المفهوم، وهو: «تحييد الدين عن السياسة»؛ أي فَصْل السلطة السياسية- بناءً وممارسةً- عن تأثير السلطة الدينية.
وقد اصطدم مسار بناء الدولة الحديثة- على أسس علمانية- بإفريقيا بمعضلةٍ أساسيةٍ، هي تحييد القبيلة والعقيدة عن العمل السياسي كما استقرّ عليها الأمر في الأدبيات الغربية المنتجة لمفهوم العلمانية، فبعد كلّ هذه السنوات الطويلة من نشأة الدولة الحديثة على الأسس العلمانية في إفريقيا؛ لم تستطع العلمانية أن تعزل القبيلة والعقيدة، فلا تزال القبيلة والعقيدة مؤسستَيْن محوريتَيْن تلعبان دَوْراً رئيساً في توجيه السلطة السياسية وتدبير الشأن العام، ما يجعل هذا النموذج العلماني للدولة موضع مساءلةٍ ونقدٍ على مستوى جدواها وملاءمتها للخصوصيات المحلّية الإفريقية.
الساحل الإفريقي: من الجغرافيا إلى الجيو- بوليتيك:
لعلّ أوّل إشكال يعترض الباحث هنا مرتبطٌ بوضع حدٍّ للمنطقة المشار إليها بالساحل الإفريقي، وهل هناك خصائص جغرافية اجتماعية سياسية تطبع المنطقة؛ بحيث تسمح مجتمعة بوصفها وِحدة وكتلة متجانسة؟
مصطلح الساحل:
«الساحل»Sahel : كلمة ذات أصول عربية تعني الشاطئ، أي اليابسُ المجاور للبحر أو النهر، وقد ورد استخدام كلمة «الساحل» في الكتابات التاريخية المحلّية، مثل (تاريخ الفتّاش) و (تاريخ السودان)، وكانوا يقصدون بها أساساً المناطق المتاخمة لمدينة: (غاو، وتنبكتو، وجنّى)، لوقوعها على شاطئ نهر النيجر، والاستعمال المتكرّر لمصطلح «الساحل» في الكتابَيْن مؤشّرٌ على وعيٍ باصطلاحيته عندهم، وإنْ كان القطع بذلك يحتاج إلى دراسات مصطلحية متعدّدة.
على أنّ الأصول العربية لمصطلح «الساحل» يضع التفسير السابق موضع تساؤل؛ لأنّ الاستخدام العربي للمصطلح مرتبطٌ ارتباطاً وثيقاً بالصحراء، حيث كان الجغرافيون العرب يُطلقون المصطلح على المناطق الكائنة في الحدود الجنوبية للصحراء الكبرى، التي تمتدّ من المحيط الأطلنطي غرباً إلى البحر الأحمر شرقاً، فعدم وجود نهرٍ أو بحرٍ يفصل بين الضفّة الجنوبية والضفّة الشمالية للصحراء الكبرى يجعل إطلاق «الساحل» على المنطقة غير وجيهٍ جغرافيّاً ولغويّاً.
ولعلّ ذلك هو ما حدَا ببعض الباحثين إلى اعتبار أصل الاسم هو: «السهل»، وجمعه: «سهول»، وهو الأرض المستقيمة السطح، أي التي لا هضاب ولا جبال ولا منخفضات فيها.
ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى أنّ الرحّالة الأوروبيين استخدموا مصطلح «السهل»- الذي كان يطلقه المحلّيون والجغرافيون العرب على المنطقة- في لغاتهم دون ترجمة، فأصبح لديهم هكذا: «sahel»، فظنّ بعض النّاس أنّ أصل اللفظ هو «الساحل»، بوضع الحاء بدلاً من حرف h، بعد نقله من الكتابات الأوروبية.
ظهور المعنى الجيو- سياسيّ للساحل:
وقد بدأ مصطلح «الساحل» يتّخذ معنى جيو- سياسيّ بعد موجة المجاعة التي ضربت كلاًّ من السنغال وموريتانيا ومالي وفولتا العليا (بوركينافاسو حاليّاً) والنيجر وتشاد، فأصبح «الساحل» في المخيلة الدولية يفقد دلالته الجيو- تاريخية، ويحمل بُعداً جيو- سياسيّاً، بوصفه مجموعة دول فقيرة متخلّفة، تعاني التصحّر والجفاف والمجاعة وسوء التغذية.
وقد شاركت دول المنطقة نفسها في صناعة هذه الصورة، حيث بادرت بإنشاء اللجنة المشتركة بين الدول لمحاربة التصحّر في الساحل Comité inter-États de lutte contre la sécheresse au Sahel –CILSS، وذلك في عام 1973م لهدف تحريك وتنسيق الجهود الدولية في التصدّي للمجاعة، وقد ضمّت اللجنة في البداية: (موريتانيا والسنغال ومالي وفولتا العليا والنيجر وتشاد)، ثمّ انضافت إليها فيما بعد دولٌ كثيرة، منها: (غامبيا وتوغو وبنين وكوت ديفوار (ساحل العاج) والرأس الأخضر).
وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، وصعود ما يُعرف اليوم باسم: «الإرهاب الدولي»، بدأت منطقة الساحل تأخذ معنىً جيو- سياسيّاً آخر، خصوصاً بعد إنشاء جماعة «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» المتولّدة من رحم «الجماعة السلفية للدعوة والجهاد» الجزائرية، فمنذ نشأة هذه الجماعة المسلحة وغيرها، وتمركز نطاق عملياتها في منطقة الساحل، أصبح المفهوم المتبادر إلى الذهن لمصطلح «الساحل» هو النطاق الجغرافي الذي تتمركز فيه عمليات الجماعات المسلحة وعصابات المافيا والتهريب، ولذا أصبح المفهوم ديناميكيّاً مواكباً لاتّساع عمليات هذه الجماعات.
ففي 2013م مثلاً؛ ظهرت المناطق الجنوبية لنيجيريا وكاميرون وإفريقيا الوسطى في خرائط وزارة الخارجية الفرنسية كمناطق «ساحلية»، «لا يُنصح المواطنون الفرنسيون بالوجود فيها»، في حين لم تكن هذه الخرائط تشمل قبل التاريخ المذكور إلاّ مناطق من مالي وبوركينافاسو وموريتانيا والنيجر وتشاد[1]، ما يعني أنّ لعامل العنف الديني دَوْراً كبيراً في تحديد المفهوم.
هذا المعنى الجيو – سياسيّ هو المقصود في استعمالاتنا لـ «الساحل الإفريقي» في هذه المقالة، وإنْ كان تحليلنا سيتمحور حول كلٍّ من دولة: (مالي، والسنغال، والنيجر، وموريتانيا، ونيجيريا)؛ لقوّة إشكالية العلاقة بين الديني والسياسي فيها؛ أكثر من غيرها.
علاقة الديني بالسياسي في «الأديان الساحلية»[2]:
إنّ فَهْم الصراع الراهن بين السلطة الدينية والسلطة السياسية في الدولة الحديثة-بمفهومها العلماني- بالمنطقة لا يمكن إلاّ بإدراك موقف هذه الأديان نفسها من العملية السياسية، سواء في عقائدها التأسيسية، أو في طريقة تشكّلها في التجربة التاريخية.
ولئن كان للديانات الإفريقية التقليدية السبقُ التاريخيّ في منطقة الساحل الإفريقي؛ فإنّ دَوْرها اليوم في بناء الإنسان وتوجيه سلوكه العام أقلّ كثيراً من الديانتَيْن السماويتَيْن اللتَيْن تنتظمان في سلكهما الغالبية الساحقة لسكّان المنطقة، وهما الإسلام والمسيحية.
أ – المسيحية:
– من الناحية العقدية: تُقدّم المسيحية نفسها بوصفها تجربةً روحيةً فرديةً من أجل الخلاص، ولذا يذهب كثيرون إلى أنّ المسيحية تقيم فصلاً بين الديني والسياسي، ويتجسّد هذا الاعتقاد بشكلٍ جلّيٍّ في المقولة المنسوبة للمسيح- عليه السلام-: «أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله».
– وفي التجربة التاريخية: فالأمر مختلف، حيث تميّزت الفترة الكائنة بين اعتناق الإمبراطورية الرومانية للمسيحية في القرن الرابع الميلادي، حتى فترة الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر الميلادي، بحضورٍ قويٍّ للسلطة المسيحية في السياسة وإدارة الشأن العام[3].
ب – أمّا الإسلام:
– من الناحية العقدية: فإنّ نصوصه التأسيسية (القرآن والحديث) لا تفصل بين ما هو ديني ودنيوي، بل أكثر من ذلك: فإنّها تطرح رؤية عامّة ومبادئ توجيهية تسري على كلّ حياة الفرد والمجتمع، ولذا فإنّ القرآن والسنّة مشتملان على نصوصٍ كثيرةٍ توجّه حياة الأمة المسلمة في الاجتماع والسياسة والأحوال الشخصية، ولا يمنع هذا من أنّ الإسلام أحدث تمييزاً (وليس فصلاً) بين الديني والسياسي، كما يذهب إلى ذلك غير واحدٍ من المفكّرين الإسلاميين اليوم[4]؛ تأسيساً على تمييز العلماء منذ الأيّام الأولى للإسلام بين تصرّفات النبيّ صلى الله عليه وسلم بمقتضى الرسالة، وتصرّفاته بمقتضى الإمامة.
– وفي التجربة التاريخية: شكّل الإسلام دائماً مرجعيةً فكريةً وأخلاقيةً وتشريعية للفعل السياسي؛ في كلّ مناطق نفوذه التاريخية في الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا وأوروبا.
الديني والسياسي وأشكال التفاعل في الدولة العلمانية الحديثة- الحالة الإسلامية نموذجاً-:
1 – المسالمة أو المواجهة الناعمة:
إنّ تحليل العلاقة بين الدولة العلمانية والسلطة الدينية في المنطقة منذ فترة الاستعمار؛ يُنبئ بأنّ الدولة تيقّنت بأنّ نفوذها الاجتماعي ورأسمالها الشعبي؛ لا يسمحان لها بمواجهة المؤسسة الإسلامية ذات الجذور العميقة، العائدة إلى فترة الإمبراطوريات والممالك الإسلامية، والتي بقيت، برغم انهزامها العسكري أمام الترسانة العسكرية الاستعمارية، تتمتّع بسلطةٍ معنويةٍ هائلة قادرة على التعبئة الاجتماعية وتحريك الجماهير ضدّ المشروع الاستعماري.
هذا الواقع دفع السلطات الاستعمارية إلى تبنّي مقاربة براغماتية؛ من خلال محاولة احتضان المؤسسة الدينية، ودفعها على العمل على إضفاء الشرعية على المشروع الاستعماري، أو على الأقلّ ضمان عدم الثورة على المصالح الاستعمارية، ويُمكن اعتبار المستشرق الفرنسي بول مارتي رئيس مصلحة الشؤون الإسلامية في إفريقيا الغربية الفرنسية أحد أكبر مهندسي هذه المقاربة البراغماتية[5]، فقد مكّنته خبرته الواسعة بالمنطقة، ودراساته المتعدّدة حول ما يسمّيه هو نفسه: «الإسلام الأسود»، من تصميم سياسةٍ قائمةٍ على فرض تعاقدٍ اجتماعيٍّ مع المؤسسة الدينية؛ مقابل السماح لها بهامشٍ من الحريّة في ممارسة شعائرها الدينية، وتوسيع نفوذها الاجتماعي فيما لا يتعارض مع المصالح الاستعمارية.
وقد قبلت المؤسسة الدينية- في عمومها- بهذه الهدنة الاستعمارية؛ لتيقّنها بالعجز عن الدخول في المواجهة العسكرية مع القوّة الاستعمارية التي كانت عُدّتها العسكرية تضمن لها النصر المحقّق، ولذا اختارت مسالك أخرى للمقاومة والجهاد، عن طريق: التربية الروحية، ونشر التعليم الديني، والإفتاء، والحسبة، والرقابة الدينية على المجتمع، ومن أهمّ القيادات الدينية الذين سلكوا هذا المسلك: الشيخ الحاج مالك سي، والشيخ سيدُ نور تال بالسنغال، والشيخ سعد بوه بموريتانيا.
ويعدّ ترك الإدارة الاستعمارية للقضاء الشرعي هامشاً كبيراً في حلّ النزاعات الاجتماعية، خصوصاً في مجال الأحوال الشخصية، من أهمّ تنازلات الإدارة الاستعمارية للمؤسسة الدينية في الحقل السياسي، وقد كان هذا التنازل مدفوعاً بالطلب المُلحّ من الشعوب المحلّية باعتماد منظومة الإسلام في القضاء في نزاعاتهم المتّصلة بالزواج والطلاق والميراث والوصايا، يشير بول مارتي مثلاً إلى أنّ سكّان مدينة «سين لوي» السنغالية تقدّموا إلى الإدارة الاستعمارية منذ سنة 1832م بطلب جعل القضاء المتعلّق بالأحوال الشخصية ملتزماً «بمقتضيات القرآن»[6]، وهذا الطلب لم يتجسّد عمليّاً إلاّ في 1857م، في فترة الحاكم الفرنسي «فيدريب»، بمرسوم 20 مايو 1832م، ثمّ بموجب مرسوم 1906م، تمّ إنشاء محاكم إسلامية في الحواضر السنغالية الثلاث، وهي: دكار Dakar، وسين لوي Saint-Louis، وريفيسك Rufisque، كما تمّ بموجب المرسوم نفسه إنشاء محكمة إسلامية في: كاي Kayesبمنطقة السنغال العليا والنيجرLe Haut Sénégal et Niger [7] (مالي الحالية)[8].
كما نجد في إنشاء الإدارة الاستعمارية لما يسمّى اصطلاحاً: «المدارس»Medersa ؛ أيْ المؤسسات التعليمية الإسلامية التي تدرّس اللغة والثقافة الفرنسية، بالإضافة إلى العلوم الشرعية، نموذجاً آخر من نماذج السياسة البراغماتية التي اتبعتها الإدارة الاستعمارية، من أجل احتضان السلطات الدينية وتكريسها في خدمة المصالح الاستعمارية[9]، وقد أُنشئت هذه المدارس في كلّ الحواضر الحيوية في المنطقة، في: (دكار و سين لوي) بالسنغال، و (جنّى و تنبكتو) بالسنغال العليا والنيجر (مالي الحالية)، و (بوتلميت) بموريتانيا.
تجدر الإشارة إلى أنّه برغم كون المداهنة هي الطابع العام لعلاقة الإدارة الاستعمارية مع السلطة الإسلامية، فإنّها كانت على حذرٍ كبيرٍ من نشوء أيّ تيّار مناقضٍ لمصالحها السياسية، ولذا فقد قامت بتشديد الرقابة على كلّ التيارات الإسلامية المشتبه بها، كما قامت بقمع كلّ الحركات المعارضة لتوجّهاتها، والأرشيف الاستعماري مليء بالوثائق المهمّة التي تسلّط الضوء على الرقابة التي فرضتها الإدارة الاستعمارية على المؤسسات الإسلامية من أجل التحكّم والسيطرة عليها، ومنع حدوث أيّ ثورة من داخلها.
كما تجدر الإشارة هنا إلى: المضايقات التي لحقت بعض الجماعات الإسلامية من السلطات الاستعمارية لعدم خضوعها الكامل للإرادة الاستعمارية، كما هو الحال لخادم الرسول أحمد بمبا امباكي بالسنغال، والشيخ حماه الله بالسودان الفرنسي (مالي الحالية)، والشيخ ماء العينين بموريتانيا وجنوب المغرب.
والموقف القمعي نفسه يمكن أن نلاحظه في تعاملات الإدارة الاستعمارية الحذرة مع الاتحاد الثقافي الإسلامي، الذي أنشأه (التيّار الإسلامي الإصلاحي) بقيادة الشيخ توري 1953م بدكار، مع فروعه في كلٍّ من السودان الفرنسي (مالي اليوم)، وموريتانيا، وكوت ديفوار (ساحل العاج)، وفولتا العليا (بوركينا فاسو اليوم)، فقد راقبت الإدارة الاستعمارية حركات هذا التيّار وأنشطته عن كثب، كما أغلقت الكثير من المدارس العربية الحديثة التي أنشأها أتباعه، وساندت القوى الدينية التقليدية التي دخلت في حرب ضروس ضدّهم.
لكلّ ما سبق؛ يمكن أن نقول: إنّ الإدارة الاستعمارية اتبعت سياستَيْن في التعامل مع السلطة الدينية المحلّية:
1 – سياسة الاستيعاب والاحتضان: للحركات والجماعات الدينية الخاضعة للإرادة الاستعمارية.
2 – سياسة التضييق والقمع: للحركات والجماعات الدينية المعارضة، أو المشتبه بها في معارضة السلطة الاستعمارية.
ولقد حافظت دول المنطقة بعد استقلالها على هذه العلاقة البراغماتية مع المؤسسة الدينية؛ برغم إعلانها مبدأ العلمانية في دساتيرها[10]؛ لوعيٍ منها بأنّ النموذج الفرنسي للعلمانية غير قابل للتطبيق في مجتمعٍ ولاؤه للدين أقوى من كلّ ولاءاته الأخرى.
بعد الاستقلال؛ لم تعد هناك حركات وجماعات دينية في المنطقة تعارض مشروع الدولة الحديثة بمعناه العام، فلم يكن هناك عمليّاً- على الأقلّ- إنكارٌ للطابع القُطري للدول الناتجة من مؤتمر برلين 1884م، كما لم يكن هناك نزوعٌ إلى الانقلاب على السلطة السياسية القائمة بمسوّغات دينية، ولذا لم يكن هناك في دولةٍ مثل السنغال- تتجاوز نسبة المسلمين فيها 90%- اعتراضٌ ظاهر من القيادات الإسلامية على تولّي رجل مسيحي لرئاسة الدولة ليوبول سيدار سنغور لمدّة عشرين سنة، بل كان أكثر من ذلك يتمتّع بدعمٍ كبيرٍ من بعض القيادات الإسلامية؛ حتّى في الأزمة السياسية الحرجة التي نشأت بينه وبين رئيس وزرائه المسلم محمد جاه سنة 1962م.
لقد وعت النخبة السياسية الجديدة- كما في الفترة الاستعمارية- بأنّ الرأسمال الشعبي الذي تتمتّع به القيادات الدينية مَوْردٌ سياسيٌّ، يمكن توظيفه في توطيد شرعية الأنظمة القائمة وبرامجها وخياراتها السياسية، كما يمكن كذلك الاستعانة به في كسب أصوات «المسلمين» في الانتخابات السياسية.
وفي المُقابل؛ وعت المؤسسات الدينية هي الأخرى بأنّ قوّة تمثيلها الجماهيرية، وقدرتها على التعبئة الاجتماعية، تسمح لها بالتموقع بوصفها قوّة اجتماعية قادرة على التأثير في مسرح الأحداث، ولذا فقد عملت هي الأخرى على تطوير آليات مختلفة للفعل السياسي داخل الحدود التقليدية وخارجها للحقل السياسي:
ففي المجال غير السياسي مثلاً: برزت المؤسسات الدينية قوّةً مدنيةً كبيرة، ذات تأثيرٍ اجتماعيٍّ كبيرٍ، من خلال منظماتها غير الحكومية، وجمعياتها المنظمة، ومساجدها المنتشرة، ومدارسها وجامعاتها الدينية، وإذاعاتها وقنواتها القويّة التي تشارك مجتمعة؛ فيما يُمكن تسميته: «تعميم الدين» أو «تديين المجال العام».
أمّا في المجال السياسي: فقد برزت المؤسسات الدينية بوصفها قوة ضغطٍ سياسيٍّ لا يُمكن تجاهلها في القضايا الراهنة المتّصلة بمصير الدولة والأمّة، ونشير هنا إلى جملة من القضايا كانت فيها المؤسسة الدينية قوّة احتجاجية ضدّ التوجّه العلماني داخل الدولة، ونجحت في بعضها فعلاً في دفع النخبة المهيمنة على الدولة على تقديم تنازلات مناقضة لمبادئهم العلمانية:
1 – في نيجيريا: لعلّ تبنّي اثنتي عشرة ولاية نيجيرية تطبيق الشريعة الإسلامية أهمّ ما يمكن ذكره هنا، وقد بدأت موجة تبنّي الشريعة الإسلامية في نيجيريا في سنة 2000م بولاية زنفرا Zamfara، ثمّ أخذت طريقها إلى غيرها من الولايات الشمالية، مثل ولاية كانو، وبرنو، وسوكوتو…، هذا برغم أنّ الدستور الفيدرالي النيجيري ينصّ على مبدأ العلمانية وفصل الدين عن الدولة.
2 – في السنغال: الحضور القويّ للسلطة الإسلامية في السنغال في الجدل السياسي حول قوانين تنظيم الأسرة، ففي 1971م، أثناء التحضير لمشروع أوّل قانون أسرة في السنغال، تقدّم بعض القيادات الدينية في البلد إلى الرئيس سنغور بمقترح قانون إسلاميٍّ لتنظيم الأسرة، والأمر نفسه حدث في 2002م عندما قدّمت اللجنة الإسلامية لإصلاح مدونة الأسرة في السنغال CIRCOF إلى الرئيس عبد الله واد بمقترح قانون إسلاميٍّ يطبّق على المسلمين، كما يمكن الإشارة هنا إلى الجدل الحادّ الذي شاركت فيه القوى الدينية بخصوص قانون المساواة المطلقة بين الرجال والنساء La loi sur la parité absolue Homme-Femme، واستئناف هذا الجدل حول القانون نفسه عام 2014م؛ عندما قدّمت مدينة طوبى (العاصمة الروحية للطريقة المريدية) لائحةً خاليةً من النساء؛ في مخالفةٍ صريحةٍ لمقتضيات قانون المساواة المطلقة بين الجنسين.
3 – في مالي: يمكن أن نشير هنا إلى إلغاء مسابقة ملكة الجمال 1999م؛ بطلبٍ من بعض الحركات الإسلامية، وإلى المظاهرة ضدّ فتح البارات والمراقص الليلة خلال أيام رمضان سنة 1999[11]، وقد اكتسبت الجمعيات الإسلامية المالية، مثل: المجلس الأعلى الإسلامي، وجمعية أنصار الدين، واتحاد الشباب المسلم، والاتحاد الوطني للمرأة المسلمة…، خبرةً متراكمة كبيرةً في الاحتجاج السياسي، مكّنتها من النجاح في دفع السلطات السياسية إلى التراجع عن مشروع قانون الأسرة والأحوال الشخصية؛ بفضل قدرتها الكبيرة على التعبئة الاجتماعية، وذلك سنة 2009م، حيث اضطرّ رئيس الدولة حينئذ آمادو تماني توري إلى إرجاع المشروع إلى البرلمان للمراجعة من أجل إخراج صيغة مُرضية للشارع، فاعتُمدت النسخة الأخيرة 2012م بعد أخذها بالاعتبار مطالب الجمعيات الإسلامية[12]، كما يمكن الإشارة هنا إلى إنشاء وزارة الشؤون الدينية في مالي 2012م استجابةً لرغبة الجمعيات الإسلامية برغم المعارضة الشرسة من التيّار العلماني المتطرّف في الدولة.
هذا العرض البانورامي لمسار جدل الديني والسياسي في المنطقة؛ ينبئ بأنّ هناك نوعاً من التوافق على النمط الحداثي للدولة؛ برغم وجود نوعٍ من الشدّ والجذب بين النخب السياسية المختلفة، ومن ضمنها النخبة الإسلامية، على جملةٍ من القضايا الجزئية التي يحاول فيها كلّ طرفٍ دفع الآخر إلى تقديم تنازلات؛ مع اعترافٍ صريحٍ أو ضمنيٍّ بوجود الآخر كقوّة اجتماعية تمارس دَوْراً في تشكيل المجتمع وتدبير الشأن العام.
ونظرة في آليات الاحتجاج السياسي التي تستخدمها الجمعيات الإسلامية في التعبئة الاجتماعية ضدّ بعض المشاريع العلمانية، تسلّط الضوء على اندماجها في الحراك السياسي بصورته المعاصرة؛ لأنّ هذه الآليات في الغالب من إفرازات الدولة الحديثة، مثل: عقد المؤتمرات الصحافية، وتنظيم المسيرات والاحتجاجات والمظاهرات.
2 – العداء، أو المواجهة المفتوحة:
على هامش الإسلام الرسمي الذي ربطته مع السلطة العلمانية السياسية علاقات مهادنة متبادلة؛ فإنّ هناك عدداً من التوجّهات الإسلامية اتّخذت مسار إنكار شرعية السلطة السياسية العلمانية القائمة، وطرحت رؤى وأنساقاً ومشاريع سياسية بديلة أحدثت قطيعة إبستمولوجية تامّة مع الدولة الحداثية ومشروعها العلماني الذي يُعتبر في تصوّرها ميراثاً استعماريّاً مفروضاً من الخارج، يجب الانقلاب عليه استكمالاً لمشروع الاستقلال.
وقد اتخذت هذه الدينامية مسارَيْن اثنين كالآتي:
المسار الأول: الانكفاء على الذات، ورفض التجاوب والانخراط في مشاريع الدولة الحديثة:
وذلك على المستويات السياسية والاجتماعية والفكرية والثقافية كافّة، وهذا المسار لا يطرح بالضرورة رؤية سياسية مفصّلة ومتكاملة يسعى أصحابها إلى تجسيدها في الواقع؛ بقدر ما هو حركة مقاومة وممانعة ثقافية من خارج السلطة القائمة، هدفها التصدّي لعلمنة سلوك ووجدان الفرد/المواطن في الدولة الحديثة، وهذا المسار يمكن أن نلاحظه في:
1 – المواقف الفردية أو الجماعية الضيّقة النطاق: التي تعزف عن السياسة ومؤسساتها المختلفة بحجّة «نجاستها» و «دناستها» جملةً وتفصيلاً، وتتبنى موقف الاعتزال، مدفوعة سيكولوجيّاً بمعارضة السياسات العلمانية التي أنتجت مجتمعاً غير ديني، لا أخلاق ولا قيم ولا مثل عليا له، فهذه المعارضة مع تيقّن العجز عن التغيير الفعلي للواقع من العوامل التي تفسّر اعتزال هذه الفئات عن السياسة، وهذا الاعتزال في نظرها مرتبة من مراتب تغيير المنكر المشار إليها في قوله صلى الله عليه وسلم: (وإن لم تستطع فبقلبك، وذلك أضعف الإيمان).
2 – حركات وفرق دينية اختارت سلوك هذا السبيل: نشير منها مثلاً إلى تلك الفرقة التي نشأت في مالي في نهايات الثمانينيات من القرن الماضي، ثمّ انتشرت فيما بعد في كثيرٍ من دول الجوار، مثل بوركينافاسو، وكوت ديفوار (ساحل العاج)، وغينيا، ألا وهي: الفرقة الإسلامية المعروفة باسم Sen lankolodinè؛ أي: (دين الحفاة) باللغة البمبرية، وقد تأسست هذه الفرقة على يد شيخ إبراهيم خليل كانوتي، واستطاعت أن تستقطب بعض الأتباع في أماكن مختلفة في سنوات 1990م، وتقوم فكرة الجماعة على رفض كلّ ما هو حداثي ومنتج غربي من ملابس ومساكن ومآكل ومراكب، ومن هنا أصل تسميتها باسم (دين الحفاة)؛ إشارة إلى عدم انتعال أتباعها تشديداً في الابتعاد عن منتجات الحضارة الغربية، حتّى وصل الحال ببعضهم إلى عدم قبول أن تطأ أقدامهم الشوارع المعبّدة، أو أن يصلّوا في المساجد بحجّة بنائها بموادّ ومنتجات غربية، واختارت العيش في القُرى والمخيّمات، أو في الأحياء النائية داخل المدن، وذلك لغرض تشكيل مجتمعٍ مثاليٍّ يلتزم برؤيتها للوجود.
وبرغم أنّ الدستور المالي علمانيٌّ، يوجب على الدولة ضمان حرّية الاعتقاد لكلّ المواطنين، فإنّ الحكومة اضطّرت أنْ تدخل ضدّ هذه الجماعة في صراعٍ ضروس؛ لأسباب كثيرة؛ منها:
– رفض دفع الضرائب إلى الدولة.
– رفض مشاركة أطفالهم في حملات التطعيم التي تنظمها الدولة ضدّ بعض الأمراض.
– عدم الاعتراف بشرعية الدولة ومؤسساتها المختلفة.
وقد بدأت الدولة معركتها الاستئصالية لهذه الجماعة في 1998م، عندما قتل أتباعُها أحد القضاة في مدينة جويلا Dioïla، بعدها اعتقلت الدولة رئيس الجماعة ومؤسسها، وكثيراً من أتباعها، وقد كان ذلك ضربةً قاسيةً لها، حيث توقّف بعد ذلك زحفها وامتدادها، سواء في مالي، أو في دُول الجوار.
المسار الثاني: العنف والمواجهة المباشرة مع الدولة:
1 – في الجزائر: عرفت الجزائر- التي لها حدود مع ثلاث دول ساحلية: (مالي، النيجر، وموريتانيا)- في التسعينيات من القرن الماضي صراعاً عنيفاً بين التوجّه العلماني والحركة الإسلامية[13]، أودى- حسب التقديرات- بحياة أكثر من مائة ألف شخص، وكانت الجماعة الإسلامية المسلّحةGIA Groupe Islamique Armé- من أهمّ الفصائل الإسلامية التي شاركت في هذا الصراع المسلّح، وقد انشقّت عن هذه الجماعة 1998م فصيلة أخرى عُرفت باسم: (الجماعة السلفية للدعوة والقتال)Groupe salafiste pour l’appel et le combat ، ثمّ أخذت في 2007م اسم: (القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي) AQMI، ووسّعت نطاق عملياتها ليشمل المناطق الساحلية في مالي والنيجر وموريتانيا.
2 – في مالي: وفي 2012م، بعد اندلاع الحرب بين دولة مالي وحركات التمرّد الطارقية، نشأت جماعات مسلحة أخرى في المنطقة، أهمّها: (جماعة أنصار الدين) بقيادة الطارقي المالي إياد أغ غالي، و (جماعة التوحيد والجهاد) في غرب إفريقيا MUJAO بقيادة الموريتاني حمادة ولد محمد الخيري، و كتيبتا: (المرابطين) و (الملثّمين)؛ بقيادة الجزائري المختار بلمختار؛ المكنّى بالأعور.
وقد ساعدت هذه الجماعات المختلفة حركة التمرّد الطارقية في حربها ضدّ الحكومة المركزية، وتمكّنت بذلك من السيطرة على الأقاليم الشمالية التي تشكّل في المجموع أكثر من ثلثي المساحة الإجمالية للدولة، وبعد النجاح من السيطرة على هذه الأقاليم نشأت خلافات بين هذه الجماعات وحركة التمرّد الطارقية لاختلاف منطلقاتها الأيديولوجية؛ ما أدّى إلى طرد الحركة الوطنية لتحرير أزواد العلمانية التوجّه من جميع المدن الكبيرة في المنطقة في يونيو 2012م.
ومنذ ذلك الوقت وحتّى التدخّل الفرنسي في يناير 2013م؛ أعلنت تلك الجماعات تطبيق الشريعة في المنطقة، وكانت بذلك مسرحاً لإقامة عديد من الحدود الشرعية، مثل: حدّ الزنى والسرقة والحرابة…، بالإضافة إلى منع كلّ مظاهر التأثّر بالغرب، مثل: لعب الكرّة، وبيع أو تدخين السيجارة، والاستماع إلى الموسيقى، والاختلاط بين الرجال والنساء، ولعب الورق وغيرها.
3 – في نيجيريا: قبل التسعينيات من القرن الماضي لم تعرف دول الساحل الحديثة أيّ عداءٍ حقيقيٍّ أو مواجهة عنيفة مع السُلطة الدينية، ما عدا نيجيريا التي عرفت منذ الثمانينيات من القرن الماضي مواجهات عنيفة بين الدولة وبعض الحركات الدينية، منها مثلاً: حركة Yan Maitatsine المهدية التوجّه، التي أسفرت المواجهة بينها وبين الشرطة في مدينة كانو في ديسمبر 1980م عن مقتل ما لا يقلّ عن ستة آلاف شخصٍ في حيّز أحد عشر يوماً فقط[14].
وفي السياق نفسه يمكن الإشارة إلى: حركة «المنظمة الإسلامية» Islamic mouvement المشهورة باسم Yan chi’a لتوجّهاتها الشيعية وقربها من إيران، وقد عرفت هذه الحركة أيضاً مواجهات كثيرة مع الدولة لحملاتها الكثيرة ضدّ العلمانية، ودعوتها إلى إقامة دولة إسلامية، وارتكابها أحياناً لأعمال إجرامية، كما في تدميرها للمجلة النيجيرية Daily time في ولاية كاتسينا[15].
وكانت نشأة (جماعة أهل السنّة للدعوة والجهاد) في نيجيريا، المشهورة إعلاميّاً باسم (بوكو حرام)، منعطفاً بارزاً في مسار الصراع بين الدولة والحركات الإسلامية المسلحة، فقد كان إنشاء الجماعة 2002م في ولاية ميدوغوري الشمالية على يد محمد يوسف، الذي اعتقلته الحكومة في 2009م قبل قتله بعد ذلك بقليل، ومنذ مقتل محمّد يوسف وانتقال القيادة إلى أبي بكر شيكو؛ ازداد تطرّف الجماعة، واتّسع نطاق عملياتها لتشمل: الكاميرون والنيجر والتشاد.
ومنذ تمكّن هذا التيّار المسلّح من الحراك الإسلامي في الفضاء الساحلي؛ أصبح هو التحدّي المصيري الأكبر الذي تواجهه الدولة الحديثة في المنطقة، خصوصاً أنّ هناك خطورة كبيرة من توسّع التيّار المسلّح في كلّ المنطقة؛ لوجود قاعدة شعبية عريضة لديها قابلية لتبنّي الخطاب الجهادي المُعادي لحداثة الغرب وعلمانيته؛ بعد فشل الدُول والحكومات الوطنية المتعاقبة- منذ الاستقلال إلى الآن- في بناء أنظمةٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ متينة، تستطيع أن تضمن الرفاهية والكرامة للمواطنين، مع تدهورٍ كبيرٍ في القيم والأخلاق والمُثل التي كانت تنظّم حياة الفرد والمجتمع الإفريقي المسلم.
ولا يزال الخطاب الجهاديّ المعادي لعلمانية الدولة الحديثة هامشيّاً في الصفّ الإسلامي الساحلي، حيث يقف الإسلام الرسمي المعتدل، وغالبية المجتمعات المؤمنة، في خطٍّ معارضٍ ومناهضٍ للتطرف الديني، إلاّ أنّ تنامي هذه الظاهرة يثير إشكالية الشرعية السياسية للدولة العلمانية الحديثة المفروضة على الشعوب المسلمة بقهر الدولة وعنفها منذ أيّام الاستعمار إلى الآن.
وتزداد إشكالية شرعية الدولة العلمانية الحديثة إلحاحاً؛ بحالة الانفجار الكبير للحركات الإسلامية المعتدلة التي- برغم اعترافها العملي لشرعية الدولة الحديثة بمفهومها العام- تتبنّى موقفاً مناهضاً للفصل الحدّي بين الديني والسياسي، وتطرح رؤى جديدة لحداثةٍ أخرى مندمجة في الخصوصيات المحلّية، ومنفتحة على الصالح من الحضارات الأخرى.
الخاتمة:
في البحث عن أسباب فشل الدولة الحديثة في إفريقيا عموماً، ومنطقة الساحل خصوصاً، غالباً ما توجّه أصابع الاتّهام إلى الدّين بوصفه أحد عوائق نجاح الحداثة والتنمية والديمقراطية، وهو تشخيص تبسيطي يتجاهل- عمداً أو كسلاً- الأسئلة الحقيقية المرتبطة بتاريخ المجتمعات الإفريقية وهويّتها، كما يتجاهل كذلك طبيعة الدولة الحديثة وتوجهاتها العلمانية ومصدرها الأجنبي المفروض.
فهل ستستمرّ الدول والحكومات الساحلية في إنكار تاريخ شعوبها وواقعها الراهن؟ هل ستحاول أن تبني أنظمةً سياسيةً متناسبةً مع الخصوصيات الحضارية للمجتمعات الساحلية؟ أو أنّها ستستمرّ في فرض النموذج الغربي المأزوم؟ وهل التحوّلات الاجتماعية والدينية والسياسية الراهنة بالمنطقة ستعيد الاعتبار لمسألة الشرعية السياسية للدولة الحديثة؟
……………………………………………..
* مدير مركز البحوث والدراسات الإفريقية (مبدأ)، وأستاذ سابق بجامعة الساحل (2014م).
[1] Bonnecase Vincent, Brachet Julien, «Les « crises sahéliennes entre perceptions locales et gestions internationales», Politique africaine 2/2013 (N° 130), p. 7-12.
[2] المقصود بالأديان الساحلية هنا هو: الديانات الثلاث الأكثر انتشاراً في المنطقة، وهي: الإسلام، والمسيحية، والديانات الإفريقية التقليدية، وهناك فرقٌ كبيرٌ بين الدول في نِسب اعتناق هذه الأديان، ففي موريتانيا نسبة المسلمين 100%، أمّا في النيجر ومالي والسنغال: فتتجاوز نسبة المسلمين 90%، في حين تترواح نسبة المسلمين في كلٍّ من نيجيريا وتشاد بين 50% و 60%.
[3] انظر: مقالة تأملات في العلاقة بين السياسة والشريعة في التجربة الإسلامية الوسيطة، رضوان السيّد، ص 1.
[4] انظر: للتفصيل كتاب الدين والسياسة تمييز لا فصل، للدكتور سعد الدين العثماني.
[5] Le contrat social sénégalais a l’épreuve, Donal Cruise O’Brien, p 10, revue politique africaine, N45, Mars 1992.
[6]Etudes sur l’islam au Sénégal, Paul Marty, Tome III, p208, Maison Ernest, Leroux Editeur, Paris 1917
[7] السنغال العليا والنيجر: مستعمرة فرنسية قديمة، أُنشئت 1904م، وكانت تشمل ذلك الوقت دولة: مالي وبوركينافاسو وأجزاء من النيجر الحالية، وكانت مدينة باماكو عاصمتها، ثمّ سحبت منها الإدارة الاستعمارية فولتا العليا 1919م، والنيجر 1912م، فتبقت الأراضي الشاملة لمالي الحالية فقط، ثمّ أخذت المستعمرة اسم: (السودان الفرنسي) نهاية 1920م، واسم: (جمهورية مالي) بعد الاستقلال 1960م.
[8]Etudes sur l’islam et les tributs du Soudan, Paul Marty, Tome IV, P 42, Maison Ernest, Leroux, Paris 1920 .
[9] للوقوف على استراتيجيات الإدارة الاستعمارية في احتضان المؤسسة الدينية من مدخل التعليم انظر مقالنا: التعليم الإسلامي والتعليم العلماني في غرب إفريقيا.. صراع الهويّة وإشكالية بناء نموذج الإنسان الجيّد، بموقع مركز البحوث والدراسات الإفريقية www.mabdaa.fr.
[10] تبنّت كلّ دُول المنطقة مبدأ العلمانية في دساتيرها ما عدا الجمهورية الإسلامية الموريتانية، ولا تزال العلمانية مقررّة إلى يومنا هذا في دساتير هذه الدول، انظر: المادّة 1 من الدستور السنغالي 2001م، والمادّة 31 من الدستور البوركينابي 1991م، والمادّة 1 من الدستور التشادي 1991م، والمادة 3 من الدستور النيجري 2010م، المادّة 25 من الدستور المالي 1992م.
[11] انظر:
Emergence de la religion dans la rue au Mali et laïcité de la république, Dr Ahmed Boly
[12] عن تفاصيل أكثر حول المدوّنة ارجع إلى مقالة: «مدونة الأشخاص والأسرة في مالي: أي آفاق للمقاربة التشاركية»، سعيد دغونا www.mabdaa.fr
[14] انظر:
http://www.jeuneafrique.com/Article/ARTJAWEB20140902160941/
[15] انظر:
Islam et politique au Nigeria: genèse et évolution de la chari’a, Alhadji Bouba Nouhou, p 183.
انظر كذلك:
Religion et transition démocratique en Afrique, F. Constantin, Christian Coulon, p 71-80