صَدَرَ هذا التقرير(1) في وقتٍ حرجٍ للغاية للقارة السمراء، ففي السنوات الماضية تقلّصت نسب النموّ في عددٍ من البلدان الإفريقية، بعد أكثر من عقد من الزيادة المضطردة، وقد جاء التباطؤ في النموّ نتيجةً لعددٍ من العوامل، على رأسها: الانكماش طويل الأمد في أسعار السلع، بالإضافة إلى تقلّص النموّ في الأسواق الناشئة، مثل الصين، بالإضافة إلى المشكلات التي تعاني منها الاقتصادات المتقدّمة كذلك، ولكن تلك الظروف أعطت للقارة السمراء دافعاً للإصلاح وللتنويع الاقتصادي.
وقد أظهر الأداء الاقتصادي القوي لعددٍ من الدول الإفريقية، في الفترة السابقة، مدى مرونة القارة الإفريقية، مما يعطينا تفاؤلاً بشأن مستقبل النموّ الاقتصادي في إفريقيا.
وإذا ما نظرنا إلى الأمام؛ فإنّ عدد السكان الشباب، والذي يتزايد يوماً بعد يوم، يمثّل فرصةً غير مسبوقةٍ لدفع التنمية السريعة في تلك البلدان، فالقوة العاملة المتزايدة، والسوق الاستهلاكي الواعد والكبير، يحملان معاً آمالاً بفرص النموّ الكبيرة لهذه البلدان، ولكن تظلّ هناك تحدياتٌ بشأن جَنْي ثمار تلك المكاسب الكامنة، والوصول إلى الرخاء المشترك بينها.
فمعظم الاقتصادات في المنطقة؛ لا تزال بحاجةٍ إلى الترويج لمزيدٍ من النشاطات الإنتاجية التي توفّر فرصاً وظيفيةً ذات جودةٍ عاليةٍ لسكّانها المتزايدين، وللمساهمة في تحسين معيشة الشعوب الإفريقية، وإفريقيا تستطيع تحقيق ذلك، والقرارات والإجراءات التي يتمّ اتخاذها اليوم سوف تحدّد: إذا ما كانت الحكومات والقطاع الخاص في المنطقة تستطيع أن تلبّي الطموحات الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة لشعوبها أم لا.
وهذا التقرير، الذي يصدر كلّ عامَيْن، يسلّط الضوءَ على المناطق التي بحاجةٍ إلى إجراءات وقرارات سياسية واستثمارات عالمية؛ لضمان أن تضع إفريقيا أُسُساً قويّةً للنموّ الشامل والمستمر. وهذا التقرير، الذي هو نتاج تعاونٍ طويل الأمد بين المؤسّسات المُصْدرة له، يجمع الكثير من الخبرات والمعرفة المكتسبة لدى كلٍّ من بنك التنمية الإفريقي، ومجموعة البنك الدولي، والمنتدى الاقتصادي العالمي، ليقدّم رؤيةً سياسيةً مشتركة، تستطيع أن تساعد إفريقيا في تحويل اقتصاداتها إلى الأفضل.
وبإجراء تحليلٍ شاملٍ لأكثر تحدّيات التنافسية الإفريقية؛ فإنّ هذا التقرير يناقش الحواجزَ والتحدّيات أمام وضع الاقتصاد الإفريقي على قدمٍ صلبة، ويساعدها في الوصول إلى نموٍّ مستدامٍ واسع المدَى، ويضع في حُسبانه التغيّرات الديموجرافية السريعة كذلك.
فالسكان الذين في سنّ العمل في القارة السمراء؛ من المتوقع أن يرتفع عددُهم بمقدار 450 مليون نسمة، أو زيادة تقارب 70% بحلول عام 2035م، لذلك فإنّ التقرير يحاول اختبار إذا ما كان عددُ السكان الكبير ذلك يستطيع أن يساعد في تحقيق تنميةٍ أوسع وأكثر تشاركية، وتحسين حياة الشعوب الإفريقية، أو أنهم سيصبحون مصدراً للانقسام وللتوترات الاجتماعية والمعاناة الاقتصادية.
والتقرير يحاول اختبار ذلك عن طريق رصد النموّ المتسارع في عدد السّكان الإفريقي، وما يتوازى مع ذلك من تحفيزٍ للتنمية الاقتصادية؛ عبر تسريع نسب خَلْق الوظائف في مختلف البلدان الإفريقية. كما ناقش التقرير أيضاً قابلية المدن الكبرى للتحوّل الاقتصادي، وتقوية وتنويع مصادر دخلها، عن طريق إنشاء مزيدٍ من القطاعات الصناعية والخدمية المدنية الديناميكية. ويسلط التقريرُ الضوءَ على أهمية ضمان أنّ شباب اليوم والغَد يحملون المهارات التي يحتاجون إليها لبناء اقتصادات شاملة وفعّالة. كما يقدّم التقرير أيضاً ملفات تنافسية مفصّلة لخمسٍ وثلاثين دولة إفريقية، ويقدّم ملخّصات شاملة لمحفزات الإنتاجية والتنافسية داخل القارة.
ومن المتوقع أن يؤدّي هذا التقرير إلى مزيدٍ من المناقشات بين المهتمين بالتنمية؛ من أجل تحقيق النموّ المتزايد والرّخاء المشترك لإفريقيا؛ فالاستثمار الجيّد في كلٍّ من رأس المال الحقيقي والبشري يمثّلان عاملَيْن مهمَّيْن، يحتاجان إلى مزيدٍ من التدعيم بإطارات مؤسّسية، وتمكين بيئة العمل الاقتصادية في القارة، فرجال الأعمال يمكن أن يقدّموا توصيات بشأن إصلاح وتحسين إنتاجية مؤسّساتهم، وينخرطوا في حوارٍ مع صنّاع السياسات؛ بشأن نوع الإصلاحات المطلوبة لتلك المؤسّسات؛ لكي تصبح أكثر ازدهاراً.
كما يمكن للحكومات أن تضمن الاستثمار في البنية التحتية والصحّة والتعليم، وأن تقدّم إطاراً قانونيّاً وتنظيميّاً لبيئةٍ تجارية أفْضَل من أجل الاستثمار والاقتصاد، والأهمّ من كلّ ذلك هو ضمان أنّ السياسات ومنفذيها يتكاملان بعضهما مع البعض الآخر فيما يتعلّق بالوقت، وكذلك مكانيّاً عبر الحدود بين الدول.
فالنموّ المتزايد لعدد الشباب الإفريقي يقدّم آمالاً للتغيير في القارة السمراء، والتحليل الذي جاء في تقرير التنافسية الإفريقية لعام 2017م؛ يهدف إلى المساهمة في استغلال الفرص والاستثمار في الجيل الإفريقي الحالي والمستقبلي، ولكن لا تزال هناك عوائق أمام القارة السمراء، تتمثّل في تباطؤ النموّ، وكذلك التحدّي الديموجرافي الذي إن لم يُستغل كقاطرة للتنمية؛ فسوف يكون عبئاً متزايداً على الحكومات، بالإضافة إلى التمدّن الذي يطرأ على إفريقيا بصورةٍ متسارعة، حيث إنّ أكثر من نصف سكانها سوف يعيشون في المدن في عام 2035م، وهو ما يمثّل تحديّاً كبيراً فيما يتعلق بالخدمات والبنية التحتية والمرافق وكذلك الوظائف، كما أنّ غياب البيئة الجيّدة لصنع القرار في القارة يؤدي إلى تباطؤ عملية خَلْق الوظائف، بما يعني تراكم المشكلات الاجتماعية والسياسية في الأُفُق القريب، حيث يُجمع كلٌّ من الاقتصاديّين وصنّاع السياسات ورجال الأعمال، على حدٍّ سواء، على أنّ تباطؤ النموّ في بيئةٍ تتراجع فيها التنافسية والإنتاجية؛ تقع جميعها في قلب مشكلة محدودية قدرات إفريقيا واقتصاداتها على توفير فرص عملٍ أفْضَل.
ويُعدّ هذا التقرير امتداداً للتقارير السابقة التي كشفت بعض أوجه القصور الاقتصاديّ في القارة السمراء، ومن ثمّ محاولة معالجتها؛ حيث ركّز تقرير عام 2011م على كيفية تعزيز المهارات الإدارية وتحسين التعليم العالي بين الأفارقة، في حين ركّز تقرير 2013م على كيفية تنويع الصادرات، أما نسخة عام 2015م فقد اختبرت العوائق أمام التحوّل الهيكلي في الصناعة والزراعة في القارة السمراء.
وتقرير هذا العام؛ يزيد من عمليات البحث، ويصقل الخبرات السابقة في مجالات خَلْق الوظائف والتحضّر، وهي المجالات التي شارك فيها كلٌّ من بنك التنمية الإفريقي والبنك الدولي والمنتدى الاقتصادي العالمي، من أجل استكشاف السياسات المطلوب تنفيذها لتمكين إفريقيا من جَنْي ثمار الزيادة الديموجرافية بين جَنَباتها.
ويحلّل هذا التقريرُ التنافسية الإفريقية على المستوى العام للقارة، وكذلك على مستوى كلّ دولةٍ على حِدَة، بناءً على بيانات عامَي 2015م و2016م، ويستخدم مؤشرات التنافسية العالمية GCI. ويشير التقرير إلى ركود المؤشرات العامّة للتنافسية الإفريقية، حيث إنّ السّجل الإفريقيّ بصورةٍ عامّةٍ جاء- تقريباً- مشابهاً لنظيره في عام 2015م، ولم يتحسّن سوى 5 درجاتٍ فقط منذ عام 2008م.
فمعظم المشكلات المتعلّقة بالتنافسية، والتي تطرّقت لها التقاريرُ السابقة عن التنافسية الإفريقية منذ عشر سنوات، لا تزال موجودةً حتى اليوم، مثل: عدم وجود بنى تحتية مناسبة، وعدم وجود مهارات عملٍ مناسبة، وكذلك بطء عملية تبنّي التقنيات الحديثة، وضعف المؤسّسات السياسية والاقتصادية.
وهذه العوامل، إلى جانب ضعف التنمية في القطاع المالي، والمستويات المنخفضة للتجارة الإقليمية والاندماج التجاري بين الدول، تبدو أنها عنقُ الزجاجة؛ الذي يمنع الاقتصادات الإفريقية من تقديم بيئةٍ تسهّل عملية التوظيف وفرص الاستثمار لمواطنيها؛ على حدٍّ سواء.
ولكن على الرّغم من تلك المعوّقات؛ فإنّ إفريقيا استطاعت أن تحقّق تقدّماً كبيراً في عددٍ من الأبعاد التنافسية الكبرى في العَقْد الأخير، فالاتجاهات الإيجابية في مجال الحُكم وبيئة الأعمال، والتي تطرّق إليها تقريرُ عام 2015م من التنافسية الإفريقية، لا تزال في تقدّمٍ واستمرار، وبخاصّة في مناطق مثل: جَوْدة سياسات الاقتصاد الكلّي، وتنمية رأس المال البشري.
وفي السنوات الماضية؛ كان التقدّم في كلٍّ من الصحّة ومحو الأمّية مذهلاً؛ ففي العَقْد الماضي تقلّصت بصورةٍ كبيرةٍ نسبة وفيات المواليد من 83% إلى 47%، كما ازداد الانخراط في المدارس الابتدائية حتى وصل إلى ما فوق 80%.
كما حقّق عددٌ من البلدان الإفريقية تقدّماً في تحسين التنافسية الخاصّة بهم، مثل: ساحل العاج وإثيوبيا ورواندا وتنزانيا- على سبيل المثال-، وكلّها حسّنت مكانتها في التنافسية بخمسة مراكز- أو أكثر- منذ 2015م، كما من المتوقع أن ينمو متوسط الدّخل القوميّ بمقدار 7% في السنوات القليلة القادمة.
ولا عجب؛ حيث إنّ تلك الدول عينَها ظلّت تحاول تنويع مصادر اقتصاداتها بصورةٍ أكبر من نظيرتها في المنطقة، فتنويع المسارات الاقتصادية للدول يعزّز من قدرتها على التنافسية الإقليمية، فأكثر الاقتصادات تنافسيّةً كانت موريشيوس، في (المرتبة 45 عالميّاً)، واستطاعت أن تتقدّم أكثر من 90 مركزاً عن الدولة ذات المرتبة الأقلّ إفريقيّاً، وهي موريتانيا، والتي تقبع في (المركز 137 عالميّاً)، والأمر نفسه كان ملاحظاً في الاثني عشر مؤشّراً التي قام عليها التقرير، والتي تنظر إلى كلٍّ من مستوى الأداء والتغيّر بمرور الوقت.
وفي هذا التقرير؛ فإنّ التنافسية تتكوّن من عوامل ومؤسّسات وسياسات تحدّد مستوى إنتاجية دولةٍ ما، والإنتاجيّةُ بدَوْرها تحدّد المستوى المستدام ومسار الرّخاء الذي يمكن أن تصل إليه دولةٌ ما.
وفيما يتعلق بالوظائف في القارة السمراء:
فإنّ التقرير يحدّد أفْضَل السياسات المخصّصة لظروف كلّ دولةٍ لخَلْق الوظائف، وبالنظر إلى أنّ القوة العاملة في إفريقيا من المتوقّع أن تنمو بمقدار 70%، أو ما يعادل 450 مليون نسمة في الفترة ما بين 2015م و2035م، ومع استمرار الاتجاهات الحاليّة، فإنّ 100 مليون منهم فقط سيحصلون على فرصٍ وظيفيةٍ مستقرّة، والدول القادرة على صكّ سياسات تفضي إلى خَلْق وظائف هي فقط التي من المتوقّع أن تجني مزايا كبيرة من ذلك النموّ المتسارع في عدد السكان.
أما تلك الدول التي ستفشل في تطبيق مثل تلك السياسات؛ فمن المتوقّع أن تعاني من مشكلات ديموجرافية ناتجة عن الأعداد الكبيرة من العاطلين عن العمل، أو الذين لا يعملون في وظائف مستقرّة من الشباب، وهناك أبحاثٌ تُقدِّم للحكومات في المنطقة أفكاراً جديدةً بشأن كيف يمكنهم مخاطبة مثل تلك الزيادة الكبيرة في عدد السكان والقوة العاملة، كما على الدول الإفريقية أن تجد طُرُقاً لتوسيع فرص الوظائف، وتحسين عوامل الطلب عليها في الوقت نفسه.
وبخلاف الوصفات التقليدية، مثل: سياسات سوقٍ كلية مستقرّة، مناخ جاذب للاستثمارات، وتحسين جَوْدة رأس المال الحقيقي والبشري، فإنّ الدول يمكن أن تسهّل المزيد من خَلْق الوظائف بصورةٍ أسرع وأفضل، بالإضافة إلى تسريع التنمية في قطاع التصنيع؛ عن طريق تطبيق سياسات مناسبة لظروف كلّ بلد على حِدَة.
ولأنّ معظم الوظائف الجديدة في إفريقيا اليوم هي في مجال الزراعة والمشروعات الصغيرة، فإنّ تحسين بيئة العمل في تلك القطاعات يُعدّ من أهمّ الأولويات؛ فالدول الهشّة يمكن أن تخلق وظائف أيضاً من أجل دفع نسب النموّ والاستقرار؛ عن طريق الدّعم الذي يستهدف المناطق الفقيرة والمهمّشة، كما أن تبنّي سياسات التجارة المفتوحة، ورَبْطها بالقطاعات الجاذبة للاستثمارات، تشجّع على تنويع وخَلْق الوظائف في البلاد الغنية بالموارد.
وفي النهاية؛ فإنّ السياسات التي ترعى التجارة الإقليمية والتكامل بين الدول يمكن أن تَكُون مصدراً مهمّاً لوظائف جديدة، بالإضافة إلى قدرتها على تحسين الإنتاجية على مستوى المؤسّسات، وكذلك التنافسية الاقتصادية ككل.
اقتصادات المدن الإفريقية الكبرى:
إنّ النموّ السكانيّ المتسارع، الذي يتزامن مع التحضّر وتحوّل السكان من الريف إلى المدن، يضع ضغوطاً كبيرة على البنية التحتية للمدن الكبرى في القارة الإفريقية، فالتحوّل الديموجرافي، الذي يتمثّل في الانفجار الشبابي في القارة، يتطلّب زيادةً حادةً في خَلْق الوظائف وتحسين البنية التحتية في المدن الكبرى، بما في ذلك مساكن جيدة في المراكز الحضرية عبر القارة.
ولكي تؤدّي المدنُ الكبرى دَوْرها، كأقطابٍ للنموّ الاقتصادي وتوفير الوظائف الجيدة، فإنها بحاجة إلى أن تصبح أكثرَ تنافسية، وقد ركّزت الدراسة على العوائق والفرص أمام خَلْق مدنٍ تنافسية كبرى في إفريقيا، ومن ثمّ تحسين معايير المعيشة لسكان المدن، وكذلك النازحين إليها من الريف. وقد وضع بنك التنمية الإفريقي «خمسة مؤشرات» لتحسين أحوال المدن الكبرى من النواحي الاقتصادية، مثل: ديناميكية السكان وقدرتهم على التأقلم على الوظائف، وكذلك الأداء الاقتصادي ومؤشرات النموّ، التوظيف، وتكلفة الإسكان والمرافق، وكلها تكشف عن أرقامٍ مذهلة.
فعلى سبيل المثال؛ في الفترة ما بين عامَي 2000 و2016م شَهِدت المدن الكبرى، في الدول التي يهيمن على اقتصادها المصادر الطبيعية، نموّاً كبيراً في نِسَب الدّخل للفرد، ولكنها كانت أقلّ نجاحاً في تحسين الدّخل المتاح للأسر في المُجمل. وبالإضافة إلى ذلك؛ فإنّ نِسَب التوظيف العالية لم تُترجم بالضرورة إلى ارتفاعٍ في دخل الأسر، مما يشير إلى تباطؤ النموّ في الأجور، وكذلك زيادة سريعة في عدد الأسر.
كما شَهِدت عددٌ من المدن الكبرى تضخّماً في الأحياء العشوائية، وتراكماً في الأحياء الجديدة غير المخطَّطة جيداً كذلك، وهذا لم يقوّض فقط رفاهية الأسر؛ ولكنه أدّى أيضاً إلى زيادة نفقات العِمَالة، وأدّى إلى إعاقة الإنتاجية للعمّال. والآثار السلبية لسوء تخطيط الإسكان؛ صاحَبَها نقصٌ في البنية التحتية المَدَنِيّة، مثل: توفير الكهرباء، وشبكة المواصلات، وأنظمة المياه والصّرف الصّحي.
والعامل الأهمّ الذي ساهم في تلك النقائص هو عدم مواكبة البنية التحتية القديمة لتلك الزيادات؛ مما أدّى إلى إخفاقٍ في استيعاب السياقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والبيئة المرتبطة بعملية التمدّن التي شَهِدتها القارة السمراء.
ومن بين التوصيات التي خَلَصَ إليها التقرير، من أجل تقليل العجز في البِنْيَة التحتية، تحسين بيئات العمل عن طريق تحسين المؤسّسات والحُكم الرشيد، ووضع أُطرٍ تنظيمية، وزيادة إتاحة المهارات وتعليم العمّال.
وقدّم التقرير ثلاث توصيات أساسية من أجل تحسين بيئات العمل في المدن الكبرى:
أولاً: يجب على مسؤولي الحكومات، أو المدن الكبرى، أن يحسّنوا من خُططهم لإعداد المدن لموجات النزوح من الريف إلى الحضر؛ لكي تواكب الحقائق المحلية الجديدة.
ثانياً: الاستثمار في بناء المنازل يُعدّ شيئاً أساسيّاً؛ لتقليل تراكم الأحياء الكبرى غير المخطَّطة في مختلف المدن، وتحسين حياة النّاس، ولا سيما النازحون من الريف إلى الحضر.
ثالثاً: إنشاء مناطق صناعية خاصّة؛ مما يمكن أن يمثّل أداةً فعّالةً لشَحْذ الاستثمار، وزيادة الصادرات، وخَلْق الوظائف.
ولكن يجب أن يتزامن ذلك مع تخطيطٍ استراتيجيٍّ عامٍّ للدول، مع عناية خاصّة بجَوْدة الاقتصاد؛ من أجل الوصول إلى مزايا تلك الأحياء الصناعية الكبرى.
لذلك؛ يجب بذل المزيد من الجهد، والتركيز في تطبيق السياسات وليس فقط مجرد تعريفها، من أجل القضاء على واحدةٍ من أهمّ نقاط ضعف برامج التنمية في إفريقيا، ويجب كذلك تقوية المؤسّسات كشرطٍ أساسيٍّ للوصول إلى تطبيق سياساتٍ أسرع وأكثر حسماً، ومن ثمّ إطلاق مبادرات القطاع الخاص.
وبالرغم من التقدّم الذي توصّلت إليه بعض الدول في القارة؛ فإنّ متوسط جَوْدة المؤسّسات العامّة والخاصّة في إفريقيا تظلّ منخفضة، وتمثّل عائقاً كبيراً لتطبيق الإصلاحات، كما أنّ برامج التنمية في إفريقيا بصورةٍ عامّةٍ، وفي الدول الهشّة، والتي تمزّقها الصراعات بصورةٍ خاصّة، فإنّ تلك الأمور بحاجةٍ إلى وقتٍ طويلٍ لتنفيذها، لذلك يجب العمل في البداية على تحسين المؤسّسات العامّة والخاصّة، ومن ثَمّ تنسيق الحوار فيما بينهما من أجل تسريع عملية الإصلاح الاقتصادي (*).
الهوامش والاحالات :
(1) (تقرير التنافسية الإفريقية لعام 2017م): هو مشروعٌ خاصٌّ، يجري تحت رعاية فريق التنافسية الدولية التابع للمنتدى الاقتصادي الدولي، كما أنه نتيجة تعاون بين كلٍّ من المنتدى الاقتصادي الدولي والبنك الدولي للبناء والتنمية والبنك الدولي وبنك التنمية الإفريقية، وهو تقريرٌ يصدر كلّ عامَيْن، يحتوي على عدة مؤشرات اقتصادية خاصّة بالتنافسية الاقتصادية، ويسلّط الضوء على الدول الإفريقية، وترتيبها عالمياً طبقاً لكلّ مؤشّر من تلك المؤشرات.
(*) يمكن الاطلاع على التقرير كاملاً على الرابط الآتي: www.weforum.org/acr