حسين مختار هللولي
باحث كيني متخصِّص في شؤون شرق إفريقيا
تعاني الدول النّامية من الفشل في تجاوز العُقَد التّاريخيَّة بين سائر مكوّناتها؛ مما يجعلها تعيش في حالة انفصام تام بين الشعارت التنموية التي ترفعها والواقع الملموس. وليست كينيا كدولة نامية بمستثناة من هذه الحقيقة؛ فقد ظلت الحوادث التاريخية متحكِّمة بآثارها البالغة في كثيرٍ من جوانب حياة مواطنيها.
الاستعمار البريطاني والمناطق الشّمالية:
إن تَبِعَات الاستعمار الذي يُعتبر أكبر صدمة عاشتها الشعوب في العصر الحديث، وآثاره على نَمَط التفكير لدى النُّخَب الحاكمة؛ لا يمكن أن يتجاهلها كلُّ مَن يريد تحليل واقع تعيشه مجموعة من تلك الشعوب المستعمَرَة؛ ففي كلّ أرض وطأها المستعمر تجد تشابهًا في الوسيلة والهدف من تطبيق مبدأ فَرِّق تَسُدْ، ونهب الخيرات، وزَرْع نُخَب مغرَّبة بين الشعوب تكون معها وعليها في نفس الآن؛ بحسب ما تمليه الأطراف الموجِّهَة لها.
تنطبق تلك الحالة على المناطق الشمالية في كينيا، التي كان يطلق عليها اسم (NFD)، وهي اختصار ل(Northern Frontier District)، وتشمل المنطقة الواقعة على الحدود بين كينيا والصومال، وأهمّ مُدُنها مرسبيت (Marsabit)، وإسيولو (Isiolo)، وقاريسا (Garissa)، ووجير (Wajir)، ومنديرا (Mandera)، وهولا (Hola)، وهي شاسعة لدرجة أنها تحتلّ ثلث مساحة كينيا تقريبًا.
الحراك السياسي في المنطقة بعد استقلال الصومال:
بدأت قصة المنطقة في العام 1925م حين فصلتها بريطانيا عن إقليم جوبالاند الذي كان جزءًا من جنوب الصومال وشمال كينيا، ومنحت الشق الشمالي منه لإيطاليا مكافأةً لها على وقوفها مع التحالف في الحرب العالمية الأولى، فبقي الشق الجنوبي تحت سيطرة بريطانيا، وأطلقت عليه اسم “إنفدي”، كما بدأت بريطانيا تمارس سيادتها الفعليَّة عليها منذ 1902م بحجة التصدِّي لهجمات أبيسينيا -إثيوبيا حاليًا- على قواتها.
وفي عام 1910م عُيِّنَ جون هوب ( John . o.w. Hope) أول حاكم للمنطقة؛ حيث اتخذ من إسيولو عاصمة، وباشر جمع الضرائب لصالح المستعمر البريطاني.
كانت سياسات البريطانيين العنصرية ضد سُكَّان المنطقة واضحة، استهدفت عزلهم عن سائر المناطق الكينية؛ بمنعهم من حرية التنقل بغية إيقاف المدّ الإسلامي والصومالي باتجاه الغرب؛ حيث المجموعات المسيحية، ولم يكن يُسْمَح لهم بعبور نهري واسو(Waso) وتانا (Tana) إلى المناطق الكينية الأخرى؛ إلا بتصاريح يُصْدِرُها الحاكم البريطاني.
وقد بقيت المنطقة تترنَّح تحت قبضة البريطانيين، حتى تركوها مشلولة تنمويًّا، وكرَّسُوا فيها الجهل، فرحلوا عنها، وليس فيها مدرسة ثانوية واحدة.
وقد سعت المجامع الكنسية لسدّ هذه الثغرات التعليميَّة؛ مستغلَّة ظروف السكان الصعبة، وإتمامًا لخطة التنصير الممنهج؛ مُتَذَرِّعَة بتقديم الخدمات التعليميَّة والإنسانيَّة. ولكنَّ الحيلة لم تَنْطَلِ على سُكان المنطقة الذين رفضوا الاستعمار وذيوله، متمسكين بإسلامهم بفضل الصحوة الإسلامية المعاصرة التي لعبت دورًا كبيرًا في نشر القرآن، وتدارك الوضع في قبائل جالا بعدما نجحت الإرساليات الكنسية في تنصير شراذم منها، خاصة في منطقتي “إسيولو”، و “مرسبيت” .
ولا شكَّ أنَّ تمركُز بعض الفقهاء الصوماليين في المنطقة كان له أثر كبير على مناطق “جالا” منهم على سبيل المثال لا الحصر: الشيخ عزالدين في إسيولو، والشيخ حسين معلم هلولي في مدينة كربتلا الذي يُعتبر أجَلّ مَن دخل المنطقة من العلماء، وكان -رحمه الله- عالِمًا موسوعيًّا مسايرًا لأوضاع المنطقة، تُوفِّي ليلة الجمعة في رمضان من العام 1440ه، ودُفن بمدينة كربتولا على مقربة من جامعها الكبير الذي كان يَعْقِد فيه حلقات العلم.
ومنهم: الشيخ محمد كالجعل، والشيخ تمويني الذي كان سببًا في إسلام عائلات هندية عريقة في المنطقة. إضافةً إلى معلمي القرآن، وفي مقدمتهم معلّم هلولي أحمد والد الشيخ حسين، ومعلّم سياد، ومعلم كولو الذي تخرّج على يديه عدد كبير من الطلبة، وكان شديد التواضع، حريصًا على الإفادة، متطوّعًا بالتعليم، توفي في مدينة قاريسا -رحمه الله-.
وكان طبيعيًّا جدًّا تحت تلك الظروف الّلإنسانية التي أُخْضِعُوا لها، أن يطالب سكان المنطقة بحقّ تقرير المصير، فاندلعت بعد إعلان استقلال كينيا حركات تمرُّد وعصيان مدني واسعة النطاق تُوِّجَتْ برفض المشاركة في أول انتخابات بعد استقلال كينيا.
ثُم تشكَّل حزب ( Northern Province People’s Progressive Party )؛ للمطالبة بحقوق سكان المنطقة، الذي سرعان ما تحوَّل إلى حركة سياسية مسلَّحة؛ للوقوف في وَجْه التصرُّفات العدوانية للقوَّات الكينية -المدعومة من بريطانيا – في المنطقة.
وقد أدَّى ذلك إلى نشوب معركة غير متاكفئة خاضتها الحركة بإمكانيَّات متواضعة، وبدعم من الدولة الصومالية الوليدة التي تكفَّلت بتدريب مقاتلي الحركة، وتزويدهم بالأسلحة المتاحة.
ولجأت الحركة إلى حرب العصابات، أو ما عُرِفَ في التاريخ بحرب “شفتا” (Shifta War)، بأسلوب كَرّ وفَرّ وتلغيم الطرق الرابطة بين القرى، وتمكَّنَتْ من إلحاق خسائر فادحة بصفوف القوات الكينية.
وانتهت حرب العصابات بمؤتمر أروشا لوقف إطلاق النار؛ باتفاقية مثَّل فيها الصومال رئيس وزرائها محمد عقال، بعد أن استمرت الحرب لأربع سنوات. ومع ذلك لا تزال المنطقة تعاني من تداعياتها حتى لحظة كتابة هذه السطور.
تجاذبات دولية بشأن المنطقة:
لقد اكتسبت نظريتا “السلامة الإقليمية” و”حق تقرير المصير” زخمًا أكاديميًّا وسياسيًّا كبيرًا في القرن الثامن عشر، وبرزت بقوة فكرة الدول القومية القائمة على أساس التعددية الإثنية، تقابلها فكرة حق تقرير المصير التي نادى بها الفقيه الإيطالي منكيني (P.C Mankini)، كعلاج لمشكلة الأقليات الإثنية داخل الدولة؛ مما أشعل الوعي العالمي بمسألة حقوق الأقليات، وكانت المعارك السياسية المتعلّقة بالمنطقة دائرة حول هذين المبدأين.
في أبريل 1960م، وأمام مجلس العموم قال السيد مكميلن (Macmillan) رئيس وزراء بريطانيا حينها: “إن حكومة جلالة الملكة لا ولن تشجّع أو تدعم أيّ مطلب يمسُّ السلامة الإقليمية للصومال الفرنسي، وكينيا وإثيوبيا، ولا يمكن مَنْح حق تقرير المصير إلّا بعد توافق إرادتي الشعب المعني وحكومته”. واضح إذن أن التوجه الرسمي في بريطانيا لم يكن مع حق تقرير المصير لسكان (NFD).
وفي 1963م، وفي مدينة موشي التنزانية انعقد مؤتمر التضامن الأفروآسيوي بحضور وفود متعددة من الدول الإفريقية والآسيوية، وكان فرصة أمام الطرفين الكيني والصومالي لإثارة مسألة (NFD)، والتنظير لمبدأي الوحدة الكينية والوحدة الصومالية؛ إن صح التعبير. وقد اعتبر الوفد الصومالي خطوة كينيا في ضم المنطقة غير موفَّقة وجائرة في حقّ سكانه الصوماليين، الذين -حسب زعم الوفد- يحتفظون بحقهم في تقرير المصير والانضمام إلى إخوتهم.
مواقف كينيا السياسيَّة والدبلوماسيَّة:
تمسَّك الوفد الكينيّ بمبدأ السلامة الإقليميَّة، ومقتضاه ألا تسعى الدول القومية لدعم تحركات انفصاليَّة أو إجراء تغييرات حدودية في الدول القومية الأخرى. وأنّه لو جاز للصومال أن توحِّد جميع الصوماليين لما بقي للمبدأ معنى، ولوجب مراجعة الحدود التنزانية والكينية للغرض ذاته؛ لوجود قبائل مشتركة على حدوديهما، مثل قبيلة مساي(Maasai) وقبيلة لوو(Luo)، ومثل هذا يقال عن الحدود الإثيو- كينية .
وأثناء خطابه بمناسبة افتتاح البرلمان الكيني؛ أكد رئيس كينيا الأول جومو كيناتا (Jomo Kenyatta) على احترام مبدأ السلامة الإقليمية الذي أخذت به منظمة الوحدة الإفريقية، كما أقسم على أنه لن يفرِّط ببوصة من أرض كينيا، ودعا سكان الإقليم إلى المساهمة في بناء الوطن بدلاً من السعي وراء سراب حقّ تقرير المصير.
ثم جاء دانيل أرب موي (Daniel Arab Moi)، واستلم الحكم في كينيا بعد وفاة كينياتا، وواصل ذات النهج في تعامله مع قضية المنطقة. وفي مأدبة عشاء نُظِّمَت على شرف الإمبراطور الإثيوبي العقيد هيلي سلاسي، أشاد موي بتعاون إثيوبيا ودورها الفعَّال في مَنْع الصراعات الحدودية بين دول الاتحاد، في إشارة واضحة إلى منطقة (NFD).
لقد كان عهد أرب موي جحيمًا على سكان الإقليم؛ حيث مُورِسَتْ ضدهم ضروبٌ من أساليب القهر والتنكيل؛ بحجة ملاحقة الانفصاليين الذين لجأوا إلى حرب العصابات، أو ما يسمَّى في الأوساط الإعلامية بـ(Shifta war).
هكذا اتخذت كينيا منذ أول لحظة موقفًا سياسيًّا موحدًا تجاه قضية الإقليم في ثقة مفرطة؛ بسبب الدعم البريطاني لها وتأييد منظمة الوحدة الافريقية، التي كان لإثيوبيا فيها القول الفصل، ولا يمكن لها أن تدعم مساعي الصومال؛ لأن لديها قضية إقليم الصومال الغربي، هو الآخر صومالي الهوية، وقد بسطت إثيوبيا سيطرتها عليه رغم أنف سكانه.
جهود الدولة الصّوماليّة:
هناك وثائق تثبت الجهود السياسية التي بذلتها الصومال في استعادة الإقليم، وجُلّها تنطلق من نقطة أساسية هي بطلان الاستعمار، وكل ما ترتب عليه من إجراءات على أرض الواقع، وأهمّها بدعة الحدود المرسومة دون الاكتراث لرأي الشعب الصومالي، وتجاهل رغبته في البقاء موحدًا كما أوجده الله ممتدًّا في المنطقة دون فِعْل فاعلٍ.
ويرى القادة الصوماليون أنَّ الاستعمار لم يكن من حقه أن يستولي على أرضهم أساسًا، ولذلك قاوموه بكل بسالة حتى أرغموه على الانسحاب صغيرًا ذليلاً، فكيف يُطلَب منهم بعد ذلك أن ينصاعوا للمستعمر ذاته في غيبته، وقد تمرَّدُوا عليه في حضرته؟!
والأهم من ذلك أن الشعب الصومالي مختلف في خصائصه عن سائر التجمعات البشرية في المنطقة، ثم من المعروف أن القبائل اختلفت في تعاطيها مع الاستعمار منذ لحظة دخوله، هناك قبائل رفضت الاستعمار وقاومته، وأخرى رحَّبت به واستسلمت له، ومن الجَوْر بمكان مقارنة حالة الأخيرة بالأولى، فإذا رضيت “ماسي ولوو” مثلاً أن تتجزأ على حدود جغرافية مختلفة؛ فهذا شأنها، ولها الحق في ذلك، فمن الإنصاف أيضًا أن يكون لمن يشاء الحق في عكس ذلك، أي: أن تضمهم دولة قوميَّة واحدة.
أضف إلى ذلك أنَّ بريطانيا أرسلت مفوَّضة لإجراء استفتاء غير رسمي في الإقليم؛ فتوصَّلت إلى أنَّ أكثر من 80% من السكان يريدون الانضمام إلى الصومال، وتكوين دولة صوماليَّة كبيرة يستظلّ بظلها كلُّ صوماليّ. بل أوصت اللجنة باحترام تلك الإرادة، وأكَّدت أن الوقائع الميدانيَّة كلها تُرَجِّح هذه الكفَّة.
وفي عام 1966م وإثر إعادة انتخابه أمينًا عامًّا لنادي الشباب الصومالي (Somali Youth League)، قال عبدالرزاق حاجي: “إن على الحكومة التزامًا دستوريًّا بجَمْع كلّ الصوماليين تحت راية واحدة؛ بالتواصل مع التجمعات الصومالية التي أُخْضِعَتْ لدولٍ أجنبية، وتحقيق ما يريدونه مصيرًا لها”.
وقال محمد سياد بري في أحد خطاباته: “إن سياسة الثورة تجاه المناطق التي تحتلها القوى الأجنبية، هي أن تُتَاح لأهالينا الفرصة لتقرير مصيرهم، ومنذ ولادة الثورة لا نزال نناشد فرنسا وإثيوبيا وكينيا باحترام هذا المبدأ”.
إن للرؤية الصومالية منطلقاتها الفلسفية المقرَّرة عند منكيني و مزيني كما أسلفنا؛ حيث يرى الأول أن إجبار قوميات مختلفة على تكوين دولة مشتركة لا يؤدي إلى نشوء كيان سياسي بل مَسْخ غير قابل للحياة. الفكرة ذاتها التي اعتمدها محمد عبدالله حسن في اشتباكه مع المستعمر، وكذلك كلّ مَن شارك في الكفاح الطويل بمختلف مراحله ومناطقه. وقد هُوجِمَتْ الفكرة على أنها تُؤسِّس لنتائج غير واقعيَّة تُعاكِس أهداف الأمم المتحدة المتمثلة في الحفاظ على الأمن والسِّلْم الدوليين. لكنَّ السِّلْم قد يتحقَّق بالوحدة أحيانًا، وبالتفكُّك أحيانًا، فلكلّ قاعدة استثناءاتها، وما قرَّره المُنَظِّرُونَ ليس وحيًا يستلزم تطبيقًا حرفيًّا، على أيَّة حالٍ مَن دقَّق في كلام منكيني يجد أنه يشير إلى حق تقرير المصير.
من الواضح أن الأمور لم تكن في صالح الطرف الصومالي المنادي بحقّ تقرير المصير للإقليم، ليس للمبدأ السالف الذكر الذي تكرر كثيرًا في المحافل الدولية فحسب؛ بل لأن القوى الدولية لم تقف إلى جانبه، ويمكن القول بأن الدعم الصومالي السياسي والمالي للمنطقة لم يكن كافيًا أمام الموقف الكيني المتماسك المدعوم دوليًّا.
كانت نظرة الدولة الصومالية إلى المنطقة شاملة، لم تستثنِ قبائل جالا (Galla) التي تنطق بلهجات قريبة جدًّا من اللغة الصومالية، وهي قبائل بورنا (Borana)، وريندلي(Rendille)، وساكيي (Sakuye)، وغبرا (Gabra)([1]). وهناك دراسات ميدانية قوية تؤكّد أن غالبية هذه القبائل تعود إلى أصول صومالية([2])، توغلت غربًا حتى فقدت بعضًا من خصائصها، لذلك شاركت في النِّضَال بكل قوَّة رغم محاولة كينيا لفصلهم عن الصوماليين مستغلَّة الاختلاف في اللُّغة . ويذكر أن قائد الحركة في مناطق بورن (Borana)، واسمه (WaqoHappi) سقط مغشيًا عليه بعد أن وصلته الأنباء عن هزيمة الحركة، وقريبًا من هذا حصل لقائد (Rendille)؛ تأسفًا على ما آلت إليه الأمور في المنطقة([3]).
ثم إن الإقليم مصطبغ بصبغة واحدة هي الصبغة الصومالية؛ إذ لا يسكنه سواهم، فلا يترتب أيّ ضرر بأمن كينيا وسلامتها في حالة ممارسة سُكّانه لحقّهم في تقرير المصير، كما فعلته مجموعات كثيرة لاحقًا، كما في حالة جنوب السودان. وبالتالي لم يَحُلْ دون انضمام الإقليم للصومال مبدأٌ محترم دوليًّا بل رغبة القوى الدولية التي تمنح ذلك الحق لمن تشاء، وتمنع من تشاء.
التفكير خارج الصندوق:
لم تَعُدْ أصوات الانفصال ذات صدًى مؤثِّر في أوساط سكان المنطقة؛ لا سيما بعد انهيار النظام الحكومي في الصومال، بل الواقع يشير إلى اندماجهم شبه كامل في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في كينيا، خاصة بعد إلغاء نظام الحزب الواحد في 1992م وبداية التعددية الحزبية؛ حيث برز من سكان المنطقة من تمكَّن من التفاعل مع النظام الانتخابي في إطار أحزاب مختلفة، بل صارت المنطقة محلّ تنافس من الأحزاب الكبرى؛ تصيدًا للأصوات. مع هذا كله، ومع وجود تمثيل لا بأس به للمنطقة في المجالس النيابية الوطنية والمحلية؛ تظل المنطقة في حاجة إلى بلورة رؤية سياسية جديدة، وتجاوز مرحلة انتظار أن تتفضل عليها الأحزاب بالفُتات إلى تكوين تكتل حزبي بالتعاون مع المجتمعات الرعوية غير الصومالية، والفرصة متاحة أكثر من أيّ وقت مضى؛ إذ تشير نتائج التعداد السكاني إلى تزايد كبير في عدد سكان المنطقة.
اللّامركزية السّياسيّة:
بتدشين دستور 2010م انطلقت اللّامركزيّة السّياسيّة وسط ضباب من المخاطر والاحتمالات، حتى إذا مرّت عليها ست سنوات لهجت الألسنة وانطلت الأقلام بما لها وما عليها. أجمع المحلّلون أن تقريب الحكم من المواطن، ورفع مستوى المشاركة في الحياة السّياسية من أهم مميزات هذا النّظام.
ثم إنه لم يعد للحديث عن التهميش السّياسي أيّ مسوّغ؛ فإن لكل منطقة نصيبها من ميزانية الدولة العامة بقدر حجمها وعدد سكّانها، وهناك صندوق قومي خاص للمناطق المهمَّشة استفادت منه “إن إف دي”.
بموجب النظام الجديد حازت “إن إف دي” أربعة مجالس تشريعية محلية، وأربعة ولاة منتخبين ومجالس وزراء بتعيين الولاة، فانفتح أفق جديد أتاح فرص عمل للشباب. وتشهد المنطقة تحسّنًا في البنى التحتيّة والتعليم والصحة. والمطلوب التركيز على كيفية الاستفادة من النظام استفادة قصوى، وتجنّب المحسوبية والفساد الإداري والمالي؛ حتى تتمكن المنطقة من اللحاق بركب التنمية والتقدم.
ختامًا:
إنَّ الحديث عن هذه المنطقة ذو شجون، ولا يمكن الحديث عن تاريخها في مقال واحد، لكنَّ تفهُّم واقع المنطقة من التخلُّف التنموي الواضح يستلزم ذِكْر شيءٍ من تاريخها.
وعلى سكانها أن يتوقفوا عن البكاء على الأطلال، ويهبُّوا هبَّةً جادَّةً للنهوض بالمنطقة، والاستفادة من التغييرات الدستوريَّة في البلاد استفادة قصوى تُمَكِّنهم من اللحاق بسائر المناطق.