جهاد عمر الخطيب (*)
جاءت الكلمة التي ألقاها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، إبَّان افتتاح أعمال الدورة الثالثة والسبعين للجمعية العامة في الخامس والعشرين من سبتمبر لعام 2018م، كاشفة ًبجلاء عن مخاوف آخِذَة في التصاعد بشأن جنوح النظام الدولي نحو مزيد من “الفوضى”.
الأمر الذي قد يُفضي إلى بلوغ ثقة الشعوب والحكومات في المبادئ والقوانين، التي يرتكن إليها النظام الدولي حافة الهاوية. ويمهِّد السبيل أمام نظام جديد يصبح جوهره العلاقات الصراعيَّة، وتندثر فيه القِيَم العالميَّة والمبادئ الديمقراطيَّة التي لطالما ظلَّت مرجعيَّة حاكمة للنظام الدولي على مدار سنوات عديدة.
وبصرف النظر عن دقَّة العبارات المُشار إليها فيما يتعلق باحتكام النظام الدولي خلال السنوات المنصرمة إلى القواعد الديمقراطية أو إلى معايير دولية يجري تطبيقها على جُلّ الدول التي تشكِّل في مجموعها الجماعة الدولية، ووقوف هكذا دول على قدم المساواة، إلا أن أحدًا لا يستطيع أن يُنكر أن النظام الدولي يتَّجه بخطًى ثابتة نحو الفوضى. بيْدَ أن الفوضى، وحدها، لم تَعُدْ المَيْزَة الرئيسة لسيرورة التفاعلات الدولية؛ إذ أضحت هكذا تفاعلات تنحو نحو مزيد من “الفوضى” ومزيد من “اللاإنسانية” أيضًا.
ويمكن تبيان ذلك بوضوح في النبرة العدائية التي أصبحت تعتري خطاب كثير من الدول كالولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية إزاء المهاجرين غير النظاميين؛ سواءً كانوا لاجئين، فرُّوا من بلاد تعاني من تعقُّد الصراعات واستطالتها، أو مهاجرين اقتصاديين يبحثون عن حياة أفضل في دول الشمال. وما تَبِعَ تلك النبرة العدائية من حزمة سياسات وبرامج تفتقر إلى المعايير الإنسانية وتمثِّل خَرْقًا واضحًا لقواعد القانون الدولي فيما يخصُّ قضايا الهجرة، فضلاً عن التعاطي مع هؤلاء المهاجرين باعتبارهم مصدر تهديد مباشر للنسيج المجتمعي لتلك الدول وسلامتها الإقليمية.
وقد سجَّلت إفريقيا جنوب الصحراء أعلى معدلات هجرة غير نظامية على مستوى العالم؛ إذ بلغت أعداد المهاجرين غير النظاميين من هذا الإقليم نحو 25 مليون شخص يعيشون خارج حدودهم الوطنية في عام 2017م حسبما أفادت تقديرات Pew Research Center. وكان الدافع الرئيس للغالبية العظمى من هؤلاء المهاجرين يتمثَّل في الفرار من بؤر الصراعات. وهَاجَر عددٌ منهم إلى أوروبا والولايات المتحدة لدوافع أخرى من قبيل تفاقم معدلات الجوع والأمراض والفقر والانتهاكات الحقوقية.
وفي هذا السياق، يصبو المقال إلى تسليط الضوء على أوضاع المهاجرين غير النظاميين الأفارقة في “إسرائيل” من خلال ثلاثة محاور رئيسة؛ أولها ينصرف إلى تحليل الخطاب السياسي “الإسرائيلي” وتعاطيه مع قضية الهجرة. ويهتم المحور الثاني بتناول الإشكاليات، التي اعترت هذا الخطاب في السنوات القليلة الماضية. أما المحور الثالث، فيتعرَّض لانعكاسات هذا الخطاب ومآلاته على المجتمع الإسرائيلي.
التركيب المجتمعي لـ”إسرائيل”: نظرة عامة
بالنظر إلى المجتمع “الإسرائيلي” كمجتمع استيطاني ، نجد أنه إنما يتألَّف من فئات أربع رئيسة من المهاجرين. وتتشكَّل هذه الفئات قاطبةً من مهاجرين غير دائمين، أي مؤقتين، ماعدا الفئة الأولى ألا وهي المهاجرون اليهود، الذين شدُّوا رحالهم إلى فلسطين في إطار ما سُمِّيَ بـ “قانون العودة”، وكذلك الذين عُرِفُوا بـ “يهود الخلاص(1) Jewish extraction ، وفرُّوا إلى فلسطين في أعقاب “الهولوكوست” التي تعرَّض لها اليهود في الفترة من 1941 حتى 1945م، وراح ضحيتها الملايين، أو هكذا تشير الادعاءات، إبَّان حكم هتلر. ويجري أيضًا تضمين ما يُعْرف في القانون اليهودي بـ “المقيم العائد” returning resident ضمن هذا الفئة(2). وهو الشخص اليهودي الذي عاش، هو أو أجداده، بعيدًا عن وظنهم المزعوم، ولكنَّ يُخوِّله القانون حق الإقامة في الدولة عقب العودة طالما أنه “يهودي(3).
أما الفئة الثانية من المهاجرين، فيندرج ضمنها المهاجرون من العمال (العمالة الأجنبية)، والذين هاجروا إلى “إسرائيل” ، ومُنِحُوا رخصةً للعمل على أراضيها. وتضم الفئة الثالثة المهاجرين غير النظاميين من العمال الذين دخلوا “إسرائيل” لأغراض أخرى غير العمل، ولكن استمر وجودهم بالدولة بعد انتهاء مدة إقامتهم لأجل العمل بها دونما تجديد للإقامة أو الحصول على رخصة عمل.
وفيما يتصل بالفئة الرابعة، فإنها تُعْرف بـ “المهاجرين المختلطين” Mixed Migration، وتحوي كلاً من “المتسللين” infiltrators واللاجئين أو الباحثين عن مأوي Asylum Seeker، فضلاً عن الجماعات التي تحتاج إلى “حماية” وفقًا لمصطلحات القانون الدولي كمواطني الدول الأوروبية الشرقية في أعقاب انفكاكها عن الاتحاد السوفييتي، وكذا المواطنين الأفارقة الفارين من أوطانهم. ومن الجدير بالذكر أن البعض يقوم بإدراج الفلسطينيين والأردنيين الذين يدخلون “إسرائيل” بشكل يومي لأجل العمل ضمن الفئات المهاجرة التي تشكِّل في مجموعها المجتمع “الإسرائيلي” بوصفه “مجتمع هجرة” اعتمد في قوامه على المهاجرين بالدرجة الأولى(4).
ويعيش في “إسرائيل” مهاجرون أفارقة تقُدَّر أعدادهم بنحو 38 ألف إفريقي من المهاجرين غير النظاميين أو اللاجئين، وذلك وفقًا لتقديرات وزارة الداخلية “الإسرائيلية” لعام 2017م. وتجدر الإشارة إلى كون الغالبية العظمى من المهاجرين الأفارقة هم مواطنون إريتريون وسودانيون(5). ويتمركز حوالي 90% من المهاجرين الأفارقة في جنوب “تل أبيب”، وتحديًدا في حي نيفي شانان Neve Shaanan؛ إذ يُمثِّل المهاجرون الأفارقة قرابة الـ 70% من قاطني هذا الحي.
وبنظرة أكثر تفصيلاً على ظاهرة الهجرة الإفريقية غير النظامية إلى “إسرائيل”، يتجلَّى بوضوحٍ أنَّ معدلات الهجرة قد أخذت في التصاعد منذ منتصف الألفينيات إثر الصراعات التي دارت رحاها في السودان بين الشمال والجنوب وكذا أزمة دارفور، وما واكَب هذه الصراعات، على اختلاف ضروبها وجذورها، من ارتكاب لمذابح عرقية راح ضحيتها الآلاف من المدنيين فضلاً عن تفاقُم معدلات النازحين داخل الأراضي السودانية واللاجئين إلى دول الجوار، وبصفة خاصة، سيناء المصرية التي اسْتُخدمت كمعبر لهؤلاء المهاجرين إلى “إسرائيل” حيث الوقوع في أيدي السماسرة وشبكات الاتجار بالبشر. وبالنسبة للمهاجرين من إريتريا، فيشير البعض إلى أن القمع الذي يمارسه النظام الحاكم هو المحفِّز الرئيس للهجرة إلى “إسرائيل (6)”.
وقد شهد عام 2010م تدفُّق أكبر موجة من المهاجرين الأفارقة لـ”إسرائيل”؛ إذ تشير الإحصائيات إلى عبور نحو 1300 مهاجر إفريقي “شهريًّا” إلى “إسرائيل” قادمين من شبه جزيرة سيناء المصرية. هذا الأمر دفَع “إسرائيل” لتشييد سياج كهربي ذي تقنية تكنولوجية عالية للحيولة دون مزيد من تدفقات “المتسللين” الأفارقة على حدِّ تعبير الخطاب “الإسرائيلي” الرسمي، بنهاية عام 2010م(7).
وقد أعلنت السلطات “الإسرائيلية” الانتهاء من بنائه في عام 2014م بطول 242 كيلو متر على الحدود المصرية مع الكيان الإسرائيلي. ونجحت تلك الحلول “الأمنية” المحضة في منع حالات التسلل إلى “إسرائيل” لتسجِّل حوالي 11 حالة فقط في عام 2016م. ولم يشهد عام 2017م أية حالة هجرة غير نظامية عبر سيناء إلى “إسرائيل”.
وتَعتبر “إسرائيل” هؤلاء الأفارقة بمثابة مهاجرية اقتصاديين Economic Migrants بما يعني أن الدافع الرئيس والوحيد الذي يدفعهم للهجرة اقتصادي بالأساس يتمثَّل في العمل وكسب العيش، والبحث عن مستوى معيشي أفضل، وليسوا “لاجئين”(8) . ويُعَدُّ هذا التصنيف جوهر الخطاب السياسي “الإسرائيلي” في السنوات القليلة الماضية، ومهَّد لبرامج عمل وسياسات عدة أضَّرت كثيرًا بأوضاع هؤلاء المهاجرين.
رؤية الخطاب السياسي للمهاجرين الأفارقة: “متسللون” أم “لاجئون”
ثمة إشكاليات عدة يثيرها الخطاب السياسي “الإسرائيلي” على المستوى الرسمي في تعاطيه مع قضية المهاجرين الأفارقة. لعل أولى تلك الإشكاليات تنصرف إلى غياب الموضوعية في الطرح والتصنيف؛ إذ درج الخطاب الرسمي في الآونة الأخيرة على اعتبار جُلّ المهاجرين الأفارقة غير النظاميين الموجودين داخل “إسرائيل” ، “متسللين” وليسوا “لاجئين” باحثين عن مأوى؛ وذلك في محاولة للتمهيد والتبرير لأية سياسات يجرى تطبيقيها إزاءهم.
ليس مجرد تبرير للسياسات فحسب، وإنما لانتزاع أية حقوق أو “التزامات” يتحتَّم تقديمها لهؤلاء المهاجرين إذا ما جرى الاعتراف بهم كـ “لاجئين” وليسوا “متسللين” أو “مهاجرين اقتصاديين” يبحثون عن وضع اقتصادي وفرصة عمل أفضل مما عليه الحال في بلدانهم الأصلية. هذه الحقوق والالتزامات التي يرتِّبها الاعتراف بوضع “اللاجئ تختلف من دولة مضيفة إلى أخرى، وتتضمن توفير الرعاية الصحية وفرص العمل وأماكن إيواء آمنة لللاجئين وأسرهم والاهتمام بتعليمهم لغة الدولة المستقبلة، فضلاً عن توفير الخدمات التعليمية لأطفالهم. وخلع صفة “اللجوء” عن المهاجرين الأفارقة لـ”إسرائيل” يعني بالتبعية عدم الالتزام بتلك الالتزامات التي تُرتِّبها تلك الصفة القانونية.
وبنظرة خاطفة على تصريحات رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو غير ذي مرة حول المهاجرين الأفارقة، يتضح بجلاء ما سلف ذكره حول التعميم وغياب الموضوعية في تصنيف هؤلاء المهاجرين. لعل أبرز تلك التصريحات التي جاءت على لسان نتنياهو بالتزامن مع إعلان اعتزامه البدء في تطبيق خطة ترحيل المهاجرين الأفارقة لدولة “ثالثة”، لم يجرِ تحديدها، إبَّان اجتماعه الأسبوعي مع مجلس الوزراء 21 يناير المنقضي موضحًا أن الخطة تستهدف بالأساس “المهاجرين غير النظاميين الذين أتوا لأغراض العمل وليس اللاجئين؛ إذ إن إسرائيل ستظل ملاذًا آمنًا لللاجئين لا المهاجرين غير النظاميين أو المتسللين”(9).
وبالنظر إلى الإحصاءات الرسمية “الإسرائيلية” حول أعداد المهاجرين الأفارقة نجد أنها تناهز الـ 38 ألف نسمة، لم يُمنَح أيٌّ منها حق “اللجوء” سوى مواطن سوداني ونحو 10 إريتريين فقط من كافة الطلبات التي قُدِّمَتْ مِن قِبَل هؤلاء المهاجرين للسلطات المختصَّة، أي: أن صفة “اللجوء” لم تُمْنح سوى لـ 0.056% من إجمالي تعداد المهاجرين (10).
وهي نسبة ضئيلة للغاية كاشفة بوضوح عن غياب الموضوعية، وتتناقض مع المحفزات التي لطالما ذكرتها المصادر “الإسرائيلية” في معرض حديثها عن تفاقُم معدلات المهاجرين الأفارقة إليها، والتي تتمثَّل فيما أشرنا إليه آنفًا من تعقُّد الصراعات واستطالتها في بؤرة من أهم بؤر الصراع في القارة الإفريقية وهي منطقة القرن الإفريقي، وكذا الفرار من نظام الحكم “الديكتاتوري” في إريتريا على حد مزاعم تلك المصادر. في المقابل، قبلت السلطات الأوروبية ما يعادل 90% من إجمالي طلبات اللجوء المقدَّمَة مِن قِبَل حاملي الجنسية الإريترية خلال العام الماضي (11).
وثاني تلك الإشكاليات يتمحور حول تحريض الخطاب السياسي “الإسرائيلي” المستمر ضد المهاجرين الأفارقة على المستوى الرسمي. ويكفي أن نذكر في هذا السياق، تصريحات نتنياهو أثناء زيارته لجنوب “تل أبيب”؛ حيث تقبع الغالبية العظمى من المهاجرين الأفارقة، والتي أوضحت أن مهمة الحكومة تتمثَّل في إعادة “تل أبيب” لـ”الإسرائيليين” الذي تحوَّلوا بفضل المهاجرين الأفارقة إلى “لاجئين” ، حسب زعمه. كما اتهم نتنياهو المهاجرين الأفارقة بمسئوليتهم عن زعزعة أمن واستقرار المدينة باعتبارههم مسئولين عن تفاقُم معدلات الجريمة وترويع “الآمنيين”(12).
وتتسق تلك التصريحات مع الإحصاءات الصادرة عن الأجهزة الأمنية بـ”إسرائيل”، والتي أوضحت أن المهاجرين الأفارقة مسئولون عن 40% من إجمالي الجرائم التي ارتُكِبَتْ في حي نيفي شانان بجنوب “تل أبيب”. هذا فضلاً عن اعتبارهم مسئولين عن تدمير النبية التحتية للحي، الذي درجت المصادر على وصفه بأنه واحد من أفقر الأحياء بمدينة “تل أبيب”.
وأتت تصريحات الوزراء المصاحبين لنتنياهو أثناء تلك الزيارة على شاكلة مشابهة؛ إذ وصفت وزيرة الثقافة “الإسرائيلية” ميري ريجيف المهاجرين الأفارقة بأنهم متسللون، ووعدت بإعادة جنوب تل أبيب مرة أخرى لقاطنيها من “الإسرائيليين”. وطالبت ريجيف بفرض أغلظ العقوبات الجنائية على أرباب العمل الذين يقومون بتوظيف هؤلاء المهاجرين(13).
ناهيك عن تصريحات أخرى صدرت مِن قِبَل سياسيين ورجال دين “إسرائيليين” وصمت المهاجرين بأبشع الألفاظ التي تمثِّل اللاإنسانية في أبهى صورها من قبيل تشبيه الأفارقة بـ “القردة” و”السرطان” (14).
وثالث الإشكاليات المرتبطة بالخطاب السياسي الرسمي إزاء المهاجرين الأفارقة ترتَّبت بشكل منطقي على الإشكالتيْن السابقتيْن؛ ألا وهي حزمة الخطط والسياسات التعسفية التي تبنَّتها “إسرائيل” في هذا الصدد.
ويوضح الشكل التالي هذه السياسات الآخذة في التصاعد منذ منتصف الألفية الجديدة، التي شهدت تزايد معدلات تدفق المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا إلى “إسرائيل” مرورًا بمصر.
وقد تراوحت تلك السياسات ما بين بناء جدار أو سياج عازل بطول الحدود مع شبة جزيرة سيناء المصرية، الذي سبقت الإشارة إليه، وتبنّي قوانين وبرامج عمل تهدف في نهاية المطاف إلى ترحيل هؤلاء المهاجرين بشكل كامل من “إسرائيل” بحلول عام 2020م. ففي يوليو 2007م، اضطلعت “إسرائيل” بتشييد سجن سهرونيم Saharonim Prison لاعتقال المهاجرين غير النظاميين من الأفارقة وذلك في صحراء النجف الواقعة جنوبي “إسرائيل” بموجب قانون منع التسلل.
ولم تكد تمضي ست سنوات على تشييد هذا المعتقل حتى قامت “إسرائيل” في عام 2013م ببناء معتقل آخر في صحراء النقب أيضًا يُعْرَف Holot لاستدعاء المهاجرين الأفارقة للتحقُّق من تجديد تأشيرات إقامتهم “المؤقتة”، وحينها يكون مصيرهم السجن أو الترحيل حال عدم تجديد تلك التأشيرات(15). ورغم الحكم الذي أصدرته المحكمة “الإسرائيلية” العليا في سبتمبر 2014م، والذي يقضي ببطلان القرار المنشئ لمعتقل Holot وإمهال الحكومة 90 يومًا لإغلاقه، وكذا بطلان النص القانوني الذي يسمح للسلطات باحتجاز المهاجرين وطالبي اللجوء، بعد وصولهم فورًا، لمدة تصل إلى عام كون هذه الأمور تُعَدُّ مخالفةً واضحة لأحكام القانون الدولي بشأن اللاجئين (16)؛ إلا أن هذا المعتقل لا يزال قائمًا حتى اللحظة الراهنة.
وخلال السنوات القليلة الماضية، قامت “إسرائيل” بدفع عدد من المهاجرين الأفارقة لمغادرتها طوعًا مقابل مبلغ مالي قيمته 5 آلاف دولار وتذكرة طيران إلى دول إفريقية لم يجرِ الكشف عنها. ولكن يُرجَّح أن تكون أوغندا أو رواندا. وقد قُوبِلَ هذا الأمر باستهجان كبير مِن قِبَل المنظمات الحقوقية لكونه خرقًا واضحًا لالتزامات الدول المضيفة للمهاجرين غير النظاميين؛ ذلك لأن قيام تلك الدول بمنح المهاجرين مبلغًا ماليًّا وترحيلهم طوعًا إلى دول غير آمنة يُفضِي إلى تعريض حياتهم للخطر. بيْدَ أن الحكومة “الإسرائيلية” قد نفت تلك المزاعم كونها لا تجبر أحدًا على القيام بتصرُّف ما رغمًا عنه معلنةً أن الدول الوارد ذكرها تجمعها روابط قوية بإسرائيل فضلاً عن كونها دولاً آمنة (17).
وفي مطلع هذا العام، وتحديدًا في 21 يناير المنقضي إبَّان الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء “الإسرائيلي”، أعلن نتنياهو اعتزامه البدء في تنفيذ خطة ترحيل ما يقرب من 20 ألف مهاجر إفريقي. وتمثِّل هذه الخطة المرحلة الأولى لعملية ترحيل جُلّ المهاجرين الأفارقة من إسرائيل التي من المقرر استمرارها لمدة عاميْن بما يعني أنه بحلول عام 2020م سيتم ترحيل كافة الأفارقة الموجودين ما عدا بعض الحالات الاستثنائية التي سيجري الإشارة إليها لاحقًا لدولة “ثالثة” لم يتم تحديدها(18). وثمة تقارير قد أشارت إلى أن وجهة هؤلاء المرحَّلين كانت إما أوغندا أو رواندا اللتيْن أعلنتا في وقت لاحق رفضهما لاستقبال المرحَّلين قسرًا (19).
وتأسيسًا على تلك الخطة، كان على المهاجرين الاختيار بين بديليْن لا ثالث لهما؛ إما الترحيل أو السجن لأجل غير مسمى. وتخصِّص الحكومة الإسرائيلية مبلغ 3500 دولار لكل مهاجر يختار الترحيل والعودة لإفريقيا. هذا فضلاً عن إعطاء اللاجئين مهلة شهريْن لتقرير مصيرهم. وكان من المقرر أن تبدأ عمليات ترحيل المهاجرين لإفريقيا في أبريل المنصرم.
وفيما يتصل بالحالات التى جرى استثناؤها من قرار الترحيل، فإنه يمكن إجمالها في النساء والأطفال وآباء الأطفال، ومن يَثْبُت وقوعه كضحية للتهريب والاتجار بالبشر، بالإضافة إلى كل من تقدَّم بطلب للجوء في أواخر عام 2017م ولم يحصل على إجابة لهذه الطلبات قبولاً أو رفضًا. وكانت هناك توقعات بإدراج الأطفال القُصَّر غير المصحوبين الذين يتلقون تعليمهم في المدارس “الإسرائيلية” ضمن الفئة المستثناة من قرار الترحيل خلال المرحلة الأولى من عملية التنفيذ.
وقد عارضت المنظمات الحقوقية والمنظمات المعنية بشئون اللاجئين خطة الترحيل القسري للمهاجرين الأفارقة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، ارتأت المفوضية السامية لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن وضع تلك الخطة موضع التنفيذ الفعلي من شأنه تأجيج الاحتجاجات في “إسرائيل” كونها تشكِّل انتهاكًا واضحًا للأعراف والقوانين الدولية (20). وأفضت الخطة إلى حالة من الجدل الواسعة اعترت المجتمع “الإسرائيلي” بين مؤيِّد ومعارض لخطة الترحيل، سيجري التعرُّض لها لاحقًا.
وكان مصير هذه الخطة “التعليق” بناء على الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا “الإسرائيلية”. إذ أعلنت في قرارها أنها قد منحت الحكومة الإسرائيلية مهلة زمنية حتى السادس والعشرين من مارس الماضي لإيضاح معلومات أكثر تفصيلاً حول وجهة هؤلاء المهاجرين أو “الدولة الثالثة” التي سيقصدونها (21).
وفي الشهر التالي، وتحديدًا في الثالث من أبريل، أصدر نتنياهو قرارًا بتعليق اتفاقٍ كان قد وقَّعه من مفوضية السامية لشئون اللاجئين يتضمن نقل نحو 16 ألف مهاجر إفريقي إلى دولة غربية موضحًا أن الاتفاق يحتاج إلى مراجعة أخرى.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى تقرير نشرته الإندبندنت في وقت سابق من هذا العام، والذي أكَّد على أن السلطات “الإسرائيلية” قد قامت بالفعل، وقبيْل سنوات من إعلان خطة الترحيل لعام 2018م، بترحيل نحو 20 ألف مهاجر إفريقي من إجمالي 60 ألف مهاجر إفريقي يعيش على الأراضي “الإسرائيلية” لتصل أعداد المهاجرين الإفريقيين داخل “إسرائيل” إلى قرابة الـ40 ألف مهاجر إفريقي يعملون في المِهَن الدنيا منخفضة الأجر التي يرفض “الإسرائيليون” العمل بها. ولم تمنح السلطات “الإسرائيلية” حق اللجوء سوى لأقل من 1% من إجمالي الطلبات المقدَّمة إليها من المهاجرين الأفارقة، والتي تراكمت عبر سنوات طويلة (22).
ويُمثِّل قانون “الإسرائيلي” منع التسلل Anti- Infiltration Act الصادر عام 1954م و”تعديلاته” المرتكز الأساسي لكافة القرارات والسياسات التي تتبناها “إسرائيل” إزاء المهاجرين بشكل عام. وقد تعرَّض، ولا زال، لانتقادات المنظمات الحقوقية وأبرزها منظمة هيومان رايتس ووتش التي دائمًا ما تجدِّد مناشدتها للكنيست بضرورة إلغاء أو تعديل هذا القانون كونه يمثِّل خرقًا واضحًا للالتزامات التي يقررها القانون الدولي بشأن اللاجئين من عدة زوايا(23) ؛ أولها أنه يعتبر أن كافة عابري الحدود هم من “المتسللين”، بمن فيهم طالبو اللجوء وأطفالهم، ومن ثَمَّ يخوِّل للسلطات احتجازهم لمدة ثلاث سنوات أو أكثر قبل ترحيلهم حتى ولو ثبت تعرُّضهم للاضطهاد أو الاستغلال مِن قِبَل سماسرة الهجرة غير النظامية وشبكات التهريب والاتجار بالبشر.
ومن زاوية أخرى، يمنح القانون و”تعديلاته” السلطات المختصة سلطةً تقديرية لملاحقة من يسميهم بـ “المتسللين” بتهمة العبور غير المشروع للحدود الإسرائيلية، ويُعَدُّ سجن طالبي اللجوء ومعاقبتهم أمرًا مخالفًا لقواعد القانون الدولي. هذا فضلاً عن إسهام هذا القانون، وما يترتَّب عليه من سياسات، في تأجيج حدة العداء تجاه اللاجئين والمهاجرين غير النظاميين بصفة عامة لا سيما المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، ويمثِّل افتئاتًا على أمنهم وسلامتهم في الدولة المضيفة.
أصداء الخطاب السياسي على المجتمع “الإسرائيلي” وأوضاع المهاجرين الأفارقة:
للخطاب السياسي “الإسرائيلي” على المستوى الرسمي، وكذا التقارير الإعلامية والإحصائية التي تتناقلها وسائل الإعلام “الإسرائيلة”، وهي بالأساس صادرة عن الأجهزة الحكومية المعنية بملف الهجرة، وما يثيره ذلك من إشكاليات تتعلق بغياب الموضوعية والتحريض المستمر ضد المهاجرين الأفارقة فضلاً عمَّا رتَّبه هذا الخطاب “العنصري” من حزمة السياسات والبرامج، التي جرى إطلاقها في السنوات القليلة الماضية مآلات عدة على المجتمع الإسرائيلي بوصفه “مجتمع هجرة” بالأساس، والتي يمكن تبيانها في مستويات ثلاث أساسية تعكس طبيعة العلاقات والتفاعلات بين مكونات المجتمع قاطبةً على النحو التالي:
أولاً: تفاقُم حدة الاستقطاب بين “الإسرائيليين” أنفسهم
لقد أفضت تصريحات المسئولين “الإسرائيليين” وسياساتهم إزاء المهاجرين الأفارقة، لا سيما خطة الترحيل المعلنة يناير المنقضي، إلى حالة من الجدل تُنْذر بمستويات عميقة من التشرذم بين “الإسرائيليين”. وقد كشفت ردود الأفعال المتباينة إزاء خطة الترحيل عن انقسام صفوف “الإسرائيليين” أنفسهم بين أكثرية مؤيدة وأقلية معارضة لتلك الخطة. ولم يقتصر الأمر على إبداء الرأي بصددها فحسب بل تجاوزه إلى تنظيم التظاهرات والاحتجاجات المؤيدة أو المعارضة لها، على وجه الخصوص، وللسياسات “الإسرائيلية” تجاه المهاجرين الأفارقة بصفة عامة.
فعلى مستوى الجماعات والتنظيمات المناهضة لخطة الترحيل، نجد أن كلاً من مركز تنمية اللاجئين الأفارقةThe African Refugee Development Center (ARDC(ركز تنمية اللاجئين الأفارقة دًا مستويات عميقة من) وهو مؤسسة طوعية غير ربحية تهدف إلى حماية ومساعدة وتمكين اللاجئين الأفارقة بإسرائيل(24) ، وكذا رابطة الحقوق المدنية في “إسرائيل” Association for Civil Rights in Israel إلى جانب منظمة العفو الدولية “الإسرائيلية” Amnesty International Israel وهي مؤسسة حقوقية تستهدف تعزيز حقوق الإنسان وتدشين الحملات ضد حالات الانتهاكات الحقوقية، فضلاً عن تعزيز ثقافة حقوق الإنسان بـ”إسرائيل”؛ قد عارضت خطة الترحيل.
وأعربت التنظيمات سالفة الذكر في بيانها الصادر بشأن الخطة أن رواندا لا تمثِّل بأية حال وجهة آمنة للمهاجرين الأفارقة؛ ذلك لأن كل القرائن تشير إلى أن هؤلاء المهاجرين سيجدون أنفسهم بلا مأوى أو حقوق في رواندا فضلاً عن تعرُّضهم للاستغلال والاتجار مِن قِبَل شبكات تهريب البشر، وأنهم سيدفعون ثمنًا باهظًا كنتاج للسياسات الحكومية التعسفية(25) رافعةً شعار “Anyone who has a heart must oppose the expulsion of the refugees”
وقد تضامن عدد من “الإسرائيليين” مع المهاجرين الأفارقة. وشارك نحو 20 ألف “إسرائيلي” في التظاهرات التي نظَّمها المهاجرون الأفارقة في جنوب “تل أبيب” احتجاجًا على خطة الترحيل. وكان الحافز الرئيس لـ”الإسرائيليين” المتضامنين مع الأفارقة يتمثَّل في افتقاد خطة الترحيل القسري للبُعد الإنساني والأخلاقي، وما قد يترتَّب عليها، حسب شهاداتهم، من تشويه لصورة “إسرائيل” كملاذٍ آمِنٍ لكل اليهود(26)، فضلاً عن تدشين مجموعة من الحاخامات برنامجًا تطوعيًّا(27) “““Anne Frank-inspired لحماية ومناصرة المهاجرين الأفارقة إزاء قرار الترحيل القسري(28).
في المقابل، علت الكثير من الأصوات المؤيدة لخطة الترحيل القسري للمهاجرين الأفارقة؛ إذ يشير استطلاع رأي أجراه المعهد “الإسرائيلي” للديمقراطية The Israel Democracy Institute أن حوالي 66% من “عامة” الإسرائيليين يؤيدون قرار الحكومة لترحيل المهاجرين للدول الإفريقية التي تُبْدِي استعدادًا لاستقبالهم. وبالنسبة لاستطلاع رأي النخبة السياسية إزاء تلك الخطة، فقد أظهر تباينًا جليًّا بين التيارات الثلاث؛ تيار اليمين (78% من هذا التيار أيَّد الخطة)، بينما أيَّد الخطة نحو 35% ممن ينتمون لتيار الوسط، ونحو 25% فقط أيَّدوا الخطة ممن ينتمون لتيار اليسار. ويرى المعهد أن تلك النتائج قد أظهرت فجوة كبيرة بين اليمين واليسار في إسرائيل(29).
ثانيًا: تصاعد حدة الاستقطاب بين “الإسرائيليين” والأفارقة في تل أبيب
فجَّر إعلان نتنياهو عن خطة الترحيل كثيرًا من التظاهرات والاحتجاجات التي دشَّنها المهاجرون الأفارقة في “إسرائيل”؛ بدءًا من يناير بالتزامن مع إعلان الخطة، واستمرت لشهرين حتى صدر قرار المحكمة “الإسرائيلية” العليا بتعليق تنفيذ الخطة. كان أبرزها تظاهُر نحو 2000 مهاجر إفريقي من السودان ورواندا أمام السفارة الرواندية بـ”تل أبيب”. وزهاء 25 ألف شخص من المهاجرين ومن يدعم قضيتهم من “الإسرائيليين”، نظَّموا تظاهرات في وسط “تل أبيب”؛ احتجاجًا على خطة الترحيل.
على الجانب الآخر، نظَّم حوالي مئات الصهاينة تظاهرات في الثلاثين من أغسطس الماضي جنوب “تل أبيب”، أي بعد مرور عام على زيارة نتنياهو، ووعوده بإعادة المنطقة لـ”الإسرائيليين”. وجاءت التظاهرات احتجاجًا على فشل الحكومة في تطبيق خطة الترحيل والتنصل من وعودها لهم. وقد قاموا بإشعال النيران في صورة وزير الداخلية “الإسرائيلي” آريه درعي Aryeh Deri باعتباره مسئولاً عن عدم ترحيل الأفارقة حتى الآن. وقد عبَّر نتنياهو عن احترامه للتظاهرات مؤكدًا على أن “حكومته تعمل بجهد لترحيل الأفارقة بطرق معلنة وغير معلنة”(30).
ثالثًا: تردّي أوضاع المهاجرين الأفارقة داخل “إسرائيل”.
لقد ألقت السياسات والقرارات “الإسرائيلية” بظلالها على أوضاع المهاجرين الأفارقة هناك كونها نجحت في خلق بيئة مواتية لتنامي حالة العداء بين “الإسرائيليين” والمهاجرين الأفارقة؛ فالتصريحات، وكذا الإحصاءات، الرسمية المسيئة للأفارقة، أفضت إلى رسم صورة ذهنية سلبية للمهاجر الإفريقي لدى “الإسرائيلي”، لا سيما قاطني جنوب “تل أبيب” حيث يقيم غالبية المهاجرين الأفارقة، باعتباره “متسللاً” و”مجرمًا” ووجوده في “تل أبيب” قاد إلى تدمير بنيتها التحتية. ناهيك عن التحذيرات التي أطلقها بعض المسئولين “الإسرائيليين”، كما أشرنا آنفًا، لأرباب العمل بشأن إمكانية فرض عقوبات “جنائية” عليهم حال تشغيلهم لعمالة إفريقية.
كل ذلك يُسْهِم في تردِّي الأوضاع الاقتصادية للمهاجرين الأفارقة، الذين ينحصر عملهم بالأساس في مهن دنيا بأجور زهيدة مجحفة لا توفِّر لهم الحدود الدنيا من متطلبات الحياة، خصوصًا في ضوء التشريع الذي أقرَّته “إسرائيل” في عام 2017م بشأن فرض ضرائب إضافية على أجور المهاجرين الأفارقة بمعدل ضريبي قدره 20% شهريًّا(31). وبموجبه، يتم وضع هذه النسبة الشهرية في صندوق على أن يسترد الإفريقي ما تم خصمه من أجره حال مغادرته “إسرائيل”.
وقد أفضى تنامي مشاعر العداء ضد المهاجرين الأفارقة إلى ارتكاب الكثير من الجرائم بحقهم من قبيل مهاجمة منازلهم وإلقاء القنابل الحارقة داخلها، وإحراق دور إيوائهم، فضلاً عن التعرُّض لهم بالهجوم والضرب المبرح أثناء تأديتهم لوظائفهم(32). وكلها وقائع تدلِّل عظيم الأثر الذي أحدثته، ولا تزال، تصريحات المسئولين “الإسرائيليين” المناهضة للمهاجرين الأفارقة. هذا إلى جانب الانتهاكات التي يتعرَّض لها الأفارقة من قِبل قوات الأمن “الإسرائيلية” في السجون والمعتقلات، التي جرت الإشارة إليها في السابق، والتي دفعت العديد من المنظمات الدولية المعنية بقضايا حقوق الإنسان إلى انتقادها، ومطالبة الحكومة “الإسرائيلية” بغلقها كونها تخالف قواعد القانون الدولي والالتزامات التي يُرتِّبها بشأن اللاجئين.
ورغم قرار المحكمة العليا “الإسرائيلية” بغلق معتقل Holot إلا أن الحكومة “الإسرائيلية” لم تنفِّذ هذا القرار حتى الآن. وتسعى المصادر الإعلامية “الإسرائيلية” إلى تصوير تلك المعتقلات باعتبارها أماكن لإيواء المهاجرين الأفارقة، وأنها توفِّر لهم متطلبات الحياة الأساسية، فضلاً عن المزاعم المتعلقة بالمخصصات المالية لتلك المعتقلات، والتي تصل حسبما أشاروا إلى 68 مليون دولار سنويًّا. جدير بالذكر أنه كان ثمة تصويت داخل أروقة الكنيست لإغلاق هذا المعتقل، قبل صدور قرار المحكمة العليا بتعليق خطة الترحيل القسري، لا من أجل انتهاكه للقانون الدولي وإنما لأنه لم تَعُدْ هناك حاجة إليه في ضوء ترحيل المهاجرين الأفارقة. وبقرار المحكمة العليا، بقي المعتقل قائمًا حتى اللحظة الآنية(33).
واللافت للنظر أن يهود الفلاشا، وهم يهود من أصل إثيوبي جرى تهجيرهم لـ”إسرائيل” بموجب “قانون العودة” خلال الفترة من أواخر السبعينيات حتى بدايات العقد التاسع من القرن الماضي، ليسوا بمنأى عن الانتهاكات والممارسات العنصرية التي يتعرَّض لها المهاجرون الأفارقة. ويعاني هؤلاء ظروفًا معيشية صعبة ويقاسون من الفقر والبطالة فضلاً عن التمييز ضدهم؛ فهم يقطنون مناطق معزولة عن يهود الأشكناز والسفارديم(34). وقد بلغ معدل البطالة بين يهود الفلاشا نحو 65% في عام 2005م، ووصل في بعض الأحيان إلى 80%، وتقودهم تلك الظروف إلى تدشين تظاهرات بتل أبيب بين الفنية والأخرى؛ احتجاجًا على الممارسات العنصرية بحقهم (35).
وختامًا،
يُتَوقَّع أن يشهد الوضع داخل “إسرائيل” مزيدًا من التصعيد فيما يتصل بملف المهاجرين الأفارقة خصوصًا في ضوء تصريح نتنياهو في أعقاب احتجاجات سكان جنوب “تل أبيب” المناهضة للأفارقة، والذي أكَّد فيه على التمسُّك بترحيل المهاجرين الأفارقة بشتَّى الطرق “المعلَنَة” و”غير المعلنة”. وهذا يؤكِّد ما قد نُشِرَ قبل سنوات من تقارير أفادت باضطلاع “إسرائيل” بإبرام صفقات سِرِّيَّة مع بعض الدولة الإفريقية لاستقبال هؤلاء المهاجرين. وفي ظل تبنِّي “إسرائيل” قانون الدولة القومية اليهودية Jewish Nation State باعتبارها “أرض للشعب اليهودي”، واستمرار تعنُّتها في الاستجابة لقرارات المحكمة العليا “الإسرائيلية” ومناشدات المنظمات الحقوقية الدولية، ستزداد أوضاع المهاجرين الأفارقة القاطنين لـ”إسرائيل” ترديًا.
الهوامش والاحالات:
(*) باحث مساعد بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
(1) “The Jewish Extraction”, Google Arts & Culture, Available at:
https://artsandculture.google.com/usergallery/the-jewish-extraction/LQJCI1chefgDLA
(2) Dr. Gilad Nathan, International Migration – Israel(2016-2017) , The OECD Expert Group on Migration(Annual Report) , pp. 2, 3.
(3) يُعرِّف القانون الإسرائيلي “اليهودي” على أنه الشخص الذي يُولَد لأمٍ يهودية أو اعتنق اليهودية. ولم يَعُدْ منتميًا لأي ديانة أخرى، انظر:
“Visas”, Israel Ministry of Foreign Affairs, Available at:
http://mfa.gov.il/MFA/ConsularServices/Pages/Visas.aspx
(4) Dr. Gilad Nathan, Op.Cit, pp. 2, 3.
(5) اكتفت المصادر التي تمَّ الرجوع إليها بذكر المواطنين السودانيين Sudanese ولم توضح المقصود بلفظة “سودانيين” هنا، أو بالأحرى، هل يجري تضمين مواطني جنوب السودان ضمن هذه الفئة لا سيما أن الدوافع التي توضحها هكذا مصادر لهجرة السودانيين إليها تتمثل في فرارهم من الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين شمال وجنوب السودان، وتمخضت عن انفصال الجنوب بموجب استفتاء تقرير المصير 2011م. لكن ماذا عن الصراع في الدولة الوليدة في الجنوب عقب فترة وجيزة من الانفصال منذ عام 2013م، مما أفضى إلى آلاف من النازحين واللاجئين؟
(6) Dina Kraft, “Everything You Need to Know About Israel’s Mass Deportation of Asylum Seekers”, HAARETZ(Feb 07, 2018) , Available at:
https://www.haaretz.com/world-news/asia-and-australia/explained-israel-s-mass-deportation-of-asylum-seekers-1.5792570
(7) “Israel starts building barrier on Egypt border”, BBC NEWS(22 November 2010) , Available at:
https://www.bbc.com/news/world-middle-east-11809957
(8) MELANIE LIDMAN, Op.Cit.
(9) MICHAEL BACHNER, “Netanyahu says Africans slated for deportation(not refugees) ”, THE TIMES OF ISRAEL(21 January 2018) , Available at:
https://www.timesofisrael.com/netanyahu-says-africans-slated-for-deportation-not-refugees/
(10) Idem.
(11) Miriam Berger, “Inside Israel’s campaign to deport tens of thousands of African migrants
African migrants”, Vox(Mar 6, 2018) , Available at:
https://www.vox.com/world/2018/3/6/17059744/israel-deport-african-migrants-asylum
(12) TOI STAFF, “Netanyahu vows to ‘give back’ south Tel Aviv to Israelis”, THE TIMES OF ISRAEL(31 August 2017) , Available at:
https://www.timesofisrael.com/netanyahu-vows-to-give-back-south-tel-aviv-to-israelis/
(13) Idem.
(14) ROMY HABER, “Do black lives matter in Israel?”, PEOPLE’S WORLD(April 20, 2018) , Available at:
https://www.peoplesworld.org/article/do-black-lives-matter-in-israel/
(15) Miriam Berger, Op.Cit.
(16) “إسرائيل ـ المحكمة العليا تحكم ببطلان قانون احتجاز المهاجرين”، هيومان رايتس ووتش(29 سبتمبر، 2014م) ، متاح على:
https://www.hrw.org/ar/news/2014/09/29/263181
(17) Miriam Berger, Op.Cit.
(18) Dina Kraft, Op.Cit.
(19) “Rwanda and Uganda Refuse to Receive African Migrants Deported from Israel”, TESFANEWS(January 25, 2018) , Available at:
https://www.tesfanews.net/rwanda-uganda-deny-israel-migrant-deals/
(20) “نتنياهو يلغي اتفاق ترحيل المهاجرين الأفارقة”، بي بي سي عربي(3 أبريل، 2018م) ، متاح على:
http://www.bbc.com/arabic/middleeast-43627417
(21) “Israel court suspends plan to deport African migrants”, PUNCH(March 15, 2018) , Available at:
https://punchng.com/israel-court-suspends-plan-to-deport-african-migrants/
(22) Chris Baynes, “Israel begins issuing deportation notices to thousands of African refugees”, INDEPENDENT(4 February 2018) , Available at:
https://www.independent.co.uk/news/world/middle-east/israel-issues-deportation-notices-african-refugees-benjamin-netanyahu-a8194306.html
(23) “يجب على إسرائيل تعديل قانون منع التسلل”، هيومان رايتس ووتش(10 يونيو، 2012م) ، متاح على:
https://www.hrw.org/ar/news/2012/06/10/246561
(24) “African Refugees in Israel”, The African Refugee Development Center, Available at:
https://www.ardc-israel.org/refugees-in-israel
(25) “Israel tells African migrants they have 90 days to leave or go to jail”, MIDDLE EAST EYE(3 January 2018) , Available at:
https://www.middleeasteye.net/news/israel-tells-african-migrants-leave-or-face-indefinite-imprisonment-1022560225
(26) Ilan Lior, “20,000 Israelis Protest Deportation of African Asylum Seekers”, HAARETZ
(Feb 24, 2018) , Available at:
https://www.haaretz.com/israel-news/over-10-000-israelis-protests-deportation-of-african-asylum-seekers-1.5846472
(27) آني فرانك هي طفلة ألمانية يهودية، ذات الـ 15 ربيعًا، راحت ضحية الهولوكوست. وقد قام والدها بنشر مذكرات قد كتبتها قبل وفاتها بعنوان “يوميات فتاة صغيرة”، وحظيت بشهرة عالمية واسعة، انظر:
“Who was Anne Frank?”, Anne Frank Stichting(Foundation) , Available at:
http://diary.annefrank.org/who-was-anne-frank/
(28) INDEPENDENT, Op.Cit.
(29) Prof. Tamar Hermann, Prof. Ephraim Yaar, “Israelis Support Deportation of Asylum Seekers”, The Israel Democracy Institute(February 07, 2018) , Available at:
https://en.idi.org.il/articles/20735
(30) “AG orders probe after minister’s photo burned at anti-migrant rally”, THE TIMES OF ISRAEL(31 August 2018) , Available at:
https://www.timesofisrael.com/ag-orders-incitement-probe-after-ministers-photo-burned-at-anti-migrant-rally/
(31) VOX, Op.Cit.
(32) هيومان رايتس ووتش، “يجب على إسرائيل…”، مرجع سبق ذكره.
(33) SUE SURKES, “Ministers vote to close Holot migrant detention center”, THE TIMES OF ISRAEL(19 November 2017) , Available at:
https://www.timesofisrael.com/ministers-vote-to-close-holot-migrant-detention-center/
(34) يهود الأشكناز، وهم اليهود الذين وفدوا إلى إسرائيل من أوروبا الوسطى والشرقية. أما يهود السفارديم، فهم قَدِموا من إيبيريا(إسبانيا والبرتغال) .
(35) “نظرة على الإسرائيليين من أصول إثيوبية”، سكاي نيوز(الاثنين 4 مايو 2015م) ، متاح على:
https://www.skynewsarabia.com/world/742995-%D9%86%D8%B8%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%95%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D9%8A%D9%94%D9%8A%D9%84%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%94%D8%B5%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%95%D8%AB%D9%8A%D9%88%D8%A8%D9%8A%D8%A9