الباحث: الدكتور حسين لون بللو (أبو لينة)
محاضر بقسم اللغة العربية، كلية أمين كنو لدراسات الشريعة والقانون، كنو.
مقدمة:
إن هذه المقالة المعنونة بـ”استثمار التناص في سيرة “خادم الوطن” للحامد محمود الهجري من المقالات النقدية التي يتناول فيها الباحث سيرة المؤلف؛ بنوع من الإيجاز، ثم يردف ذلك بالحديث عن استثمار التناص، وتوليد مختلف الخطابات في هذه السيرة الذاتية.
وتهدف المقالة إلى إخراج ما لهذه السيرة من جماليات الشكل والمضمون، وإبراز مدى علاقة الكاتب بالتناص الديني الذي هو المهيمن على نص السيرة من أساليب الخطاب وتقنياته.
وقد قسم الباحث هذه المقالة على النحو التالي:
- ترجمة الكاتب.
- وصف السيرة.
- تأويل عنوان السيرة.
- استثمار التناص في سيرة “خادم الوطن”.
- الخاتمة.
ترجمة الكاتب:
هو السيد حامد محمود بن إبراهيم بن أحمد الهجري, وُلِدَ في قرية أَيْغُورُو (AIGORO) إحدى قرى مدينة إِلُورِنْ، عاصمة ولاية كَوارَا، بجمهورية نَيْجِيرِيَا الفيدرالية، يوم الجمعة الموافق 9-5-1976م، وقد نشأ هذا الكاتب العبقري مكملًا كل سنين طفولته الأولى في قريته بين رعاية والده، ولما كبر وشبَّ عن الطوق انتقل إلى مدينة إِلُورِنْ؛ حيث أعمامه وجدّته يعيشون، ليتلقى الرعاية عند جدّته، فلم يعش معها حياة طويلة، فبعد وفاتها -رحمها الله-، كفله عمّه معالي القاضي أحمد بَيْغُورِي الذي كان يُمثِّل ويلعب دور الأب والعم والمرشد والناصح الراعي عنده.
بدأ تعليمه المبدئي بتعليم القرآن على يد الشيخ بَابَا، وقد بقي عنده إلى أن أكمل قراءة القرآن في نهاية عام 1989م، وبعد هذا أدخله أبوه مباشرة في المدرسة الابتدائية عام1981م، وكان ابن خمس سنة وتخرّج منها عام 1987م، ثُمَّ التحق بمدرسة دار العلوم لجبهة العلماء والأئمة في إِلُورِنْ عام 1989م، ثُمَّ بعدها انتقل إلى ولاية كَنُو؛ لما لاحظ الشيخ آدم إِلُورِنْ عبقريته الفذَّة، وذكائه الفريد، وحبّه للعلم، فاستمر بالدراسة النظاميّة عند الشيخ آدم يحيى الفُلّاتِي في دار الهجرة إلى أن تخرّج منها عام 1998م، وبعدها التحق بكلية الدعوة الإسلاميّة بالجماهير العظمى للدراسات العليا في عام 1999م، ففيها حصل على شهادة الليسانس في اللغة العربيّة والدراسات الإسلاميّة عام2003م، بتقدير ممتاز، وقد واصل دراسته العليا في نفس الكلّية؛ حيث حصل على شهادة الدبلوم العالي في شعبة اللغة العربيّة وآدابها عام 2004م بتقدير ممتاز([1])، ثُمَّ سجّل رسالته للماجستير في نفس الكلّية فتمت المناقشة في يوم 1\4\2007م، وانضم في الخدمة الوطنيّة مع الفليق الأول عام 2008م([2])، وقد حصل على الدكتوراه في الأدب والنقد بتقدير عام ممتاز بجامعة التضامن الفرنسيّة العربية، نِيَامِي عاصمة جمهورية النَّيْجَر، عام 2020م. وحاليًّا هو محاضر في كلّية آدم أُوغِي للتربية، ومحاضر غير متفرغ بجامعة الوفاق الدولية نِيَامِي، جمهورية النَّيْجَر، وبجامعة النهضة، نِيَامِي، جمهورية النَّيْجَر.
كان حامد محمود الهجري كاتبًا عبقريًّا فذًّا يمتلك زمام الكلام وسره، يتصرف به كيف يشاء، ومتى شاء كأنه جمل بيده عنانه، وله مؤلفات وبحوث علميّة كثيرة نافعة، منها:
- الاتجاه الإسلامي في روايات نجيب الكيلاني، رسالة لنيل درجة الماجستير عام 2007م.
- “خادم الوطن” مطبوع منشور عام 2008م.
- مع المتنبي في عتاب سيف الدولة، مطبوع ومنشور عام 2010م.
- الموصولات وأسرارها، مطبوع ومنشور، 2010م.
- ديوانه الشعري المسمّى بــــ(الحديقة الغنّاء)، مطبوع ومنشور في العام 2010م.([3])
- قصة “السيد الرئيس” مطبوعة ومنشورة عام 2010م.
- قصة “مأساة الحب” مطبوعة ومنشورة في العام 2013م.
- إنتاجات النثر الفنّي في نَيْجِيرِيَا: مشاكل وحلول، مقالة منشورة في مجلّة كنتا للدراسات الأدبية مدينة أَرُغُنْغ، 2016م.
- عودة فلسطين في رواية “عمر يظهر في القدس”، للدكتور نجيب الكيلاني، حامد محمود إبراهيم، مجلّة العاصمة، مج:11، 2019م.
- الهوامش وطرق استخدامها في البحث العلمي، حامد محمود إبراهيم، مجلّة كعت، العدد التاسع، 2021م.
“خادم الوطن”:
إن “خادم الوطن” من سلسلة إبداعات حامد محمود الهجري، التي سجل فيها ما يدور في سويداء قلبه، وما يعانيه طلاب اللغة العربية النيجيريين في فترة من الفترات؛ حيث الفقر يعمّهم، والجوع يضربهم، ولا تهتم بهم الحكومة، ولا تعتبرهم متخرجين من الجامعة، فتقمّص الكاتب شخصية “نُور” التي اختارها ليتوارى وراءها ويفرز ما يكبته في جعبته من القلق المستمر تجاه مستقبل الشاب النيجيري الذي درس اللغة العربية، ويريد أن يخدم منبته ومسقط رأسه مهما يكلفه ذلك من التعب والمعيشة الضنك التي يستقبلها من الجهات الحكومية المختلفة. فكابد ذلك بكل جدية ليثبت وجود جامعته التي لم تكن معروفة حكومياً إلا حين عاد إلى دولته الحبيبة وأمه الرؤوم، فقام بجولات كثيرة في المكاتب المختلفة ليثبت وجود جامعته، فبعون الله ومساعدة أولي الفضل استطاع أن يحل هذه المشكلة، ويشق الطريق لإخوانه اللاحقين سبل المشاركة في الخدمة الوطنية.
فبعد كل هذه الإجراءات المتعبة التي جاوزها المسكين ظن أنه سينام بعد هذا مغمض العينين، مستريح البال، ففوجئ بمشاكل أخرى وهو في طابور التسجيل في المُخيم أنه لم يحمل معه الشهادة الأصلية، ثُمَّ توالت عليه المشكلات الكثيرة إلى نهاية الرواية. هكذا ظل تتراكم عليه العوائق المتتالية والمشكلات المتسلسلة، يخرج من قتام ويقتحم في قتام آخر، فبهذه التجارب الحياتية تكونت شخصية “نُور” وأصبح في آخر الرواية مرشدًا يُوصي الطلاب بعدم الجمود والاعتماد على التوظيف الحكومي، ويوصيهم أيضًا بأن يعملوا عملًا صالحًا يُثبت وجودهم في مجتمعهم.
هذا ما سجَّله حامد محمود الهجري في روايته الواقعية، وقد قال عنها الدكتور مشهود محمود جمبا في صميم تقريظه للرواية: “ولأهمية الرسالة التي تحملها القِصّة فإني أقترح ترجمتها إلى الإنجليزية واللغات الوطنية الرئيسية، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا “([4]).
وصف السيرة:
يُعدّ كتاب “خادم الوطن” من إبداعات حامد محمود الهجري، التي سجّل فيها سيرته الذاتية، وما يعانيه طلاب اللغة العربيّة النَّيْجِيرِيين، والقلق المستمر تجاه مستقبل الشاب الذي درس اللغة العربيّة، ويفاجأ بمشكلات عديدة، بدايةً من طابور التسجيل في المُخيم بأنه لم يحمل معه الشهادة الأصلية، ثُمَّ توالت عليه المشكلات الكثيرة إلى نهاية القصة. هكذا ظل تتراكم عليه العوائق المتتالية والمشكلات المتسلسلة، فبهذه التجارب الحياتية تكوّنت شخصية “نُور”([5]).
تأويل عنوان السيرة:
يُعتبر العنوان من أهم عناصر النص السردي؛ نظراً لكونه مدخلًا أساسياً في قراءة الإبداع الأدبي. ومن المشار إليه أن العنوان هو عتبة النص وبدايته، وإشارته الأولى، وهو العلامة التي تطبع الكتاب أو النص وتسميه بها(([6]. وهو الاسم الذي يميز بين الكتب، كما يميز الإنسان باسمه بين الناس، والعنوان يكون عَلَمًا إشهاريًّا للكتاب، ولكنّ عناوين الفصول ليست ضرورية في السرديات([7])، وقد تضطر إليها بعض التأليفات المتنوعة، لذلك تجد سيرة “خادم الوطن” خالية من عناوين فرعية.
إن عملية اختيار عنوان السرد عملية صعبة لا يقدر عليها إلا الأذكياء؛ لأنها لا تتم عفو الخاطر، فهي مسألة تحتاج إلى نظر وتدقيق بسبب تركيبها وطبيعة المادة التي تتألف منها([8])، فالعنوان يختصر سلفًا مغامرة الرواية، أو يعرض طريقة للنظر إليها، ولكنه لا يفيد المعنى الكامل للرواية إلا بعد قراءتها كاملة([9]).
ولم يهتم الباحثون قديمًا وحديثًا بتحليل وتفسير العنوان؛ لأنهم اعتبروه ملفوظًا لغويًّا لا يقدم شيئًا إلى تحليل النص الأدبي؛ لذلك تجاوزوه إلى النص، كما تجاوزوا كثيرًا من العتبات الأخرى التي تحيط بالنص السردي كتجاوزهم لتحليل صورة غلاف الرواية وتأويلها وغير ذلك من العتبات الروائية([10]).
امتاز عنوان “خادم الوطن” بوظائف العناوين السردية القيمة حسب ما رصده جيرار جينيت في كلامه عن العنوان([11])، ويمكن تلخيصه في النقاط التالية:
1- وظيفة تعيينية: فهي التي تعطي السيرة اسمًا يُميّزها عن غيرها من السِّيَر الذاتية([12])، وقد أجاد حامد محمود الهجري في إعطاء سيرته الذاتية اسمًا ميَّزها عن غيرها من الكتب السردية العربية النيجيرية، فبحسب علم الباحث هي أول سيرة ذاتية عربية نيجيرية سُمِّيت بهذا الاسم “خادم الوطن”، يعني هذا أن تستقل بهذا الاسم استقلالية تامة.
2- وظيفة وصفية: ترتبط بمضمون السيرة ارتباطًا غامضًا([13])، ويمكن اعتبار عنوان “خادم الوطن” تلخيصًا اختصاريًّا مكثفًا لما تتضمّنه الرواية من الأحداث والحركات، وأن هذا العنوان قادر على وصفها وصفًا فنيًّا دقيقًا.
3- وظيفة تضمينية: أو ذات قيمة تضمينية تتصل بالوظيفة التعيينية، وتتعلق بالطريقة أو الأسلوب الذي يعين السرد. ومما هو جدير بالذكر أن مضمون هذه السيرة الذاتية لا يخرج عنما حدَّده عنوانها؛ لأن كل حركات شخصياتها وحوادثها لا تخرج عن الحيّز الزمني والمكاني للخدمة الوطنية، واستعدادات المشاركة فيها.
4- وظيفية إغرائية: تتصل بالوظيفة التضمينية، وتسعى إلى إغراء القارئ إلى قراءة السيرة والاستمتاع بما فيه، وقد اتسم عنوان سيرة “خادم الوطن” بهذه الوظيفة الإغرائية؛ لأنه عنوان جذاب تصرف إليه الوجوه، وتميل إليه الأفئدة؛ لأنه يحيط بجميع أبعاد السيرة وأطرافها، فهذا العنوان يناسبها مناسبة فنية، ولا يفضحها؛ لأنه موجز مركب من كلمتين “خادم” و”الوطن”، ويقوم بكل الوظائف العنوانية التي رصدها النقاد([14]).
استثمار التناص المباشر في سيرة “خادم الوطن”:
التناص في اللغة: هو لفظ يرجع إلى مادة (ن ص ص)، هو “النص: رفع الشيء. نص الحديث ينصه نصًّا: رفَعه. وقال عمرو بن دينار: ما رأيت رجلاً أنص للحديث من الزهري، أي: أرفع وأسند. ويقال: نص الحديث إلى فلان؛ أي رفعه. ونص المتاع نصًّا: جعل بعضه على بعض. ونص الدابة ينصها نصًّا: رفعها في السير، وكذلك الناقة.([15])
التناص صيغة صرفية جاءت على وزن (التفاعل)، فهذه الصيغة تدل على معاني كثيرة، منها المشاركة والتداخل، فالتناص يعني تداخل نص في نص آخر سابق عليه.([16])
التناص في الاصطلاح: هو الوجود الحرفي (الحرفي تقريبًا، التام أو غير التام) لنص داخل نص آخر.([17])
وقيل هو: عبارة عن طبقات جيولوجية كتابية، تتم عبر إعادة استيعاب، غير محدد، لمواد النص بحيث تظهر مختلف مقاطع النص الأدبي، عبارة عن تحويلات لمقاطع، مأخوذة من خطابات أخرى، داخل مكون أيديولوجي شامل”.([18])
فمن خلال هذين التعريفين يمكن الفهم بأن التناص هو اندماج نص داخل نص بطريقة علمية تناصية مرنة.
وقد ظهر هذا المصطلح لأول مرة على يد (جوليا كريستيفا) في عدة بحوث بين سنة 1966م وسنة 1967م، وقد استوحت هذا المصطلح من ميكائيل باختين في كتابه “شعرية دوستوفيسكي” الذي استخدم مصطلح الحوارية للدلالة على تقاطع النصوص([19]).
وقد عرفت جوليا التناص بصِيَغ مختلفة منها: “أنه ترحال للنصوص وتداخل نصين في فضاء نص معين تتقاطع وتتنافى ملفوظات عديدة متقطعة من نصوص أخرى.([20])
ميشال ريفاتير عرف التناص بأنه: “إدراك القارئ للعلاقة بين نص ونصوص أخرى قد تسبقه أو تعاصره”([21])
يُعدّ التناص من المصطلحات التي دخلت في الأدب العربي؛ إلا أن له جذورًا في التراث العربي القديم بتسميات ومصطلحات أخرى كالاقتباس، والتضمين، والاستشهاد، والانتحال، والسرقة، والنسخ، وطريقة توظيف التناص في النص تدل على ثقافة الكاتب ووعيه واطلاعه على النصوص السابقة، حيث يعمد الكاتب إلى تضمينها في نصوصه بشكل واعٍ أو غير واعٍ لكي يخدم فكرة نصه([22]).
إن التناص المباشر وغير المباشر ساعد سيرة “خادم الوطن” في نقل خطابات جماعية متنوعة؛ لأن توليد مختلف الخطابات، هو ما يُميّز السرد عن غيره من الأجناس الأدبية؛ لأن السرد خطاب جماعي باختلاف طبقات أفراد المجتمع، ومستواهم الثقافي، فالاعتماد على التناص في السيرة يُتيح لها حرية هائلة لامتصاص اللغات والخطابات الجماعية.
فقد امتازت هذه السيرة الذاتية بكثرة التناص الديني الإسلامي، وهذا يشير إلى حال البيئة التي أبدعت فيها السيرة وأيديولوجية السارد، ويوجد نسبة كبيرة من التناص مع المثل العربي، ومن أمثلة ذلك ما يلي:
التناص الديني الإسلامي:
ومن أمثلة هذا النوع من التناص ما يأتي:
1- قول السارد في وصف حال طلبة اللغة العربية النيجيريين:
“من الذي يضمن لهم هذا المستقبل وهم أنفسهم مفرّطون ومفرطون في قضاياهم، ولا يتفقون في شيء واحد إلا ليختلفوا في أشياء عدة، تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى!“([23]).
ففي قوله تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى تناصّ ديني من القرآن الكريم في قوله تعالى: ]لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ[([24]).
وقد أجاد السارد في صياغة هذه العبارة مع دمج هذه الآية الكريمة في العبارة الواحدة لتصوير المشهد تصويرا فنيًّا رائعًا.
2- قوله في وصف الحيات التي فروا منها في المخيم مخافة اللدغ:
“لقد خرجت الثعابين وانتشرت في الميدان! فسرعان ما شق الشباب عصا الطاعة للقائد العسكري، ولاذوا فراًرا من الحيات، فأصدر الأمر مرة أخرى بالجلوس! فتردد الشباب، ولولا أن بعض الجنود حصل على أحد الثعابين وقتله لمكثوا في الميدان قابعين تنهشهم الحيات نهشًا، ولكنَّ الله سلَّم…“[25].
ففي قوله “ولكنَّ الله سلَّم” تناص من قوله تعالى: ]إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قليلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ[ ([26])؛ فقد أجاد السارد في اختيار هذه الآية وتوظيفها في عبارة جديدة لتقوم بدلالة فنية قيمة.
3- قوله في وصف حياة المخيم: “كانوا يقولون : إنه يوم عبوس قمطرير، ففي هذه الجملة تناص مع قوله تعالى: {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا}.([27])
4- قوله في وصف المخيم أيضًا “إنه يوم يفر المرء من أخيه”([28]) ؛فيه تناص مباشر مع قوله تعالى: “يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ“([29]).
5- قوله في وصف حياة المخيم: وتقام البرامج في صورة رائعة ممتعة، فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين([30])؛ففي هذه الجملة تناصّ مع قوله تعالى: (يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَلِدُونَ).([31])
6- قوله: “ليس الخبر كالمعاينة“([32]).
وهو تناصّ من الحديث النبوي الشريف، المروي عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ليس الخبر كالمعاينة؛ إن الله -عز وجل- قال لموسى -عليه السلام- إن قومك فعلوا كذا وكذا فلم يبالِ، فلمَّا عاين ألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه”([33]).
يتميز تناص الهجري بجودة الصياغة، وملاءمة التوظيف، وحسن الاختيار للنصوص التي يستعملها؛ لتقوية عباراته، ويمكن القول بأن لديه علاقة قوية مع النصوص الدينية؛ حيث طغى التناص الديني على جميع أنواع التناص في سيرته الذاتية “خادم الوطن”.
التناص مع الأمثال العربية:
من أمثلة هذا النوع التناصي ما يأتي:
1- “فأصبح الوعد بينهما وعد عرقوب!”([34]). وقد اقتبس السارد هذا النص من المثل العربي المشهور في قول كعب بن زهير:
كانت مواعيد عرقوب لها مثلًا *** وما مواعيدها إلا الأباطيل([35])
يتفاعل نص سيرة “خادم الوطن” مع كل من النص القرآني، والنص النبوي، ونص المثل العربي، عن طريق استثمَار وتحيين مقولاتها وأفكارها؛ حيث تتم عملية امتصاص هذه النصوص عبر مقومات التضمين والتوليد والإبداع والاستشهاد التي تكشف عن مقومات فنية أصيلة.
الخاتمة:
تمت هذه المقالة -بعون الله وتوفيقه-، وقد تحدث الباحث فيها عن ترجمة المؤلف، ثم ربطها بوصف السيرة، مع تأويل عنوانها، ثم أردف ذلك بالحديث عن صيغ استثمار التناص وتوليد مختلف الخطابات فيها. وقد توصَّل الباحث من خلال هذه الجولة العلمية القصيرة إلى نتائج كثيرة منها:
– كان حامد محمود الهجري كاتبًا عبقريًّا فذًّا يمتلك زمام الكلام.
– هي أول سيرة ذاتية عربية نيجيرية سُمِّيت بهذا الاسم “خادم الوطن”، ويعني هذا أنها تستقل بهذا الاسم استقلالية تامة.
– تتميز هذه السيرة بكثرة التناص الديني الإسلامي، وهذا يشير إلى حال البيئة التي أُبدعت فيها السيرة وأيديولوجية الكاتب.
…………………………………
المراجع والهوامش:
[1] – انظر: زينب كبير أحمد، الرواية العربية النيجيرية “خادم الوطن ” والسيد الرئيس”، بحث لنيل درجة الماجستير في اللغة العربية، قسم اللغة العربية، كلية الآداب، جامعة أحمد بللو زاريا، السنة 2013م، ص29-31.
[2] – انظر: المرجع نفسه، ص33.
[3] – الهجري حامد محمود، خادم الوطن، ط1، ألبي للطباعة والنشر –إلورن، 1429هـ – 2008م، ص .V
[4] – المرجع نفسه، ص11.
[5] – انظر: المرجع نفسه، ص1-103.
[6]– حمداوي، جميل (الدكتور)، صورة العنوان في الرواية العربية، شبكة المعلومات، www.arabicnadwah.com، 21\7\2006م، 14:23نهارًا، بتصرف.
[7] – زيتوني، لطيف (الدكتور)، معجم مصطلحات نقد الرواية، ط1، دار النهار للنشر، لبنان، 2002م، ص125، بتصرف.
[8] – حمداوي جميل (الدكتور)، المرجع السابق، www.arabicnadwah.com بتصرف.
[9] – زيتوني، لطيف (الدكتور)، المرجع السابق، ص 126.
[10] – حمداوي، جميل (الدكتور)، المرجع السابق. www.arabicnadwah.com
[11] – زيتوني، لطيف (الدكتور)، المرجع السابق، ص 126.
[12] – انظر: زيتوني، لطيف (الدكتور)، المرجع السابق، ص 126.
[13] – انظر: المرجع نفسه، ص126.
[14] – انظر: المرجع نفسه، ص126.
[15] – ابن منظور، لسان العرب، دار صادر – بيروت، ط3، 1994م، ص97-98. بتصرف.
[16] – انظر: عاتي، علي يوسف أحمد، ظاهرة التناص ودلالتها في رواية سلامة القس لعلي أحمد باكثير، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة صنعاء، مجلد 34، العدد 2، 2013م، ص7.
[17] – زيتوني، لطيف (الدكتور)، المرجع السابق، ص 64.
[18] – علوش، سعيد، معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، ط1، دار الكتاب اللبناني – بيروت، 1975م، ص215.
[19] – كريستيفا، جوليا، علم النص، ترجمة فريد الزاهي، مراجعة عبد الجليل ناظم، ط2، دار توبقال للنشر، 1997م، ص21.
[20][20] – بقشي، عبد القادر، (الدكتور)، التناص في الخطاب النقدي والبلاغي: دراسة نظرية وتطبيقية، تقديم محمد العمري، د.ط، إفريقيا الشرق للنشر والتوزيع، 2007م، ص20.
[21] – انظر: مفتاح، محمد، (الدكتور)، تحليل الخطاب الشعري (استراتيجية التناص)، ط1، المركز الثقافي العربي للنشر، 1985م، ص131.
[22] – عبد الله، ياسمين، كريم الدين، حمودة، التناص في روايات عبد البديع عبد الله، مجلة كلية الآداب، جامعة بورسعيد، العدد 11، الجزء 1، 2022م، ص2. بتصرف.
[23] – الهجري، حامد محمود، خادم الوطن، المرجع السابق، ص9.
[24] – سورة الحشر، الآية: 14.
[25] – الهجري، حامد محمود، خادم الوطن، المرجع السابق، ص 43.
[26] – سورة الأنفال، الآية: 43.
[27] – سورة الإنسان، الآية 10.
[28] – الهجري، المصدر السابق، ص69
[29] – سورة عبس، الآية 34.
[30] – المصدر نفسه، ص 74.
[31] – سورة الإنسان، الآية 19.
[32]– المصدر نفسه، ص67.
[33] – أبو محمد، عبد الله بن محمد بن جعفر، كتاب الأمثال في الحديث النبوي، ط2، الدار السلفية، بومباي – هند، 1408هــ -1987م، ص 36.
[34] – الهجري، حامد محمود، المصدر السابق، ص76.
[35] – الميداني، أبو الفضل أحمد بن محمد، مجمع الأمثال، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، ط4، دار المعرفة بيروت، د.ت، ج1، ص5.