تُلقي الأزمة السياسية في إقليم أرض الصومال بظلالها على مستقبل الإقليم والعملية السياسية هناك؛ حيث تتزايد المخاوف من تداعيات تلك الأزمة نتيجةَ تنامي الخلافات بين حكومة الإقليم والمعارضة السياسية؛ بسبب عدم الاتفاق على موعد للانتخابات الرئاسية هناك، والتي كان مقررًا لها 13 ديسمبر 2022م، في ظلّ محاولات رئيس الإقليم موسى عبدي بيهي تمديد بقائه في السلطة لمدة عامين إضافيين، ورفض المعارضة لهذه الخطوة. وهو ما يهدّد بزعزعة الاستقرار في الإقليم.
دوافع الخلاف السياسي في أرض الصومال:
يمكن الإشارة إلى أبرز دوافع تصاعد الخلافات السياسية بين الحكومة والمعارضة في أرض الصومال على النحو التالي:
1-تأجيل الانتخابات الرئاسية في الإقليم: وهو السبب الرئيسي للخلاف بين الرئيس بيهي والمعارضة السياسية التي تتهمه بمحاولة انتهاك الدستور والرغبة في تمديد بقائه بالسلطة. خاصةً بعدما وافق مجلس الشيوخ بأرض الصومال -الذي مدَّد عمله لمدة خمس سنوات هو الآخر- على التمديد له لمدة عامين إضافيين حتى 13 ديسمبر 2024م. وهو ما وصفته المعارضة بأنه قرار غير دستوري، ودفعها للإعلان بأنها لن تعترف بالرئيس بيهي كرئيس شرعي لأرض الصومال بعد انتهاء ولايته الدستورية في 13 ديسمبر 2022. وهو ما يهدّد بتفاقم الأزمة السياسية في الإقليم.
2-التمسك بإجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية: يُصِرّ الرئيس بيهي وحزبه الحاكم (كولميه) على إجراء انتخابات الأحزاب السياسية -من أجل اختيار أحزاب سياسية جديدة للمشاركة في الحياة الحزبية- قبل الرئاسية لا سيما أن حكومته قد وافقت على تخصيص نحو 10 ملايين دولار لتسجيل الناخبين وإجراء الانتخابات في الميزانية الجديدة 2023م.
وفي المقابل يتمسك تحالف المعارضة -المكون من حزبي وداني Waddani وأُعد- بإجراء الانتخابات الرئاسية أولًا. ويبدو أن الرئيس بيهي يرى أن عقد الانتخابات الرئاسية بعد اختيار أحزاب سياسية جديدة وربما أقل خبرة يزيد من فرص بقائه في السلطة، كما أنه يمثل خطوة نحو تفتيت قوة المعارضة الرئيسية في البلاد، بما يمكّنه من السيطرة على المشهد السياسي في البلاد. في الوقت الذي تشعر فيه المعارضة بالقلق من تصويت الأحزاب الجديدة.
3-فشل مبادرات الوساطة بين الطرفين: حيث تشكلت وساطة من شيوخ العشائر والأعيان في يونيو 2022م للتوصل لتسوية بشأن الخلاف القائم؛ إلا أنها فشلت في مسعاها بالرغم من موافقة المعارضة على مقترحها بشأن إجراء الانتخابات الرئاسية وانتخابات الأحزاب الجديدة في وقت واحد. وفي يوليو 2022م تشكلت لجنة للوساطة برئاسة سليمان محمود آدم، رئيس مجلس الحكماء، وعبد الرازق خليف، رئيس مجلس النواب بأرض الصومال، قبل أن تفشل هي الأخرى عقب سحب الرئيس بيهي الثقة منها. وهو ما يعكس إصراره على تمديد بقائه في السلطة خوفًا من خسارة الانتخابات المقبلة، لا سيما بعدما خسر حزبه الحاكم الانتخابات التشريعية الأخيرة في مايو 2021م.
4-تراجع سيطرة الحزب الحاكم: حقَّق حزبا المعارضة (وداني وأُعد) -اللذان دشَّنا تحالفًا للمعارضة- الأغلبية في البرلمان بعد نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة بأرض الصومال التي عقدت في مايو 2021م؛ حيث حصلا على 52 مقعدًا من أصل 82 مقعدًا (31 مقعدًا لحزب وداني، و21 مقعدًا لحزب أعد)؛ في مقابل حصول الحزب الحاكم (كولميه) على 30 مقعدًا فقط. وهو ما ترتب عليه فوز تحالف المعارضة بمقعد رئاسة مجلس النواب في أرض الصومال. الأمر الذي عزَّز قلق الحزب الحاكم خوفًا من إبعاده عن السلطة في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
يأتي ذلك في الوقت الذي تتصاعد فيه الخلافات الداخلية في الحزب الحاكم، لا سيما حول خلافة رئاسة الحزب، بالإضافة إلى تراجع شعبية الحزب على الصعيد الداخلي، وهو الذي عبَّرت عنه نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة في عام 2021م، والتي حسمتها المعارضة السياسية.
5-تصاعد العنف في أرض الصومال: دعت المعارضة إلى تظاهرات شعبية للضغط على النظام الحاكم من أجل الالتزام بالاستحقاقات الرئاسية المرتقبة. ونظَّمت في أغسطس 2022م عددًا من التظاهرات في العاصمة هرجيسا ومدينتي بوراو وإيريجافو. وهو ما واجهته القوات الأمنية باستخدام القوة المفرطة التي أسفرت عن مقتل 5 أشخاص وإصابة أكثر من 100 آخرين. وصعَّدت الأجهزة الأمنية باعتقال عدد من السياسيين وأنصار المعارضة، وهو استمرار لحملة اعتقالات قامت بها السلطات في أبريل 2022م لعدد من الصحفيين قبل الإفراج عنهم وقتذاك. ووجهت الحكومة تحذيراتها لشعب أرض الصومال من المشاركة في هذه التظاهرات بدون الحصول على إذن مسبق باعتبارها مخالفة للقانون، كما وجهت تعليماتها بالتصدي لهذه التجمعات. كما اتهمت الحكومة أطرافًا أجنبية بالتورط في اندلاع هذه الاحتجاجات والخلافات السياسية التي تشهدها أرض الصومال بهدف تهديد أمنها واستقرارها. في المقابل، ندَّدت ست بعثات دبلوماسية أجنبية من بينها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والاتحاد الأوروبي بالاستخدام المفرط للقوة خلال التظاهرات في بعض المدن.
6-التضييق على المجال العام: قررت حكومة أرض الصومال في سبتمبر 2022م إغلاق قناة صوت شرق إفريقيا الخاصة التي يقع مقرها في العاصمة هرجيسا، وذلك بسبب اتهامات لها ببثّ قضايا من شأنها زعزعة الأمن والاستقرار. وذلك وسط اتهامات لبعض وسائل الإعلام العاملة في أرض الصومال بنشر أفكار حركة الاتحاد الإسلامي. كما أعلنت سلطات أرض الصومال في يوليو 2022م عن وقف بثّ إذاعة بي بي سي من أراضيها عقب اتهامها بالانتقاص من هيبة وكرامة إدارة الإقليم.
تداعيات محتملة حول الأزمة في أرض الصومال:
يحمل تصاعد الأزمة السياسية في أرض الصومال جملة من التداعيات المحتملة، والتي تتمثل أبرزها في:
1-تنامي أزمة الشرعية السياسية في البلاد: ربما يتطور الخلاف السياسي في أرض الصومال إلى صدام بين الحكومة والمعارضة السياسية التي تصرّ على عدم الاعتراف بشرعية الرئيس بيهي منذ نهاية ولايته في 13 نوفمبر 2022م، وهو ما قد يُعزّز حالة الاضطراب السياسي في البلاد، ويخلق أزمة شرعية سياسية هناك ربما تكون تداعياتها كارثية على أمن واستقرار أرض الصومال.
2-انهيار الثقة بين الأطراف السياسية الفاعلة: وهو ما قد يُنْذِر بعدم التوافق أو التوصل إلى تسوية سياسية بشأن الأزمة الراهنة. الأمر الذي ربما يترتب عليه انخراط بعض الأطراف الإقليمية والدولية لتسوية الصراع السياسي في البلاد.
3-خروج الصراع عن نطاق السيطرة: مع استمرار دعوات المعارضة بتظاهرات شعبية مناهضة للنظام الحاكم الذي يواجهها بقوة أمنية صارمة، مما ينذر بسقوط المزيد من الضحايا المدنيين والإصابات، إضافةً إلى توسيع دائرة الاعتقالات السياسية لرموز المعارضة وأنصارها. وهو ما قد يهدّد بخروج الأمر عن السيطرة وانزلاق أرض الصومال في صراع سياسي يهدّد بزعزعة الأمن والاستقرار هناك.
4-تنامي المهددات بالنسبة لأرض الصومال: تهدّد حالة الاضطراب السياسي في هرجيسا بإخفاق السلطات هناك في التعاطي مع عددٍ من المُهدّدات على الصعيد الداخلي. فهناك خلاف متصاعد بين إقليم أرض الصومال وإقليم بونت لاند الصومالي حول إقليمي تغدير وسول المتنازع عليهما من الجانبين؛ حيث تتهم إدارة بونت لاند حكومة الرئيس بيهي بتسليح ميلشيات عشائرية في إقليم سول لتفجير الصراع في المنطقة. لا سيما بعد الخطوة الاستفزازية التي قام بها بيهي بزيارته إلى منطقة توكارق التي تبعد نحو 70 كيلو مترًا عن عاصمة بونت لاند غروي. كما تتهم قوات الدراويش ببونت لاند إدارة أرض الصومال بإيواء الإرهابيين، وهو ما نفته هرجيسا.
على صعيد آخر، قد يُمثّل تصاعد الخلاف السياسي في أرض الصومال فرصة جيدة للحكومة الفيدرالية الصومالية لتفجير الأوضاع هناك وصولًا إلى انهيار حكومة الإقليم بهدف تحقيق مساعيها بشأن احتواء إقليم أرض الصومال باعتباره الإقليم السادس في البلاد، خاصةً بعد إعلانه الاستقلال من جانب واحد في عام 1991م وسعيه إلى الحصول على الاعتراف الدولي.
5-تنامي التوترات العرقية في البلاد: قد يترتب على حالة الصدام بين النظام الحاكم والمعارضة السياسية تنامي التوترات الاجتماعية والعرقية في أرض الصومال. لا سيما في ضوء الصراع القائم بين القبائل والعشائر المكونة للنسيج المجتمعي هناك على المناصب والموارد، وإن كان صراعًا كامنًا، إلا أن تدهور الأوضاع السياسية والأمنية قد يفجّره خلال الفترة المقبلة.
6-تقويض المساعي للحصول على الاعتراف الدولي: تُصدّر هذه الاضطرابات السياسية في أرض الصومال نموذجًا سيئًا للقوى الدولية، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، وتعيد للذاكرة فشل نموذج جنوب السودان في المنطقة، وهي التي حصلت على استقلالها في عام 2011م وانخرطت في صراع ممتد منذ ديسمبر 2013م. ممَّا يجعل من الصعب حصول أرض الصومال على الاعتراف الدولي على الأقل في المدى القريب.
7-تهديد الاستثمارات الأجنبية في البلاد: يعزّز تصاعد الخلافات السياسية في أرض الصومال مخاوف المستثمرين الأجانب بسبب حالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي هناك. وهو ما قد يهدّد بتعليق أو وقف الاستثمارات الأجنبية حال تفاقم الأوضاع هناك. لا سيما أن أرض الصومال تُقدّم نفسها على أنها واحة من الاستقرار وسط منطقة مضطربة سياسيًّا وأمنيًّا.
وإجمالًا، من شأن استمرار وتصعيد الأزمة في أرض الصومال أن تهزّ الصورة الإيجابية للنموذج الديمقراطي الذي باتت حكومات هارجيسا تُروّج له على مدار السنوات الماضية باعتبارها واحة من الاستقرار السياسي والأمني وسط منطقة مضطربة -القرن الإفريقي-، وفي نفس الوقت تُعزّز مخاوف المجتمع الدولي حول احتمالية منح أرض الصومال حقّ الاعتراف الدولي من تكرار تجربة سلبية أخرى في المنطقة، وما قد يترتب عليه من توسيع دائرة الصراعات والنزاعات التي تُلقي بظلالها على زعزعة للاستقرار الإقليمي في شرق إفريقيا بما في ذلك القرن الإفريقي. وهو ما قد يدفع بعض القوى الدولية الفاعلة في المنطقة مثل الولايات المتحدة نحو الوساطة لتسوية الأزمة السياسية في هارجيسا.