عند الحديث عن قارة أفريقيا تحتل موجات الإرهاب صدارة الحديث، باعتبارها العامل الأكبر المتسبب في حالات القتل، ومن ثم فهو الأجدر بالحديث واتخاذ التدابير التي من شأنها مواجهته والقضاء عليه.
وقد يكون شيئا من ذلك صحيحا، وهو خطورة الإرهاب بشتى صورة ومجالاته، ولكن الأصح أن عوامل أخرى أشد خطورة وفتكا بشباب القارة الأفريقية من موجات الإرهاب المتصاعدة.
ومن اللافت أن هذه العوامل لاتحظى بقدر من الاهتمام قدر الاهتمام الذي يحظى به مواجهة الإرهاب، على الرغم من أنها أشد ضرواة وفتكا بالقارة الأفريقية،وربما يكون تأثيرها أعمق وأبعد أثرا.
الهجرة السرية:
وتأتي في مقدمة هذه العوامل الهجرة السرية، فقد ذكرت المنظمة الدولية للهجرة أن عدد المهاجرين السريين الذين لقوا حتفهم غرقا فى البحر الأبيض المتوسط، أو من هم فى عداد المفقودين خلال محاولات للهجرة السرية انطلاقا من السواحل الشمالية المغربية إلى اسبانيا، قد بلغ 132 شخصا خلال الثلاثة أشهر الأولى من السنة الجارية 2019م.
بينما ذكر المرصد الوطنى للهجرة، وهو تابع لوزارة الداخلية المغربية، أن السلطات المغربية قامت، خلال سنة 2018، بإحباط ما مجموعه 88 ألفا و761 محاولة للهجرة غير الشرعية، منها 70 ألفا و571 لمواطنى بلدان أخري، وتم تفكيك 229 شبكة تهريب خلال 2018، موضحا أن 80 فى المئة من المهاجرين الموقوفين هم من الأجانب، كما تم إنقاذ 29 ألفا و715 مهاجرا فى عرض البحر.
وفي عام 2006 تمكن 30 ألف مهاجر من الوصول إلى جزر الكناري في حين توفي نحو سبعة آلاف أثناء محاولة الوصول وفقا لما ذكرته جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان.
وتوفي أكثر من 800 شخص في حادث غرق سفينة في نيسان/أبريل عام 2015 قبالة سواحل إيطاليا، وهي أعنف كارثة بحرية للمهاجرين في أوروبا.
ولقي ما لا يقل عن 2000 شخص مصرعهم خلال النصف الأول من عام 2017 أثناء محاولتهم عبور البحر المتوسط، مما جعل منظمات الإنقاذ تخشي أن يصبح هذا العام عاماً مريراً على المهاجرين غير الشرعيين، الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا.
الأمراض والأوبئة:
وثاني هذه العوامل هو الأمراض والأوبئة التي تكاتفت على الفتك بالقارة الأفريقية، ولايكاد يهدأ أو يتلاشى أحدها حتى يكشر غيره عن أنيابه، وعلى سبيل المثال نجد أن
مرض فيروس الإيبولا الذي تفشى منذ أغسطس 2018 في مقاطعتي شمال كيفو وإيتوري في شمال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية تسبب في وفاة 1112 شخص (1024 حالة مؤكدة و 88 حالة محتملة) من أصل 1662 حالة مسجلة مصابة بالوباء.
ووفق بيانات منظمة الصحة العالمية لا تزال أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تتحمل قسطاً كبيراً بشكل غير متناسب من العبء العالمي للملاريا،ففي عام 2015، كانت 90% من حالات الملاريا و 92% من الوفيات الناجمة عن الملاريا تتركز في الإقليم. فهناك نحو 13 بلدا – معظمها في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى – تضم 76% من حالات الإصابة بالملاريا و 75% من الوفيات الناجمة عنها على مستوى العالم.
وفي المناطق التي يرتفع فيها معدل انتقال الملاريا، يكون الأطفال تحت سن الخامسة معرضين بشكل خاص للعدوى والمرض والوفاة؛ ويحدث أكثر من ثلثي (70%) إجمالي الوفيات الناجمة عن الملاريا لدى هذه الفئة العمرية.
وبين عامي 2010 و2015، انخفض معدل وفيات الملاريا لمن هم دون سن الخامسة بنسبة 29% على الصعيد العالمي، ومع ذلك لاتزال الملاريا تمثل السبب الرئيس لوفيات الأطفال دون سن الخامسة ، حيث تودي بحياة طفل كل دقيقتين.
وحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية ايضا فخلال عام 2004، قضى ما يقرب من 3 ملايين شخص نحبهم، بسبب الإصابة بمرض نقص المناعة المكتسبة “الإيدز”، ويمكن أن يزداد هذا العدد حيث أنه في إفريقيا وحدها، يعاني ما يقرب من 39.4 مليون شخص من الإصابة بهذا المرض، ولأن مرض نقص المناعة، هو فيروس يعمل على إضعاف مناعة الإنسان، وتبدأ أعراضه في الظهور خلال فترة تتراوح بين 8 : 15 عاما، لأن أغلب تلك الإصابات بإفريقيا لم تتلق التوعية الكاملة، أو العلاج المناسب، ما يرفع من حالات الوفيات بين الأفارقة.
موجات الجفاف والتصحر:
ومن أبرز مهددات القارة الأفريقية موجات الجفاف والتصحر، فقد أشار تقرير لمكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث نشر على هامش المنتدى العالمي السادس للحد من مخاطر الكوارث المنعقد في جنيف إلى أن الجفاف في منطقة القرن الإفريقي خلال عامي 2010 – 2011 تسبب في مقتل 250 ألف شخص وخلف ورائه 13 مليون شخص آخرين يعيشون على المساعدات الإنسانية.
ووفقا لمصادر بالمنظمة الدولية، فإن تصحر الأراضى الزراعية يلحق الضرر بـنحو 250 مليون أفريقى ويهدد كيان مليار إنسان فى الدول الفقيرة.
هذه بعض المخاطر التي تتعرض لها القارة، والتي تحتاج كثافة علاجية، وربما مواجهتها بأسليب علمية حديثة يساهم كثيرا في الحد من موجات الإرهاب والعنف التي تتعرض لها القارة، فإن ارتفاع مستوى المعيشة والقضاء على الظواهر السلبية المتفشية في القارة هو البوابة الرئيسة لتجفيف منابع الإرهاب والتطرف.
بارقة الأمل:
ورغم كل هذه المحاطر فإن بوراق الأمل تلوح في أفق القارة,وتنتظر من يحسن استغلالها لصالح القارة، حيث أفادت وكاله الأعمال والتنمية الألمانية أن إفريقيا تنمو بسرعة أكبر من أى قارة أخرى فى تاريخ البشرية، وأن إمكانياتها الاقتصادية هائلة .
وذكرت الوكالة فى بيان أن أفريقيا ستكون أكبر قوة للموارد البشرية المنتجة فى العالم بحلول عام 2035 ، وانها تشكل فرصا واعدة أيضا للاقتصاد الأوروبى.
كشف تقرير حديث صدر مؤخرا لمجموعة بوسطن الاستشارية “BCG“، تحت عنوان “كيف يمكن لمتاجر التسوق عبر الإنترنت من توفير فرص عمل في أفريقيا؟”، النقاب عن أن المنصات الرقمية عبر الإنترنت مثل “جوميا”، والتي تربط بين المتسوقين وموردي السلع والخدمات يمكنها توفير ما يقرب من 3 ملايين وظيفة جديدة في أفريقيا بحلول عام 2025، وبالتالي يمكن لمتاجر الإنترنت أن تعزز أيضا النمو الاقتصادي الشامل مع الحد الأدنى من التأثير السلبي على الأعمال التجارية الحالية.